تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي : تجارب واتجاهات

حسين زين الدين


* كاتب، السعودية.


عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
وبحثت جلسات المؤتمر خلال الأيام الثلاثة خمسة محاور هي:
1- تجارب المشاركة والتّحالفات السّياسية ما قبل الثّورات: بحث وتحليل وتقييم.
2- الحضور الجديد للسّلفية والسّلفية البرلمانيّة في مجتمعات تتغيّر.
3- الإسلاميّون وقضايا المواطنة ونظام الحكم الدّيمقراطي.
4- الإسلاميّون والتّحالفات وقضايا المشاركة في النّظم الدّيمقراطيّة الجديدة.
5- الإسلاميّون والقضيّة الفلسطينيّة والمحيط الإقليمي والدّولي.
وفي كلمة الافتتاح قال الأستاذ محمد جمال باروت الباحث في المركز العربي عن أهمية المؤتمر: إنه مؤتمر أكاديمي يتناول إشكاليات مشاركة الإسلاميين في الحياة الديمقراطية وتحدياتها، خصوصًا مع تبوُّؤ بعض حركات الإسلام السياسي السلطة في دول عربية بعد الثورات العربية وقبل ذلك في تجارب عاشتها بعض الدول العربية. وأشار إلى أنه مؤتمر علمي بحت خضعت أوراقه للتحكيم، والغاية هي الشروع في حوار جديّ بين الباحثين العرب والإسلاميين من الأقطار العربية المختلفة.
وكانت المحاضرة الأولى للدكتور عزمي بشارة، تناول فيها العلاقة بين الدين والديمقراطية. وبدأ كلمته بنقد الربط بين ما يسمى الحضارة المسيحية - اليهودية والديمقراطية، ووصف ذلك بأنه ربط تأويلي مصطنع. وقال: إنّ الديمقراطية في أوروبا لم تأتِ من أثينا كما هو شائع، ولم تأتِ كذلك من أورشليم، كما يحاول البعض إشاعته، بل من تيّار ديمقراطي ظهر في أوروبا قُبيل الثورة الصناعية وفي أثنائها. وأضاف قائلاً: «جميع الثورات اندلعت ضدّ امتيازات القلّة، وكانت تطالب بالمشاركة، فهي ديمقراطية بمعنى من المعاني». وشدّد على أنّ الديمقراطية ليست وجهة نظر تجاه الدين، بل هي وجهة نظر تجاه الحكم.
وأكّد أنّ الحرّية هي القاعدة، أما تقييد الحرية فهو الاستثناء. ثم انتقل الدكتور عزمي بشارة إلى الحديث عن العلاقة بين الدين والمبادئ الديمقراطيّة، فقال: إنّ كثيرين حاولوا إيجاد رابطة بينهما، إلَّا أنّ مثل هذا الربط كان مصطنعًا، فالدين، على العموم مسألة روحانيّة وعقديّة، والديمقراطيّة -بصفتها نظامًا للحكم- مسألة سياسيّة، ولا جدوى من التفتيش عن مثل هذه الرابطة.
وتحفَّظ عزمي بشارة على مقولة العلاقة المباشرة للتّنوير بالديمقراطية؛ لأنّ حركة التنوير في أوروبا ظلَّت نخبويّة، والديمقراطية نفسها نشأت بينما كان الناس بعيدين عن ثقافة الديمقراطيّة. أمّا النّخب الإسلاميّة في بلادنا العربية، يضيف الدكتور عزمي بشارة، فقد صارت، بالتدريج، جزءًا من النخبة السياسيّة العربيّة، وعليها تقع مسؤوليّة التأثير في اتّجاهات الثقافة السياسيّة اليوم. ولاحظ أنّ الديمقراطيّة في أميركا أسستها نخبة متدينة وغير متدينة معًا، حتّى أنّ ثورة كرومويل الجمهوريّة كانت ثورة ذات طابع أصوليّ متديّن، وأوّل ما فعلته ثورة كرومويل كان منع الخمر وتحريم البدع الدينيّة. أمّا أساس الديمقراطيّة الإنكليزية فهو الكنائس المنشقّة.
في ميدان آخر، تحدّث الدكتور عزمي بشارة عن الثقافة الشعبيّة التي سيكون لها شأن في تأسيس الديمقراطيّة في العالم العربيّ، لأنّ الناس هم من سيختارون ممثّليهم في نهاية المطاف، الأمر الذي يشكّل عناصر بناء الديمقراطيّة. أمّا كيف يفكّر هؤلاء الناس؟ وما هي تطلّعاتهم؟ فقد تجلّى ذلك في استطلاعٍ مثير أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات ضمن مشروع قياس الرأي العامّ العربي في المركز، وجاءت نتائجه مخالفة للتوقعات السائدة والشّائعة عن خيارات الناس في العالم العربي. فقد جرى استطلاع آراء أكثر من ستّة عشر ألف مواطن في اثني عشر بلدًا عربيًّا، بالتعاون مع مؤسّسات علمية، وكانت المؤشّرات الاستخلاصيّة كالتالي: إنّ 85% من المجتمع العربيّ يعرِّف نفسه كمتديّن جدًّا، أو كمتديّن إلى حدٍّ ما، و11% يعرّف نفسه كغير متديّن، و0.4% غير مؤمن. ويعتقد 49% أنّ التديّن يعني إقامة الفرائض والعبادات، بينما 47% يعتقدون أنّ التديّن هو حسن معاملة الآخرين والتكافل الاجتماعي، أي إنّ نصف المجتمع تقريبًا يرى الصّلة بالآخر بعيون مدنيّة.
وأشارت بقيّة المؤشّرات إلى أنّ معظم الأفراد، بمن فيهم المتديّنون جدًّا، لا يعارضون إقامة الديمقراطيّة كنظام للحكم، ولا يعترضون على الفصل بين رجال الدين والسياسة.
وشدّد الدكتور عزمي بشارة في نهاية محاضرته على أنّ من غير الممكن إقامة الديمقراطيّة وإهمال السّيادة الوطنيّة في الوقت نفسه (وهذا ما أكّده الاستطلاع أيضًا)، وقال: إنّ التّحالف مع الاستعمار أو الصهيونيّة لدى بعض القوى التي تنادي بالديمقراطيّة هو مسألة معادية للديمقراطيّة في الجوهر.
* اليوم الأول: السبت 6 أكتوبر 2012
الجلسة (الصباحية)
ناقشت جلسة الفترة الصباحية التي أدارها محمد المسفر « التجربة السودانية: بين الفكر والحكم والسياسة بين النظرية التطبيق»، وتحدث فيها كل من السادة: عبد الوهاب الأفندي:» الحكم الإسلامي من دون إسلاميين»، الطيب زين العابدين: «تجربة الحركة الإسلامية السودانية في مجال حقوق الإنسان»، شمس الدين ضو البيت: «تجربة الإسلاميين في الحكم في السودان»، المحبوب عبد السلام: «المدرسة الترابية بين السياسة والفكر وبين السودّنة والعالمية الإسلامية: التجربة والمصادر»، وغازي صلاح الدين ( معقب).
الورقة الثانية « تجربة الحركة الإسلامية السودانية في مجال حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق «
أراد الباحث الطيب زين العابدين في دراسته، تسجيل وتحليل مواقف الحركة الإسلامية السودانية في بعض مجالات حقوق الإنسان الهامة ( الديمقراطية، الحريات الأساسية، الأقليات الدينية، العدالة، حقوق المرأة، الحقوق الاقتصادية)، وتطور هذه المواقف أثناء فترة الديمقراطية الثانية عقب ثورة أكتوبر (1965-1969) عندما دخلت الحركة الساحة السياسية كحزب سياسي يخوض الانتخابات العامة لأول مرة وأثناء الديمقراطية الثالثة (1985-1989). واضطرت الحركة أثناء نشاطها السياسي وخوضها الانتخابات العامة 1965 و 1968 و 1986 لبلورة وتحديد أفكارها حول القضايا السياسية التي تشغل الساحة السودانية. وقد حاولت الحركة جهدها في استنباط حلول اجتهادية تنفتح على تجارب العالم المتقدم وفي ذات الوقت تنسق مع تعاليم وأحكام الإسلام، وتستجيب لطموحات وتطلعات القطاعات الحديثة في المجتمع.
ورأى الباحث أن الحركة اهتمت بقضية الاجتهاد الديني في مشكلات العصر، وكان زعيمها ومفكرها حسن الترابي ينتقد فكر الإسلاميين المعاصر؛ لأن بغالبه قاصر عما ينبغي له من الاستواء النظري وعما بلغته الحركة العلمية الحديثة، وقاصر في مقولاته النظرية خاصة في مجال الاجتماعيات، وكذلك في فنونه الجدلية. وكان يدعو بشجاعة لتجديد الفكر الديني حتى في أصوله الفقهية كي يكون قادرا على مجابهة مشكلات العصر المعقدة الكثيفة التي تحيط بالدول النامية.ويرتقي إلى التحدي الكبير الذي يطرحه الفكر الغربي في أوجه الحياة المختلفة.
وفي سياق آخر، تحدث الباحث عن وثيقة السودان لحقوق الإنسان، وبين أن الوثيقة تأتي أهميتها أنها كتبت بعد أن استولت الحركة الإسلامية على السلطة في السودان عبر انقلاب عسكري في يونيو 1989، وقد أجازها المجلس الوطني الانتقالي بالإجماع في يناير 1994، وربما جاءت ردا على الهجمة الضاربة التي تعرضت لها حكومة الإنقاذ في وسائل الإعلام الغربية ومن داخل أجهزة الأمم المتحدة.
وأوضح أن الوثيقة اشتملت على سبعة فصول: الأول مقدمة عامة لحقوق الإنسان ومؤهلات السودان في رعاية تلك الحقوق بحكم عراقته الحضارية وتوجهات أهله الثقافية وقيمهم الدينية، الفصل الثاني عن الإطار التاريخي والحضاري لحقوق الإنسان في السودان، الفصل الثالث تحدث عن ضمانات حقوق الإنسان في القوانين السودانية، الفصل الرابع جاء عن التزام السودان بالمواثيق الدولية، الفصل الخامس تحدث عن ظاهرة الاستغلال السياسي لحقوق الإنسان من قبل الدول الغربية التي اتسمت بازدواجية المعايير والتدخل في شؤون الآخرين، الفصل السادس خصص لدور التمرد في جنوب السودان في انتهاكات حقوق الإنسان، الفصل السابع فقد أورد عدداً من الحقوق المكفولة دستوراً وقانوناً في السودان.
واستعرض الباحث سجل الحركة الإسلامية في تطبيق أهم المبادئ في مجال حقوق الإنسان منذ بداية مسيرتها في أكتوبر 1964 حتى اليوم، وأجمل الحديث في هذه الحقوق حول القضايا التالية: الديمقراطية، الحريات الأساسية، العدالة، المساواة، الحقوق الاقتصادية.
وأوضح أن سيرة الحركة الإسلامية في الفترة المذكورة لا تدل على إيمان عميق بالمبادئ الديمقراطية، وتنكرت عند استلامها السلطة في عام 1989 لكل أطروحاتها عن الحريات الأساسية بصورة غير مسبوقة لدى القوى السياسية الأخرى.
وتساءل الباحث في نهاية دراسته، كيف تنكرت الحركة الإسلامية السودانية لأطروحاتها المتقدمة في مجال حقوق الإنسان؟ وقد كانت مؤهلة بحكم التزامها الديني بالقيم الإسلامية السمحة، وبتوفر كوادرها عالية التعليم، وتنظيمها القوي الممتد في أنحاء البلاد وتراثها الشوري الفاعل.
الجلسة (المسائية الأولى)
لقد ناقشت جلسة الفترة المسائية التي أدارها محسن صالح «حركة النهضة وتحديات بناء الدولة في تونس مع رؤية مصرية مقارنة»، وتحدث فيها كل من السادة:أنور الجمعان «الإسلاميون في تونس وتحديات البناء السياسي والاقتصادي للدولة الجديدة: قراءة في تجربة حركة النهضة»، حمادي الذويب «الإسلاميون في تونس: قضايا المرأة بين مطرقة النص وسندان الواقع»، محمد السيد سليم «تقييم الأداء السياسي للحركات الإسلامية في مصر بعد الثورة مع إشارة إلى تونس»، رياض الشعيبي (معقباً).
الورقة الأولى: «الإسلاميون في تونس وتحديات البناء السياسي والاقتصادي للدولة الجديدة: قراءة في تجربة حركة النهضة».
ركز الباحث أنور الجمعان في ورقته النظر في حدث وصول الإسلاميين إلى الحكم في تونس باعتبار ذلك حدثاً مهمًّا في تاريخ البلاد المعاصر، وفيها أوضح أن الإسلاميين ظلوا في معزل عن تولي مقاليد السلطة منذ تأسيس ما يسمى بدولة الاستقلال. وقد أتاحت لهم ثورة 14 (يناير) 2011 فرصة العودة للانخراط في النسيج المجتمعي المدني والفعل السياسي، وكان أن استثمرت حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية ماضيها النضالي على أحسن وجه. وكانت انتخابات 23 أكتوبر 2011 تجربة ديمقراطية فريدة في تاريخ البلد، فقد مارس الشعب حقه في اختيار ممثليه في كنف النزاهة والحرية والمسؤولية، واعتلى الإسلاميون ممثلين في حركة النهضة لأول مرة سدة الحكم، ومنحها ذلك مزيداً من الشرعية، وذلك بعد فوزها بأغلبية المقاعد في المجلس التأسيسي، وهو ما أهَّلها لتشكيل حكومة ائتلافية جمعت علمانيين وإسلاميين لأول مرة في تاريخ تونس في تحالف سياسي سيادي واحد، وقيادة البلاد في هذه الفترة الانتقالية الدقيقة.
وبيَّن الباحث أن فوز النهضة بالأغلبية قد أشاع حالة من الارتياح لدى أتباعها ولدى عدد من الملاحظين الذي اعتبروا ذلك بداية لعهد التداول على السلطة، وتحكيم إرادة الشعب لتشكيل مؤسسات الدولة، وعدوا حكم النهضة فرصة لاختبارها والتثبت من مدى اعتدالها، فإن آخرين قد رأوا في صعود الإسلاميين إلى مواقع القرار خطراً على الجمهورية وتهديداً للمكاسب الحداثية لتونس (حرية المرأة - مجلة الأحوال الشخصية - التعددية الثقافية...)،وأنذروا بأن النهضة ستسعى إلى أسلمة المجتمع بالقوة، وإلى إعادة إنتاج الديكتاتورية في لبوس ديني، موظفةً الديمقراطية للانقلاب على الديمقراطية، وشكَّك فريق آخر في قدرة الحركة على رفع التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تواجه تونس اليوم.
من هنا أراد الباحث في هذه الورقة البحث في مدى معقولية الخوف من حركة النهضة الإسلامية من ناحية، ومدى قدرتها على الاستجابة لمقتضيات الانتقال من حزب معارض، مُقصى على مدى عقود إلى حزب حاكم. محاولاً التركيز على تجلية أهم التحديات التي تواجه هذه الحركة في بناء معالم الدولة الجديدة بعد الثورة، وقد صنف التحديات إلى صنفين: تحديات ذاتية وتحديات موضوعية، وتتعلّق الأولى بمشكلات إعادة بناء حركة النهضة لنفسها تنظيريًّا وتنظيميًّا حتى تستجيب لمستلزمات المجتمع بعد 14 يناير 2011، وتتعلَّق الثانية بتبيين أهم التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه الحركة والائتلاف الحاكم معها في إدارة تجربة الحكم.
وعلل الباحث اشتغاله على حركة النهضة دون غيرها من الإسلاميين؛ بأنها حزب إسلامي مارس العمل السياسي في السر والعلن معارضاً، ووصل إلى الحكم، ولأن أدبياتها قبل الثورة وبعدها متوفرة، وهو ما مكننا من مراجعتها وقراءتها، وتمثل تصوراتها للحكم تنظيراً وتطبيقاً.والأمر الآخر؛ لأنه موضوع راهني يتعلّق بتبيين واقع الممارسة السياسية لحزب إسلامي حاكم في تونس في مرحلة الانتقال الديمقراطي، والوعي بآليات إدارته للشأن العام.
وتحدَّث الباحث عن حركة النهضة قبل الثورة وبعدها والانعكاسات التي تركت أثراً في أدائها ومقولاتها السياسية، فقد تميَّزت حركة النهضة في بداياتها بثلاث سمات بارزة:
الأولى: انتقال الحركة من جماعة دعوية إلى حزب سياسي.
الثانية: دخول الحركة في مواجهة مباشرة مع الآلة القمعية للدولة، مما ساهم انحسار وجودها العلني في الساحة التونسية، واضطرها للعمل السري وتحويل نشاطها إلى المهجر.
الثالثة: أسهمت حقبة النفي والإقصاء في تطوير الحركة لمقولاتها السياسية، مما أهّلها للقيام بدور فاعل في المشهد السياسي في تونس بعد 14 يناير 2011، وهو ما أحدث تحوّلاً نوعيًّا في حضور حركة النهضة داخل المجتمع التونسي تجلَّى من خلال:
أولاً: انتقال الحركة من مرحلة النفي والإقصاء والعمل السري إلى مرحلة العمل السياسي العلني.
ثانياً: صياغة الحركة لبرنامج انتخابي مميز أهلها لاستقطاب أكبر عدد من المناضلين.
ثالثاً: استعادة الحركة حيويتها التنظيمية والهيكلية مما مكّنها من المشاركة الفاعلة في المشهد السياسي التونسي.
رابعاً: اعتلاء الحركة سدة الحكم بعد فوزها بأغلبية مقاعد المجلس التأسيسي وتشكيلها حكومة ائتلافية تتزعمها حركة إسلامية لأول مرة في تاريخ تونس الحديث.
ووفي نهاية الورقة يطرح الباحث بعض الاستنتاجات التالية:
أولاً: انتقال حركة النهضة من الدعوة إلى الدين إلى الدعوة إلى التغيير السياسي، بناء على مرجعية إسلامية.
ثانياً: أثبتت تجربة الحكم الانتقالي أن النهضة على عثراتها لم توظِّف الديمقراطية ضد الديمقراطية، إو العمل على أسلمة المجتمع وعسكرة الدولة.
ثالثاً: لم تنجح حركة النهضة ومعها الائتلاف الحاكم في تحويل نجاحها الانتخابي إلى نجاح تنموي لأسباب ذاتية (قلة الخبرة بالحكم - اختلاف الأرضيات الأيديولوجية - المحاصصة السياسية...)، وأسباب موضوعية (عودة فلول النظام السابق - الأفعال الاحتجاجية الفوضوية...).
رابعاً: ليس حزب النهضة «حزباً حديديًّا» يتمترس خلف مسبقات أيديولوجية نهائية وأحكام ثابته، بل هو حزب براغماتي يستحضر الواقع ويستشرف المستقبل، ويحسن إدارة عملية التباري الانتخابي والاستقطاب السياسي، ويراعي خصوصية المجتمع التونسي (التعدد الثقافي - حقوق المرأة – الانفتاح على الآخر - التعايش والاعتدال...)، ولم ترَ الحركة خيراً في تقديم الوحدة الوطنية على مسلماتها العقدية، وذلك بتنازلها عن تطبيق الشريعة.
خامساً: جسَّدت حركة النهضة أول تجربة إسلامية ديمقراطية للإسلام السياسي في البلاد العربية تأسست على الإقرار بالآخر، والتسليم بالديمقراطية، والقبول بتحكيم الشعب، واحترام حقوق الإنسان في ظل الدولة المدنية، فجسّرت الهوة بين الإسلام والحداثة، وخرجت من بوتقة التنظير للاجتماع الديني إلى فضاء التأسيس للاجتماع المواطني.
سادساً:أسست حركة النهضة لتجربة توافق علماني/ إسلامي في إدارة دفة الحكم، مما أسهم في الحد من الأحادية والفردية في إدارة الشأن العام التي عاشت البلاد ويلاتها على مدى عقود خلت.
سابعاً: بدأ الأداء السياسي لحركة النهضة في الحكم باهتاً مقارنة بأدائها في المعارضة، بسبب حالة التردد والارتباك حيال اتخاذ إجراءات استعجالية وحلول عملية.
ثامناً:يبقى المهاد المرجعي لحركة النهضة في حاجة إلى مزيد من التجديد والتوضيح والتطوير والنقد حتى تواكب مستجدات العصر الديمقراطي لتونس الجديدة.
تاسعاً: إن حركة النهضة ومعها القوى المدنية والحزبية في المجتمع التونسي مدعوة إلى تأسيس مشهد سياسي ديمقراطي حداثي.
الورقة الثانية: «الإسلاميون في تونس: قضايا المرأة بين مطرقة النص وسندان الواقع».
تؤدي دراسة حمادي الذويب إلى نتائج متنوعة؛ لعل من أهمها غياب موقف ثابت من قضايا المرأة لدى حركة النهضة كبرى الحركات الإسلامية في تونس؛ لأنها تتفاعل مع واقعها ومجتمعها، وتحاول التأقلم مع الضغوط السياسية والسياق الدولي. وقد بدا هذا في موقفها من مجلة الأحوال الشخصية، ومن مسألة تعدُّد الزوجات بصفة جلية. ولعل هذا أحد المؤشرات الرئيسة التي تخبر عن الطابع السياسي المدني لحركة النهضة. وفرض هذا الطابع على قيادات الحركة البحث عن حلول توافقية لا تصدم المجتمع من جهة، ولا تتعارض مع النص القرآني المجيز لتعدّد الزوجات ومع العلماء القدامى على هذا الموقف.
ويشير الباحث من خلال ورقته إلى أن خطاب الإسلاميين في تونس في المواضيع المتصلة بالمرأة مرتبك بعض الشيء، فهو أحياناً يتطابق مع متطلبات الحكم الديمقراطي، وأحياناً يبدو في تعارض معها.
وأوضح الباحث أن إسلاميي حركة النهضة قبلوا بالديمقراطية منهجاً في الحكم، لكن دون أن يعني ذلك تنصلهم من أحكام الشريعة وقواعدها القطعية.
وقد انتهى الباحث إثر مقارنة المواقف النظرية من المرأة لدى الإسلاميين بممارساتها وفعلهم السياسي؛ إلى عدم انسجام المستويين أحياناً (المواقف والممارسة)، وإلى شكلية مواقفهم النظرية أحياناً أخرى، من ذلك مثلاً: اعتبارهم دخول المرأة إلى المجلس التأسيسي أمراً محدوداً، لن يؤثر في سلطة الأغلبية من الرجال، مما يعني أن دعوتهم إلى مشاركة المرأة في المجال السياسي، قد لا يكون مبنيًّا على إيمان حقيقي بمساواتها للرجل، وبحقوقها المدنية والسياسية.
ويخلص الباحث في ختام ورقته إلى القول: إن المؤشرات التي بدت لنا من خلال بحثنا، لا تُخبر عن ربيع منعش سيسود صِلات الإسلاميين بمجتمعاتهم؛ وإنما يُنبئ عن خريف ستكون عواصفه كثيرة وشديدة. غير أن الأمل معقود على تعقّل قيادات الإسلاميين، وعلى إيمانهم بالوسطية وبنسبية الحقيقة؛ للتوصل إلى حلول توافقية بين مكونات المجتمع، لا تصدم قواطع الشرع من جهة، ولا تصدم العرف الاجتماعي المستقر من جهة أخرى.
الورقة الثالثة: «الأداء السياسي للتيارات الإسلامية في مصر منذ ثورة 25 يناير 2011».
تركِّز دراسة محمد السيد سليم على عرض وتقييم الدور السياسي الذي قامت به التيارات الإسلامية في مصر منذ 25 يناير 2011. وقد عمد إلى استعمال مصطلح التيارات الإسلامية لسببين: أولهما أننا ندرس أداء تيارات فكرية – سياسية وليس أداء حركة بذاتها. فالحق أن التيارات الإسلامية تتألف من العديد من الحركات التي يصعب تقييم دورها منفردة في بحث واحد، وثانيهما أننا نتحدث عن تيارات تُعلن مرجعيتها هي الشريعة الإسلامية، وليس عن تيارات «إسلامية» بالضرورة، أو أن برامجها تتّفق مع الشريعة أو تعبّر عنها. فالحق أن بعض توجهات تلك التيارات قد لا يتفق مع الشريعة الإسلامية.
وتناول الباحث في دراسته بالتقييم أداء تلك التيارات في المجال العام في مصر منذ ثورة 25 يناير 2011، بحكم الدور المحوري الذي لعبته في تحديد مسار الثورة مع التركيز على جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها أكبر تيارات الإسلام السياسي في مصر، وباعتبار أنها ظلَّت عنصراً مهمًّا في السياسة المصرية منذ 1928.
ويُظهر الباحث أهمية هذا التقييم من أن أداء التيارات الإسلامية سيحدِّد مدى نجاح أو إخفاق الثورة في الوقت الذي نجد فيه تبايناً شديداً في آراء المثقفين المصريين حول هذا التقييم بين من يرون أن تلك التيارات ستُحقِّق نهضة مصرية شاملة، ومن يرون أنها تحمل إعادة مصر إلى عصور الظلمات. مبيِّناً أن تقييم أداء هذه التيارات الإسلامية لا يعني تبرئة التيارات الأخرى، ولكنه يعني أن تقييم أدائها لا يدخل في موضوع هذا البحث.
إلى جانب أن هذه الدراسة تطرح عدة استفسارات، فإن المقولة الأساسية لهذا البحث هي أن التيارات الإسلامية دخلت السياسة المصرية وممارسة السلطة بشكل مفاجئ، ومن ثم فهي لم تُعِدّ نفسها للعمل السياسي، ناهيك عن ممارسة السلطة، وهي وإن بدأت متواضعة الطموحات إلا أن بريق السلطة سرعان ما خطف أنظار قاداتها، مما دفعهم إلى المسارعة باقتناص اللحظة التاريخية «للتمكين».
الجلسة (المسائية الثانية)
ناقشت جلسة الفترة الصباحية التي أدارها النور حمد «الشيعية السياسية بين الفكر والممارسة»، وتحدّث فيها كل من السادة: فرح كوثراني «ضد الحكومة المطلقة: الشيخ محمد شمس الدين ونقد ولاية الفقيه»، طلال عتريسي «تجربة مشاركة حزب الله السياسية في لبنان بين «ولاية الفقيه» و «ولاية الأمة على نفسها»، توفيق سيف (معقباً).
الورقة الأولى: «ضد الحكومة المطلقة: الشيخ محمد شمس الدين ونقد ولاية الفقيه».
تتناول هذه الورقة شقًّا من الفكر السياسي للشيخ محمد مهدي شمس الدين الذي كان رئيساً للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان في العقد الأخير من القرن العشرين، وكان من المجتهدين الشيعة البارزين.
تُشير الباحثة إلى أن شمس الدين عالج مفهوم الحكومة في الإسلام، واستنبط صيغاً صالحة، في رأيه، للمجتمعات الإسلامية المعاصرة؛ حيث يكون فصل السلطات فيها قائماً وثابتاً. وأدّى به انشغاله بتحديد سلطات الحكومة إلى نقد ولاية الفقيه.
وتبيَّن أن هناك جدلاً فقهيًّا بين علماء الشيعة بشأن مدى ارتباط نظرية الفقيه بالعقيدة الأمامية الشيعية، ومدى صلاحية نقل سلطات الإمام الغائب السياسية والرئاسية إلى الفقيه الجامع للشرائط. ومن المعروف أيضاً أن بدء تعاطي الفقهاء الشيعة بالشأن العام والشأن السياسي، أي بدء مشروعية تعاملهم مع السلطات الزمنية، يعود إلى العهد الصفوي في إيران، والذي يشهد بدوره بداية كتابات فقهية شيعية تُشرعن لهذه السلطات وتُشرِّع تعامل الفقيه معها. وظل الدور السياسي والعام للفقهاء يزداد في العصريين التاليين، القاجاري والبهلوي، إلى أن قام الإمام الخميني بطرح نظرية ولاية الفقيه العامة التي يُسوِّغ فيها للفقيه تولِّي السلطات السياسية المطلقة.
وتخلص الباحثة إلى أن شمس الدين كان دفاعه عن الحكومة الإسلامية وتبنيه لولاية الأمة على نفسها نابعاً من تخوُّفه من إرهاصات فكر الخميني على الشيعة خارج إيران، وعلى دور العلماء المجتهدين في ظل السلطات المطلقة لولاية الفقيه.
من هنا ترى الباحثة انهماك شمس الدين في البحث عن صيغ للحكومة الإسلامية بديلاً عن صيغة ولاية الفقيه من أجل إنقاذ استقلالية المجتهدين عن سلطة الدولة، ولا سيما عندما يكون على رأسها ولي فقيه، له ولاية مطلقة الصلاحيات على العباد وباقي الفقهاء.
* اليوم الثاني: الأحد 7 أكتوبر 2012
الجلسة الثالثة- أ
ناقشت هذه الجلسة التي أدارتها منى أنيس «مواقف من المواطنة والدولة والعلاقات الدولية»، وتحدَّث فيها كل من السادة: كمال عبد اللطيف «ما بعد الثورات العربية: الإصلاح الديني والعلماني»، سامي الخزندار «منظور الحركات الإسلامية تجاه العلاقات الدولية: التطور والمضامين والممارسات»، رشيد مقتدر «القوى الإسلامية والتحالفات المبرمة خلال مرحلة ما قبل الربيع العربي وما بعدها: محاولة للفهم»، سالم الفلاحات (معقباً).
الورقة الأولى: «ما بعد الثورات العربية: الإصلاح الديني والعلماني».
اتَّجه كمال عبد اللطيف في ورقته إلى التفكير فيما بعد الثورات العربية، من خلال ثلاث قضايا كبرى، ويتعلَّق الأمر بالمشروع الديمقراطي والإصلاحي الديني وقضية العلمانية.
وكان الهاجس الأساس –بحسب رأي الباحث- وهو يخوض غمار هذه الدراسة؛ يتمثل في بناء محاور في الفهم، تروم تحصين المنجز الثوري الحاصل في وطننا الكبير، ودفعه لبلوغ الأفق الذي يطمح إليه، وهو بلوغ عتبة الديمقراطية، وذلك انطلاقاً من الشعارات التي كانت ترفعها الحركات الاحتجاجية، في أشهر الانفجار الحاصل في أغلب الساحات العربية خلال 2011.
وارتكز الباحث في مقاربة كيفيات التحصين على الاهتمام أساساً بمسألة الإسناد الفكري للثورات الحاصلة، وذلك لاعتقاده بأن نجاح الثورات العربية في تخطي المراحل الانتقالية وبلوغ عتبة الانتقال الديمقراطي، يتطلّب ثورة ثقافية تقوم على مغالبة التقليد الفكري الراسخة في مجتمعاتنا. والثورات الواقعية، كانت –في شكل من أشكالها– من إنجاز فاعلين جدد، إضافة إلى ما تبقى من الفاعلين السياسيين الذي يحضرون بصورة أو بأخرى في المشهد الحزبي العربي.
وأشار في ورقته بقوله: إننا نواجه ما حصل بعد الثورات العربية بتفاؤل كبير، ويملؤنا حبور تاريخي دفع البعض منا -دون تردد- إلى وصف ما حدث بالربيع العربي. فقد صوَّب الباحث النظر نحو مهمتين أساسيتين: مهمة إتمام معارك الإصلاح الديني في الفكر العربي، ومهمة الاستمرار في توطين قيم الحداثة وما يرتبط بها في موضوع فصل الدين عن الدولة.
كما صوَّب النظر في هذه الورقة نحو المهمتين المذكورتين، لاعتبارات عديدة: منها ما هو موصول بمسألة وصول بعض تيارات الإسلام السياسي إلى السلطة في بعض البلدان العربية، وخوفنا من انتعاش المواقف المحافظة من مورثنا الديني والثقافي. ومنها ما هو تاريخي؛ بحكم أننا نواجه منذ أكثر من قرنين من الزمان معضلة التكيّف والملاءمة بين مورثنا ومنجزات الثقافة المعاصرة، واستمرار مخاتلتنا لأسئلة الإصلاح الديني.
الورقة الثانية: «منظور الحركات الإسلامية تجاه العلاقات الدولية: التطور والمضامين والممارسة».
يتناول سامي الخزندار في دراسته هذه معرفة ماهية منظور أو الأطروحات النظرية لحركات الإسلام السياسي، وبشكل رئيس حركة الإخوان المسلمين، بمختلف أشكال صيغها الحزبية في العالم العربي، تجاه العلاقات أو السياسات الدولية المعاصرة، بما في ذلك الفاعلين الأساسيين فيها، إضافة إلى دراسة مراحل تطور منظورها للعلاقات الدولية، وتطور العلاقة بين هذه الحركات والبيئتين الإقليمية والدولية من خلال رؤيتها وبرامجها وسياساتها منذ أربعنيات القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر – مرحلة ثورات الربيع العربي.
وحصر الباحث نطاق دراسته في حركات الإسلام السياسي المعاصر، تحديداً العربية السُّنيَّة منها، والتي تتمثَّل بشكل رئيس في حركة الإخوان المسلمين، وصيغتها الحزبية في العالم العربي، وكذلك الحركات التي ارتبطت بها ثم انفصلت عنها، لكنها ظلَّت تحمل رؤية قريبة منها.
وعلَّل الباحث اختيار حالة الدراسة هذه لاعتبارات عدة:
أولاً: أنها تشكل التيار الأكبر لظاهرة الإسلام السياسي في الدول العربية.
ثانياً: مسألة المشاركة في العملية السياسية والإجراءات الديمقراطية.
ثالثاً: إعلان رفضها للعنف كمنهج للتغيير.
رابعاً: اختلافها عن غيرها من الحركات الإسلامية السلمية الأخرى التي لا تنخرط في العمل السياسي والإجراءات الديمقراطية.
وتطلَّع الباحث إلى أن تكون هذه الدراسة مساهمة في الدراسات المعاصرة المهتمة بظاهرة الإسلام السياسي، مع أنها لن تُغني عن مزيد من الدراسات العلمية الموضوعية في هذا الشأن.
وفي ختام هذه الدراسة، يؤكد الباحث أن الواقع الجديد لمرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي يشير إلى أن الحركات الإسلامية هي ظاهرة المرحلة القادمة، فهي أصبحت على رأس السلطة السياسية، أو على الأقل المشاركة فيها في الكثير من الدول العربية. وهو ما سيخلق واقعاً إقليميًّا ودوليًّا جديداً من حيث طبيعة الفاعلين، وأولوياتهم.
ومن جهة أخرى، يرى الباحث أن واقع الممارسة العملية لهذه الحركات الإسلامية من خلال موقعها في السلطة الرسمية، قد يعمل على إنضاج الممارسة السياسية الدولية لهذه الحركات، إضافة إلى تطوير منظور المثالية - الواقعية لمنظومتها القيمية للعلاقات الدولية.
الورقة الثالثة: «القوى الإسلامية والتحالفات المبرمة خلال مرحلة ما قبل الربيع العربي وما بعدها: محاولة للفهم».
في هذه الدراسة أوضح الباحث رشيد مقتدر أن الإسلاميين المشاركين في اللعبة السياسية سعوا إلى التميُّز عن باقي الفاعلين بصياغة خطاب أخلاقي ينهل من المرجعية الإسلامية، وقد توّج ذلك باستعمالهم المكثف لمفاهيم الأسلمة والتخلّق والهوية، في محاولة للبروز كفاعلين سياسيين ذوي هوية خاصة. وقد نجم عن هذا الاختيار السياسي تعرّضهم لضغوط النظام السياسي ومواجهة مفتوحة مع خصوصهم الأيديولوجيين والسياسيين؛ مما اضطرهم إلى التقلّص من حدة هذه الخطابات حتى تبدو أكثر مرونة واعتدالاً.
وأضاف: فقد ساهم التحوّل من الاضطلاع بدور المعارضة السياسية إلى قيادة الفعل السياسي الرسمي، إلى رضوخ الإسلاميين للمزيد من التنازلات، واستجابتهم للإكراهات السياسية (ضغوط، مطالب)؛ وذلك نتيجة لتحالفاتهم المبرمة مع شركائهم في السلطة تحت مسمى التوافقات.
ويطرح الباحث في حديثه عن القوى الإسلامية والتحالفات المبرمة مع القوى السياسية اليسارية واللبرالية أو غيرها، إشكالية كبرى هي إدماج القوى الإسلامية داخل أنظمة الحكم. ويتفرّع عن هذه الإشكالية الكبرى إشكالان مركزيان:
الأول: علاقة الإسلاميين بالأنظمة الحاكمة، وطبيعة الاستراتيجيات المنتهجة من كلا الطرفين، ونوعية التكتيكات المتبعة.
أما الإشكال الثاني: فيتحدّد في استجلاء علاقة الإسلاميين بخصومهم السياسيين ومنافسيهم الأيديولوجيين، وذلك بدرس نوعية التحالفات السياسية المبرمة وسياقاتها وأهدافها، والعمل على فهم المنطق المحرك لها بعيداً عن المسوغات الأخلاقية والتبريرات الأيديولوجية.
وبيَّن أن القوى الإسلامية سعت في رؤيتها الفكرية ومشروعها السياسي إلى العمل على استبدال مفهوم السياسة وبراغماتيتها، لتغدو أكثر نبلاً وإشراقاً.
وحاول الباحث عبر سعيه إلى فهم منطق التحالفات السياسية لدى القوى الإسلامية، انطلاقاً من نظرية المشاركة السياسية والمفاهيم المركزية المعتمدة؛ وذلك بالتركيز على نموذجين:
1- أنماط التحالفات والشراكات المبرمة من لدن حزب العدالة والتنمية المغربي كنموذج للقوى الإسلامية الإصلاحية المشاركة في العلمية السياسية.
2- تحالفات جماعة العدل والإحسان التي تشتغل كحركة اجتماعية ذات طابع احتجاجي من خارج النظام السياسي، ومراهنتها على البوابة المجتمعية، بعيداً عن إكراهات اللعبة السياسية.
الجلسة الثالثة - ب
ناقشت هذه الجلسة التي أدارها محمد الأحمري «الإخوان المسلمون والسلفيون وتحديات المرحلة الانتقالية في مصر»، وتحدّث فيها كل من السادة: إبراهيم بيومي غانم «الإخوان وسلطويات الدولة الحديثة: حالة مصر في المرحلة الانتقالية بعد ثورة يناير»، نيفين مسعد «تحليل البرنامج الانتخابي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر»، خليل العناني «التيارات السلفية في مصر: تفاعلات الدين والأيديولوجيا والسياسة»، هشام جعفر «السلفيون في مصر.. إشكاليات الانتقال من الدعوي إلى السياسي». جمال حشمت (معقباً).
الورقة الأولى: «الإخوان وسلطويات الدولة الحديثة: حالة مصر في المرحلة الانتقالية بعد ثورة يناير».
تناول الباحث إبراهيم بيومي غانم بالتفصيل موقف إخوان مصر مما أسماه «سلطويات الدولة الحديثة»، وقد تناولها كونها هي الأهم والأكثر تأثيراً على مسار عملية التحوّل الديمقراطي وإمكانية الوصول إلى بر الاستقرار السياسي.
وأشار الباحث إلى أهم هذه السلطويات:
1- سلطوية الجماعة الحاكمة على عموم المحكومين، باسم الدولة وعبر بيروقراطيتها الرسمية.
2- سلطوية النخبة المتغربة على الجمهور العام؛ باسم المعرفة والتنوير والتقدمية.
3- سلطوية العسكر على المدنيين، باسم الذود عن الأرض والكرامة الوطنية.
4- سلطوية المترفين على الفقراء والعمال، باسم الريادة والكفاءة والتفوّق.
5- سلطوية المدينة على القرية، باسم التفوّق المادي والأدبي.
6- سلطوية الدولة العميقة على الدولة الرسمية، بلا اسم، بلا عقلانية؛ فقط لضمان النفوذ وشبكة المصالح الخاصة.
7- سلطوية الخارج على الداخل، بحكم الأمر الواقع، ولأسباب كثيرة يتّصل كل منها بطرف مع سلطوية أو أكثر من السلطويات السابقة.
وتساءل الباحث: كيف تصرّف الإخوان تجاه تلك السلطويات في سياق المرحلة الانتقالية، خاصة بعد أن أضحوا على مراكز صنع القرار واتخاذه؟ مجيباً عنه بالتركيز على تشريح أربع سلطويات فقط هي: النخبة على الجمهور العام، وسلطوية العسكر على المدنيين، وسلطوية المترفين على المفقودين، وسلطوية المدينة على القرية.
ويخلص الباحث إلى القول: من الأنصاف القول: إنه في المرحلة الانتقالية لا يمكن طبعاً اجتثاث كل تلك السلطويات دفعةً واحدةً، وإنما يكفي أن تُوضع على جدول أعمال السياسات العامة. وأن تُعطى أولوية لمواجهتها وفق رؤية واضحة تكفل إعادة بناء الحرية وإدخال أكبر عدد ممكن من المواطنيين إلى حيِّز المجال العام. ما لم يكن هذا الهدف واضحاً، وما لم يكن الطريق إليه سالكاً؛ سيظل بين النظام الجديد والاستقرار السياسي والتحوّل الديمقراطي والتقّدم الاقتصادي والاجتماعي؛ عائق كبير.
الورقة الثالثة: «التيارات السلفية في مصر: تفاعلات الدين والأيديولوجيا والسياسة».
تسعى ورقة الباحث خليل العناني رصد خروج التيار السلفي إلى المجال العام وتقييمه، وذلك من خلال طرح ثلاثة أسئلة رئيسة: الأول يتعلق بالتساؤل عن التكييف الثيولوجي والأيديولوجي والسياسي للانخراط السلفي في المجال العام. أي فهم الأطر الأيديولو جية الحاكمة للنشاط السياسي والحركي للسلفيين. الثاني يتعلّق بالتأثير المحتمل للحيوية السلفية في الحالة السياسية في مصر خاصة عملية التحوّل الديمقراطي. أما الثالث فيتعلّق بالتأثير والتداعيات التي قد يتركها الانخراط السياسي للسلفيين على رؤاهم وأفكارهم وأيديولوجيتهم.
وتتبنى هذه الدراسة أطروحة تنطلق من دور الانفتاح السياسي في تشجيع الفاعلين الاجتماعيين على الخروج إلى المجال العام والاستفادة من الفرص المتاحة فيه من أجل تعزيز حضورهم سياسيًّا واجتماعيًّا.
من هنا فإن الدراسة تتبنى فرضيتين: أُولاهما أنه كلما ازداد الانفتاح السياسي حدث تنوّع في الخارطة السياسية خاصة داخل التيار السلفي. والثانية أنه كلما ازداد خروج السلفيين وانخراطهم في المجال العام، تأثرت أطروحتهم الفكرية والأيديولوجية، وبالتالي حدثت تحوّلات في سلوكهم السياسي.
وفي نهاية الدراسة أشار الباحث إلى عدة استخلاصات ونتائج أولية:
أولاً: إن التيار السلفي ليس كتلة واحدة أو فصيلاً واحداً يمكن إطلاق الأحكام عليه دون تدقيق. فهناك حالة واضحة من التمايز والاختلاف داخل التيار السلفي ما بين جماعات وأحزاب وهيئات وشبكات مختلفة سواء في الخطاب أو الممارسة أو البعد الهيكلي والتنظيمي.
ثانياً: إن دمج التيار السلفي في العملية السياسية كان سبباً مهمًّا في حدوث تحوّلات ملحوظة في أطروحاتهم وأفكارهم وخطابهم، وذلك بغض النظر عن مضمون هذا التغيير ومداه.
ثالثاً: إن الحضور الكثيف للسلفيين في القضاء العام ليس فقط نتيجة للانفتاح السياسي بعد الثورة، وإنما أيضاً بسبب ميل السلفيين للدفاع عن مصالحهم ومكاسبهم في مرحلة ما بعد الثورة. وهو ما يفسر رغبة السلفيين في الانخراط السياسي بأشكاله كافة.
رابعاً: من المتوقع أن تزداد حالة الصراع والتنافس سواء بين السلفيين بعضهم بعضاً، أو داخل الكتل والأحزاب والتجمعات السلفية؛ وذلك لأسباب سياسية وليست فقط أيديولوجية أو فكرية. وربما قد لا تحدث انشقاقات كبيرة ولكن هيكل العلاقة البينية داخل الكتلة السلفية لم يعد مقدّساً أو من المحظورات.
خامساً: إن السلفية الرسمية سوف تواجه عقبات عديدة ما لم تؤطِّر علاقتها بالجماعات الدعوية، بحيث لا يطغى الجانب الديني على نشاطها السياسي. ولربما تحدث صراعات ومواجهات بين جناحي الدعوة والسياسة داخل الكتلة السلفية.
* اليوم الثاني: الأحد 7 أكتوبر 2012
الجلسة الرابعة
ناقشت الجلسة التي أدارها كمال عبد اللطيف «الإسلاميون المغاربة وتجربة التحالفات والمشاركة في الحكم»، وتحدّث فيها كل من السادة: عمر احرشان: الإسلاميون وبناء النظام الديمقراطي: أي دور لأي مستقبل؟ - قراءة في تجربة المغرب ومصر، امحمد جبرون « الإسلاميون في طور تحول: من الديمقراطية الأدائية إلى الديمقراطية الفلسفية.. حالة حزب العدالة والتنمية المغربي»، محمد همام «الإسلاميون المغاربة والديمقراطية: جماعة العدل والإحسان نموذجاً»، علي حامي الدين «الإسلاميون ومسار التحوّل الديمقراطي في المغرب.. قراءة في تجربة حزب العدالة والتنمية»، محمد جميل منصور (معقباً).
الورقة الأولى: «الإسلاميون وبناء النظام الديمقراطي: أيّ دور لأي مستقبل؟ - قراءة في تجربة المغرب ومصر».
يتناول الباحث عمر احرشان في ورقته دور الإسلاميين في بناء النظام الديمقراطي بعد هذه الرجَّة التي أصابت المنطقة العربية، والتي صار يصطلح عليها بالربيع العربي، محاولاً إبراز أسباب الاهتمام بدور الإسلاميين والعوامل التي تُبرِّز أفرادهم بهذه الدراسة. ويركّز الباحث بالأساس على التجربتين المغربية والمصرية؛ لما لهما من تأثير وتميّز، فالتجربة المغربية يقدِّمها أصحابها، والمقصود هنا حزب العدالة والتنمية، على أنها الطريق الثالث الذي يضمن التغيير في إطار الاستمرارية، بينما شكَّلت التجربة المصرية نموذج القطيعة المتدرجة من أجل التغيير.
ثم حاول الباحث أن يُعرِّج أولاً على دعائم الاستبداد في المنطقة العربية وتنوّعها وتتطوّرها وأسباب استمرارها، ليخلص إلى خصوصية الاستبداد في المنطقة العربية التي جعلتها عصية على الديمقراطية.
وتتطرَّق بعد ذلك لأسباب هذا الإقبال الشعبي على التيار الإسلامي ودوره في تسريع مسلسل دمقرطة الدولة والمجتمع. وتناول بالتفصيل الصعوبات والعوائق التي تواجه بناء النظام الديمقراطي، كذلك العوامل المساعدة. وعالج كذلك أسباب التعددية السياسية الإسلامية والثنائية التنظيمية التي تُزاوج بين الجماعة الدعوية والحزب السياسي، والخلط الذي يترتَّب على ذلك في المشهد السياسي.
ويستعرض بالتفصيل لمتطلبات كل مرحلة من مراحل الديمقراطية، سواء خلال التغيير أو التأسيس أو البناء، ومواقف الإسلاميين من الديمقراطية والدولة المدنية وسلوكهم بعد الانتخاب من المعارضة إلى الحكم وجنوحهم نحو الواقع السياسي.
ويختم الباحث هذه الورقة بعرض النقاط الخلافية الرئيسة بين مختلف التيارات السياسية والفاعلة في المجتمع وسبل تضييقها وتنظيمها وتوجيهها وتدبيرها لتصبح عامل إغناء وتطوير وتنوُّع وقوَّة.
ويستمكل الباحث محاور دراسته بعرض خارطة طريق للقطع مع الاستبداد وجواز مرور إلى نظام ديمقراطي تكون فيه السيادة للشعب.
الورقة الثانية: «الإسلاميون في طور تحوّل: من الديمقراطية الأدائية إلى الديمقراطية الفلسفية.. حالة حزب العدالة والتنمية المغربي».
خلال هذه الدراسة، يحاول الباحث امحمد جبرون تسليط الضوء على مسألة «الإسلاميون في طور تحول: من الديمقراطية الأدائية إلى الديمقراطية الفلسفية»، انطلاقاً من حالة حزب العدالة والتنمية المغربي، وهو الحزب الذي يشكل تجربة نوعية بين تجارب الإسلاميين العرب. وعمل الباحث على دراسة المسألة تلك من خلال المحاور التالية: مفهوم الديمقراطية الأدائية لدى الإسلاميين؛ الإسلاميون وضرورة التحول؛ الإسلاميون من الديمقراطية الأدائية إلى الديمقراطية الفلسفية.
وأشار الباحث إلى أن «الإسلاميين في طور تحول»: تلك حقيقة سياسية وفكرية، وحكم واقعي انتهينا إليه من خلال رصد «ديالكتيك» الفكر والواقع في المشروع الإصلاحي لدى الإسلاميين المعتدلين؛ وذلك انطلاقاً من موضوع الديمقراطية. فالتحوّل التاريخي الكبير الذي يعيشه الوطن العربي منذ شهور، والذي لا يزال مستمراً إلى الآن؛ هو تحوّل في الأفكار والقناعات ومنهجيات الإصلاح، لامس جل القوى الاجتماعية الفاعلة في الوطن العربي، بما فيهم الإسلاميين، إضافة إلى أنه تحوّل في البنى والأنظمة السياسية.
ويضيف: إن التداعيات الفكرية والسياسية للربيع العربي على الحركات الإسلامية؛ هي كثيرة ومتنوّعة، ويمكن رصدها في أكثر من عمل. غير أن أهم هذه التداعيات تلك المتعلقة بمفهوم الديمقراطية. وقد حاول الباحث -طوال الدراسة- رصد التقدم الذي أحرزه الإسلاميون بمناسبة حلول الربيع العربي في اتجاه الديمقراطية.
وبيَّن أن الإسلاميين انتقلوا –بشكل شبه حاسم- في أجواء الثورات العربية على أنظمة الاستبداد؛ من الديمقراطية الأدائية التي تجسَّدها أدوات الانتخاب والتعددية السياسية والتداول السلمي.. إلى الديمقراطية الفلسفية التي تجسّدها مفاهيم الحرية والقانون الوضعي والمساواة.
الجلسة الخامسة - أ
ناقشت هذه الجلسة التي أدارها عبد الوهاب القصاب «الإسلام السياسي بين الفكر والممارسة»، وتحدث فيها كل من السادة: أحمد موصللي «الحركات الإسلامية وقضية الديمقراطية: الأصول والفروع»، معتز الخطيب «الوسطية وفقه الدولة بين الرؤية والبرغماتية»، عبد الله تركماني «الدولة والمواطنة في فكر وتجربة الإسلام السياسي المعاصر»، علي حامي الدين «الإسلاميون ومسار التحوّل الديمقراطي في المغرب.. قراءة في تجربة حزب العدالة والتنمية»، عبد الله جاب الله (معقباً).
الورقة الأولى: «الحركات الإسلامية وقضية الديمقراطية: الأصول والفروع».
تُعنى ورقة الباحث أحمد موصللي بتسجيل وتحليل مواقف الحركة الإسلامية السودانية في بعض مجالات حقوق الإنسان العامة (الديمقراطية، الحريات الأساسية، الأقليات الدينية، العدالة، وحقوق المرأة، والحقوق الاقتصادية)، وتطوُّر هذه المواقف أثناء فترة الديمقراطية الثانية عقب ثورة أكتوبر (1965 - 1969) عندما دخلت الحركة الساحة السياسية كحزب سياسي يخوض الانتخابات العامة لأول مرة، وأثناء الديمقراطية الثالثة (1985 - 1989).
واضطرت الحركة أثناء نشاطها السياسي وخوضها الانتخابات العامة 1965 و 1968 و 1986 لبلورة وتحديد أفكارها حول القضايا السياسية التي تشغل الساحة السودانية مثل الحكم بين الجمهورية الرئاسية والحكومة البرلمانية.
ويحسب الباحث أن تلك الأطروحات كانت متقدمة في زمانها على معظم أطروحات الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، وقد بذل جهداً فكريًّا مقدراً في تأصيل تلك الأطروحات وفقاً لتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
ولفت إلى أن تلك الأطروحات وجدت نقداً من التيارات الإسلامية السلفية والمحافظة؛ لأنها جديدة على التراث الفقهي التقليدي؛ ولأنها تأثرت إلى حدٍّ ما بالأفكار السائدة في الدول الغربية، ولكن ثبتت على تلك الأطروحات ولم تستجب للنظرة السلفية المحافظة، كما وجدت قدراً من القبول في أوساط الأحزاب السياسية الكبيرة التي تحالفت معها في بعض الأوقات ضد الحركات اليسارية.
الورقة الثانية: «الوسطية وفقه الدولة بين الرؤية والبرغماتية».
يركّز الباحث معتز الخطيب في دراسته على فقه الدولة بعد تحديده لمفهوم الوسطية؛ مع مراعاة التطوّر الفكري داخل التفكير الإخواني، وما تقتضيه عملية تتبّع الأفكار من توسّع في رصد الجذور أو مصادر التأثير.
وحاول في هذه الدراسة تقديم تحليل نقدي لأطروحة «الدولة الإسلامية»، وإيضاح أن مفهوم «الدولة الإسلامية» يلفُّه الغموض، وتلتبس فيه جملة من المفاهيم (الدولة الحديثة، الخلافة، الإمامة، الحكم). وقد بلور الباحث في بحثه الإشكالات التي تحيط بالتفكير السياسي الوسطي على مستوى المنظومة وعدم اتساقها أولاً، ثم على مستوى عدم دقة أطروحات أصحابها بالاستناد إلى مرجعيتهم الفقهية؛ ذلك أن الفقه الحركي ارتكب جملة من التوليفات التراثية والحديثة لبناء تصوراته عن المسألة السياسية وموقعها من المعتقد الإسلامي؛ حتى صار مَنْ لا يُؤمن بذلك منقوص الإسلام.
الورقة الثالثة: «الدولة والمواطنة في فكر وتجربة الإسلام السياسي المعاصر».
تناول الباحث عبد الله تركماني في ورقته إشكالية العلاقة بين الدين والدولة، والعلاقة بين الدولة والمجتمع، وتأثير الربيع العربي على الإسلام السياسي لدى كل الأوساط السياسية من أجل تجديد رؤية واستراتيجيات جديدة للتعامل مع هذا الصعود.
وأوضح أن الدولة القومية الحديثة نشأت في تمايز صريح عن الدولة الدينية، من مواطنين ينعمون بصفة المواطنة الكاملة ويتمتعون بالشخصية القانونية الفردية عينها. وهم بصفتهم هذه، مواطنون متساوون يحق لهم أن ينتدبوا لتمثيلهم هيئة سياسية أو كياناً سياسيًّا ينتمون إليه على قاعدة المساواة.
وأشار إلى أنه لم يتناول التراث الفقهي السياسي الإسلامي والأحكام السلطانية خلال التاريخ مفهوم الدولة بمعنى الكيان السياسي الجغرافي المتضمن عناصر: الأرض والشعب والسلطة. بل إن التنظير لفكرة الدولة الإسلامية، خلال التاريخ المعاصر، حمل كثيراً من الطوباوية والتفكير الرغبوي، وقدراً كبيراً من الشعاراتية والرؤية الأخلاقية لمفهوم الدولة، من دون الغوص الحقيقي في الآليات وأساليب العمل، من دون التنظير لفكر سياسي واقعي يملك القدرة على التحرك والمرونة في محيط دولي مضطرب.
وبيَّن الباحث في مقدمة دراسته أن الحديث عن النظام السياسي، خاصةً ما بعد الثورات العربية في واقعنا المعاصر، يجب أن تسبقه أولاً دراسة فرضيات الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي؛ إذ برزت قوى سياسية جديدة هي أحزاب إسلامية فازت بغالبية الأصوات في الدول العربية التي أجرت انتخابات برلمانية كـ: حركة النهضة في تونس، وحزب الحرية والعدالة في مصر، وحزب العدالة والتنمية في المغرب.
وأفاد في هذا السياق بالقول: ربما كانت الشعوب العربية، بفعل ثوراتها، تمتحن فكرةً مفادها: أن الإسلام السياسي قد يكون أكثر قابلية من الأيديولوجيات الأخرى للتعايش مع الديمقراطية. وإذا كان للفرضية هذه نصيب من الصحة، يتوقّع الباحث أمراً من اثنين: إما إن يتغيّر الإسلاميون في اتجاه تبني الديمقراطية، أو أن تطويهم الديمقراطية تلك.
وقال: يجدر بالحركات الإسلام السياسي أن تدرك أن تاريخ الفكر السياسي الإسلامي اتّسم بالفقر والتسطيح، وأنه انشغل بحقوق وواجبات السلطان أكثر من اهتمامه بحقوق وواجبات الأمة. المطلوب من هذه الحركات تطوير فكرها السياسي من أجل التعامل مع الأوضاع العربية الجديدة من جهة، ومع مسؤولياتها وواجباتها الثقيلة الجديدة من جهة أخرى.
ولا بد للتيارات والحركات الفكرية والسياسية الأخرى من مراجعة فكرها وبرامجها؛ لأن المسألة ليست انتصار فكر على فكر أو إحلال فكر مكان آخر، بل هي تلاقح فكري خلَّاق لا يقفز فوق تاريخ وثقافة المجتمعات.
وقد عقَّب الباحث الشيخ عبد الله جاب الله على المشاركين في هذه الجلسة باختصار عن جوانب القطيعة مع الديمقراطية، وما يضيفه الإسلام من مبادئ وقواعد وقيم ومفاهيم تشكّل إضافات هامة وكبيرة لكبرى أدبيات الفكر السياسي الحديث، متحدِّثاً عن أبرز نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف بين الشورى والديمقراطية، وكشف من خلالها أن النظام السياسي الإسلامي لا يتطابق مع النظام الديمقراطي، وإن كان يتقاطع معه في بعض المسائل والنقاط، فقد اتَّضح أن ثمة تلاقياً بين النظامين في مسائل كثيرة، وثمة افتراق في مسائل أخرى.
فالديمقراطية لها جوانب إيجابية ومشرقة كثيرة، ولكن لها جوانب سلبية بالغة القتامة، وإن الشورى تشتمل على ما في الديمقراطية من إيجابيات وتتفوَّق عليها في جوانب أخرى عظيمة الفائدة، ملفتاً إلى أن النظام السياسي الإسلامي أكمل وأشمل وأوسع من النظام الديمقراطي، وأنه أقدر على رعاية مصالح الأمة وحفظ حقوق وحريات الأفراد من النظام الديمقراطي بما يتضمنه من أبعاد دينية وأخلاقية، وأن ما توصلت إليه الديمقراطية من آليات في تنظيم السلطة ورعاية الحقوق يمكن أن يتبناها النظام السياسي الإسلامي الشوروي ويضبطها بضوابطه الشرعية والأخلاقية التي تضمن الاستفادة من حسناتها والتحرر من سلبياتها، لذلك تبنى التيار الإسلامي نصرة الديمقراطية والدعوة إلى إقامتها في بلادنا بديلاً عن الاستبداد والواحدية، وقد ناضل ولا يزال من أجل ذلك، ويرى أن النخب النافذة ليست صادقة في التحوّل الديمقراطي، ولا تريد أن تكون الانتخابات أداة لتغيير الأنظمة وإصلاحها، وإنما تريدها أداة تساعدها على البقاء في السلطة والاستمرار فيها، مع إشراك القوى التي تقبل الترويض في الحكم ببعض الوزارات الثانوية لتساعدها على تنفيذ سياساتها وتبييض ممارساتها.
ويرى الباحث أن البلاد التي قامت فيها الثورات، ونُظِّمت فيها انتخابات نزيهة، وفاز فيها التيار الإسلامي، عليها مسؤولية كبيرة لإنجاح إقامة أنظمة حكم دستورية وشوروية وديمقراطية؛ لتقدم الإضافات الفكرية والقانوينة اللازمة لكبرى أدبيات الفكر السياسي والقانون الوضعي، خدمةً لدينها وشعوبها والإنسانية.
الجلسة الخامسة - ب
ناقشت هذه الجلسة التي أدارها زكي الميلاد «في التجربة العراقية»، وتحدَّث فيها كل من السادة: سيار الجميل «إشكاليات التسيس الطائفي في الحركات والأحزاب السياسية الإسلامية العراقية»، رشيد خيون «تاريخ الإسلاميين وتجربة حكمهم للعرق».
خلص الباحث رشيد خيون في دراسته «تاريخ الإسلاميين وتجربة حكمهم للعرق» إلى القول بأن: الإسلام السياسي العراقي بشكله الحزبي الحركي، جاء متأثراً بالخارج، فقد تاسَّس تيار الأخوان المسلمين -كبقية الفروع- بالأصل المصري؛ أما التيار الشيعي فقد جاء متأثراً بالأخوان أيضاً. لولا الثورة الإيرانية والحرب العراقية الإيرانية ما تحقق لهذه الأحزاب والحركات الشيعية هذا الوجود والتأثير في المعارضة العراقية، وفيما بعد سقوط النظام. ولم يتمكَّن الإسلامان السياسيان السني والشيعي من الخروج من الحاضنة الطائفية؛ مع أن محاولات قد جرت، ما أن ظهر التمايز أو الاختلاف في الأصول، وعلى وجه الخصوص أصل الإمامة، ولكنها محاولات باءت بالفشل.
وذكر أنه بعد سقوط النظام صار الإسلام السياسي برمته في مواجهة معضلة إدارة الدولة؛ لكنه لم يتمكَّن من الخروج من التقاليد الحزبية والتقاليد الدينية. ومع أن الشعب العراقي متعدد مذهبيًّا وإثنيًّا، له تركة ثقيلة في الاقتصاد والاجتماع؛ فإن الأحزاب الدينية بدت تتعامل مع البلد برمته بمنطق الحسينية والمسجد. فبدلاً من الأخذ بيد المواطنين في محاولة لتخفيف ما تركته فترة الحصار من خراب في العقل العراقي، راحت تستفيد من هذا الخراب في تدعيم الجهل ومحاولة تصفية آثار الحياة المدنية.
لهذا يعتقد الباحث أنه لا يبدو مستقبل الإسلام السياسي -وهو في السلطة- واعداً بالتغيير أو بإنقاذ البلاد مما هي فيه؛ فثقة المواطن به بدأت في التناقض. ولولا الاعتماد على الشعور الطائفي لم يكن لتلك الأحزاب من موقع مؤثر في المجتمع العراقي.


 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة