بالتعاون بين المستشارية الثقافية لسفارة الجمهورية الإيرانية في بيروت والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، نُظِّم المؤتمر الدولي: «نهج البلاغة: إعجازالكلمة وتسامي المعنى»، وذلك في 24 تشرين الثاني 2010م.
في الجلسة الافتتاحية أُلقيت كلمات كل من سفير الجمهورية الإسلامية وممثلين عن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، كما أُلقيت كلمات لكل من مفتي البقاع ومفتي الجمهورية اللبنانية، وممثل البطريركية المارونية، بالإضافة إلى كلمة للمستشار الثقافي الإيراني السيد محمد حسين رئيس زادة.
وقد اتَّفقت كلمات المشاركين في هذه الجلسة على أهمية كتاب نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وما احتضنه من كنوز معرفية وحكمية وبلاغية، ومفاهيم وقيم إنسانية ودينية، جعلت منه كتاباً متميزاً ومحطَّ اهتمام الكثير من المفكرين والأدباء واللغويين عبر التاريخ.
في اليوم الثاني انطلقت أعمال المؤتمر بجلسة صباحية ترأسها آية الله الشيخ محمد علي التسخيري (أمين عام المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب في طهران)، وقد تحدَّث فيها في البداية الدكتور عبد المجيد زراقط عن: «خطبة الشقشقية: تحقيقاً وبنية ودلالة»، وقد دافع د.
زراقط عن نسبة الخطبة للإمام علي (عليه السلام)، وردَّ على بعض المشككين الذين ينسبونها إلى الشريف الرضي، مستدلاً على ذلك بعدة أمور منها: تميُّز أسلوب الإمام علي، الذي لا يقدر أحد على مجاراته، بالإضافة إلى تواجد هذه الخطبة في مصادر قديمة سابقة على ولادة الشريف الرضي، كما أن هذه الخطبة جاءت كجواب عما يختلج في صدر الإمام علي منذ مدة من جهة، وكثرة الأسئلة التي كانت تواجهه من طرف البعض حول سكوته عن حقه في الخلافة.الورقة الثانية في هذه الجلسة كانت للدكتور سمير سليمان، وجاءت تحت عنوان: «خطاب العلم في نهج البلاغة»، أكَّد فيها الباحث أن خطاب العلم في نهج البلاغة ينبثق وينطلق من القرآن ومفاهيمه وقيمه، وكذلك الخطاب البلاغي في النهج، فهو يقتبس من مشكاة البلاغة القرآنية، كما أشار الباحث إلى المفاهيم التي احتضنها هذا الكتاب، وخصوصاً فيها يتعلق بنظام العيش والتعايش الاجتماعي، كما أشاد بالقدرة البلاغية التي تميَّز بها الإمام علي (عليه السلام) والتي استطاع من خلالها أن يعبر عن أدق المفاهيم الدينية والحكمية.
الورقة الثالثة قدَّمها الحاج عبدالله قصير (مدير تلفزيون المنار) بعنوان: «العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان في نهج البلاغة»، في البداية أشاد الباحث بالمستوى البلاغي الرفيع الذي بلغته خطب نهج البلاغة، ما جعل البعض يرى فيها كلاماً دون كلام الخالق، لكنه فوق كلام المخلوقين. أما بخصوص العدالة الاجتماعية فقد أشار الباحث إلى أهمية موضوع العدالة في العصر الراهن لكون العدالة هي أساس النظام والاستقامة في الحياة البشرية. أما بالنسبة للنهج فقد تضمن الكثير من النصوص والأقوال والخطب التي تضع القواعد الأساسية للعدالة الاجتماعية ومبادئ حقوق الإنسان.
أما د. علي زيتون فقد قدَّم ورقة بعنوان: «الاستعارة ودورها الدلالي في نهج البلاغة». كما تحدث د. فكتور الكك عن: «أسس الحوار في نهج البلاغة».
الجلسة الثانية ترأسها الشيخ سامي أبي المنى (رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز)، وقد قدَّم مداخلة عن العدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان والحكمة الأخلاقية في نهج البلاغة.
الوزير السابق جوزيف الهاشم تحدَّث عن: «نهج البلاغة وتعايش أتباع الأديان»، فأشار إلى أن البشرية أمام تحدٍّ كبير، فإما أن تختار الوحدة، أو التعارض والتصادم. كما أشار إلى أوجه الاختلاف والاتفاق بين الإسلام والمسيحية، فأكَّد على وجود وشائج تتصل بالجوهر وصميم العقيدة؛ بخلاف الموقف من اليهودية والفكر اليهودي.
الدكتور محمد طي تحدَّث عن «الإمام علي وحقوق الإنسان»، في البداية أشار الباحث إلى أن تجربة الإمام علي (عليه السلام) كانت غنية في مجال الحكم، رغم أن مدة حكمه لم تتجاوز الأربع سنوات إلَّا أنه تعرَّض لمشاكل عديدة؛ فعالجها واستنبط لها الحلول، فكان ما أرساه في مجال حقوق الكائن البشري، تطوراً نوعيًّا عظيماً، لا بالنسبة إلى زمانه بل حتى بالنسبة إلى زماننا.
لقد كان الإمام يرى أن على الحاكم تجاه الرعية واجبات وهي حقوق لها، كما أن على الرعية واجبات تجاهه، هي حقوق له. وهذه الواجبات
– الحقوق تتكافأ. كما أكد الباحث على أن الإمام لم يأخذ بالفلسفة الليبرالية في تحديد حقوق الإنسان، بل بالنهج الإلهي. وبناء على ذلك كانت القيود التي ألزم الإمام بها نفسه، على أنها واجبات تجاه الرعية، كما ألزم بها كل حاكم إسلامي.بعد استعراض الحقوق التقليدية والاقتصادية والاجتماعية والقانون الإنساني في الحرب، في فكر ونهج الإمام علي (عليه السلام) خلص الكاتب إلى أن مواد الإعلانات الحقوقية التي لم تقرها البشرية إلَّا مؤخراً، هذه الحقوق احتضنها القرآن والسنة والتزم بها الإمام علي (عليه السلام) بعقله وقلبه، ورعاها رعاية لم تحظَ بها عبر التاريخ.
بعد ذلك تحدَّث الأستاذ إدمون رزق عن: «الطابع الإنساني في نهج الإمام علي (عليه السلام)»، في البداية تحدث الباحث عن علاقته بالإمام وشغفه به قائلاً: منذ النشأة انطبعت في النفس صورته، وتنامى انعطافٌ إليه؛ إنه الرجل الفرد في بيئته، المُتميِّز عن الأقران، مُتعدِّد المواهب والخصال، طليع صفوف، قطب مجامع، زين مجالس، مُفوَّه، الأفصح، الأبلغ، الأخطب...
أما بالنسبة لنهج البلاغة فقد أكَّد الباحث أنه: تجسيد عملي للإيمان، يلتقي عنده أهله، ودليل عملي إلى عبادة الخالق، الواحد الأحد، الضابط الكل، الرحمن الرحيم؛ لأن الأديان ليست نظريات منفصلة، ولا أطروحات متضاربة، ولا مجرد وحي معرفي، أو طقوس شكلية، إنها معاملة، والمعاملة عبادة، بل هي العبادة. ويضيف: آية الإمام علي أنه أوجد علم سلوك خلقي تلتقي عنده الأديان، ويصلح لكل إنسان في أي مكان وزمان، بعد إذ تكشَّفت له معادلة العلم والعمل، المتجذرة في عهد الناموس والنعمة، والمنبثة في التنزيل: {وَقُلِ اعْمَلُوا}، ذلك ما يجعل من نهج البلاغة رافداً تطبيقيًّا للفكر المسكوني، التوحيدي الجامع: «فالمؤمن أخوالمؤمن» كلٌّ بدينه، وعلى دينه.. ألا فلتُثنَى الوسادة لعلي.
العلامة السيد صادق الموسوي، قدَّم ورقة بعنوان: «الإمام علي (عليه السلام) ونهج البلاغة و (تمام نهج البلاغة)»، تحدَّث فيها مطولاً عن جهوده في تحقيق وإتمام خطب نهج البلاغة، والبحث عن مصادرها وأصولهاـ واستخراج ما نقص من هذه الخطب من بطون الكتب، وصولاً إلى إصدارها في كتاب جديد شامل ومتكامل بعنوان: تمام نهج البلاغة.
في البداية تحدَّث الباحث عن فضائل الإمام علي (عليه السلام) وخصوصاً تميُّزه العلمي مصداقاً لما جاء في السنة النبوية من قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنا مدينة العلم وعلي بابها» واعتراف الصحابة بذلك، لكن بعض الحاسدين حاول إخفاء ذلك بطمس تراثه أو التشكيك في مصادر خطبه وكلماته وحكمه، لكن جهده لم يكتب له النجاح، فقد قيَّض لخطب وكلمات وأحاديث الإمام من يجمعها وينسخها فحفظها التاريخ.
ثم شرع الباحث في الحديث عن تجربته في البحث عن تمام الخطب والكلمات والكتب التي وردت مختاراتها ومقتطفاتها في (نهج البلاغة)، وبعد البحث في مصادر التراث وقراءة حوالي ثمانين ألف كتاب ومصدر، استطاع الباحث ان يستخرج النصوص من بين حوالي 1200 عنوان من المصادر الموثوقة لدى كافة المذاهب الإسلامية، فكان كتاب (تمام نهج البلاغة) الذي حافظ فيه على ما بذله السيد الرضي من جهد جبار، وأضاف ذكر المصادر والأسانيد مفصلاً كل ما يثار حول محتواه من شكوك بسبب تساهل المؤلف في ذكر المراجع والإسناد. وقد طبع الكتاب في بيروت سنة 1411هـ. ولا يزال الباحث يواصل عمله في التحقيق واكتشاف المزيد من النصوص والأسانيد.
أما الشيخ عفيف النابلسي فقد قدَّم ورقة بعنوان: «العدالة وحقوق الإنسان في كلمات الإمام علي (عليه السلام)»، قدمها نيابةً عنه ابنه الدكتور صادق النابلسي، ومما جاء فيها: لقد ذهب الإمام لوضع الأسس التي تهتم بتطبيق العدالة وإعطائها بُعداً عمليًّا وواقعيًّا، ويُوسِّع من مفهوم الحقوق التي طالت مستويات لم تكن منظورة ومعترفاً بها، نتيجة الثقافة الموروثة والعادات القبلية التي قيَّدت حركة الإنسان وألزمته حدوداً يستكرهها، واستبقته في ضيق لم يمكن معه التعبير عما ينبع في الضمائر والوجدانات وفي الطاقات والمؤهلات...
أما الميزات المرتبطة بالعدالة الاجتماعية والحقوق الإنسانية التي أكَّد عليها الإمام (عليه السلام) في كتابه نهج البلاغة فهي:
أولاً: الشرعة الحقوقية والمفاهيم التي روَّج لها الإمام (عليه السلام) تستند إلى الوحي. وهذه التشريعات تُلبِّي احتياجات الإنسان الفطرية والاجتماعية والمعنوية.
ثانياً: إن هذه الحقوق شاملة لكل الأقوام والأمم والشعوب.
ثالثاً: إن هذه الحقوق ثابتة ودائمة، ولا يمكن اختزالها وتغييرها ولا إيقافها لمصالح نابعة عن أهواء الإنسان ورغباته.
رابعاً: إن صيانة هذه الحقوق وتطبيقها يجب أن تؤول إلى أشخاص يتحلون بالفضائل والورع والمعرفة والبعد عن الهوى...
الجلسة الثالثة ترأسها السيد إبراهيم أمين السيد (رئيس المجلس السياسي في حزب الله)، وتحدَّث فيها كل من: د. جورج زكي الحاج (أستاذ بالجامعة اللبنانية)، الذي قدَّم ورقة بعنوان: «في الكلام على الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) حكمه وأقواله دستور حياة»، يرى الباحث أنه من خلال ما وصلنا من تراث الإمام علي، وما جمعه الشريف الرضي، أو ما توصل إليه، يكشف لنا شخصية تحمل في حناياها مجموعة قيم كونية خالدة، نموت ولا تموت.وهذا ما ظهر في نهج البلاغة، وهو الكتاب الغني بالموضوعات والحافل بالحكم والأمثولات الأخلاقية والاجتماعية، إنْ في الشذرات الفردية والأقوال القصيرة، وإنْ في الخطب التي كان يُلقيها بين الحين والآخر.
في نهج البلاغة كلام عن الفقه وعن الشجاعة، وكلام كثير عن فضائل الكرم ومزايا اليد السخية، ولما كان الإمام صادقاً فقد أفرد للصدق والصداقة حيِّزاً كبيراً من تركته، وكان حليماً صفوحاً، فأتى كلامه على الصفح والتسامح يعكس داخليته المفعمة بهاتين الصفتين. أما الرأفة فهي من عناوين الدين الكبرى، وقد حظيت بنصيب كبير من حكمه.ولم يتوقف الإمام عند حدود السلوك الأخلاقي أو الاجتماعي فقط، وإنما تعداهما إلى السلوك الوطني أو القومي، خصوصاً عندما تناول موضوع الجهاد. هذا دون أن ننسى أقواله في الزهد وفي العبادة والقرآن والسياسة، والمشورة والرأي والتدبير. وقد خلص الكاتب في الأخير إلى أن: الإمام علي بن أبي طالب هو شخصية قلَّما أنجبها الزمان، وحبلت بها الأعصر، شخصية حفرت على شغاف القلب، بأقوالها وحكمها وخطبها، تسابيح الأمل والرجاء، وأضاءت عتمة الضلام وديجور الجحود...
السفير اللبناني السابق فؤاد الترك ورئيس منتدى سفراء لبنان، قدم مداخلة بعنوان: «مواصفات الحكم والحاكم في نهج البلاغة»، أشار فيها في البداية إلى وجود اختلاف في معنى الحاكم والحكم بين زمن الإمام علي والعصر الحاضر، حيث الكلام عن الدولة والحكومة والدساتير والقوانين ومجالس النواب والشيوخ والأنظمة السياسية. أما الإمام فهو الدستور وكلامه القانون والنظام.
أما بخصوص صفات الحاكم، فإن الإمام كان يرى أن رأس الصفات لدى من يتولى الحكم، التقوى والترفع عن الدنايا، ولطالما أوصى بها في مواقف شتى حيث قال: «أوصيكم أيها الناس بتقوى الله وكثرة حمده آلائه، وإيثار طاعته، واتِّباع ما أمر به في كتابه من فرائض وسنن». ومع التقوى نصرة الحق والعدل، يقول الإمام: «وليكن أحب الأمور لديك أوسطها في الحق، وأعمقها في العدل، وأجمعها لرضا الرعية». وتكثر الروائع والفرائد في خطب علي ورسائله وأحاديثه، وكلها تتسم بالعظمة والسمو والإرشاد والنصح والتوجيه، وبكل ما يؤدي إلى إلى إقامة الدولة الفاضلة.
وبعد عرض لقسم من عهد الإمام لوليه على مصر مالك الأشتر النخعي يصل الكاتب إلى خلاصة مفادها: أن نهج البلاغة ينطوي على القواعد والنظم الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية التي على الحاكم أن يبني عليها حكمه وسلطته، وذلك من منطلق أن الدولة المستقيمة تكون بحاكم شريف شفيف نظيف يتحلَّى بالمعرفة والأخلاق وبالقدرة والشجاعة...
كما تحدَّث في هذه الجلسة كل من الشيخ الدكتور نبيل الحلباوي عن «نهج البلاغة وحوار الأديان»، وتحدَّث د. محمد أحمد علي عن: «مفهوم التوحيد في نهج البلاغة».
الجلسة المسائية ترأسها مطران جبل لبنان للسريان الأرثوذكس جورج صليبا، وتحدَّث فيها كل من السيد جمال الدين برو عن: «التوحيد في نهج البلاغة»، و الدكتور دلال عباس عن: «الحاكم والحكم والحكومة في فكر الإمام علي، من خلال كتابه (عليه السلام) إلى واليه على مصر مالك
بن الحارث الأشتر».في الجلسة الختامية التي ترأسها د. عمر مسقاوي، تحدَّث كل من: د. أسعد السحمراني عن: «نهج البلاغة ومعالجة الفتن»، والأستاذ عمر غندور عن: «نهج البلاغة والوحدة الإسلامية»، كما تحدَّث كل من: آية الله الشيخ محمد علي التسخيري عن: «العدالة الاجتماعية كما يصورها الإمام علي (عليه السلام)»، والشيخ حسين غبريس عن: «الوحدة الإسلامية في نهج البلاغة».