شعار الموقع

صورة الجسد في الثقافة الدينية .. المسيحية والإسلامية

العمري حربوش 2019-05-16
عدد القراءات « 668 »

 

 

 

صورة الجسد في الثقافة الدينية..

المسيحية والإسلامية

الدكتور العمري حربوش*

* أستاذ فلسفة العلوم الطبية بجامعة محمد لمين دباغين، سطيف2 - الجزائر.

 

 

 

 

ﷺ مقدمة

لم يكن من حظّ الجسد أن يُدرس دراسة موضوعية تعبّر عنه باعتباره ملتقى ومجال تقاطع لعدّة نشاطات، دينية منها، وعلمية، وفنية وأدبية. فقد كان يحتلّ مرتبة بين توجّهات وتيارات أظهرت عبر التاريخ بعض التناقضات والصراعات فيما بينها، كان الأساس فيها ذلك التباين الثقافي الحاصل بين هذه التوجّهات، وهذه التيارات، ممّا يصعّب تتبّعها والتفصيل فيها.

تلك هي التي استدعت التفكير في موضوع الجسد حتى توسّعت دائرته وتحدّدت معالمه، ولو بشكل جزئي في إطار ما يسمّى اليوم بفلسفة الجسد (La philosophie du corps)، التي وضع أسسها الفيلسوف الكاثوليكي الفرنسي كلود برويير (Claude Bruaire) (1932-1986) سنة 1968.

في هذا الإطار -أي في إطار فلسفة الجسد- يتناول المقال أحد أهمّ التساؤلات التي تتعلّق بوضعية الجسد في الفكر الإسلامي وهو جوهر اهتمامنا، وقبله في الديانة المسيحية بشكل عرضي، والصورة التي يمكن أن نكونها حوله، والمعيار الذي نعتمده في بناء هذه الصورة؟

ولعل السؤال الأول يفتح مجال الدراسة على مصراعيه، وهذا ما يدفعنا إلى تجنّبه، والاقتصار على تلك الحقبة التي عرفها المسلمون والتي نعبّر عنها عادة «بالعصر الذهبي»، الذي شهد تطوّرات كبيرة في المجال الفلسفي والعلمي والمنطقي والديني والفني وغيرها.

ربما يدفعنا هذا إلى التساؤل فيما إذا كنا نستطيع الحديث عن الجسد من خلال هذا التنوّع في المنتوج المعرفي في التاريخ الإسلامي (الفقهي، الفلسفي، الكلامي، الصوفي، الفني الجمالي والأدبي والشعري) أو من خلال الدراسات التي تناولته؟

وقد يقودنا هذا التساؤل إلى النظر -ولو بشكل مختصر وسريع- إلى مختلف الأفكار حول الجسد، كل حسب السياق الذي وردت فيه. يبقى أن المشكلة تكمن في صعوبة -إن لم نقل استحالة- تناول كل ما جاء في هذا الشأن.

والحال نفسه يكون عند محاولة التعرّض للحديث عن الجسد في الثقافة الدينية المسيحية لما انفردت به من غموض وتعقيد أحيانًا، وتعارض في الأفكار أحيانًا أخرى.

فما هي وضعية الجسد؟ وما هي صورته في الثقافتين المسيحية والإسلامية؟

ﷺ أولًا: الجسد الصوفي أو الزاهد في الديانة المسيحية

يولي المسيحيون اهتمامًا خاصًّا للجسد، ويعتقدون أن الجسد من الأمور المركزية باعتبار أنه مقرّ التأكّد والاختبار، وهو المنبئ بما يحدث في (الروح – القلب) الجانب الروحي. وفي أغلب الأحيان يكون الجسد أكثر صدقًا في التعبير من الخطاب الذي يكون تارة بعيدًا عن الواقع.

لذا توصي المسيحية بالاعتناء بالجسد لأسباب منها:

1- أنه من غير جسد لا يكون هناك وجود ولا رغبة، ولا صلاة، ولا أمل، ولا إيمان ولا حب، فـ«أنا» هو جسد.

2- لقد اتّخذ الله اللُّحمة[1] La chair طريقةً بها يتبدَّى لنا، ويكون بها واحدًا منا، فيتحوّل إلى جسد اجتماعي، إلى جسد ثقافي تمامًا مثلنا. وهذا ما يعرف بالتجسُّد الإلهي، أي تجسُّد الكلمة باتّحاد لاهوته بناسوته. ذلك أن الله حين أتى ليخلّص الإنسان لم يأخذ نفسًا بشرية فقط، بل أخذ جسدًا بشريًّا أيضًا؛ لأنه أراد أن يخلّص الإنسان نفسًا وجسدًا.

وعلى هذا ترفض المسيحية كل فكرة تجعل من الجسد عنصرًا مؤقّتًا من الوجود، أو سجنًا للنفس كما اعتقد الفلاسفة القدامى (أفلاطون)، أو مبدأ شرّ يجب محاربته في ذاته مثلما تعتقد الغنوصية[2] Gnosticisme والمانوية [3] Manichéisme [4].

لذلك لا تمييز في المسيحية بين الإنساني والإلهي، فالبشر يموت في الله، وفيه نُبعث، وإذا كان يموت فينا، وفينا يُبعث، فهذا لأن كلمته هي كلمتنا. هذا ما يطلق عليه في المسيحية «اتّحاد الرأس بالجسد»، فالجسد هنا هو الكنيسة، أو أن الكنيسة هي جسد المسيح كما عبّر عن ذلك القديس بول Saint Paul والرأس هو المسيح.

ذلك أن المسيح لا يمكن له أن يكون كاملًا من غير الكنيسة، كما أن الكنيسة لا يمكنها الوجود من غير المسيح. وهذا ما يؤكّده الفيلسوف واللاهوتي القديس أوغسطين Saint Augustin (354-430)، الذي يرى أن الكنيسة مثل الرجل الواحد، المتواجد في كل أنحاء الأرض، وعبر كل الأزمنة، لا يتوقّف عن الصلاة، إذا توقّف أحد عن الكلام، يستأنف آخر وهكذا[5].

فالله قد أراد أن يحقّق ويكمل في الكنيسة عمله الإلهي بأن يجمع الكل تحت رأس واحد هو المسيح، وهذا مفهوم الكنيسة أكسيولوجيًّا.

وقد كانت الفكرة نفسها (الجمع تحت رأس واحد)، تحتلّ المركز المحوري، عند القديس إيريناؤس (140-202م) أو قديس ليون المدينة الفرنسية (Irénée de Lyon) مثلما يلقّب. وإن كان هذا الأخير من القدامى إلَّا أنه يعتبر من الأصول الذين بقي تأثيرهم إلى اليوم، ذلك نتيجة محاربته للغنوصية التي كانت ترى الجسد مصدرًا للشر.

فمن خلال عمل الله الذي يجمع كل خليقته تحت رأس واحد هو المسيح، تتجدّد الخليقة وتُمحى آثار عصيان آدم الأول؛ لأن آدم الثاني المسيح قد صارع الشر وغلبه فجدَّد كل شيء.

وفي حديثه عن الإفخريستيا[6] L’Eucharistie أو القربان المقدّس، يؤكّد إيريناؤس حضور جسد ودم المسيح فيها، ومنها يستنتج «قيامة الجسد». بما أن الكأس الممزوج بالماء والخبز المصنوع ينالا إفخارستيا دم وجسد المسيح، فيمنحا جسدنا غذاءً ودعمًا. «فمن يأكلني يحيا بي، هذا هو الخبز الذي نزل من السماء، إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد، والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله لأجل حياة العالم»[7].

وفي رواية أخرى: «وفيما هم يأكلون أخذ الربّ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال لهم: خذوا كلوا، هذا هو جسدي، وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلًا: اشربوا منها كلكم؛ لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا» (مت 26: 26- 28).

في المسيحية قطعة الخبز هذه تعمل على جمع المسيحيين أكثر من أي غذاء آخر؛ لأن كل واحد لا يأخذ إلاّ حقه (قطعة فقط)، ولأن المسيحي وهو يأخذ هذه القطعة المغمسة في الخمر، يكون قد تلقّى جسد المسيح كله.

من هنا تتحقّق الوحدة، ويصبح فرح أو حزن الفرد هو فرح وحزن الجماعة، ويمثّل الأفراد، في الوقت نفسه أعضاء بعضهم بعضًا. هذه الوحدة هي نوع من المشاركة في الموت وفي البعث، الموت الجسدي والبعث الجسدي.

إن الوحدة الروحية لا تتحقّق إلَّا بالوحدة الجسدية، فالانتماء إلى الكنيسة في آخر المطاف، لا يعنى انتماء إلى مؤسسة تتقاسم الناس عقيدتها، إنما يعني الدخول في جسد مقابل جسد مع الله المبعوث، الذي يغيّر ويجدّد جسدنا. ويكون الرأس (الكنيسة) بذلك ثابتًا، بينما الجسد (المسيح والمسيحيين) يزداد ويتّسع وينضج. لذا لا يمكن تصوّر وجود للمسيح ولا للمسيحية من غير هذا الاتّحاد (الرأس بالجسد)، حتى يصل إلى مستوى «المسيح الكلي» [8]Christ total.

يعتبر المسيح عيسى خليفة الله في الأرض، يُنجز مشروعه، ويُسيّر الحياة، فيشفي الجسد، كل الأجساد المادي، الاجتماعي، الثقافي. وقد ورد في الإنجيل: «فقد كان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويُشفِي كل مرض وكل ضعيف في الشعب. فذاع خبره في جميع سورية، فأحضروا إليه جميع السقماء المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة والمجانين والمصروعين والمفلوجين فشفاهم»[9].

وهذا ما يؤكّده القرآن العظيم في قوله تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[10].

ما دام الجسد هو شرط الوجود، فإنه مقرّ استقبال نفخ الله، ومنه فإن الجسد قبر الروح. لهذا يعيش المسيحي وفقًا لمتطلّبات الروح في تجسّدها، في الصلاة، فيزيائيًّا: (سواء من خلال حركات الصلاة، التنفس، الاسترخاء)، اجتماعيًّا: (محبة الله، الإحسان)، ثقافيًّا: (محبة الله بتعابير مختلفة).

من هنا يمكن الحديث عن المسيحية خلال القرن السابع عشر، بمثابة دين التجسُّد، تجسد الله، الذي جعل نفسه جسدًا، ثم تركه (الجسد البيولوجي) قبل القيامة والبعث. هذه الديانة المسيحية لم تحتقر المعجزات باعتبارها شفاء للجسد ولأمراضه وهو ما يكون للتقوى إزاء المسيح، منقذ الأرواح، ومشفي الأجساد.

يعيش الجسد المسيحي بمقتضى علاقتين بالجسد الإلهي المتجسّد:

1- يقلّده عن طريق مشاركته آلام المخلّص (المسيح).

2- ويسعى إلى الذوبان في جسد الإله المتجسّد، والالتصاق به وكأنه عضو من أعضائه. أظهر الله نفسه بواسطة الابن الذي هو في الأب والذي فيه الأب، «فخلقَ اللهُ الإنسان على صورته. على صورةِ الله خلقهُ. ذكرًا وأنثى خلقهم. وباركهم الله وقال لهم: أثمروا وأكثروا واملؤوا الأرض وأخضعوها» (تك.26:1-3).

بهذا يتحدّث الإنجيل عن العناصر التي يتألّف منها الإنسان وهي ثلاثة فيقول: «لتحفظ روحكم la ruah ونفسكم  la néfesh وجسدكم le basar كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح» (تس1. 22:5 ). الروح هي الواسطة بين الإنسان وربّه، وهي خالدة، وتمثّل حضور الله فيه أي في الإنسان. أما النفس فهي تعني هنا الحنجرة عضو التنفس، والتي تبعث على الميول والرغبات، وتعبّر عن الأنا. بينما الجسد هو مجال تجلّي النفس الواقعي، بمعنى آخر هو القلب والكليتين والكبد والذي يعبّر عن حالات النفس[11].

من هنا يمكن استنتاج أن النفس ليست مثل الروح، وإن كان الإنجيل يخاطب تارة باستعمال الروح، وتارة أخرى باستعمال النفس، وباستعمال الذات كذلك، للدلالة على الشيء نفسه. يبقى أن الفناء يكون للجسد والخلود للروح.

ومن جهة أخرى، يمكن للجسد أن يشكّل حاجزًا منيعًا عن الله حين ينطوي على نفسه، ولا يهتمّ إلَّا بها. لكن في الحقيقة ينبغي أن يكون وسيطًَا، وكل مسيحي يسعى إلى أن يعيش حياة المسيح (انفعالاته)، متحملًا وصابرًا للآلام والمآسي. إن التجسّد المسيحي، يختبر حدود الجسد في العذاب ويجد فيه سعادة: «فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللَّاهُوتِ جَسَدِيًّا»[12].

ينبغي في هذه الحالة، أن يكون الجسد مراقَبًا (الزهد في الحياة)، بهذا تجعل تقنيات الجسد الدينية من الجسم الإنساني، مجموعة من العلامات ورموز إلهية، وبهذه التقاليد يصير الجسد وجودًا عقليًّا Logos [13] إلهيًّا، وهو الكلمة، «في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كلّ شيء به كان وبغيره لم يكن شيء ممّا كان. فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس. والنور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه» (يوحنا. 1:1- 5).

الكلمة إذن هي المسيح، وهو الله الذي صار جسدًا وحلّ بين الناس، ومنه فالجسد المسيحي ينتج رموزًا تسجّل حضوره كجسد إلهي.

ﷺ ثانيًا: الجسد في الثقافة العربية الإسلامية

يعتبر موضوع الجسد في التاريخ الإسلامي من اهتمامات العلماء الثانوية والعامة، أي كان ضمن سياقات الحديث، ولم يكن الحديث عنه مقصودًا وموجّهًا باعتباره كيانًا ووجودًا مستقلًّا.

ذلك أن المتأمّل في تاريخ الفكر الإسلامي بجميع شعبه، الفقهي، والكلامي، والفلسفي، والصوفي باستثناء الفني والأدبي، يلاحظ مدى اهتمامه الجوهري المنصب على النفس أو الروح صورها وقواها، وبشكل عرضي كان الحديث عن الجسد، إن هذا الحكم -وبالرغم من قساوته- هو محلّ تأييد الكثير من الباحثين.

يمكن في هذا السياق استحضار قول أحدهم: «إن الاهتمام انصب دائمًا سواء في النصوص الدينية أو في النظرية الأخلاقية والفلسفية، على ما ينظر إليه باعتباره هوية الجسد، سواء تعلّق الأمر بالنفس أو الروح أو العقل والقلب... إلخ. إن هذا التفكير الإلحاقي يجد تبريره في البيئة العامة للثقافة العربية الإسلامية، وفي مفاهيمها الأساسية التي تحكّمت في تطوّرها فكرًا وممارسة، ثقافة وسياسة، والتي لم يخصّص فيها للجسد سوى مكان المنفعل والمحجوب والمكبوت، بحيث يسهل علينا القول بأن الجسد ظلّ في حدود معينة وتبعًا للمجالات التي نود فيها الحديث عنه مكبوت الثقافة الإسلامية، أو على الأقل موضوعها المهمش والمقنع»[14].

إن هذا القول يحيلنا إلى النظر في أهم العوائق الإبستيمولوجية (المعرفية) التي حالت دون الاهتمام بموضوع الجسد إلَّا عرضًا، والتي يمكن أن نذكر منها على الخصوص:

1- المنحى العام للتفكير الديني الإسلامي، والثقافة الإسلامية بجميع مظاهرها، المتمثّل في الاهتمام بالموضوعات الأكثر أهمية بالنسبة لِما كان يفرضه السياق الحضاري، منها المسائل السياسية خاصة، يتحوّل فيها الجسد إلى الأمر المنسي.

2- وفي السياق نفسه، تناول التفكير الديني مسألة العلاقة بين النفس أو الروح والجسد، ولم يكن للجسد فيها الحظّ من الدراسة، نتيجة تعالي الطرف الأول (الروح) عن الطرف الثاني (الجسد) في كل الأحوال. بالرغم من الأهمية التي عني بها الجسد في النصوص الدينية وما ينبثق منها من معارف علمية كالخَلْق (مراحل نمو الجنين في بطن أمه) وغيرها.

3- يتحوّل الجسد تبعًا لمبدأ أفضلية الروح عنه، إلى مكبوت الثقافة العربية الإسلامية، لما يوصف به من أنه مقرّ الغرائز والشهوات والمحرّمات، التي تتنافى مع العبادة في أغلب الأحيان، إن لم تُوجَّه توجيهًا سليمًا.

4- وجود الجسد في هذا الإطار ليس وجودًا ذاتيًّا، ذا هوية بل هو الوسيلة أو الآلة بالمفهوم الديكارتي (الجسد الوسيلة) يوظف في العبادة.

5- الافتقار إلى المنهجية الملائمة لتناول موضوع الجسد كصورة مستقلّة من جهة، وكمجال تقاطع لعدة أنشطة على منوال الدراسات الغربية.

كل هذه الأسباب ساهمت بشكل ما في تأخُّر استغلال ما أتيح من معرفة حول الجسد، عبر القنوات والأطر سالفة الذكر (الفقهية، الفلسفية والكلامية، والصوفية، والفنية الجمالية والأدبية) والدليل قلّة المنتوج المتعلّق بهذا الموضوع، في حدود علمي.

وعليه يجوز لنا أن نستنتج صورة الجسد المبهمة التي لازمت تاريخ الثقافة الإسلامية بجميع مظاهرها. إن استقراء تاريخ الثقافة الدينية العربية الإسلامية القديمة أو الحديثة حتى المعاصرة منها، لا يُوحي بوجود تصوّر حقيقي واضح خاص بموضوع الجسد إلَّا القليل منه (في حدود علمي).

فإذا قمنا بإطلالة على ما جاء في كتب الفقه، والسيرة النبوية، والحديث الشريف من خلال الصحيحين ومساند الأئمة السبع[15] ورجال الدين -وإن كان المسح التام لهذه المؤلّفات غير ممكن- تظهر الدراسات لكثير من هذه الكتب كم كان الفقيه، يقدّم لنا ما ينبغي أن يكون عليه جسد المسلم، امتثالًا لأوامر الله، والأحكام الشرعية، والسنة النبوية التي عُنيت بتنظيم السلوك سواء التعبُّدي، أو الاجتماعي، وفقًا لمتطلّبات الإيمان والعبادة.

لذا كان تصوير الجسد لا يتجاوز البعد الديني واليومي للمسلم، إنه الجسد الوسيلة، الجسد المقنّن، الموجّه بالقواعد من الأوامر والنواهي التي بها تتمّ العبادة. وحتى يتلاءم هذا السلوك الإيماني التعبُّدي منه أو الاجتماعي، مع ما هو مطلوب دينيًّا ينبغي أن يتميّز جسد المسلم ببعض الصفات والآداب في طهارته وصلاته وفي أكله وشربه، وفي النظر والجماع... وغيرها، حتى دقائق الأمور منها.

إنه جسد بين متطلّبات العبادة، والمعاملة، وقد كان الغرض من هذا في ديننا الحنيف، هو الوقوف على نموذج من السلوك الخاص بالمسلم، يستمّد تعاليمه من مصدر واحد، النص الديني، قرآنًا كان أم سنة أم اجتهادًا. وذلك لغاية أسمى وهي أن تكون أجساد المسلمين جسدًا واحدًا وفقًا للنموذج النبوي. حتى في أدقّ التفاصيل التي تبدو بأنها تابعة لتصرّفات شخصية، كالحديث عن الأمور الحميمية كطريقة الجماع، وطريقة التبوّل، أو السلوك الانفرادي الذي يتمّ بين المسلم ونفسه.

كل هذا يدخل ضمن الطابع العام للحياة الإسلامية وليست تصرّفات شخصية، يبقى السؤال المطروح: هل يمكن الحديث عن الجسد الإسلامي في سياقه الديني العام قديمًا أو حديثًا، من حيث هو جسد مستقل ذاتي خاص بالمفهوم الفينومينولوجي؟[16]

ﷺ ثالثًا: التوجّه الثنائي في الفكر الإسلامي
(مسألة النفس[17] والجسد)

مسألة النفس والجسد من المسائل التي اهتمَّ بها الفكر الفلسفي عبر التاريخ، حين كان يحاول الإجابة عن السؤال المتعلّق بالوجود وأصله، وأصل الإنسان، والخلق ومكوّناته.

وقد طغى على معظم تلك الأفكار النظرة الثنائية[18] (Dualisme) التي بدت واضحة عند فلاسفة اليونان، وامتدَّ تأثيرها مع مفكري الإسلام، خاصة الفلاسفة منهم والمتكلّمين. وقد اعتبر الحديث في مسألة النفس مدخلًا من المداخل التي سلكها المسلمون، فقهاؤهم ومفكّروهم، للحديث عن قواها وموقع الجسد منها.

بهذا لم ينجُ الجسد من النظرة السلبية المتتالية عبر العصور التي تتّهمه بسجن وتعطيل وتدنيس وتحريف النفس، وإعاقتها عن السمو إلى أعلى مراتب التفكير والتأمّل، فهو مركز الشهوات.

لكن وبالرغم من نهي الله تعالى عن الخوض في مسألة الروح، واعتبار معرفتها تدخل ضمن العلم الإلهي حيث يقول الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾[19]، فإن مفكري الإسلام أقبلوا على دراستها بأشكال متنوّعة، عبر الثنائيات المتنوّعة: الحياة والموت، الدنيا والآخرة، الخير والشر، الجنة والنار، النفس والجسد.

ويدخل في هذا السياق الأخير كثير من المسائل منها ما يتعلّق ببعث الأجساد والأرواح، قدمها أو حدوثها، تنعُّمها أو عذابها، وغيرها من المسائل التي لا يُسمح لنا بتناولها في هذا المقام لسعة هذه الثنائية.

ومهما كان سبب الحديث عن العلاقة بين النفس والجسد، سواء لضرورة فقهية أو عقائدية، أو فكرية، فإننا نجد الكثير من الفلاسفة والمتكلّمين أكثر تَأَثُرًا في هذه المسألة، بفلاسفة اليونان أفلاطون وأرسطو خاصة. وهذه بعض الصفات التي جاءت في الجسد، في مقابل ما قيل في النفس وقواها بناء على بعض النماذج لمفكّري الإسلام، فقهاء كانوا أو فلاسفة أو متكلّمين أو متصوّفة.

فالروح في الخطاب الفقهي إذن، على حدِّ قول الفقهاء منهم على سبيل المثال لا الحصر، ابن القيّم الجوزية بعد أن اعتبر أن ما قيل فيها من البعض لا طائل منه، ويفضّل ردّ جواب هذه المسألة إلى أصول أهل السنّة التي تظاهرت عليها أدلة القرآن والسنة والآثار والاعتبار والعقل.

حيث يقول: «وصفها الله سبحانه وتعالى بالدخول والخروج والقبض والتوفي والرجوع وصعودها إلى السماء وفتح أبوابها لها وغلقها عنها، فقال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ المَوْتِ وَالمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾[20].

وقوله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾[21]. وهذا يقال لها عند مفارقتها للجسد، وقال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾[22]. فأخبر بأنه سوّى النفس كما أنه سوّى البدن في قوله: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾[23]، فتسوية البدن تابع لتسوية النفس، والبدن موضوع لها كالقالب لما هو موضوع له»[24].

إنه الجسد الوعاء أو المكان الذي إليه تدخل ومنه تخرج وغيرها من الصور الحركية والوضعيات التي تتّخذها النفس إزاء الجسد. والروح كمال الجسد، يتّضح معناها من خلال ما حدّثنا عنه القرآن في عملية الخلق، أي خلق الإنسان (آدم عليه السلام) ونفخ الروح بعد تسويته، يقول الله تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾[25]، لم تكن التسوية تامّة لآدم إلَّا عبر ما نفخ الله فيه من روحه.

أ- الجسد الفاني وعاء النفس الخالدة

كثير من النصوص تظهر ورود هذه الفكرة (الجسد وعاء للنفس) لدى الفلاسفة والمتكلّمين والمتصوّفة المسلمين، منها قول الفيلسوف ابن سينا (370ﻫ/ 980م - 428ﻫ/ 1037م) في مطلع قصيدته العينية:

هبطت إليكَ من المحلّ الأرفَعِ

ورْقاءُ ذَاتُ تعَزّزٍ وتَمَنُعِ

محجوبةٌ عن كلِّ مُقْلَـةِ عارفٍ

وهي التي سَفَرَتْ ولم تَتَبَرْقَعِ

وصلت على كُرْهٍ إليكَ وربـما

كَرَهتْ فراقَكَ وهي ذَاتُ تفجُّعِ

أنفَتْ وما أنسَت ْفلما واصَـلتْ

ألفتْ مجاورةَ الخَرابِ البَلْقَـعِ[26]

القصيدة[27] طويلة، لا يمكن عرضها كلها، ولكن يمكن أن نستنتج منها، معنى، وهو أن أصل النفس علوي، وهي تفيض من العقل الفعّال، وهي روح لا تقع عليها الحواس. وأن الجسد سجن النفس، وعلاقته بها عرضية، كأن يحطّ الطير على غصن[28]. فيكون ابن سينا بذلك قد نعت الجسد بعدة صفات النقص والهين منها: الخراب البلقع: (أَنِسَتْ مُجَاوَرَةَ الخَرَابِ البَلْقَع).

وفي بيت آخر، ثاء الثقيل: (عَلِقَتْ بِهَا ثَاءُ الثَّقِيلِ فَأَصْبَحَتْ)، قعر الحضيض الأوضع: (عَالٍ إِلَى قَعْرِ الحَضِيضِ الأَوْضَعِ)، قفص: (قَفَصٌ عَنِ الأَوْجِ الفَسِيحِ المُرْبِعِ)، الدمّن: (وَتظلّ ساجعةً على الدّمن)، وغيرها من الصفات الذميمة التي وصف بها الجسد، في حين يصف النفس بأسمى معاني الخير والصفاء والكمال[29].

يختلف الناس في مسألة خلود النفس، البعض يرى أن الروح أو النفس تموت لأن كل نفس ذائقة الموت، قال الله تعالى: ﴿كلُ نفْسٍ ذَائِقةُ المَوْتِ﴾[30]. ومن الآيات ما يدل على أنه لا يبقى إلَّا الله وحده، يقول تعالى: ﴿كلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* ويَبْقَى وَجْهُ ربِّكَ ذُو الجَلَالِ والإِكْرَامِ﴾[31].

والبعض الآخر يرى أن الروح لا تموت؛ لأنها خلقت للبقاء وإنما تموت الأبدان، وفي ذلك آيات، منها قوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾[32]. هذا مع القطع بأن أرواحهم قد فارقت أجسادهم وقد ذاقت الموت.

إلَّا أن الصواب في نظر ابن القيم الجوزية هو أن موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها، فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تعدم وتضمحل وتصير عدمًا، فهي لا تموت بهذا الاعتبار، بل هي باقية كذلك بعد خلقها في نعيم أو في عذاب حتى يردّها الله في جسدها.

تبقى هذه المسألة -في رأي ابن القيم الجوزية- من المسائل التي اختلف فيها العلماء، وقد وصف أحمد بن الحسين الكندي والملقب «بالمتنبي» هذا الاختلاف في قوله:

تنازع الناس حتى لا اتّفاق لهم

إلَّا علـى شجبٍ والخُلْفُ في الشجبِ

 

فقيل: تَخْلُصُ نفس المرءِ سالمةً

وقيل: تَشْرَكُ جِسمَ المرءِ في العَطَبِ[33]

ولمّا كان تأثير أفلاطون وأرسطو في الفلاسفة المسلمين كبيرًا (الكندي والفارابي وابن سينا وكل التيار الإشراقي ومن دار في فلكهم)[34]، كما تأثّر هؤلاء أيضًا بأفلوطين (205-270م) زعيم الأفلاطونية المحدثة والمذهب الإشراقي. فإن هذا ربما يفسر ذلك التقارب من حيث المواقف بين هؤلاء الفلاسفة في مسألة خلود النفس أو فنائها، وإن كانت من المسائل المحفوفة بالغموض.

يمكن القول وبشكل عام دون التفصيل في هذه القضية لتشعبها: إن البقاء للنفس بعد موت وفناء الجسد، يظهر هذا سواء من موقف بن إسحاق الكِنْدي (185هـ/ 805م - 256ﻫ/ 873م) الذي يرى أن النفس هي لا جسم، وهي جوهر لا طول له ولا عرض ولا عمق، وهي جوهر الإنسان، وهي تقع كالأساس للبدن لحاجته إليها دون أن تحتاج هي إليه، وهي مضادّة لما يعرض للبدن من الشهوات والغضب، لأنها ذات أصل إلهي، ولذا فهي تضبط الجسد كما يضبط الفارس الفرس.

ب- الجسد آلة الروح

والنفس تبقى بعد فناء الجسد، وتسير إلى المستقر الأعلى مباشرة[35]، فالفارابي (257ﻫ/ 870م - 339ﻫ/ 950م) يقول بخلود النفس الفاضلة التي كانت تسعى لتحقيق السعادة.

ويرى ابن سينا من خلال قوله في القصيدة العينية:

سجعت وقد كُشف الغطاء فأبصرت

ما ليس يُدرك بالعيون الهجّـع

وغدت مفارقـة لكـل مُخلّفٍ عنها

حليف التـرب غيـر مُشيَّـع

فالنفس بالنسبة له حادثة، ولكن حدوث النفس بحدوث الجسد، لا يلزم عنه بطلان النفس ببطلان الجسد[36].

ويماثلهم أبو حامد الغزالي (450ﻫ/ 1058م - 505ﻫ/ 1111م) بوجه عام في موقفه، وهو يتحدّث عن الموت، حيث يقول: «إن معناه تغيّر حال فقط، وأن الروح باقية بعد مفارقة الجسد إما معذّبة وإما منعمّة، ومعنى مفارقتها للجسد، انقطاع تصرّفها عن الجسد بخروج الجسد عن طاعتها، فإن الأعضاء آلات الروح تستعملها حتى إنها لتبطش باليد، وتسمع بالأذن، وتبصر بالعين، وتعلم حقيقة الأشياء بالقلب، والقلب هاهنا عبارة عن الروح. والروح تعلم الأشياء بنفسها من غير آلة... فكل ما هو وصف للروح بنفسها فيبقى معها بعد مفارقة الجسد، وما هو لها بواسطة الأعضاء فيتعطّل بموت الجسد إلى أن تعاد الروح على الجسد»[37].

فالجسد بهذا المعنى هو آلة الروح؛ لأن الإنسان في نظر الغزالي هو جسم وأثاره أعراض، وهذا الجسد لا يهتدي إلى العلم، ولا يعرف طريق المصنوع ولا حق الصانع، وإنما هو خادم أسير، وحسب قوله: «وإن كان الروح في البدن كالغريب فأعلم أنه لا يحل من محل ولا يسكن في مكان، وليس البدن مكان الروح، ولا محل القلب، بل البدن آلة الروح»[38].

ويرى ابن رشد (520ﻫ/ 1126م - 595ﻫ/ 1198م) أن النفس تتعلّق بالجسد كتعلّق الصورة بالهيولى، وأن لكل نفس بدنًا خاصًّا بها، وذلك أن حال النفس من البدن كحال الصناعة من الآلات، فمن قال: إن النفس تحلّ بدن الحمار[39]، كمن قال: إن صناعة النجارة تحلّ في المزمار[40]، أي إنها علاقة عرضية تنتهي بفناء الجسد.

ج- الجسد في أحسن تقويم

إن نظرة المسلمين للجسد على أنه فانٍ، وأن الخلود للنفس، لها ما يبرّرها من الناحية العقائدية، لكن لا يُفسّر هذا على أنه احتقار للجسد، مثلما هو الحال بالنسبة لفلاسفة اليونان، ففي ردّه على من يحطّ من قيمة الجسد ويصفه بالنعوت القبيحة، يردّ ابن العربي (558ﻫ/ 1164م - 638ﻫ/ 1240م) ردًّا صريحًا على لسان «الغراب» رمز الجسم فيقول: «وقالت طائفة ممَّن تدّعي العقل الرصين على زعمها، وقضت على شبهتها بحكمها، فناطوا بي قبيح الهجاء، وخلعوا عني حلّة حسن الثناء... حاق بهم ما كانوا يستهزئون... وقد أثنى عليَّ الشرع، فما أبالي، وبيَّن مرتبتي السمع فما أغالي».

كأنه يشير هنا إلى الآيات التي تحدّثت عن تكريم ابن آدم وعلى تسوية جسده بأيدي الخالق عز وجل، وعلى الكيفية التي بها خلقه في أحسن تقويم[41].

أخذ ابن عربي هذه الفكرة من بن منصور الحلّاج (244ﻫ/ 858م - 309ﻫ/ 922م)، الذي كان له أكبر الأثر في وضع أساس النظرية الفلسفية الصوفية، التي عرفت عند ابن العربي بنظرية الإنسان الكامل، ومنزلته من الله والخلق، فالإنسان بالنسبة له أكمل مجالي الحق، لأنه «المختصر الشريف» و«الكون الجامع».

ولذا استحق دون سائر الخلق أن تكون له الخلافة عن الله، فالإنسان الكامل إذن هو المرموز إليه بآدم عليه الصلاة والسلام، وهو الجنس البشري في أعلى مراتبه، لم تجتمع كمالات الوجود العقلي والروحي والمادي إلَّا فيه.

وهو لا يصدق في الحقيقة عند ابن العربي، إلَّا على أعلى مراتب الإنسان وهي مرتبة الأنبياء والأولياء (أي من وقف على الحقائق كشفًا وتعريفًا إلهيًّا)، ويكون أكمل خلق الله هو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) [42].

لقد اعتقد أفلاطون أن الإنسان مؤلّف من جوهرين أحدهما منسوب إلى عالم المُثل، وهو النفس، والآخر منسوب إلى عالم الحسّ وهو البدن، إلَّا أن النفس وجدت قبل البدن وهي مبدأ حركته، وكان رأي أرسطو ليس ببعيد، فالنفس صورة البدن، وهي كما يقول: «كمال أول لجسم طبيعي آلي».

هذه الأفكار نجد لها أثرًا واضحًا في مواقف مفكّري الإسلام بصورة عامة، النفس محرّكة الجسد، وهذا الأخير آلتها، هذا ما يقول به الفارابي النفس مستقلّة عن آلتها الجسد وهكذا ابن سينا وغيرهم.

أما من المتكلّمين فإن فخر الدين الرازي يرى أن النفس مغايرة للبدن، وهي شيء واحد، وهي المبصرة، والشامّة، واللامسة، وهي الموصوفة بعينها بالتخيّل والتذكّر وتدبير البدن وإصلاحه، فالنفس ليست البدن ولا شيء من أجزائه[43]، وهذا يظهر أن الجسد مجرّد آلة لا غير.

وعلى ضوء التحليل السابق يمكن استنتاج وضعية الجسد من خلال علاقته بالروح، عبر هذه الخصائص:

- الجسد وعاء والنفس كمال له.

- خلود النفس وفناء الجسد.

- النفس المحرّكة والجسد الآلة.

- النفس عارفة ومدركة، والجسد منفّذ.

تؤدّي مقارنة هذه الأحكام حول الجسد التي جاءت في الخطاب القرآني عبر الآيات المحكمات، إلى الكشف عن حقيقة الجسد، فقد ظلّت لدى الكثيرين محفوفة بالغموض والإبهام نتيجة تقديسهم للروح. فالأمر يتعلّق بما ورد في القرآن من آيات تقرّ بقدسية الجسد واعتباره آية من آيات الله يدعونا إلى تأمّلها والاعتبار منها، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾[44].

أي خلق الله الإنسان وأبدعه في صورة من التناسق الخِلقي، بين أعضاء جسمه، وتسويتها تسوية تلائم هيئة كل فرد من أفراده.

يقول الإمام الرازي (543ﻫ/ 1148م - 606ﻫ/ 1209م) في تفسيره الكبير {فَعَدَلَكَ} وفيه بحثان: نكتفي بالبحث الأول: قال مقاتل: يريد عدل خلقك في العينين والأذنين واليدين والرجلين، فلم يجعل إحدى اليدين أطول، ولا إحدى العينين أوسع، وهو كقوله: ﴿بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَه﴾[45].

وتقريره ما عرف في علم التشريح، أنه سبحانه ركّب جانبي هذه الجثة على التساوي حتى إنه لا تفاوت بين نصفيه لا في العظام، ولا في أشكالها، ولا في ثقبها، ولا في الأوردة والشرايين والأعصاب النافذة فيها والخارجة منها، واستقصاء القول فيه لا يليق بهذا العلم، وقال عطاء عن ابن عباس: جعلك قائمًا معتدلًا حسن الصورة لا كالبهيمة المنحنية.

وقال أبو علي الفارسي: عدل خلقك فأخرجك في أحسن التقويم، وبسبب ذلك الاعتدال جعلك مستعدًا لقبول العقل والقدرة والفكر، وصيّرك بسبب ذلك مستوليًا على جميع الحيوان والنبات، وواصلًا بالكمال إلى ما لم يصل إليه شيء من أجسام هذا العالم.

فالله تعالى إذ يقول مقسمًا: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾[46]، يذكر الإنسان بأنه أحسن خلق الله تركيبًا وتصويرًا[47].

كما أن الآيات التي تتحدّث عن الخلق (خلق الإنسان) تؤكّد ذلك، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾[48].

ﷺ رابعًا: صورة الجسد الفنية والجمالية في الإسلام

لم يكن الجسد حديث الفقهاء والفلاسفة والمتكلّمين والمتصوّفة فحسب، فمثلما أنه خضع للتفكير والمناقشة ولو بصورة غير مباشرة بالحديث عن الإنسان، كذلك خضع للذوق والغزل. وإن كان محلّ النظر في أغلب الأحيان، جسد المرأة، ربما هذا أكثر ما ورثه العرب المسلمون عن عرب الجاهلية، الذين تغنّوا شعرًا بالمرأة بجسدها، فصوروه كما هو وأحسن ممّا هو.

فتحوّل عندهم الواقع إلى خيال محاولين الوصول إلى نموذج جمالي للمرأة، كل حسب ذوقه.

لقد كانت المرأة مصدر إلهام على مرّ العصور، سواء بالنسبة للفلاسفة أو الشعراء والأدباء، واختلفت الآراء والمواقف حولها، وقد شاع في العصر اليوناني اعتبار المرأة إما زوجة وإما عشيقة، فإذا كانت زوجة، فدورها يكمن في الإنجاب وتربية الأولاد. وإن كانت عشيقة فدورها التسرية عن الرجال وإسعادهم بإذاقتهم كل صنوف اللذة الجسدية حتى لا ينحرفوا إلى عشق الغلمان.

ولمّا كان الجمال محبوبًا للنفس، خاصّة منه الجمال الأنثوي، لم يتأخّر شعراء الجاهلية أو الإسلام وأدباؤهم عن النظر فيه بإمعانٍ خاصّة في مفاتنه. وكانت المرأة والأنثى هي المقصود، وكان الحب هو الموضوع. ألم يقل امرؤ القيس شاعر المرأة في معلقاته: «كشحها هضيمٌ وجيدها كجيد الريم وذراعاها كذراعي الْعَيْطَلِ البِكْر وتَرائِبُهَا مصْقُولةٌ كالسَّجَنْجَـلِ...» إلَّا أن المرأة لدى امرئ القيس وطرفة وعنترة وغيرهم، كأنّها لم تَكُ إلَّا للَّذاتِ والمُضاجعاتِ.

ناهيك عن أشعار الحب والغزل والعشق، بالرغم من طابعها الخطابي الجمالي والخيالي الرمزي، إلَّا أنها تستظهر في كل مرة عناصر الجسد، فالحب هو حب لشيء، وليس لمعنى.

وقد قيل: إن جمال الوجه فتنة لعباد الله حتى قال بعضهم: «سمعت يحيى بن سفيان يقول: رأيت بمصر جارية بيعت بألف دينار، فما رأيت وجهًا قطّ أحسن من وجهها، قال: فقلت له: يا أبا زكريا، مثلك يقول هذا مع ورعك وفقهك؟! فقال: وما تُنكر عليَّ من ذلك؟ صلّى الله عليها وعلى كل مليحٍ: يا ابن أخي الصلاة رحمة»[49].

حتى الأئمة والفقهاء تحدّثوا في كتبهم عن الجسد وما يتّصل به من حب وعشق وجمال، وهذا الفقيه والشاعر ابن حزم الأندلسي (383ﻫ/ 993م - 456ﻫ/ 1064م)، لما جاء يتحدّث عن علامات الحب قدّمها في شكلها المادي، إذ يقول: «وللحب علامات، فأولها إدمان النظر والعين باب النفس، فترى الناظر يتنقل بتنقل المحبوب، ومنها الإقبال بالحديث، والإنصات لحديث المحبوب، ومنها الإسراع بالسير إلى المكان الذي يكون فيه، ومن علامته وشواهده الظاهرة، المجاذبة على الشيء يأخذه أحدهما، وكثرة الغمز الخفي، والميل بالاتكاء، وتعمّد لمس اليد عند المحادثة، ولمس ما أمكن من الأعضاء الظاهرة..»[50].

فالطابع الخطابي الجمالي الرمزي حول الجسد والجسد الأنثوي على الخصوص لم ينقطع بمجيء الإسلام، وإلَّا لما كانت هناك أحكام وحدود شرعية، فالزنا من مظاهر الجنس وهو حرام والاقتراب منه كذلك حرام، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾[51].

والنظر إلى الجسد ومفاتنه والإعجاب به هو بداية لعلاقة، التي تبدأ مثلما عبّر عن ذلك أمير الشعراء: نظرة، فابتسامة، فسلام، فكلام، فلقاء؛ لذلك يحذر الله ويأمر المؤمنين بغض البصر، يقول الله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا...﴾[52].

ومن المؤلفّات التي يمكن الاستدلال بها في هذا السياق، كتاب «أخبار النساء» لأبي الفرج بن الجوزي (510هـ/ 1116م - 592هـ/ 1196م) الذي جاء فيه قوله في أوصاف النساء: «وقالوا وقال: الصّباحة في الوجه، الوضّاءة في البشرة، الجمال في الأنف، الحلاوة في العينين، الملاحة في الفم، الظّرف في اللّسان، الرّشاقة في القدّ، اللّباقة في الشّمائل، كمال الحسن في الشّعر، والمرأة الرّعبوبة: البيضاء، الزّهراء: التي يضرب بياضها إلى صفرة كلون القمر والبدر، الهجان: الحسنة البياض، والزّجاء: الدّقيقة الحاجبين حتى كأنهما خُطَّا بقلم. والبلج: إن يكون بينهما فرجة، والدّعج: أن تكون العين شديدة السواد مع سعة المقلة... الشّنب: رقة الأسنان واستواؤها وحسنها... الجيد: طول العنق... فإذا كانت سمينة ممتلئة الذراعين والساقين فهي خدلجةٌ... والرجراجة: الدّقيقة الجلد...»[53].

يُظهر لنا هذا الكلام كيفية ربط الواصف للمرأة، بين صفاتها النفسية بمظاهرها الجسدية، ويكشف عن الطابع الخطابي المادي الذي إذا ما تتبّعناه، تتشكّل لدينا صور خيالية عن المرأة وصفاتها تزيد أو تنقص عن الحقيقة. وكأن الواصف يبحث عمَّا هو أفضل. ويمكن تفسير ذلك بسعة خيال الواصف، ودقة نقله للواقع حتى يكون أكثر إقناعًا.

والملاحِظ بشكل عام لهذا المنتوج الأدبي والفني الجمالي، أنه يكشف عن الترابط الوثيق الذي كان يقيمه الشعراء والأدباء بين الحب والجمال، فالغزل والعشق للجمال، والجمال المدرك حسيًّا.

ولمّا كان الجسد من الموضوعات المدركة حسيًّا، كان الاشتغال به وبما يظهر منه أكثر من أي شيء آخر، وبالرغم من ذلك لا نعتبر هذا الخطاب وهذا المنتوج الثقافي الفني والأدبي الذي يحضر فيه الجسد بقوة، يعبّر عن كامل صورة الجسد في التصوّر الإسلامي.

ﷺ خاتمة

إن الاهتمام بالجسد لم يكن مقصودًا، وإنما المقصود في النقاش هو بيان الصور والوضعيات التي تكون عليها النفس، ثم تليها الصور التي يكون عليها الجسد، حتى لا يخرج هذا النقاش عن إطار المشكلة التقليدية وهي مشكلة العلاقة بين الجسد والروح أو النفس.

ولكن إذا أقمنا موازنة من حيث وضوح الصورة بالنسبة للنفس وقرينتها بالنسبة للجسد، سوف تكشف هذه الموازنة عن الصورة المبهمة للجسد، وبالتالي صعوبة استخلاص المعاني الممكنة للجسد في التصوّر الإسلامي.

قد يقال: إن التصوير الفني والجمالي وضّح هذه الصورة، ونحن نقول: العكس صحيح، لقد زاده غموضًا بفعل فكرهِ الاختزالي Réductionnisme، خاصّة حين اختزل الجسد في مفاتنه، وفي بعده الجنسي Corps Sexuel والليبيدي[54] Libidinal.

في المقابل كان الإنسان في كله هو الموضوع الذي أخذ نصيبه من التفكير والنقاش، ربّما يرجع هذا إلى التصوير القرآني لخلق الله، وخلق الإنسان الخليفة، على وجه الخصوص. لذلك لم يكن هناك حديث دون المرور بأهم شيء قامت عليه الدنيا والآخرة وهو الإنسان.

أما اليوم، لم يعد بإمكان الفلسفة بناء تصوّر حول الإنسان، من دون وعي لحقيقة الجسد، فهي بذلك تشرّع لنفسها حقّ السؤال والتساؤل حوله وعن وضعيته في النظريات الأولى، وفي الحضارات الراهنة. وهي تقرّ بقيمة الجسد، تكون قد جعلت منه موضوعًا قائمًا بذاته، خارج إطار العلاقة التي طالما جمعته بالروح أو النفس وأخضعته لإرادتها.

لقد تحوّل الجسد في كثير من مجالات التفلسف (التجربة، والوعي، واللّغة) إلى مبدأ منهجي، وطريقة للتحرّي حول معرفة الذات وعلاقتها بالآخر وبالعالم. وعليه يمكن الحديث عن فلسفة خاصة بالجسد   Philosophie du corps التي تُشكّل اليوم، المسألة المركزية في كثير من الثقافات من خلال أعمال الفلاسفة.

إننا حين نتجاوز مسلّمة العلاقة بين الروح والجسد، يتحوّل الجسد إلى أداة تحليل تستعمل في إعادة تأويل تاريخ الفلسفة من خلال تاريخ الجسد. من هنا تدعو فلسفة الجسد إلى إعادة قراءة الفينومينولوجيا، وعلم النفس، والأنثربولوجيا وجميع أشكال المنتوج الثقافي والتراكم المعرفي البشري.

 

 



[1] مصطلح من إبداع الفيلسوف الفرنسي موريس مارلو بونتي (1908-1961) ورد في كتابه فينومينولوجيا الإدراك 1945. ويقصد به الجسد الحي، الجسد المعيش، جسدي الذاتي. وهي لا تعني جسدي كجسد ذاتي فحسب، بل طريقة للكينونة، بل -مثلما عبّر عنها ميشال هنري- شرط الوجود الإنساني، ما دام يمثّل الخصائص الفنومينولوجية.

[2] العارفية أو العرفانية أو الغنوصية، اسم يطلق على المذهب الذي انتشر في القرنين الثاني والثالث للميلاد وخلاصته أن العقل البشري قادر على معرفة الحقائق الإلهية، وأن الحقيقة واحدة، وأن الموجودات مراتب أعلاها مرتبة العقول، وأدناها مرتبة المادة. لهذا تؤمن الغنوصية بمبدأ التعارض القائم -والدائم- بين الروح والمادة (الجسد).

انظر: جميل صليبا، المعجم الفلسفي، بيروت - لبنان: دار الكتاب اللبنانية، 1979، ج2، ص.ص. 72-73.

[3] أو المانيّة، ديانة تنسب إلى ماني (مانيس، أو مانيخايوس)، وهو مهرطق فارسي من القرن الثالث، حاول دغم المسيحية والثنائية التقليدية في ديانة زرادشت القديمة. والمانيّة هي كل تصوّر فلسفي يقول بمبدأين كونيين أزليين، مبدأ الخير ومبدأ الشّر. وخلاصة عقيدتهم هي العمل على تحرير الروح من سجنها الجسدي حتى يمكنها أن تصعد لله، والجسد ورغباته شرّ لأنهما يمنعان الروح من الخلاص؛ ولذا تدعو إلى الزهد والرهبنة. انظر: أندريه لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية، تعريب: خليل أحمد خليل، بيروت - لبنان: منشورات عويدات، ط2، 2001، ج 2، ص764.

[4] Courcelle Pierre,Tradition platonicienne et tradition chrétienne du corps-prison, revue, Persée, Volume 109, n°2, 1965, P.P. 341 - 343.

-      http://www.persee.fr/web/revues/home/prescript/article/crai_00650536_1965_num_109_2_, consulté, 12/09/2013.

[5] Sous la direction de jean-Cristophe Goddard, Le Corps, In, Le corps mystique dans la théologie catholique, P. 91.

[6] أحد الأسرار السبعة المقدّسة في المسيحية بجميع أشكالها، وهو تذكير بالعَشاء الذي تناوله عيسى (عليه السلام) بصحبة تلامذته عشيّة آلامه (لوقا 19:22 ومتى26:26 ، ومر 22:14 و1 قور 23:11-25)، ويُحتفل بها في جماعة المؤمنين. الاحتفال يكون بصيغة تناول قطعة صغيرة ورقيقة من الخبز تعرف بالبرشانة أو القربانة التي تمثّل جسد يسوع، وأحيانًا تغمس قطعة الخبز في القليل من الخمر الذي يمثّل دم يسوع.

[7] جورج رشيد خوري، من وحي الكتاب المقدّس (خلود النفس البشرية)، الموقع وتاريخ الدخول، 01/06/2013 http://www.thegrace.com/books/immortal.html

[8] Sous la direction de jean-Cristophe Goddard, Le Corps, In, Le corps mystique dans la théologie catholique, P.P. 87 - 90.

[9] إنجيل متى. الإصحاح الرابع ، ص. ص. 22- 25.

[10] سورة آل عمران، آية 48-49.

[11] جورج رشيد خوري، من وحي الكتاب المقدس (خلود النفس البشرية)، الموقع، تاريخ الدخول، 01/06/2013 http://www.thegrace.com/books/immortal.html

[12] الإنجيل، رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي2: 9.

[13] اللوغوس: كلمة استعملت عند الفلاسفة القدماء، واتّخذت معاني كثيرة، يمكن الكشف -بعد الدراسة المعمقة- عن معنى مشترك يدل على الخالق، أو الصانع أو أصل الوجود كله. ليس بوسعنا تناول هذا الموضوع في هذا المقام.

[14] فريد الزاهي، الجسد و الصورة والمقدّس في الإسلام، المغرب: دار إفريقيا الشرق، 1999، ص. 19.

[15] صحيح مسلم، صحيح البخاري، سنن الترمذي، سنن النسائي، سنن أبي داود، سنن ابن ماجة، مسند أحمد، موطأ مالك، سنن الدارمي.

[16] هو التصور الذي تبلور أكثر مع الفينومينولوجيين: هوسرل، هايدغير، مارلو بونتي، مضمونه أن الذات ومن ضمنها الجسد، ظاهرة تتحدّد بذاتها في الوجود و لا يحدّدها غيرها. سيأتي الحديث عنه لاحقًا.

[17] استعملت كلمة النفس، والروح، والعقل، والقلب، للدلالة على الشيء نفسه والمقابل للجسد.

[18] الفكر الثنائي، هو اعتقاد وجود مبدأين جوهريين لا يقبلان الخفض مثلًا، ثنائية أخلاقية: بين الطبيعة والرحمة، بين الهوى والحرية، ثنائية نفسية: بين الإرادة والإدراك العقلي، وطبعًا ثنائية النفس والجسد، والمادة والصورة، وغيرها من الثنائيات.

[19] سورة الإسراء، الآية 85.

جاء تفسير الآية في «الظلال» قول السيد قطب: فلا جدوى من الخبط في التيه، ومن إنفاق الطاقة فيما لا يملك العقل إدراكه، لأنه لا يملك وسائل إدراكه. والروح غيب من غيب الله لا يدركه سواه، وسرّ من أسراره القدسية أودعه المخلوق البشري وبعض الخلائق التي لا نعلم حقيقتها...

انظر: سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق، ط24، 1995، المجلد 4، ص، 2249.

[20] سورة الأنعام، الآية 93.

[21] سورة الفجر، الآية 27-30.

[22] سورة الشمس، الآية 7-8.

[23] سورة الانفطار، الآية 7.

[24] ابن قيّم الجوزية، الروح، تحقيق: سعيد محمود عقيّل، دار الجيل، بيروت، لبنان، من دون تاريخ، ص49.

[25] سورة الحجر، الآية 29، وسورة ص، الآية 72.

[26] ورقاء: الحمامة الرمادية اللون، وهنا بمعنى النفس. البلقع: الخراب الخالي من أي شيء هنا بمعنى الجسد.

[27] فتح الله خليف، ابن سينا ومذهبه في النفس (دراسة في القصيدة العينية)، بيروت - لبنان: دار الأحد البحيري إخوان، 1974، ص. 129.

[28] رمزي نجار، الفلسفة العربية عبر التاريخ،  بيروت - لبنان: دار الآفاق الجديدة، 1979، ص ص، 129-131.

[29] فتح الله خليف، ابن سينا ومذهبه في النفس (دراسة في القصيدة العينية)، ص.ص139-143.

[30] سورة آل عمران، الآية 185.

[31] سورة الرحمن، الآية 26-27.

[32] سورة آل عمران، الآية 169.

[33] ابن القيم الجوزية، الروح، ص45.

[34] خاصة أرسطو، فقد اشتغلوا بكتبه كثيرًا لا سيما كتب المنطق، وكذلك عرفوا كتبه في الأخلاق والطبيعيات والسياسة، واعتبروه أقرب الفلاسفة إليهم لأنه تكلّم عن الخلق الإلهي، وأثبت وجود الصانع، وبرهن على وجود النفس وخلودها فيهم.

[35] محمد عبد الرحمن مرحبا، الكندي (فلسفته - منتخبات)، بيروت - لبنان: منشورات عويدات، 1985، ص. ص103-107.

[36] جميل صليبا، من أفلاطون إلى ابن سينا (محاضرات في الفلسفة العربية)، بيروت - لبنان: دار الأندلس، 1951، ص120.

[37] أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، ج4، ص494.

[38] أبو حامد الغزالي، مجموعة رسائل، باب في حكمة خلق الإنسان، تحقيق: إبراهيم أمين محمد، القاهرة - مصر: المكتبة التوفيقية، دون تاريخ، ص ص28-29.

[39] هذه إشارة لمن كان يقول بتناسخ الأرواح من الفلاسفة اليونانيين.

[40] ابن رشد، تلخيص كتاب النفس، تصدير: إبراهيم مذكور، القاهرة: دار الكتب، ص29.

[41] خميس ساعد، ابن العربي المسافر العائد، منشورات الاختلاف، دار العربية، 2010، ص147.

[42] محيي الدين بن عربي، فصوص الحكم، تعليق: أبو العلاء عفيفي، بيروت - لبنان: دار الكتاب العربي، ج1، ص. ص36-38.

[43] فخر الدين الرازي، كتاب النفس والروح وشرح قواهما، تحقيق: محمد صغير حسن المعصومي، إسلام أباد - باكستان: مطبوعات معهد الأبحاث الإسلامية، 1968، ص29.

[44] سورة الانفطار، الآية 6-8.

[45] سورة القيامة، الآية 4.

[46] سورة التين، الآية 8.

[47] أبو بكر الرازي، تفسير مفاتيح الغيب، التفسير الكبير، نسخة الكترونية:

http://www.altafsir.com/Tafasir

[48] سورة المؤمنون، الآية 11-14.

[49] أبو الفرج بن الجوزي، أخبار النساء، باب ما جاء في وصف النساء، كتاب الكتروني، ص9.

[50] ابن حزم الأندلسي، طوق الحمامة (في الألفة والألاف)، باب علامات الحب، دمشق - سورية: مكتبة عرفة، 1930، ص. ص11-13.

[51] سورة الإسراء، الآية 32.

[52] سورة النور، الآية 30-31.

[53] أبو الفرج بن الجوزي، أخبار النساء، باب ما جاء في خلق النساء، ص132-134.

[54] الليبيدي مرادف لمصطلح الليبيدو، وهو مجاز Métaphore استعمله فرويد S.Freud للدلالة على الدوافع الجنسية.