شعار الموقع

سؤال الحرية في الفكر العربي والإسلامي المعاصر

محمد الناصري 2019-05-19
عدد القراءات « 2175 »

سؤال الحرية في الفكر العربي والإسلامي المعاصر

أبو القاسم حاج حمد أنموذجًا

الدكتور محمد الناصري*

* أستاذ التعليم العالي مؤهل، جامعة السلطان مولاي سليمان، المغرب. البريد الإلكتروني:

mohammedennassiri@gmail.com

 

 

 

مدخل

لا تعسُّف في القول: إن مشكلة الحرية هي بلا شك من أقدم المشكلات وأعقدها، حقًّا، إن مشكلة الحرية هي قفل الميتافيزيقا الذي علاه الصدأ من كل جانب على حدّ تعبير الفيلسوف الإنجليزي بين «Bain»، ولكنها قد اكتسبت أهمية جديدة في الفلسفة المعاصرة بحيث قد يكون من الممكن أن نعدّها مفتاح المشكلات جميعًا[1].

وعليه؛ فالحرية هي واحدة من أكثر المفاهيم الفلسفية أهمية في التطور العام للتاريخ البشري؛ إذ لا يكاد يوازيها في الأهمية والخطورة مفهوم آخر. ولخطورة المفهوم وأهميته فقد صار البحث فيه معقّدًا لحدود قصوى، وذلك راجع بالأساس لاختلاف أنظار الفلاسفة عبر التاريخ الإنساني الطويل حول حدِّه وتعريفه وتعيين مستوياته ومجالاته وضوابطه وصوره المختلفة.

فلقد طرحت مسألة الحرية عبر مسار التاريخ وما زالت، ولكن مفهومها كان يختلف في كل مرحلة، ومن مجتمع لآخر، فكان طبيعيًّا أن يأتي التعبير العربي والإسلامي عن الحرية مُتَّسقًا مع الخصوصية الثقافية والحضارية العربية الإسلامية، ومستندًا للمرجعية الفكرية العربية والإسلامية التي يصدر عنها، كما كان من الطبيعي الحديث عن تعدّدية في الاجتهاد والنظر في هذه المسألة داخل التيارات العربية الإسلامية[2].

لقد أبدى التيار الإسلامي حرصًا على التميّز في التعامل مع مفهوم الحرية، وتقديم فهم يختلف عنه في المجال التداولي الآخر، عنينا الغربي؛ فبينما يسعى هذا الأخير لمفصلة مفهوم الحرية في ضوء قوانين الطبيعة وإكراهاتها، وقوانين التاريخ والبحث عن مساره والتساؤل عن الحتمية والتقدّم والهادفية، والعلاقة بين الفرد والمجتمع والبحث في علاقات السُّلطة.

ينظر المُسلم لمفهوم الحرية الإنسانية وهو يأخذ في اعتباره –إضافة لهذه المعاني- الفعالية الإلهية في الكون، فحتّى الخلاف الشهير بين المعتزلة والأشاعرة في قضية خلق الأفعال لم يُلغِ فيه أي من الطرفين الفعالية الإلهية في الكون، كما أكدت جميع الفرق الكلامية على أهمية هذه النقطة.

والسؤال هنا: كيف سيكون وضع الحرية في إطار المرجعية الإسلامية؟ وهل لجوء الخطاب الإسلامي للمواءمة مع الواقع الخاضع للمؤثرات الغربية، يجعله قادرًا على التكيّف مع المفاهيم العصرية المطروحة في مسألة الحريات؟

أسئلة تكتسب شرعيتها بالنظر لعديد الإشكالات التي يعاني منها التراث الإسلامي في مجال الحريات من جهة، كمسألة الردّة وحق التعبير والحرية الفكرية، والالتباس التاريخي والثقافي عندنا لما نضع مسألة الحرية في سياق وجوب تطبيق الشريعة، ولنا في الأخذ بحكم الردة قديمًا وحديثًا خير شاهد على صحة القول.

وتلك التي يعاني منها تاريخنا السياسي من جهة ثانية، كالأيديولوجيا الجبرية التي سعى المنظرون لها إلى سلب الإنسان من كل قدرة على الاختيار، وأنه بالتالي مسير في كل شيء، ولا بد أن يطيع كل صاحب سلطان، ذلك أن مشيئته هي من مشيئة الله.

تأتي هذه الدراسة بهدف تتبع تطور الخطاب الإسلامي في مسألة الحرية، متخذين من الحرية في فكر أبي القاسم حاج حمد أنموذجًا، محاولين من خلالها سد فراغ ظل تراثنا المدون بالعربية يعانيه؛ إذ لا نلمس اهتمامًا بدراسة تطور الخطاب الإسلامي في مسألة الحرية فهناك مجرّد حديث عام ومجزَّأ حولها، وتكاد تنعدم الدراسات المعمّقة والمتخصّصة.

مع أن هذا لا يعني عدم ورود إشارات حولها في بعض دراسات تاريخ الفكر العربي الحديث، لكنها تتحدَّث عن المسألة في سياق الحديث عن أسباب التأخر أو التقدم مثلًا، أو في سياق الحديث عن العلاقة بالغرب، أو غير ذلك.

إضافة إلى بعض الدراسات الأكاديمية التي درست المسألة بشكل يكتنفه الكثير من التعميم وتنقصه الروح العلمية المنصفة، أو يغلب عليها الطابع الصحفي، فبقيت تلك الدراسات أسيرة لمواقف أيديولوجية مسبقة، أو أسيرة لآراء متحيّزة يجري تداولها كمسلمات[3].

لقد وجدنا في تناول أبي القاسم حاج حمد لمشكلة الحرية فهمًا جديدًا، يطرح وجهة نظر متميِّزة ومثيرة عهدناها في كتاباته السابقة[4]. مما آثرنا معه تناولها بالدراسة والتحليل والمناقشة، متّخذين من صورة الحرية في الخطاب العربي والإسلامي الحديث والمعاصر أفقًا للتجاوز.

الإصلاحية العربية الإسلامية وسؤال الحرية

مما لا شك أن مشكلة الحرية شغلت العديد من رواد الإصلاحية العربية الإسلامية، وظهرت دراسات تناقش الإشكال؛ فدعوة الحرية في الوطن العربي منذ عصر النهضة الأولى دعوة ملحّة مدوية عند كثير من الكتاب والمفكرين العرب والإسلاميين عمومًا، ومنشؤها -في نظري- دعوة خير الدين التونسي وقبلها بقليل دعوة الطهطاوي، دعوة كانت تهدف إلى نشر الحرية في المجتمعات العربية بعد أن عانت قرونًا طويلة من الظلم والتعسف والاستبداد والقهر والتسلط، فجاء خير الدين التونسي، فأظهر اعتناء ملموسًا بمسألة الحرية، وذلك في متن كتابه الشهير: «أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك».

يرى ألبرت حوراني أن الدافع لدى خير الدين التونسي إلى كتابة مؤلفه هو محاولة لإثبات «أن السبيل الوحيد في العصر الحاضر لتقوية الدول الإسلامية إنما هو اقتباس الأفكار والمؤسسات عن أوروبا، وإقناع المسلمين المحافظين بأن ذلك ليس مخالفًا للشريعة بل منسجمًا مع روحها»[5]، وفي مقدمة ذلك مفهوم الحرية؛ معتبرًا الحرية فطرة وأن النفس البشرية مجبولة على الحرية[6].

فالملاحظ أن خير الدين متيقّن أن الحرية دعامة أساسية من دعائم ازدهار أوربا الحديثة؛ إذ يعتبر الحرية «منشأ سعة نطاق العرفان والتمدُّن بالممالك الأوربية»[7]، وإذا كانت الحرية في الفكر الغربي تعني -بحسب خير الدين- «إطلاق تصرف الإنسان في ذاته وكسبه مع أمنه على نفسه وعرضه وماله، ومساواته لبني جنسه لدى الحكم، بحيث إن الإنسان لا يخشى هضيمة في ذاته ولا في سائر حقوقه، وبالجملة فالقوانين تقيِّد الرعاة كما تقيِّد الرعية»[8].

فإنه لا يُبدي اعتراضًا على فهمهم هذا؛ بل دافع خير الدين في مقدمة كتابه عن مفهوم الحرية بهذا الوجه الليبرالي الصريح ضد خصومها في المجتمع التقليدي الإسلامي عندما أكَّد بوضوح كامل أن الإسلام في صميمه دعوة حارة إلى الحرية بهذا المفهوم الحديث المتداول في الغرب قائلًا: «إن الحرية والهمة الإنسانية اللتين هما منشأ كل صنع غريب غريزتان في أهل الإسلام مستمدتان مما تكسبه شريعتهم من فنون التهذيب»[9].

كما كانت قضية الحرية في بداية القرن العشرين من القضايا الحيوية لدى تيار التحديث الليبرالي، ولن نجانب الصواب إذا اعتبرناها شعارهم الأساس، حيث اعتبروها مفتاح النهضة والإصلاح. ومن أشهر أعلام هذا التيار أحمد لطفي السيد، الذي يعد في نظر العديد من الباحثين «صحفي الدعوة إلى الحرية»[10]. ولعل ما يؤكّد اهتمام لطفي السيد بقضية الحرية، هو وعيه بأن حريتنا بحسب تعبيره «ليست مذهبًا نستورده، بل حاجة نحسّها وتخصّنا»[11].

لقد دافع عن الحرية دفاعًا مجيدًا، إذ اعتبرها في كتابه: «تأمّلات في الفلسفة والأدب والسياسة والاجتماع» أهم من الخبز والماء، حيث يقول: «لو كنا نعيش بالخبز والماء لكانت عيشتنا راضية. ولكن غذاءنا الحقيقي الذي به نحيا ومن أجله نحب الحياة ليس هو إشباع البطون الجائعة، بل هو غذاء إرضاء العقول والقلوب، عقولنا وقلوبنا لا ترضى إلَّا بالحرية»[12].

لقد ترك أحمد لطفي السيد الكثير من الكتابات والآراء التي جمعت في كتب عديدة هي: «المنتخبات» و«تأملات في الفلسفة والأدب والسياسة والاجتماع» و«صفحات مطوية من تاريخ الحركة الاستقلالية في مصر»، إلَّا أن أهم مؤلفاته المهتمة بفكرة الحرية كتابه: «الحريات».

يخصّص لطفي السيد مجموعة مقالات «الحريات» لتشخيص مظاهر اليأس السائدة في أحوال عصره، سواء في المستوى السياسي أو في المستوى الاقتصادي، ويركب بدائلها في دعواته إلى «الحريات» أي في دعوته إلى الليبرالية التي ترد في نصوصه بعبارة «مذهب الحريِّين»، وإذا كانت الليبرالية في أصولها تقدم تصورًا عامًّا للإنسان والمعرفة والمجتمع.

فقد جعل لطفي السيد علّة ترجمة جوانب من هذا التصور في نصوصه بهدف رسم معالم الطريق الأقرب إلى تحقيق النهضة العربية[13]، حيث يقول السيد في تعريفه للحرية: «خلقت نفوسنا حرة، طبعها الله عل الحرية، فحريتنا هي نحن.. هي ذاتنا ومقوم ذاتنا هي معنى أن الإنسان إنسان، وما حريتنا إلَّا وجودنا وما وجودنا إلَّا الحرية»[14].

يحضر في نصوص لطفي السيد المتعلقة بالحرية؛ الإقرار بأهمية المنظومة السياسية الليبرالية في عقلنة المجتمع وعقلنة المؤسسات، بل إن كل ذلك يحصل في سياق نظرة رومانسية تطابق الحرية بالحياة والحياة بالحرية، وتزداد معاني الكلمات وضوحًا بالخاصيات الأسلوبية المتميّزة بقاموسها وسلاستها، التي كانت تتمتع بها نصوص لطفي السيد وكتاباته على وجه العموم[15].

لقد مثلت كتابات لطفي السيد عن «الحرية» العنوان الأبرز في الليبرالية العربية، كما مثلت الصورة النموذجية لخطاب سياسي في الدعوة إلى الحريات بمختلف أشكالها: «الحرية الشخصية، -المدنية- وهي أن تعمل ما تشاء بشرط عدم الإضرار بالغير، وحرية الرأي والتعبير، والحرية السياسية»[16].

بالانعطاف نحو تيار الإصلاحية الإسلامية، فإننا نجد محمد الطاهر بن عاشور خير من تناول مسألة الحرية من رموز الإصلاحية الإسلامية المعاصرين، وذلك في كتابيه: «أصول النظام الاجتماعي في الإسلام» و«مقاصد الشريعة». ففي الكتاب الأول اعتبر الحرية هي إحدى المصالح الأساسية والضرورية التي يقوم عليها المجتمع ويجب على ولاة الأمور تحقيقها وصيانتها.

وبعد استعراضه لمفهوم الحرية الذي يتضمن معنيين هما: حرية الرقبة، وحرية التصرف، قال: «والحرية بكلا المعنيين وصف فطري نشأ عليه البشر، وبه تصرفوا في أول وجودهم على الأرض حتى حدثت بينهم المزاحمة فحدث التحجير»[17].

فطرية الحرية أكدها الطاهر بن عاشور في مرات عديدة إذ يقول: «إن الحرية خاطر غريزي في النفوس البشرية، فيها (أي الحرية) نماء القوى الإنسانية من تفكير وقول وعمل، وبها تنطلق المواهب العقلية متسابقة في ميادين الابتكار والتدقيق، فلا يحق أن تسام بقيد إلَّا قيدًا يدفع به عن صاحبها ضر ثابت أو يجلب به نفع»[18].

ويؤكد أصالة الحرية وفطريتها في موضع آخر بقوله: «والحرية بهذا المعنى حق للبشر على الجملة، لأن الله لما خلق للإنسان العقل والإرادة وأودع فيه القدرة على العمل، فقد أكنَّ فيه حقيقة الحرية وخوله استخدامها بالإذن التكويني المستقر في الخلقة»[19].

فابن عاشور يتجاوز ذلك النقاش والتأرجح الذي عرفه فلاسفة الحرية الغربيون حول أصل الحرية ومصدرها، هل هو الخلقة الأولى للأفراد وما فيها من نزوع إلى حرية التصرّف واتّباع هوى النفس وميولها، أم العقل والنظر العقلي، والعمل بمقتضاهما؟[20]

الرؤية الإسلامية لابن عاشور تتجاوز هذا التجاذب الثنائي في مرجعية الحرية ومعيارها، فكون الحرية صفة فطرية غريزية تلقائية، لا ينفي اعتمادها –تأصيلًا وممارسةً- على العقل والنظر العقلي.

وهذا ما يفسّر لنا كون الحرية ولدت مع الإنسان، ولكنها أيضًا ولدت مقيَّدة من اللحظة الأولى، ولو أن تقييدها جاء في البداية رمزيًّا واستثنائيًّا. يقول ابن عاشور: «وقد دخل التحجير في بني البشر في حريته من أول وجوده، إذ أذن الله لآدم وزوجه –حين خُلقا وأُسكنا الجنة- الانتفاع بما في الجنة، إلَّا شجرة من أشجارها، قال تعالى: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}[21]. ثم لم يزل يدخل عليه التحجير في استعمال حريته بما شرع له من الشرائع والتعاليم المُراعى فيها صلاح حاله في ذاتهن ومعاشريهن بتمييز حقوق الجميع ومراعاة إيفاء كل بحقه»[22].

وهكذا تتأسّس رؤية ابن عاشور إلى الحرية على أصالة مزدوجة متكاملة فيها: أصالة فطريتها الملازمة لكل فرد في خلقته، وأصالة مبدأ تقييدها وعقلنتها، باعتباره الشكل الوحيد الممكن لتحقيقها وإنجاحها.

يقسّم الطاهر بن عاشور «الحرية» إلى حرية اعتقاد، وحرية تفكير، وحرية قول، وحرية فعل[23]، مشيرًا إلى أن هذه الحريات الأربع محدودة في النظام الاجتماعي الإسلامي بما حدّدت به شريعة الإسلام أعمال الأمة الإسلامية في تصرّفاتهم الفردية والجماعية في داخل البلاد ومع الأمم المجاورة[24].

ولهذا شدّد الطاهر بن عاشور على أهمية حماية هذه الحريات باعتبارها حلية الإنسان وزينة المدنية، فيها تنمّى القوى وتنطلق المواهب وتتلاقح الأفكار وتُورق أفنان العلوم[25].

إجمالًا فالشيخ الطاهر بن عاشور يمثّل أحد الرموز الفكرية التي انفردت بالإلحاح الفكري على دور الحرية في تنمية الإنسان، وتحقيق رسالته الاستخلافية. ومع أن الطاهر بن عاشور لم يعمّق البحث في الحرية بوصفها مبحثًا وجوديًّا وإنسانيًّا واجتماعيًّا، نظرًا لثقل الثقافة التاريخية وملابساتها التي كان يحملها في ذهنه كفقيه تقليدي، فإنه كان بحق جريئًا في طرح موضوع الحرية والإلحاح عليه[26].

يتبين لنا بوضوح أن التيار الإصلاحي العربي الإسلامي في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، قد وضع أسسًا وقواعد، بُني عليها الخطاب الإسلامي المعاصر في مسالة الحرية. وأنجز بعض المهمات الأساسية في هذا الميدان، وقدّم إسهامًا معتبرًا في الدعوة إلى فكرة الحرية والدفاع عنها ومنحها مكانة مهمة في مشروعه النهضوي.

ومن هنا فليس من الإنصاف الانسياق وراء مقولات مؤرّخي الفكر العربي الحديث، حول غياب هَمِّ الحرية في الفكر الإسلامي، أو ادِّعاء البعض بريادته في الدعوة للحرية في الفكر العربي، أو محاولته احتكار الدفاع عنها والانتساب لها كالتيار الليبرالي ومعه التيار اليساري[27].

نريد أن نؤكّد أنه -وبالنظر إلى سياق وهدف البحث- ارتأينا تقديم النماذج الإصلاحية الثلاثة ومناقشتها. ولا نريد أن يُفهم من ذلك أننا نتّجه لتركيب مقارنة بين المشاريع الفكرية المقترحة، بل إننا نتّجه لإنجاز مقاربة تروم معرفة كيفيات تطوّر مجال التفكير في الحرية في الفكر العربي الإسلامي الحديث والمعاصر، بما يسمح بإمكان مراقبة حياة مفهوم من أهم المفاهيم في فكرنا الإسلامي من جهة، ونوع الإضافة التي أسهم بها أبو القاسم حاج حمد من خلال كتابه «الحرية في الإسلام» من جهة ثانية.

الحرية في فكر أبي القاسم حاج حمد

إنّنا نعي جيدًا –ومن خلال ما سبق- أن تمظهرات مفهوم الحرية في فكرنا العربي الإسلامي اتّخذت تجلِّيات متعدِّدة، بل وتبلورت من خلال مفاهيم أخرى موصولة بنسيج الكتابة السياسية، ولعل حضورها المتنوّع في منتوج الفكر العربي الإسلامي المعاصر يمنحها وزنًا دالًّا على حاجتنا الماسَّة إليها، سواء تعلّق الأمر بصيغتها الشعارية البرنامجية والنضالية، أو في صيغتها النظرية الرامية إلى بناء تصوّرات في الفكر، قادرة على إسناد تيارات فكرنا السياسي.

اخترنا التوقُّف المباشر أمام نص نعتبره من أهم النصوص التي تتيح لنا معاينة أفضل لمسار تحوّل شعار الحرية في فكرنا العربي الإسلامي المعاصر، وهو كتاب: «حرية الإنسان في الإسلام» لمحمد أبي القاسم حاج حمد.

وبقي أن نشير إلى أمر يقتضي التوضيح، يتعلّق بالمبرّرات التي دفعتنا إلى اختيار هذا النص دون غيره، في بحث يُعنى برسم المعالم العامة لتجلِّيات مفهوم الحرية وإشكالاته النظرية في فكرنا الإسلامي المعاصر.

من بين هذه المبرّرات اصطباغ المتن الفكري لأبي القاسم حاج حمد بالبعد المنهجي في تناوله للقضايا المعرفية التي اشتغل عليها، فالمتن الفكري لأبي القاسم من الدراسات المنهجية في الصميم، ففي سائر جوانب دراساته تجد محاولة متميّزة لمعالجة مشكلات المنهج لا في العلوم الاجتماعية والإنسانية فحسب، بل لمعالجة قضية المنهج بذاته ومن حيث كونه منهجًا، بل جاوزت ذلك بفضل القرآن الكريم لتقدّم المنهج القرآني البديل عن سائر المناهج المعروفة، وهي في الوقت ذاته دراسات فلسفية في أبعادها ومراميها وطرائق تناولها لما تناوله[28].

هناك عامل آخر شجّعنا على اختيار هذا النص، هو نوعية التجاوز الذي حقّقه مقارنةً مع نصوص أخرى اهتمّت بمسألة الحرية في الإسلام. فقد جاء كتاب «الحرية في الإسلام» لأبي القاسم حاج حمد مستوعبًا لكثير من أفكار هذه النصوص، ومتجاوزًا لها لانفتاحه على أسئلة جديدة غير واردة فيها.

بناء على ما سبق نمنح نصوص أبي القاسم الحاج حمد امتياز تدشين مراجعات نقدية للانحرافات التي عرفها التراث الإسلامي في تعامله مع منهجية القرآن العظيم، مراجعات نقدية لانحرافات شملت جملة من المفاهيم الخطيرة التي ترتّبت عنها انحرافات فكرية هائلة، أهمها مفهوم الحرية.

ينفتح نص «الحرية في الإسلام» على أفق العالمية الإسلامية الثانية، التي يسعى من خلاله أبو القاسم حاج حمد تقديم مشروع فكري يحمل في طياته قراءة معاصرة للنص الديني وفق ضوابط ومحدّدات، تمثّل منطلقًا لاختراق السقف النظري الذي تبنّته أدبيات الدعوة إلى الحرية، خلال القرن العشرين.

آمن الحاج حمد منذ اللحظة الأولى بكون الإسلام دين الحرية، بل يذهب أكثر من ذلك إلى أن الإسلام لا يشجّع على الحرية لأجل الحرية فقط، بل ينظر إليها باعتبارها سبيلًا للتطوّر والإبداع الإنسانيين، إنها باختصار السبيل لتحقيق إنسانية الإنسان.

نكتشف في ثنايا نص: «الحرية في الإسلام» أننا أمام متن يُعلن بوضوح تام عدم جدوى مواقف المقاربة أو المقارنة التي تبلورت في كتابات عديدة عن موضوع الحرية، إذ يغيب في متن «الحرية في الإسلام» التلعثم الذي ظل سمة ملازمة لكثير من النصوص الفكرية التي تناولت موضوع الحرية، إما بتأثير أفكار المقاربة التجديدية التي اتجهت إلى محايثة «حرية الإسلام بالحرية الديموقراطية الليبرالية الأوروبية الغربية الصناعية»[29]، وإما بتأثير منطق «المقارنات» المنطلق من «مثالية» المبادئ المجترحة من الإسلام على نحو تميّزه بعدالة إنسانية اجتماعية لا هي بالرأسمالية والاشتراكية[30].

يشير أبو القاسم حاج حمد إلى أن اختلاف المنهجين كان سببًا في نشأة الخصام ما بين فريق التجديد المقارب على المحايثة الليبرالية، وفريق المقارنات، وإن كان في داخل الفريقين من يحاول إيجاد جسور للتفاهم لكنها سرعان ما تنقطع وتنهار[31].

فلكي تؤدّي المقاربات فعلها، فإنها مضطرة لإعادة قراءة وتأويل النصوص الدينية في القرآن والسنة والتراث، وبطرق ومداخل معرفية مختلفة، غالبًا ما تمتد إلى إعمال الجوانب النقدية بتوجيه الاتهام إلى ثقافات المجتمعات الإسلامية التي فرضت نفسها على النص القرآني والنبوي وصادرته. أما نهج المقارنات، فإنه ينطلق من تأصيل الموروث لا زحزحته، ما جعل التأصيل مرادفًا للسلفية.

وهكذا يتجدّد في الحاضر الخلاف التاريخي الماضي بين مدارس الرأي من جهة والنقل من جهة ثانية، ولكن بخلاف في الخطاب والبراهين تبعًا لمقتضيات العصر. وكما اتهمت معظم مدارس الرأي في الماضي بأنها تتساوق مع الثقافة اليونانية ونتاجها الفلسفي العقلي، كذلك تتّهم مدرسة المقاربات المعاصرة بالتساوق مع الثقافة الغربية ونتاجها الفلسفي.

الحرية في الإسلام ثمرة لوعي الإنسان ولإطلاق عقله كونيًّا

يشير أبو القاسم حاج حمد إلى أن كل مذهب في العالم، قديمًا كان أو معاصرًا، قد وضع مفهومه لحرية الإنسان من زاوية علاقات الإنسان بغيره. وجاء القرآن بأخطر قاعدة حين ردّ مفهوم الحرية إلى تكوين الإنسان نفسه، باعتباره الكائن المركّب على مقومات الحرية {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[32]. فهنا سمْع لا أذن، وبصر لا عين، وفؤاد لا مضخَّة في الصدر، أي جعل مقومات الوعي التي تجعل الإنسان في حالة تدامج وتواجد. وما السمع والبصر والفؤاد إلَّا أجنحة يحلِّق بها الإنسان في جو السماء، ليستحوذ على الكون كله، وقد خلق الله له ما في الأرض جميعًا منه، فيندمج به، فقوة الحرية في الإنسان، إنما تكمن في ذاته بمقومات التفاعل مع الكون كله، والحرية هي المدى الذي يبلغه الإنسان في القدرة على التفاعل، ثم سهل الله المعنى، وضرب مثلًا ليوضّح هذا المعنى {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[33].

مثال الطير في جو السماء، دلالة الحرية في أرقى مناظرها المرئية بالعين الناظرة، الطائر بجناحين، والإنسان بثلاثة أجنحة، السمع والبصر والفؤاد وفي الكون كله، وليعلم الإنسان من بعد أن أخرجه الله من بطن أمه لا يعلم شيئًا، والطائر رمز الحرية في أدبنا المعاصر، فمن ذا الذي يفتري على الله كذبًا ويقيّد معنى الحرية عند هذا الإنسان؟[34].

قد أطلق الله كائنه (الإنسان) الذي خلقه بيديه، حرًّا طليقًا، ليتدامج بقوة السمع والبصر والفؤاد مع الكون كلّه بحركته ومظاهره وآياته كما هي حالة الطير في جو السماء، لم يخلقه حجرًا مقيّدًا إلى المكان لا ينفعل إلَّا بآلية الحرارة والبرودة. ولم يخلقه نباتًا يحسّ وهو مأسور في المكان. ولم يخلقه بهيمة تسعى في كل ما حولها من الأرض، فإن تغيّرت البيئة الطبيعية انقرضت، لكن جعله إنسانًا مزوَّدًا بقوة السمع والبصر والفؤاد، ثم مَاثَلَ آفاق حريته بحركة الطير في جو السماء.

والإنسان هو كائن مقوّماته الوعي الذي يسبح في فلك الكتاب المسطور والكتاب الكوني الطبيعي كما حالة الطير في جو السماء، فالحرية، قمة الحرية، أن يتجلى الإنسان بالوعي حرًّا في هذا كله، فإن حجب نفسه وأسر نفسه، فإن الله يسأله[35].

فيما ورد يتلخَّص مفهوم الحرية الإسلامية عند أبي القاسم حاج حمد، الحرية القائمة –بحسبه- على قدرات الوعي لدى الإنسان والتي تطلق عقله كونيًّا.

هنا يرد الإسلام «قيمة الحرية» إلى «قيمة الإنسان»، فيعادل بينهما، فالحرية والإنسان هما صنوان في المفهوم الديني، وهي حرية ترفض الاتّباعية إلا فيما يقرّه الإنسان بسمعه وبصره وفؤاده، فكل أولئك كان عنه مسؤولًا.

الحرية الإسلامية حرية روحية

يؤكّد أبو القاسم حاج حمد أن الحرية في الإسلام، ترجع إلى الإنسان، غير أن هذا التعريف لا يكفي، ويصبح مضلِّلًا في بعض الأحيان، فالحرية في النموذج الليبرالي، هي أيضًا حرية الإنسان، فما هو الذي يميّز حرية الإنسان المسلم عن حرية الفرد في المجتمع الليبرالي الديموقراطي؟.

كان أبو القاسم حاج حمد واعيًا بخطورة هذا الإشكال، وحاول تقديم إجابة شافية عنه بقوله: «في المجتمع الليبرالي، تقيّد حرية الفرد إلى أخلاق المنفعة الذاتية، فالإنسان هو كائن منتج ثم مستهلك فقط، ويتطوّر بدافع الإشباع المادي، فليس لدى هذا النوع من المجتمعات سوى منع التعارض مع حرية الغير بنفس المعادلة.

الحرية الإسلامية مقيّدة إلى أخلاق الروح لا إلى امتدادات الجسد الحسي بالمنفعة الليبرالية. ففي الإسلام يلتزم الإنسان بحرية «البعد الرابع» في تكوين الإنسان نفسه، فالبعد الأول هو البدن (وشبيهه الجماد)، والبعد الثاني هو النبات (وفيه التطوّر من الجماد إلى الحواس)، والبعد الثالث هو البهيمة والأنعام (وفيه التطوّر من الحواس إلى النفس). أما البعد الرابع فهو الروح. فالروح سلطة فوق النفس والحواس والبدن، هي ناهٍ للنفس التي تحرّك فيها الحواس دوافع المنفعة واللذة الفردية، فتقيّدها إلى منظور آخر في التعامل. فالإسلام لا يبيح لك أن تستجيب للمنفعة واللذة حيثما اتَّفق أو حيثما وجدتها، ولو كانت مشروعة بالعرف الليبرالي.

إذًا فالحرية الإسلامية هي حرية روحية أساسها السلم وليس تقنين الصراع بوجهه الديموقراطي الليبرالي، لأن علاقات الناس في المجتمع المسلم لا تتقوّم بحدود المنفعة، وإنما تخضع لضوابط التشريع الاقتصادي والاجتماعي التي تعامل الإنسان كإنسان وتربطه بمسؤولية الرأي -سمعًا وبصرًا وفؤادًا- بالكتاب –الإمام- وتنتهي لديه إلى قاعدة اجتماعية غير متناحرة طبقيًّا»[36].

جوابه هذا قاده لطرح إشكال أخطر مفاده: إن القضية الجوهرية الماثلة أمام الحضارات العالمية برمتها الآن هي: لماذا تتعارض شرعة الحرية الروحية مع شرعة الحرية الليبرالية الفردية، وبالذات في الجوانب الشخصية؟ فإذا لجأ الفقهاء لمدارات المسألة احتكامًا لنصوص الدين، فإن التساؤل يبقى قائمًا حول لماذا يكون التعارض بين سنة الدين وسنة الطبيعة؟ فإن برّر الفقهاء شرعة الدين بعاديات الطبيعة نفسها في حالة الشذوذ، فإنهم يفارقون جوهر ثقافتهم الدينية في الاستدلال به، كما أن الاحتكام إلى الإخلال بالمبادئ الطبيعية تقابله حجة الطبيعيين بإمكانية معالجة أمورها[37].

إن الإجابة الحاسمة -حسب أبو القاسم حاج حمد- تكمن في أمر واضح لم تحاول الأفهام الدينية اكتشافه في نصوصها، فالإنسان -في النصوص الدينية- لا يشرع له من زاوية أبعاده الثلاثة (بدن/ حواس/ نفس) وإنما من زاوية بعد رابع هو الروح.

الروح -في كافة النصوص الدينية- من «أمر» الله، أي يأتي بها الله من خارج عالم التكوين الطبيعي، فلو كانت الروح من أصل الموجود في المادة الطبيعية لأصبحت بالضرورة جزءًا من تكوين كل الموجودات المادية الطبيعية. ولكن لأن الروح هي من «أمر» الله، فهي خارج سنة التكوين الطبيعي، أي إنها من الله[38].

لإزالة أي لبس يستطرد أبو القاسم حاج حمد في شرح ما ذهب إليه، قائلًا: «قد أوضح الله -الخلَّاق العليم- هذا المعنى جيدًا في العلاقة مع آدم حين سوَّاه خلقًا ماديًّا وعدله بشرًا ثم نفخ فيه من روحه {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[39]، فالروح من خارج التكوين الطبيعي. ثم ربط الله بين السمع والبصر والأفئدة ونفخ الروح، فجعلت مسؤولية الإنسان في الترقّي بقوى الإدراك هذه ليعلو على سنة الطبيعة المادية التي «تشيَّأت» فيها نفسه وحواسه وبدنه، فالبهيمة تشارك الإنسان تكوينه النفسي، ولكن لأنها لا تشاركه تكوينه الروحي، فقد أحل الله له ذبحها وأكلها، إذ ليست لها مقوّمات السمع وإن استمعت بإذنها، وليست لها مقوّمات البصر وإن نظرت بعينها، وليست لها مقوّمات الوعي وإن أحسّت بحواسها، فالفرق بين نفس الإنسان ونفس البهيمة أن هناك ما يعلو على نفس الإنسان وهي الروح أو «البعد الرابع»، ولهذا لم يحلّ الله ذبح الإنسان ولا أكله.

القيمة الروحية للإنسان، مع ترقيه بقوى الإدراك، تجعل الإنسان متجاوزًا في تكوينه خصائص المادة الطبيعية وحركتها، وبالتالي فقد طلب إلى الإنسان أن يخضع الطبيعة له لا أن يخضع لها هو، وهذا هو مضمون «الاستخلاف»، ومن هنا تأتي التشريعات الروحية المفارقة لنوازع الإنسان الطبيعية، إذ تصبح الروح هي الناهية للنفس الطبيعية الأمَّارة بالسوء[40].

أصبح واضحًا أن الحرية في الإسلام -كما ذهب إلى ذلك أبو القاسم حاج حمد- تنطلق في مفهومها من قيمة الإنسان بوصفه كائنًا يملك مقوّمات الوعي كما عبّر عنها القرآن المجيد في السمع والبصر والفؤاد. وهكذا تكون حقيقة الحرية الروحية، مبتدئة بالسمع والبصر والفؤاد، بقيمة الإنسان التي تعلو بالروح على النفس، وبالنفس على الحواس، وبالحواس على البدن، لينتهي إلى الروح، وبها يتميّز مفهوم الإسلام للحرية عن مماثلة الفردي الليبرالي.

حدود الحرية في الإسلام

كان أبو القاسم حاج حمد على وعي بخطورة الإشكالات المرتبطة بمفهوم الحرية في الإسلام، من قبيل حرية الاعتقاد، وقتل المرتدّ، انطلاقًا من إقرار فقهاء الإسلام لحدِّ الردَّة، القاضي بإجبار المرتدّ بالقوة على العودة إلى الإسلام أو قتله إذا أصرَّ على عدم الرجوع إليه، حماية للدين من أية محاولة للاستهانة به، مما يجعلنا أمام تعارض بين الاعتراف بحرية التدين وأنه لا إكراه في الدين، وبين الاعتراف بشرعية حد الردة؟.

وتأتي هذه الإشكالات لتمثّل حلقة ضعف في الخطاب الإسلامي المتعلِّق بالحرية، على اعتبار أن في القول بحدِّ الردَّة نسف لكل مقومات الحرية في الإسلام.

لم يظلّ أبو القاسم حاج حمد مسدودًا إلى نصوص تاريخية ملتبسة بأحداث سياسية وصراعات مذهبية، بل عمل على فرزها وتمييز سياقاتها بعضها عن بعض. فرفض ترتيب أية عقوبة جسدية أو بدنية عن الرِّدَّة، مستنتجًا أن القرآن الكريم والمكنون يأتي بنقيض ما يتصوّره الفقهاء فيما يختص بالموقف من الأفكار التي يُقوِّمها البعض بأنها «منحرفة» أو حتى «مرتدة» عن الدين؛ مؤكدًا أن «الله تعالى الذي أطلق الحرية للإنسان ملزمًا إياه استخدام السمع والبصر والفؤاد، قد شرع لأن تنال هذه الحرية أقصى مدى، وبما يفوق حدود وسقف الحرية الليبرالية الديمقراطية نفسها في مجال إبداء الرأي، فما حدَّ الله حرية الحواس إلَّا ليُعطي الإنسان حرية الوعي»[41].

وعن علاقة المسلم بغيره ممن يناقضه بأفكاره فهي علاقة تذكير، أي محاورة ومجادلة حسنة من منطلق قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ}[42].

بهذا الفهم يستنكر أبو القاسم استخفاف الحركات الدينية المتطرّفة بمشاعر الناس لتستعلي بهم في السلطة، مدمّرة لمفهوم الحرية في الإسلام وناسفة لقاعدة السلم كافة، ومُعطِّلة لقوى السمع والبصر والفؤاد، ومتحوِّلة بالإسلام إلى وجهة محاكم التفتيش والإرهاب ضد أسسه الكونية، وموقع الإنسان في هذه الكونية. وبما أن هذا المنحى اللا إسلامي قائم على تعطيل السمع والبصر والفؤاد، فليس غريبًا أن تكون هذه الحركات اتِّباعية النهج لأنها عمياء[43].

معتبرًا قول هذه الحركات في الحرية «قولًا برهن حتى الآن على استهلاكيته ونفعيته القصيرة النَّفَس؛ إذ لم يوضِّحوا لنا حتى الآن موقع الحرية الإسلامية إزاء الحرية الليبرالية والحرية الطبقية. ولم يوضِّحوا لنا حدود المواطنة المتكافئة في دولة متباينة دينيًّا، ولم يوضِّحوا لنا نوعية النظام الدستوري في الإسلام عبر دراسة لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع الإسلامي نفسه»[44].

إن هؤلاء الناس –حسب أبي القاسم حاج حمد- يحاولون سرقة رصيد إنساني كوّنه الله عبر أربعة عشر قرنًا وعانى فيه النبي الأمي ثلاثًا وعشرين سنة، واستشهد فيه الملايين، ثم جاء هؤلاء للقطاف مستغلّين استجابة الناس الدينية، وتحت طائلة التهديد بالحرمان من الآخرة، فأوقعوا الناس في تناقض بين رحمة ربهم الكامنة في أعماقهم وبين حكم اللاهوتيين الذي لا علاقة له بهذه الرحمة الإلهية المتسامية. هؤلاء يقولون للناس كلامًا طيّبًا لكنهم يضعون الخناجر خلف ظهورهم حتى إذا ما تولّوا أمور الناس باستلامهم السلطة سعوا في الأرض إهلاكًا للحرث والنسل وبكلمات الله[45].

إجمالًا: إن الحرية في الإسلام -عند أبي القاسم حاج حمد- تنطلق في مفهومها من قيمة الإنسان بوصفه كائنًا يملك مقوّمات الوعي كما عبّر عنها القرآن المجيد في السمع والبصر والفؤاد، وكما جسَّد الله حالة الحرية في شخصية الطائر المحلّق في «جو السماء».

وعلى الرغم من تأسيسه لمفهوم الحرية من منطلق ديني، فهو يحيل ذلك إلى تكوين الإنسان، ولكن ليس تكوينه المادي فقط؛ وهنا يأتي دور القرآن الذي يُشير إلى البعد الروحي في تكوين الإنسان، والحرية في الإسلام برأيه «مقيّدة إلى أخلاق الروح» لا إلى امتدادات الجسد الحسي بالمنفعة الليبرالية.

من خلال ربط حاج حمد الحرية بنفخة الروح بإطلاق الوعي الإنساني كونيًّا يتحدَّد العمود الفقري لمسألة الحرية في الإسلام عنده. وهذه الحرية غير مقيّدة لأي ضوابط تُعيق استخدام الإنسان لمقوّمات وعيه، وإنما هي مقيّدة من النواحي الأخلاقية التي تمثّل مساحة مشتركة كبيرة بين مختلف الأديان والفلسفات.

يؤكّد أبو القاسم حاج حمد أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إبطال أو تعطيل حالة الحرية الإنسانية في الإسلام، مُحذِّرًا من نوعين من الإبطال أو التعطيل:

الإبطال الذاتي: الذي يقوم به الإنسان نفسه حين يستخفّ بمقوّمات الوعي لديه من سمع وبصر وفؤاد فيتَّبع (يقفو) ما لم يحكم فيه مقوّمات وعيه، فالإنسان مسؤول عن الموقف في كل صغيرة وكبيرة.

الإبطال الموضوعي: الذي يُجهض القيمة الذاتية لحرية الإنسان حين تربط مفهوميًّا إلى القيود الفلسفية للنظام الاجتماعي في شكل المفهوم «الطبقي» للحرية أو مفهوم «النظام-الدولة»، فهذه الأشكال الاجتماعية تقولب –من قالب – حرية النشاط الذهني الواعي للإنسان وتُجهض قيمة وعيه الذاتية. علمًا بأن هذه الأنظمة السياسية هي في النهاية نتيجة لنشاط الإنسان الاقتصادي والاجتماعي تاريخيًّا[46].

وقد شبَّه أبو القاسم حالة الإبطال الموضوعي هذه بفعل الاستخفاف الوارد في قوله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}[47]. فالاستخفاف هنا -بحسب حاج حمد- تعطيل لمقوّمات وعي الإنسان، إذ يقول: «وقد ربط الله ما بين الاستخفاف والفسق، بمعنى أن القابل لأن يستخفّ بعقله هو الفاسق. وخطورة هذه الآية أنها لا تؤكّد على لزوم ممارسة الحرية فقط، لكنها أيضًا تؤكّد على ضرورة ألَّا يخضع المسلم في اتخاذ قراره لموحيات أو مؤثّرات لا تحتكم إلى الوعي. و تدخل هنا جملة من العوامل الكثيرة المعروفة التي تجتذب الناس لاتّخاذ قرارات غير موضوعية، ومنها ما هو في حالتنا التاريخية الأيديولوجية الراهنة ما يمسّ الاجتذاب بالتأثير الاتِّباعي فيقفو الإنسان (يتبع) ما يقال له باستناده إلى سلف صالح من دون أن يستوثق منه بقدرات ومقومات وعيه»[48].

بمثل هذه الاجتهادات فإننا لا نبالغ عندما نصف «الحرية في الإسلام» بالدراسة المنهجية المتميّزة والمثيرة، فنحن على وعي بنوعية الحضور الفكري الذي يتمتَّع به الرجل في فضاء فكرنا المعاصر، وكيف كان أبو القاسم يُغامر ببحث إشكالات وقضايا فكرية ذات ارتباط عميق بأسئلة التاريخ والسياسة والفلسفة، مع يقظة فكرية تمنح إنتاجه النظري قوة وفاعلية، وسط فضاء ممتلئ بكثير من التشويه والصخب واللغط والغلط، وقليل من النظر النقدي الهادئ والفاحص.

صحيح أن «الحرية في الإسلام» مسبوق بنصوص أخرى لمفكرين وباحثين تناولوا مسألة الحرية في فكرنا العربي والإسلامي بكثير من التركيب العقلاني والنقدي، إلَّا أن كل هذا لا ينفي المزايا المنهجية التي يتمتّع بها نص أبي القاسم حاج حمد، والتي تؤهّله للصفة التمثيلية التي منحناها له في هذا العمل.

قد نختلف مع أبي القاسم في رأي أو أكثر من الآراء التي يقول بها وبعض النقاط التي أثارها، فيما يتعلّق بالحرية في الإسلام، ولكن هذا الاختلاف يعدّ دليلًا على ثراء فكره وعمق اتّجاهه، وتعبيرًا عن أهمية الآراء التي تركها لنا حاج حمد في متنه «الحرية في الإسلام».

عودًا على بدء

عمومًا؛ فلقد شكّلت الحرية مطلبًا حيويًّا بالعالم العربي والإسلامي، وأن الدعوة إلى الحرية دعوة مُدوِّية منذ عقود في الوطن العربي[49]، وأن الإسلام دين الحرية، وكثيرة هي الضمانات التي أحاطها الإسلام بالحرية لضمان سيرورتها الفعلية في المجتمع والحيلولة دون إهدارها واقعًا بأي سبب من الأسباب وأي تأويل من التأويلات.

إذا كان الأمر كذلك -وهو مما لا شك فيه– فكيف يمكن فهم دواعي التنافي والتضاد بين سمو المرجعية القرآنية المؤكّدة لتلك الضمانات والقواعد. وتدنِّي الواقع المشخص في التاريخ السياسي للإسلام قديمًا وحاضرًا، والذي يعكس موجات متكرّرة وحالات سلبية شائنة من الارتداد المُزري عن تلك الضوابط والقواعد بمرجعيتها القرآنية، ونكوصًا عنها، وتردِّيًا في ظلمات القهر والهيمنة والقسر والإكراه والعبث بكرامة الإنسان وهدر ستار حرماته حدَّ الاستعباد؟. بتعبير آخر: كيف يمكن تجاوز حالة التنافر البغيض والتضاد المنكر بين المُثُل العليا القرآنية في مجال الحريات، وبين الواقع المضاد حدَّ المنافاة لتلك المثل السامية؟[50].

 

 



[1] إبراهيم زكريا، مشكلة الحرية، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط الأولى، 2010م، ص14.

[2] بسام عبد السلام البطوش، الحرية في الخطاب الإسلامي الحديث، م. إسلامية المعرفة، السنة الثامنة، ع31-32، شتاء 2002م/ 2003م، ص201 بتصرف يسير.

[3] بسام البطوش، الحرية في الخطاب الإسلامي الحديث، م.س، ص 216.

[4] تحمل كتب أبي القاسم حاج حمد رؤية تجديدية معاصرة، تقوم على استيعاب الموروث الديني والثقافي والسعي لتجاوزه بتقديم رؤية بديلة وقراءة معاصرة، تستعين بأدوات ومناهج العلوم الحديثة لفهم النص الديني.

يظهر ذلك من خلال آرائه الجريئة في مقاربة النص الديني والموضوعات المرتبطة به. فقد ناقش العالمية الإسلامية الثانية، والأزمة الفكرية والحضارية للعالم العربي والإسلامي، ومنهجية القرآن المعرفية، وإستمولوجيا المعرفية الكونية، والحاكمية، وجذور المأزق الأصولي، القرآن وإشكالية المتغيرات الاجتماعية والتاريخية، وغيرها من الإشكالات التي صاغها عناوين لمؤلفاته العديدة.

[5] ألبرت حوراني، الفكر العربي في عصر النهضة (1798-1939)، بيروت: دار النهار، ط الرابعة، 1986م، ص114.

[6] خير الدين التونسي، أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، تحقيق: منصف الشنوفي، تونس: الدار التونسية للنشر، ط الثانية، 1972م، 158.

[7] نفسه، ص210.

[8] نفسه، ص212.

[9] نفسه، ص213.

[10] عزت قرني، العدالة والحرية في فجر النهضة العربية الحديثة، الكويت: سلسلة عالم المعرفة، ع الثلاثون، ط الأولى، 1980م، ص98.

[11] نفسه، ص، 98.

[12] عاطف العراقي، دور الفكر المستنير في معركة الحرية، الكويت: م، عالم الفكر، م، الثالث والثلاثون، عالثالث، 2005م، ص 167.

[13] كمال عبد اللطيف، من الحريات إلى باب الحرية، الكويت: م، عالم الفكر، م، الثالث والثلاثون، ع الثالث، 2005م، ص97.

[14] أحمد لطفي السيد، مبادئ في السياسة والأدب والاجتماع، ، القاهرة: دار الهلال، ع 149، ط الأولى، 1963م، ص138.

[15] كمال عبد اللطيف، م.س، ص98.

[16] نفسه، ص132-146.

[17] أحمد الريسوني، الحرية في أصالتها وأصولها، م. إسلامية المعرفة، السنة الثامنة، العدد 31-32، شتاء 2002م، ص11.

[18] نفسه، ص11.

[19] نفسه، ص11-12.

[20] نفسه ص13.

[21] سورة الأعراف، الآية 19.

[22] أحمد الريسوني، م.س، ص12-13.

[23] الطاهر بن عاشور، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، تونس: الشركة التونسية للتوزيع، د.ط، د.ت، ص170.

[24] نفسه، ص170.

[25] نفسه ص170.

[26] محمد همام، نقد مقصد الحرية في فكر محمد الطاهر بن عاشور، ضمن أعمال المؤتمر العالمي: قضايا الإصلاح في فكر الشيخ الطاهر بن عاشور، الأردن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط الأولى، 2011م، ص298.

[27] بسام البطوش، م.س، ص216.

[28] لقد كان أبو القاسم حاج حمد على وعي بخطورة قضية المنهج، وأن هذه القضية من الأبعاد الغائبة في تفكير المسلمين في زمننا المعاصر، وأكد على ضرورة الأخذ بالمنهج لأنه يساعد على ضبط الفكر وتقنينه، يقول: «إن الضابط المنهجي يعني القانون الفلسفي أو المبادئ الفلسفية الناظمة بتحديد واضح للأفكار، فالمنهجية تقنين للفكر، ودون هذا التقنين يتحول الفكر إلى تأملات وخطرات انتقائية قد تكون عبقرية ومشرقة جدًّا وذات جدوى في كثير من الأحيان و صلح للمواعظ والمجادلة الحسنة ولكنها لا تكون منهجية.

فمنهجية الأفكار أو تقنينها بالمنهج تماثل حالة توليد القوانين من الطبيعة، فإذا لم تستند أسلمة المعرفة إلى منهج، إلى ضابط قانوني للفكر تتحوّل فعلًا إلى خطرات تأملية انتقائية. فلكل فكر في حاضرنا العالمي المعاصر منهجه الضابط والمنظم، فإذا كان هذا المنهج ماديًّا في تصوره للكون، ينتج أفكارًا لا تكون إلَّا مادية تغلق الوجود وحركته على قانون التركيب عبر وحدة المتضادات بشكل جدلي مادي، وفي كل الاتجاهات العلمية من الطبيعة وإلى الإنسان، وإذا كان هذا المنهج لاهوتيًّا –و لا أقول دينيًّا– يتصوّر الوجود وحركته في إطار الجبرية الغيبية المطلقة، ولا يحق له –ضمن منهجه هذا ولو أراد– أن يتفوَّه بكلمة عن الحرية أو الاختيار وإلَّا فارق المنهج المحدَّد والناظم للأفكار وأصبح انتقائيًّا وتلفيقيًّا وليس من سمات المنهج أن يتقبل أي توفيقية أو انتقائية تمامًا كالقانون في الظاهرات الطبيعية، فلا يمكن أن نقول: إن الحرارة تمدّد الأجسام ثم نقول بالوقت ذاته إن الأجسام تتمدّد بذاتها، و هذه هي أزمة الفكر الانتقائي في كل أشكاله بما يشمل أولئك الوضعيين الذين قبلوا الأخذ بفلسفة العلوم الطبيعة ثم رفضوا نتائجها المادية في التاريخ والمجتمع والأخلاق. وكذلك هي أزمة كثير من مدارس المتكلِّمين الإسلاميين الذين قالوا بالجبرية واضطربوا في تحديد مسؤولية الإنسان عن أعماله أو الذين قالوا بالاختيار واضطربوا في مطلق الهيمنة الإلهية، أو الذين قالوا بالاثنين معًا.

إن المنهجية لا تقبل التوفيق و لا التوسُّط، فهي قانون محدّد لإنتاج الأفكار، وحين نقول بالأسلمة المنهجية للمعرفة فإننا لا نُغفل هذا القانون الصارم، ونسد أمامنا –منذ البداية وأمام الباحثين أيضًا– ذلك النمط من (الراحة العقلية) التي تأخذ من الأمور أوسطها وتوفق بين ما يبدو متعارضًا بانتقائية واضحة. إن المنهجية لا تعني (الأحادية) في التفكير، بمعنى أن قانون الأفكار لا يستوعب ما يبدو متناقضًا ومتعارضًا، كمثال الجبر والاختيار، أو المادية والوضعية الانتقائية، ولكن ثمَّة فارق كبير بين معالجة ما يبدو متناقضًا ومتعارضًا في إطار الضابط المنهجي نفسه لقانون الأفكار ودون توفيقية، وبين معالجة ما يبدو متناقضًا ومتعارضًا دون منهج ومن خلال التأمل العقلي فقط. وهذا هو معنى المنهجية كناظم مقنِّن لإنتاج الأفكار ذات النسق الواحد، فكل فكر تتعدَّد مقولاته وتتضارب إنما هو فكر غير منهجي ولو التزم في إنتاجه الذهني بإطار مرجعي أرقى منه، فالقرآن الكريم –مثلًا- يحمل ضمن وحدته الكتابية العضوية منهجية كاملة، غير أن الجهد البشري المبذول في التفسير انطلاقًا من النصوص المجزأة وتبعًا للمقاصد الموقوفة على أحكام بعينها لا يمنح المفسرين صفة المنهجية، وينطبق القول نفسه على إعمال مبادئ عقلية وقياسًا أو استدلالًا منطقيًّا في موضوعات مختلفة لتوليد مفاهيم لا تشكّل في اختبار كلّيتها نسقًا واحدًا، فالمنهجية التي نعنيها هي خروج العقل من حالة التوليد الذاتي للمفاهيم إلى اكتشاف النسق المرجعي الذي يحاكم هذه المفاهيم نفسها ويؤطّر لإنتاجها بحيث يحكم التطبيقات في مختلف الحقول الأخرى، فالمنهج هو خلاصة قوانين تحوّلت إلى نظريات، تحوّلت بدورها إلى إطار مرجعي وليس مجرّد صياغة موضوعية للتفكير». أبو القاسم حاج حمد، منهجية القرآن المعرفية: أسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والإنسانية، بيروت: دار الهادي، ط الأولى، 2008م، ص32-33.

[29] أبو القاسم حاج حمد، الحرية في الإسلام، بيروت: دار الساقي، ط الأولى، 2012م، ص19.

[30] أبو القاسم حاج حمد، تشريعات العائلة في الإسلام، بيروت: دار الساقي، ط الأولى، 2011م، ص15.

[31] أبو القاسم حاج حمد، الحرية في الإسلام، م.س، ص20.

[32] سورة النحل، الآية 78.

[33] سورة النحل، الآية 79.

[34] أبو القاسم حاج حمد، الحرية في الإسلام، م.س، ص23.

[35] نفسه، 39-40.

[36] نفسه، ص41.

[37] نفسه، ص43.

[38] نفسه، 44.

[39] سورة السجدة، الآية 9.

[40] أبو القاسم حاج حمد، الحرية في الإسلام، م.س، ص45.

[41] نفسه، ص50.

[42] سورة الغاشية، الآيات 21-24.

[43] أبو القاسم حاج حمد، الحرية في الإسلام، م.س، ص22.

[44] نفسه، ص 23.

[45] نفسه، ص24.

[46] نفسه، ص49.

[47] سورة الزخرف الآية 45.

[48] أبو القاسم حاج حمد، الحرية في الإسلام، م.س، ص50.

[49] عبد الله العروي، م.س، ص105.

[50] عبد المجيد النجار، حرية التفكير والاعتقاد في المسلم: الأبعاد والحلول، م.إسلامية المعرفة، م.س، ع31-32.