مؤتمر: الفن والأدب في مواجهة التطرف
الإسكندرية، 28-30 كانون الثاني (يناير) 2018م
محمد تهامي دكير
للتعرف إلى أهمية الأدب والفن في صناعة الحياة، وكيف يمكن أن تساهم الأعمال الأدبية والفنية في نشر ثقافة التسامح والتعايش وقبول الآخر، وبالتالي مواجهة ظاهرة التطرُّف والانغلاق والتشدُّد وكراهية الآخر المخالف المذهبي والديني والسياسي.. إلخ، نظَّمت مكتبة الإسكندرية مؤتمرها الرابع لمواجهة التطرُّف تحت عنوان: «الفن والأدب في مواجهة التطرُّف» وذلك في مدينة الإسكندرية (جمهورية مصر العربية) بين 28 - 30 كانون الثاني (يناير) 2018م.
شارك في فعاليات المؤتمر عدد كبير من المفكّرين والباحثين والكتَّاب والإعلاميين ورجال السياسة، من مصر والعالم العربي وأوروبا.
الجلسة الافتتاحية
في الجلسة الافتتاحية تحدَّث في البداية د. مصطفى الفقي (مدير مكتبة الإسكندرية)، فأشار إلى قرار المكتبة بأن يكون عام 2018م هو عام مواجهة التطرُّف بجدٍّ وفاعلية، وأن المكتبة ستوجِّه كل طاقاتها للاهتمام بالشباب، كما ستتواصل مع المؤسسات الدينية لتفعيل برنامج زيارة الشباب للمكتبة للمشاركة في برامج ثقافية وتنويرية تكشف عن مخاطر التطرُّف وآثاره السلبية، كما تشجّع على ثقافة التسامح وقبول الآخر والحرص على حقوق المواطنة.
أما الدكتور محمد سلطان (محافظ الإسكندرية) فقد أكَّد في كلمته أهمية الفن والأدب في الحياة العامة وقدرتها على التأثير في الوجدان الشعبي؛ لذلك طالب بضرورة تعزيز وتفعيل التبادل الثقافي بين الأمم والشعوب وخاصة على المستوى الشبابي، لنشر وترسيخ قيم الأخوة الإنسانية والتسامح والسلام.
من جهته أشار د. ماريو جاتي (مدير الجامعة الكاثوليكية في ميلانو - إيطاليا) إلى أهمية المؤتمر في نشر ثقافة الانفتاح على الآخر والتعرُّف إلى قيم الجمال والإبداع الأدبي والفني؛ لأن ذلك من شأنه أن يساعد على الانفتاح الإيجابي بين مختلف الثقافات، وهذا ما تقوم به الجامعة الكاثوليكية من خلال تنظيم «احتفالية الثقافة العربية» والعروض المسرحية والموسيقية.
وزير الثقافة السابق د. جابر عصفور، أشار إلى دور مدينة الإسكندرية في نشر قيم الاستنارة والتسامح؛ لأنها كانت موطن صدور عدد من المجلات الشهيرة مثل: (الفتاة) و(الأهرام)، ومجلة ( الجامعة). كما أشار إلى دور أدباء وكتَّاب هذه المدينة في التصدي لظاهرة الإرهاب الذي يشكّل تحديًا يجب على الجميع التصدي له بالتأكيد على القيم والمعاني العظيمة للإنسانية.
أما د. محمد الرميحي (مفكر وكاتب كويتي) فقد أشار إلى ما حقّقته التنظيمات المتطرّفة من أهداف في ظل المخاطر المتعاظمة للعولمة، كما طرح مجموعة من الأسئلة حول ما يمكن أن يقدّمه الأدب والفن لمواجهة التطرّف، وما هي الرسالة التي يجب أن يقدّمها.
وأخيرًا تحدَّث كل من الصحفي اللبناني جهاد الخازن والفنان المصري أشرف زكي، عن دور مصر في مواجهة الإرهاب وأهمية المسرح والتلفزيون والسينما في تفعيل النشاط الثقافي لدى الفئات الشبابية ما ينعكس إيجابًا على الحيلولة دون تأثّرها بظواهر التشدّد والتطرّف والإرهاب.
فعاليات اليوم الثاني
نُظّمت في هذا اليوم مجموعة من الجلسات لمناقشة محور: «دور الإعلام والقانون والأمن والمسارح والمتاحف في مجابهة التطرّف»، فتحت عنوان: «جدليات القوة الناعمة والأمن»، عقدت جلسة حوارية ترأسها الدكتور محمد مجاهد الزيات، وتحدَّث فيها كل من: اللواء محمد إبراهيم، والدكتورة بدرة قعلول من تونس، والعميد خالد عكاشة، والباحث الطاهر سعود من الجزائر، والدكتور علي جلال معوض.
الدكتور محمد مجاهد الزيات (مستشار المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط) أكّد أن القوة الناعمة هي عملية توظيف القدرات الثقافية والسياسية للتأثير في الإدراك لدى الأشخاص تمهيدًا لتغيير سلوكهم، ولا يتوقّف استخدامها من قبل الدول على المستوى الخارجي فقط، بل تستخدمه الأنظمة لتغيير سلوك واتّجاهات مواطنيها. وفي نظره بعض الباحثين والمختصّين الذين يعتقدون أن مفهوم القوة الناعمة باعتبارها من أدوات الدولة لمواجهة الإرهاب، يغفلون أن لها وجهًا سيئًا آخر تستخدمه التنظيمات الإرهابية والقوى المتطرّفة لفرض سيطرتها وكسب أتباع جدد، وبالتالي فهذه القوة من أهم أدوات الحروب وتدمير الدول، أو الهيمنة عليها كما تفعل الولايات المتحدّة الأمريكية اليوم.
اللواء محمد إبراهيم تحدَّث عن التحديات الداخلية التي تواجهها مصر وخصوصًا فيما يتعلّق بالإرهاب، متسائلًا عن مدى قدرة الدولة المصرية على الإصلاح ودمج الشباب في منظومة الدولة وعجلة التقدُّم، كما أكَّد أهمية أن يشارك الإعلام في تحقيق هذه الاستراتيجية.
أما الدكتور علي جلال معوض (مدرس العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة) فقد تحدَّث بالتفصيل عن مفهوم القوة الناعمة، وكيف توسّع على المستوى العالمي، وتزايد الاهتمام به بحيث تجاوز العلاقات الدولية ليستخدم داخل الدول نفسها.
وفي كلمتها في هذه الجلسة أشارت الدكتورة بدرة قعلول (رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والعسكرية ومدرسة بالأكاديمية العسكرية في تونس) إلى معاناة الوطن العربي من ظاهرة العنف الأيديولوجي، التي أرجعتها إلى التنوُّع الأيديولوجي والانغلاق، ومحاولة البعض فرض رؤيته بالقوة والعنف اللفظي والجسدي، داعية علماء الاجتماع لإيلاء هذه الظاهرة ما تستحقه من دراسة وتحليل.
الباحث الجزائري في الحركات الإسلامية، الطاهر سعود، أكد على الاهتمام بالبعد الثقافي لمواجهة خطر الإرهاب والتطرُّف، عن طريق مراجعة الإرث الثقافي القديم، والتشجيع على إيجاد أنساق ثقافية جديدة ومتجدّدة قادرة على مواجهة ظاهرة العنف وجذوره الفكرية وآثاره السلبية.
الجلسة الثانية المخصّصة لمناقشة دور وسائل الإعلام في مواجهة التطرُّف، وتحدَّث فيها عدد من المشاركين، منهم الدكتور لوري فيليبس (أستاذ العلوم السياسية بالجامعة البريطانية بالقاهرة) أشار إلى مخاطر خطاب التطرُّف البصري، الذي بدأ يشكّل العقول والمعتقدات من خلال الصورة، وهذا ما استفادت منه الجماعات المتطرِّفة لتوصيل أفكارها وتحقيق أهدافها.. كما عقد مقارنة بين الإعلام الأمريكي وإعلام داعش، ومدى استخدام الصورة لتحقيق أهدافهما، مؤكدًا أن داعش حرصت على الترويج لمشاهد تكشف عن مدى القوة والعنف لديها، وبالتالي تستفيد من ذلك لاستقطاب المناصرين الجدد.
الإعلامية الجزائرية لبنى شطاب، قدَّمت توصيفًا لحالة الإعلام العربي، متّهمة إياه بعدم التوازن والافتقار إلى البعد الأخلاقي وعدم وضوح الرسالة، ما جعله يقدّم خطابًا مغاليًا في الكراهية ولا يحترم عقل المتلقي من الشباب على وجه الخصوص، كما أشارت إلى قدرة الحركات المتطرّفة على استخدام جميع الوسائل التقليدية والحديثة، والمضامين الدينية لاستقطاب الشباب. وفي الأخير انتقدت شطاب غياب استراتيجية إعلامية عربية لمواجهة الإرهاب، الأمر الذي جعل بعض الوسائل تروّج له بدل مواجهته.
من جانبها، أكَّدت الدكتورة وسام باسندوه (باحثة في العلوم السياسية وناشطة يمنية) على أهمية التفريق بين التطرُّف والعنف، فالتطرُّف فكر والعنف سلوك. وأن يعيد الإعلام العربي التنظر في كيفية تعاطيه مع ظاهرة التطرُّف بإيجاد استراتيجية مدروسة لمواجهة الإعلام المتطرِّف.
أما الصحفي الأردني مفلح العدوان، فأكد على أهمية أن تبدأ المواجهة من الأطفال؛ لأن المحتوى الذي يقدّم لهم اليوم في معظمه يشجّع على العنف ويرسّخ ثقافة الصراع، وأن يتم التركيز بدل ذلك على الموسيقى والفن والأدب والتسامح، والتشجيع على قبول الآخر المختلف.
الأستاذ عزت إبراهيم (رئيس تحرير الأهرام ويكلي)، أشار إلى الارتباك الشديد الذي يسود التعامل مع مصطلح الإرهاب على المستوى الدولي، وعدم الاتّفاق على رؤية واضحة أو موحدة لاختلاف المرجعيات الثقافية والسياسية والدينية، وهذا ما ينعكس سلبا على كيفية التعاطي مع هذه الظاهرة، ومحاولات القضاء عليها أو اجتثات جذورها.
عقدت في هذا اليوم كذلك، جلسة خاصة لمناقشة محور: «الوعي القانوني لمواجهة الإرهاب»، وقد أدارتها المستشارة تهاني الجبالي (نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقًا) التي أشارت إلى تنوُّع مظاهر التطرُّف، فهناك تطرف فكري واقتصادي أو معنوي.. وبما أن تطبيق القانون يرتبط بثقافة المجتمع، لذلك لا بد من إدراك وفهم طبيعة البنيان القانوني، فهناك قوانين وجدت للحظات تاريخية ولفترة زمنية محدّدة، وهناك أيضًا قوانين معطلة وحين يكون القانون فاسدًا وغير ملبٍّ لحاجات المجتمع هنا تحدث المشكلة.
من جهته تحدَّث الدكتور سليمان عبد المنعم (أستاذ القانون الجنائي في جامعة الإسكندرية) عن أهمية الوعي القانوني، لوضع المواجهة القانونية للتطرُّف والإرهاب في إطارها الصحيح، مع مراعاة بعض المحاذير خلال هذه المواجهة.
أما بالنسبة للدكتور سليمان عبد النعم (أستاذ القانون الجنائي)، فقد أكَّد في كلمته على أن تكون المواجهة لظاهرة الإرهاب والتطرُّف مواجهة قانونية لأنها ظاهرة اجتماعية، وأن توضع في إطارها العام والأشمل، وإذا كانت الجريمة من الإفرازات الطبيعية لأي مجتمع فالمواجهة يجب أن تكون من خلال التربية أولًا. أما بخصوص المواجهة القانونية فإن الدكتور عبد المنعم يرى «أننا لدينا ما يكفي من التشريعات التي تجرِّم شتى صور العنف والتحريض على الكراهية، ولكن هذا مسار تقليدي»، وعلينا أن نهتم بالمسارات الأخرى التي تستخدمها الكثير من دول العالم، مثل إعطاء الفرصة لفكرة التصالحية والصفقات القضائية التي تُعطي تحفيزات للمنظمات الإرهابية في مقابل الاعتراف بالجرائم والتراجع عنها. أما بخصوص المحاذير الخمسة التي يجب مراعاتها فهي: احترام حقوق الإنسان، التجريم على الأفعال لا الشبهات والنوايا، مواجهة مخاطر الفضاء الإلكتروني، مواجهة التحريض على الكراهية، فضلاً عن مواجهة التطرُّف على كل الضفاف سواء كان تطرُّفًا اقتصاديًّا أو فكريًّا أو معنويًّا.
الدكتور حافظ أبو سعدة (عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان)، تحدَّث عن معاناة الأقباط مع الإرهاب الذي طالهم بشكل مباشر خلال السنوات الماضية. كما أشار إلى الدستور المصري الذي رغم هذه الظروف إلَّا أنه عزَّز من مبادئ حقوق الإنسان في دستور 2014، ما جعله –في نظره- من أهم الدساتير المصرية التي عزَّزت مبادئ حقوق الإنسان وزادت عليه، لكن هناك محاولات -وبحجة الإرهاب أو الإلحاد- لوضع قيود للحقوق الممنوحة في هذا الدستور من خلال مشروعات قانون مقدّمة للبرلمان، وهذا ما يُخالف نصوص الدستور بالإضافة إلى مخالفته للمواثيق العالمية التي تكفل حرية الفكر والاعتقاد. كما تحدَّث عن مشروع قانون تنظيم الدخول على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدًا على المحظور هو التطرُّف العنيف، وأن التشريعات الموجودة في مصر كافية لمواجهة هذه الظاهرة. لذلك لا بدّ من التمسك بسيادة القانون فيما يتعلّق بالمتهمين بالقضايا التي تتعلَّق بالإرهاب؛ لأن الإجراءات الاستثنائية مخالفة للمواثيق والدساتير.
أما الدكتور جهاد الحرازين (أستاذ القانون الدولي والقيادي بحركة فتح الفلسطينية) فقط أكّد كلمته على كون الشرعية الدولية تمارس فقط على الدول النامية دون النظر إلى ما يُمارس في حق الشعب الفلسطيني من احتلال وجرائم وعنصرية ومخالفة لقانون محكمة العدل الدولية. لذلك يرى الحزازين أن القانون الدولي في خطر ما لم يتحرّك المجتمع الدولي لوقف هذه الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بدعم الولايات المتحدة الأمريكية أما فيما يتعلق بالإرهاب فقد أكد أن هناك عوامل تشجّعه مثل الفقر والجهل. لذلك فالمواجهة أو العلاج يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الاهتمام بالمجال التربوي الذي يعتمد على تنشئة أجيال مؤمنة بالوطن والدولة وليس بجماعات وأحزاب، ثم الاهتمام بالبُعد الدولي من خلال مبادرات دولية والنظر ومراقبة شركات غسيل الأموال والفضاء الإلكتروني الذي أصبح يشكّل خطورة بالغة في الوقت الراهن.
من جانبه أكد الأستاذ عصام شيحة (المحامي بالنقض) على أهمية مراجعة القوانين التي تخالف الاتفاقيات الدولية والدستور. وأن يكون هناك توزان فيما يتعلّق بإجراءات التقاضي وألَّا يكون عرضة لضغوط الرأي العام. بالإضافة إلى ضرورة وضع استراتيجية أثناء وضع القانون يكون وراءها محترفون.
رئيس المنظمة العربية للمتاحف، الدكتور أسامة عبد الوارث، وخلال جلسة مناقشة محور: «المتاحف» اعتبر المتاحف من أهم المنابر لمواجهة التطرُّف؛ لأن دراسة مقتنياتها تكشف كيف أنها كانت تمثّل روح التعاون والتسامح بين الناس وتقبل الآخر. لذلك لا بد –في نظره– من تطويرها، ونشر التاريخ والقيم التي تحتضنها مقتنياتها.
وأخيرًا تحدَّث الدكتور رؤوف بن يغلان عن أهمية المسرح المُكمّل لدور السينما في مواجهة ظاهرة التطرُّف، وإحداث التغيير المطلوب في الواقع الاجتماعي.
استمر بالتوازي في هذا اليوم كذلك عقد مجموعة من الجلسات الحوارية، حيث عُقدت جلسة بعنوان: «التطرُّف: رؤى سياسية»، ترأسها الدكتور أسامة الغزالي حرب، (الكاتب وخبير العلوم السياسية) بحضور ريكاردو ريدالي (من إيطاليا)، وتورستين برونشتاين (من ألمانيا)، والدكتورة أم العز الفارسي (أستاذ العلوم السياسية بجامعة بني غازي)، وأحمد يوسف أحمد، والدكتورة إيمان رجب (الباحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية).
الباحث ريكاردو ريدالي أكَّد أن قضايا محاربة الإرهاب والمشاكل الطائفية تشكِّل نواحي كثيرة نعيشها اليوم، ونحن نرى حركات متطرِّفة وإرهابية كثيرة خاصة في الشرق الأوسط والوطن العربي شديدة الاستقطاب والخطورة. وأضاف: إن الصراعات تنشأ بسبب الصراعات العرقية، وأن هناك استخدامًّا للعنف الديني، حيث تستخدم تلك الجماعات الأديان كأداة لتحقيق مكاسب من خلال معتقدات دينية ضيقة.. لكن لا بد من أن يكون هناك توازن بين الحريات الشخصية ومواجهة التطرُّف.. وفي نظره، يجب أن ننمي جذور تنمية حقوق الإنسان والمجتمع المدني، وأن تدعم المدارس في كافة المستويات، وأن تنهض بثقافة التعايش والسلام وتحارب الجهل والتحيُّز وسوء استخدام الدين.
أما وتورستين بونشتاين فقد استعرض بعض الإحصائيات والمقارنات بين الجماعات المتطرِّفة وبالتحديد بين داعش وتنظيم القاعدة. وقال: إن داعش ليست بالضرورة تمتلك أسلحة متطوِّرة للغاية ولكنها تستخدم التكنولوجيا، ولو نظرنا إلى الدعاية التي يستخدمونها فسنجد أنها تقوم في الأصل على التكنولوجيا المعاصرة. وأضاف: إن داعش تتحدَّث بأدوات عصرية وتستخدم العنف بشكل فجٍّ وكبير، عكس تنظيم القاعدة الذي يركّز على الأمور الداخلية، فيما تقوم باستهداف المتاحف والمناطق الأثرية وتكره الحضارة.
من جانبها أكَّدت الدكتورة أم العز الفارسي أن التطرُّف السياسي له عدة سمات تتمثَّل في غياب الأهداف وعدم التنازل ورفض التسويات، بالإضافة إلى استهداف الأقليات وشيطنة الخصوم، وهجرة العقول إلى الخارج، فضلًا عن زيادة خطاب الكراهية.. وفيما يتعلق بمعالجته، أشارت إلى أن الفكر المستنير هو أول الأدوات حيث يقوم على قواعد فكرية منها الاحتكام إلى قيم المواطنة والحوار وقبول الآخر، فضلًا عن فتح حوار مجتمعي وسياسي لمناقشة القضايا المتعلّقة بالإسلام والعلمانية.
بدوره أشار الدكتور أحمد يوسف أحمد إلى وجود ثلاثة مداخل لمواجهة الفكر الإرهابي، وهي المدخل السياسي الذي يحتاج إلى بنية سياسية وحزبية قوية، والمدخل الديني القائم على تجديد الخطاب الديني، مبيّنًا أن الحديث المثار حاليًّا عن تجديد الخطاب الديني يصفه البعض بأنه خطاب نخبوي، ولكنه يتحدَّث عن الخطاب العملي الذي يستهدف خطباء المساجد والمفتي الخاص والمعلّم، أما المدخل الأخير فيتعلق بالثقافة التنويرية.
أما الدكتور لؤي عبد الباري فقد ربط بين الإرهاب وتوجّه الدولة السياسي، مؤكدًا أن المشكلة الرئيسية تكمن في التوجُّه السياسي للدولة. وفي نظره «التطرُّف له جانبين هما تطرف دولة وتطرف مجتمع»، لافتًا إلى أن التطرُّف المجتمعي يكون ردّ فعل ونتيجة لتطرُّف الدولة، مستعرضًا التجربة اليمنية في هذا الشأن، والتي قامت على كبت الحريات ومنع دور السينما والثقافة خلال فترة التسعينات من القرن الماضي ما أدَّى إلى ظهور تيارات وجماعات إرهابية.
من جهتها أكَّدت الدكتورة إيمان رجب، على أهمية الاتفاق على وثيقة وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب تقوم على الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني والمواطن، ويكون من خلال إطار مؤسسي، مشيرة إلى أهمية وجود مشروع سياسي واضح والإسراع بعمل قوانين تضع تعريفًا للضحية الناتج عن العملية الإرهابية.
وفي جلسة حوارية أخرى بعنوان: «التطرُّف: مواجهة فكرية» ترأسها الكاتب الصحفي صلاح منتصر، تحدَّث فيها كل من: مختار بن نصر (من تونس)، وأيمن بكر وكمال مغيث (من مصر)، ومي هاشم (من السودان)، ووائل فاروق (من مصر).
الكاتب والصحفي صلاح منتصر أكد في كلمته أن البعض يعتقد أن التطرُّف هو الإرهاب، وهذا مفهوم خاطئ تمامًا، فالتطرُّف فكر أما الإرهاب فعمل، ولا يمكن للإرهابي أن يتحوَّل إلى العمل الإرهابي دون أن يعتنق الفكر المتطرِّف، مشيرًا إلى أنه قبل مواجهة أي عدو لا بدّ من معرفته بصورة جيدة حتى يمكن الانتصار عليه.
الباحث كمال مغيث (الخبير في مجال الدراسات التربوية)، أشار إلى أن مصر تعرَّضت خلال الخمسين عامًا الماضية إلى عملية ممنهجة لتغذية الإرهاب، وأن العودة للثقافة والحضارة المصرية يكون عن طريق التعليم، فلا بد أن يكون جزءًا من المشروع الوطني، وأن يكون معبّرًا عن الهوية المصرية، والهدف الأساسي له نشر المواطنة والانتماء الوطني، ويحذر فيها الدعاية السياسية والدينية، وأن يعود الوجه النبيل للمدرسة بالفنون والآداب والعلوم والمواطنة.
بدورها أكّدت مي هاشم (مديرة التطوير والمشروعات بمركز الفيصل الثقافي في الخرطوم) أن الجميع يركّز على أن التطرُّف المتمثّل في الجانب الديني فقط، وهذا خاطئ؛ لأن التطرُّف منتشر في مختلف المجالات، مشيرة إلى أن المتطرِّف به صفات معينة، فعلى المستوى العقلي ليس لديه القدرة على التفكير في الرأي الآخر، وفي المستوى العاطفي هو اندفاعي بلا إنسانية، وأخيرًا العنف بلا تعقُّل في السلوك.
ومن جهته رأى الباحث مختار بن نصر (رئيس المجلس التونسي لدراسات الأمن الشامل) أن الإرهابيين يمنحون المتطرِّف فكرة جاهزة، فهو لا يبذل أي مجهود في التفكير، موضحًا أن الشباب المهمَّش يقع بين أيدي جماعات تصنع منه بطلًا بعد السيطرة عليه فكريًّا، وتبدأ بفصله عن محيطه وأصدقائه ثم عن أسرته ودولته وحتى نفسه.
وبدوره أكد وائل فاروق (أستاذ علم الاجتماع بإيطاليا) أن الإرهاب ليس جديدًا على المجتمعات الأوروبية، فمنذ الحرب العالمية الثانية لم يمر عام بدون حادثة إرهاب أو عنف، بسبب إقصاء الأيديولوجيات الكبرى من تلك المجتمعات، والعالم الآن يعيش في عصر يُجرِّد المعرفة والعلم من الخبرة الإنسانية، وهو ما يمثل إقصاء للبعد الإنساني الذي ينتج معني للحياة.
أما أيمن بكر فأشار كذلك أن التطرُّف هو الإيمان بمعتقد سواء كان ديني أو سياسي في أقصى درجاته، وهو الوجه الآخر لعملة اليقين المطلق غير القابل للنقاش، إلَّا أن الوضع الأصعب والأخطر الآن أن اليقين السياسي اقترن بالعنف، مشيرًا إلى أن الاستعمار كان له العامل الأكبر في نشر التطرُّف، فهو لا ينمو إلَّا من خلال استخدام أدوات محلية الصنع لضمان وجودة واستمراره.
عقدت في هذا اليوم كذلك جلسة بعنوان: «النقد الأدبي والفني»، أدارها الناقد السينمائي المصري طارق الشناوي، وتحدَّث فيها كل من: الكاتب الأردني الأستاذ حسين دعسه، والباحث في مجال الحركات الإسلامية الأستاذ سعيد شحاته، والكاتب الصحفي المصري الدكتور يسري عبد الله، والناشرة اللبنانية رشا الأمير. وتمحورت جميع الكلمات حول أهمية تنشيط المجال الأدبي والفني على نطاق جماهيري، مع التركيز على نشر قيم التسامح والسلام وقبول الآخر ضمن هذه الأعمال.
فعاليات اليوم الثالث
في هذا اليوم ناقشت جلساته محور: «دور الأدب والمؤسسات الثقافية في مجابهة التطرف». حيث عُقدت جلسة بعنوان: «الأدب في مواجهة التطرُّف»، أدارها الإعلامي محمود الورواري، وشارك فيها سيد محمود (صحفي وكاتب مصري)، وإنعام كجه جي (كاتبة صحفية وروائية عراقية)، ومبارك السالمين (رئيس اتِّحاد أدباء وكتاب اليمن).
الإعلامي محمود الورواري أكّد أن المعالجة الأمنية للإرهاب تقع على عاتق الحكومات والأنظمة، ولكن الأدباء والمفكّرين يمتلكون سلاحًا يتساوى في القوة لتفكيك الإرهاب والتطرُّف من المنبع، مشيرًا إلى أن الأدب ابن بيئته، فإذا كان الواقع في حالة ارتباك فكري ينتج عنه ظهور الإرهابيين، فإن الأدب سيحمل أوجاع واقعه.
أما الصحفية إنعام كجه جي، فقد أشارت في كلمتها إلى أن أغلب الأحاديث عن مواجهة الإرهاب والتطرُّف تطرح الحلول العسكرية وسط تغافل دور الأدب، على الرغم من كونها حرب ضد الظلام والعتمة، وتحتاج إلى مواجهة عقلية وفكرية وليس السلاح. وأوضحت أنها بدأت في الكتابة الروائية عقب سنوات من الكتابة الصحفية وهي تحمل آمال إنقاذ العراق ممن قاموا بتشويهه دينيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، مضيفة أنها نشأت في بلاد الرافدين ولم يكن يطرح أحد تساؤلات حول انتمائها الديني، ولكن بعد أن أصبحت لاجئة البعض صار يتساءل عن مذهبها وليس الانتماء فقط.
بدوره أكد سيد محمود أن الأدب في عدد من الدول العربية يمرّ الآن بلحظة حرجة، وذلك لأن البيئة الاجتماعية تعاني من الأمية، ما يجعل حضور الأدب هامشيًّا وتأثيره ضعيفًا بصورة كبيرة.
أما مبارك السالمين فقد أشار إلى دور المكتبة في اليمن وأنها كادت أن تنقرض، فمع بداية سنوات الحرب أصبحت المكتبات والمسارح جزءًا من الماضي وبالكاد يستطيع اليمنيون المحافظة على الجامعات. وأوضح أن العالم العربي في أمسِّ الحاجة إلى ترويض النفس لحثِّها على المحاسن في ظل الأحداث الدامية التي يعيشها، مضيفًا: «اليوم لا نستطيع حتى أن نتحدَّث مع أحد في مقهى عام لأننا نتخوَّف من إرهابه، مما يقتضي بضرورة تعلُّم مشاعر المحبة والقرب التي تآكلت».