شعار الموقع

بلاغة الحجاج في الخطاب النقدي الأخلاقي عند طه عبدالرحمن .. سؤال العنف نموذجاً

بدر الحمري 2019-05-19
عدد القراءات « 1935 »

بلاغة الحجاج في الخطاب النقدي الأخلاقي

عند طه عبد الرحمن سؤال العنف نموذجًا

بدر الحمري*

* أستاذ فلسفة، أكاديمية تطوان - المغرب.

 

 

 

 

 

لا ريب في أنّ طه عبد الرحمن يُعدُّ من كبار المناطقة العرب في العصر المعاصر؛ لذلك فقد تميَّز فكره بقوة في محاججة الخطابات الفلسفية الكلاسيكية والمعاصرة، وهذا ما يلمسه القارئُ لمشروعه منذ كتابه (العمل الديني وتجديد العقل) الذي بني بناء استدلاليًّا محكمًا لا مثيل له حتى في مؤلفاته الفكرية الأخرى، فضلًا عن تميّز طه عبد الرحمن بقوة قراءة المفهوم وتأثيله على أسس ائتمانية نابعة من رحمِ مجالنا التداولي العربي والإسلامي. ومن تلك المفاهيم يمكنُ أن نذكر على سبيل المثال: التراث، الحداثة، العقل، الدهرانية، العنف، الدين... إلخ.

ونظرًا لتشعُّب البحث في الخطاب الحجاجي عند طه عبد الرحمن والحديث حوله، ارتأيت أن أتوقَّف في هذا المسير عند آليات نقده الأخلاقي لمفهوم العنف منطلقنا من السؤال الآتي: ما هي الآليات التبليغية الحجاجية التي يتضمنها الخطاب الأخلاقي عند طه عبد الرحمن من خلال سؤال العنف؟

المحورُ الأوَّل: في دلالة الحجاج، وما مسمّى الاستدلال الحجاجي،
وما معنى الحجاج في الخطاب؟

ما دام الخطاب الفلسفي خطاب طبيعي فمن البديهي أن يميل البحث إلى منهج الاستدلال الطبيعي الحجاجي، من منطلق أن البحث في منطق الحجاج في الخطاب الفلسفي يهتم بالآليات الاستدلالية التي يوظِّفها الفيلسوف من أجل بناء خطابه.

ولمزيد من التفصيل لا بأس من طرح السؤالين الآتيين:

* ما المقصود بـ«الحجاج»؟

* وما مسمى «الاستدلال الحجاجي»؟

من المعلوم أن الحجاج ينتمي إلى مجال معرفي واسع يشملُ: البرهان، والدّليل، والجدل... وقيل عن الحجاج في لسان العرب لابن منظور ما يلي: يقال حاججته أُحاجّه حجاجًا حتى حاججته أي غلبته بالحجج التّي أدليت بها [....] والحجّة البرهان، وقيل: الحجّة ما دافع به الخصم. وقال الأزهري: الحجّة هو الوجه الذّي يكون به الظَّفَر عند الخصومة، وهو رجل محجاج أي جَدِل، وحجّه يحجّه حجًّا: غلبه على حجّته.

ومن الإشارات اللغوية في تراثنا أن العسكري انتبه للفروق اللغوية بين الحجاج والبرهان عندما قال: «والحجة هي الاستقامة في النظر والمضي فيه على سَنَن مستقيم من رد الفرع إلى الأصل، وهي مأخوذة من المحجة وهي الطريق المستقيم، وهذا هو فعله المستدلّ وليس من الدّلالة في شيء، وتأثير الحجة في النفس كتأثير البرهان فيها وإنما تنفصل الحجة عن البرهان؛ لأن الحجة مشتقة من معنى الاستقامة في القصد حج يحجُّ إذا استقام في قصده، والبرهان لا يعرف له اشتقاق وينبغي أن يكون لغة مفردة»[1].

أما مفهوم الحجاج عند الفلاسفة واللغويين فهو كل ما اشتمل عليه الخطاب من آليات أو استراتيجيات بغرض الإقناع والانتصار، وأن المُتكلّم يتكلَّم عامة بغرض التأثير والإفحام. ومن أشهر من تكلّم في الحجاج ونظّر له، نذكر أولبرخيت تيتيكا وشاييم بيرلمان سواء في أعمالهما المشتركة أو الفردية[2]، اللذين اعتبرا الحجاج بلاغة جديدة تهتم بدراسة تقنيات الخطاب التي من شأنها أن تؤدِّي بالأذهان إلى التسليم بما يعرض عليها من أطروحات، أو أن تزيد في درجة ذلك التسليم[3]. ثم يأتي بعد ذلك نظرية الحجاج مع اللغويين الفرنسيين أ. ديكرو وأنسكومبر فيما سيعرف عندهما بنظرية الحجاج في اللغة L’Argumentation dans la langue[4] وهي حصيلة نتائج كل تلك النظريات، تهتم أساسًا بالوسائل والإمكانات اللغوية (الظواهر الصوتية، والصرفية، والمعجمية، والتركيبية، والدلالية) التي تمدُّنا بها اللغة الطبيعية لتحقيق بعض الأهداف والغايات الحجاجية، من منطلق أننا نتكلم بهدف التأثير، وأن اللغة تحمل بصفة ذاتية وجوهرية وظيفة حجاجية؛ بعبارة أخرى: إن الحجاج هو تقديم الحجج والأدلة المؤدِّية إلى نتيجة معينة، وهو يتمثل في إنجاز تسلسلات استنتاجيه داخل الخطاب [بمعنى] إنجاز متواليات من الأقوال، بعضها هو بمثابة الحجج اللغوية، وبعضها الآخر هو بمثابة النتائج التي تستنتج منها. وعليه، فما حقيقة «الاستدلال» في الخطاب؟

حقيقة الاستدلال في الخطاب أن يكون حجاجيًّا لا برهانيًّا، فما دام الحجاج في جوهره فعالية خِطابية فهو يستهدفُ الإقناع والإفهام؛ أما الإقناع فلأن بلوغه قائم على التزام صور استدلالية أوسع وأغنى من البنيات البرهانية الضيقة، وأما الإفهام فلأنه يُفهِم المتكلم المخاطب معاني غير تلك التي نطق بها[5].

من ثمة، فإن الاستدلال البرهاني ينبني على قواعد مضبوطة تختلف عن الاستدلال الحجاجي؛ فإذا كان الأول مرتبط بالاستدلالات المنطقية والرياضية الصورية، فإن الثاني فعالية مرتبطة بالخطاب الطبيعي لأن طابعهُ مقامي تداولي، وجدلي، وحواري، وتفاضلي، يرمي إلى الإقناع والإفهام بعيدًا عن البرهانية الضيقة[6]، فكل ما ينتمي إلى الاستدلال الصوري له طابع مغلق!

بل إن المنطقي السويسري جان بليز غريز J. P. Grize يرى أن البرهنة الصورية ليست استدلالًا بالمعنى الدقيق للكلمة؛ لأنها مجرَّد حساب يمكن أن تقوم به الآلة، بينما الخطاب الطبيعي –أو المنطق الطبيعي– هو نسق من العمليات الذهنية التي تمكن فاعلًا - متكلِّمًا، يوجدُ في سياق ما من اقتراح تمثيلاته على مستمع ما، وذلك بواسطة الخطاب[7].

حاصلُ القول: إن المنطق الصوري لا يمكنه أن ينفعنا في دراسة الحجاج، بل لا يمكن تصوُّر وجوده من دون ذوات أو لغة يتواصل بها. وعلى هذا الأساس قامت دراسات معرفية ومنهجية حديثة، تجاوزت منطق البرهان الصناعي، وسعت إلى تأصيل خطاب تداولي طبيعي، استثمر ما يزخر به التراث الإسلامي القديم من أساليب البحث في آليات الخطاب، وطرق التدليل[8]. من جملتها أعمال طه عبد الرحمن سواء في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، أو في اللسان والميزان، أو في المنطق والنحور الصوري، أو في أعمال أخرى شكَّلت تطبيقات عملية للأولى. فما دلالة الاستدلال الحجاجي عند طه عبد الرحمن؟ وما هي معالمه المنطقية المنهجية؟

منطق الاستدلال الحجاجي عند طه عبد الرحمن

تبدو الدراسات اللغوية المنطقية الطهائية التي اشتغلت بالبحث في الحجاجيات، والتي قدمت من خلالها مفهومًا للحجاج وآلياته، من أهم المفاهيم اللغوية الحجاجية الإبداعية في مجالنا التداولي الإسلامي العربي المعاصر[9]؛ فالمتأمِّل في أعمال طه عبد الرحمن الأولى سيلحظ أنها تصبُّ في مجال دراسة البنية الاستدلالية للنّص التراثي الكلامي، وذلك بَيِّنٌ مثلًا في مؤلفاته الآتية: «في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، ط1، 1987»، و«اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، ط1، 1998» و«تجديد المنهج في تقويم التراث، ط1، 1994»، و«سؤال المنهج: في أفق التأسيس لأُنموذج فكري جديد، ط1، 2015». هذه الدراسات أبدع فيها الرّجلُ أحدث النظريات الفلسفية الأخلاقية القائمة على أسس تحليل الخطابات الفلسفية ونقدها أو مقارنتها أو تقويمها مع منظور الحجاج القيمي كما نظَّر له. كيف ذلك؟

منذ البدايات الفكرية الأولى دافع طه عبد الرحمن عن إمكانية بناء نموذج خطابي حجاجي علمي عربي، أي نموذج يوظِّف في استفادته من نظريات التحليل الخطابي الحجاجي الحديثة، الإمكانات التبليغية، والبيانية للغة العربية، مع نقدِ هذه النظريات الخطابية، والحجاجية، يناسبُ الإمكانات البيانية المميزة للسان العربي. حتى إذا اكتملت كانت مناسبة للاتجاه إلى وضع اللّبنات النظرية التي تؤسس المنهجية الإسلامية الآخذة بجملة من الأسباب من جملتها أسباب البيان العربي[10].

وهذا النقد لنظريات الخطابية الغربية لم يكن تقليدًا لآلياته وتطبيقاته النظرية والعملية، بل هو خروج من مرتبة الاستنساخ من تراث آخر إلى مرتبة الاستقلال في المنهج بالقدرة على الإبداع واستنباط نظيره عند النظر في تراثنا.

للتدليل على ذلك، نذكر في هذا السياق القواعد الثلاثة التي اتخذها طه عبد الرحمن أسسًا لتجديد النظر في مشروعية المنطق الحجاجي، قواعد استخرجها من «المجال التداولي الإسلامي العربي العام» تعدُّ بمثابة المبادئ العامة التي تميز الممارسة الإسلامية العربية. قسمها إلى ثلاثة أقسام:

* القسم العقدي، يتكون من القاعدتين التاليتين:

1- قاعدة التوحيد التنزيهي: سُلِّم بأن الله واحد مستحق للعبادة والتعظيم بوجه لا يشاركه فيه غيره.

2- قاعدة التخليق: سُلِّم بأن كل ما سوى الله لا يكون إلَّا بمشيئة الله وإيجاده وجوده.

* القسم اللغوي، فيتشكَّل من القاعدتين الآتيتين:

1- قاعدة التبيين: لا تأتي من القول إلَّا ما كان على أساليب العرب في التعبير على مذاهبهم في التبليغ.

2- قاعدة الإيجاز: ليكن الاختصار في العبارة طريقك في أداء المعاني الطبيعية والتداولية.

* القسم العقلي، فيتكون من القاعدتين التاليتين:

1- قاعدة العمل، لا تتكلَّم في أمور الدين إلَّا فيما كان تحته عمل ووراؤه منفعة.

2- قاعدة الإتباع، ليكن إدراكك لأمور الغيب ليس بمجرد العقل، وإنما بالاستناد إلى أصول الشرع[11].

طريق أخرى يجب التأكيد عليها في مسير حديثنا عن منطق حجاجية الخطاب عند طه عبد الرحمن، وهي طريق قائمة على استلهام مسالك التوفيق بين درس اللسانيات ودرس المنطق[12] على حدٍّ سواء، وهي الطريق إلى حقائق «التخاطب»، يسلكهُ كل من اقتنع بأن «التخاطب» فيه ما ليس في غيره من شعب اللغة. ففيه «التبليغ» وتبليغه تنشأ فيه المعاني مشتركة بين ذوات مختلفة؛ وفيه «الدليل» وتدليله يجعل من كل قول «دليل» على «مدلول» يطلبه الغير في نفسه أو في أفقه. وفيه «التوجيه» وتوجيهه يَبُثُّ في الأقوال قيمًا تستنهضُ همة الغير للعمل[13].

أمّا الحجاج فيعرفه طه عبد الرحمن باعتباره: «كل منطوق به موجه إلى الغير لإفهامه دعوى مخصوصة يحق له الاعتراض عليها»[14].

يتَّضح من خلال هذا التعريف أن طه عبد الرحمن ينهل من عين اللسان الطبيعي في تعريفه للحجاج بوصفه منطوقًا موجَّهًا إلى الغير، وهو المسمى «مَحجُوج»، يقول ابن منظور: «الحَجُّ: القصدُ. حَجَّ إِلينا فلانٌ أَي قَدِمَ؛ وحَجَّه يَحُجُّه حَجًّا: قصده. وحَجَجْتُ فلانًا واعتَمَدْتُه أَي قصدته. ورجلٌ محجوجٌ أَي مقصود»[15].

وفي مقارنته بين الحجة والدليل، أورد طه عبد الرّحمن وجهين تختص بهما الحجة عن الدّليل:

1- إفادة الرّجوع أو القصدُ، ذلك أن الحجة مشتقة من الفعل: «حجّ»؛ ومن معاني هذا الفعل معنى «رجع»، فتكون الحجة أمرًا نرجع إليه أو نقصده، ولا نرجع إليه أو نقصده، إلَّا لحاجتنا إلى العمل به، فالحجة بهذا المعنى هي الدليل الذي يجب الرّجوع إليه للعمل به.

2- إفادة الغلبة: ذلك أن الفعل: «حجَّ» يدل أيضًا على معنى «غلب»، فيكون مدلوله هو إلزام الغير بالحجة، فيصير بذلك مغلوبًا؛ ويتبيَّن من هذا المعنى أن الحجة ترد في سياق الجدل والمناظرة، إلَّا أن ورودها في هذا السياق قد يكون بقصدين: إما بقصد طلب العلم ونصرة الحق، وقد ينتج عن هذه النصرة غلبة الخصم، وإما بقصد طلب الغلبة ونصرة الشبهة، من غير أن ينتج عن حصول الغلبة حصول العلم[16].

نلاحظ في المعنيين السابقين للحجة اجتماع أربعة من المفاهيم المتقاربة معرفيًّا: الحجة والجدل والدليل والمناظرة، مع العلم أن الخيط الناظم بينها هو العملُ:

* فلا حاجة إلى الحجة إلا للعمل بها.

* والحجة هي الدليل الذي نعمل به.

* والحجة ترد في سياق الجدل والمناظرة من أجل تحصيل الغلبة على الخصم.

ومن المثير للانتباه في هذا السياق أنّ طه عبد الرحمن لا يفوته أن يرادف بين الحجاج والجدل في قول آخر عن الحجاج كونه: «فعالية تداولية جدلية؛ فهو تداولي لأن طابعه الفكري مقامي واجتماعي؛ إذ يأخذ بعين الاعتبار مقتضيات الحال من معارف مشتركة ومطالب إخبارية وتوجهات ظرفية، ويهدف إلى الاشتراك جماعيًّا في إنشاء موجّهًا بقدر الحاجة، وهو أيضًا جدلي؛ لأن هدفه إقناعي قائم بلوغه على التزام صور استدلالية أوسع وأغنى من البنيات البرهانية الضيقة»؛ لذلك فهو يميِّز بين البرهان والحجاج والتحاجّ، كل له مقام مخصوص ومعرفة خاصة أيضًا[17].

وفي علاقة الخطاب بالحجاج، يؤكدُ طه عبد الرحمن، أن الحجاج صفة الخطاب، حيثُ يؤكد: «أنّ الأصل في تكوثر الخطاب هو صفته الحجاجية، بناء على أنه لا خطاب بغير حجاج»[18]؛ بصيغة أخرى فإن ماهية الخطاب هي الدخول في علاقة استدلالية مع الغير، فيها مدع (المخاطِب) ومعترض (المخاطَب).

ويصنّفُ الحجاج إلى ثلاثة أنواع، هي:

* الحجاج التجريدي: هو الإتيان بالدليل على الدعوى على طريقة أهل البرهان، علمًا بأن البرهان هو الاستدلال الذي يعنى بترتيب صور العبارات بعضها على بعض بصرف النظر عن مضامينها واستعمالاتها[19].

* الحجاج التوجيهي: هو إقامة الدليل على الدعوى بالبناء على فعل التوجيه الذي يختص به المستدل، علمًا بأن التوجيه هو هنا فعل إيصال المستدل لحجته إلى غيره[20]، بمعنى أنّ المخَاطِب (المستدل) ينشغل بقصوده وأفعاله أكثر من انشغاله بتلقي الأقوال من المخاطَب (المستدل له) ناسيًا بذلك أن الحجاج هو علاقة استدلالية، بالتالي إلغاء ردّ فعل المخاطَب.

* الحجاج التقويمي: هو أثباتُ الدعوى بالاستناد إلى قدرة المستدل على أن يجرّد من نفسه ذاتًا ثانية ينزلها منزلة المعترض على دعواه[21]؛ فيصبح بذلك المخاطِب هو أوّل متلقٍ ومعترض، يستبق استدلالات واستفسارات المخاطَب، ويستكشف قوة حجاجه.

صفة أخرى تلحقُ بالحجاج حسب طه عبد الرحمن وهي «الالتباس»، والأصل في الالتباس الحجاجي هو اعتبار الواقع واعتبار القيمة؛ «فإذا كان البرهان ينبني على مبدأ الاستدلال على حقائق الأشياء للعلم بها، فإن الحجاج ينبني على مبدأ الاستدلال على حقائق الأشياء مجتمعة إلى مقاصدها للعلم بالحقائق والعمل بالمقاصد»[22]، وهنا يتَّضح لنا بجلاء الصفة العملية الأخلاقية للاستدلال الحجاجي عند طه عبد الرحمن، فلا يتوقَّف عند حدود العلم بل يتجاوزه إلى مستوى العمل بقيمته.

ولا حجاج بغير مجاز؛ ولا أدلّ على ذلك، أن الحجاج المجازي في اللسان العربي هو «الاعتبار»، ومقتضاه هو «الاستدلال بالعبارة على «العبرة» التي تحتها، أي الاستدلال بالمقصود على المقصد»[23]. ولا «محتج من غير أن تكون له وظيفة «العالم العامل بعلمه» أي الحجة، يجمع بين معنى «الاستدلال النظري» ومعنى «السلوك العملي» معًا، فلا يكون حجة إلَّا من صدق فعلُه قولَه»[24].

ولا شكّ في أن أنموذج العلاقة المجازية هو العلاقة الاستعارية، ومادامت العلاقة الاستدلالية الحجاجية قائمة على العلاقة المجازية، وأنه لا مجاز بغير استعارة، فيلزم عنه أن العلاقة الاستدلالية الحجاجية متأصّلة في الاستعارة.

بناء على ما سبق، يتَّضح لنا الآتي:

* أنّ العلاقة الاستدلالية هي أصل تكوثر الخطاب، لمّا كان المستدل قد يتوسّل بمرتبة من مراتب الحجاج (الحجة المجرّدة، أو الحجة الموجهة، أو الحجة المقوّمة).

* أن الحجاج تفاعل؛ والحجة التي تنهض بما ينطوي عليه الخطاب الطبيعي والمتحقّق واقعيًّا والمثمن نظريًّا هي الحجة المُقَوَّمة، المحصّلة لقصدي: الادِّعاء والاعتراض؛ لأن هذا الحجاج هو الذي يعرف حضور التفاعل الاتصالي، في مقام الاحتجاج، بين باني الحجة وهو «المستدل» ومقوِّم الحجة ومنتقدها وهو «المستدل له». ومعلوم أنّ مسألة كيف يكون تقويم الحجج وانتقادها، وكيف يكون الاعتراض عليها ومعارضتها، وكيف يكون التخلُّص من الاعتراضات والمعارضات، وكيف يكون الالتزام والانقطاع هي المسألة الأساس في نظريات الحجاج وآداب البحث والمناظرة[25].

* أن الحجاج غرضه العلمُ النظري والعملُ القيمي؛ بمعنى أن الاحتجاج الحي لا يغفل العمل الأخلاقي (الاعتبار)، وهو توسيع لمدارك العقلانية حتى تصبح عقلانية معلّلة مُنهِضة للعمل.

* أن العلاقة الاستعارية بانية لحقيقة الحجاج[26].

* «إبداع الحجج بأشكال مختلفة وداخل صور لا حصر لها من آليات إنتاج الأطاريح التي يعرض لها»[27].

صفوة القول، ما دلالة «منهج الاستدلال»؟

يقصد بمنهج الاستدلال في الخطاب الفلسفي السُّبل النظرية والمسالك الحجاجية التي يسلكها الفيلسوف في ممارسته الفلسفية؛ فبعد التفكير الفلسفي له منطوق هو «الخطاب» فكل منطوق يتضمن مسكوتًا عنه، ويقصدُ به جملة المبادئ المنهجية التي تؤطِّر النظر الفلسفي. ولما كان الاستدلال ينطلق من خطاب لغويٍّ، هو خطاب الفلسفة، كان «الانتقال من المنطوق به إلى المسكوت عنه استدلالًا طبيعيًّا»[28]. وعليه، فمنهجية الاستدلال هي نظرية لسانية منطقية حجاجية، تدلّلُ كيفية الانتقال من المنطوق إلى المسكوت.

وطلبُ تحديد هذه المعاني المفهومية، يستلزم النظر في طريقة بناء طه عبد الرحمن لمفاهيم فلسفية، ومنها مفهوم العنف مثلًا، شريطة أن نطرح بخصوصه السؤال الذي يبحث في بنياته النقدية المنهجية الاستدلالية ويكشف الحجب حول مظاهر التجديد الفكري في إبداعه، على سبيل المثال السؤال الضمني الآتي: ما هي معالم تجديد النظر في مفهوم العنف عند طه عبد الرحمن؟

المحور الثاني: آليات النظر الاستدلالي في مفهوم العنف نموذجًا

لتأسيس فلسفة مبدعة قائمة على روح التدين وروح التفلسف، سلك طه عبد الرحمن مجموعة من المسالك الحجاجية تُمكِّنه من إعادة بناء المفاهيم وتقويمها؛ ففي تناوله لسؤال العنف، وتفكيك مغالطات عقل العنيف مثلًا، يتَّخذ طريقين حجاجيين يشكلان أنموذجًا حيًّا للتفلسف المنطقي الحي[29]، وهما:

* طريق التعريف الفلسفي للمفاهيم؛

* وطريق البناء الاستدلالي الحجاجي للقول الفلسفي؛

ويمكنُ تلخيصهما في قول واحد: إنّ طه عبد الرحمن يستثمر آليات النظر الاستدلالي في تعريف المفهوم الفلسفي، وهو النظر القائم على الاستدلال أي التعليل الذي يتعلَّق بالآليات التي يتوصَّل بها إلى بناء صور القول الفلسفي؛ أي إن النظر يتعلَّق بآليات إنتاج القول الفلسفي وأدواته، الذي تندرج فيه الدراسات البلاغية والمنطقية واللسانية والحجاجية والكلامية والأصولية للقول الفلسفي[30].

لذلك، سيكون مسعى البحث محاولة تبيّن الطريقتين السابقتين في التفلسف، وإلى أي مدى صحّ النظر إلى هذا الاجتهاد الفلسفي بوصفه نموذجًا حيًّا للتفلسف المبدع في مجالنا التداولي العربي الإسلامي؟!

وقد اتُّخذ لهذا المسعى، جملة من المبادئ النظرية، يسمو بها البحث إلى مستوى المقتضيات التي متى توفَّرت عناصرها كان البحث على طريق النظر في «تعريف مفهوم العنف» والمفاهيم التي تدور في فلكه كما هو الحال بالنسبة إلى مفهوم الحوار، والنظر في «بنائه الاستدلالي» من أجل تجاوز العنف نفسه أيضًا.

يمكنُ حصر هذه المقتضيات في مقتضيات ثلاثة، هي:

الأول: النظر في «مفهوم العنف»؛ تحديد دلالته وأنواعه، والوقوف عند الآليات المنهجية التي يسلكها طه في بناء استدلالاته وطبيعتها المنهجية.

الثاني: النظر في مفهوم «الحوار»؛ تحديد دلالته وأنواعه، والوقوف عند الآليات المنهجية التي سلكها طه في بناء استدلالاته وطبيعتها.

الثالث: النظر في إشكالات العنف، وطرق تجاوزه، وذلك من خلال ربطه بالحوار القائم على الفلسفة الائتمانية.

والوقوف على جواهر التحديدات السابقة، لا يكون إلَّا بالتبصّر في النسق الفلسفي المنطقي لطه عبد الرحمن، وهذا بالذات مقصود عنوان البحث في فرعه «عند طه عبدالرحمن». وهي على العموم تحديدات تستشكَّل سؤال الإبداع الملتزم بمضامين المجال المعرفي التداول العربي الإسلامي.

بهذه الطريقة، يمكن للناظر أن يحكمَ مضامين المشروع الطهائي، بعقلِ المسالك الحجاجية التي يسلكها في نحت مفاهيمه، أو قل في صناعته الفلسفية الحية، حتى تفقَّه وتفعّل، وترسّخ المنقول في باب المعقول، المفيد الفريد؛ فـ«إنتاج أي نص تفلسفي أو إنشاؤه أو تأليفه أو تحريره لا يكون إلَّا دعوة للغير لجعله يسلّمُ ويقبل الدعاوى التي يدَّعيها المتفلسف في نصِّه، ولا يمكنُ تحقيق هذا التسليم وهذا القبول إلَّا بذكر جملة من الأحكام والتقريرات تكون من جهة مما يفترض في هذا الغير الحكم به والإقرار به وتكون من جهة أخرى قائدة وهادية ومرشدة وموصلة وناقلة إلى الدعاوى التي يدَّعيها المتفلسف في نصِّه بوجه ضروري وقطعي ويقيني أو بوجه راجح وغالب على الظن فقط؛ وذكر هذه الأحكام والتقريرات هو ما يسمى بـ(نصب الأدلة)»[31].

1- طريق تعريف المفهوم

لكل طريق معالم يسترشد بها السائر بغية الوصول إلى مقاصده، في هذا السياق لاحظنا أنّ تفلسف طه عبد الرحمن يلجأ إلى «آلية التعريف» في تفلسفه المنطقي الحيّ حتى يبلغ مقاصده السنية التي ارتضاها من مضامين خطابه الفلسفي، وهو إنشاء فلسفة عربية إسلامية حرة ومبدعة، لا مقلّدة أو تابعة؛ فإلى أي حدّ استطاعت آلية التعريف في تحقُّق ذلك من داخل مجالنا التداولي العربي الإسلامي؟

مما لا شك فيه أنّ قارئ مشروع طه عبد الرحمن يدركُ أن الرجل يعمل من أجل تحقيق هدفه الأوحد -على الأقل منذ كتابه (في أصول الحوار وتجديد علم الكلام)- المتمثّل في تقديم أنموذج تطبيقي لكيفية تحرير القول الفلسفي من التقليد، ومن سائر هذا القول: المفهوم الفلسفي، سواء في جانبه الدلالي أو الاستدلالي؛ فالقول الفلسفي العربي اليوم «مستغرق في التقليد» لا يصوغ من المفاهيم إلَّا ما صاغه غيره، ولا يستعمل من التعاريف إلَّا ما استعمله غيره، وهذا دليل على ضيق فكره وضعف إبداعه، كما لو أنّ الفكر ليس واسعًا، والإبداع ليس حاضرًا.

من ثمَّة، أصيب الفكر الفلسفي العربي بسوء التفلسف، لفقدانه وضع مفاهيمه من تلقاء ذاته[32]. فكان من واجب الفيلسوف العربي أن يُبدع مفاهيمه الخاصة به، فيعرفها أحسن تعرف، توافق فعله الفلسفي الحرّ، ويستشكلها بالقدر الذي يستشكل الآخر مفاهيمه... بل أفضل منه، قوة وإحكامًا، فيستحق بذلك رتبة الفيلسوف المبدع.

وعليه، لا بأس من فحص هذه الدعوى في متن طه عبد الرحمن التفلسفي المنطقي، مع بيان أوجه الإبداع في آلية تعريف المفهوم وخصائصه. ونرى هل استطاع إزالة القيد عن فكره من خلال كتابة تفلسف مأصول يورث الاستقلال في الفكر والعمل، كتابة تبتعد عن عين الرق لتتغلغل في عين الحرية. ومن هذه المفاهيم: العنف، والحوار، الحوارية، فكيف يعّرفها، ويستدلّ عليها ؟

2- تقنيات تأثيل مفهوم العنف

نقترح بداية التعريفين التاليين لمفهوم «العنف»:

- الأول صار إليه المفكِّر طه عبد الرحمن بشكل مباشر،

- والثاني تولّد عن التعريف الأول، واستنبط منه، وهو مرتبط أساسًا بمفهوم «التسلط».

* أما الأول، فيقول فيه طه عبد الرحمن ما يلي:

«ليس عجبًا أن يهتم الفلاسفة بـ«العنف» اهتمامهم بـ«العقل»؛ لأن من يهتم بالشيء هو في حكم المهتم بضده؛ والعنف ضده الدليل؛ فحيثما وُجد العنف، فلا دليل؛ وحيثما وُجد الدليل، فلا عنف؛ ولّما كان الحوار عبارة عن جملة من الأدلة، كان العنف ضدًّا له، هو كذلك؛ فحيثما وُجد العنف فلا حوار؛ وحيثما وُجد الحوار، فلا عنف؛ والدليل هو خاصية العقل، فلا عقل إلَّا حيث يوجد الدليل؛ فيلزم أنّ العنف والعقل ضدان لا يجتمعان؛ ولمّا كان العقل هو، بدوره، خاصية الفلسفة، لزم أن يضادّ العنف الفلسفة؛ فلا فلسفة حيث يوجد العنف، ولا عنف حيثُ تُوجد الفلسفة»[33].

من خلال هذا النص يمكن استخراج جملة من الآليات التقنية المستعملة في تعريف مفهوم العنف، ومنها:

2-1- آلية الجمع بين الكونية والخصوصية

يبدو للوهلة الأولى أن طه عبد الرحمن يصنع مفهوم «العنف» على طريقة اللسانيين المناطقة الكبار في تعاملهم الإبداعي مع المصطلحات، بوصفها ظواهر لغوية؛ وهذا الضرب من التعامل النظري مع المفاهيم يدخل فيما يسميه الرّجل بـ«تأثيل المفهوم» ضمن مشروع عام هو «علم الفلسفة»[34]؛ لأنه يدور على الجانب التقني في التفلسف، متمثلًا في آليات النظر وكيفيات العمل. مما خوَّل له الجمع بين الكونية المقصدية والخصوصية التداولية؛ أما «الكونية المقصدية» فهي ظاهرة من خلال النّص الأول، خاصّة في مطلعه الذي يقول فيه «ليس عجبًا أن يهتم الفلاسفة بـ«العنف» اهتمامهم بـ«العقل»؛ لأن من يهتم بالشيء هو في حكم المهتم بضده؛..»[35]. وتظهر الكونية هنا في لفظ «الفلاسفة» أي عامة الفلاسفة، وليس الفلاسفة العرب –فقط- مثلًا! وهذا يعني أن ما سيقدمه طه عبد الرحمن من تحديد لمفهوم العنف، مساهمة منه في التفلسف الكوني، بشكل واعٍ وحر ومسؤول، من باب الحق العربي في الاختلاف الفلسفي.

2-2- آلية التقابل الضدي

كما أنّ تحديد المدلول الفلسفي لمفهوم العنف يلجأ إلى آلية الاستدلال بالتقابل الضدي، سواء تعلَّق الأمر في النص الأول أو الثاني؛ فالاستدلال بالتقابل الضدّي إقامة علاقة تقابلية تواجهية بين ضدين، «كانا مفهومين أم كانا حكمين؛ ويستدلّ بهذا التقابل الضدي، الواقعي أو المفترض، في إبطال الدعوى والأحكام وذلك من خلال الاستدلال على ثبوت أحد الضدين لينتقل إلى الحكم ببطلان الضد المقابل والمواجه»[36].

ومن هذا النوع الاستدلالي التقابلي الضدي في النص الأول الأمثلة الآتية:

* «العنف ضده الدليل».

* العنف ضد الحوار، من خلال قوله: «ولّما كان الحوار عبارة عن جملة من الأدلة، كان العنف ضدًّا له، هو كذلك».

* العنف ضد العقل، من خلال قوله: «إنّ العنف والعقل ضدان لا يجتمعان».

* العنف ضد الفلسفة، من خلال قوله: «لزم أن يضادّ العنف الفلسفة؛ فلا فلسفة حيث يوجد العنف، ولا عنف حيثُ تُوجد الفلسفة».

من هذه البنيات اللغوية الفلسفية الصغرى يتَّضح أن طه عبد الرحمن قد بيَّن أن المتقابلان الضدان لا يثبتان قطعًا، لنستخلص أن العنف يفيد إبطال «الدليل»، و«الحوار»، و«العقل»، و«الفلسفة»، و العكس صحيح؛ أي إن كل دليل أو حوار أو عقل أو فلسفة يعدّ ضد العنف وإلغاء له.

وبذلك يكون طه عبد الرحمن قد عمل على توجيه الكلام إلى المخاطَب، حتى يصيب غرضه من جهة، كما أفاد التقابل الضدي هنا ترتيب الكلام وتوريث عناصره الالتحام والالتئام Cohésion؛ فلم يعرف المعنى من «العنف» إلَّا بمقابله الضدي، كما لو أنّ ماهيته التبليغية الحجاجية لم تستكمل إلَّا بتلك المقابلات الضدية؛ نظرًا لأن المقابلة «قانون خطابي يتم به توجيه الكلام ووصل أطرافه بعضها ببعض، وأنها ثانيًا قانون أصلي ينفذ في طبيعة الفكر واللغة وينبني عليه سواه من ضوابط تحديد المعنى وتعليله، وأنها ثالثًا قانون شمولي يحيط باللفظ من مختلف جهاته ويوجه المعرفة في مختلف مجالاتها»[37].

خاصية أخرى نخرج بها من خلال النظر في آلية تعريف مفهوم «العنف»؛ وهي أن الاستدلال بالتقابل الضدي يرفع الخطاب الفلسفي هنا إلى مقام الحوارية؛ فتوجيه الكلام وترتيبه وضم بعضه إلى بعض، تضفي على النص الفلسفي الاستدلالي خاصية الحوارية، تفيد في جانب وضع المفاهيم الفلسفية واستثمارها[38]، وفي جانب آخر تفيد التعارض بين المتحاورين؛ فـ«حوارية المفهوم الفلسفي تقتضي أن يكون وضعه مقرونًا بوجود تعارض في مسألة من المسائل التي ينظر فيها المتفلسف ووجود إرادة من هذا المتفلسف في رفع التعارض الحاصر»[39]. كما هو دلالة العنف في مقابل الحوار مثلًا، حيث لجأ طه عبد الرحمن إلى التضاد لكي يرفع عن العنف صفته الحوارية، فكل عنف نفي لأي فعل حواري أو خطاب يقوم على بنية حوارية تواصلية تدليلية عقلية فلسفية مع الآخر.

2-3- آلية التفريق

ولما كان المفهوم من العنف مقرونًا بالتعارض، فقد لزم عن ذلك آلية أخرى تفرّق بين هذا التعارض وتخرج تعريف المفهوم منه، وهي «آلية التفريق» المتأصلة في التفكير الفلسفي منذ أفلاطون الذي فرّق بين المثال والواقع، وأرسطو الذي فرَّق بين العرض والجوهر، والفارابي الذي فرَّق بين واجب الوجود وممكن الوجود، وكذلك مع طه عبد الرحمن الذي فرَّق بين التقليد والإبداع، والعنف والدليل، أو العنف والحوار، أو العنف والعقل، أو العنف والتفلسف؛ فكانت آلية التفريق تصل الكلام بعضه ببعض وتفرّعه وتوسِّعه وتزيد في قوته التبليغية الإقناعية؛ فينتقل من بينة خطابية أولى إلى بنية خطابية أوسع، وبيان ذلك من خلال الجدول الآتي[40]:

*       بنية أولى ← «ليس عجبًا أن يهتم الفلاسفة بـ«العنف» اهتمامهم بـ«العقل»،

-       توسع أول ← لأن من يهتم بالشيء هو في حكم المهتم بضده؛

*       بنية ثانية ← والعنف ضده الدليل؛

-       توسع ثاني ← فحيثما وُجد العنف، فلا دليل؛ وحيثما وُجد الدليل، فلا عنف؛

*       بنية ثالثة ← ولّما كان الحوار عبارة عن جملة من الأدلة، كان العنف ضدًّا له، هو كذلك؛

-       توسع ثالث ← فحيثما وُجد العنف فلا حوار؛ وحيثما وُجد الحوار، فلا عنف؛

*       بنية رابعة ← والدليل هو خاصية العقل، فلا عقل إلَّا حيث يوجد الدليل؛

-       توسع رابع ← فيلزم أنّ العنف والعقل ضدان لا يجتمعان؛

*       بنية خامسة ← ولمّا كان العقل هو، بدوره، خاصية الفلسفة، لزم أن يضادّ العنف الفلسفة؛

-       توسع خامس ← فلا فلسفة حيث يوجد العنف، ولا عنف حيثُ تُوجد الفلسفة».

 

من ثمَّة، فإن كل بنية تتفرَّع وتفرّق وتجمع بنيات أخرى، تشمل الدليل والحوار والعقل والفلسفة؛ لأن الهدف من تحديد مفهوم «العنف» هو إدماجه في علاقات خطابية استدلالية تقابلية تنفتح بدورها على إمكانات الاجتماع بسواها من البنى والافتراق عن أخرى؛ فتنشأ من ذلك آفاق دلالية فلسفية مفهومية جديدة، تتوسَّع وتتمدَّد من دون حجب آفاقها التدليلية.

من ثمَّة، صحَّ أن التقابل الضدي من الآليات الاستدلالية التي بنى بها طه عبد الرحمن تصوُّره لمفهوم «العنف»، تأسيسًا لعلاقة الفكر باللغة، وإحاطة بجوانب الكلمة ومدلولاتها المعرفية الضدية، وتفريقًا لكل مبهم في مفهوم العنف عن مقابلاته.

2-4- آلية اللزوم

في النص الأول يبدو جليًّا أن طه عبد الرحمن لجأ إلى آلية التعريف باللزوم في تحديده لمفهوم العنف، بل إنه قام بتكرار هذه الآلية لفظًا في مناسبتين اثنتين هما: (فيلزم)... (لزم). فما معنى اللزوم؟ وكيف وظّف في تحديد مفهوم العنف؟

لا شك في أن اللزوم من المصطلحات المنطقية التي تفطَّن إليها نُظَّار المسلمين ومنطقيوهم، ويقصد به «(الانتقال)، إذ نقول: «لزم شيء من شيء»، أي تولد منه بنقلة مخصوصة؛ كما أنه يستعمل بصدد (الأقوال) فيقال: «لزم عن قوله كذا»، ويسمى القول الذي لزم منه قول آخر بـ(الملزوم) ويسمى هذا القول الآخر بـ(اللازم)؛ ويفيد اللزوم كذلك معنى (الاقتضاء) الذي يتضمن مدلول (الطلب)، فإذا لزم شيء من شيء، فقد اقتضاه هذا الشيء وطلبه»[41].

لذلك كان المنطق علم يبحث في قوانين اللزوم، أو قل باختصار: «المنطق علم اللزوم»[42]. وكل قول طبيعي له قوة لزومية، قد تكون واسعة إلى الحد الذي لا يستطيع المخاطًب أن يحيط بها.

وتبعًا لضروب اللزوم المقترحة من طرف طه عبد الرحمن[43]، يمكن الوقوف في القوة اللزومية للقول الطبيعي في النص السابق، على ما يسمى بـ«الاستلزام الدلالي الأوسع»؛ وحدّه «يستلزم القول ب استلزامًا دلاليًّا أوسع القول جـ متى صدق مدلول جـ في كل حالة يصدق فيها مدلول ب وجاز أن يصدق مدلول ب في كل حالة يصدق فيها جـ؛ أو قل باختصار: إنّ الاستلزام الدلالي الأوسع هو عبارة عن الاستلزام الدلالي مع جواز صحة عكسه الثبوتي»[44].

لننظر إلى النّصّ الآتي:

1- «الدليل هو خاصية العقل،

[أ-1] فلا عقل إلَّا حيث يوجد الدليل؛

[أ-2] فيلزم أنّ العنف والعقل ضدان لا يجتمعان».

2- «ولمّا كان العقل هو، بدوره، خاصية الفلسفة،

[ب- 1] لزم أن يضادّ العنف الفلسفة؛

[ب-2] فلا فلسفة حيث يوجد العنف،

[ب-3] ولا عنف حيثُ تُوجد الفلسفة».

هذا الاستنتاج جاء مترتبًا عن المقدمة الأولى في الخطاب المتضمن لمفهومي العنف والدليل، وهي المقدمة التي يقول فيها طه عبد الرحمن: «العنف ضد الدليل؛..» وهو دليل مضمرٌ في القضية (أ).

ماذا يتبيّن إذًا؟

- مركّب من عدد من الأقوال تتلخص في: (أ) و (ب).

- كل قول يفيد الصدق أو الكذب، وهو بالتالي قضية.

- إن كلًّا من (أ) و (ب) يترابطان فيما بينها حتى وكأنها يشكلان نصًّا واحدًا.

- من مظاهر هذا الترابط تكرار حرف الاستتباع (فـ)، وأداة النفي (لا)، وحروف الربط (الواو).

- إنهما بمنزلة الانتقال من المقدمة إلى النتيجة، بحيث أن القول (ب) يترتب عن القول (أ)، مصاحب له ومتصل به، وهو الذي يطلق عليه اسم الملزوم. وهذه العلاقة بين المقدمة والنتيجة تسمى العلاقة اللزومية.

بناء على ما سبق يتَّضح أنّ تعريف العنف ارتبط بتلازم الأقوال الطبيعية، بحيث إنّ كل قضية تعدّ بمثابة دليل مرتّب ترتيبًا موجّهًا إلى التأكيد على أنّ: العنف ضد الفلسفية. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أنّ طه عبد الرحمن يشتغل باحترافية شديدة القوة، وعلى اطلاع واسع بخصوصية المجال التداولي العربي الإسلامي، وإلَّا ما كان قد نحت مفهومه للعنف والفلسفة بهذه البراعة المنطقية واللغوية والحجاجية الشديدة.

2-5- آلية النقلة/ التعليل

النقلة أو التعليل طابع استدلالي في القول الفلسفي الطاهائي، يؤدِّي إلى قبول المخاطب بالأدلة التي يدَّعيها؛ يعني «بيانُ أمر من الأمور من خلال ردّه إلى أمور أخرى تكون سندًا له»[45].

ويتضمَّن النص الأول نوعًا مخصوصًا من النقلة يطلق عليه اسم «النقلة صورًا» إذ اعتمد على صورة منطقية تتَّخذ من الاستدلال بالتقابل الضدي مسلكًا لها لإثبات دعوى «تعريف المفهوم من العنف».

فمن: العنف ضد الدليل؛

إلى العنف ضد الحوار؛

إلى العنف ضد العقل؛

إلى العنف ضد الفلسفة؛

فقد جاز لطه عبد الرحمن الانتقال من مستوى دلالي إلى آخر، ما دام ليس هناك مانع تدليلي أو دلالي، أو استثناء يمنع هذا الانتقال؛ ولا شك في أن هذا النقل ساهم في مواصلة الكلام حتى تحقّق الإقناع والإبداع والاتساع.

2-6- آلية التكرار

1- الكلمات:

مثلا في النص الأول تكررت فيه عدة كلمات، وبيان ذلك من خلال الجدول الآتي:

الكلمة

عدد تكرارها في النص

العنف

11

الدليل

06

الوجود، وُجــد

06

ضد

05

الفلسفة

04

العقل

04

اهتم

04

الحوار

03

 

من خلال تأملنا في الجدول السابق نخلص إلى ما يلي:

- عدد الكلمات المكرورة هو: 08 كلمات.

- مرات التكرار: 43 مرة، من أصل 94 كلمة هي مجمل كلمات النص الأول.

- إن الكلمات المتكرّرة تشكّل الكلمات الفلسفية القوية في النص، بحيث إذا حذفنا أي واحدة منها سيبدو النص فارغًا لا معنى له، والتعريف ناقصًا لا دليل عليه؛ على سبيل المثال الكلمة التي جاءت في الرتبة الأولى في التكرار هي كلمة العنف؛ فهي مدار التعريف في النص، ومفهومه المركزي، لذلك فلا غرابة أن تكون في الرتبة الأولى.

ومن الملاحظ أن النص السابق تبوأت فيه كلمة الحوار الرتبة الدنيا مقارنة مع المكانة التي خصّصت لكلمة (عنف)، وفي هذا إشارة إلى أنه كلما كثر العنف قلَّ الحوار، والعكس صحيح بالضرورة.

2- تَكرار العوامل الحجاجية

بالإضافة إلى تكرار الكلمات، نجد في النص السابق تَكرار للعوامل الحجاجية، وبيان ذلك من خلال الجدول الآتي:

العامل الحجاجي

مرات تكراره

وظيفته

الفاء

10

تسلسل الخطاب وترابطه

حرف النفي (لا)

08

تقوية التوجيه

ولما كان..

02

ترابط الأفكار

حيث

07

ترشيد آليات الخطاب

 

وعليه، إن الوقوف على هذه العوامل الحجاجية من شأنه أن يبيِّن الترابطات الداخلية التي يقوم عليها النص الطاهائي، تلك التي تحكم رؤيته إلى مفهوم العنف، ومنطق فكره، وتماسكه، وترابطه، وأفقه المنسجم مع مشروعه الفلسفي المنطقي عامة، وتصوره لمفهوم العنف خاصة، بمعنى أنه يقوم بهدف رفع الغموض وتقريب الفهم الذي يروم إقناع المخاطبين بدلالة المفهوم من (العنف)، فهي التي ترسم المسالك التبليغية الحجاجية في سيبل الوصول إلى الإقناع.

3- خصوصية المجال التداولي: التأثيل

تطبيقات حول النص الثاني،

* أما النص الثاني، فيقول فيه طه عبد الرحمن:

«فالتسلط قائم في الإنسان منذ أن تسلط «قابيل» على «هابيل»، فسفك دمه بغير حق، حتى كأن التاريخ تسلطٌ في إثره تسلط وعنف في عقبه عنف؛ ولكن من ينظر إلى الإمكان، لا يحيل أي شيء، حتى ولو أثبت التاريخ استحالته؛ فقدرة الإنسان أوسع من التاريخ، وإلَّا ما كان ليشهد، هو نفسه، بأن الإنسان ما فتئ يغيّر مجراه»[46].

أشرنا في بداية هذه الدراسة، أن طه عبد الرحمن يغوص في عمق تحليل المفاهيم الكونية الفلسفية، مثل مفهوم العنف؛ لكن بدل تقليد الفلاسفة في تصوراتهم الفكرية، وبالتالي نقل مفاهيم «الكونية المقصدية» وتعريفاتها وتحويلها إلى مجالنا التداولي الفلسفي، دون فحصها أو نقدها وتبيان ملاءمتها لمجالنا التداولي العربي الإسلامي، ليس انفصالًا عن الفكر العالمي ولكن اتصالًا به، من جهة أنّ الأمم باختلاف ثقافاتها وحضاراتها وعقائدها وبالتالي تصوُّراتها الفلسفية للوجود والمعرفة والقيم، إنما تساهم في فلسفة كونية قوامها الحق والعدل والسلام.

وهذا بالضبط، ما قام طه عبد الرحمن من خلال استثماره لتعريف يوافق «الخصوصية التداولية»[47]؛ ويظهر ذلك –مثلًا- في النص الثاني السابق، خاصة عند حديثه عن قابيل وهابيل، وكيف أنّ الأول سفك دم أخيه هابيل «بغير حق»، ثم يعود طه للإشارة إلى الكونية المقصدية عندما يقول «كأن التاريخ تسلطٌ في إثره تسلط وعنف في عقبه عنف» !

إن هذا الاستثمار التاريخي لقصة مقتل هابيل، بسبب الحمولة التي يحملها مفهوم العنف ومنه مفهوم التسلط، مع الإشارة إلى القدرة الإنسانية على تغيير مجرى بداية تاريخ العنف عنده، لكن هل يستطيع ذلك، أم أنّ الأمر لا يعدو أن يكون سوى يوطوبيا، حلم خارج عن منطق التاريخ نفسه ؟

بيّن طه عبد الرحمن أنّ الوضع الاصطلاحي للمفهوم الفلسفي قد يوهم بأنه مفهوم عباري خالص، والحال أنه لا يصفو إلاّ بدلالته الإشارية، من ثمة استخرجت أنواع مختلفة من التأثيل، وهي [48]: التأثيل المضموني، ويندرج تحته «التأثيل اللغوي» و «التأثيل الاستعمالي» و«التأثيل النقلي» وهناك «التأثيل البنيوي»، ويندرج فيه «التأثيل الاشتقاقي» و«التأثيل التقابلي» و«التأثيل الحقلي»؛ والفيلسوف لا يفتأ يستثمرُ هذه الأنواع المختلفة من التأثيل في تأصيل المدلولات الاصطلاحية لمفاهيمه وتوسيع مجال إجرائيتها، فاتحًا فيها آفاقًا استشكالية واستدلالية غير مسبوقة لم تكن لتنفتح له بدونها.

والكلام الإشاري لا ينضبط بالعقل المجرد كما ينضبط الكلام العباري، بل إنه كلام دال على المجاز، مضمر لفظه أو مشتبه معناه، ينفتح على رحاب الخيال المجسد، متصل بالمجال التداولي الذي تنتمي إليه اللغة الفلسفية؛ فشأنها «كشأن غيرها، ففيها من مظاهر العبارة العقلية نصيب وفيها من الاشارة الخيالية نصيب»[49].

مثال آلية التعريف بالإشارة، يقول طه عبد الرحمن في معرض حديثه عن إمكانية تغيير مجرى الإنسان في العنف، الآتي:

«فهذا الإمكان هو الذي تريد «الفلسفة الائتمانية» أن تقتحم فضاءه، فتنظر هل بالإمكان أن يزول التسلط من النفوس، أو على الأقل، أن يخفَّ، عسى أن يتوقف مسلسل مآسي العنف التي تتوالى على الإنسانية؛ وقد صار المسلمون اليوم وقودها المسعرَّ الذي لا يشي بأنه سوف ينطفئ عن قريب؛ فإذا كانت أدنى صور التسلط هو التسلط التجاري أو «التبضع»، فإن أقصاها هو التسلط السياسي أو «التسيّد»، لأن السياسة، على خلاف الاعتقاد السائد، هي الصورة القصوى للمادة؛ فالمادة ليست في الظهور بالكثافة، وإنما في الشعور بهذه الكثافة؛ والسياسة بلغت غاية التلبُّس بهذا الشعور، حتى فيما لا مادة فيه، إذ إنها، بفضله، تستطيع أن تكسوه بلباس المادة، فينحطّ من عليائه، خارجًا عن أصله؛ فجوهرها هو «حبّ الدنيا» ولو تدثَّرت بأبهى الشعارات وتزيَّنت بأسمى المبادئ؛ و«حب الدنيا» ما هو إلَّا ظاهر باطنه شر منه، وهو «كراهية الآخرة» فالسياسي المتسلّط محب للدنيا ظاهرًا وكاره للآخرة باطنًا»[50].

يلاحظ في هذا النص أنه قد تضمن الجانب الإشاري في تعريف المفهوم؛ حيث إن تعريف مفهوم «العنف» صاحَبه جملة من العناصر التمثيلية (تشبيهات أو أمثلة أو مجازات أو استعارات أو القصص). أو ما يسميه طه بالفعالية التأثيلية[51]، التي جدّدت الطاقة الدلالية للمفاهيم العربية، وساهمت في تقوية الخطاب وتماسكه دلاليًّا وتدليليًّا.

خلاصات

بعد التفكير في آفق النظر في سؤال العنف: استشكالًا، وتفهميًّا، واستدلالًا. نخلص إلى النتاج الآتية:

1- تمديد الحقل الدلالي للمفهوم أو توسيعه أو تفريعه، «الفعالية التأثيلية».

2- الأجرأة: أجرأة المفاهيم التي افتقدت في لساننا الفلسفي العربي المعاصر، والتي ليست تقليدًا لطريقة في التفكير أبدًا، لا في الماضي ولا في الحاضر، وإنما هي إبداع حيّ مستقيم نابع من مجالنا التداولي العربي، بل قد لا يكون لبعضها مقابل مقرّر في اللغات الأخرى.

3- التفاعل، يبني طه مفاهيمه من خلال ربط بعضها ببعض.

4- موافقة الخصوصية النظرية والعملية لمجالنا التداولي العربي الإسلامي، وبالتالي فإن تفلسف طه عبد الرحمن تفلسف منطقي لا ينفك يتأثر بمقومات التداول، عقيدة ولغة وفكرًا، وذلك بين في نصّه الذي تحضر فيه مقومات الحضارة الإسلامية في بعدها الأخلاقي بشقيها السلوكي والروحي.

5- التحرُّر من قيود التقليد، الداخلية أو الخارجية، فهو نظر متوحّد جريء، تتحقّق فيه مبدأ الإرادة [52].

6- بيَّن لنا طه عبد الرحمن، كيف يمكن الانطلاق من واقع العنف في العالم، لإنشاء فلسفة ائتمانية بديلة تتصدى للتطرف وكل أشكال الهمجية والقوة، وما تفرزه من انحرافات خلقية وما تصنعه من أزمات روحية.

7- التنسيق بين المفاهيم «نصبًا وإقامة لها في صورة تتجامع وتتراتب فيها عناصرها»[53].

إن التمديد والتفاعل والتنسيق بنيات نظرية منتظمة للفعل التفلسفي، تنتهي بنا إلى فحص مقاصد نظرية «الفلسفة الائتمانية» التي يقارب من خلالها طه عبد الرحمن سؤال العنف ويكشفُ تهافت مغالطات العنيف.

8- لكن، هل يمكن المزج بين أنواع الاستدلال المختلفة داخل حقل محدَّد له آلياته الاستدلالية الخاصة به؟ هل يمكن استخدام الاستدلال في الحقل المعرفي العلمي كما نستخدمه في الحقل التخييلي؟ أم تنجم عن ذلك معضلات نظرية وإجرائية ؟ فلا يمكن للاستدلال الخطابي أن يستعمل في مجال الرياضيات، وحتى إذا ما قبلنا بإمكان أن نجري قواعد الاستدلالات فإن ما يهيمن منها هو المتعلّق بالحقل الذي نستعملها فيه.

إذن لا يمكن إلَّا اعتبار الاستدلال المهمين وجعله الأساس لكل بناء عقلي أو منطقي بأي حقل معرفي، فسيكون من العبث جعل الاستدلال غير المهمين مهيمنًا، وإذا كان الأمر كذلك فينبغي فهم طبيعة التفاعل بين الاستدلال في هذا الإطار... لا غيره.

 

 



[1] أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية، القاهرة - مصر: دار العلم للثقافة والتوزيع، الجزء 1، ص: 70.

[2] من الأعمال المشتركة بينهما نذكر على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

France, Paris, 1952: «Rhétorique et philosophie.›› Presses Universitaires de

«Traité de l›argumentation: La nouvelle rhétorique.›› Presses Universitaires de France, Paris, 1958. English: «The new rhetoric: A treatise on argumentation.›› (J. Wilkinson and P. Weaver, Trans). Notre Dame: University of Notre Dame Press.

* «Le Comique du Discours››, Brussels Press, 1974.

[3] عبد الله صولة، في نظرية الحجاج، دراسات وتطبيقات، تونس: مسكيلياني للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2011، ص: 13.

[4] لمزيد من التوضيح راجع: د. أبو بكر العزاوي، اللغة والحجاج، الدار البيضاء: العمدة في الطبع، الطبعة الأولى، 2006.

[5] وعلى هذا يقول طه عبد الرحمن: «لا تكون الصفة البرهانية في القول شرطًا كافيًا لتحصيل الاقتناع العملي الذي يهدف إليه الحجاج، فقد تستوفى برهانية الدليل ولا يحصل معها اقتناع المخاطب، إذ لا شيء يمنعه من أن يستمر على اعتقاده السابق ولو دلَّ على سبيل برهاني مستقيم؛ فليس كل ما يحصله النظر يتحول إلى عمل، ولا هي –أي الصفة البرهانية- تشكل شرطًا ضروريًّا لبلوغ الاقتناع. فقد يحصل هذا الاقتناع بدليل فيه من الفساد الصوري ما لا خفاء فيه، لأن هذا الفساد تستره إن لم تمحه قوة المضمون الدلالي في الخطاب الطبيعي». عبد الرحمن، طه، في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، الطبعة الثالثة، 2007، ص: 65.

[6] وحدّ الحجاج أنه فعالية تداولية جدلية، فهو تداولي لأن طابعه الفكري مقامي واجتماعي، إذ يأخذ بعين الاعتبار مقتضيات الحال من معارف مشتركة ومطالب إخبارية وتوجيهات ظرفية، ويهدف إلى الاشتراك جماعيًّا في إنشاء معرفة عملية، إنشاء موجهًا بقدر الحاجة، وهو أيضًا جدلي لأن هدفه إقناعي قائم بلوغه على التزام صور استدلالية أوسع وأغنى من البنيات البرهانية الضيقة، كأن تُبنى الانتقالات فيه، لا على صور القضايا وحدها كما هو شأن البرهان، بل على هذه الصور مجتمعة إلى مضامينها أيما اجتماع، وأن تُطوى في هذه الانتقالات الكثير من المقدمات والكثير من النتائج، وأن يُفهم المتكلم المخاطب معاني غير تلك التي نطق بها، تعويلًا على قدرة المخاطب على استحضارها إثباتًا أو إنكارًا كلما انتسب إلى مجال تداولي مشترك مع المتكلم، وكأن يعتمد فيها على صور استدلالية تأخذ بمبدأ التفاضل و«التراتب»، وتجنح أحيانًا إلى التناقض الذي لا تحس فيه خروجًا عن حدود المعقول. عبد الرحمن، طه، مرجع سابق، ص: 65.

[7] راجع في هذا الصدد: الفصل الأول من الدراسة المركزة التي أعدها: أبو بكر العزاوي في كتابه: اللغة والمنطق، الرباط: طوب بريس، الطبعة1، 2014.

[8] ينظر: حمو النقاري، المنهج في إنشاء المعارف الكلامية وفي حفظها في الفكر الإسلامي العربي القديم، أطروحة دكتوراه، إشراف الدكتور طه عبد الرحمن، جامعة محمد الخامس، محمد همام، المنهج والاستدلال في الفكر الإسلامي، دار الهادي، ط الأولى، 2003، ص: 137. كما نشير هنا إلى أن المناظرة تعتبر النموذج الفعلي للأسلوب الحجاجي في تراثنا العربي الإسلامي، ونحن –اليوم- في مسيس الحاجة إلى بعث أدب المناظرة، وسلوك مسالكها الاستدلالية في الحوار والإبداع، رفعًا لكل غمة فكرية عن أمتنا الإسلامية.

[9] إلى جانب مشاريع أخرى مثل اجتهادات محمد العمري في الخطابة العربية، واجتهادات المرحوم عبد الله صولة في مجال حجاجية القرآن الكريم، واجتهادات الدكتور أبو بكر العزاوي في الحجاج اللغوي. غير أنّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق: هل هذه الدراسات العربية في مجال الحجاجيات وتحليل الخطاب توقفت عند حدود العرض والتفسير، أم تجاوزته إلى الإبداع والتأسيس؟

[10] طه عبد الرحمن، سؤال اللغة والمنطق حوار مع طه عبد الرحمن، سلسلة رسائل مؤسسة طابة، رقم 1، الإمارات، 2010، ص: 05. لم أذكر هنا مؤلفه بالفرنسية الذي هو في الأصل بحث دكتوراه لم ينشر بعدُ، الذي نقله تحت اسم Essai sur les logiaues des raisonnements argumentatifs et naturels، سنة 1985. وكتابه «المنطق والنحو الصوري، دار الطليعة، بيروت، ط1، 1983». بالإضافة إلى مؤلفات أخرى في مبحث فلسفة الدين، كمؤلفه «روح الدين، بيروت: المركز الثقافي العربي، ط1، 2012» و«بؤس الدهرانية، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2014»، و«سؤال العمل: بحث في الأصول العملية في الفكر والعلم، بيروت: المركز الثقافي العربي، ط1، 2012» التي يسري عليها ما يسري على كتبه المذكورة، بمعنى تطبيق نظرية تحليل الخطاب والاستدلال الحجاجي.

[11] طه عبد الرحمن، مشروعية علم المنطق -1-، مجلة المناظرة، العدد الأول، شوال 1409 يونيه 1989، ص: 115.

[12] أمّا درس اللسانيات فكان ذلك من خلال مبحث التداوليات - الذي يختص بوصف وتفسير العلاقات بين الدوال ومدلولاتها وبين الدّالين بها – في أبوابه الثلاثة باب أغراض الكلام، وباب مقاصد المتكلمين، وباب قواعد التخاطب. مع الإشارة أن طه عبد الرحمن يعتبر أوّل من وضع مصطلح (المجال التداولي) الذي أصبح متداولًا في اجتهادات الباحثين اليوم، ويَقصدُ به طه عبد الرحمن: «كل المقتضيات العقدية والمعرفية واللغوية –القريب منها والبعيد – المشتركة بين المتكلم والمخاطب والمقوّمة لاستعمال المتكلم لقول من الأقوال بوجه من الوجوه». ينظر: تجديد المنهج في تقويم التراث، بيروت: المركز الثقافي العربي، ط2، ص: 243-272. أما استفادة طه عبد الرحمن من درس المنطق خاصة في الجانب الذي يهتم بصحة الاستدلال وتحصيل طريقة مشروعة بين المتحاورين، بمعنى وصفه للخطاب الطبيعي، حيث تتوثق الصلة بينهُ وبين الدرس اللساني ومبحث الخطابة. وعليه، يقول طه عبد الرحمن: «سنتوسل بالآلة المنطقية حيث نعلم صلاحيتها وكفايتها، ونستبعدها حيث نعلم عدم مناسبتها أو ضرورة تكميلها إلى حين تصنيعها لأساليب أخرى أوسع وأشمل». ينظر: في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، ص: 31. وقد يسأل سائل: لماذا المنطق؟ والجواب كما يقدّمه طه عبد الرحمن بكل بساطة هو «أن كل شيء تفكّر فيه أو تعبّر عنه تحتاج فيه إلى طريقة يتم بها هذا التفكير وهذا التعبير، وهذه الطريقة لها قوانين تضبطها حتى إذا توسّل بها المتوسّلُ، جاء تفكيره أو تعبيره مستقيمًا، وإذا خرج عنها، جاء معوجًا، بحيث يكون تعلّمنا فرض عين لا فرض كفاية، حتى يكون العقل سليمًا ومصيبًا، وإلَّا لا سلامة في العقل ولا إصابة؛ وهذه الطريقة في التفكير والتعبير هي بالذات ما ندعوه بالمنطق». ينظر: طه عبد الرحمن، حوارات من أجل المستقبل، منشورات الزمن، الطبعة الثانية، 2008، ص: 63.

[13] طه عبد الرحمن، في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، ص: 27. مع العلم أن طه عبد الرحمن ينظر إلى «التبليغ» باعتباره نقلُ فائدة القول الطبيعي نقلًا يزدوج فيه الإظهار والإضمار؛ فيتبيّنُ أن المتكلم ليس ذاتًا ناقلة، حتى تجوز مماثلته بـ«جهاز للإرسال» أو قل «المرسل»، وإنما هو ذات مبلّغة، أي ذات لا تقصد ما تظهر من الكلام فقط، بل تجاوزه إلى قصد ما تُبطن فيه، معتمدة على ما أوردت في متنه من قرائن وما ورد منها خارجه. ينظر: عبد الرحمن، طه، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، مرجع مذكور، ص: 216.

[14] طه عبد الرحمن، اللسان والميزان، الدار البيضاء - المغرب: المركز الثقافي العربي، ط1، 1998، ص:226.

[15] لسان العرب، دار صادر، مرجع مذكور، ج 4، ص: 37.

[16] المرجع السابق، ص: 137.

[17] طه عبد الرحمن، في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، الدار البيضاء - المغرب: المركز الثقافي العربي، ط1، ص: 65. ويعدّ طه عبد الرحمن البرهان مرتبة أولى من مراتب منهج الاستدلال إلى جانب المرتبة الثانية التي هي «الحجاج» والمرتبة الثالثة التي هي «التحاج»، وتفصيل ذلك على الشكل التالي:

- المنهج الاستدلالي: «البرهان»: «يتميز بخصائص صورية من تجريد وتدقيق وترتيب، ومن بسط للقواعد وتمايز للمستويات واستيفاء للشروط واستقصاء للعناصر، هذه الخصائص التي تجعلنا نتصوره آلة تقوم بحساب الاستدلال البرهاني، آلة مجرّدة شبيهة بالحاسوب، تطيع برنامجًا من عدد متناه من الأوامر، وتمتلك ذاكرة تخضع محتوياتها للعمليات، وتقوم بهذه العمليات في خطوات متتالية، كل خطوة لاحقة فيها محددة تحديدًا كاملًا بهذا البرنامج وبما استوعبته الذاكرة في الخطوة السابقة»، المرجع نفسه، ص: 41.

- المنهج الاستدلالي: «الحجاج»: يستندُ إلى المجال التداولي، ويسلكُ من سبل «الاستدلال ما هو أوسع وأغنى من بنيات البرهان الضيقة، كأن يعتمد (المحاور) في بناء نصه الصور الاستدلالية مجتمعة مضامينها أوثق اجتماع، وكأن يطوي الكثير من المقدمات والنتائج، ويُفهِمَ من قوله أمورًا غير تلك التي نطق بها، وكأن يذكر دليلًا صحيحًا على قوله من غير أن يقصد التدليل به، وأن يسوق الدليل على قضية بديهية أو مشهورة هي في غنى عن دليل للتسليم بها، كل ذلك لأنه يأخذ بمقتضيات الحال من معارف مشتركة ومعتقدات موجهة ومطالب إخبارية وأغراض عملية. وكل سبيل استدلالي هذا وصفه، فهو سبيل احتجاجي لا برهاني، يقيّد فيه المقامُ التراكيب ويرجّح فيه العمل على النظر». المرجع نفسه، ص: 46.

- المنهج الاستدلال: «التحاجّ»: يتسع لصور وأساليب استدلالية، تلتزم مبدأ المراتب وتجنح إلى التناقض [..] ويقصدُ طه بطرق التحاج ما يلي: «أن يثبت (المتحاور) قولًا من أقاويله بدليل ثم يعودُ إليه ليثبته بدليل أقوى، وأن يثبت قوله بدليل ثم ينتقل لإثبات نقيضه بدليل آخر أو أن يثبت قولًا بدليل ويثبت نقيضه بعين الدليل»، المرجع نفسه، ص: 51.

[18] طه عبد الرحمن، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، مرجع مذكور، ص: 213.

[19] نفسه، ص: 226. يصفها حمو النقاري كبونها «مجرّد حجة» لا تستحضر التفاعل بين «المستدل» و«المستدل له» لا يهم من احتج بها، كما لا يهم من وُجِّهب إليه وخوطب بها، كما لا يهم السياق الذي وردت فيها واستدعى صوغها؛ إنها بمثابة عبارة خبرية ينظر إليها «بوصفها بناءً استدلاليًّا مستقلًا بنفسه». ينظر: حمو النقاري، منطق تدبير الاختلاف من خلال أعمال طه عبد الرحمن، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى، 2014، ص: 77.

[20] نفسه، ص: 227. هذا النوع من الحجاج نجدُه خاصّة عند (نظرية أفعال الكلام).

[21] نفسه، ص: 228. غير أنّ طه عبد الرحمن وفي مناسبة أخرى يتحدَّث عن أنواع متعدِّدة من الدليل لا يصحّ أن ننكرها، ولم تحظَ بالبحث الكافي في الدرس المنطقي والمعرفي، أحدها «خبر النقل، وهو الخبر الذي ينقله الفرد الواحد أو الجماعة الواحدة أو ينقله الأفراد، الواحد بعد الآخر، أو الجماعات، الواحدة بعد الأخرى، عن قائل أصلي معيّن، قد يكون إلهًا أو نبيًّا أو إنسانًا عاديًّا؛ والثاني شهادة العدل، وهي الإخبار عن الشيء مع ادِّعاء العلم به والصدق في قوله، ( لقد شرع فلاسفة المعرفة المحدثون في العناية بأدلة الشهادة، مبرزين دورها الأساسي في كل مجالات المعرفة الإنسانية، على اختلاف موضوعاتها ومجالاتها؛ ينظر: (C. A. J. COADY: Testimony, A PHilosophical Study)، والثالث شعور القلب، وهو أحوال المعرفة التي يجدها الإنسان في باطنه؛ ولئن كان صاحب هذا الشعور لا يستطيع نقلها إلى غيره على الوجه الذي خبرها في نفسه، فلا يمكن أن ننفي بالقطع أن له إدراكًا ما بمضامينها ومراتبها، وأن حديثه عنها حديث صادق ولو أنكرناه؛ والملاحظ أن اختلافَ الأدلة يوجبه اختلاف المسائل التي يستدل عليها، نوعًا ورتبة؛ فما يستدل عليه بدليل بعينه قد لا يصلح أن يستدلّ عليه بغيره..». وهنا يتَّضح النظر التجديدي لدى د. طه عبد الرحمن لمفهومي (الحجة) و(الدليل). ينظر: طه عبد الرحمن، روح الدين: من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية، ص: 60-61.

[22] نفسه، ص: 230.

[23] نفسه، ص: 232.

[24] نفسه. فيصبح الادِّعاء ادِّعاءان: «أحدهما ادِّعاء المعنى الواقعي والثاني ادِّعاء المعنى القيمي، والاعتراض هو أيضًا اعتراضان: أحدهما اعتراض على المعنى الواقعي والآخر اعتراض على المعنى القيمي». نفسه.

[25] حمو النقاري، منطق تدبير الاختلاف، ص: 78.

[26] لقد شكَّلت الاستعارة مجال بحث الكثير من البلاغيين والأسلوبيين، ولم تحظ باهتمام اللغويين والمناطقة -رغم اعتبارها من أكثر المباحث التي تخرق العديد من القوانين المنطقية (ثنائي القيمة، يمكن خرق مبدأ الهوية بالقول بأن الشيء ليس هو، كما يمكننا خرق بمبدأ عدم التناقض بتصورنا لعالم يكون فيه القول ونقيضه صادقين في الآن نفسه، وكذا خرق مبدأ الثالث المرفوع بتخيل عالم لا تكون فيه العبارة ونقيضها صادقين)، وعبر هذا الخرق يظهر الفرق بين الخطاب الصوري والخطاب الطبيعي- إلَّا مع بداية الستينيات، خصوصًا مع النتائج التي حققتها البحوث في الحقل التداولي عامة. وبالتالي نظر إليها في جانبها التبليغي الإقناعي، باعتبارها أداة فعَّالة قادرة على إيصال الخطاب بشكل مقنع ومختلف ومؤثر. «فبواسطتها لا ننقل فقط كلمة عن معناها، وإنما ندَّعي معناها لمعنى كلمة أخرى على سبيل المبالغة في أداء المعنى بالمطابقة بين كلمتين. وهي مطابقة نُثَبِّت بها في ذهن المتلقّي المعنى الذي نقصد إليه. وتبعًا لذلك اعتبرت مبحثًا يُبنى على تطابق خيالي ومؤقَّت لدالَّين يدلان في الأصل على مدلولين مختلفين، القصد منه الإيهام بوحدة المعنى. وإن الغرض من كل هذا هو التأكيد على أهمية الاستعارة وبيان خروجها من الاستعمالات العادية والمألوفة للخطاب، بما يدفع بالمتلقي إلى البحث عن تلك العلاقة الاستعارية بين المستعار والمستعار له». الحوار ومنهجية التفكير النقدي، ص: 104-103. وبالجملة، يمكننا أن نتحدَّث عن حجاجية القول الاستعاري، توفّر على الأقل المقوّمات التي نتحدّث عنها في سياق البحث، وهي: الفهم والإفهام والتبليغ والتأثر والإقناع.

لمزيد من التوسُّع يرجى من القارئ الكريم العودة إلى:

- طه عبد الرحمن، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1998.

- مجلة المناظرة، ملف خاص حول الاستعارة، السنة الثانية، العدد4، 1991.

- محمد الولي، مقالة تحت عنوان: «الاستعارة الحجاجية بين أرسطو وشايم بيرلمان» على الرابط التالي:

http://www.aljabriabed.net/n61_07alwali.htm

- عبد السلام عشير، عندما نتواصل نغير، مقاربة تداولية معرفية لآليات التواصل والحجاج، أفريقا الشرق، الطبعة الثانية، 2012.

- أبو بكر العزاوي، اللغة والخطاب، بيروت – لبنان: مؤسسة الرحاب الحديثة، 2009.

[27] عباس أرحيلة، فيلسوف في المواجهة: قراءة في فكر طه عبد الرحمن، الدار البيضاء - المغرب: المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2013، ص: 30.

[28] حمو النقاري، المنهجية الأصولية والمنطق اليوناني، ص: 21.

[29] يقصد بالتفلسف المنطقي الحي كل فعل فلسفي استدلالي يعتمد الجرأة في الاستشكال والتعريف والمحاججة، دون تقليد أو تشويه أو لعب بالكلمات.

[30] أي الأبحاث التي تتوسَّل بما يسمّى، في التراث، بعلوم الآلات. لمزيد من التوضيح بخصوص التعليل الآلي ضمن ما يسميه طه عبد الرحمن بفقه القول الفلسفي، ينظر: من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، ص:72-85.

[31] حمو النقاري، روح التفلسف، مرجع سابق، ص:81.

[32] ينظر تفصيل ذلك في: طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة -2- القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل، وبخاصة المقدمة.

[33] طه عبد الرحمن، سؤال العنف، ص: 09.

[34] لمزيد من التفصيل ينظر: عبد الرحمن، طه، من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، منشورات إبداع، ط1، 2016.

[35] وبالتالي فإن السؤال الأهم الذي يواجه المتفلسف العربي في هذا السياق هو: كيف يمكن النظر في نصوص الآخر مع الحفاظ على مقومات فطرة الذات ؟، يبدو أن الجواب لن يخرج عن الأهداف التي وضع من أجلها هذا الكتاب وهو تحقيق قوتين عقليتين أساسيتين فقدهما خطاب الأمة منذ أمد بعيد، وهما: القوة المفهومية التي تجعله يستقل بمفاهيمه وتصوراته، والقوة الاستدلالية التي تجعله يستقل بأدلته ونصوصه [مع جعل] الأصل في تجديد الأمة هو تجديد الإنسان... والأصل في تجديد الإنسان هو تجديد الروح. ينظر: طه عبد الرحمن، من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، ص: 111.

[36] طه عبد الرحمن، روح التفلسف، ص: 85-86.

[37] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة -2- القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل، ص:257.

[38] في هذا السياق يقول طه عبد الرحمن: «مما يجري التسليم به أن الحوار والدليل لا يكونان إلَّا في النّصّ، أي في متوالية من الجمل، وإذا كان هذا صحيحًا، فإنه لا يعني أنّ اللفظ الواحد - أو الجملة الواحدة – لا يكون حواريًّا أو تدليليًّا، فقد يكون جزءًا من حوار أو من تدليل، إن وسيلة فيه أو مقصدًا إليه؛ هذا إذا أخذنا بالتمييز المعلوم بين هذه الأقسام الثلاثة في الكلام، أي اللفظ والجملة والنص، وإلَّا فإن هذه الأقسام قد يقوم بعضها مقام بعض، فيجوز أن يكون اللفظ الواحد جامعًا لمضمون نص بكامله أو، على العكس، أن يكون النص تفصيلًا لما أجمله اللفظ، وهكذا بصدد اللفظ في علاقته بالجملة وبصدد الجملة في علاقتها بالنص». نفسه، ص: 258.

[39] نفسه.

[40] سؤال العنف بين الائتمانية والحوارية، ص: 09.

[41] طه عبد الرحمن، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، ص: 88.

[42] نفسه.

[43] أ- الاستلزامات المتولدة من معاني المفردات التي يتركب منها القول الطبيعي.

ب- الاستلزامات المتولدة من البنية الدلالية للقول الطبيعي.

ج- الاستلزامات المتولدة من سياق القول الطبيعي والمبادئ العامة للتخاطب. نفسه، ص: 90.

[44] نفسه، ص: 93.

[45] - روح التفلسف، ص: 82.

[46] طه عبد الرحمن، سؤال العنف، ص: 11.

[47] لطه عبد الرحمن مفهوم يصف من خلاله الأسرار التقنية للقول الفلسفي والفعل الفلسفي، وهو مفهوم مسلمة تداولية الفلسفة، ويقصد به: «أن الفلسفة، قولًا كانت أو فعلًا، لا تنفك تتأثر بمقومات المجال التداولي للفيلسوف». من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، ص: 78.

[48] نفسه، ص: 82.

[49] الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص: 89.

[50] سؤال العنف، ص: 11-12

[51] الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص: 95.

[52] ينظر: حمو النقاري، روح التفلسف، ص: 17.

[53] نفسه، ص: 36.