شعار الموقع

مناهج البحث عند مفكري الاسلام المعاصر

محمد تهامي دكير 2019-05-20
عدد القراءات « 602 »

مناهج البحث عند مفكري الإسلام المعاصر

بيروت: 28 أغسطس - 6 سبتمبر 2018م

محمد تهامي دكير

خلال القرن الماضي، وكرد فعل على التحديات التي واجهة الأمة الإسلامية، من استعمار غربي مباشر، وما تلاه من غزو فكري وثقافي، بالإضافة إلى واقع التخلّف الحضاري الذي كشف عنه هذا الاصطدام بالغرب وحضارته، انطلقت الكثير من الدعوات والحركات والمشاريع الفكرية، لمواجهة الاستعمار الغربي بشقيه العسكري والفكري، فظهرت العديد من المشاريع النهضوية والتجديدية، حاول أصحابها تشخيص أسباب الأزمات التي تعاني منها الأمة، وكيفيه الخروج منها ومعالجتها، في محاولة لوصل ما انقطع من فاعلية حضارية، تُمكّن الأمة من نفض غبار التخلّف عنها، والالتحاق بالركب الحضاري من جديد، بالإضافة إلى الدفاع عن سيادتها الجغرافية والسياسية وخصوصيتها الدينية والفكرية أو الحضارية بشكل عام.

وقد تميّزت هذه المشاريع النهضوية والتجديدية، بالتنوّع والتعدّد، حسب اختلاف المنطلقات الفلسفية والدينية والأيديولوجية لمنظريها وأصحابها، بين الدعوة إلى الالتحاق بالحضارة الغربية، قلبًا وقالبًا والقطع مع الماضي (دينًا وثقافةً ولغةً... إلخ)، وبين دعاوى للتجديد والإصلاح والترميم ومعالجة مواطن الخلل، وفتح باب الاجتهاد على مصراعيه، لاستنطاق وفهم النصوص المقدّسة على ضوء المعطيات العلمية الحديثة والمناهج المكتشفة... إلخ.

وبينهما من دعا إلى استحضار الماضي وأمجاده والعودة إلى السلف الصالح، والركون إلى ما أنتجه الآباء والتقوقع عليه والقطيعة مع الغرب وحضارته.. ومن خلال هذه المشاريع قُدّمت مجموعة من القراءات الجديدة للإسلام والتراث الفكري العربي والإسلامي بشكل عام، قراءات كانت محلّ نقاش وأخذ ورد، بين مثقفي العالمين العربي والإسلامي، نقاش أثرى الفكر الإسلامي وأغناه، وحرّك العقل الإسلامي باتجاه اجتراح الحلول للمعضلات والإشكاليات التي تتخبّط فيها الأمة الإسلامية وشعوبها اليوم.

في هذه الندوة التي نظّمها معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية في بيروت، والتي اتّخذت طابع حلقات بحثية متخصّصة، تحت عنوان: «مناهج البحث عند مفكري الإسلام المعاصر»، بين 29/ 8 و 6 /9/ 2018م، وشارك فيها نخبة من الباحثين والأكادميين من لبنان، حاولت الدراسات والبحوث المقدّمة تسليط الضوء على عدد من المنهجيات في قراءة الإسلام المعاصر، من خلال قراءة لعدد من المشاريع التجديدية الشهيرة، وما انتهى إليه أصحابها، وكيف يُمكن الاستفادة من هذا التعدّد المنهجي والمواقفي من قراءة الإسلام وتراثه الفكري، لبلورة مشروع نهضوي قادر على إخراج الأمة من حالة التخلّف والانحطاط الحضاري، وإعادة نبض الحياة في أوصالها، بُغية الانطلاق من جديد للحاق بركب الحضارة والتقدّم.

فيما يلي قراءة مُقتضبة في عدد من هذه الأوراق والبحوث المقدمة..

ﷺ فعاليات اليوم الأول

بعد الجلسة الافتتاحية التي تحدّث فيها مدير المعهد المنظم للندوة، سماحة الشيخ شفيق جرادي، عن أهمية هذه الندوة، ودورها في إعادة النظر في مناهج البحث عند مفكري الإسلام المعاصر، ورصد الآثار العلمية والواقعية لتطبيق هذه المناهج وعلاقتها بتغيير الواقع؛ انطلقت أعمال الندوة بعرض ثلاثة بحوث في اليوم الأول من الأسبوع الأول.

البحث الأول قدّمه د. أحمد الماجد (أستاذ الفلسفة بمعهد المعارف الحكمية)، عن: «منهجية السيد جمال الدين الأفغاني ومدرسته في قراءة الإسلام»، في هذه الدراسة سلّط الباحث الضوء على مشروع المصلح الأفغاني من خلال ثلاثة عناوين رئيسة، أولًا: مسوّغات المشروع الإصلاحيّ عنده، وقد حدّدها في: أسباب داخلية مثل: فقدان الرؤية الكونية الناظمة، انحطاط المسلمين، وتراجع دورهم الحضاريّ، ودور السلطات السياسية في هذا الانحطاط، والأثار المترتبة على ضعف الوحدة، وإهمال اللغة العربية (لغة الإسلام)، بالإضافة إلى إقفال باب الاجتهاد، وتقديس تقليد القدامى، وسيطرة العقيدة الجبرية، وانتشار الطرق الصوفية، الداعية إلى الخمول والكسل، وكذلك انقسام الأمة الإسلامية، إلى مذاهب وفرق متناحرة وانتشار الاستبداد السياسيّ والقمع بين الحكام المسلمين، وازدياد دور الأغراب وسيطرتهم على مقاليد الحكم... إلخ.

وأسباب خارجية ساهمت في إضعاف الأمة وتحجيم دورها الحضاري، وتمثّلت في عرقلة القوى الاستعمارية الغربية جهود تحقيق التنمية والتطوّر في المجتمعات الشرقية، للإبقاء على حالة الهيمنة، بالإضافة الى سياسة التغريب للنخب والاستتباع الحضاري.

ثانيًا: فلسفة المشروع الإصلاحيّ عند الأفغاني: أبعاده ودلالته، وقد أكد الباحث أنّ الأفغاني قد أسّسَ مشروعه على فلسفة أو رؤية كونية انطلقت من مركزية الدين في بناء الاجتماع الإنساني، حيث زوّد الإسلام العرب بالعقائد الحقّة والخصال الحميدة، جعلت منهم أمة تسود العالم. بينما الحضارة الغربية التي نشأت نتيجة التحوّل في الرؤية الكونية، هي ذات بُعد مادي لا تتلاءم مع بنية الدين الإسلاميّ، وقد أدّت إلى فضّ العلاقة بين الإنسان وخالقه، فدمّرته، والإنسان بحسب وجهة النظرة الإسلاميّة خليفة الله على الأرض، وهو الأصل والهدف، والدين هو أصل الاجتماع الإنساني بِما يحتويه من معتقدات وفضائل، من بينها الاعتقاد أنّ الإنسان ما ورد هذا العالم إلَّا ليتزوّد منه كمالًا يعرج به إلى عالم أرفع، وبالتالي الأصول الأساسيّة عند الأفغاني تُبنى على أسس ثلاثة: الدين على قاعدة التوحيد وفيه ينزع الأفغاني نزعة عرفانيّة، الإنسان بجوهره العقلي النوراني وهيكله الهيولاني الظلماني وفيه يشير إلى أهميّة التربية وضرورة العناية بالفرد كخليّة أولى للمجتمع، والواقع بما يعني البيئة الخاصة في صناعة الإنسان.

أما أدوات المعرفة عند الأفغاني، التي من خلالها يُؤسّس للقاعدة لمنهجه الذي سيقرأ على أساسه الإنسان، ويقيم من خلاله النهضة في المجتمعات الإسلامية، فهي:

أ- الوحي: (أي القرآن).

ب- العقل.

ج- الوجدان أو الحدس، وهو أصل مهم للوصول إلى المعرفة الحقيقيّة، فكلّ إنسان له قابلية استعداد لتلقّي الفيض.

د- اللغة، وقد أعطى الأفغاني اللغة بُعدًا تأسيسيًّا، لأنّ هناك تماثلًا بين الكون والإنسان واللغة، ويقصد باللغة، اللغة العربية خاصة. وفي مشروع الأفغاني نجد التركيز على الفهم الكلي للأشياء، لأن في نظره هناك علاقة جدليّة بين النص والواقع.

الدراسة الثانية كانت بعنوان: «منهجية الدكتور إسماعيل الفاروقي في قراءة الإسلام» للأستاذ عبد الله جرادي (باحث بمعهد المعارف الحكمية). بالنسبة للباحث جرادي فإنّ منهجية القراءة التي قدّمها الفاروقي تنطلق من رؤية كونية ترتكز على الأسس التالية: الخَلق: وهو عنده مفهوم حي متجدد، لأنه مرتبط بالله. التدبير: يحضر فيه مفهوم القيومية. المصير: نهاية كل الوجود عند الله، فهو الغاية المقصودة من الفعل البشري.

وهذه المرتكزات الثلاث تعبِّر عند الفاروقي عن البُعد العقدي الذي يقوم بدوره على ركائز ثلاث:

 أ‌ - الثنائية: ثنائية الوجود (الخالق والمخلوق).

ب‌- الإدراكية: العقل هو الذي يدرك الكون والوحي، والكون هو القابل للإدراك، والوحي هو كلام الله المنزل.

ج- الغائية: خلق الكائنات لغاية.

أما مصادر المعرفة عند الفاروقي فمحدّدة في: الله الخالق، وهو مصدر كل حقيقة، الوحي، العقل: وهو وسيلة الإنسان للإدراك، وطلب الأسباب وحمل المسؤولية.

وإذا كان التراث هو الجهد الذي بذله القدامى لفهم النص في علاقته بالواقع، فإن السبيل لأسلمة المعرفة -حسب الفاروقي- يتطلّب اتّباع مجموعة من الخطوات أهمها:

- التمكّن من التراث في المختارات.

- التمكّن من التراث في التحليل.

- تقويم نقدي للتراث الإسلامي.

والغاية من هذه الخطوات التمكّن من التراث عبر قراءته ودراسته وفهمه وتحليله. وقد انتقد الفاروقي بشدّة دعوات حصر القراءة الإسلامية على المصادر التاريخية وإغلاق باب الاجتهاد، وتحريم القراءة العلمية الحرة، والدعوة فقط للتقليد، بحجة المحافظة على الدين أو وحدة الأمة. كما انتقد نظام التعليم الغربي المعمول به في المجتمع الإسلامي.

أما بالنسبة لمنهجية قراءة التراث وكيفية التعامل معه، بُغية الوصول إلى «إسلامية المعرفة» فإن الفاروقي يركّز على فتح باب الاجتهاد على مصراعية، وتفعيل النظر الاجتهادي ليشمل جميع العلوم الحديثة. وهذا يقتضي تجاوز المناهج وطرق الاجتهاد القديمة التي لا يمكنها حلّ مشكلات العصر الحديث المختلفة عن السابق، وقد قدّم طرحًا بديلًا يتم فيه -عبر عملية توليفية- الجمع بين أدوات العقل والإيمان، بمعنى آخر المنهجية التي توصّلت إليها العلوم العقلية والمنهجية المعتمدة في العلوم الإسلامية، فيتكاملان مع بعضهما في عملية الاجتهاد.

ومن خلال هذا الموقف من الاجتهاد وضرورته فإن الأدوات المعرفية اللازمة في هذه السبيل لا بد أن تقوم على:

1- رفض مبدأ الإجماع لمجتهدي السلف في الأمور الشرعية.

2- تحديد التعليم وإصلاح أخطائه عبر تشكيل نظام تعليم يلغي الثنائية الموجودة، ويقوم على الدمج بين النظامين، عبر عملية تكاملية تتموضع في نظام واحد يترافق معه نظام القيم الإسلامي.

وفي الإطار المنهجي نجد الفاروقي يثني على المنهج الظاهراتي، وأهمية توظيف تقنياته بعيدًا عن تقليد أو محاكاة للأنساق الظاهراتية المتداولة في الغرب. وحسب الباحث جرادي فإن الفاروقي أولى مشروع أسلمة المعرفة عناية خاصة، كما تحدّث بالتفصيل عن المعايير الخاصة لهذا المشروع، ومسوغاته، فالأسلمة -بالنسبة له- جانب أساسي في بناء الأمة الإسلامية فكرًا وتصوّرًا، لأنها تُسهم في تكوين عقلية علمية منهجية، وتقديم معارف وأهداف واستنتاجات جديدة، تُساهم في الخروج أولًا من الآثار السلبية والكارثية التي تسبّب بها نظام التعليم المنقول عن الغرب ونظرياته العلمية، وكذلك تجاوز واقع التخلّف والجمود الذي تعاني منه الدراسات الفقهية والدينية في العالم الإسلامي.

والخلاصة التي يتوصّل إليها الباحث جرادي، هي أن مشروع الفاروقي ينطلق ويرتكز على أساس التوحيد الذي يتحوّل برأيه إلى ناظم منهجي للتفكير والتحليل والاستنتاج، فهو جوهر الإسلام، والحضارة والدين، وهو مبدأ التاريخ والمعرفة والغيب والأخلاق والنظام الاجتماعي، والأمة والأسرة والسياسة والاقتصاد والنظام العالمي.

وبعد استراحة قصيرة، قدّم الدكتور محمد مرتضى (أستاذ الفلسفة بالجامعة اللبنانية)، بحثًا بعنوان: «محمّد إقبال الفيلسوف الداعي والصوفي العامل»، في البداية أشار الباحث مرتضى إلى الدوافع التي جعلت المفكّر والشاعر محمّد إقبال يتصدّى لمحاربة الفكر المادي الإلحادي الذي أخذ بالتغلغل في الهند. من خلال هذا التصدي ستتبلور رؤيته الفلسفية الخاصة بالحياة والوجود والإنسان والتاريخ، وبالتالي وضع فلسفة تتميّز بالنسقيّة والتكامل بين وحداتها وعناصرها. وهذا ما ظهر جليًّا من خلال أهمّ مؤلّفاته: «تجديد الفكر الديني في الإسلام». ومن خلال استعراض أهم ما ورد في فصوله ستة: «المعرفة والرياضة الدينيّة»، «البرهان الفلسفي على ظهور التجربة الدينيّة»، «الألوهية ومعنى الصلاة»، «روح الثقافة الإسلاميّة»، «مبدأ الحركة في بناء الإسلام»، «هل الدين أمر ممكن؟». تظهر بوضوح ملامح منهج إقبال في فهم وقراءة الدين وأهدافه وعلاقة الإنسان بالوجود والعقائد الدينية، وكيفية التفاعل الإيجابي مع هذه العقائد، وكذلك كيفية إحيائها في النفوس والواقع المعاصر.. وحسب الباحث فإن منهج محمد إقبال الفيلسوف والشاعر والمتصوّف ينطلق أساسًا من ضرورة إصلاح الدين نفسه أو إعادة قراءة نصوصه عبر منهجية تقوم على دعائم ثلاث هي:

1- نقد الوضع العام للإنسانيّة وللعالم الإسلامي، ونقد الوضع الفكري القديم والحديث لإحداث التغيير والوصول إلى التجديد.

2- اقتباس مدروس من التراث الفكري الإنساني والإسلاميّ، بالإضافة إلى الفكر الغربي الحديث والحضارة الأوروبيّة المعاصرة.

3- وإعادة البناء على ضوء النقد والاقتباس، وفق استراتيجيّة تسعى لضبط الهدف وتحدّد المبادئ والوسائل الكفيلة بتقديم خطّة التجديد.

ومن أهم ملامح منهج إقبال وخصوصيته، هذا المزج بين الفلسفة والتصوف والنقد العميق للمناهج التجريبية في الحضارة الغربية، وفي الوقت نفسه، الدفاع المستميت عن الدين وربط التجديد الحضاري في فكره بالدين. فالحضارة توازي الدين وهي ثمرته، والإسلام حضارة، قوّتها وخلودها أو ضعفها وأفولها مستمدّان من وجود أو عدم قوّة وخلود هذا الدين. ومن هنا كان تركيزه على الوحدة الإسلامية لمواجهة الاستعمار، والتركيز على إصلاح الفكر وليس الدين في ذاته، بالإضافة إلى الاهتمام بإعادة بناء الذات الإنسانية، لأن التغيير يبدأ من داخل النفس الإنسانيّة.

وبالتالي، فخلاصة مشروعه -حسب الباحث- هي أن تشكيل معرفة دينيّة متناسبة مع العصر يتطلّب إعادة بناء فلسفة دينيّة تحدّد مكانة الإنسان في العالم، ونمط العلاقة بينه وبين الله، وحقيقة الدين وحدوده، ومجالاته، وطبيعة الظاهرة الدينيّة... أمّا ما يعيب منهج إقبال -حسب الباحث مرتضى- فهوالغموض التي تميّزت به أفكاره عندما لم يفصل منهجيًّا بين النقد والبناء، وكذلك موقفه الإيجابي من بعض الحركات الإصلاحية السلفية، مع كونها ترفض التصوّف والفلسفة، وتتمسك بظواهر النصوص.

ﷺ فعاليات اليوم الثاني

«منهجية السيد محمد حسين الطباطبائي في قراءة الإسلام» عنوان الورقة التي قدّمها الشيخ سمير خير الدين (باحث في معهد المعارف الحكمية)، يرى الباحث أنّ منهج العلّامة الطباطبائي يقوم على فهم الإسلام، وهذا الفهم له مداخل مفتاحية تشكّل طريقًا لفهم المباني والقواعد المنهجية لديه، داخل منظومته وفي سياقها. وفي كل حقل من الحقول العلمية التي تناولها كان يعالجها من خلال مداخل مفتاحية مركزية وتأسيسية، وهذا يؤكد أهمية قراءة كتابات العلّامة الطباطبائي وفكره، من خلال السياق الفكري لديه.

ويُضيف الباحث: إنّ الرؤية العامّة للعلامة الطباطبائي، تنبني على ثلاثيّة طوليّة: الله عز وجل كمحور للوجود، والإنسان كمحور المعرفة والعقيدة، والثالث الوجود كميدان ومهد لتكامل الإنسان والمعرفة. وبالتالي، فالتعرّف على منهجه في قراءة الإسلام يقوم على فهم والانطلاق من هذه الأسس الثلاثة. وبعد الحديث عن أقسام الدين لدى العلّامة الطباطبائي، أشار الباحث إلى أن العلّامة لا يعتبر الدين محصورًا فقط في الإسلام، لكنّ الدين الحقّ هو طريق السعادة، وأنّ الدين الإسلامي لم يقتصر على المسائل العبادية والدعاء، بل يمتدّ ليضع جميع شؤون الإنسان الفردية والاجتماعية في إطار قوانين شاملة وتعاليم خاصة.

ومن خلال هذا المنهج في فهم الإسلام، فإنّ الملاحظ هو حضور النص القرآني بشكل محوريّ في بناء رؤيتة العامة، كما نُسجل حضور العقل كجزء من منهجيّته في الاستدلال العقليّ البرهاني، فهو يستند إلى مجموعة من المبادئ المنطقية التي تشكّل منطلقًا لمبانٍ معرفية وفلسفية، لذلك قيل: إنّ العلّامة الطباطبائي صدرائي في فلسفته، أرسطيّ في استدلالاته.

كما دعا الطباطبائي إلى تعلّم العلوم الطبيعية والرياضية والفلسفية والأدبية، وسائر العلوم التي يُمكن أن يصل إليها الفكر الإنساني، وحثّ على تعلّمها لنفع الإنسانية وإسعاد القوافل البشرية. ومن خصائص منهجه كذلك، تأكيده على أن كلّ علم ينبغي أن يُدرس ويُبحث بمنهجه الخاصّ.

وبالتالي، يمكن تلخيص منهج العلّامة الطباطبائي في قراءة النصوص على الشكل التالي:

1- التفكّر طريق لتوليد المعرفة وطريق لتكثيرها.

2- الوحي مصدر مستقلّ من مصادر المعرفة، وهو مصون لا يتسرّب إليه الخطأ.

3- محورية اللغة لفهم النص، والمدخل إلى فهم اللغة هو فهم نمط العلاقة بين الألفاظ ومعانيها والمعيار في ذلك.

4- تطوّر الحياة يستلزم التغيّر في الوسائل، لاستحالة استيعاب الألفاظ المحدودة للحقائق العالية.

5- تفسير القرآن بالقرآن، أو التفسير الموضوعي للآيات.

6- التأويل مفتاح محوري في الفهم.

«آفاق التعدّد المنهجي في منظومة العقل الوحياني عند العلّامة عبد الله الجوادي الآملي»،هو عنوان الدراسة التي قدّمها الدكتور كمال لزيق (أستاذ الفلسفة بجامعة المعارف اللبنانية)، في البداية أشار الباحث إلى أن ما يُميز الإنتاج الفكري عند العلّامة الآملي هو ارتباط العقل الوحياني عنده بمنظومته التفكيرية في علم المعرفة، القائمة على التّعدّد والغنى المعرفيَّيْن مقابل الاختزال المنهجي للعقل التجريبي، الأمر الّذي قد يمنح نظرية العقل الوحياني عنده قدرة على إبداع الحلول للمشكلات المعرفية المُستجدّة.

أما نظرية المعرفة عنده فمرتبطة بمقامَيْن أو مرتبتَيْن، هما: مقام الثبوت، وهو المقام الناظر إلى ثبوت المعرفة وتحقّقها في ذات العارف الحاضرة لديه بالعلم الحضوري. ومقام الإثبات، وهو المقام الناظر إلى إثبات المعرفة بالوسائط المفهومية، سواء في نفس العارف أو إفهام الآخرين بها، وهي المعرفة المُتأخِّرة عن مقام الثبوت.

وإذا كان أصحاب المنهج التجريبي قد أُخضعوا النفس الإنسانية العالِمة للتفكيك والتجزئة في المعرفة المُكتسبة، كما أخضعوها لثنائيّات المتعالي والدنيوي (الحسي)، حيث حصروا كلَّ العلوم مهما كانت موضوعاتها في السلسلة الأفقية العرْضية اتّكاءً على منظومة الوجود المنحصرة في عالَم المادة والحس، فإن العقل الوحياني، حيث الوجود غير منحصرٍ في عالَم الحس والتجربة، بل يتعدّاه طوليًّا إلى عوالِم أخرى، يُعطي العقلَ الإنساني القدرة على السباحة في هذه العوالِم بحسب القدرة والقابلية الإنسانيَّتَيْن.

وحسب الباحث، فإنّ العقل الوحياني عند العلّامة الآملي مُوجّه بالآيات التشريعية الحاكية عن الآيات التكوينية المُترتِّبة في العوالِم كافةً، وعليه، يكون العقل الوحياني مشرِفًا على العوالِم كافةً، ومُهيمنًا عليها، مُستعينًا بآيات التشريع على آيات التكوين. وبالتالي يصبح العقل الوحياني سلطةٌ علمية وجودية على المعارف كافةً.

بناءً على ما تقدّم، تكون المعرفة الحسية التجريبية أحد تجليّات المعرفة العقلية الوحيانية الكلية الحاكمة على الوجود بجميع مراتبه؛ ومن هنا تبرز أهمية التعدّد المنهجي عند العقل الوحياني، وهو تعدّدٌ طوليٌّ حيث لا تفكيك ولا تجزئة في المعرفة الحاصلة عند الإنسان. هذا التفكيك الّذي وقع فيه أصحاب المنهج التجريبي، جعلهم غير قادرين على استيعاب هذا التعدّد، كون معرفتهم كلّها معرفة أفقية عرْضية تنتمي إلى عالَمٍ واحدٍ حصريًّا، كما جعلهم غير ناظرين إلى العوالِم الأخرى، وبالتالي غير قادرين على محاكاة هذه العوالِم المختلفة والإخبار عنها. وهم بذلك لا ينكرون المعرفة النّصية أو الوحيانية فحسب، بل ينكرون، أيضًا، المعرفة التجريدية.

وعليه -حسب الباحث- فإن العالَم في منظومة العقل الوحياني يتسع باتّساع مراتبه، وتتّسع معه رقعة المعارف الإنسانية، وإنْ كان في الوقت عينه لا يُلغي أهمية المعارف الحسية واتّكائها على التجربة المخبرية التي هي بالحقيقة تنزُّلٌ لحقائق أعلى في مراتب الوجود العليا.

وبعد الاستراحة قدّم الدكتور حسن رضا (أستاذ الفلسفة بالجامعة اللبنانية) بحثًا بعنوان: «منهجية مالك بن نبي في قراءة الإسلام».

ﷺ فعاليات اليوم الثالث

«المنهج الفكري للسيد محمد حسين فضل الله» هو عنوان الدراسة التي قدّمها السيد جعفر فضل الله (باحث إسلامي – لبنان)، في البداية حدّد الباحث ملامح المنهج الفكري الأداتي للمرجع السيد فضل في فهم الإسلام، وهي ثلاثة ملامح أساسيّة:

1- النصّ.

2- العقلانيّة.

3- الواقع.

بالنسبة للنص، المقصود به القرآن والسنّة، وليس المنتج التفسيري التاريخي لهما. وهذه القراءة تعتمد اللغة العربية بتجلّيها الاجتماعي، لا القاموسي المجرّد. مع التمييز بين فهم اللغة وعيشها وبين القواعد اللغوي الاجتهادية التي أنتجتها المدارس اللغوية لاحقًا على النصّ. أما العقلانية، فالمقصود بها البحث في داخل النصّ عمّا يبرّره عقلانيًّا. وبالنسبة للواقع فهو حيث يتمظهر النصّ في حركة الخارجية الفردية والاجتماعية، مع مراعاة أسئلة الواقع وحيثياته وتطوراته ومستجداته.

وبالتالي، «فالسيد فضل الله لا يؤسس لمدرسة مغايرة تمامًا، بحيث يأتي بمدار أو نظامٍ معرفي أو ما يسمى «البرادايم» مغاير لما عليه المدار أو النظام أو البرادايم السائد، وإنما ما قام به تجديده ضمن البرادايم القديم في التركيب والأولويات، وهذا ما أدّى الى نتائج فكرية وفقهية مغايرة –في بعض الأحيان– لما توصل إليه البارادايم القديم...»، وهنا تبرز ملامح المنهج الاجتهادي لديه والمتعلّقة بالتعديل الجوهري الذي قام به في أمرين أساسيّين: المرجعية المعيارية، وتفعيل الواقع.حيث نجد القرآن هو المرجعية المعيارية الحاكمة على السُنّة. مع تجديد قراءته في ظلّ المعطيات الفكريّة الجديدة التي تطرح أكثر من علامة استفهام، دون إهمال المعطى التاريخي واحترام القواعد الأساسية للغة وفهمها الظاهري، بعيدًا عن التأويلات الغارقة في الذوق الخاص أو الشطحات الفكرية.

وبالتالي ينخرط الاجتهاد المعاصر في عملية تفعيل العلاقة الجدلية بين النصّ والواقع، سواء كان هذا الواقع تاريخيًّا أو معاصرًا، مع خصوصيّة لمعياريّة النصّ القرآني على ما سواه من النصوص الإسلاميّة... أي الانطلاق من الواقع نحو النصّ، ليلعب النصُّ بعد ذلك دور الموجّه لحركة الإنسان في هذا الواقع. ثم عرض مجموعة من الاجتهادات كثمرة لهذا المنهج، وما أثارته من نقاش وجدال حولها، باعتبارها قراءات جديدة ومتجدّدة، وأكثر انسجامًا مع الواقع المعاصر.

والخلاصة، فالتجديد الذي دعا إليه السيد فضل الله وقام به ومارسه في اجتهاداته، لم يتنكّر للأسس الاجتهادية القديمة، وإنما انطلق من داخلها لينتج قراءات متجدّدة ومنسجمة أكثر مع الواقع ومتصالحة معه، دون التنكّر للمنهجيات القديمة أو قطع الصلة بها نهائيًّا.إنها حركة من الداخل باتجاه الواقع، الذي يطرح السؤال، والنص الذي يجيب منفتحًا على الوقائع ومحترمًا الأسس والقواعد الاجتهادية المعتبرة.

وقد أثارت هذه الآراء في مشروع السيد فضل الله مناقشات وتساؤلات الحضور، حيث دار حولها النقاش أثناء هذه الجلسة.

كما قدّم الباحث مصطفى ملص (من لبنان) بحثًا بعنوان: «منهجيّة سيد قطب في قراءة الإسلام: منهجية الإسلام السياسي»، في البداية أشار الباحث الى التطوّرالذي حدث في فكر سيد قطب، وكيف تحوّل من الأدب والتأثّر بالفكر الاشتراكي، الى الاهتمام بالفكر الإسلامي بشكل عام والجانب السياسي بشكّل خاص، ما جعله من أهم الشخصيات المؤثّرة ولا تزال في الحركات الإسلامية المعاصرة. عندما استطاع أن يقدم عبر كتاباته الفكرية وتفسيره الكبير وكتابه المشهور معالم في الطريق، رؤية جديدة لفهم الدين وعلاقته بالواقع والحكم، حيث نادى بفكرة الحاكمية، كوجه من أوجه التوحيد في مجال التشريع والسلطة، وكذلك تركيزه على العدالة الاجتماعية، لينتهي إلى تبني الكثير من المفاهيم التي أثرت في نظرة الشباب للدين ووظيفته ودوره وكيفية إقامة المجتمع الديني الإسلامي، مثل مفهوم الجاهلية المعاصرة.

أما منهجه في هذه القراءة الجديدة -حسب الباحث ملص- فهو منهج يستند إلى الغاية، أي إنّه يضع القراءة والتفسير في خدمة الغاية المنشودة التي تمثّل خلفية موجودة في الذهن؛ حيث يتمّ توظيف النص الديني لخدمة هذه الغاية باعتبارها المقصودة في خطاب الدين وشريعته.

وبعد النقاش كانت هناك استراحة بعدها قدّم الدكتور سمير زيدان (أستاذ جامعي وباحث تربوي - لبنان) ورقة بعنوان: «قراءة جديدة في منهجية البحث عند الشيخ محمد رشيد رضا» (الأسلوب الحواري، الاستنبات الثقافي، التأسيس المقاصدي)، في البداية أشار الباحث إلى أن البحث عن منهجية البحث عند الشيخ رشيد رضا ستكون من خلال سلسلة المنار التي أسّسها في مصر سنة 1898م/ 1315هـ، واستمر ظهورها على شكل مجلة شهرية حتى وفاته سنة 1935م، بين في فاتحة المجلد العشرين، منهجه في التجديد وحدّد منطلقاته ومقاصده، حيث أكد أن المنار داعية إلى «عقيدة السلف»، وإلى السير على منهج «السلف الصالحين» مع الاستقلالية في فهم الدين والمرونة والتحديث، وليس المقصود منه التقليد أو الكشف عن المفاهيم والمطالب القديمة، لذا فهي تحمل في آن معًا تجديدًا دينيًّا مستندًا إلى فهم جديد لهداية القرآن، ودعوة مدنية اجتماعية تتطلب التغيير والارتقاء.

وحسب الباحث، فالمنهج المناري، وخلافًا للنظرة التقليدية، يبيّن أن الأسباب والسنّن الكونية لم تُوجد لتحجب دور وفاعلية الإنسان العاقل في صناعة التاريخ والحضارة. بل من شروط الإنتاج المبدع أن يجمع بين استقلالية الذات والهوية وبين الانفتاح على الواقع والآخر المخالف معًا. والذات الإسلامية التي عبّر عنها الشيخ رضا في نتاجه المناري تعيش ضمن حركة من التواصل الفكري: فمن جهة أولى، نجد المواجهة الدائمة بين ثنائية الماضي والحاضر. ومن جهة ثانية نجد التفاعل المستمر بين الحدود والمقوّمات الإسلامية وبين ما تفرزه الثقافة العالمية. ومن خلال هذا المنهج بنى موقفه من الحضارة الغربية الحديثة.

كما شكّل المنطلق المقاصدي لدى الشيخ رضا أولى خطوات التجديد التي سلكها الوعي المناري في تعيينه لمقاصده التحديثية. أما منهجية الاستنبات الثقافي التي اعتمدها الشيخ رضا -حسب الباحث– فقد استهدفت الحفاظ على مقوّمات الدين والمجتمع والثقافة ومواكبة ركب التقدّم والتطوّر في آن معًا. ومن خلال هذه المنهجية المتبصّرة والرشيدة، انطلق الشيخ رضا بالعمل الدؤوب من أجل التغيير النافع، والمقيّد بعدم المساس بثوابت المجتمعات الإسلامية وخصوصيّاتها. فالاستنبات الثقافي والنقل عن الغربيين في مجالات الصحافة والمدارس والأحزاب وتأسيس الجمعيات صبّت كلّها ضمن نزعة مناريّة إجرائية ونفعيّة قضت دائمًا بالأخذ بوسائل الأوروبيين وأدواتهم من دون التفريط بمقوّمات الأمة.

ﷺ فعاليات اليوم الرابع

في هذا اليوم الأول من الأسبوع الثاني من أعمال هذه الندوة والحلقة البحثية التخصّصية، قدّم الدكتور علي فضل الله (أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية – لبنان) دراسة بعنوان: «خصائص المدرسة الفكرية عند السيد محمد باقر الصدر»، في البداية أشار الباحث إلى الجهود الكبيرة للسيد الصدر في مجال تأصيل العلوم الإسلامية، ومنهجيته الجديدة في الكشف عن المذهب الاقتصادي الإسلامي، وكيفية المواءمة بين حاكمية الفقيه وخلافة الإنسان على الأرض، وكذلك جهوده التجديدية في الاجتماع، الفقه، التاريخ، التفسير، علم الكلام والمنطق وغيره... إلخ. بحيث نستطيع الحديث عن مشروع تجديدي من داخل المنظومة الاجتهادية التقليدية، يواكب ويستفيد من المنهجيات المعاصرة وينتقدها ويتجازوها في أحيان أخرى، ما يعطي لمشروعه صفة الأصالة والمعاصرة.

وقد تميّز مشروعه التجديدي -حسب الباحث- بمجموعة من الخصائص أهمها:

1- التأصيل النظري.

2- بث روح الإبداع والتجديد: في العلوم والأفكار الإسلاميّة دون تجاوز الماضي.

3- الاستيعاب والتعمّق.

4- المنهجية والتنسيق والترتيب في مباحثه الفقهيّة والأصوليّة.

5- الجمع والمواءمة بين المنهج المنطقي البرهاني والنزعة الوجدانية.

6- الذوق الفني والحس العرفي الأدبي، ثم الطابع الإصلاحي وتثبيت الهوية الإسلامية المعاصرة عبر تقديم المعارف بحلّة جديدة على صعيد المنهج والآليات أو على صعيد التجديد في الأدلة وطبيعة البراهين أو على صعيد اللغة والأسلوب...

أما معالم المنهجية العلمية عند الصدر، وكما ظهرت في كتاباته وإبداعاته التجديدية فقد تحدّث الباحث عن مجموعة من هذه الأدوات المنهجية، متمثلة في:

أولًا: المنهج العقلي الأرسطي في المنطق بقياساته وأدلّته، وهذا ما ظهر واضحًا في كتابه «فلسفتنا».

وثانيًا: المنهج الاستقرائي العلمي الذي سمّاه المنهج الذاتي لنظرية المعرفة، واعتبره اتجاهًا جديدًا.

كما تحدّث الباحث بالتفصيل عن التوظيف العلمي للمنهج الاستقرائي عند السيد الصدر وآثاره في مشروعه التجديدي، وكيف عمل على تطبيقه في مختلف العلوم.

ثالثًا: المنهج التاريخي، الذي أنتج علم التاريخ الأصولي الشيعي، وتوظيفه في الاستدلالات العقائدية فيما يتصل بنبوة النبي محمد K، وموضوع الخلافة والإمامة، وكذلك في المجال الفقهي.

رابعًا: المنهج النقدي، لتأصيل الفكر الإسلامي ونقد الأسس والمرتكزات المبنائية والمعرفية للفلسفات الغربية.

«منهج شريعتي في تناول المسألة الدينية» هو عنوان البحث الذي قدّمه الباحث حسن بدران (أستاذ بمعهد المعارف الحكمية). يُعتبر الدكتور علي شريعتي من بين المفكرين الإسلامين المعاصرين الذين اهتموا بالتأسيس لعلم الاجتماع الديني في الساحة الفكرية الإسلامية، كما كانت له مواقف نقدية عميقة للتراث والواقع الإسلامي ومن خلال كتاباته المتنوّعة ظهرت الملامح العامة في المنهج الاجتماعي لديه، فالدين عنده حركة ورسالة وأيديولوجيا، وهو يتناول مفهومه في الوضع الاجتماعي، لا الوجودي. كما يقترن علم الاجتماع لديه بفلسفة التغيير كمدخل إلى الأيديولوجيا، بالإضافة إلى تمييزه بين الثورة والإصلاح واقتراحه -كما يرى الباحث- معالجة التراث بـ«الإصلاح الثوري»... إلخ.

ومن خلال منهجه النقدي في قراءة تاريخ الدين نجده يميّز بين مرحلتين تاريخيتين: الدين التقليدي كتراث، والدين الأيديولوجي كعقيدة، معتبرًا أن الأصل هو التوحيد أما الشرك فوليد النظام الطبقي والانحراف، رافضًا المذهبية، مؤكدًا على وجود إسلامين: منحرف جامد منغلق وإسلام حقيقي منفتح متطور. وبالتالي فلكي يرتقي المجتمع سلم التطوّر يجب امتلاك دين راق بالإضافة إلى الوعي. كذلك تحدث شريعي –حسب الباحث– عن ديناميكية الدين والتي تتجلّى في:

1- رمزية لغة الدين: كالإعجاز القرآني.

2- حقائق ثابتة وفهم متغيّر للتكامل مع مسيرة التطور الثقافي والفكري.

3- مواكبة الدين لحركة الزمن للحفاظ على تجدّده ومواكبة عصره.

4- الحداثة الفكرية الدينية لإحيائه وتلاؤمه مع الظروف.

والخلاصة، فإنّ وضع عجلة الدين على سكة التاريخ، يتوقف على أمرين: الفهم العميق للدين الذي يفتح باب الاجتهاد الفكري والعلمي، والجهد الإصلاحي التنويري لإبعاد العناصر الدخيلة.

كذلك تحدّث الباحث عن منهج علم الاجتماع الديني من منظور شريعتي، فأكد أنه يؤمن بأسبقية التفسير على التغيير، والمنهج عنده معني بالشرط الحضاري، مع التأكيد على أن شرط الابتكار يوفر عنصر الأصالة. هذه الآراء والمواقف المنهجية، هي التي جعلت الدكتور شريعتي في مصاف الداعين إلى تأسيس علم اجتماع ديني على أساس الإسلام، والمشاركين في هذا التأسيس، من أجل مقاربة الدين لقضايا الاجتماع من الناحية القانونية والعملية، والعمل على كشف القوانين واستنباطها نتيجة الفهم المعمّق والتحليل الدقيق للوصول في نهاية المطاف إلى نظرة جديدة للدين، تؤدّي إلى إيقاظ الأمة وتقديم معرفة تخصّصية بالإسلام وتراثه وتاريخه.

بعد المناقشة والاستراحة، قدّم الباحث هادي قبيسي (من لبنان) ورقة بعنوان: «الفلسفة السكونية عند المفكر السوداني أبو القاسم حاج حَمد»، وفيها تناول بالنقد والتحليل ما ورد في كتاب: (العالمية الإسلامية الثانية) للكاتب والمفكّر السوداني أبو القاسم الحاج حمد، هذا الكتاب الذي عرض فيه حاج حمد تصورًا لإخراج الأمة الإسلامية من مأزقها الحضاري، كما حاول فيه تفكيك التناقض بين الواقع الظاهر والغيب الحاضر، ضمن رؤية تاريخية اجتماعية وسياسية في إطار فلسفي، كل من خلال مجموعة من العناوين:

أولًا: الاستناد إلى النص في فهم الواقع، حيث اختار حاج حمد بعض النصوص القرآنية التي يظهر فيها الواقع الإنساني وقد تشابك فيه الغيب والشهادة، ليرسم تموضع الإسلام بين عالمي العلمانية الدينية السكونية وبين الوضعية الغربية المادية، كمقدمة لاستيعاب الحضارة الإسلامية الحضارة الغربية وتجاوزها. أما منهجه في هذه المقاربة فيقوم على فهم ومعرفة الواقع بالقرآن، من خلال كشف المنهجية المعرفية للواقع والقرآن.

ثانيًا: غائية الحضارة ووظيفية الغيب، حيث نجد المفكر حاج حمد يحاول التأكيد أن بإمكان الإسلام الاتجاه إلى العالمية عبر احتواء واستيعاب الحضارات الأخرى، دون اللجوء الى الصراع والصدام، وهذا حسب الباحث ينافي المنطق القرآني الذي يتحدث عن التدافع والجهاد لتحقيق الخلاص البشري.

ثالثًا: الموقف من الغرب والانفصال عن الواقع، حيث يرى أن الصراع بين الفكر الوضعي والديني، سينتهي بانتصار عربي - إسلامي على الوضعية المادية، لكن المشكل الآن في الواقع العربي المتخلف. أما موقف من الصراع العربي الإسرائلي، فإن الباحث يرى أنه جمع بين غايتين مركزيتين لفلسفته، الأولى سالبة وهي الخروج من حالة القوة الذاتية والمطلق الذاتي كما يسميه، والغاية الأخرى ناتجة وموجبة وهي السلام، لكن المشكلة هي أن الواقع الفعلي لا يمكن أن يصل إلى السلام دون الصراع، وهذا خلل في إدراك الواقع والحلول ومسارات التغيير.

إنّ نظرية حاج حمد تقوم على أساس أن الإيمان بالغيب وعدم الانعزال في الذاتية، مضافًا للانسجام مع حركة التاريخ، سيؤدي إلى قيام الحضارة العالمية. لكن أين الفعل الجهادي؟ يقول الباحث: وكذلك كيف يمكن أن تشاد الحضارة قبل رفع الظلم والتحرر من الاستعمار؟ وهل يمكن تجاوز المستحمر باستيعاب ثقافته، إنها أسئلة نقدية مهمة طرحها الباحث على الأفكار التي قدمها المفكر السوداني حاج حمد؟ وتحتاج إلى إجابة وتحليل المنطلقات الفكرية التي اعتمدها، كذلك لا حظ الباحث غياب الاستناد أو الاستشهاد بالتجارب التحررية العربية والإسلامية الناجحة وخصوصًا في مواجهة المشروع الصهيوني، وكذلك غياب النقد الصحيح لواقع الاستبداد السياسي، كل هذه الثغرات في نظر الباحث تحول دون تحقق المشروع الذي تحدث عنه، أي الاندماج السلمي في المنظومة الكونية.