شعار الموقع

نظرية التلقي .. النشأة وإشكالات المصطلح

فؤاد عفاني 2019-05-26
عدد القراءات « 3502 »

نظرية التلقي..

النشأة وإشكالات المصطلح

الدكتور فؤاد عفاني*

* كاتب وباحث من المغرب.

 

 

 

تسعى فقرات هذا الدراسة إلى وضعنا في السياق الحقيقي لنشأة نظرية التلقي في موطنها الأم ألمانيا، إذ إن مسألة النشأة تفسر لنا النزعة الفكرية والفلسفية التي تشارك في تكوين كثير من مكونات هذه النظرية. ولتحقيق هذا المأرب فإننا سنحاول الوقوف عند أهم المؤثرات التي تآزرت في تأليف البناء الكلي لنظرية التلقي.

-1-
أهمية المصطلح في بناء المعرفة

تحظى الدراسات المصطلحية باهتمام ملحوظ من قبل الباحثين والهيئات العلمية على اختلاف مشاربها؛ لأن المصطلحات مفاتيح العلوم، ولأن «البحث في المصطلح بحث في عمق الذات، والتدقيق فيه تدقيق في العلم بالذات»[1].

الحقل الأدبي من جهته لا يعيش بمعزل عن مستجدات باقي المجالات العلمية الأخرى من حيث الاحتفاء بقضايا المصطلح، «حتى يبدو وكأننا نعيش في عصر ذهبي حقيقي للمصطلح الأدبي يكاد يغطي على الكثير من المظاهر المهمة في ثقافتنا العربية الحديثة وبشكل خاص منذ السبعينات إلى الآن»[2].

ولما كان «تحديد المفاهيم والمصطلحات مسألة ضرورية لضبط وتنظيم العملية الفكرية والتحليلية التفسيرية، وتأطير ممارسات الفكر الاجتماعي في سياق منهجي بعيداً عن الفوضى والشتات الذهني»[3] فإنه لا يمكن الحديث عن ارتقاء ملفوظ ما لدرجة الاصطلاحية حتى يتخطى عتبة اللغة المعيارية، قصد تشييد وجوده في كنف اللغة الواصفة Mèta-language، التي توصف بكفاءتها التجريدية وقدرتها على تشكيل عوالم مفهومية مستقلة عن المنطلقات الدلالية الأولى للكلمة التي أصبحت مصطلحاً، «وهذا الامتياز الذي يحتفظ به المصطلح في أنظمة الدلالة يجعلنا نؤكد الوظيفة التداولية والإبستمولوجية التي يمكن أن ينهض بها المصطلح بوصفه وسيطاً مشتركاً بين مختلف اللغات والثقافات»[4]، فهو أداة تواصل لا محيد عنها؛ شأنها في الخطاب «شأن الأعمدة في البناء؛ ما لم تستوف موضعها، فإن البناء مآله إلى الانهيار»[5]، وهو موقع يكتسي الأهمية والخطورة في الآن ذاته، خصوصاً وأن ثقافتنا ثقافة استيراد بامتياز، وهي حالة إن تكن هينة حين يتعلق الأمر بنقل الكلمات الدالة على الآلات وعلى الأشياء العينية الواضحة؛ فإنها مقلقة على مستوى العلوم الإنسانية، فقد «أصبحت العلوم العربية عقلها في أذنيها، تنقل آخر ما تسمع بأمانة وموضوعية تبعثان على الضحك.

ولهذا فقد الإنسان العربي الحديث القدرة على تسمية الأشياء، ومن لا يسمي الأشياء يفقد السيطرة على الواقع والمقدرة على التعامل معه بكفاءة»[6]. لأنه لم يشارك في بناء عالمه الرمزي وبالتالي فإنه لا يتحرك فيه بكامل الحرية. إن المصطلحات لا تنتقل معزولة عن السياقات الفكرية والسوسيوثقافية التي ترعرعت في أحضانها، فالمصطلح «طائر أليف لا يغادر أيكه إلا وترك هويته»[7].

-2-
مصطلح «التلقي» بين تعدد الدلالات وهويته الألمانية

يثير مصطلح «نظرية التلقي» الكثير من الإشكالات التي تمتد على المستويين العمودي والأفقي، فالمتقصي لجذور هذا المصطلح يصادف ملامح له أثناء تجواله داخل المنظومة النقدية الأدبية الألمانية من جهة، ومن جهة أخرى يكتشف أن التوجه نحو القارئ موضع اهتمام كثير من النظريات النقدية المعاصرة، إضافة إلى إحالة مصطلح التلقي على عديد من المدلولات غير الأدبية.

فقد انتبه هانس روبرت ياوس[8] HANS ROBERT JAUSS إلى هذه المسألة سنة 1979، وأشار بدعابة إلى أن «قضايا «التلقي» يمكن أن تبدو للأذن الأجنبية أكثر ملاءمة للتدبير الفندقي منه إلى الأدب»[9]، ولعل ياوس كان صادقاً في رأيه هذا، فنحن حينما نعود مثلاً إلى محركات البحث على الإنترنت فإنها تحيلنا على مجموعة من المواضيع المرتبطة بالاستقبال في معناه اللغوي وما ارتبط بذلك من سياقات اجتماعية واقتصادية.

وعلى الرغم من أن نظرية التلقي تتشعب جذور اهتماماتها في الميادين المختلفة للعلوم الإنسانية، إلا أن انصياع مصطلح التلقي لحد منضبط أمر غير متأتٍ. ويناقش هولاب Holub هذه القضية في اللغة الألمانية، إذ يتساءل «كيف تختلف كلمة rezeption عن كلمة wirkung (وهذه غالباً ما تترجم بـ«تجاوب» أو«أثر»). وتتعلق كلتا الكلمتين بأثر العمل الأدبي في شخص ما، وليس من الواضح فصلهما بشكل تام»[10]، وهذا الأمر ينبهنا إلى مسألة هامة وهي أن المشكل الاصطلاحي مطروح حتى في اللغة الأم فما بالنا باللغات التي يسافر إليها المصطلح. إلا أن هذا التضارب والاختلاف لم يمنع منظري نظرية التلقي من محاولة اقتراح حدود لنظريتهم.

وقبل أن نحط الرحال في ساحة النقد الأدبي الألماني لتحديد مفهوم «التلقي» داخله، لا بأس من التوقف قليلاً في محطات غير ألمانية، حتى يتسنى لنا إدراك امتدادات «نظرية التلقي» في أنظمة ثقافية مغايرة لمكان تأصلها، وكذا معرفة إن كانت تلك الأنظمة الثقافية تثوي في أحشائها إشارات للتلقي في بعديه النظري والإستيتيقي، لذلك ارتأينا القيام بجولة في معاجم لغات أخرى وفحص دلالة التلقي من خلالها.

في المعاجم اللغوية العربية تدل المادة (ل-ق-ا) على الاستقبال: «تلقَّاه، أي استقبله، والتلقي هو الاستقبال -كما حكاه الأزهري- وفلان يتلقَّى فلانا أي يستقبله»[11].

ومن آيات القرآن الكريم التي ورد فيها لفظ التلقي نجده قوله عز وجل: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}[12]، وقوله كذلك: {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[13]، وكذا قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[14].

والملاحظ في هذه الآيات أن مادة «التلقي» بمشتقاتها وردت مضافة إلى نصوص (كلمات، خبر، حديث، خطاب...). ولا نجد إشارة للتلقي بمعناه الجمالي إلا في بعض المعاجم الاصطلاحية المتأخرة والتي سنعود إليها في موضع آخر.

اللغة الفرنسية بدورها لا تحفل معاجمها بالمعنى الجمالي للتلقي، ففي الوقت الذي نجد فيه إشارات متعددة لدلالة الكلمة على المستوى العلمي والاقتصادي والاجتماعي: استقبال الموجات، استقبال الضيوف[15]... لا نصادف أي معنى يشير إلى تلقي النص وقراءته مثلاً.

وترجع كلمة التلقي réception إلى الأصل اللاتيني«receptio» التي تحمل معنى الاستقبال action de recevoir والقبول accepter، أما دلالتها الجمالية والنقدية فقد ولجت ساحة النقد الفرنسي عام 1979 بمناسبة المؤتمر الذي عقد في أنسبريك innsbruk من قبل الجمعية الدولية للأدب المقارن (l’association internationale de littérature comparée AILC) تحت عنوان: التواصل الأدبي والتلقي communication littèraire et réception بحضور المنظر الألماني هانس روبرت ياوس. هذا المؤتمر الذي جاء تقريباً بعد حوالي سنة من ترجمة كتاب: pour une esthétique de la réception من طرف كلود ميارد Claude maillard، لتتوالى العناية إثر ذلك بنظرية التلقي فاحتفي بها «في مجال الدراسات المقارنة المحدودة، ثم ظهرت أعداد خاصة من المجلات الفرنسية الأكاديمية اهتمت بالموضوع. بل ظهرت مجلة مختصة تدعى «الأعمال الأدبية والنقد ouvres et critiques» سنة1976. وخصصت بعض أعدادها لنظرية التلقي (77-1978)»[16].

أما في اللغة الإنجليزية فكلمة: تلق reception تدل أيضاً على الاستقبال أو «طريقة رد فعل شخص أو جماعة اتجاه شيء ما. المسرحية لقيت قبولاً حماسيًّا من طرف المنتقدين»[17]. ومما يسجل هنا أن التلقي في معجم أوكسفورد والموسوعة البريطانية والمعجم الأمريكي ويبستر، بل وحتى في بعض معاجم المصطلحات النقدية، يرد معناه اللغوي بعيداً عن أية دلالة نظرية أو جمالية[18].

ولتحديد معالم البحث ننبه القارئ إلى وجود فرق بين نظرية التلقي وما يعرف بـ: response cristism reader، أي ما يمكن ترجمته إلى العربية بنقد استجابة أو تجاوب القارئ، إذ نجد في المعجم الإنجليزي أوكسفورد أن كلمة reader تدل على «الشخص الذي يقرأ، خاصة الشخص المولع بالمطالعة»[19] أما كلمة response فتدل على الجواب والتجاوب والاستقبال[20].

تقول جين. ب. تومبكنز JANE. P. TOMPKINS عن «نقد استجابة القارئ»  READER RESPONSE CRISTISIM: إنه «ليس نظرية نقدية موحدة تصوريًّا، إنما هو مصطلح ارتبط بأعمال النقاد الذين يستخدمون كلمات من قبيل: القارئ READER، وعملية القراءة READING PROCESS، والاستجابة RESPONSE، ليميزوا حقلاً من حقول المعرفة»[21].

وبالتالي فالمسألة لا تتعلق بنظرية واحدة وإنما بعدة اتجاهات تختلف منطلقاتها النظرية وتلتقي في تمجيد القراءة والقارئ، فجين تومبكنز محررة كتاب «نقد استجابة القارئ من الشكلانية إلى ما بعد البنيوية» لم تقتصر في اختياراتها -التي رأت فيها ممثلة لهذا النقد- على اتجاه نقدي بعينه، إنما جمعت عدداً من المقالات التي يجمع بينها تركيزها على القراءة والقارئ، وهي «تمثل تشكيلة من الاتجاهات النظرية: النقد الجديد New criticism، والبنيوية Structuralism، والظاهراتية Phenomenology، والتحليل النفسي psychoanalysis، والتفكيك Deconstruction، إذ تصوغ هذه الاتجاهات تعريفات للقارئ، والتأويل، والنص»[22].

وتفترض تومبكنز أن بداية هذا التوجه النقدي كانت إما بـ: آي. أي. ريتشاردز I.A. RICHARDS، إبان عقد العشرينات أو بـ: دي.دبليو. هاردنغ D.W. HARDING ولويز روزنبلات LOUISE ROSENBLAT في عقد الثلاثينات من القرن الماضي[23].

إن جل النقاد المهتمين بالقارئ، أو كما تصفهم تومبكنز بالمتجهين إلى القارئ READER-ORIENTED CRITICS، اتصلت أسماؤهم بمدارس نقدية متعددة، نذكر مثلاً: الشكلية، الظاهرية، التفكيكية، التأويلية... وقد عرفت حركية هذا الاتجاه النقدي أوجهاً في الفترة المتراوحة بين نهاية الستينات وأوائل الثمانينات، مناهضة آنئذٍ للنقد المتمحور على النص. «وبتركزه الصارم على القارئ طور هذا النقد مجموعة ثرية من أنواع القراء: القراء العالمون، والقراء المثاليون، والقراء المتضمنون، والقراء الحقيقيون، والقراء المحتملون، والقراء الفائقون (السوبر)، و(الأدبيون)»[24].

إن هذا التقسيم يدل على وضوح الجانب النظري لهذه الحركة التي غطت رقعة فكرية وجغرافية واسعتين، ولكن موضع التقصير كان في غياب التنسيق بين ممثليها الذي يمكن أن يفسر بعلة اختلاف توجهاتهم الفكرية، فـسوزان سليمان Susan Suleiman في مقدمتها لكتاب «القارئ في النص: مقالات عن الجمهور والتفسير» جمعت، رفقة إنج كروسمان Inge Crossman، ست عشرة مقالة تحدد «ستة مداخل للنقد الاستقبالي. بما فيها البلاغي، والبنيوي الإشاري (السيميوطيقي)، والظاهراتي، والتحليل النفسي، والاجتماعي التاريخي، والتأويلي»[25]. إذ نلاحظ تنوعاً في التوجه النقدي عند نقاد «نقد استجابة القارئ»، بل إن توجهاتهم الفكرية تتباين تبايناً شديداً في بعض الأحوال، ولا جامع بينهم سوى استحضارهم القارئ بشكل من الأشكال، أما نظرتهم للنص فتتأسس وفقاً لمرجعياتهم النظرية كما هو الحال بين البنيوية والتأويلية مثلاً.

ويقسم ليتش Leitch انشغالات هذا النقد إلى مرحلتين، ففي المرحلة الأولى يصور نقد الاستجابة «نشاط القارئ على أنه أداة فعالة في فهم النص الأدبي بدون أن ينكر أن الموضوع النهائي للاهتمام النقدي هو النص. وفي المرحلة الثانية يتصور نشاط القارئ على أنه والنص سواء بحيث يصبح هذا النشاط مصدر الاهتمام والقيمة»[26].

في حين تولي نظرية التلقي المتلقي الاهتمام الأوفر، وربما هذا التباين بين نقد استجابة القارئ ونظرية التلقي هو الذي يفسر الإقبال الذي حظيت به أبحاث التلقي الألمانية في أمريكا، حيث اجتذبت أعمال فولفغانغ آيزر [27]Iser WOLFGANG، ذات الصبغة الظاهرية اهتماماً واضحاً إبان أواسط «السبعينات ولمدة عقد من الزمان بينما لم يحظ عمل ياوس ذي النزعة التاريخية بالكثير من العناية حتى أوائل الثمانينات»[28]، فقد ترجمت أعمال آيزر بعد مدة قصيرة من صدورها فكتاب (القارئ المضمر) ترجم بعد سنتين من نشره عام 1972 بينما كتاب (فعل القراءة) الذي صدر عام 1976 ترجم إلى الإنجليزية سنة 1978. ويعزو ليتش سر الاهتمام المتزايد بفولفغانغ آيزر، الذي ينعته بسفير نظرية التلقي الألمانية في أمريكا، تخصصه في الرواية الإنجليزية الكلاسيكية ونهجه الأسلوب الظاهراتي في تشييد قراءته للنصوص عكس ياوس الذي انصب جل اهتمامه على الأفكار التاريخية وأدب اللغات الرومانسية.

بناء على ما سلف، فإن نظرية التلقي تتميز عن نقد استجابة القارئ بكونها مجهوداً مؤطراً ومنتظماً، كما أن التأثير المتبادل بينهما غير وارد، فـ«باستثناء آيزر الذي لقيت كتاباته تغطية شاملة في كلا المعسكرين، لم يكن هناك أي اتصال يذكر بين المجموعتين»[29]، ومرد ذلك دائماً إلى تباين السياق الفكري والزمني لنقاد استجابة القارئ حتى أن بعضهم كان ينتسب إلى هذه الحركة بأثر رجعي.

ومما يثير الانتباه أيضاً عند البحث في الحدود بين نظرية التلقي ونقد استجابة القارئ موقع فولفغانغ آيزر الذي يدرج ضمن أساتذة مدرسة كونستانس وأحد أهم منظري التلقي، لكن «غالباً ما يعد من بين «نقاد تجاوب القارئ» أيضاً»[30]. ولهذا تصنف تومبكنز دراسة «عملية القراءة مقترب ظاهراتي» لآيزر ضمن خانة نقد استجابة القارئ الذي كان موضوعاً لكتابها[31]، بل إن آيزر نفسه عنون إحدى مقالاته بـ: «آفاق نقد استجابة القارئ»، واعتبر في هذه الدراسة جمالية التلقي مرادفة لنقد استجابة القارئ، إذ يقول: «لا شك في أن ما يعرف اليوم بجمالية التلقي، أو نقد استجابة القارئ، ليس نظرية موحدة كما يوحي بذلك اسمها...»[32].

إن القضية الاصطلاحية لنظرية التلقي تتموضع بشكل مختلف في الثقافة الألمانية. فكما لاحظ أحمد بوحسن فإن المعاجم الألمانية الحديثة تورد الدلالة الاصطلاحية للتلقي إلى جانب المعنى اللغوي الذي يدل، كما هو الحال في أغلب المعاجم، على الاستقبال والاحتفال؛ يقول بوحسن: «وهكذا يمكن أن نعود إلى معجم ألماني عام لسنة 1989 لنجد فيه كل مواصفات كلمة التلقي من حيث أصلها اللاتيني والمعاني التي تشير إليها، ولكنه يضيف فيتحدث عن مصطلحي جمالية التلقي ومصطلح تاريخ التلقي»[33].

وفي هذا إيماءة إلى أمرين اثنين، الأول أن جمالية التلقي وتاريخ التلقي مصطلحين لهما جذور في الفكر النقدي الألماني، والثاني أن نظرية التلقي ألمانية الأصل ومؤسسوها هم رواد مدرسة كونستانس Constance [34] وما بحث ثقافات أخرى عن جذور لها في تراثها النقدي إلا مجرد اجتهادات.

ويعرف أولريش كلاين ULRICH KLEIN «التلقي» «في «معجم علم الآداب». كما يلي: يفهم من التلقي الأدبي (بمعناه الضيق) الاستقبال (إعادة الإنتاج، التكييف ADAPTATION، الاستيعاب، التقييم النقدي) لمنتوج أدبي أو لعناصره بإدماجه في علاقات أوسع أو بغير ذلك»[35].

إن هذا التحديد رغم ما يشي به من وضوح فإن مصطلح التلقي يثير لبسا في علاقته بمصطلحات أخرى، خصوصا مصطلح التأثير، فقد توقف ياوس عند التداخل الحاصل بين مفهومي REZEPTION /RECEPTION التلقي و EFFET /WIRKUNG أثر، واقترح مخرجاً لذلك بأن ربط التأثير بالنص والتلقي بالمستقبل أو المتلقي، إلا أن هذا التخريج ما كان ليرضي روبرت س. هولاب الذي نعته بغير المرضي، خصوصاً وأن الغموض يتفاقم عند إضافة هذين المصطلحين إلى غيرهما فمصطلح WIRKUNGSGESCHICHTE الذي يعد تسمية لتقليد علمي راسخ في الثقافة الألمانية ينبني على «دراسة التأثير الذي يمارسه النص» أو تأثير كاتبه على الأجيال اللاحقة، يتداخل مع مصطلح مجاور هو تاريخ التلقي REZEPTION SGESCHICHTE.

إن التعليل الذي قدمه ياوس في كتابه: pour une esthétique de la» réception» لتبديد بعض من اللبس الحاصل بين مصطلحي التـأثير والتلقي، حين ربط الأول بالنص وما يمكن أن يثيره في القارئ ليبقى المصطلح الثاني محدداً بالمتلقي أو المرسل إليه[36]، قوبل بالنقض كذلك من قبل إيبرهارت لمرت EBERHARDT LAMMERT الذي ارتأى أن الحد الذي قدمه ياوس واقع «قبل فعل التواصل الحواري، مثلما هو معتاد، كقدرة ملازمة للنص من جهة وحالة مميزة للجمهور من جهة ثانية. أما بعد عملية التواصل فسيكون «التقاء النص والتلقي» الذي ذكره ياوس على كل حال هو المسبب لتأثير النص»[37].

الانتقاد ذاته ووجه به ياوس من لدن هويرمان HEUERMANN وهون HUHN وروتجر ROTTGER إذ عاب عليه هؤلاء «تمييزه بين «تلقٍّ» و«تأثير» وذلك بدعوى أنه لم يقدم تفسيراً لكيفية عمل العنصرين معاً أثناء فعل القراءة، ولا كيف يمكن أن يفصل بينهما تماماً أثناء تحليل التلقي»[38]، فالفصل بين المصطلحين يتعذر كلما تمت عملية القراءة؛ لأن التأثير هو حصيلة خطوة التلقي، إذ لا تأثير بدون تلق و«التأثير الأمثل الذي تصفه جمالية التأثير لا يتحقق إلا بحسب قدرة المتلقي على إدراك الإرسالية»[39].

وينتهي كونتر جريم Gunter Grimm في عرضه للآراء المتعددة حول مفهومي التأثير والتلقي، بجعله الأول مجرد مرحلة من مراحل الثاني، فالتلقي عنده ثلاث مراحل متوالية هي «مرحلة الإدراك الحسي REZEPTION ومرحلة الإدراك؛ أما مرحلة ما بعد الإدراك فتتضمن الناتج والتأثير»[40]، مراحل تتخذ منحى تصاعديًّا، فمرحلة الإدراك يمثلها الاتصال المباشر بالنص أو ما يمكن الاصطلاح عليه بالقراءة الأولى، أما مرحلة الإدراك فتتحقق من خلال الفهم، لنتوقف أخيراً عند ما يفيده النص في المتلقي من أبعاد جمالية.

-3-
الانعطافة الكبرى في تاريخ الثقافة الغربية: التمرد على النص

توخت القراءات التي توالت على النص الأدبي بلوغ تصور ذهني واضح ووضع اليد على المعنى الكامن في الدهاليز العميقة للنص، إلا أن هذه الرغبة اعترتها كثير متاهات وعقبات، ففي البدء كانت القراءة بريئة innocent تلامس المعنى بيسر وسلاسة فتقتنص ثمار النص اليانعة الدانية القطوف وتتلذذ بها أما اليوم فالنص صار صعب المراس لأنه قد غدا فضاء «يحفل بفجوات ومناطق صمت يجب على الناقد أن يملأها وينطقها، وأن وجود الفجوات والصوامت تعني أن النص غير مكتمل»[41]. فكيف تمت هذه النقلة في العلاقة مع النص؟.

لقد راوح النقد، عبر تاريخه الطويل، يستبدل بؤرة اهتمامه بين ثلاثة أضلاع لمثلث واحد يمثلها كل من: المؤلف، النص، القارئ. فمرة يكون المؤلف أوبيئته أونفسيته أو غيرها من المحددات هي الكفيلة بتفسير النص ومرات أخرى تلقى المهمة ذاتها على كاهل النص أو القارئ. وكل مرحلة من تلك المراحل كانت تثير إشكالاتها الخاصة بها والمستقطبة خصوصاً من اجتهادات الفكر الفلسفي، ومن ذلك مثلاً ما طرح عن ماهية المحاكاة أو العلاقة بين الشكل والمعنى مثلاً.

على ذلك الأساس تناوبت المناهج النقدية على اكتساح دائرة قراءة النص الأدبي وكل منها يعمل على تصحيح ثغرات ما قبله إما باعتماد منهج الإقصاء والرفض أو بركوب منطق الحوار مع المحاولات المنهجية المهيمنة آنذاك، «فما وقعت فيه المناهج السياقية من إمعان النظر في خارج النص جاءت المناهج الداخلية ولا سيما البنيوية لتصححه في مقاربة (للنص) تقصي الخارج بضروبه المتنوعة نابذة للمؤلف، ومتلقي النص، ومن ثم حدثت المناقلة الأوسع التي حاولت إحكام الطوق حول بنية الأدب بذاتية (المتلقي)»[42] الذي تولى مهمة استكناه معاني النص، وليفك المعنى من أسر البنيوية التي ربطته بالتراكيب اللغوية.

بيد أن المثير للانتباه هنا، أن درجة الدينامية التي عرفتها المناهج النقدية منذ القرن السابع عشر تقريباً هي أضعاف مضاعفة لما شهدته القرون السالفة، فقد «كان الجدل لقرون عديدة يكتسب بعض العمق النسبي في عالم تحكمه علاقات بسيطة غير متداخلة أو متشابكة، عالم لم يعرف تعقيدات التناقض بين انجازات العلم والتكنولوجيا من ناحية والقيم التقليدية التي تتطور بإيقاع أبطأ جدًّا... عالم لم يكن قد عرف متاهات النفس البشرية التي فتحت أبوابها الدراسات النفسية للقرن العشرين»[43].

3، 1- دواعي التحول في الثقافة الغربية

بداية، لا بد من التأكيد على أن الحداثة الغربية نشأت عن مخاض فكري احتدم الصراع خلاله بين عدد من الاتجاهات الفلسفية، وقد أدى تطور تلك الاتجاهات «إلى ظهور المدارس الأدبية والنقدية الجديدة بمصطلحاتها الخاصة التي تكتسب دلالتها وشرعيتها من ذلك الفكر بالدرجة الأولى»[44].

ويمثل القرن السابع عشر بالخصوص انعطافة حاسمة في تاريخ الغرب، حيث ستحدث ولادة جديدة يخرج من خلالها الإنسان الغربي من ظلمات الجهل والانحطاط، إلى مرحلة تتحدى التحجر والثبات وتطمح إلى الاكتشاف وتكسير القيود عن طريق التحكم في الذات وتحريرها من أي سلطة خارجها خلا سلطة العقل المتسلح بمبدأ التجريب الذي فتحت أمامه آفاق غير محدودة.

إن هذه الثنائية، المؤلفة من التجريب العلمي والإمكانات اللامتناهية للعقل البشري، انبثقت مع عصر النهضة، وكانت «سبباً ونتيجة لفكر فلسفي جديد، يتراوح بين علمية تعطي المعرفة التي تبدأ بالعالم المادي المحسوس ثقلاً يضعها في مركز الكون، وبين مثالية فلسفية تضع أساس المعرفة الإنسانية داخل العقل البشري، وتضع الإنسان، تبعاً لذلك، في محور الوجود»[45].

ومن هنا ستتحرر الذات الأوروبية وتخطو خطواتها الأولى نحو مركزية الذات والتشبث بمبدأ المغامرة الفردية التي تتجلى من خلال ملمحين أساسيين، الأول برز من خلال الحركة الاستعمارية التي دشنها الغرب والثاني ظهر أدبيًّا مع النزعة الرومانسية التي هيمنت على الإنتاج الرمزي خلال نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين.

لكن طموح السيطرة والهيمنة الذي سكن إنسان العالم الغربي لم يعمر طويلاً، فقد أصيب هذا الإنسان بخيبة أمل نحو ما وعدته به الثورة الصناعية من تحقيق للرخاء وتحكم وسيطرة، وكان القرن العشرين صخرة تكسرت عليها آمال القرن الذي أفل قبله، وانتكاسة لعديد من الحقائق الموضوعية، انتكاسة بلغت ذروتها «وهنا تكمن مفارقة لافتة للنظر على يد عالم كبير هو «اينشتاين» الذي أثبت بنظريته عن النسبية، خطأ الاعتقاد بأن المعرفة الموضوعية عملية تراكم مستمرة للحقائق. وقد تولت الدراسات النفسية المتطورة بالطبع تطوير رحلة الشك نحو استحالة المعرفة الموضوعية النهائية»[46].

إن المنهج العلمي الذي آمن به الفكر الغربي، وإن تمكن من تحقيق فتوحات لم تكن متوقعة من قبل، فقد أعلن قصور معرفته عن تفسير العالم الميتافيزيقي، ما نجم عنه تناقض بين المقدمات والنتائج، إذ نلمس تضارباً بين نقطة انطلاق الإمبريقية «وهي تحقيق المعرفة الإنسانية القائمة على التجربة الحسية، باستخدام الإمكانات غير المحدودة لطاقات العقل وقدراته والتأكيد النهائي لقصور العقل وحدود المعرفة»[47]. فالعلم التجريبي وبعد أن غزا ميدان البيولوجيا والفيزياء... وقف عاجزاً أمام تفسير الوجود وعالم الميتافيزيقا.

وهذا ما يمكن أن نفسر به ما قد يبدو تناقضاً بين لوك(1632-1704) John Locke وهوبزThomas Hobbes (1588-1679) ومذهبهما التجريبي وبين ثورة نيتشه على العقل والجوهر والحقيقة... وهو ما يفسر لنا أيضاً التقلبات المهمة التي عرفها النقد الأدبي خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن «المصطلح النقدي الجديد يستمد القدر الأعظم من دلالته من تلك الخلفية الأساسية من تراث الفكر والفلسفة، إنه يؤسس شرعيته على معرفة المتلقي لهذا التراث الفكري»[48].

إن التناظر بين المنهج العلمي التجريبي الذي نافح عنه كل من لوك وهوبز والشك المهيمن على أفكار نيتشه Friedrich Nietzsche (1844-1900) وهيوم (1711-1776) David Hume، يتكرر «بنفس القدر والتذبذب وبنفس الديناميكية في النقد الأنجلو-أمريكي ونظريات اللغة. ففي فترة اليقين بوجود مركز ثابت للوجود، وهو عند لوك خارج العقل والذات، يغلب القول بمرجعية اللغة التي تصبح وظيفتها عملية مقابلة CORRESPONDENCE محددة، بل ارتباطاً صريحاً بين الدال والمدلول يؤكد القيمة الإحالية REFERENTIAL الواضحة للغة»[49]؛ أي أن الدال يحيل مباشرة على مدلول معين قد يتحقق الإجماع عليه دون ضبابية أو غموض، والنص يمكن وفق هذا التصور أن يقرأ قراءة علمية.

إذ إن «العلامة تعين شيئاً واحداً، تلابسه وتمتزج به حتى تصبح وإياه بمثابة الهوية المفردة، ومهمة القائم بعملية التأويل تكمن،... في إنطاق العلامة واستجلاء معناها الأوحد الموضوع قبليًّا والمطابق للطبيعة»[50] على حسب التصور السائد عند الرواقيين الذين كانوا يكتفون بكشف النقاب عن كينونة الطبيعة الكامنة في اللغة، وفي المقابل لم تكن الأعمال الأدبية التخييلية لتجد لها الصدى اللائق بها لإزاحتها الكلمة عن وظيفتها.

لقد توصل ميشيل فوكو إلى «أن نظام العلامات le système des signes منذ عهد الرواقيين كان ثلاثيًّا إذ يميز فيه بسهولة بين دال ومدلول وأداة وصل بينهما»[51]. لكن مع حلول القرن السابع عشر تحول النظام الثلاثي إلى نظام ثنائي système binaire أي فصل الكلمات عن الأشياء، فـ«لم تعد اللغة عندئذ عبارة عن علامات سحرية مرتبطة ارتباطاً عضويًّا وحقيقيًّا بالأشياء، وإنما أصبحت الكلمات بمجيء -العصر الكلاسيكي- شيئاً حياديًّا منفصلاً عن الأشياء مهمتها ترجمة حقائقها إذا أمكن ذلك»[52]. ويعد دون كيشوت شاهداً على هذا الانفصال فهو في مسعى دائم للبحث عن العلامات الضائعة لكون الأشياء لم تعد تحيل على معانيها.

إنه «حينما يسود تيار الشك الفلسفي، وينتفي المركز الثابت للوجود، تتحول اللغة إلى علامات لا نهائية الدلالة، وهكذا يؤدي شك هيوم ونتشيه إلى«اللعب الحر» للغة عند دريدا والمتشيعين للتفكيك»[53]، فتتفاقم مشكلة القراءة ويصرح بموت المؤلف الذي ليس سوى كناية عن رفض التسليم بوجود معنى قصد الكاتب إليه، فننفتح على تعدد القراءات وتصبح كل قراءة إساءة قراءة، وهذا ما تدعو إليه «نظريات التلقي الجديدة، التي لا تقول بتعدد قراءات النص الواحد، بل بلا نهائيتها، باستحالة المعرفة اليقينية»[54].

إن التغيير الذي عرفه النقد الأدبي ساهمت فيه إلى حد كبير الدراسات اللغوية ونظرتها إلى العلامة، فقبل القرن السابع عشر كان تحقيق الدلالة يتم عبر الثلاثية المؤلفة من الدال والمدلول ووجه التشابه بينهما. نقط الارتكاز الثلاثة هاته عرفت استبدالاً مع حلول القرن السابع عشر حيث انتقلت العلاقة بين الطرفين إلى التمثيلية، لتضيع بعد ذلك العلاقة بين الطرفين، حتى انتهى الأمر عند بعض الباحثين إلى القول بلا نهائية مركز الثبات، و«ترتب على ذلك ظهور فجوة تحولت إلى شك في الآراء التقليدية الراسخة عن الكينونة والوجود والحقيقة واللغة والأدب. وتتسع مساحة الشك/ الفجوة حتى تختفي العلاقة بين الدال ومدلوله ولا تبقى في النهاية إلا الفجوة بين الاثنين، الفجوة التي يتحقق فيها اللعب الحر للمدلولات. وتتحقق لانهائية الدلالة أو المعنى»[55]، وذلك ما سيظهر مع نظرية التلقي نسبيًّا وبشكل أعمق مع التفكيك.

ومن العوامل الرئيسة التي كانت وراء الانسلاخ عن التصور القديم للغة، الطموح إلى فك مستغلقات النصوص القديمة وتقريبها إلى الأفهام البسيطة، ناهيك عما أحدثه اكتشاف لغات جديدة، أثناء حملات التوسع، في المبادئ القديمة الجديدة التي أضحت تبحث عن علاقة جديدة بين الدال والمدلول، حيث «أدى اكتشاف هذه اللغات إلى ظهور بوادر الشك في صحة الاعتقاد السائد بمطابقة اللغة المقدسة للحقائق الجوهرية المطلقة وولادة الشعور الجديد بأن اللغة لئن كانت مرآة للعالم وللحقائق فهي ليست بالضرورة مرآة صادقة ووفية»[56].

3،2- التحولات الثقافية في ألمانيا

بعد تعرضنا بشكل موجز لما عرفه الواقع الثقافي الغربي من تحولات مارستها الأفكار الفلسفية بالدرجة الأولى على أساس أن «دراسة الحداثة الغربية، والبنيوية والتفكيك على وجه التحديد، لا يمكن أن تتم دون دراية بتاريخ الفلسفة الغربية منذ لوك وهيوم، ومروراً بكانط وهايدجر؛ إذ إن الدراسات اللغوية والنقدية الحديثة تنطلق من قلب التراث الفكري الغربي ومعطياته»[57]. سنقف عند ألمانيا لنعمل على استنباط الأسباب الداعية لظهور نظرية التلقي هناك.

عمد هانس روبرت ياوس لتفسير وضعية البحث الأدبي وخصوصاً تاريخ الأدب إلى اقتباس مفهومي الأنموذج PARADIGME والثورات العلمية LES REVOLUTIONS SIENTIFIQUES من عند توماس كوهن THOMAS KOHN، فوظفهما أول مرة في مقالة «التغيير في أنموذج الدراسات الأدبية» المنشورة عام 1969. وقبل الخوض مع ياوس في رؤيته لواقع التاريخ الأدبي سنستجلي مع توماس كون تصوره لمفهوم الأنموذج[58].

استعملت كلمة (PARADIGME)[59] في بداية القرن التاسع عشر باعتبارها مصطلحاً إبستيمولوجيًّا لتمييز نسق ما من الأفكار داخل نظام علمي معين، وهو يقترب إلى حد كبير من مصطلح «الإبستيمة EPISTEME» الذي يستعمله ميشيل فوكو على اعتبار أنه «مجمل العلاقات التي قد تربط، في وقت معين، بين الممارسات الخطابية التي تفسح مجالاً لأشكال إبستيمولوجية ولعلوم، وعند الاقتضاء، لأنظمة معقدة... إنها مجمل العلاقات التي يمكن اكتشافها بين العلوم، في وقت معين، عندما نحللها على مستوى الانتظامات الخطابية»[60]. ولكن ما يمكن ملاحظته هو أن الفاصل بين المصطلحين هو أن الإبستيمة قرينة بالمجال الفكري والثقافي بينما يرتبط الأنموذج بالعلوم البحتة.

تبنى مصطلح الأنموذج مجموعة من الباحثين في الفلسفة والنحو واللسانيات ولكن ارتباطه الوثيق كان بتوماس كون لدرجة التلازم بينهما، فقد وظف كون هذا المصطلح في كتابه «بنية الثورات العلمية LA STRUCTURE DES REVOLUTIONS SIENTIFIQUES»، إذ كان يسعى إلى تفسير حركة التاريخ العلمي وصيرورته. لقد كان المنطق التفسيري السائد قبل كون يقوم على اعتبار أن مبدأ التراكمية هو أس حركية العلم؛ فكلما تناسل الإنتاج العلمي كمًّا وكيفاً إلا ودارت عجلة التطور، بيد أن هذا الفهم لم يعد مقبولاً ببزوغ مفهوم الأنموذج أو النموذج المعرفي كما يفضل البعض تسميته إذ صار ينظر «إلى العلم ليس كتراكمات كمية. وإنما كنقلات نوعية أو ثورات تخرج عن المألوف وتتجاوزه وتؤسس لرؤية جديدة»[61].

وعلى ذلك الأساس فالمتحكم في تحولات كل مرحلة من مراحل تاريخ العلم إنما هو الأنموذج المهيمن لا ما يتحقق من إنجازات ميدانية أو نظرية، والانتقال من أنموذج متقادم لآخر جديد «بعيد عن أن يكون سياقاً تراكميًّا ممكن تحقيقه انطلاقاً من متغيرات أو من توسيع للباراديغم القديم. إنه بالأحرى إعادة بناء قطاع بكامله على أسس جديدة، إعادة بناء تغير بعض التعميمات النظرية الأكثر عناصرية لهذا القطاع وكذلك لعدد من المناهج والتطبيقات الباراديغماتية»[62].

ولذلك فكل أنموذج يستمد مكانته من خلال حله للمشاكل العلمية الجوهرية المعروضة والتي عجز الأنموذج السابق عن تجاوزها، وهكذا يكون النموذج الجديد إعلاناً عن تأسيس مرحلة جديدة، «فعقب كل انقلاب علمي يكف العالم المختص عن أن يرى الأشياء كما كان يراها من قبل»[63]؛ أي أن النماذج حينما تتغير يتغير معها العالم والحقائق القديمة.

إن مصطلح الأنموذج الذي درج في أحضان علوم اللغة دالًّا على الميزان النحوي، أو ما سماه محمد نصر عارف بـ«الوازن»، أخذ عند توماس كون بعد ولوجه لمنظومة فلسفة العلم معنى خاصًّا، ألا وهو «كل مجموع المعتقدات، القيم المعترف بها والتقنيات المشتركة بين أعضاء فريق معين»[64]، والتي من شأنها تشكيل ملامح مرحلة ما. أو هو بتعبير آخر «مجموعة متآلفة منسجمة من المعتقدات والقيم والنظريات والقوانين والأدوات والتكنيكات والتطبيقات، يشترك فيها أعضاء مجتمع علمي معين، وتمثل تقليداً بحثيًّا كبيراً، أو طريقة في التفكير والممارسة، ومرشداً أو دليلاً يقود الباحثين في حقل معرفي ما»[65].

ويرتبط مفهوم الأنموذج عند كون بمفهوم آخر محايث، هو مفهوم الثورات العلمية، حيث يتم النظر إلى العلم على أنه «مجموعة ثورات تعتبر كل واحدة منها رفضاً لما سبقها، وتأسيساً لحالة جديدة للعلم، يكون السابق عليها مجرد مادة خام يعاد استخدامها إذا كانت مناسبة في النموذج الجديد»[66].

وهذا الموقف المزدري لما سبقه ناجم عن كون الأنموذج العلمي الجديد قد يكشف عن حقائق مغايرة تماماً لما كان شائعاً من قبل على الرغم من استعمال الوسائل ذاتها في البحث.

إن الأنموذج عند توماس كون مفهوم تفسيري، يضم بين ثناياه منظومة من المفاهيم والإشكالات المعرفية التي تتتبع تطور تاريخ العلم. فـ«ما قصده توماس كون بنموذجه لا يتعدى حدود المعرفة العلمية المؤطرة بحقول معرفية تحمل صفة العلم واسمه. فهو نموذج كلي يتعامل مع الأطر الكلية للعلم، ولا يستطيع التحرك فيما دونها»[67].

إن ارتباط مفهوم الأنموذج بحقل العلم التجريبي يضعنا أمام الأسئلة التالية: كيف كان تعامل هانس روبرت ياوس مع مفهوم الأنموذج؟ وكيف نقل هذا المفهوم من حقل العلوم الطبيعية إلى مجال الدراسات الأدبية، أو بالأحرى كيف استطاع ياوس بفضل هذا المفهوم أن يفسر تطور التاريخ الأدبي؟ وهل يا ترى يحظى مفهوم الأنموذج عند ياوس بالقدرة التحليلية نفسها التي يمتلكها أنموذج كون أم أن الأمر لا يعدو مجرد تشابه في الدوال؟

عايش ياوس مرحلة حرجة من مسيرة الدراسات المهتمة بتاريخ الأدب المتراجع عن الريادة التي ما فتئ يعتلي عرشها لقرون، فـ«لم تعد لتاريخ الأدب في الوقت الراهن تلك الحظوة التي كان يتمتع بها في القرن الماضي. ولنعترف بأنه جدير بهذا المصير نظراً لما يعانيه هذا العلم الجليل، منذ مئة وخمسين سنة، من تدهور مطرد. فأكبر منجزاته تعود وبدون استثناء إلى القرن التاسع عشر»[68]. إذ إن تدوين تاريخ أدب أمة من الأمم الذي كان يعد مفخرة أيام جيفيرينوس GERVINUS ودوصانكتيس DE SANCTIS، أضحى اليوم هامشيًّا واكتفي به في المقررات الدراسية للطلاب.

أما «خارج التعليم، فربما لم يعد لمصنفات تاريخ الأدب أي وجود إلا في رفوف مكتبات البرجوازيين المتعلمين، الذين يرجعون إليها خاصة للبحث عن أجوبة على أسئلة الثقافة الأدبية العامة التي تطرح في المسابقات التلفزيونية، وذلك لعدم توفرهم على قاموس تقني أكثر ملاءمة»[69]. بل إن النفور من تاريخ الأدب وصل حتى عتبات الجامعات، فياوس يقر أن من جايله من الفيلولوجيين كانوا «يعتزون صراحة بكونهم استبدلوا الوصف التطوري التقليدي للأدب الألماني والفرنسي... إلخ، إن في كليته وإن في حقب معينة منه، بالدراسة التاريخية أو النظرية للظواهر الأدبية»[70].

ومما يعيبه ياوس على التاريخ الأدبي السائد قبله الخلل في منهجه، فالمؤرخ إن اعتمد التقسيم الشائع: (اسم المؤلف، حياته، آثاره) فهو يقتصر على مشاهير الأدباء، ويبقى نصيب صغارهم متواضعاً ولا يتم استحضار مبدأ الجودة في الإنتاج. أما حينما يتعامل مع التاريخ الأدبي على أساس التدرج الزمني، بدءاً من العصور القديمة، فإن الباحث يتردد أمام تباين كم المعطيات بين أديب وآخر، كما يوضع أيضاً أمام معضلة الاختيار أثناء اصطفاء النماذج التمثيلية، والاختيار كيفما كانت صورته لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يعطينا صورة حقيقية لأدب المرحلة المؤرخ لها.

وآخر الكوارث التي يرى ياوس أنها قد لحقت بالتاريخ الأدبي هي تلك التآليف المحكمة buchbinder-synthesen /synthèses ficelées التي تبتعد عن الرصانة والدقة كل البعد. أما الدراسات والأبحاث التي تتسم بنوع من الرصانة ففضاؤها الدوريات والمجلات التي رمتها هي الأخرى سهام النقد من قبل ممثلي العلوم المنافسة، والذين يعتبرون أن القضايا التي يعالجها هؤلاء الدارسون «باطلة، وأن النتائج التي تفضي إليها دراساتهم الأركيولوجية غير جديرة بالثقة»[71].

كما أنها لم تنج، ثانياً، من انتقاد نقاد النظرية الأدبية، الذين «يعيبون التأريخ الأدبي التقليدي بسبب ادعاء كونه فرعاً من فروع علم التاريخ، بينما هو في حقيقة الأمر قاصر عن إدراك البعد التاريخي للأشياء وعاجز عن التقويم الجمالي لموضوعه، أي الأدب من حيث هو شكل فني»[72]. فالتأريخ الأدبي يشترط فيه أن يراعي خصوصية الفن الأدبي وألا يهمل أسسه الجمالية عكس علم التاريخ الساعي وراء الحقيقة أولاً وأخيراً.

وقد طفت أيضاً على الساحة الثقافية والاجتماعية الألمانية موجة من الاستياء ضد نظام التعليم الأكاديمي، فتم تحطيم الكثير من الثوابت التي كانت تؤمن بها الأجيال السابقة. وعقدت الندوات واللقاءات لمناقشة الأزمة بشكل منهجي، فأقصيت مثلاً «المنهجية «الشكلانية» لفولفغانغ كيسر في كتابه العمل الفني اللغوي (1948)، كما أقصى إميل ستايغر فن التأويل (1955) باعتبارهما كتابين متقادمين أو نخبويين»[73] في الوقت الذي كان فيه رواد التلقي يبشرون بثقافة تمد الجسور بين الماضي والحاضر.

إن الصراع برز على المستوى المنهجي كذلك، فجمالية التلقي ظهرت «بسبب النزاع الطبيعي بين المناهج النقدية الذي تغذيه نظريات معرفية مختلفة، وقد كان النزاع مع التصور البنيوي للأدب أحد المنطلقات الرئيسية... فقد لاقى ازدهار البنيوية في عقد الخمسينات والستينات معارضة أخذت تنمو شيئاً فشيئاً»[74]، مما أدى إلى البحث عن بديل منهجي يبتعد عن الانغلاقية التي وسمت بها البنيوية لإيجاد قراءة منفتحة.

بهذه الملاحظات النافدة والانتقادات اللاذعة بسخريتها، واجه ياوس ورفقاؤه الدراسات التي كانت تشتغل على تاريخ الأدب خاصة والحياة الثقافية والاجتماعية بصفة عامة. وبفضل رؤيته المتبصرة تلك استطاع أن يذلل الطريق أمام نظرية جديدة شعارها: المتلقي.

لكن، لا ينبغي أن نغفل الوضعية المتردية التي وصلت إليها الدراسة الأدبية في ألمانيا. فهي في حقيقة الأمر نتيجة لأزمة عامة، فـ«في المجال الاقتصادي ساهمت نهاية «المعجزة الاقتصادية» ووعودها بالنماء والازدهار اللامحدودين، وكذا المؤشرات الأولى على الركود وسط عقد الستينات في موقف أكثر تشككاً في ألمانيا الغربية تجاه البنيات النسقية والمؤسساتية»[75]. التحول كان واقعاً أيضاً على المستوى السياسي حيث حطم جدار برلين أمل الوحدة الألمانية، مما كان حافزاً لقيام معارضة خارج البرلمان (APO)، كما نشأت حركة طلابية قوية واكبت جيل ما بعد النازية.

ولتغيير هذا الوضع المتردي، في ميدان الدراسات الأدبية، تبنى ياوس في مقالته «التغيير في أنموذج الدراسات الأدبية» التصور ذاته الذي أسس عليه توماس كون نظريته حول تاريخ العلم. فدراسة الأدب عند ياوس «ليست عملية تشتمل على التراكم التدريجي للوقائع والحجج التي من شأنها أن تقرب أكثر كل جيل متعاقب من معرفة ماهية الأدب في الواقع أو تقربه من فهم صحيح للأعمال الأدبية الفردية، بل بالأحرى يتميز التطور (الأدبي) بالقفزات النوعية والانقطاعات ونقط الانطلاق الأصلية»[76]. ما يعني أن الأنموذج الجديد يقصي الأنموذج السابق.

ويتحدد مفهوم الأنموذج عند ياوس هنا على أنه لا يقوم فقط بوضع الإجراءات المنهجية التي يقارب في ضوئها النقاد الظاهرة الأدبية «بل أيضاً يعرف الأعراف الأدبية المعترف بها. وبصيغة أخرى، فإن نموذجاً ما يخلق تقنيات التأويل وكذا الموضوعات التي ينبغي تأويلها في آن واحد»[77].

وفق ذلك التصور التفسيري ارتأى ياوس أن التاريخ الأدبي درج عبر ثلاثة نماذج، فوسم النموذج الأول بـ«النموذج الكلاسيكي ذي النزعة الإنسانية» وهو أنموذج قائم على تقليد دراسات القدماء وقد أفل نجمه في حدود القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ليعقبه أنموذج ارتبط بالمقاربة «التاريخية - الوضعية»، وتزامن مع تغيرات سياسية مهمة تجلت في تأسيس الدول القومية. مما جعل تاريخ الأدب يصبح «لحظة مؤمثلة من لحظات الشرعية الوطنية. وبالتالي ارتكز النشاط على دراسات المصادر وعلى محاولات إعادة بناء ما قبل التاريخ لنصوص القرون الوسطى المعيارية، وكذا على إعداد الطبعات النقدية في إطار التقليد الوطني»[78].

وينتقد ياوس -رغم إعجابه ببعض المصنفات التي خلفتها هذه المرحلة- طبيعة المنهج الوضعي المهيمن آنذاك على الدراسات التأريخية التي كانت تميل إلى المقاربة الآلية للنصوص مع ضيق في الرؤية. الأمر الذي خلق ضيقاً بهذا الأنموذج الذي ستعد نهايته بانبثاق أنموذج بديل هو الأنموذج «الجمالي - الشكلاني» ممثلاً بالمناهج التي التفتت إلى النص كالدراسات الأسلوبية والشكلانية الروسية والنقد الجديد.

لكن هذا الأنموذج، وعلى الرغم من الأهمية التي أولاها للنص في حد ذاته، بعدما كانت السياقات الخارجية نقاط ارتكاز أساس للتواريخ السابقة، فإنه لم يعمر طويلاً، فنهاية الحرب العالمية الثانية. و«إحياء الهرمينوطيقا الفلسفية والدعوة إلى النقد المرتبط أكثر بالقضايا الاجتماعية، وظهور بدائل مثل نقد الأنماط العليا لنوثربت فراي أو البنيوية، كانت كلها علامات تدل، في نظر ياوس، على أزمة في الأنموذج الثالث»[79]. وهنا يبدأ المخاض للتبشبر بولادة أنموذج جديد يتجاوز أنقاض الأنموذج السالف.

بدأت معالم هذا الأنموذج الجديد في البروز خلال الدرس الافتتاحي الذي ألقاه ياوس بجامعة كونستانس عام 1968، والذي «شكّل منعطفاً هامًّا في مسار الدراسة الأدبية. حيث رسم الخطوط العريضة لبديل نظري ومنهجي يطمح بالأساس إلى إعادة الاعتبار لتاريخ الأدب الذي فقد مكانته المتميزة وأصبح يعيش على هامش الحركة الثقافية لهذا العصر»[80]. ولاقتراح المهمة الجديدة للتاريخ الأدبي ارتأى ياوس تأسيس تصور جديد يقوم على اعتبار «تاريخ الأدب سيرورة تلق وإنتاج جماليين تتم في تفعيل النصوص الأدبية من لدن القارئ الذي يقرأ والناقد الذي يتأمل والكاتب نفسه... مدفوع إلى أن ينتج بدوره»[81].

إن الدعوة التجديدية في منهج التأريخ الأدبي التي رفع لواءها روبرت ياوس هي نتاج سلسلة من احتجاجات جيل مسه اليأس من طبيعة الدراسات الأدبية، حيث ذكر هولاب ظهور مجموعة من المقالات التي كانت تحمل شعارات «ثورية» كمقال «رؤى الدراسات الألمانية في المستقبل» 1973. لتتوالى بعد ذلك كتب وأبحاث تهدف بداية إلى «تحذير الطلبة المبتدئين من مزالق المناهج السابقة ثم اقتراح بدائل عن تلك التقاليد، وغالباً ما كان يتم هذا الاقتراح بطريقة خفية شيئاً ما»[82].

كل تلك الحيثيات مهدت الطريق أمام نظرية التلقي بوصفها بديلاً منهجيًّا يكسر الأصنام المنهجية السائدة.

لقد توافرت الأسباب التي هيأت التربة الخصبة لنظرية جديدة كنظرية التلقي، وقد توج كل تلك الأسباب السياق التاريخي الذي تشكّلت فيه هذه النظرية، إذ انبثقت من وسط مجتمع نخرت عظمه سوسة الحرب العالمية الثانية التي خرج منها منهزماً. إن نظرية التلقي تشكّلت «في سياق يمقت التاريخ وويلاته بعد تلك الحرب، ونشأت في سياق «إبدال» معرفي جديد لا عهد للبشرية به مثل الحكم الذاتي والإعلاميات، ونشأت في إطار منافسة إقليمية...»[83]. إنها كما يسميها محمد مفتاح نظرية المنهزم الذي يحلم بالنهوض وتفادي العوائق التي أودت به إلى الحضيض لتحقيق الذات.

 

 

 

 

 

 



[1] الشاهد البوشيخي «مصطلحات النقد العربي لدى الشعراء الجاهليين والإسلاميين، قضايا ونماذج»، دار القلم، الطبعة الأولى: 1413هـ/1993م، ص:7.

[2] فاضل تامر «المصطلح النقدي بوصفه تعبيراً عن الوعي المنهجي في الخطاب النقدي الحديث»، مجلة «ثقافات» ثقافية فصلية تصدر عن كلية آداب جامعة البحرين، العدد الثالث، صيف 2002، ص: 43.

[3] عبد الوهاب المسيري «في الخطاب والمصطلح الصهيوني: دراسة نظرية وتطبيقية»، القاهرة، دار الشروق، الطبعة الأولى2003م، ص: 23.

[4] المرجع السابق، ص: 45.

[5] عزت جاد «المصطلح النقدي المعاصر بين المصريين والمغاربة»، مجلة: فصول، القاهرة، العدد62، 2003، ص:70.

[6] عبد الوهاب المسيري «هاتان تفاحتان حمراوان: دراسة في التحيز وعلاقة الدال بالمدلول»، مجلة منبر الشرق، مجلة فصلية كانت تصدر عن المركز العربي الإسلامي للدراسات، مصر. العدد الثاني السنة الأولى: 1992، ص: 96.

[7] الحسين الزاوي: «ما المفهوم؟ دلالة المفهوم وعوامل تشكله وإبداعه»، بيروت/ فرنسا، مجلة الفكر العربي المعاصر، ع 102-103، 1998 ص: 43.

[8] هانس روبرت ياوسHANS ROBERT JAUSS منظر أدبي ألماني ولد سنة 1922 وتوفي سنة 1997. عرف بنظريته عن التلقي، درس في جامعة كونستانس CONSTANCE، ويعد أحد أبرز ممثلي مدرستها أي مدرسة كونستانس LECOLE DE CONSTANCE.

اطلع ياوس على فقه اللغات الرومانسية والنقد الأدبي في جامعة كونستانس، كما درس أيضاً في جامعتي كولومبيا وييل الأمريكية وجامعة السوربون في فرنسا، وتتجلى التأثيرات الأساسية على عمله النقدي في تأويلية غادامير وشعرية الشكلانيين الروس، وقد بدا تأثير هذين التيارين النقديين في جل أعماله، ويلحظ الدارسون هذه التأثيرات في حوليات مدرسة كونستانس، التي كانت بداية صدورها منذ سنة 1963.

[9] روبرت. س. هولاب «نظرية التلقي (مقدمة نقدية)»، ترجمة خالد التوزاني والجلالي الكدية، منشورات علامات، الطبعة الأولى 1999. ص: 2.

[10] روبرت س هولاب «نظرية التلقي (مقدمة نقدية )»، ترجمة خالد التوزاني والجلالي الكدية، مرجع سابق، ص: 2.

[11] معجم لسان العرب لابن منظور، بيروت، دار صادر، الطبعة الثالثة 1994، مادة «لقا».

[12] سورة النمل، الآية:6.

[13] سورة البقرة، الآية:36.

[14] سورة «ق» الآيات 16 - 18.

[15] Paul Robert, le nouveau petit robert, dictionnaire alphabétique et analogique de la langue française, nouvelle édition du petit robert, paris, mai 1998, p:1883.

[16] أحمد بو حسن «نظرية التلقي والنقد الأدبي العربي الحديث»، ضمن «نظرية التلقي إشكالات وتطبيقات» سلسلة: ندوات ومناظرات رقم: 24، الرباط، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ص: 14-15.

[17] Oxford advenced learner’s dictionary of current english. oxford university press, fifth edition, jonuary 1995, p:972.

[18] أحمد بوحسن «نظرية التلقي والنقد الأدبي العربي الحديث»، مرجع سابق، ص:15 (بتصرف).

[19] Oxford advenced learner’s dictionary of current english, p: 907.

[20] ينظر المرجع السابق، ص: 1000.

[21] جبن. ب. تومبكنز «مدخل إلى نقد استجابة القارئ» ضمن كتاب: «نقد استجابة القارئ من الشكلانية الروسية إلى ما بعد البنيوية»، تحرير: جبن. ب. تومبكنز. ترجمة: حسن ناظم وعلي حاكم. مراجعة وتقديم: محمد جواد حسن الموسوي، المجلس الأعلى للثقافة/ المشروع القومي للترجمة 1999. ص:17.

[22] جبن. ب. تومبكنز «مدخل إلى نقد استجابة القارئ»، مرجع سابق، ص: 17.

[23] يضيف فنست.ب. ليتش إلى هذه القائمة كلاًّ من: مود بودكين وكينيث بريك وإن كان يرى أن بداية الاهتمام الحقيقي بالقراءة والقراء لم تكن إلا مع أواخر الخمسينيات. ينظر: فنسنت. ليتش «النقد الأدبي الأمريكي من الثلاثينيات إلى الثمانينيات»، ترجمة محمد يحيى، مراجعة وتقديم: ماهر شفيق فريد. المشروع القومي للترجمة/ المجلس الأعلى للثقافة: 2000، ص: 225.

[24] المرجع السابق، ص: 226.

[25] فنسنت. ليتش «النقد الأدبي الأمريكي من الثلاثينيات إلى الثمانينيات» مرجع سابق، ص:227.

[26] المرجع السابق، ص: 227.

[27] فولفغانغ آيزر: WOLFGANG ISER ولد في 22 يوليوز 1926 بمارينبرغ MARIENBERG، أستذ للأدب الإنجليزي والأدب المقارن في جامعة كونستانس رفقة ياوس، وهو أيضاً واحد من أبرز ممثلي مدرسة كونستانس.

[28] فنسنت. ب. ليتش «النقد الأدبي الأمريكي من الثلاثينيات إلى الثمانينيات»، مرجع سابق، ص: 243-244.

[29] روبرت. س. هولاب «نظرية التلقي (مقدمة نقدية)»، مرجع سابق، ص: 4.

[30] المرجع السابق، ص: 3.

[31] ينظر جبن. ب. تومبكنز. «نقد استجابة القارئ من الشكلانية إلى ما بعد البنيوية»، مرجع سابق، من ص: 113 إلى ص: 139.

[32] قولفكانك إيزر: «آفاق نقد استجابة القارئ»، ترجمة أحمد بوحسن، ومراجعة محمد مفتاح، ضمن كتاب «من قضايا التلقي والتأويل»، الرباط، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 36، الطبعة الأولى 1994، ص: 211.

[33] أحمد بو حسن «نظرية التلقي والنقد الأدبي العربي الحديث»، مرجع سابق، ص: 15.

[34] نسبة إلى مدينة كونستانس الألمانية الواقعة جنوب Bade-Wurtemberg وتبلغ مساحتها حوالي 54.11 كيلومتر مربع.

[35] كونتر جريم: «التأثير والتلقي المصطلح والموضوع»، ترجمةوتقديم: أحمد المامون، مراجعة النص العربي، حميد لحمداني، فاس، مجلة دراسات سيميائية أدبية لسانية، العدد السابع 1992، ص: 20.

[36] Hans robert Jauss , pour une esthétique de la réception, traduit de l’allemand par Claude maillard, Gallimard,paris,1978,p:246.

[37] كونتر جريم «التأثير والتلقي:المصطلح والموضوع»، مرجع سابق، ص:22.

[38] المرجع السابق، ص:26.

[39] المرجع السابق، ص:26.

[40] المرجع السابق، ص:29.

[41] عبد العزيز حمودة «المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك»، مجلة عالم المعرفة: سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - الكويت، العدد 232، أبريل 1998، ص: 242.

[42] بشرى موسى صالح «نظرية التلقي: أصول... وتطبيقات»، البيضاء/بيروت، المركز الثقافي العربي. الطبعة الأولى: 2001. ص: 31.

[43] عبد العزيز حمودة «المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك»، مرجع سابق، ص: 86.

[44] المرجع السابق، ص: 63.

[45] عبد العزيز حمودة «المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك»، مرجع سابق، ص: 92.

[46] المرجع السابق، ص: 69.

[47] عبد العزيز حمودة «المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك»، مرجع سابق، ص: 94.

[48] المرجع السابق، ص: 36.

[49] عبد العزيز حمودة «المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك»، مرجع سابق، ص:95.

[50] محمد ناصر العجيمي «النقد العربي الحديث ومدارس النقد الغربية»، صفاقس، نشر دار محمد علي الحامي، (سوسة) تونس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الطبعة الأولى: ديسمبر 1998، ص: 30.

[51] المرجع السابق، ص: 102.

[52] المرجع السابق، ص: 106-107.

[53] عبد العزيز حمودة «المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك»، مرجع سابق، ص: 96.

[54] المرجع السابق، ص: 105.

[55] المرجع السابق، ص: 347.

[56] محمد ناصر العجيمي «النقد العربي الحديث ومدارس النقد الغربية»، مرجع سابق، ص: 42.

[57] المرجع السابق، ص: 3.

[58] روبرت هولاب «نظرية التلقي (مقدمة نقدية)»، مرجع سابق، مرجع سابق، ص: 6 وما بعدها.

[59] كلمة paradigme يرجع أصلها إلى الإغريقية، إذ كانت تحمل معنى تصميم هندسي، وقد دخلت إلى الثقافة الإنجليزية في القرن XV، بينما كان ولوجها الثقافة الفرنسية إبان القرن XVI.

[60] أوبيردريفوس وبولربينوف «ميشيل فوكو: مسيرة فلسفية»، مراجعة وشروحات مطاع صفدي، ترجمة جورج أبي صالح، لبنان، منشورات مركز الإنماء القومي، ص: 23.

[61] نصر محمد عارف «النماذج المعرفية عند (المسيري) و(كون)»، ضمن كتاب: «في عالم عبد الوهاب المسيري، حوار نقدي حضاري»، تحرير أحمد عبد الحليم عطية، المجلد الأول، القاهرة، دار الشروق، الطبعة الأولى، 14254هـ/ 2004م، ص: 187.

[62] توماس.س. كوهن «بنية الثورات العلمية»، ترجمة علي نعمة، لبنان، دار الحداثة، الطبعة الأولى: 1986، ص: 149.

[63] سالم يفوت «التفسير والتأويل في العلم وجهة نظر (توماس كون)»، ضمن كتاب «التفسير والتأويل في العلم»، تنسيق سالم يفوت، الرباط، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سلسلة ندوات ومناظرات، رقم62/ 1997، ص: 154.

[64] توماس.س. كوهن «بنية الثورات العلمية»، مرجع سابق، ص: 287.

[65] نصر محمد عارف: «إبستمولوجيا السياسة المقارنة النموذج المعرفي - النظرية - المنهج»، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى 2002، ص: 58.

[66] نصر محمد عارف «النماذج المعرفية عند (المسيري) و(كون)»، مرجع سابق، ص: 187-188.

[67] نصر محمد عارف «النماذج المعرفية عند (المسيري) و(كون)»، مرجع سابق، ص: 189-190.

[68] هانس روبيرت ياوس «جمالية التلقي من أجل تأويل جديد للنص الأدبي»، ترجمة رشيد بنحدو، الطبعة الأولى: 2003، ص: 22.

[69] هانس روبيرت ياوس «جمالية التلقي من أجل تأويل جديد للنص الأدبي»، مرجع سابق، ص: 22-23.

[70] المرجع السابق، ص: 23.

[71] المرجع السابق، ص:24.

[72] هانس روبيرت ياوس «جمالية التلقي من أجل تأويل جديد للنص الأدبي»، تقديم وترجمة رشيد بنحدو، مرجع سابق، ص: 24.

[73] روبرت. س. هولاب «نظرية التلقي (مقدمة نقدية)»، مرجع سابق، ص:13.

[74] ناظم عودة خضر «الأصول المعرفية لنظرية التلقي»، الأردن، دار الشروق، الطبعة الأولى: 1997، ص: 121.

[75] ناظم عودة خضر «الأصول المعرفية لنظرية التلقي»، ص: 11.

[76] روبرت. س. هولاب «نظرية التلقي (مقدمة نقدية)»، مرجع سابق، ص: 6.

[77] المرجع السابق، ص: 6.

[78] المرجع السابق، ص: 6-7.

[79] ر.س.هولاب «نظرية التلقي (مقدمة نقدية)»، مرجع سابق، ص: 7.

[80] هانس روبرت ياوس «نحو جمالية للتلقي: تاريخ الأدب تحد لنظرية الأدب»، ترجمة وتقديم محمد مساعدي، مراجعة عز العرب لحكيم بناني، منشورات الكلية المتعددة التخصصات بتازة التابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله، العدد الثاني، ص: 4.

[81] هانس روبيرت ياوس «جمالية التلقي من أجل تأويل جديد للنص الأدبي»، مرجع سابق، ص: 61.

[82] ر. س. هولاب «نظرية التلقي (مقدمة نقدية)»، مرجع سابق، ص: 13.

[83] محمد مفتاح «من أجل تلق نسقي»، ضمن أعمال ندوة «نظرية التلقي إشكالات وتطبيقات»، الرباط، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سلسلة ندوات ومناظرات، رقم: 24، ص: 43-44.