شعار الموقع

الاستشراق الجديد وقضايا وحدة الأمة الإسلامية

علي بن مبارك 2019-05-26
عدد القراءات « 1557 »

 

 

الاستشراق الجديد

وقضايا وحدة الأمة الإسلامية

الدكتور علي بن مبارك*

 

* باحث من تونس، المعهد العالي للغات جامعة قرطاج. البريد الإلكتروني:

benmbarek.alii@yahoo.fr

 

 

مدخل

تمرّ الأمّة الإسلامية اليوم بمرحلة حرجة، انتشرت فيها الفتن، وساد خلالها الجهل، وتوتّرت علاقة المسلمين بعضهم ببعض، وأصبح كلّ طرف يكفّر الآخر ويبيح دمه، ولا يقبل به شريكًا في الدين وأخًا في الملّة، تتقدّم الأمم والحضارات في مجال العلم والمعرفة والتكنولوجيا والبحث، وتخطو أشواطًا في مجال التنمية والنهوض، وما زال المسلمون يشكون من صعوبات على مستوى التعليم والبحث العلمي والتنمية المستديمة، وما زالت أغلب الدول الإسلامية تبحث عن طريق الخلاص وتحاول قدر المستطاع اللحاق بركب حضارة متسارعة لا تتوقّف أبدًا.

أدرك الأوروبيون منذ قرون -وبعد عصور من التخلّف والانحطاط- أنّ المعرفة سبيل النهوض والازدهار، فالمعرفة أساس العمران البشري وعنوان الرقيّ والتقدّم، فأسّسوا الجامعات، فكانت في بداياتها سلاحًا اعتمدته الكنيسة لمحاربة أعدائها والردّ على خصومها، وهذا ما نلحظه بجلاء من خلال فلسفة أوّل جامعة أوروبية تأسست في مدينة بولونيا (Bologna) بإيطاليا سنة 1076م، إذ أشرفت عليها الكنيسة، وأدارها الأساقفة، ولا غرابة أنّ جلّ الجامعات التي ظهرت متتالية بعد القرن الحادي عشر ميلادي نشأت بمبادرة الكنيسة وتحت إشرافها ووفق خطّة رسمتها[1].

ثمّ توسّعت الدول الأوروبية منذ القرن السادس عشر في آسيا وأمريكا الجنوبية، فأنشأت جامعات بالمكسيك (1553م) والفلبين (1611م) ثم الهند (1857م)، كما أنشأت اليابان جامعتها الخاصّة سنة 1868م، وتأسست جامعة موسكو سنة 1755م، وبالتوازي مع نشوء الجامعات ظهرت رغبة في معرفة الشرق ودراسة الحضارة العربية لغة وفكرًا وعقيدةً.

لقد ظلّ الغرب –كما هو حال الشرق الإسلاميّ- منعزلًا، منكفئًا على ذاته طوال قرون من الزمن، سادت فيها الحروب الدينية وعمّ فيها الكره والتباغض، وتعمّد كلّ طرف تشويه صورة الطرف الآخر، وأسهمت الكنيسة إسهامًا بليغًا في تشويه صورة الإسلام ورموزه، ونشرت صورًا نمطية سلبية، قُرن فيها الإسلام بالعنف والهمجية والشبق والشذوذ.

وأسهمت هذه الصورة في تأجيج النفوس ودفع المؤمنين المسيحيين نحو محاربة المسلمين وقتالهم وممارسة أبشع أنواع العنف ضدّهم، كما منع الناس من الاطّلاع على ثقافة الشرق، وتدعّم هذا التوجّه بتحريم البابا ألكسندر السابع[2] (Pope Alexander VII تـ1667) طباعة القرآن وترجمة معانيه إلى اللغات الأوروبية.

وممّا عسّر أيضًا اطّلاع المسيحيين على كتاب المسلمين المقدّس عدم حماس المسلمين أنفسهم لترجمة القرآن الكريم[3]، وذلك لعدّة اعتبارات دينية بالأساس، ولا نبالغ إذا ذهبنا إلى القول بأنّ العلاقات الإسلامية المسيحية ظلّت متوترة تمام التوتّر طيلة قرون من الزمن، حاول خلالها العثمانيون فتح عواصم أوروبا وإخضاعها للدولة الإسلامية، و«مثل هذه العلاقة لم تسمح بمعرفة حقيقية متبادلة»[4].

ويبدو أنّ نظرة الأوروبيين للشرق وحضارته تغيّرت بداية من القرن السابع عشر، إذ أصبحت النُّخب المستنيرة تهتمّ أكثر بالإسلام وعلومه وحالة المسلمين وتاريخهم، وبعد منع نشر القرآن قرونًا من الزمن، طبع مرتين في القرن السابع عشر ميلادي[5]، كما ظهرت ترجمات بلغات أوروبية مختلفة، وتمّ بعث أقسام بالجامعات الأوروبية لتدريس اللغات الشرقية والحضارة العربية الإسلامية.

وبُني هذا الموقف الجديد على مسلّمة شاعت بين المسيحيين الغربيين مفادها أنّه «لا سبيل إلى مكافحة -أفكار محمد- بعنف السلاح الأعمى، وإنّما بقوّة الكلمة، ودحضها بروح المنطق.. لكن تحقيق هذا المطلب كان يشترط المعرفة المتعمّقة برأي الخصم»[6]، فمحاربة الإسلام تحتاج إلى معرفة تعاليمه وأسرار كتابه المقدّس، «بحيث يكون كلّ مسيحي في وضع يؤهّله لمعرفة خطأ القرآن»[7].

وفي هذا السياق ظهر الاستشراق وترعرع، وارتبط الاستشراق منذ بدايته بالتبشير، إذ أدرك علماء اللاهوت أنّ التبشير في العالم الإسلامي من خلال الوسائل التقليدية أصبح غير مجدٍ، إذ «نادرًا ما جرى تعميد أحد المسلمين»[8].

وعلى هذا الأساس اقترحوا «إدخال اللغة في التبشير»[9]، وذلك من خلال تشجيع طلبة المعاهد الدينية على تعلّم العربية والاطّلاع على فنونها وآدابها من جهة، والتشجيع على حركة الترجمة من العربية من جهة ثانية، ويعتبر رايموندوس لولوس[10] (Raimondus Lullus) من رواد هذا التوجّه التبشيري الجديد.

ساهم الاستشراق في تعريف النخب الأوروبية بلغات شرقية كانت مجهولة وحضارات لم يكن من السهل التعرّف عليها، ورغم هيمنة البعد الديني وخلفياته التبشيرية فإنّ صورة الشرق النمطية بدأت تتهاوى، وأصبح من الممكن الحصول على الكتب الإسلامية الأصول التي ترجمها المستشرقون وحقوقها، و«ذلك أنّ القرآن الذي كان يشتمه الكثيرون في أوروبا بدون معرفة سابقة لمحتواه أصبح الآن أكثر تداولًا بين الجميع»[11].

وسيمهّد هذا التحوّل لظهور أجيال جديدة المستشرقين، استفادوا من عصر الأنوار وأسهموا فيه، وأصبحنا نجد زمن الأنوار من حاول «تحرير الدراسات العربية من قيود اللاهوت»[12]، والبحث عن مناهج علمية تنزع إلى الموضوعية، وتحاول أن تفهم الشرق من داخله، وفي هذا السياق تتنزّل اسهامات رايسكه[13] (Johann Jakob Reiske تـ 1774) وغيره ممّن وجّهوا الاستشراق وجهة جديدة ستؤثّر في التجارب الاستشراقية اللاحقة وما تفرّع عنها من مراكز تفكير سادت في عصرنا الحديث.

استطاع يوهان جاكوب رايسكه أن يؤسّس في ألمانيا مدرسة في الدراسات العربية، واجتهد في وضع قواعد علمية صارمة حتى يتّبعها تلاميذه ممّن اهتموا بالحضارة العربية الإسلامية، كما استطاع أن يجمع أمهات الكتب العربية المخطوطة والمطبوعة، وأن يوفّرها لمن يرغب في قراءتها ودراستها، واستطاع بمجهوده الذاتي أن يتقن اللغة العربية قراءة وكتابة ومحادثة.

وتميّزت هذه الحقبة بإقبال كبير على دراسة المخطوطات العربية وتحقيقها، كما عكست هذه المرحلة مجهودات فردية قام بها مستشرقون مولعون بدراسة الشرق، ونادرًا ما تبنّتها مؤسسات كما هو حال العصور الوسطى، إذ كانت الكنيسة تحتكر كل ما له علاقة بالدراسات العربية.

ويبدو أنّ مستشرقي الأنوار استفادوا من الفكر الإصلاحي الديني وما صحبه من تحوّلات سياسية وثقافية، وجدير بالذكر أنّ الإصلاحيين اللوثريين كانوا في علاقة وطيدة مع الدولة العثمانية، استنجدوا بها ضدّ الكنيسة وغطرستها، فأرسل لهم سليمان القانوني (تـ 1566م) يشدّ على أياديهم ويعدهم بالمساعدة العسكرية إذا تطلّب الأمر ذلك، وأظهر الإصلاحيون أكثر تفهمًا لحضارة الشرق، وحاولوا تصحيح صورة الإسلام النمطية السلبية التي علقت بأذهان الأوروبيين، واعتبروها صورة غير واقعية[14].

لم تتواصل هذه المرحلة طويلًا، إذ حنّ الاستشراق إلى دوره القديم بمجرّد اعتزام الدول القوية استعمار الدول العربية والإسلامية، بل أصبح أداة لتبرير الاستعمار، وبشاعة ما قام به من جرائم في حقّ الشعوب المستعمرة، وأسسّ عدد كبير من المستشرقين لنظرية تقول بانّ الشعوب الإسلامية شعوب متخلّفة ومتوحّشة، ويتوجّب على الدول المتقدّمة تمدينها وتطويرها.

ولقد حصر عالم اللاهوت الهولندي جان جاك واردنبرغ (Jean Jacques Waardenburg تـ 2015) في كتابه «الإسلام في مرآة الغرب» (L'Islam dans le miroir de l'Occident)[15] هذا المنهج الاستشراقي ذي المنزع الاستعماري في خمسة مستشرقين استطاعوا أن يرسموا صورة للإسلام تستجيب لنزعاتهم الشخصية ولا تخضع لمقاييس علمية واضحة، وهؤلاء المستشرقون هم: إغناز غولدتسيهر (Ignác Goldziher تـ 1921)، وكريستيان سنوك (Christiaan Snouck Hurgronje تـ 1936)، وكارل بيكر (Carl Heinrich Becker تـ 1933)، ودنكان بلاك ماكدونالد (Duncan Black MacDonald تـ1943)، ولويس ماسينيون (Louis Massignon تـ 1962).

وخلص واردنبرغ إلى استنتاج خطير مفاده أنّ هؤلاء المستشرقين حاولوا طمس الحقيقة وتشويهها ورسم صورة جديدة للإسلام لا تمتّ للتاريخ بصلة، وأسهمت هذه الصور المشوهّة في تعميق الهوّة والخلاف بين الغرب والشرق، ويمكن اختزال معالم هذه الصورة في العدائية والهمجية والتخلّف والرغبة في الاستعباد، فالمسلمون لم يخلقوا إلَّا ليكونوا عبيدًا للغرب.

ولم يكن صوت هؤلاء المستشرقين إلَّا صدى لعدّة أصوات استشراقية، ظهرت في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، برّرت الاستعمار وساعدته، فوفّرت له بحوثًا تعرّف بالمسلمين وثقافتهم، ممّا ساعد الاستعمار على إدارة المستعمرات وإخضاع أهلها.

ومن أشهر من انخرط في هذا الاتّجاه نذكر على سبيل المثال لا الحصر المستشرق الأمريكي صمويل مارينوس زويمر[16] (Samuel Marinus Zwemer تـ 1952)، وفوم غرو نباوم[17] (Gustave Edmund von Grunebaum تـ 1972)، كما يمكن أن نذكر المستشرق الأمريكي كينيث كراج (Albert Kenneth Cragg تـ2012) الذي أظهر في كتابه «نداء مئذنة» (The Call of the Minaret) كرهه للإسلام ورُهابًا منه مبالغًا فيه.

لا نقصد ممّا سبق الإلمام بتاريخ الاستشراق ورموزه، ولكنّنا أردنا أن نمهّد للحديث عن الاستشراق الجديد وعلاقته بمراكز الفكر، وتأثير كلّ ذلك على الأمّة الإسلامية اليوم، إذ لا يمكن فهم الحاضر وتداعياته دون الوقوف عند الماضي وسياقاته.

أوّلًا: الاستشراق الجديد ومراكز الفكر

1- من الاستشراق إلى دراسة الشرق

خلصنا فيما سبق إلى مجموعة من النتائج مفادها أنّ الاستشراق تطوّر في أوروبا، وتحوّل من استشراق تشرف عليه المؤسسة الدينية ورجالاتها، ويهدف أساسًا إلى دعم جهود التنصير في العالم الإسلامي، إلى استشراق يرتبط بأشخاص تسلّحوا بفلسفة الأنوار، ثمّ استحال استشراقًا يبرّر الاستعمار وممارساته.

واضطلعت الجامعة في مختلف هذه المراحل بدور أساسيّ في دعم الاستشراق وترسيخه في التقاليد التعليمية، وتدعّم هذا التوجّه مع مستشرقي العصر الحديث، ولكنّهم في أغلبهم تراجعوا عن قيم التنوير وارتبطوا بالاستعمار فلسفةً ومنهجًا.

وتأثّر عدد كبير من المستشرقين بتداعيات الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) فهاجروا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وانتهت الحرب العالمية الثانية (1939-1945) بانتصار أمريكا وبروزها قوة عظمى في المجال العسكري والاقتصادي.

وصاحب هذا التطوّر نشوء تجربة استشراقية جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية، نشأ عنها ما عرف لاحقًا بالاستشراق الجديد، تأثّرت هذه التجربة الاستشراقية الجديدة بسقوط الاتّحاد السوفياتي وأحداث 11 سبتمبر 2001، إذا أدركت المؤسسات الأمريكية أنّها تجهل ثقافة المسلمين، وأنّ ما تحدّث عنه بعض المستشرقين لم يكن غير انطباعات أو صور وجدانية لا علاقة لها بالواقع.

في هذا السّياق تتنزل أهمية مراكز الفكر التي اضطلعت بمهمة دراسة الفكر الإسلاميّ والطوائف والجماعات الدينية المنضوية تحته وقضايا الشرق الأوسط عمومًا، فالجامعات التي كانت تحتضن الاستشراق كانت تقتصر على التعليم والتدريب، ولم تهتمّ ببعث مراكز بحوث وفكر مختصّة في قضايا الشرق وثقافته.

و«كما كان تطوّر الاستشراق الأكاديمي في القرن التاسع عشر مرتبطًا بتوسّع القوى الأوروبية في احتلال الأراضي الإسلامية، كانت دراسة الشرق الأوسط والاستشراق الجديد عمومًا حقلًا أكاديميًّا مرتبطًا بشدّة بظهور الولايات المتحدة بوصفها قوة عالمية عظمى وتورطها بشكل أعمق في الهيمنة على الشرق الأوسط»[18].

ولئن تغيّرت معالم الاستشراق ومناهجه بتغيّر السياقات والتجارب، فإنّه لا شكّ في وجود خيط فاصل واصل يجمع بين تلك التجارب المختلفة، إذ «لا شك في وجود منظومة راسخة لدراسات الشرق الأوسط، تمثّل مصالح المنتفعين وشبكات من الشركاء المهنيين أو الخبراء التي تربط ما بين نشاط الشركات التجارية، وشركات النفط، والعسكريين، والإرساليات، ووزارة الخارجية، والاستخبارات، وبين العالم الأكاديمي، وفي إطار المنظومة المذكورة نجد المنح والجوائز والمنظمات والمراتب المتصاعدة»[19].

ويتبيّن لنا من خلال الشاهد النصّي السابق بأنّ إدوارد سعيد كان مطّلعًا على هذا التطوير، وتابع بدقّة مسيرته، واستشرف مستقبله في زمن ازداد فيه رهاب الغرب من الإسلام وهيمن فيه المحافظون الجدد بالولايات المتحدة الأمريكية على القرار السياسي.

نزع روّاد الاستشراق الجديد إلى القطع مع التجارب الاستشراقية السّابقة، والظهور في صورة جديدة تتّخذ من المعرفة الخالصة والدراسات المعمّقة شعارًا لها، ونلحظ هذا المنزع في مؤتمر المستشرقين الذي انعقد بباريس سنة 1973م، إذ صوّت أغلب الحضور لتغيير مصطلح «الاستشراق» بمصطلح جديد، واتفقوا أن تعقد ملتقيات المستشرقين القادمة تحت عنوان «المؤتمر العالمي للدراسات الآسيوية والشمال إفريقية»[20].

ولا يعني هذا الإجراء «انتهاء الاستشراق التقليدي أو القديم»، بل كلّ ما في الأمر أنّ النظريات المستبطنة «أعيد تأهيلها وإنتاجها بصورة جديدة باستخدام المداخل العلمية التي وفّرتها العلوم الإنسانية، بحيث أصبحت أكثر جاذبية، وتتميّز بكثير من العمق والأهمية»[21].

انتقل مركز الاستشراق بعد الحرب العالمية الثانية تدريجيًّا من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية[22]، لعدّة اعتبارات سياسية وعسكرية واقتصادية، وبدأ التفكير بجدية في نمط جديد من الدراسات الاستشراقية لا يعوّل على دراسة المواضيع بل «دراسة المناطق»[23] (Area Studies).

ويتمثّل هذا المنزع الجديد في دراسة منطقة ما على كلّ الأصعدة ومن زوايا مختلفة، وكان التركيز أكثر على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نظرًا إلى أهمية هذه المنطقة، وتدعّم هذا التوجّه بإقرار الكونجرس الأمريكي سنة 1958م قانون التعليم الدفاعي القومي (National defense education)، إذ تحدّث في الفصل الرابع عن التمويل الحكومي للجامعات ومراكز البحوث، وأظهر حماسًا لمشروع «دراسة المناطق» باعتباره يساعد على فهم الجغرافيا وما تعلّق بها من أبعاد سياسية واقتصادية وثقافية[24].

ونتج عن ذلك مزيد من الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط، وتضاعف عدد درجات الدكتوراه المختصة في هذا المجال، وفي سياق هذه التحوّلات انتشرت مراكز الدراسات، وظهرت مراكز فكر قوية وذات تأثير كبير على المؤسسة السياسية والعسكرية، واستقطبت هذه المراكز كبار المستشرقين الجدد الذين تسلّحوا بالعلوم الانسانية والأنثروبولوجيا، وأصبحوا يقدّمون تقارير عن الشعوب الإسلامية وثقافتهم.

وظهر جيل من المستشرقين الجدد كرّسوا حياتهم لتشويه صورة الإسلام والمسلمين وتوجيه الرأي العام الأمريكي وجهة مخصوصة، تصنّف المسلمين إرهابيين ومتوحشين، وتبرّر الهيمنة عليهم، وتدعّم هذا التوجّه الاستشراقي اليميني بعد أحداث سبتمبر/ أيلول 2001 التي استهدفت برجي التجارة العالمي والبنتاغون، وما تبعها من أعمال إرهابية قامت بها جماعات تزعم أنّها إسلامية المرجع والخلفية.

لا نبالغ إذا ذهبنا إلى القول بأنّ مراكز الفكر والبحوث أصبحت تضطلع بدور رياديّ في عرض صورة الشرق وتوجيه العلاقات بين الغرب والمسلمين، والتأثير على سلطة القرار، ولئن رأى بعضهم أنّ مراكز البحث قديمة في المجتمعات الغربية، فإنّنا نجد من يؤكّد أنّ مراكز البحوث ظاهرة جديدة ارتبطت بالعصر الحديث، وظهرت خاصة بعد الحرب العالمية الثانية.

2- مراكز الفكر والفكر الاستشراقي الجديد

تثير مراكز الفكر عدّة إشكاليات من حيث الدلالات والسياقات والمهام المنوطة بها ومدى تأثيرها على العالم الإسلامي، و«هذه المراكز هي مؤسّسات بحثية هدفها الأساسي توفير البحوث والدراسات المتعلّقة بالمجتمع والسياسات العامة، والتأثير في القضايا الساخنة التي تهمّ الناس»[25].

ولئن كانت «مراكز الفكر والرأي» في بداياتها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فضاءات مغلقة آمنة تستقطب الأمنيين والسياسيين والخبراء العسكريين، فإنّها اتّسعت واستقطبت الخبراء والباحثين المنتمين إلى عدّة قطاعات معرفية، حتّى تجاوز 5000 مركز في أنحاء العالم، يوجد نصفها أو أكثر في الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد أدركت الإدارة الأمريكية أهمية النصائح والاستشارات المستقلّة حول السياسات الخارجية، وتدعمت هذه الحاجة بسقوط الاتحاد السوفياتي وهيمنة القطب الواحد، إذ تضاعفت المسؤوليات والتحديات، وأصبح من الضروري دراسة جغرافيا العالم دراسة تيسّر السيطرة على العالم، واستغلاله وتطويعه لخدمة المصالح الأمريكية العليا.

وعلى هذا الأساس فتحت الجامعات أقسامًا علمية تُعنى بشؤون الشرق وثقافته، وأصبحت مراكز الفكر تتّجه أكثر لدراسة قضايا الشرق الأوسط والفكر الإسلامي، واستطاع خبراء الدراسات الشرقية أن يتبوؤوا مكانة أساسية في المشهد الثقافي والإعلامي بالولايات المتحدة بعد أحداث سبتمبر 2001 وما تبعها من أحداث عنف تبنّتها جماعات تدّعي أنّها ذات مرجعية إسلامية.

واضطلعت مراكز الفكر من خلال خبرائها بوظائف أخرى من قبيل توفير المعلومات والمعطيات الضرورية، وتحليل الوقائع والمستجدات، ودراسة الواقع وفهمه واستشراف تداعياته في المستقبل القريب والبعيد، وضبط الأولويات، واقتراح السيناريوهات المحتملة، واقتراح حلول وبدائل وتحديد التكلفة والحاجيات والمكاسب المنتظرة[26].

وقد تضطلع مراكز الفكر بوظيفة أخرى من قبيل تطوير البحث العلمي، وتنسيق العلاقات بين الحكومة والجامعات من جهة، والخبراء والباحثين من جهة ثانية، فهذه المؤسسات باتت بمثابة جسر يصل بين الدولة والمجتمع من جهة، والمعرفة ومؤسساتها من جهة أخرى[27].

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف المعرفية الاستشرافية تعقد مراكز الفكر عدة مؤتمرات وندوات، وتضطلع بنشر كتب ومجلات، وتترجم عدّة مؤلفات، وتسهم في توجيه المشهد الإعلامي، فيشارك خبراؤها في برامج الحوار والتحليل الاستراتيجي.

3- تأثير مراكز الفكر في القرار السياسي

ممّا لا شكّ فيه أنّ مراكز الفكر في العصر الرّاهن، تلعب دورًا أساسيًّا في توجيه القرار السياسي، واقتراح الاستراتيجيات الأمنية، وهذا ما نلحظه بجلاء في التجربة الأمريكية.

ولقد تنبّه إدوارد سعيد إلى خطورة هذه المؤسسات البحثية الاستشارية الجديدة التي خرجت من رحم الاستشراق وحافظت على أهدافه القديمة الجديدة، إذ «لا شكّ في وجود منظومة راسخة لدراسات الشرق الأوسط، تمثّل مصالح المنتفعين وشبكات من الشركاء المهنيين أو الخبراء التي تربط بين الشركات التجارية والمؤسسات وشركات النفط والعسكريين والاستخبارات ووزارة الخارجية وبين العالم الأكاديمي، وفي إطار المنظومة المذكورة نجد المنح والجوائز والمراتب المتصاعدة، كلّها مكرّسة لإضفاء الشرعية والحفاظ على السلطة، وسيطرة الأفكار الأساسية التي لا تتغيّر في جوهرها عن الإسلام والشرق والعرب»[28].

لم يكن كلام سعيد مجرّد تخمينات، بل كانت قراءة في واقع مراكز الدراسات الاستراتيجية بالولايات المتحدة الأمريكي، ويمكن للمتابع للشأن السياسي الأمريكي أن يلحظ مدى تأثير خبراء مراكز التفكير على القرار السياسي، ولقد كشفت أحداث سبتمبر 2001م عن جهل المجتمع الأمريكي بالإسلام والمسلمين، واحتاجت وسائل الإعلام الأمريكية لخبراء مختصين في الشرق والحضارة العربية، والتجؤوا إلى مؤسّسات الفكر المختصة في دراسات الشرق الأوسط حتى تزوّدهم بالباحثين والخبراء.

أدركت الإدارة الأمريكية أنّ في عالم السياسة لا تتحوّل المعلومات إلى قوّة وهيمنة إلَّا إذا قُدّمت بالشكل الصحيح وفي الوقت المناسب، هذه الرؤية تختصر بإيجاز مهمّة مراكز الفكر Think Tanks، ولذلك عوّل أصحاب القرار السياسي في البيت الأبيض على تقارير هذه المراكز.

ويرى السفير ريتشارد هاس (Richard Nathan Haass)، مدير دائرة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية بأنّ مؤسسات الفكر والرأي تؤثر على صانعي السياسة الخارجية الأميركية بخمس طرق مختلفة تتمثّل في توليد أفكار وخيارات مبتكرة في السياسة، وتأمين مجموعة جاهزة من الاختصاصيين للعمل في الحكومة، وتوفير مكان للنقاش على مستوى رفيع، وتثقيف مواطني الولايات المتحدة عن العالم، وإضافة وسيلة مكملة للجهود الرسمية للوساطة وحل النزاعات.

وجدير بالذكر أنّ محمد حسنين هيكل نبّه في كتابه «الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق» (2009) إلى دور ما عرف في السبعينات بمستودعات الأفكار (مراكز الفكر وبحث)، إذ أصبح جليًّا للعيان أنّ هذه المراكز أصبحت بذاتها حكومة الظلّ في أمريكا، بل تأكّد أنّها الحكومة الحقيقية الخفية التي تصوغ القرار السياسي وتكتبه، ثم تترك مهمة التوقيع عليه للرئيس ومعاونيه الكبار في الإدارة»[29].

بل نجد عدّة وزراء كانوا باحثين في مراكز مختصة، من ذلك كونداليزا رايس (Condoleezza Rice) وزيرة الخارجية الامريكية السابقة، إذ كانت باحثة في مؤسّسة هوفر للحرب والثورة والسلام (Hoover Institution)، كما أنها شغلت عضو مجلس أمناء مؤسسة راند.

ونظرًا إلى خطورة مراكز الفكر المختصة في دراسة الشرق الأوسط، ودورها الفعّال في توجيه الرأي العام الأمريكي، نحو رؤية مخصوصة يتبنّاها المحافظون الجدد والشركات الكبرى المؤيّدة لهم، فإنّ الاستشراق المحايد أصبح مراقبًا ومحاصرًا، ولا يسمح له بالنفاذ إلَّا إلى ما حدّد له.

ولقد ظهر في العقود الأخيرة مجموعة من الباحثين في قضايا الشرق الأوسط والفكر الإسلامي، حاولوا تجاوز الحدود المسموح بها، وتعديل الصّور النمطية التي شاعها ثلّة من المستشرقين الجدد الحاقدين على الشرق، وقدّموا محاضرات علمية في الجامعات الأمريكية أغضبت مراكز الفكر المختصة ومن يقف وراءها.

ودفع هذا الأمر المستشرق الأمريكي دانييل بايبس (Daniel Pipes) إلى تأسيس مؤسّسة «كامبس ووتش» [30]Campus Watch لمراقبة البحوث والدروس الجامعية المتعلقة بالشرق الأوسط، إذ ساءه أنّ هذا المجال ظلّ خارج السيطرة والمساءلة، ممّا أضرّ أحيانًا بالأمن القومي وكذلك بأمن إسرائيل.

وتعدّ هذه المؤسسة امتدادًا لمنتدى الشرق الأوسط the Middle East Forum، وهذا المنتدى مؤسسة بحث وفكر مقربة جدًّا من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية، وانطلق دانييل بايبس من خلفية عدائه للإسلام، فهو صاحب نظرية «الرّعب الإسلامي» (Islamic terror) التي أطلقها سنة 1997، ثمّ أكّدها في كتابه «الإسلام المحارب يصل إلى أمريكا «Militant Islam Reaches America»[31]، ولقد مارست مؤسسة كامبس ووتش ضغوطًا كبيرةً على مجموعة من الأكاديميين، ممّا اضطر بعضهم إلى مغادرة الولايات المتحدة والالتحاق بجامعات أخرى[32].

 نستنتج ممّا سبق أنّ الاستشراق الجديد أصبح يمثّل سلطة لا يستهان بها، ويحسب لها ألف حساب، وأصبح لخبراء دراسات الشرق الأوسط تأثير بالغ الأهمية على أصحاب القرار داخل البلاد وخارجها، ولنا في تجربة مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي (Carnegie Endowment for International) خير مثال على ذلك، إذ استطاعت هذه المؤسسة المستقلة أن تجمع قادة الأحزاب السياسية والمؤسسات الأهلية بجنوب إفريقيا في أواسط الثمانينات من القرن العشرين، وساعدت هذه الاجتماعات التي تواصلت على مدى ثماني سنوات أن تقرّب وجهات النظر وتفتح باب الحوار بين الحكومة والمعارضة.

4- مراكز الفكر والتحرّر من مركزية الدولة: أهمية المراكز المستقلة

تؤكّد التجربة الأمريكية المعاصرة في إدارة مراكز الفكر أنّ هيمنة الدولة على مراكز البحوث والدراسات قد يؤدّي إلى مجموعة من المغالطات، ويفقد المعرفة قيمتها وتأثيرها، فالموظّفون الحكوميّون تنقصهم في أغلب الأحيان الشفافية العلمية، وقد يضطرون أحيانًا إلى تغيير نتائج البحث لإرضاء هذا الطرف أو ذاك، وينتج عن ذلك اضطراب على مستوى القرارات السياسية.

وعلى هذا الأساس اضطلعت المؤسسات الخاصة المستقلة بمهمّة البحث والدراسة والاستشارات، وظهرت مؤسسات كبرى[33] ذات إمكانات وموازنات ضخمة، استطاعت أن تستقطب المستشرقين والمختصين في الدراسات الإسلامية واللغة العربية، وخصّتهم بامتيازات مالية مهمّة، واعتمدت منهجًا صارمًا في العمل والبحث، ولقد أظهر باحثو هذه المراكز قدرة على الابتكار والإبداع والعمل التعاوني واستشراف المستقبل، كما أظهر خبراء مراكز الفكر هذه، قدرة عجيبة على توجيه الرأي العام، وتشكيل الصور، والتأثير على أصحاب القرار السياسي داخل البلاد وخارجها.

بالإضافة إلى ذلك استطاعت مراكز الدراسات والفكر أن تفتح لها فروعًا في كلّ أرجاء المعمورة بيسر، فهذه الفروع البحثية في ظاهرها لا تمثّل دولةً أو نظامًا بل تمثّل مركزًا بحثيًّا مستقلًا فحسب، وإن استبطنت سياسة دولة ومصالح أخرى، وهذه مغالطة كبرى وقعت فيها أغلب الدول الإسلامية، فرحّبت بهذه المراكز، وفتحت لها فروعًا، واستشارتها في أهمّ القضايا وأخطرها، وعوّلت عليها في حلّ مشاكلها، وأنفقت عليها بسخاء لا نظير له.

ولكن لا يمكن أن نفصل بين مراكز الفكر والدراسات وسياسات بلدانها التي نشأت فيها، وسنذكر أمثلة من مراكز فكر اتّخذت لها فروعًا في الدول العربية والإسلامية، وسنتحدّث أساسًا على «مؤسسة بروكنغز» و«راند» (RAND) و«كوربوريشن» (News Corporation) و«مؤسسة هيريتيج» (Heritage Foundation).

تعتبر «مؤسسة بروكنغز» (The Brookings Institution) من أهمّ مراكز الفكر بالولايات المتحدة الأمريكية، تأسست منذ سنة 1916 بواشنطن، وصنفت سنة 2012 بأنّها أكثر مؤسّسات الفكر تأثيرًا في العالم[34]، ولهذه المؤسسة عدّة فروع أهمها فرع بروكنغز بالدوحة (Brookings Doha Center) الذي افتتح سنة 2008م في إطار اتفاقية مع وزارة الخارجية القطرية[35].

ويقوم فرع المؤسسة بعدّة دراسات حول قضايا الديمقراطية والتحوّلات السياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والإصلاح التعليمي والسياسي في دول مجلس التعاون الخليجي.

وتنصّ المادة الأولى من اتفاقية التأسيس أنّ بروكنغز قطر هو «مركز للأبحاث والدراسات ونشر المعلومات، بهدف تحسين علاقات أمريكا مع الدول والمجتمعات الإسلامية من خلال أبحاث السياسات ونشاطات التواصل»[36]، كما يشرف المركز على سلسلة اللقاءات السنوية لمنتدى الولايات المتحدة والعالم الإسلامي.

ولكن ماذا قدّم هذا المركز للمسلمين؟ وبماذا أفادت أعماله الأمّة الإسلامية؟ وهل استفدنا حقيقة من بحوثه ومقالاته؟

إنّ المتتبع لإصدارات هذه المؤسسة ومقالاتها، لا يرى أنّها خدمت أو تخدم قضية من قضايا المسلمين، ولو أخذنا على سبيل المثال القضية الفلسطينية، وقرأنا المقالات المتعلّقة بالكيان الصهيوني للاحظنا تعاطف هذا المركز البحثي مع دولة إسرائيل، وحتى ما كان يوجّه من نقد لسياستها، كان يصبّ في إطار النصيحة وعتاب الأحبّة، وتحفيز إسرائيل على تجنّب أخطائها، حتّى تدافع عن أمنها القومي، كما جاء في ختام مقال «على إسرائيل أن تأخذ زمام المبادرة (Israel should take the initiative).

وجدير بالذكر أنّ هذا المقال استهلّ بمقولة لرابين الذي تمّ تعريفه على أساس أنه حائز على جائزة نوبل للسلام، جاء في المقولة «سننتصر لأننا نعتبر بناء السلام باعتباره نعمة عظيمة بالنسبة لنا، ولأبنائنا من بعدنا، ونحن نعتبر ذلك بمثابة نعمة لجيراننا من جميع الاطراف»[37].

وتجدر الإشارة أنّ هجرة مراكز الفكر والرأي عبر القارات وانتشارها في بعض الدول العربية والإسلامية، لاقت التشجيع والمباركة من قبل مجتمع المانحين الدوليين والمؤسسات الخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، وخُصصت من أجل ذلك أموال طائلة.

ولا نستطيع في هذا البحث تناول هذه المسألة بدقة، ولكنّها قد تكون موضوعًا مستقلًا نتناول فيه هجرة مراكز الفكر وخلفيات ذلك، فعدة مؤسسات أصبحت تموّل الأنشطة الفكرية والعلمية بعدّة دول عربية، ونذكر على سبيل المثال مؤسسة كارنيغي (Carnegie) الخيرية للسلام العالمي[38]، والمعهد القومي لتقدم الأبحاث[39] National Research Centre (NRC)، ومركز وودرو ويلسون الدولي للبحاثة (Woodrow WilsonInternationalCenterfor Scholars)، وصندوق مارشال الألماني[40] (The German Marshall Fund of the United States) (GMF)، ومؤسسة أطلس للأبحاث الاقتصادية (AtlasEconomic ResearchFoundation).

وتوفر هذه الفروع البحثية فرص عمل لبعض الباحثين المحليين، الذين ينخرطون في مشاريع بحث دون إدراك خلفياتها وأبعادها الاستراتيجية، كما قامت مؤسسات الفكر والرأي في الولايات المتحدة بتصدير باحثيها إلى البلدان الأخرى، ونشر منهجها في التحليل والنقد والاستشراف.

وعلى هذا الأساس نفهم ما روّجت مؤسسات عريقة من قبيل منظمة هيريتيج (Heritage Foundation)، ومعهد هدسون (The Hudson Institute) وغيرهما من مراكز الفكر ممّا يضيق المجال بذكرهم. وفي هذا السياق عقدت هذه المؤسسات شراكة مع مراكز الدراسات والبحوث في كل أرجاء العالم تحت شعار التعاون الدولي في مجال البحث العلمي.

ثانيًا: تأثير مراكز الفكر والاستشراق على الأمّة الإسلامية

لا يمكن أن ننكر مدى تأثير الاستشراق على الثقافة الإسلامية وخاصة على مستوى العمل الأكاديمي والبحث في التراث الإسلامي، فقد درّس المستشرقون في الجامعات العربية، وأثّروا في أجيال من المثقفين.

ورغم ارتباط الاستشراق عمومًا بالاستعمار وتبريره جرائمه، فإنّ عددًا كبيرًا من المستشرقين عرّفوا بالثقافة الإسلامية، وأحيوا مؤلّفات كانت منسية ومهملة، فالمخطوطات العربية ظلّت قرونًا من الزمن مجهولة لا يعرفها المختصون، ويعود ذلك إلى عدّة أسباب، فمن جهة أثّر تراجع الحضارة الإسلامية في اهتمام المسلمين بعلومهم، وأصبح عامة الناس وخاصتهم أحيانًا لا يهتمون بما كتبه كبار علماء الأمّة في مختلف المجالات، وممّا زاد الطين بلّة ما أصاب الأمّة من عدوان خارجي.

لقد حلّ بالأمّة الإسلامية عدّة مصائب اختفت على إثرها أنفس المخطوطات، ولعلّ أخطر هذه الأحداث ما حلّ بعاصمة الخلافة الإسلامية بغداد حينما دخلها المغول سنة (656هـ/ 1258م) وعاثوا فيها فسادًا، وأحرقوا الكتب، وجعلوا من المخطوطات جسرًا تمرّ عليه خيولهم.

وفي العصر الحديث عانت الأمّة الإسلامية من ويلات الاستعمار وبطشه، وجدير بالذكر أنّ الاستعمار الأوروبي لم يكتفِ باستعباد الناس واستغلالهم وسرقة ثرواته، بل تعمّد أيضًا سرقة تراثهم وماضيهم، واستطاع المستعمرون نهب المكتبات وأخذ المخطوطات النفيسة وإيداعها في المكتبات الأوروبية، ولذلك ستشهد حركة تحقيق المخطوطات الإسلامية عمومًا والعربية بصفة أخصّ ازدهارًا كبيرًا في أوروبا طيلة قرونًا من الزمن.

شهد القرن الثامن عشر الميلادي موجة كبيرة في مجال تحقيق المخطوطات العربية وخاصة في فرنسا وألمانيا، ففي ألمانيا برز ثلّة من المستشرقين المهتمين بالأدب العربي وتاريخ الحضارة الإسلامية، ويمكن أن نذكر على سبيل المثال جاكوب رايسكه، إذ جمع هذا المستشرق الألماني عددًا كبيرًا من المخطوطات العربية، وحقّق بعضها ثمّ نشرها، ويعتبر جاكوب أوّل من نشر معلّقة طرفة بن العبد مع ترجمتها إلى اللغة اللاتينية.

ونجد في ألمانيا عشرات المكتبات التي تحتوي مخطوطات عربية أو إسلامية، وشجّعت الجامعات الألمانية منذ القرن الثامن عشر على الدراسات العربية وتحقيق المخطوطات المتعلّقة بها، وفي هذا الإطار تندرج أعمال فردينند وستنفلد (Ferdinand Wüstenfeld تـ 1899)، إذ قام بتحقيق كتاب «آثار البلاد للقزويني» و«أخبار قبط مصر».

ولم يكتفِ المستشرقون الألمان بتحقيق المخطوطات، بل اجتهدوا في ترجمة ما حقّقوه ونشره باللغة الألمانية وربما بلغات أوروبية أخرى، فترجم سخاو (Carl Eduard Sachau تـ 1930)، «أحاديث منتخبة من مغازي موسى بن عقبة»، كما ترجم غوستاف فوال (Gustav Fwell) عددًا كبيرًا من المخطوطات من قبيل «السيرة النبوية» لابن هشام، وكتاب «أطواق الذهب» للزمخشري، و«ألف ليلة وليلة».. وغير ذلك كثير، وحقّق المستشرقون آلاف من المخطوطات العربية والإسلامية، ثمّ نشروها وترجموا نصيبًا منها.

لم يكن اهتمام المستشرقين الألمان بالتراث العربي وتحقيقه وترجمته ونشره، إلَّا نموذجًا من اهتمام الاستشراق الأوروبي عمومًا بأدبيات الشرق، ومن الصعب أن نحصر في هذا المجال البحثيّ الضيّق ما قام به المستشرقون في هذا المجال.

ولو أردنا أن نتحدّث عن المخطوطات الإسلامية التي حقّقها مستشرقون أوروبي وأمريكيون من بعد لتطلّب منّا ذلك موسوعة كاملة، فالأعمال كثيرة وتمتدّ على قرون من الزّمن، ولا نبالغ إذا ذهبنا إلى القول بأنّ بعض المؤلفات العربية ما كنّا لنطّلع عليها ونقرأها لولا تحقيق المستشرقين لها.

ولئن أسهمت بعض الدراسات الاستشراقية في تعديل الصور النمطية التي سادت في القرون الوسطى، وأسهمت الكنيسة الكاثوليكية في نشرها، فإنّ الاستشراق في بعض وجوهه أثّر سلبًا في الأمة العربية والإسلامية، ومن الصعب أن نحصر مختلف هذه التداعيات[41]، التي أضرّت بطريقة أو بأخرى بالمسلمين واقعًا وثقافة، وبالإضافة إلى تيسير التبشير المسيحي والاستعمار الأجنبي، فقد أسهم الاستشراق في بناء صورة جديدة للثقافة الاسلامية من خلال مداخل مضبوطة اقترحها المستشرقون باعتبارها مناهج دراسة وتحقيق.

مثّل الاستشراق سلطة معرفية ليس من اليسير تجاوزها وإن اجتهد البعض في ذلك، «لقد أوجد الاستشراق حقلًا معرفيًّا موضوعه (الشرق) من رحم الغرب الاستعماري، أي من خلال سلطته المكتسبة الجديدة، بعد خروجه من ظلمات القرون الوسطى، خالقًا (شرقه أو آخره المختلف)»[42].

وليس المقصود في هذا السياق السلطة العسكرية والسياسية فحسب، وإن كان من الصّعب الفصل بين أنماط السلط المختلفة، بل المقصود أيضًا السلطة الرمزية التي اكتسبها المستشرقون من خلال دراساتهم المبكّرة في مجال الثقافة العربية وتحقيقاتهم المتنوّعة في مجال المخطوطات العربية والفارسية وغيرها من لغات الشرق.

ولذلك ذهب أحد المفكرين المعاصرين إلى أنّه «لا يمكننا أن نتحدّث عن الإسلام والتاريخ دون أن نصطدم في طريقنا بالمستشرقين والاستشراق، فهذا مستحيل لأنّ المستشرقين هم الذين أدخلوا تاريخيًّا منهجية جديدة في دراسة الإسلام الكلاسيكي أو الفترة الكلاسيكية للإسلام لم تكن معروفة حتى ذلك الوقت، من قبل الأدبيات التاريخية الإسلامية الكلاسيكية، وهذه المنهجية ندعوها بالمنهجية الفيلولوجية[43] (أي منهجية فقه اللغة وعلومها)»[44]، ورغم ما نلحظه من مبالغة في خطاب أركون إلاّ أنّ مسألة تأثير الاستشراق في الأمّة وعلمائها يستحقّ النظر والتدقيق.

وجدير بالذكر أنّ الاستشراق استفاد كثيرًا من جهلنا بتراثنا وتكاسلنا في إحيائه وفهم معانيه، فحينما التحق المستشرقون في المنتصف الأول من القرن العشرين للتدريس بالجامعات المصرية واللبنانية والجزائرية والتونسية وغيرها من الجامعات العربية والإسلامية، كانوا يحدّثون طلبتهم عن نفائس من التراث العربي يجهلونها، ويثيرون قضايا خطيرة ذات صلة بالحضارة العربية الإسلامية أغلقت الأبواب دونها منذ قرون من الزّمن.

كانت صدمة الاستشراق انعكاسًا لعصور خلت من جهل التراث وتجاهله، كانت صدمة مؤثّرة، وجّهت الدراسات التراثية بالجامعات العربية حقبة من الزمن، وما زال تأثيرها ملموسًا في عدّة مجالات معرفية، ولا يمكن أن ننكر تأثير المستشرق لويس ماسينيون في ثلّة من الباحثين الجامعيين الذي تتلمذوا على يديه في باريس أو الجزائر أو القاهرة، ونخصّ بالذكر عبدالرحمن بدوي وعبدالحليم محمود وطه حسين وعلي شريعتي وآخرون لا يسمح المقام بذكرهم..

لم تكن صدمة الاستشراق غير اعتراف عربيّ ضمنيّ بتفوّق المستشرقين في مجال الدراسات الإسلامية، وريادتهم في عالم تحقيق المخطوطات وتبويب المعارف الإسلامية، ولذلك «ليس الجواب على الاستشراق، هو الاستشراق المعكوس أو المضاد، بل النقد المعرفي الموضوعي والاحتكام إلى سلطة المعرفة، بدل تكريس معرفة السلطة»[45].

وهذا يعني ضرورة مراجعة مناهج دراسة التراث الإسلامية، وتطوير البحوث حتى تستطيع أن تخرج من صدمة الاستشراق وسطوته، ويتطلّب ذلك منّا مواكبة للتطوّر الفكري بالغرب، إذ لا يمكن نقد العقل الاستشراقي دون وعي الحراك الثقافي والمعرفي الذي شاع بالغرب لقرون من الزمن، وتطوّر المناهج والأساليب.

ورغم أنّ الاستشراق ظلّ لعقود من الزمن حبيس المنهجية التاريخية والمنهجية الفيلولوجية، فإنّه ما زال يؤثر في الدراسات العربية والإسلامية، وما زال العقل العربي متعثرًا تائهًا يبحث عن طريق الخلاص.

ورغم كلّ تلك الإنجازات العلمية فإنّ الاستشراق لم يكن عملًا حياديًّا وإن أظهر بعض المستشرقين إنصافًا، وأصبح الانحياز أكثر وضوحًا مع المستشرقين الجدد وفي خطابات مراكز الفكر المعاصرة.

ومن الصّعب أن نرصد الخلفيات الأيديولوجية للاستشراق في هذا العمل الموجز، فهي خلفيات متعدّدة ومتطوّرة، تتغيّر بتغيّر التجربة الاستشراقية وثقافة المستشرق، ولذلك سنركّز على نقطة مهمة اعتنى بها الاستشراق القديم وخصّها الاستشراق الجديد بعناية فائقة، وجعلتها مراكز التفكير مسألة محورية، خصّصت لها البحوث والدراسات والندوات والمؤتمرات.

وتتمثّل هذه المسألة في إثارة النعرة الطائفية والتركيز على المذاهب الإسلامية والملل والنحل وما دار بينها من صراعات واقتتال، لقد اهتمّ الاستشراق منذ ظهوره بالأقليات الدينية والمذهبية والإثنية في العالم الإسلامي وبالجماعات الإسلامية والخلافات بينها، ولا يمكن حصر المخطوطات التي حقّقها المستشرقون أو الكتب التي ألّفوها المتعلّقة بعلاقة الجماعات الإسلامية بعضها ببعض، فهي كثيرة ومتنوّعة من حيث اللغات التي كتبت بها والخلفيات التي وجّهتها.

وسنكتفي بذكر أمثلة من أدبيات المستشرقين، ففي مجال الأديان تحدّث تومين (Thoumin R) عن «حياة المسيحيين والأكراد في دمشق» (1931)، كما تناول المستشرق الفرنسي «نو» (Nau P.F تـ 1931) في المسألة ذاتها فألف كتابا يتعلّق بـ«المسيحيين العرب في آسيا الصغرى وسوريا من القرن السابع إلى القرن الثامن تـ 1931»، وفي السياق نفسه تحدّث جورج قراف (Graf P.G تـ 1955) عن «الآداب المسيحية العربية». وتنزع هذه المؤلفات وغيرها ممّا لم نذكر نحو بيان مظلومية المسيحيين العرب وهم يعيشون بين المسلمين، وهذا الكلام له انعكاسات سلبية على مستوى بناء صورة المسلمين في المجتمعات الغربية من جهة، وتبرير استعمار بلاد المسلمين من جهة ثانية.

ولقد أثبتت الأحداث السياسية وتداعياتها الاجتماعية في مصر ولبنان وسوريا والعراق وغيرها من البلدان العربية، أنّ إثارة النعرات الدينية والحساسيات العقدية تنتج صراعًا قاتلًا بين أبناء الوطن الواحد، وتثير فتنًا تأتي على الأخضر واليابس.

ويتدعم ذلك بإثارة الخلافات الطائفية والمذهبية بين أبناء الملّة الواحدة، واستطاع بعض المستشرقين إثارة قضايا خلافية حساسة من خلال تحقيق مخطوطات أو تأليف كتب تتعلّق بالجماعات الإسلامية فرقًا ومللًا ونحلًا، والتركيز على الخلافات الحادّة بينها من أجل إثبات الحقيقة ودحض كلّ فرقة لمقالات بقية الفرق.

وفي هذا السياق تتنزل مؤلفات «مارسي» (Marcy Georce تـ 1946) المتعلّقة بالفكر الإباضي، ونذكر خاصة كتابه «إله الإباضية» (1936)، كما كتب المستشرق الألماني يوليوس فلهاوزن ( Jullius Wellhausen تـ 1918) كتابين خطيرين تحت عنوان «الأحزاب المعارضة في الإسلام» و«الخوارج والشيعة»، كما حقّق هيلموت ريتر (Hellmut Ritter تـ 1971) كتاب «مقالات الإسلاميين» لأبي الحسن الأشعري وكتاب «فرق الشيعة» للحسن بن موسى النوبختي.

وركّز مستشرقون آخرون على التصوّف وصراعه مع الفقهاء، وفي هذا الإطار يندرج كتاب «متصوفو الإسلام» لنيكولسون (Reynold Alleyne Nicholson تـ 1945)، وكتاب «الحلاج الصوفي الشهيد في الإسلام»[46] للويس ماسينيون ( Louis Massignon تـ 1962).

وتواصل هذا الاهتمام الاستشراقي بعده، فكتب أ. ج. أربري (A. J. Arberry) كتابين مهمين: «مقدمة لتاريخ التصوف» الذي صدر في سنة 1947، و«التصوف» الذي صدر سنة 1950، وفي السياق نفسه يمكن أن نفهم اهتمام بعض المستشرقين في الجماعات الإسلامية المعاصرة والخلافات بينها، ويمكن أن نذكر على سبيل المثال كتاب «الاتجاهات الحديثة في الإسلام» لجيب (Hamilton Alexander Rosskeen Gibb تـ 1972)، والمؤلفات الاستشراقية في هذا المجال كثيرة ليس من اليسير حصرها.

ندرك ممّا سبق تركيز الخطاب الاستشراقي على مواضيع حسّاسة تمسّ تماسك المجتمع الإسلامي ووحدته، اهتمّ بعض المستشرقين بالصّراع المذهبي والتناحر الطائفي، كما اهتمّوا بقضايا الأقليات العرقية ولغاتهم، وركّزوا على اللهجات المحلية في صراعها مع اللغة العربية.

ولئن كان الاستشراق القديم يتناول هذه القضايا بطريقة تكاد تكون فردية، وإن خضعت لرؤية استشراقية موحدة، فإنّ مراكز الفكر المعاصرة التي تحتضن الاستشراق الجديد تشتغل على زعزعة وحدة المسلمين وتشتيتهم بطريقة ممنهجة صريحة لا يخفيها أصحابها، بل نجدها جلية في كتاباتهم وتقاريرهم وتوصياتهم واستشاراتهم، ولكنّنا ما زلنا لم نستوعب الدّرس، بل نلجأ أحيانًا إلى مراكز الفكر ذاتها التي تعمل على تمزيق صفوفنا وإضعافنا، حتى تحلّ مشاكلنا وتنير دربنا.

ويمكن أن نتبيّن هذا المنزع الاستشراقي الجديد في مؤلّفات برنارد لويس (Bernard Lewis) على سبيل المثال، فهذا الرجل عرف بانتقاده اللاذع للإسلام والمسلمين، واستطاع من خلال حضوره الكثيف في وسائل الإعلام الأمريكية أن يرسم صورة نمطية سلبية تتعلّق بالإسلام، كما تعكس هذا التوجّه مؤلفاته[47].

ونلاحظ أنّ لويس كما هو حال ثلّة من خبراء الشرق الأوسط المؤثرين في سلطة القرار الأمريكية، يركز في مؤلفاته وخطاباته على ضرورة تأجيج الخلافات الإسلامية - الإسلامية، ودعم كلّ أشكال الصراع بين الجماعات الإسلامية، وإثارة النعرات المذهبية والطائفية.

ولذلك نجد برنارد لويس يركز على فكرة الصراع في الحضارة الإسلامية، باعتبارها حضارة تقوم على الكراهية والعنف، وهذا يعني –حسب رأيه- أنّ كلّ الجماعات الإسلامية التي مارست العنف قديمًا وحديثًا هي تطبّق تعاليم الإسلام، ومن هذا المنطلق يندرج كتابه «الحشاشون: فرقة متطرفة في الإسلام»[48]، ويمكن أن نفهم أيضًا كتابه «ثقافات متناحرة: مسيحيون ومسلمون ويهود في عصر الاكتشاف»[49]، وكذلك كتابه «الهويات المتعددة للشرق الأوسط»[50].

نلاحظ من خلال هذه المؤلفات اهتمام برنارد لويس ومن ورائه «الاستشراق الإعلامي» ببناء صور نمطية جديدة تخّص الإسلام والمسلمين ترى أنّ الإسلام بطبيعته يدعو إلى التقاتل والتكفير، وأنّ الحركات الدينية المتشددة ليست استثناء بل تعكس حقيقة الدين ذاته.

ولقد صدّق هذه الصورة عدد كبير من المثقفين والمفكرين الغربيين والعرب المسلمين أيضًا، وأصبحنا نجد من أبناء الأمة من يتبنّى هذه الآراء المسيئة للمسلمين أكثر من مستشرقي مراكز الفكر أنفسهم.

وفي هذا السّياق نستحضر مؤلفات بسام طيبي[51]، وفؤاد عجمي[52]، إذ نجد فيها تشويهًا لصورة المسلمين وتحقيرًا لهم، وتأييدًا لكلّ ما يُمارس ضدهم من استغلال، ونفهم من خلال مؤلفات المستشرقين الجدد وخبراء الشرق الأوسط أنّ العربيّ متوحش بطبيعته، وأنّه غير قابل بأن يكون مدنيًّا أو ديمقراطيًّا، وعلى هذا الأساس يجوز التدخل فيه، وإجباره على التحضر.

وهذا المنزع الاستشراقي الجديد يكاد يكون واضحًا وجليًّا في كتاب «العقل العربي» (The Arab Mind 1972) لرافائيل بتاي[53] (Raphael Patai تـ1996)، وجدير بالذكر أنّ هذا الكتاب أصبح المرجع الذي يعتمده أصحاب القرار في الولايات المتحدة الأمريكية للتعامل مع القضايا العربية، بل «سرعان ما أصبح أحد الكتب الواجب قراءتها في البنتاغون عشية قيام إدارة بوش الابن بالتحضير لحرب العراق»[54].

ولقد توصّل سيمور هيرش[55] (Seymour Myron) الذي كشف عن فضائح «أبو غريب» بعد بحث استقصائي ومحاورات مع كبار الضباط الأمريكيين المسؤولين عن التعذيب في سجن أبو غريب، واستنتج أنّهم كانوا متأثّرين بكتاب «العقل العربي»، إذ تحدّث فيه رافائيل بتاي عن المسألة الجنسية وحساسية العربي المفرطة فيما يتعلّق بالإذلال الجنسي والمهانة التي تتعلّق بالرجولة.

ويبدو أنّ المحافظين الجدد اعتمدوا هذا الكتاب «إنجيلًا لهم» منذ صدوره لأول مرّة سنة 1973، ورسموا من خلاله طريقهم إلى الشرق، من خلال التركيز على مدخلين أساسيين: يتعلّق المدخل الأول بضرورة اعتماد القوة في إخضاع العرب، باعتبار أنّ العربي لا يفهم إلَّا لغة القهر والقوّة، أمّا المدخل الثاني فيتعلّق باستهداف أهمّ نقطة ضعف لدى العربي المتمثّلة في الخوف من العار الجنسي، ويمكن إذلال العربي من خلال هذين المدخلين.

ولئن أخفى الاستشراق القديم أهدافه السياسية وخلفياته التوسعية، فإنّ مراكز الفكر ومن ورائها الاستشراق الجديد وخبراء الشرق الأوسط، تصرّح دون تردّد أو مجاملة بأنّ إعادة تقسيم بلاد المسلمين أصبحت ضرورة سياسية وأمنية، ولا بدّ أن توجّه الدراسات الاستشراقية الجديدة نحو هذه الوجه.

وعلى هذا الأساس وضعت مراكز الفكر عدّة استراتيجيات تقوم أساسًا على إثارة النعرات الطائفية والدينية والمذهبية والقبلية والسياسية، قصد إعادة تشكيل الشرق الأوسط والمغرب العربي بما يخدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وأمن إسرائيل.

عُرضت مشاريع تقسيم العالم العربي والإسلامي على الحكومات الأمريكية المتعاقبة، ولاقت استحسانها، وقامت هذه الفكرة على أساس أنّ التقسيم الناتج عن معاهدة سايكس بيكو (1916) كان متعجّلًا، ولم يأخذ بعين الاعتبار المسألة الأمنية.

ولكنّ ظهور الحركات الإسلامية المتشدّدة وقيامها بعمليات إرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا دفع خبراء مراكز الفكر إلى إعادة التفكير في جغرافيا العالم الإسلامي، ولقد تجلّى هذا المشروع بوضوح وجلاء مع ظهور خارطة «حدود الدمّ» للخبير العسكري الأمريكي رالف بيتر (Ralph Peter)، وتنطلق هذه النظرية من مسلّمة تقول بأنّ الحدود القائمة حاليًّا لا تقوم على العدالة، وأنّ الدول العربية والإسلامية القائمة حاليًّا تشكّل في مجملها خطرًا على الديمقراطية والأمن الدولي وحقوق الإنسان.

وخصّ رالف المملكة العربية السعودية بالذكر في مقاله الشهير «التهديد السعودي» (the saudi threat)، وحمّلها مسؤولية ما حدث في سبتمبر 2001، وما يحدث اليوم في العالم من إرهاب، وعلى هذا الأساس لا بدّ من تغيير الأنظمة، وتعديل الخارطة، بما يضمن سلامة الأمن القومي الأمريكي، وسلامة إسرائيل الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية.

ولم يكن هذا الرأي حكرًا على رالف بيترز، بل نجده عند أغلب خبراء ومستشاري البيت الأبيض، ولكنهم لا يصرّحون بذلك إلَّا نادرًا، وهذا ما قام به وليام كريستول (WilliamKristol) أحد أبرز زعماء المحافظين الجدد، وصاحب «مشروع القرن الأمريكي الجديد» (Project for the New American Century)، إذ صرّح في يونيو 2002 بوجود أجندة أمريكية طويلة المدى تهدف إلى إسقاط الأنظمة السياسية في الخليج العربي وستبدأ بالحرب على العراق، وذلك من أجل دعم الديمقراطية وتمكين الأقليات من حقوقهم الأساسية.

لقد أوصت مراكز الفكر المهتمّة بالشرق الأوسط بضرورة إعادة تقسيم بلاد المسلمين بحسب أجندات طائفية وعرقية وإثنية ومذهبية، ولكن ليس من السهل تغيير الخارطات التاريخية والأنظمة السياسية، ولذلك سيحتاج التغيير إلى دماء وقتل وحروب وفتن وصراعات بين أبناء الملّة الواحدة والوطن الواحد، وهذا ما نلحظه بجلاء في عدّة أماكن من العالم الإسلامي، إنها حدود الدمّ كما أرادها الخبير العسكري الأمريكي رالف بيتر، وكما أقنعت بها مراكز الفكر أصحاب القرار في السياسة الأمريكية ثم السياسات الأوروبية.

يشكو العالم الإسلامي اليوم من الإرهاب، فأغلب العواصم العربية تضرّرت بسبب هذا الداء العضال، بل نجد الإرهاب يضرب قلب أوروبا وعواصمها التاريخية، ونسمع تنديدًا وتوعّدًا وتهديدًا، ولكننا نقف عاجزين حائرين أمام صمت بعض الدوائر الغربية أمام انتشار الحركات الدينية المتشدّدة، وتحرّك عناصرها بيسر وحرية وحصولها على تمويلات مالية كبرى دون رقابة أو محاسبة.

وهذا يعني أنّ صناعة الإرهاب وعلى رأسه صناعة تنظيم الدولة بالعراق والشام يندرج ضمن مشروع «حدود الدم» وتقسيم المسلمين إلى طوائف متقاتلة، فمراكز الفكر سوّقت لصورة نمطية سلبية تخصّ المسلمين، وقدّمتهم للجمهور الأمريكي والأوروبي باعتبارهم متوحشين يعشقون العنف ويقدّسون القتل والخراب.

وعلى هذا الأساس يجب التدخّل لتهذيبهم وحماية الإنسانية من توحّشهم، وإعادة تقسيم مجالهم الجغرافي بما يخدم الأمن العام، ولذلك لا غرابة أن نجد مجموعة من مراكز الفكر والبحث الناشطة في مجال دعم الحريات في الشرق الأوسط تهتمّ بالحركات الدينية المتشدّد، وتتواصل معها، وتقيم مع زعمائه ندوات حوارية، ويمكن أن نذكر على سبيل المثال مؤسسة «الوقف القومي للديمقراطية»[56]
(The National Endowment for Democracy (NED، فهذه المنظمة تلعب دورًا مريبًا في أكثر من 100 دولة، وتقدّم تمويلات مالية ضخمة لأفراد وجماعات إثنية وطائفية ومذهبية كثيرة.

ومن خلال استراتيجيات مراكز الفكر سيشهد العالم تقسيمات جديدة، وحسب خبير مركز الفكر «أمريكا الجديدة» (New America) الباحث باراج خانا (Parag Khanna) سيصل عدد الدول المستقلة في المرحلة القادمة إلى 300 دولة، ستقوم أغلبها على أساس طائفيّ وإثنيّ، بعد حروب وصراعات دموية قاتلة[57]، وأكد خانا هذا المنزع في مقال آخر صدر بعنوان «من الممكن أن يكون الانفصال مفيدًا»[58] (breaking up is good to do)، إذ أكّد منذ بداية المقال بأنّ تقسيم السواد لم يكن غير الخطوة الأولى من ظهور دول جديدة لا بدّ لها أن تظهر.

لا نستطيع أن نرصد في هذا المجال البحثيّ الضيّق كل أعمال مراكز الفكر المتعلّقة بالعالم العربي والإسلامي، فهذا عمل كبير يفترض أن تهتمّ به المنظمات العربية والإسلامية التي تعنى بالفكر والثقافة، علّها تنير الدرب أمام المسلمين، وأقصى ما قمنا به أن نعرّف ببعض هذه الأعمال، حتّى نفهم أنّ مراكز الفكر الأمريكية ترتبط عضويًّا بسياسات بلادها وأهدافها التوسعية، وتعمل قصارى جهدها على دعم الحكومات وتنوير أصحاب القرار وتوجيههم وجهة تحافظ على الأمن القومي والمصالح الخارجية.

ولا يجب أن ننظر إلى الأمر من زاوية المؤامرة التي بالغ المسلمون في الحديث عنها، بل نعتقد أنّه أمر طبيعيّ؛ إذ من الطبيعي أن تستجيب مراكز البحث والفكر إلى حاجيات الأمة مهما كانت تلك الأمّة، ولذلك ليس من الطبيعي أن نجد في عالمنا العربي والإسلامي مراكز بحوث لا تفكّر ولا تعكس هموم المواطنين، ولا تستجيب إلى حاجيات الأمّة وطموحها، ولا تساند سياسات التنمية، ولا تنير أصحاب القرار باستشارات واستشرافات.

ثالثًا: الاستغراب والحاجة إلى مراكز فكر إسلامية مقترحات واستشرافات

لا يخلو حديثنا عن الاستشراق وتجاربه المختلفة من عبرة لا بدّ أن نخرج بها علّها تضيء الدرب أمامنا، إذ نلاحظ من خلال تاريخ الاستشراق وتطوّر مناهجه أنّ دراسة الآخر لا يمكن فصلها عن دراسة الذات وحمايتها، فالكنيسة لم تبدع الاستشراق رغبة في العلم وحماسة للمعرفة، بل أرادت فحسب أن تفهم ثقافة العدوّ وتوظّفها في محاربته وإخضاعه، لم يكن الاستشراق في بدايته غير اختراق لثقافة الشرق وتفكيك لأسرارها، ولكن كيف يمكن لنا نحن المسلمين أن نستفيد من الاستشراق وأصحابه؟ وإلى أيّ مدى استطاع المسلمون وعي الاستشراق؟

ينطلق الاستشراق من عقيدة توجّه المعرفة وتضبطها، فالآخر ليس كائنًا خرافيًّا أو أسطورة لا تقهر بل هو كائن تاريخي، يتميّز بثقافة وفكر وشخصية، له نقاط قوّة كما أنّ له نقاط ضعف، وسنحاول في هذا القسم من البحث أن نستفيد من تجربة الاستشراق من خلال دراسة واقع مراكز البحوث في الوطن العربي والعالم الإسلامي، ومقارنتها بالتجارب الأوروبية والأمريكية.

لا يمكن أن نبحث في تأثير الاستشراق ومراكز الفكر في الأمة الإسلامية، دون الوقوف عند واقع البحث العربي عربيًّا وإسلاميًّا، ومدى نجاعة مراكز البحوث والدراسات في العالم العربي والإسلامي، ولا نبالغ إذا قلنا بأنّ وضع مراكز الفكر والدراسات لازال هشًّا، فهذه المراكز قليلة من حيث العدد، وغير متفاعلة مع محيطها وغير مؤثرة في القرار السياسي، وتعكس بطريقة أو بأخرى تخلّف العرب في المجال العلمي والمعرفي.

وأغلب هذه المراكز مجهولة ولا تضطلع بأيّ دور ثقافي أو سياسي، بل لا نجدها أصلًا مصنّفة ضمن التصنيفات العالمية[59] لمراكز الدراسات والبحوث، وهذا أمر يؤلم ويزعج في الآن ذاته، ورغم بعث عدّة مراكز بحوث بالوطن العربي بداية من ستينات القرن العشرين، فإنّها ما زالت دون المستوى المطلوب، إذ نجد على المستوى العربي 300 باحث جامعي على كل مليون ساكن[60] بينما نجد في أوروبا 4000 باحث على كل مليون.

مع الأخذ في النظر طبيعة الباحثين ومدى نجاعة مشاريعهم البحثية، إذ نجد في بعض الجامعات العربية بحوثًا وليست ببحوث، فبعضها إهدار للجهود والوقت والأموال دون فائدة حاصلة أو هدف علميّ واضح، ولو طبّقنا المعايير الصادمة للبحوث الأكاديمية لخرجنا بنتيجة مقلقة، ولا غرابة أن نجد نسبة التمويل العربي للمشاريع العلمية لا تتجاوز 0.3 بالمائة[61]، وعدد البحوث لا يتعدى 15 ألف بحث سنويًّا، لا تستجيب إلاّ نسبة قليلة منها لشروط البحث العلمي الصارم والرصين، ولا نجدها في أغلب الأحيان في تواصل مع قضايا الأمّة ومشاغل الناس ورهانات التنمية.

وجدير بالذكر أنّ عدد مراكز البحوث تضاعف في السنوات الأخيرة بمختلف الدول العربية وخاصة الخليجية منها، ولكنّها ما زالت تشكو صعوبة جمّة تحول دون تحقيق الأهداف المرجوّة وتجعلها غير قادرة نسقيًّا على خدمة الأمة الإسلامية، وإن كانت النيّة تتّجه نحو هذا المنشود، ما زالت مراكز البحوث والدراسات في العالم العربي تشكو غياب التنسيق لا على المستوى العربي فحسب، بل على مستوى البلد الواحد وربما المؤسسة الواحدة، لا تنسيق ولا تعاون، فتجد الموضوع ذاته يدرس هنا وهناك، ويتعرّض للصعوبات والإشكاليات نفسها، ولكن لا أحد يستفيد من الآخر.

والحال أنّ الاستشراق وإن خلناه عملًا فرديًّا في بعض تجاربه، فإنّه خضع إلى خطّة تنسيقية لا يُستهان بها، وهذا الأمر نرصده بأكثر جلاء مع مراكز الفكر المعاصرة، فهي لا تؤمن بالصدفة، وأعمالها مدروسة، والتعاون بينها واسع النطاق متعدّد المداخل، فهي تتبادل الخبرات والخبراء وتتقاسم المواضيع وجغرافيا البحوث، بل نجد هيئات حكومية تنسّق بينها وتحاول أن تستفيد منها جميعها فيما يخدم سياسة البلاد ويدافع عن مصالحها القومية ويحمي أمنها.

بالإضافة إلى ذلك تشكو مراكز البحوث العربية من صعوبات أخرى تتعلّق أساس بإنتاج المعرفة وغياب التجديد والإبداع، والإضافة النوعية وضعف الإسهامات العلمية المؤثّرة عالميًّا، ومحدودية الإمكانات التسويقية للإنتاج العلمي، وغياب رؤية تواصلية حقيقية، وأقصى ما نجده مجاملات هنا وهناك، وتعظيم لبحوث لا تستحق أحيانًا تلك التسمية، بل أصبحنا نجد بحوثًا تتكرّر، فيعيد بعضها بعضًا، دون أن تعالج قضايا الأمة، وحتى وإن عالجتها فكشفها لعللها وأمراضها ومشاكلها محتشم خجول تغلب عليه المجاملة والمحافظة على السائد الذي نعيشه ويعيشنا.

ويرجع هذا التشخيص الخاطئ لقضايا الأمة حسب رأيي إلى تراجع الموضوعية والحياد في البحث العلمي، فالسياسة اخترقت هذا المجال العلمي الحيوي، وأصبحت البحوث تنجز على قياس أرباب السياسة وأهوائهم، بل قد تُملى النتائج مسبقًا وما على الباحثين إلَّا تبريرها والبرهنة عليها، فسبر الآراء الذي يُجرى في العالم العربي وما يتعلّق به من إحصائيات لا يعكس الحقيقة، بل يُصاغ وفق رؤى سياسية مخصوصة.

وهذه المغالطات تحول دون الوقوف عند المعوقات والنقائص الحقيقية ومن ثمّة إصلاحها، ولنا أن نذكّر أنّ أصحاب القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية اعتمدوا أساسًا على مراكز الفكر المستقلة لما وجدوه فيها من صرامة وجديّة وموضوعية وصراحة قلّما توجد في مؤسّسات البحث الحكومية.

وهذا يجعلنا نؤكّد أهمية مراكز الفكر المستقلّة من حيث موازنتها ومشاريعها البحثية وتقاريرها الاستشارية، فقد نجد منها النصيحة بما يخدم الأمّة، ولا ننكر وجود بعض المحاولات في بلدان عربية مختلفة، ولكنها محاولات متعثّرة، بسبب عدم قبول فكرة استقلالية مراكز البحوث، والتدخل السياسي الدائم فيها، وضعف الموازنات المالية التي تعتمدها.

ونذكّر بأنّ الاستشراق -كما هو حال مراكز الفكر في العصر الحديث- ما كان لينجح لولا وقوف مؤسسات كبرى وراءها، فالكنيسة كانت وراء ظهور الاستشراق وتطوّره، ووفّرت له من الإمكانات ما جعله يتقدّم ويبدع، وكذلك حال مراكز الفكر اليوم، إذ نجد وراءها شركات كبرى ومؤسسات مهمّة، تدعمها ماديًّا ومعنويًّا.

أمّا في الواقع العربي والإسلامي فلا نجد هذا الدعم، فالمؤسسات الكبرى لا تهتمّ كثيرًا بالقضايا البحث العلمي، وإن أظهرت على مستوى الخطاب والإعلان عكس ذلك، والناظر في أدبيات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ALESCO) أو المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ISESCO) أو غيرها من المنظمات الإسلامية والعربية والإقليمية والمحلية، يجد حديثًا لا ينقطع عن مساندة البحث العلمي ودعمه، وتخصّص لذلك جوائز ومسابقات، وتتأسّس من أجل ذلك مراكز بحث ودراسات، وتُعقد مؤتمرات وندوات، ولكنّ المخرجات لا تعكس الطموح المنشود ولا تستجيب إلى حاجيات الأمّة وتساؤلاتها العميقة.

وإذا نظرنا في مدى إسهامات الشركات التجارية الخاصة في مجال البحث، فإنّ النتيجة ستكون مخزية ومؤلمة، فقلّما نجد مؤسسة تجارية خاصة تدعم البحث العلمي، وحتى إن وجدنا بعضها، فهو دعم صوريّ يهدف أساسًا إلى التمكّن الاجتماعي والسياسي، أو التجمّل بالعلم ودعمه.

ولنا أن ننبّه في هذا السياق إلى ضرورة إعادة النظر في علاقة الجامعة بالبحث العلمي، فالجامعة ليست مكانًا للتعليم والتدريب فحسب بل هي كذلك فضاء للبحث العلمي المتواصل، ولكن للأسف عدّة جامعات لا تهتمّ بمطلب البحث العلمي أو تعتبره ثانويًّا ممّا نتج عنه ضعف في الإنتاج المعرفي كمًّا ونوعًا، فعدد البحوث الجامعية السنوية في الوطن العربي لا تتجاوز ربع عدد الأساتذة الجامعيين[62]، ممّا يعني أنّ ثلاثة أرباع المدرسين الجامعيين لا ينتجون في السنة بحوثًا علمية ويكتفون بدورهم التعليمي.

وهذا أمر خطير لا يتماشى مع ما نجده في العالم المتقدّم، إذ تشترط جامعاته على هيئة تدريسها إنتاجًا علميًّا سنويًّا ونوعيًّا، وقد يتسبّب عدم الالتزام بشرط الإنتاج العلمي الاستغناء عن المدرّس أو انتقاد هيئات الاعتماد الأكاديمي لهذه الجامعة أو تلك، فالبحث العلمي أساس التعليم العالي، ولن يتطوّر الثاني إلَّا بتقدّم الأول وازدهاره.

نحتاج اليوم إسلاميًّا وعربيًّا إلى التفكير بجدّ وعمق في ترسيخ ثقافة مراكز الفكر والدراسات، وتحويلها إلى مؤسّسات حيوية يعتمد عليها في فهم الواقع واقتراح حلول للمشاكل القائمة واستشراف مستقبل الأمّة والمخاطر المحدقة بها، نحتاج اليوم إلى استراتيجية واضحة وشجاعة تتعلّق بدعم البحث العلمي والمراكز المتعلّقة به.

ولا يمكن لهذه الاستراتيجية أن تنجح إلَّا إذا ارتبطت بإرادة سياسية حقيقية وصادقة، تجعل من مصير هذه الأمّة محور اهتمامها، فالأمة الإسلامية تمرّ اليوم بمرحلة عصيبة وخطيرة، ازدات فيها حدّة التوتّر بين الغرب والشرق، واستطاعت مراكز الفكر الأمريكية أن تصوغ مشروعًا جديدًا للشرق الأوسط يشمل العالمين الإسلامي والعربي، ويوجّه أساسًا لخدمة الأمن القومي الأمريكي وأمن إسرائيل.

وليست العبرة بكثرة الاستراتيجيات وتعدّد الخطابات، بل العبرة في التأسيس الحقيقي الذي يتطلّب حسب رأينا مجموعة من المداخل، لا يمكن بدونها بناء صرح علميّ حقيقيّ يخدم الأمّة وقضاياها، ويمكن أن نبوّب هذه المداخل كالتالي:

1- إعادة النظر في الهيكلة الإدارية والتنظيمية: ضرورة تأسيس جهة مستقلة تشرف على البحث العلمي ومؤسساته العمومية والخاصة، ولا تتأثر هذه الجهة بتدخل هذا الطرف أو ذاك، فمشكلة مراكز البحوث في العالم الإسلامي أنّها ما زالت أسيرة المنظومة السياسية، توجّهها حيثما أرادت، فكم من مركز بحوث أسّس من أجل تمجيد شخص أو تبرير موقف أو تزيين مشهد، وهذا الأمر يضرّ بالبحث العلمي ولا يجعله مفيدًا.

2- ضرورة التنسيق والحاجة إلى شبكة اسلامية أو عربية لمراكز البحوث: نعيش اليوم زمن الاتّحاد والتعاون والتشابك بامتياز، ولا يمكن لأيّة مؤسسة بحثية أن تحقّق الامتياز المعرفي دون التعاون البناء مع غيرها من المؤسسات، وللأسف الشديد فإنّ هذا التعاون يكاد يكون مفقودًا بين الدول الإسلامية وأحيانًا بين مؤسسات البلد الواحد والمحافظة الواحدة والوزارة الواحدة.. ويمكن للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة أن تضطلع بمهمّة التنسيق هذه على مستوى العالم الإسلامي، كما يمكن لاتحاد الجامعات الإسلامية واتحاد الجامعات العربية أن يضطلعا بدور مهمّ في هذا المجال.

3- استشارة مراكز البحوث والدراسات فيما يتعلّق بقضايا الأمة ومشاكل العالم الإسلامي: ونطمح من خلال هذا المقترح أن تقوم مراكز البحث والدراسات في العالم العربي والإسلامي بدور فعّال قد يؤثّر في سياسات والحكومات ويُنير الدرب أمامها.

4- انفتاح مراكز البحوث على وسائل الإعلام العربية والغربية وعقد شراكات معها: يعكس هذا المقترح مشكلة القطيعة بين مراكز البحوث والمؤسّسات الإعلامية، فالباحثون ما زالوا يعتقدون أنّهم أرفع من وسائل الإعلام، وفي المقابل ما زالت وسائل الإعلام تهمّش الباحثين والأكادميين، قلّما تستضيفهم، وإن استضافتهم تستخفّ بهم، وربّما استضافت أشخاصًا لا علاقة لهم بالمعرفة، ووسمتهم بلقب الخبراء، وما هم بخبراء، وعلى هذا الأساس نرى ضرورة التصالح بين الإعلام والعلماء، والتعاون بينهم فيما يخدم قضايا الأمّة.

5- اعتماد مراكز البحوث في الاستشارات وتحليل الواقع وتطوير التنمية وتحقيق السلم الاجتماعي والحوار الوطني وتطوير البحث العلمي في حدّ ذاته.

6- استقطاب أفضل العقول والكفاءات: ما زالت بعض مراكز البحوث والدراسات في العالم الإسلامي تعتمد المحاصصة الطائفية والسياسية والقبلية والمحاباة، ولا تعتمد الكفاءات في اختيار الباحثين والخبراء، ومن الصعب التقدّم في المجال العلمي في هذا السياق البحثي، ولا بدّ من اعتماد معيار الكفاءة دون غيرها، وتشجيع العقول الإسلامية المبدعة على البحث والدراسة، وننبّه إلى ضرورة التعويل على الباحثين الشبان وتحميلهم مسؤولية إبداء الرأي والنصيحة، ونخصّ بالذكر طلبة الماجستير والدكتوراه.

7- النزوع نحو التخصّص والتخصّص الدقيق: تتّسم بعض مراكز البحوث بالعموميات وإن زعمت أنّها مختصّة في مجال معرفيّ محدّد، ويبدو من خلال دراسة تجارب مراكز الفكر والبحوث أنّ التخصّص سبيل الإبداع والتميّز، وبقدر ما يكون المركز أكثر اختصاصًا تكون البحوث أكثر دقّة وفاعلية، وعلى هذا الأساس نرى ضرورة تشجيع بعض مراكز البحث المختصّة، وأن نضيّق في الاختصاصات حتى ينفع كلّ طرف علمي من جهته المجتمع الذي تعيش فيه.

8- توفير بيئة عادلة تقوم على الحرية والمسؤولية: لا يمكن للبحث العلمي أن ينجح ويتقدّم دون توفّر حيّز من الحرية والمسؤولية، فالباحث لا بدّ أن يكون مستقلًا في آرائه وقراءاته، وهذه الاستقلالية توفّر الموضوعية والعقلانية وتجنّبنا الانطباعية والعاطفة، فلا بحث دون حرية، ولا معرفة دون مسؤولية والتزام بقضايا الأمة المصيرية.

9- توفير الدعم اللازم وخاصة من قبل الشركات الخاصة: ونقصد بذلك ضرورة مشاركة المؤسسات الخاصة والشركات في دفع عجلة البحث وتشجيع مراكز البحوث حتى تستطيع مواجهة التحديات وتحقيق الأفضل.

10- عدم التعويل على المؤسّسات البحثية الأجنبية: يعتقد البعض أنّ الاستنجاد بمراكز بحوث أجنبية قد يذلّل الصعوبات التي تواجهها البلدان الإسلامية والعربية في مجال من المجالات، وينفقون من أجل ذلك أموالًا لا حصر لها، ولكن التجربة اثبتت أنّ ما أنفقوه كان ضياعًا وإهدارًا لأموال الأمّة، وأنّ ما أنجز لم يحلّ المشاكل المتراكمة، بل لعلّه كرّسها بمغالطاته ومقارناته المتعسفة، وعلى هذا الأساس نرى ضرورة التعويل على الذات والاعتماد على الكفاءات العربية والإسلامية ذات الأفق العالمية، وهذا الأمر يتطلّب ثقة بالذات وتحررًا من عقدة نقص ترافقنا حيثما حللنا.

ونستنتج ممّا سبق أنّ الأمّة الإسلامية تحتاج أكثر من أيّ وقت مضى إلى مراكز فكر وتدبّر، فالفكر في عالمنا الإسلامي بات مشلولًا لا يكاد يعمل، أو في أحسن الحالات يُخال أنّه يعمل ولكن دون أثر جليّ أو إنجاز حقيقيّ يجنّب الأمّة الضعف والهوان والاستعمار الجديد التي نرصد معالمه من خلال إعادة توزيع جغرافيا الشرق الأوسط وتغيير الاستراتيجيات، تحتاج الأمّة الإسلامية اليوم إلى مفكّريها وخبرائها وباحثيها المشتّتين في أرجاء المعمورة، يفيدون غيرهم ولا تستفيد الأمة من كفاءاتهم، تزخر أمّة الإسلام اليوم بطاقات بشرية نوعية داخل البلاد وخارجها، ولكنّها طاقات مهدرة غير مستغلّة، ويقتلها في أغلب الأحيان روتين الإدارة وبؤس السياسة.

لقد تعدّدت قضايا الحياة العاصرة، وازدادت التحديات، وأصبح المسلمون اليوم يعانون من عدّة مشاكل تمسّ بأمنهم ومستقبلهم وطبيعة وجودهم في هذا الكون، وأعتقد أنّ مراكز البحث التقليدية القائمة في أغلب دول العالم الإسلاميّ غير قادرة اليوم على فهم الموجود واستشراف المنشود ونصح الأمّة بما ينفعها ويحميها في زمن تداخلت فيه المصالح وتعقّدت، وازدادت فيه مطامع الدول القوية ورغبتها في الانتشار والهيمنة.

وليس الأمر هيّنًا كما يعتقد البعض، فتأسيس مراكز فكر إسلامية أو عربية مستقلّة ومؤثرة يحتاج منّا إلى تعاون إسلامي - إسلامي، وتجاوز للأحقاد والحساسيات الطائفية والمذهبية، واقتناع بأنّ العالم يتغيّر اليوم إلى مشهد جديد لا نعرف معالمه بعد، ولكنّنا على يقين بأنّ العرب والمسلمين سيكونون في الدرك الأسفل من هذا المشهد، وسيلاقون الويلات، وسيعانون من الخوف والفقر والاضطراب والتبعية، وهذا ما نلاحظ بوادره اليوم.

وجدير بالذكر أنّنا لا نحتاج إلى مراكز فكر إسلامية لتساعد أصحاب القرار السياسي على فهم الواقع الجديد وأخذ القرارات اللازمة والحاسمة في الوقت المناسب فحسب، بل نحتاجها أيضًا لفهم الآخر، كما فهمنا حقّ الفهم، لقد ابتكر الغرب علم الاستشراق، وطوّره، واستطاع من خلاله فهم الثقافة العربية وتفكيك الذهنية الإسلامية، ومعرفة نقاط قوّة المسلمين ونقاط ضعفهم، ثمّ تمّ تسخير كلّ ذلك من أجل التأثير في المسلمين وتوجيههم الوجهة التي حدّدتها مشاريعهم واستراتيجياتهم، فمراكز الفكر الأمريكية والأوروبية تقسّم العالم الإسلامي إلى أجزاء صغيرة، تدرسها بدقة وعمق من حيث اللغة والفكر والدين والعادات والتقاليد والعلاقات الاجتماعية والصعوبات الاقتصادية والمشاكل النفسية الفردية والجماعية، ثمّ تكتب تقارير تفصيلية وتوصيات عملية.

ولنا أن نتساءل هل نعرف نحن المسلمين الغرب كما يعرفنا؟ هل نفهمه؟ وهل ندرك نقاط قوّته ونقاط ضعفه؟ هل نستوعب تطوّر الثقافة والفكر في تلك الربوع؟ وهل يمكن للمسلمين اليوم أن يؤّثروا في الشعوب الغربية وأن يعدّلوا من الصور النمطية السلبية التي شاعت وانتشرت بفعل فاعل مازلنا نجهل ملامحه؟

تستفزنا هذه الأسئلة وغيرها ممّا لم نطرح، ونحاول أن نعبّر من خلالها عن حيرة وألم ورغبة في النهوض بالأمة العربية والإسلامية والحفاظ على كيانها وتماسكها ووحدتها، واستعادة دورها الريادي في خدمة الإنسان وقضاياه، وهذا الأمل نراه قريبًا، {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}[63]، وحتى يقترب الصباح ويبزغ نور الأمل لا بدّ لنا من العمل والعمل دون كلل أو ملل {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[64].

 

 



[1] جامعةالسوربون (Sorbonne) على سبيل المثال أنشأت في باريس سنة 1257 من قبل رجل الدين «روبارتدي سوربون» (Robert de Sorbon) المستشار الروحي للملك لويس التاسع.

[2] اضطلع ببابوية الكنيسة الكاثوليكية بين سنتي 1655 و 1667.

[3] يوهان فوك، تاريخ حركة الاستشراق، بيروت: دار المراد الإسلامي، ط 2، 2001، ص15، تعريب: عمر لطفي العالم.

ونجد ما يؤكّد هذا الرأي في كتب علوم القرآن، إذ أكد الزركشي على سبيل المثال أنّه «لا يقدر أحد من التراجم على أن ينقل القرآن إلى شيء من الألسن؛ لأنّ العجم لم تتّسع في الكلام اتّساع العرب»، بدر الدين الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، بيروت: دار الكتب العلمية، 2001، ج2، ص549.

[4] يوهان فوك، المرجع نفسه.

[5] اضطلع بالطبعة الأولى «أبراهام هنكلمان» (Abrahamhinckelmann) سنة 1794م، وقام بالثانية «لود فيجو ماراتشي» سنة 1698.

[6] يوهان فوك، المرجع نفسه ص 17.

[7] يوهان فوك، المرجع نفسه ص 98.

[8] يوهان فوك، المرجع نفسه، ص 29.

[9] يوهان فوك، المرجع نفسه، ص 29.

[10] أديب ورجل دين فرنسي توفي سنة 1315 للميلاد، وعرف بكتاباته الفلسفية وآرائه المثيرة للجدل.

[11] يوهان فوك، المرجع نفسه، ص 98.

[12] يوهان فوك، المرجع نفسه، ص 124.

[13] طبيب ومستشرق الماني توفي سنة 1188/ 1774، حقّق كتاب «تاريخ أبي الفداء»، ونشره ثم ترجمه إلى اللاتينية في خمسة مجلدات.

[14] يوهان فوك، المرجع نفسه، ص ص 117-118.

[15] انظر:

Jean Jacques Waardenburg, L'Islam dans le miroir de l'Occident, The Hague and Paris, 3rd ed. 1970.

[16] اعتمد زويمر الاستشراق منهجًا في التنصير وترسيخ فكرة الاستعمار، وارتبطت أغلب بحوث المستشرقين حول الإسلام بملتقيات تنصيرية تستهدف المسلمين في بلاد الهند ودول آسيا بالأساس، وفي هذا الإطار يندرج كتابه «الإسلام» (Islam).

[17] عمل المستشرق النمساوي فوم غرونباوم على ترسيخ صور نمطية تجعل من الإسلام دينًا ضدّ الإنسانية وغير قادر على التطوّر الإيجابيّ ويناقض قيم العلم والأخلاق، وهذا يبرّر تدخّل الغرب في بلاد المسلمين لتطويرهم، حيث عجز الإسلام عن ذلك، وهذا ما نلحظه على سبيل المثال في كتابه «الإسلام الوسيط» (Medieval Islam).

[18] عبد الله بن عبد الرحمن الوهيبي، حول الاستشراق الجديد.. مقدمات أولية، الرياض: مركز البحوث والدراسات، مجلة البيان، 1435هـ، 2014م، ص 46

[19] إدوارد سعيد، الاستشراق.. المفاهيم الغربية للشرق ، تعريب: محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، 2006.

[20] لمزيد الاطلاع انظر:عبد الله بن عبد الرحمن الوهيبي، حول الاستشراق الجديد: مقدمات أولية، الرياض: مركز البحوث والدراسات، مجلة البيان، 1435هـ، 2014م، ص ص 11-12.

[21] عبد الله بن عبد الرحمن الوهيبي، حول الاستشراق الجديد.. مقدمات أولية، الرياض: مركز البحوث والدراسات، مجلة البيان، 1435هـ، 2014م، ص 12.

[22] ادوارد سعيد، الاستشراق، ص 111.

[23] للتوسع انظر:

L. Szanton, «The Origin, Nature and Challenges of Area Studies in the United States,» inThe Politics of Knowledge: Area Studies and the Disciplines, ed. David L. Szanton (University of California Press, 2004), pp. 10 - 11.

[24] انظر:

National defense education, United states at large, Vol72, Title 6, p15.

[25] انظر:

Howard. J wiarda, the new powerhouses: think tanks and foreign policy, in American foreign policy interests, vol30, no2, (March / April 2008), p 96

[26] لمزيد من التعمق في مهام خبراء مراكز الفكر، انظر:

He Li, the role of think tanks Chinese foreign policy, Problem of Post-communism, vol49, n2, (Mars/April 2002), P33.

[27] للتوسع انظر:

Braun Mats, A Sociological study of European policy think-tanks: Are there the bridge between the Academic World and Policy Makers?, Conference Papers presented at the international studies Association 51 st annual convention , New Orleans, 17-20 /02/2010, p 114.

[28] إدوارد سعيد، الاستشراق، المرجع نفسه، ص460.

[29] محمد حسنين هيكل، الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق، دار الشروق، ط 9، 2009، ص 272.

[30] لمزيد من الاطلاع على هذه التجربة يمكن الاطلاع على موقعها الرسمي:

http://www.campus-watch.org/

 

[31]انظر:

Daniel Pipes, Militant Islam Reaches America, New York: W.W. Norton, 2003.

[32] نذكر على سبيل المثال جويل بينين Joel Beinin الذي كان أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة ستانفورد (Stanford University)، واضطرّ للاستقالة والالتحاق بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.

[33] نذكر على سبيل المثال مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي (Carnegie Endowment for International) التي أنشأها مجمع قطب صناعة الفولاذ كارنيغي بمدينة بيرسبيرغ (Pittsburgh)، وكذلك مؤسسة هوفر للحرب والثورة والسلام (Hoover Institution) التي أسسها الرئيس الأمريكي الراحل هربرت هوفر (Herbert Clark Hoover تـ1964)...

[34] بحسب تقرير جامعة بنسلفانيا The University of Pennsylvania لسنة 2012.

[35] قدمت وزارة الخارجية لهذا المركز منحة بقيمة خمسة ملايين دولار أمريكي.

[36] تصفح:

http://www.almeezan.qa/LawArticles.aspx?LawArticleID=58729&LawId=4356&language=ar

[37] انظر:

http://www.brookings.edu/blogs/markaz/posts/2015/10/07-israel-should-take-initiative-sher

[38] استطاعت من خلال فرعها العربي في بيروت أن تقوم بعدة أنشطة علمية واجتماعية.

[39] استطاع من خلال فرع القاهرة أن ينظم عدّة تظاهرات علمية وثقافية.

[40] له عدة فروع أهمها فرع أنقرة بتركيا.

[41] انظر على سبيل المثال: أنور الجندي، سموم الاستشراق والمستشرقين في العلوم الإسلامية، بيروت: دار الجيل، ط2، 1985.

[42] إدوارد سعيد، الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء، ترجمة: كمال ابو ديب، مؤسسة الابحاث العربية، ط1، 1981، ص71.

[43] The methodology philological.

[44] محمد أركون، الإسلام والتاريخ والحداثة، ترجمة: هاشم صالح، مجلة الوحدة، عدد 52، يناير 1989، ص 17.

[45] سالم يفوت، حفريات الاستشراق في نقد العقل الاستشراقي، بيروت، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط1، 1989، ص12.

[46] الكتاب في الأصل أطروحته في الدكتوراه.

[47] هذا ما نلحظه في أغلب كتبه ويمكن أن نذكر على سبيل المثال: «العرب في التاريخ» (The Arabs in History)، «الإسلام: من النبي محمد وحتى فتح القسطنطينية» (Islam: From the Prophet Muhammad to the Capture of Constantinople)، «عالم الإسلام: إيمان وشعوب وثقافة» (The World of Islam: Faith, People, Culture)، «الإسلام في التاريخ: أفكار وشعوب وأحداث في الشرق الأوسط» (Islam in History: Ideas, People and Events in the Middle East)....

[48] The Assassins: A Radical Sect in Islam - 1967.

[49] Cultures in Conflict, Christians, Muslims and Jews in the Age of Discovery) - 1994.

[50] The Multiple Identities of the Middle East - 1998.

[51] أكاديمي ألماني من أصول سورية، ولد بدمشق سنة 1944، ثم سافر إلى ألمانيا حيث واصل دراسته ومنح الجنسية الألمانية، تخصّص في العلوم السياسية، عرف بانتقاده اللاذع للإسلام والمسلمين، من كتبه: «Conflict and War in the Middle East» (الصراع والحرب في الشرق الأوسط 1998)، «Kreuzzug und Djihad» (الحروب الصليبية والجهاد) و«Kreuzzug und Djihad, Der Islam und die christliche Welt» 2001.

[52] أكاديمي أمريكي من أصول لبنانية، ولد بلبنان سنة 1945، وواصل تعليمه الجامعي بالولايات المتحدة الأمريكية، تخصّص في العلوم السياسية، واضطلع بعدّة مناصب سياسية بالولايات المتحدة الأمريكية، وكان من كبار مستشاري بوش، وكان يستشهد بأقواله، توفي سنة 2014، من مؤلّفاته:

- The Syrian Rebellion.

- The Dream Palace of the Arabs: A Generation›s Odyssey.

- The Arab Predicament: Arab Political Thought and Practice Since 1967.

- The Vanished Imam: Musa Al Sadr and the Shia of Lebanon.

- The Foreigner›s Gift: The Americans, the Arabs, and the Iraqis in Iraq.

[53] عالم اجتماع أمريكي من أصول مجري، ينتمي إلى عائلة يهودية، توفي سنة 1996.

[54] دوجلاس ليتل، الاستشراق الأمريكي: الولايات المتحدة والشرق الأوسط منذ 1945، ترجمة: طلعت الشايب، القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2009، ص547

[55] سيمور هيرش: صحفي أمريكي ولد سنة 1937 بشيكاغو، اشتغل بالصحافة واشتهر بملفاته الفاضحة للسياسة الأمريكية.

[56] انظر موقع المؤسسة الرسمي: http://www.ned.org/apply-for-grant/ar

[57] لمزيد من التعمق انظر:

Parag-Khanna, frank Jacobs, the new world, in the newyork times , september. 22,2012.

http://www.nytimes.com/interactive/2012/09/23/opinion/sunday/the-new-world.html?_r=0 September 22, 2012 FRANK JACOBS and PARAG KHANNA FRANK JACOBS and PARAG KHANNA

[58]لمزيد من التعمق في هذا المقال انظر:

Parag Khanna, breaking up is good to do, Tamil Guardian, Wednesday February, 02, 2002.

http://www.tamilguardian.com/tg423/p11.pdf

[59] انظر على سبيل المثال:

James J. Global go to think tanks Report and policy Advice, the think tanks and civil societies program, unversity of Pennsylvania, Philadelphia, 2012, p16

[60] خالد وليد محمود، دور مراكز الأبحاث في الوطن العربي: الواقع الراهن وشروط الانتقال إلى فاعلية أكبر، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يناير 2013، سلسلة: دراسات، ص 36.

[61] خالد وليد محمود، المرجع نفسه.

[62] خالد وليد محمود، المرجع نفسه، ص ص 36-37.

[63] سورة هود، آية: 81.

[64] سورة التوبة، آية: 105.