جدل الخصوصية والعالمية..
قراءة في التعددية الدينية من منظور قرآني
الدكتور محمد الناصري*
* دكتوراه في الفكر الإسلامي وحوار الأديان والحضارات، المغرب.
* مقدمة
الخصوصية والعالمية، وما لحق بهما من مصطلحات مثل: الأصالة والمعاصرة، النقل والعقل، التجديد والتقليد...، هذه الثنائيات وغيرها كانت ولا تزال من الأمور التي تشغل العرب والمسلمين على مستوى الفكر والسياسة منذ بداية عصر النهضة، عندما وقع اللقاء بين واقع عربي متخلف، وبين قوى غربية ذات أطماع اقتصادية وسياسية، وذات تقدم تكنولوجي من جانب آخر.
كان هناك دائماً الإحساس بالخطر على الهوية والخصوصية في الاندفاع نحو الغرب نتيجة الانبهار بما يحدث عندهم، وإدراكاً لمدى التخلف القائم في بلادنا، والرغبة في اللحاق بركب التقدم العالمي دون فقدان هذه الهوية والخصوصية العربية والإسلامية.
وتتجدد هذه المخاوف مرة أخرى في عصر العولمة، حيث أصبح الناس عبر العالم أكثر وعياً بتأثير التشابك المتزايد في بلدانهم وفي حياتهم، وأن الغالبية العظمى من ساكنة العالم تؤمن أن طرق حياتهم التقليدية في طريقها إلى الضياع، وأن معظم الناس يشعرون بأنه تجب حماية طرق حياتهم والحفاظ عليها من التأثير الخارجي. ليصبح أكبر تحدٍّ تطرحه العولمة على المجتمعات الإنسانية هو: كيف يمكن أن نعيش سويًّا ومختلفين في احترام لكل الخصوصيات الدينية؟. لقد أصبح هذا السؤال سؤال العصر دون أن تقدم العولمة للإنسانية ما يساعدها على الجواب.
حين يطرح سؤال العصر على القرآن الكريم يغدو سؤالنا أقرب إلى الاستفهام الإنكاري منه إلى أي شيء آخر؛ لأن أهم ما مكن الإسلام من الانتشار والبقاء والاستمرار، سواء أكان ذلك في مراحل التمكين السياسي أم في مراحل ضعف الدولة أو اختفائها، هو الاعتراف بالحق في الاختلاف، والقبول بالآخر.
هذه القيمة أتاحت للإسلام أن ينتشر في مختلف بقاع العالم، ثم مع الانتشار كان الاستمرار الذي لا يعزى بأي حال إلى سلطان سياسي. وإنما مرده إلى الإقرار بأن أساس كل استمرار للحياة متحقق بالاختلاف والتنوع والتعدد[1].
والإسلام لا يقبل مبدأ احترام خصوصيات الآخرين فحسب، بل إنه يطالب المسلم شرعاً بالوقوف والحرص على حماية تلك الخصوصيات على تنوع انتمائها، وذلك من أجل تحقيق قيم الإنسانية المشتركة بين البشر.
* الاختلاف والتنوع في الخطاب القرآني
إن القرآن الكريم يحدثنا عن الاختلاف والتنوع في أكثر من خطاب، ووفق أشد الصيغ واقعية ووضوحاً {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}[2]، {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}[3]، {وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}[4]، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}[5].
يقول سيد قطب في تفسيره الآية 119 من سورة هود: «ولو شاء الله لخلق الناس كلهم على نسق واحد وباستعداد واحد.. نسخاً مكرورة لا تفاوت بينها ولا تنويع فيها، وهذه ليست طبيعة هذه الحياة المقدرة على هذه الأرض، وليست طبيعة هذا المخلوق البشري الذي استخلفه الله في الأرض... شاء الله ألا يكون الناس أمة واحدة، فكان من مقتضى هذا أن يكونوا مختلفين»[6].
و«أمر التنوع في النص القرآني لا يتوقف عند هذا الحد، بل جاءت نصوص أخرى تؤكد عليه في أمر انقسام البشر إلى مجموعات بشرية تشكلت في أمم هي القبائل والشعوب، أي هي التشكيلات البشرية التي يوجهها النص القرآني إلى التعارف من أجل اللقاء، لا التصادم من أجل الجفاء والتناكر {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}[7]»[8].
من هنا فليس غريباً اختلاف البشر؛ إذ إن اختلافهم فطرة إلهية وسنة ربانية في الخلق {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}[9]، وإذا كانت مسألة التنوع سنة إلهية وفق النص القرآني «فإن من العبث كل العبث أن يراد صب الناس كلهم في قالب واحد في كل شيء وجعلهم نسخاً مكررة ومحو كل اختلاف بينهم، فهذا غير ممكن؛ لأنه مخالف لفطرة الله التي فطر عليها الناس، وغير نافع لو أمكن؛ لأنه لا نفع في مخالفة الفطرة بل من خالف الفطرة عاقبته عقاباً معجلاً»[10].
* الاختلاف والتعارف
يوضح القرآن الكريم أن التنوع الإنساني «موجه نحو (التعارف) {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}[11]. والتعارف يقابل التناكر، قال تعالى: {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ}[12] والتعارف يؤدي إلى التآلف، كما يؤدي التناكر إلى التخالف والاختلاف، وفي الحديث: «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف»[13]. فالتنوع يؤدي إلى التعارف، والتعارف يؤدي إلى التآلف، والتآلف يؤدي إلى التآخي، والتآخي يؤدي إلى التعاون على الفعل الحضاري الموصوف بالبر والتقوى»[14].
فالغاية من تقسيم الناس إلى شعوب وقبائل ومجتمعات واختلافهم، أن يحترم بعضهم بعضاً، ويعترف بعضهم بحقوق بعض، في إطار الكرامة الإنسانية المكفولة للجميع، ومن «أبرز مصاديق تكريم الكائن الإنساني {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} وفق القرآن الكريم تكمن في أن حريته، وبالتالي اختياراته المشتقة من قواعد الحرية نفسها، لا تشكل سبباً لحرمانه من حقوقه الطبيعية المكرسة، ومنها حقه في أن يكون مختلفاً»[15].
إن ما يميز الخطاب القرآني في دعوته إلى القبول بمبدأ التنوع والاختلاف هو «رده أولاً إلى أساس الخلق، كما في قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، وهو أساس يرتبط بمبدأ حرية الكائن الإنساني ومسؤوليته، حيث لا مسؤولية بدون حرية، ولا حرية للكائن الإنساني فردًا أو جماعة دون امتلاك حق الاختلاف والتنوع»[16].
لقد كرس -إذاً– القرآن الكريم مبدأ التنوع والاختلاف لما يسهم به هذا المبدأ في إثراء التجربة الإنسانية وإغنائها، إذ الاختلاف –هنا- اختلاف تنوع وتكامل لا اختلاف تضاد وتنابذ، وكذا لما يوفره هذا المبدأ من سبل للتعارف المؤدي إلى التعاون المحقق للسلام البشري، فـ«القرآن الكريم لا يشترط للسلام البشري نفي حق التعدد والاختلاف، بل على العكس من ذلك فإنه يشترط للسلام البشري الاعتراف بهذا الحق وحمايته، ومن ثم التعارف بين الجماعات المختلفة، أي الاعتراف المتبادل بينهما، والتزام مبدأ الحوار فيما يختلفون عليه»[17].
ففي القرآن «يتحول التنوع والاختلاف من نقمة إلى نعمة، وعطاء وإغناء للمسيرة الإنسانية، ذلك أن الناس منحدرون من أصل واحد، وأن سنة التنوع هي سنة الخلق والاختلاف المناخي والجغرافي والديموغرافي والقومي والعرقي والديني... هو الطريق إلى التعاون والتكامل والتعارف والتحاور والتعايش، إذ يستحيل عقلاً وواقعاً أن يكون البشر بطبائعهم نسخة مكررة عن بعضهم، عندها تستحيل الحياة وتتعطل الإرادات ويتوقف العمران»[18].
وثانياً جعله أمراً نابعاً من مبدأ الاختيار والابتلاء الذي أقام الله سبحانه الحياة على أساسه، حيث يتحدث سبحانه في العديد من آيات الذكر الحكيم عن مبدأ الابتلاء:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}[19]
{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[20]
{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[21].
{وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ}[22]
{وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ}[23]
{وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ}[24]
إذاً، ابتلاء الإنسان –أي اختباره وامتحانه- مبدأ أساسي في الحياة، ومن لوازم الابتلاء هو وجود السبل المختلفة حتى يختار الإنسان أحسنها، ووجود الاختيارات الحياتية المتنوعة حتى يتبين من هو «أحسن عملاً»، بل الله القادر باستطاعته أن يلهم الناس الحق والحقيقة ويجعلهم أمة واحدة، ولكنه يأبى ذلك لأنه شاء أن يختبر الإنسان ويبتليه فيما آتاه من العقل، والفكر، والمال، ومقومات الحياة.
ولأن الله لم ولا يجبر أحداً على سلوك سبيل معين في الحياة، فهو لا يقبل منا أيضاً أن نجبر من نختلف معه ويختلف معنا على سلوك السبيل الذي آمنا بأنه السبيل القويم، وتبعاً لذلك لا يجوز لنا أن نقصي الآخرين ونسلبهم حق ممارسة إرادتهم واختيارهم في الحياة، يقول تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[25].
إن هذه الآية تقر التعددية ولا تنفيها، إذ إن الله تعالى لا ينفي وجود سبل مختلفة ومتعددة في الحياة، وإذا كانت سبل متعددة فلا بد أن يتبع كل سبيل أناس، إنما الله يوصي الإنسان أن يختار صراط ربه المستقيم، وألَّا يبتعد عن السبيل القويم.
وعبارة: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} تعني أن الإنسان حر في اختيار ما يريد إلا أن الله يوصيه بالاختيار السليم، فبرغم من أن الله تعالى جعل ديناً واحداً للحياة والإنسان، وأقام كيان دينه على أساس قيم ثابتة دعا إليها الإنسان عبر العقل والرسل، إلا أنه لم يشأ سبحانه وتعالى أن يكره الإنسان على اعتناق الدين، لأنه خلق الإنسان حرًّا مختاراً، وأراد أن يمارس حريته واختياره في سلوك الصراط الإلهي الصحيح في الحياة، وهو ما ينسجم وقوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}[26]. فالله أوضح سبيل الرشد من سبل الغي بدلالة العقل في داخل الإنسان، وبتبليغ الرسل في الخارج، وترك الله للإنسان ساحة الاختيار الحر: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}[27]، {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[28]. بل حتى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يكره أحداً على اعتناق شيء: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[29].
إذاً فالله عز وجل يريد للإنسان أن يسير في طريق إيماني واحد رسمه له استناداً إلى حكمته ورحمته وعلمه المحيط بكل شيء، إلا أنه -وفي الواقع العملي- ترك للإنسان حرية القرار في الانضمام إلى معسكر التوحيد أم التخبط في متاهات الأفكار والمعتقدات المبتدعة التي لا تقوم على أساس ثابت ورصين. فالتعدد في هذا المجال واقع وموجود، ولم يشأ الله أن يتدخل لإلغائه؛ لأنه أحد مجالات اختبار الإنسان وإرادته. هذا الاختبار الذي يشكل الهدف الأساسي للخلق: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}[30].
وإذا كان الله الخالق قد شاء عدم التدخل لإكراه الناس على السير في سبيله الرشيد والواضح، فكيف يحق لنا ونحن عبيده أن يجبر بعضنا بعضاً على سلوك الصراط القويم والإيمان الحق؟. نحن علينا –كما على الرسل- البلاغ، والهداية، وتبيان الطريق للآخرين، ومساعدتهم على الاختيار السليم في الحياة: {فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ}[31]، {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ[32]}[33].
* الاختلاف والتعددية
في هذا التأصيل لمبدأ التعددية، يتجلى تكريم الله للإنسان، واحترام إرادته وفكره ومشاعره. فالتعددية في الإسلام تعني في جوهرها، التسليم بالاختلاف، التسليم به أفقاً لا يسع عاقلاً إنكاره، والتسليم به حقًّا للمختلفين لا يملك أحد أو سلطة حرمانهم منه، وهي معنية بالموضوع الذي يكون الاختلاف حوله، أو الذي ينحصر فيه نطاقها، فتكون دينية، ومذهبية، ولغوية، وثقافية، وعرقية، وسياسية.
ولقد تميزت رؤية الإسلام في مسألة النظر إلى الشرائع والملل والنحل الدينية غير الإسلامية، والتعامل مع المنتمين لها والمعتنقين لعقائدها بالاعتراف، وضرورة تفعيل هذا الاعتراف من خلال القبول به ومحاورته، والتمكين له، وتأمينه إلى حيث جعله في الشريعة الإسلامية جزءاً من الذات الإسلامية الواحدة.
وفق هذا المنظور تغدو مسألة التعددية، أولاً إقراراً بالاختلاف، ثم وعياً بأهمية هذا الاختلاف الديني والثقافي، وهي ثالثاً تحويل ثقافة الآخر إلى مكون فاعل يساهم في تشكل الهوية ونموها عوض أن يكون عنصراً مهيمناً عليها، وهي أخيراً وليس آخراً دعوة إلى محافظة كل مجموعة على جوهر إيمانها الخاص، وعلى نظرتها المميزة إلى العالم، مع إتاحة الفرص لمزيد فهم معتقدات الآخر والوقوف على رؤيته الثقافية[34].
التعددية الدينية في علم اللاهوت الغربي
وبهذا يختلف مفهوم التعددية كما رسمه الإسلام –اختلافاً جذريًّا- عن مفهوم التعددية الدينية في علم اللاهوت الغربي، فمعلوم أن التعددية الدينية، شاعت «في العالم المسيحي خلال العقود الأخيرة بفضل جهود جون هيك، وهو قس من طائفة (بير سبنيوري) في بريطانيا، كما أنه متقاعد حاليًّا ويقيم في أمريكا التي مارس التدريس فيها أعواماً طويلة»[35]. ويعني المفهوم بحسبه مشروعية كل الأديان والعقائد، وأن جميع الأديان والعقائد على حق، ومن تم تعدد طرق السعادة والحقيقة، وأي طريق يسلكه الإنسان يدخله الجنة وينجيه من النار[36].
ولعل هذا المعنى يفقد التعددية معناها، لأن كل شيء يكون صحيحاً، وكأن المعايير تنهار، والحدود تتلاشى، وتتداخل الأمور، وتلغى الفواصل والمسافات بين الحقيقة وسواها.
إن التعددية الدينية بمعناها اللاهوتي الغربي، تتعارض والرؤية الدينية الإسلامية، بحيث تتكاثف الآيات القرآنية على نفي هذا المعنى بصراحة كاملة.
فـ«ثمة آيات كثيرة في القرآن تتحدث عن «الصراط» بعضها يصفه بـ«المستقيم» أو «السوي»، كما يتحدث بعضها الآخر عن ضرب خاص من «الصراط» بإضافته إلى «ربي» و«ربك» و«العزيز» و«المجيد»، أو بإضافته إلى «ياء المتكلم» بحيث تعده هذا هو الصراط وما سواه طرقاً منحرفة، على هذا لا يمكن التعاطي مع « الصراط» على أنه نكرة وهو يختص بهذه الأوصاف، ومع ما نشهده من إضافته إلى مجموع هذه المصطلحات والصفات، ومن ثم لا يصح استنتاج نظرية «الصرط المستقيمة» وعد الطرق المتعددة في الأديان مسيراً واحداً يوصل إلى السعادة والحقيقة، ثم نسبة هذه النظرية بعد ذلك إلى القرآن، خاصة مع ملاحظة «ألف ولام» التعريف التي اقترنت بهذه الكلمة في القرآن ودلالتها على الحصر، كما في قوله سبحانه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ}[37]، {فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا[38]}[39]. ومما يدل على وحدة الصراط المستقيم تقييد الله عز وجل لهذا الصراط قائلاً سبحانه: {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}[40]، وأن هذا الصراط الوحيد هو الإسلام. والقرآن شديد الوضوح في هذا الإقرار: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}[41]، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}[42].
«وعليه فجميع شرائع الأنبياء إنما هي سبل إلى الدين الإسلامي، وبهذا فجوهر الشرائع السماوية كلها واحد، ولكن هل ما بين أيدينا اليوم من شرائع موسى وعيسى ومحمد (عليهم السلام) هو ذات ما أنزله الله عليهم ذاته، أم أن الشريعتين السابقتين تعرضتا للتحريف؟ وهل تتمتع هذه الشرائع الثلاث بالحقية والصحة بموازاة بعضها، وبنحو متزامن، أم أنها مثلت الحق في أزمنة معينة بشكل متعاقب، وما عادت تمتاز بالحقية في زمن لاحق؟ وبالتالي هل يضطرنا قبول الشرائع المختلفة إلى قبول التعددية في مقام الاعتقاد، أم في مقام التعامل بين أتباع الشرائع المختلفة، أي على المستوى الذي يراد لهم فيه أن يعيشوا حياة سلمية؟[43].
لقد حكم القرآن الكريم على الرسالات السماوية التي سبقته بالتبديل والتغيير، بفعل التحريفات التي أوجدها أتباع تلك الشرائع في كتبهم ومراجعهم، وهذا ما تتكاثف الآيات القرآنية على إثباته، {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}[44]، {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا}[45]، فجاء القرآن الكريم مبيناً لهذه التحريفات كاشفاً لها، {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[46]. ومهيمناً عليها {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}[47].
إن القرآن الكريم كرس مبدأ التنوع والاختلاف باعتباره ضرورة كونية، وأمراً واقعاً، نابع من طبيعة الحياة والكون والإنسان {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}[48]، {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}[49]، {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعًا إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[50].
فقوله تعالى: {لِكُلٍّ وِجْهَةٌ} يشي من خلاله المصطلح القرآني إلى تعدد الوجهات والسبل وما يستتبع ذلك من تعدد في الأديان والعقائد واختلاف في القبلة والشريعة، والقرآن يعترف بهذا كله، وبهذا أخذ مبلغه (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته الواقعية في علاقته بأتباع الأديان الأخرى، وبه أخذ صحابته من بعده، فأتيح في معظم مساحات التاريخ الإسلامي لمختلف أتباع الديانات الأخرى، أن يعبروا عن أنفسهم في أمن وسلام، وأن يمتلكوا شروط ومقومات البقاء والاستمرار في الدولة الإسلامية من غير إقصاء أو إلغاء»[51].
إلا أن «القبول بهذا التعدد لا يعني تصويب كل السبل المتفرقة واعتبارها صحيحة جميعاً، فممَّا لا شك فيه أن سبيل الرشد في الحياة واحد وصراط الله المستقيم واحد لا غير، وليست كل السبل المختلفة والمتناقضة سليمة، بل الفكرة التي نؤمن بها هي: أن الله أعطى للإنسان حرية الاختيار، فلا يحق لنا أن نسلب هذا الحق منه، فالناس في الحياة الدنيا يواجهون صراعات الخير والشر، ومعارك الحق والباطل، وعليهم أن يختاروا بملء إرادتهم وحريتهم سلوك سبيل الخير وطريق الحق، وعلى المؤمنين بالله المنتهجين منهاج دينه الحنيف أن يدعو الناس إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة... ولكن ليس من حقهم إكراه أحد على سلوك صراط معين، وسلبه الإرادة والحرية والقدرة على الاختيار، كما ليس لهم أن يسلبوا خصومهم حق الحياة كبشر، وحق ممارسة العيش بعزة وكرامة، ما داموا يحترمون حقوق الآخرين وحدود التعامل السليم مع كل أطراف المجتمع البشري»[52].
بهذا المعنى يؤسس القرآن الكريم للتعددية الدينية، إذ يقر بتعدد الاتجاهات الفكرية والعقائدية في المجتمع والحياة، لكن مع التأكيد على وحدة الحقيقة ووحدة الصراط المستقيم. فالإنسان في الرؤية القرآنية مطالب بالكدح والمكابدة، واستباق الخيرات لسلك الطريق المستقيم في حرية كاملة واختيار حر {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[53]، وبهذا فالقرآن من منطلق مبدأ الاختلاف والتنوع لا يلغي الديانات الأخرى ولا يحظر وجودها، بل يعترف بها تاركاً لها حرية الاختيار، {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[54]، ولكن لا يصححها ولا يصوبها كما هو الشأن في الفكر اللاهوتي الغربي.
فـ«في المنظور القرآني يبدو التنوع مستقطباً عبر مجراه الطويل بكلمتي الإيمان والكفر أو الحق والباطل، ترفده جداول وأنهار متشابكة تجيء من هذا الصواب أو ذاك، ومن خلال هذا التغاير تتحرك مياه التاريخ فلا تركد ولا تأسن وتحفظ بها قدرتها على التدفق والنقاء. إن الإرادة الحرة والاختيار المفتوح اللذين منحا للإنسان فرداً أو جماعةً للانتماء إلى هذا المذهب أو ذاك، يقودان بالضرورة إلى عدم توحد البشرية وتحولها إلى معسكر واحد، إن قضية الحياة الدنيا وصيرورتها المبدعة تكمن في هذا التغاير»[55].
«أما عن الهدف من هذا التغاير فإن القرآن يجيب {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}[56]... إن هذا التغاير والتدافع المركوز في جبلة بني آدم يقود إلى «تحريك» الحياة نحو الأحسن، وتخطي مواقع السكون والفساد، ومنح القدرة للقوى الإنسانية الراشدة كي تشد عزائمها قبالة التحديات، وأن تسعى لتحقيق المجتمع المؤمن الذي ينفذ أمر الله وكلمته في العالم»[57] عن طريق التعارف العملي والتعايش السلمي.
ربما نستطيع القول بعد هذا العرض المتواضع الذي أعترف بحاجته إلى تأصيل أعمق قد لا أجد نفسي مؤهلاً للخوض فيه: إن الإسلام اعترف بشيء من التعدد على كثير من المستويات مع حفاظه على مقولة الحق والتمييز بينه وبين الباطل، وندب أتباعه إلى الحرص على متابعة الحق مهما كان مصدره.
وقد اتسع صدر الإسلام للكثير من التنوع والتعدد، فضمن الإسلام التعدد على المستوى الاجتهادي، وعلى المستوى التربوي، وعلى المستوى السياسي، فهل يستطيع الفكر الإسلامي المعاصر الإجابة عن سؤال «التعددية» الذي تطرحه العولمة على كافة المنظومات الثقافية من أجل التعايش أم أن تعثرنا سيتواصل؟.
[1] انظر، أحميدة النيفر، جدل العالمية والخصوصية: قراءة للتعددية، م. قضايا إسلامية معاصرة، السنة العاشرة، العدد31-32 شتاء وربيع2006م/1427هـ، ص6 بتصرف.
[2] سورة المائدة، الآية 48.
[3] سورة الروم، الآيتان 20-21.
[4] سورة البقرة، الآية 253.
[5] سورة هود، الآيتان 118-119.
[6] سيد قطب، في ظلال القرآن، القاهرة، دار الشروق، الطبعة الثلاثون، 1422هـ/ 2001م، ج4، ص1933.
[7] سورة الحجرات، الآية 13.
[8] أسعد السحمراني، الإسلام والآخر، دار النفائس، ط. الأولى، 1426هـ/ 2005م، ص12.
[9] سورة الأحزاب، الآية 62.
[10] يوسف القرضاوي، الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم، القاهرة، دار الصحوة للنشر والتوزيع، ط، الثانية، 1411هـ/1991م، ص 64.
[11] سورة الحجرات، الآية 13.
[12] سورة يوسف، الآية 58.
[13] صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب الأرواح جنود مجندة،، رقم الحديث 3158.
[14] طه جابر العلواني، الخصوصية والعالمية في الفكر الإسلامي المعاصر، دار الهادي، ط. الأولى، 2003م/ 1424هـ، ص29.
[15] محمد حسن الأمين، فقه التعدد والاختلاف، م. قضايا معاصرة، السنة السادسة، 2002م، عدد مزدوج، 20-21، ص 74.
[16] نفسه، ص74.
[17] نفسه، ص74.
[18] عمر عبيد حسنة، من مقدمة لكتاب: أحمد قائد الشعبي، وثيقة المدينة: المضمون والدلالة، كتاب الأمة، قطر، السنة الخامسة والعشرون، ذو القعدة 1426هـ، ع 110، ص8.
[19] سورة محمد، الآية 31.
[20] سورة الأنبياء، الآية 35.
[21] سورة الكهف، الآية 7.
[22] سورة محمد، الآية 4.
[23] سورة المائدة، الآية 48.
[24] سورة الأنعام، الآية 165.
[25] سورة الأنعام، الآية 135.
[26] سورة البقرة، الآية 256.
[27] سورة الإنسان، الآية 327.
[28] سورة الشمس، الآيات 7-10.
[29] سورة يونس، الآية 99.
[30] سورة المائدة، الآية48.
[31] سورة آل عمران، الآية 20.
[32] سورة الرعد، الآية 40.
[33] انظر: حسين الصادق، مبدأ التعددية، مجلة البصائر، السنة الخامسة عشر، خريف 1425هـ/ 2004م، العدد 34، ص145.
[34] انظر: أحميدة النيفر، م.س، ص6.
[35] محمد لغنهاوزن، التعددية الدينية بين الإسلام والليبرالية، حوار في البنى والمنطلقات، تعريب سرمد الطائي، مجلة الحياة الطيبة، ع 11، السنة الرابعة، شتاء 2003م/ 1423هـ، ص 17.
[36] جون هيك، هل المسيحية هي الديانة الوحيدة الصحيحة، م. قضايا إسلامية معاصرة، العدد 20-21، 1423هـ/ 2002م، ص 262 وما بعدها.
[37] سورة الأنعام، الآية 153.
[38] سورة مريم، الآية 43.
[39] الحسين خسروبناه، التعددية الدينية، رؤية من المنظار الديني، تعريب ماجد علي، مجلة الحياة الطيبة، م.س، ص 79.
[40] سورة الشورى، الآية 53.
[41] سورة آل عمران، الآية 19.
[42] سورة آل عمران، الآية 84.
[43] غلام رضا المصباحي، الصراطات اللامستقيمة، قضايا إسلامية معاصرة، ع20-21، سنة 1423هـ/2002م، ص 173-174.
[44] سورة المائدة، الآية 17.
[45] سورة المائدة، الآية 41.
[46] سورة النحل، الآية 64.
[47] سورة المائدة، الآية 48.
[48] سورة الروم، الآية 21.
[49] سورة المائدة، الآية 48.
[50] سورة البقرة، الآية 148.
[51] حسين الصادق، مبدأ التعددية قراءة في أصول الفكر الشيعي، مجلة البصائر، ع24، السنة الخامسة عشر، خريف 1425هـ/ 2004م، ص 146-147.
[52] نفسه، ص 147.
[53] سورة البقرة، الآية 256.
[54] سورة الكهف، الآية 29.
[55] عماد الدين خليل، المسلم والآخر: رؤية تاريخية، إسلامية المعرفة، س. التاسعة ع33-34، صيف وخريف 2003م، ص92.
[56] سورة البقرة الآية 251، والمعنى نفسه تفيده الآية 40 من سورة الحج.
[57] عماد الدين خليل، المسلم والآخر: رؤية تاريخية، م. س، ص 93.