مجلة الكلمة
التجديد والحداثة الفكرية في ثوبها الأصيل
ذاكر آل حبيل
بمثابة مقدمة
التجديد بما هو فعل للمغايرة المفارقة لواقع اللحظة الفائتة، وتجاوز معرفي لما تم استهلاكه من معارف وعلوم تم تجريبها وقياس مدى نجاعتها في عصورها. والتجديد بما هو فعل حضور في الآن وهنا بكل ما تملي اللحظة المعرفية وعلومها من دافعية يجب أن تنجز عدتها لتفي بغرض الحاجة الإنسانية للتقدم والمثابرة في مزيد من البناء الحضاري، ولا يكون للتجديد فعله الزمني المنجز إلَّا بمحاولة التقدُّم والتخطيط للحضور في المستقبل.
والحداثة بما هي فعل تأصيل لواقعية حضور الإنساني في مدرك الفعل الثقافي القار في بنية النسق المعرفي والعلمي القائم بكل مناهجها ومعطياتها، إذ لا تكون الحداثة إلَّا بالأنسني المفعل والمنفعل في آن، وبالحضور المركزي للعقل وعقلانية الكائن الإنساني في الفعل الحداثوي.
والفكر بما هو المنتج المؤطر للسياقات المعرفية ودافعياتها المنجزة، والذي لا بد له من فعل التجديد والمغايرة والتقدُّم وعدم الركون لما كان في تاريخيته بكل غثه وسمينه، أذ لا بد للفكر من التحريك وربما التثوير والقطيعة المعرفية البينة كي تتجدد حياة الإنسان ككائن ضمني ومحوري للوجود الواعي، والفكر في سياقه المتجدد يشكل الحاضن والدافع المركزي لذلك التجدد من حيث آلياته ومناهجه وعلومه، ومن داخل السياق الموضوعي لمفهوم التجديد الذي يرتكز على أصالته المكتملة بمعاصرة لا تغفل بنيات المعاصرة والحداثة الفكرية في جانبها الرصين والمتقدم.
مجلة الكلمة ومشروعها المتجدد
اهتمت مجلة الكلمة في إطار معالم أطروحتها الفكرية المديدة، اهتماماً شاسعاً بمعالم النهضة الفكرية وتقدمها في الوسطين العربي والإسلامي، في جل مسارات موضوعات النهوض والتقدُّم المنشود، والتي تدفقت فيها جل مناحي الكتابات الفكرية التي نشرتها المجلة وفي مختلف الجوانب الفكرية والعلمية والمنهجية، وكانت مطارحاتها وسجالاتها ومتابعاتها في ذات المرمى والهدف، تتغيَّا التكامل في صوغ دافعية المشروع الحضاري للأمتين العربية والإسلامية وفق تطلعات حافزة، وغير مترددة لارتياد نداءات الاجتهاد المتقدم في سبيل نهضة معاصرة تحافظ على حيوية الحضور الإنساني المركزي والتي لا تغيب عن المساهمة فيه الأمتين العربية والإسلامية.
إن المتابع والمتفحص لمشروع مجلة الكلمة، يتلمس العناية الفائقة والاهتمام الجم في مجالات «تجديد الفكر الإسلامي والمعارف الإسلامية، والعلوم الإنسانية والاجتماعية، مع الاهتمام بقضايا المشكلات الثقافية في العالم العربي والإسلامي، والتجديد والبناء الحضاري، وكذلك قضايا الإنماء التربوي والتعليمي، ومستقبليات المشروع الثقافي والحضاري الإسلامي المعاصر، مع الإيمان بقيم الحرية والحوار والافتاح والتسامح –كما جاء في قواعد النشر فيها– ولتلهم بضرورة التركيز على مشروعها الأم والمركزي، والذي تشدد عليه كأولوية، ذلك على أن هم المشروع الحضاري والنهضوي بالنسبة لمشروع مجلة الكلمة لا زال مفتوحاً بإلحاح كي يحافظ إنسان الأمة على حيويته وفاعليته في وجوده الخاص ومع المشترك الإنساني العابر للثقافات بدارية واعية لا تتقهقر، وليسبر غور معارف الحياة والوجود ببسالة مجتهدة لا هوادة فيها، مدركة لسنن التطور والتقدم في خطها المتجه للأعلى، والذي يرتكز على معالم مبدئية أصيلة قوامها ثوابت الأمة، وهدفها تحقيق مصالحها العليا، والخير للبشرية جمعاء.
مجلة الكلمة، معالم المنهجية الجديدة
تركز الجانب الفكري المهم في مشروع مجلة الكلمة على توكيد منهجية البحث الفكري المتجدد في عناوينه العديدة، والذي كانت ترومه المجلة كي تحافظ على خصوبة حراكها الفكري في وسط الباحثين في عديد مجالات النشر فيها، وتجلى ذلك في موضوعات محاور نشرها المركزية، فضلاً عن ركائز موضوعاتها الأساسية في كل عدد. وبعيداً عن التقليدية المحافظة لم تعش المجلة هاجس الخوف من التجديد وصدماته ومفارقاته، بل سعت في تقعيد وتثبيت مضامينه وحيثياته، وبوسطية مقبولة عند كل الاتجاهات، الأمر الذي حافظ على منهجيتها من التراجع والاضمحلال، بل سعت إلى ضخ المزيد من موضوعات حافلة بالعديد من مناهج البحث العلمي والمنهجي والفكري للتأكيد على صعود اهتمامها بالمستجد والمعاصر بكل ما تحفل به الدوائر المعرفية والفكرية المتقدمة.
أن الملازمة الفكرية والمنهجية وتفعيل جانبها التواصلي كان جوهر الدافعية الضمنية لمشروع مجلة الكلمة، فضلاً عن المساهمة الفعَّالة والضمنية في إغناء المشروع الحضاري للأمة بالمزيد من الذخيرة الفكرية والمنهجية والعلمية للجهد الذي يبذله الأوفياء من أبنائها المهمومين بهمِّ الصعود إلى الأعلى على نحو التحضُّر والتقدُّم والشراكة الحية بالجديد من المعرفة العلمية والمنهجية والفكرية، وإذ لا يكون حضور الأمم والحضارات في شراكتها الإنسانية في صنع الحضارة، إلَّا بالمزيد من إنتاج رأسمال معرفي قادر على المزامنة الحضارية في شتى مجالات الحاجات الإنسانية، المادية والمعنوية.
مجلة الكلمة والمساهمة في المعرفي الناهض
واكبت مجلة الكلمة مشاريع الفكر العربي والإسلامي المعاصر، ولامست حيثيات محاججاته وشتى جدلياته، وساهمت في مقارباته المعرفية بإثرائه بالمزيد من الرفد الموضوعي الحافز لاجتهادات فكرية قادرة على صوغ البدائل الحافلة بالمعنى، وذلك بإذكائها روح الحوار البنَّاء في شتى ملفاتها المركزة ضمن موضوعات ذات قصدية عالية لأجل خصوبة معرفية تتَّجه نحو منجز يدفع بذلك الفكر نحو مستقبلياته الواعدة.
لقد نأت مجلة الكلمة بنفسها عن الوقوع في التجزيئية وغلَّبت الاشتغال على المضامين والآليات على حساب التوجُّهات، ودعت لاستصلاح المشاريع الفكرية والبعد عن الاستعجال الثقافي والظرف السياسي، وتقعيد الفعل الثقافي بتدويره وتقليبه معرفيًّا بالمزيد من التغذية المركزة بالبحث والحوار والمحاججة دون تردد أو مراوغة أو مداراة، فسلامة الفكر في المداومة على تلك الروائز المعرفية، التي ولا بد ستقويه وتفعّله على نحو موضوعي لكي يكون على مقربة من واقع الوجود الإنساني الأكثر نفعاً.
لذلك كله سخَّرت مجلة الكلمة جل اهتمامها لفعل الحوار مع الآخر والتعارف الحضاري بين الحضارات والجدل المعرفي بين التوجُّهات الفكرية المختلفة، بهدفية تمس مختلف الحقول المعرفية في جانب المنهجي، وبفعل ثقافي تواصلي يرتكز على الرأي والرأي الآخر وضمن مساجلة تتغيَّا المشترك لكي تبني الأمة أصولها المعرفية والمنهجية على أرض صلبة، قوامها ثوابت الهوية ومسارات المعاصرة المجتهدة لأجل حداثة مبتكرة.
مجلة الكلمة وتغدية المفاهيم الكبرى
المفاهيم الإنسانية الكبرى، والتي تعد المبادئ والأصول والأسس المعرفية، والتي يرتكز عليها الوجود الإنساني برمته في مختلف علاقته الضمنية كحقوق أساسية، كحق الحياة والحرية والمساواة، والحقوق الفرعية كالأخاء الإنساني والحوار والتسامح وغيرها من مفاهيم تواصلية إنسانية كانت حاضرة وماثلة في أغلب الموضوعات، أما بموضوعات وأبحاث متخصصة، أو بتضمين يذكي حضورها المهم في الثقافة العربية والإسلامية المعاصرة، وبلحاظ حقوقي مدني يتغيَّا للأمة مزيد من التنظيم في المدنية والحقوق الإنسانية المعتبرة كما هو سائد في الثقافة الإنسانية المعاصرة.
مجلة الكلمة ومنجزها المتواصل
الدوريات الفكرية المتخصصة في العالم العربي، وبالرغم من قلتها تقديراً، إلَّا أنها تعاني أيضاً من قلة عمرها الافتراضي، فمديد حضور بعضها يتأتى من إصرار القائمين عليها من خلال إيمانهم العميق بالضرورة الفكرية وحراكها الأهم في حياة الأمة، فضلاً عن مدد الباحثين الجادين بالمزيد من بحوثهم وموضوعاتهم من أجل إغناء مساحة الفكر والثقافة والمعرفة في ميدانها العربي والإسلامي، وتطوير مضامينها وآلياتها ومناهجها على النحو الذي يفي بغرض التوثب والنهوض والتقدُّم في حياتنا الإنسانية، والتي لا تتأكد إلا بالمزيد من الجدية في البحث والاجتهاد المنفتح على كل ميادين العلم والمعرفة خصوصاً في عالمنا المعاصر الذي صار رأس ماله المعرفي والفكري عنوان وجود الأمم والحضارات، وقوام وميزان وجودها وحضورها الفاعل.