العلاقات الثقافية بين الشرق والغرب
جدلية الانبهار والحوار: حملة نابليون بونبارت وبعثة أتباع سان سيمون إلى مصر
الدكتور مجدي فارح*
* جامعة تونس.
المقدمة
تقتضي دراسة العلاقات الثقافية بين الشرق والغرب، في الفترة الحديثة، الانتباه إلى جملة من الظروف التاريخية، والمعطيات السوسيوثقافية التي يتطلّب تحديّد طبيعتها الإلمام بجملة من العوامل والظرفيات المادية والرمزية التي أفرزت أوضاعاً معقدة، لذلك اختلفت التعبيرات عنها من حوار إلى انبهار، ومن محاكاة إلى ممانعة، ومن تقليد إلى نبذ[1].
تبحث هذه الدراسة في كيفية تفاعل الأنا المعرفي العربي مع حلقتين من أبرز حلقات الاتصال الثقافي بين الشرق والغرب، ألا وهما الحملة الفرنسية على مصر (1798 - 1801) التي اصطلح جزافاً على تسميتها «بصدمة الحداثة»، وبعثة أتباع سان سيمون[2] (1833 - 1850). وهما محطتان تمتّا في ظرفيتين مختلفتين، وبغايات مختلفة، وإن كان مأتاهما واحد.
تتنزل حملة بونبارت في إطار تاريخي جدّ مخصوص، ما بعد ثورة 1789، وما رافقها من إعلان للحريات وقطع مع الدغمائيات وانتصاراً للعقلانية ولقيم حقوق الإنسان، وكان من المفارقات أنّها قد توّجت بعدّة حروب داخل أوروبا ثم بحملة عسكرية على مصر سنة 1798 [3].
أما البعثة السان سيمونية إلى مصر، والتي من مكر التاريخ أنّها تأتي أيضاً بعد ثورة ثانية عرفتها فرنسا سنة 1830، والتي كان من أهدافها العودة إلى القيم الأصلية للثورة الأولى، فقد انتهت بإقصاء لكل فكر مغاير، وكان أتباع سان سيمون من أبرز ضحايا هذا الإقصاء نظراً لانتقادهم الشديد لانحراف هذه الثورة عن مبادئها[4].
فبعد قرار حلّ الجماعة ومصادرة مطبوعاتها فكّر الأتباع في الهجرة إلى أراض جديدة ينفذون أفكارهم عليها، فكان خيارهم الأوّل القارّة الأمريكية وخاصة المكسيك ليشقّوا قناة تصل بين المحيط الأطلسي والمحيط الباسيفيكي التي عرفت فيما بعد باسم قناة بناما. ولكنهم فضّلوا التوجّه إلى الشرق لتنفيذ المشاريع الصناعية التي طالما حلم بها أستاذهم وخاصة شقّ قناة بين البحرين: المتوسط والأحمر[5].
تعامل الفكر العربي زمن الحملة الفرنسية على مصر (1798 - 1801) مع مظاهر الحضارة الغربية بكثير من الانبهار والتعجب الممزوج بألم وحسرة؛ لأن منطق المقارنة والمقابلة كان مهيمناً عليه بعد أن أدرك الهوّة الفاصلة بين الشرق والغرب[6].
وقد ترافق قدوم حملة نابليون بونبارت مع طرح عدد كبير من التساؤلات على النخب المصرية التي تعاملت معها تحت وطأة الأزمة في ظرفية الاحتلال الذي غلب عليها انبهار المغلوب بالغالب[7].
في مقابل ذلك فقد قدّمت البعثة السان سيمونية إلى مصر (1833-1850) عددا من الأجوبة في ظرفية مخالفة صنعت ظرفية الحوار داخلها إمكانية الانفراج والتواصل بين ثقافة الأنا وثقافة الآخر خاصة وأنّ الظروف المناسبة لحدوث هذا النوع من التثاقف قد توفرت بسبب تهيئ الأسباب الداخلية للتغير الذي أصبح مطلبا ملحّا بعد تولي محمد علي باشا الحكم (1805-1849) وانخراطه في إجراءات تحديثية ترمي إلى جعل مصر دولة عصرية، مستعينا في ذلك بعدد من الخبراء والمدرسين الأوروبيين وخاصة من الفرنسيين[8].
وكان أتباع الفيلسوف الفرنسي كلود هنري دو سان سيمون Claude Henri de Saint Simon من أهم أولئك الذين التحقوا بمصر في تلك الفترة للمشاركة في هذه التجربة التحديثية[9]. وقد ترافق قدوم أتباع سان سيمون إلى مصر وإسهامهم في المشاريع التحديثية لمحمد علي باشا مع بدايات تكونّ أنتلجنسيا مصرية وذلك خاصة من أعضاء البعثات التعليمية التي دأب محمد علي باشا على إرسالها إلى أوروبا منذ بداية القرن التاسع عشر لتلقي المعارف والمهارات في شتى العلوم والصنائع[10].
لقد أدّى اشتراك هذا الجيل الجديد من المصريين مع السان سيمونيين في هذه المشاريع إلى اتصال بالغ الأثر أثثته جملة من المناقشات حول مبادئ المدرسة السان سيمونية وفلسفتها الاجتماعية وأبعادها الإنسانية من ناحية ومستقبل التحديث وسبل بناء الدولة العصرية في مصر[11]. وقد قدمّت المدرسة السان سيمونية بأبعادها الإنسانية وفلسفتها الاجتماعية القائمة على فكرة الوحدة العالمية فرصة تاريخية لحصول التثاقف بين الشرق والغرب من خلال احترام الآخر الشرقي والبحث في خصوصياته السوسيوثقافية والتعامل بكثير من الإنصاف مع ثقافته وحضارته واحترام اختلافه الديني خلافا للحملة الفرنسية التي كانت في ظرفية الاحتلال قائمة على إبهار الآخر باستعراض تفوق الغرب العسكري والعلمي والتقني[12].
-1-
الحملة الفرنسية على مصر: صدمة اللقاء المبهر
كُتب الكثير عن الحملة الفرنسية على مصر (1798 - 1801) بأحداثها وأهدافها ونتائجها، وتنوَّعت الآراء بوجه خاص حول أهمية وحدود المثاقفة التي كانت سياقاً لها[13]. سبقت الحملة الفرنسية على مصر تمهيدات كثيرة قام بها الرحَّالة والسُّفراء والقناصل الفرنسيون في الأستانة ومصر، والذين كانت تقاريرهم ومراسلاتهم تصوّر الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية في الإمبراطورية العثمانية وكأنّها تشكّل الميدان الملائم لإجراء تجربة استعمارية جديدة[14]. ورغم كل المحاولات لإضفاء طابع حضاري على الحملة وخاصة من خلال البعثة العلمية[15] التي رافقت جيش الشرق فإنّ الأهداف الحقيقية للحملة قد ارتبطت بالصراع الجيواستراتيجي بين فرنسا وبريطانيا حول طريق التجارة مع الهند[16].
مثّلت الحملة الفرنسية على مصر بما حملته معها من معدّات لوجيستية مؤشراً على التأخر التقني والتكنولوجي للشرق، فقد واجه المماليك الحملة بالسيوف وواجهها العامة بالصياح. يذكر الجبرتي أن عامة الناس كانوا يقفون إلى جوار ساحة المعركة في إمبابة (الأهرام) وهم يصيحون ويصرخون، وينصّ على ذلك تحديداً. «كأنّما كانوا يحاربون بصياحهم...»[17]، وهذا التصرّف ناجم عن الاعتقاد بأنّ الصوت مكافئ للعمل وأنّه كلما علا الصوت فقد تأكدّ العمل.
وهكذا استيقظت مصر على أصوات مدافع نابليون بونابرت حين دخوله مصر سنة 1798. وفي معركة قصيرة قرب القاهرة انتصر الجيش الفرنسي وتشتت المماليك الذين كانوا يجسدون التخلف قيادة وترتيباً وعتاداً أمام القوة الغازية التي كانت تتمتع بقيادة قادرة وتنظيم محكم وسلاح حديث[18]. لقد كانت هذه المعركة في تقدير البعض صداماً حضاريًّا بين العصر الحديث، بكل معارفه ومنجزاته العلمية، والقرون الوسطى التي تجاوزها الزمن.
أما النخب المثقفة بمصر آنذاك، ممثلة في الجبرتي، فقد أثبتت عجزها عن تقبّل الفكر الغربي، وعن مجانسة رصيدها المرجعي والكلاسيكي مع المكتسبات الأوروبية الحديثة وللردّ على مبالغات بعض المؤرخين، وخاصَّة منهم المستشرقين، حول دور الحملة الفرنسية في تحضير الشرق وحمل الحداثة وصنع النهضة، يكفينا أن نذكر أنّ رواية عبد الرحمن الجبرتي، صاحب أطول وأهم الوقائع عن الحملة الفرنسية، كانت مؤشراً على تأخر الكتابة التاريخية وتأخر ميكانيزمات التحليل، فلم يفهم أغلب الإجراءات التحديثية التي حملها الفرنسيون إلى مصر[19].
كانت النخب المثقفة المصرية عاجزة آنذاك عن إدراك علوم وفنون الغرب المتطورة ناهيك عن العامة، فرغم أنّ الجبرتي شيخ أزهري وابن شيخ أزهري، أي أنّه من علماء عصره إن لم يكن أعلمهم، فقد بدا عليه الانبهار وظهر عليه الاندهاش بكل ما حمله الفرنسيون من معدّات وإجراءات وحتى أشكال احتفالات[20]. فقد كان يستغرب ويندهش لأشياء كثيرة رصدها وكان شاهداً مباشراً عليها أثناء الحملة. ولذلك نجده يكرر استعمال مصطلحات من قبيل «تعجبت» و«تحيرت» و«انبهرت»، فيقول مثلاً في روايته لخروج بونبارت من مصر: «... فتحيّر الناس وتعجبوا في كيفية سفره ونزوله البحر مع وجود مراكب الأنقليز ووقوفهم بالثغر ورصدهم الفرنساوية من وقت قدومهم الديار المصرية ولكيفية خلوصه وذهابه أنباء وحيل لم أقف على حقيقتها...»[21].
وسيزداد انبهار هذه النخب عند مشاهدة بعض التجارب العلمية المخبرية التي أدّت إلى دهشتهم وهلعهم، فامتزج لديهم الواقع بالخيال والعلم بالسحر، وأصاب سلوكهم نوع من الارتباك، مما جعل الشيخ البكري من شدّة انبهاره بتجارب العالم برتولي Berthollet يشك بأنهّ ساحر[22]. وقد عبّر شيوخ الأزهر بعدما شاهدوه من تجارب العلماء الفرنسين عن إعجابهم بالاختراعات التقنية وفي الوقت ذاته أبدوا عجزهم عن إدراك مغزاها، معتبرين أنّ المعجزات شأن إلهي حتى لا تهتز قناعاتهم الدينية. وقد تحدث الجبرتي عند زيارته إلى المخبر الذي يشرف عليه الفلكي مونييه Menier عن عدد من الآلات الفلكية التي بدت له غريبة وعجيبة: «... ولهم في ذلك آلات غريبة الشكل متقنة الصنع، ارتفاعاتها بديعة... وكذلك نظارات للنظر في الكواكب وأرصادها ومعرفة أجرامها واتصالاتها ومناظراها وأنواع المنكبات والساعات التي تسير بالثواني والدقائق الغريبة الشكل»[23].
كما كان الجبرتي شاهداً على العديد من التجارب الكيميائية التي كانت تتمّ بالمجمع العلمي المصري فوصف لنا تحوّلات الألوان والحالات بتعجب شديد مبدياً جهله بمبادئ هذه العلوم العصرية[24]، إذ يقول عند حضوره مع عدد من زملائه الأزهريين إحدى التجارب المخبرية: «ومن أغرب ما رأيته في ذلك المكان أنّ بعض المتقيدين بذلك أخذ زجاجة من الزجاجات الموضوع فيها بعض المياه المستخرجة، فصبّ منها شيئاً في كأس، ثم صبّ عليها شيئاً من زجاجة أخرى فعلا الماء وصعد منه دخان ملوّن حتى انقطع وجفّ ما في الكأس وصار حجراً أصفر، فقلبه على البرجات حجراً يابساً أخذناه بأيدينا ونظرناه، ثم فعل كذلك بمياه أخرى فجمد حجر أزرق وبأخرى جمد حجراً أحمر ياقوتيًّا، وأخذ مرة شيئاً قليلاً جدًّا من غبار أبيض ووضعه على السندال وضربه بالمطرقة بلطف فخرج له صوت هائل لصور القرابانة (يقصد البندقية) انزعجنا منه فضحكوا منّا... ولهم فيه أمور وأحوال وتراكيب غريبة ينتج عنها نتائج لا تسعها عقول أمثالنا...»[25].
لم يحاول الجبرتي أن يتفهم ما شهده من تجارب العلماء الفرنسيين في المخبر الكيميائي ليدركها بل قنع في نهاية الأمر بإبداء دهشته ومن ثمّة الإقرار بعجزه. المشهد المبهر نفسه يتكرر بعد حوالي نصف قرن مع أحمد بن أبي الضياف عند زيارته الشهيرة إلى فرنسا برفقة أحمد باي سنة 1846، عندما توقف عند تقدم الغرب مقارنة بالشرق: «إنّ القوم سبقونا إلى الحضارة بأحقاب من السنين حتى تخلّقوا بها وصارت من طبائعهم، وبيننا وبينهم بون بائن، ولله فينا علم غيب نحن صائرون إليه... إنّ هذا البلد يُنسي الوطن والأهل...»[26].
لخّصت هذه الجملة انطباعات ابن أبي الضياف عندما توقف مشدوهاً أمام التقدّم الذي عرفته المدنية الغربية آنذاك، وتلتقي هذه الكلمات مع ما ذهب إليه الجبرتي في توصيفه لحال مصر مع قدوم الحملة الفرنسية عندما يقول: «... المصائب عظيمة والمصاعب عميمة والعكوسات مقصودة والشفاعات مردودة، وبالجملة فالأمر عظيم والخطب جسيم ولا حول ولا قوة إلَّا بالله العظيم...»[27].
سواء انتمى الجبرتي إلى عصر ما قبل النهضة أو إلى عصر النهضة فإنّه منخرط بواقعه كجزء من النخبة المثقفة المصرية في جدلية العلاقات الثقافية بين الشرق والغرب، تلك العلاقات التي أفرزت السؤال الإشكالي: لماذا تقدّم الغرب وتأخَّرنا نحن؟ هذا السؤال الذي واجهه روّاد الفكر العربي الحديث بعد أن شغلتهم ثنائيات التقدّم والتأخر أو الشرق والغرب أو الإسلام وأوروبا[28].
لم يستوعب الجبرتي الصدمة الناجمة عن اتصال الشرق بالغرب، الذي ظهر بمصر بجهازه العسكري والعلمي والتقني والثقافي والحضاري، ليعبّر عن كلّ ذلك بلغة مختزلة في علاقاتها بحدث غريب عجيب: «وهي أول سني الملاحم العظيمة (أي سنة 1799)، والحوادث الجسيمة، والوقائع النازلة، والنوازل الهائلة، وتضاعف الشرور، وترادف الأمور، وتوالي المحن، واختلال الزمن، وانعكاس المطبوع، وانقلاب الموضوع، وتتابع الأهوال، واختلاف الأحوال، وفساد التدبير، وحصول التدمير، وعموم الخراب، وتواتر الأسباب، وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون»[29].
وبذلك فقد اعتبر الجبرتي أنّ الحملة الفرنسية على مصر تحقيق للعدالة الإلهية، ليعبّر عن عجزه عن فهم مجريات العلاقات الدولية، فلم يستوعب ما حدث باعتباره حدثاً غير عادي أو معتاد، بل جديداً وعجيباً وغريباً. وبذلك يعترف الجبرتي بأنّ الحملة قد حيّرت فكره على جميع المستويات، وأدخلت ارتباكاً كبيراً على مرجعيته الذهنية وتصوره للكون والتاريخ، ولذلك فقد أرَّخ لها باعتبارها حدثاً عظيماً عجيباً غريباً ومحنةً جديدةً حلّت على الشرق[30].
وينسحب رفض جيل الجبرتي للآخر الغربي، والجهل بكل مظاهر الحياة الحديثة حتى على أبسط الإجراءات الصحية الوقائية التي أقرّها الفرنسيون للاتقاء من الأمراض والأوبئة التي كانت تحصد أرواح الآلاف بمصر آنذاك عندما يقول: «... ومن مبالغاتهم التي تثير الانبهار أنّهم نادوا بنشر الثياب والأمتعة والفرش بالأسطح عدّة أيام وتبخير البيوت بالبخورات المذهبة للعفونة... كل ذلك للخوف من حصول الطاعون وعدواه...»[31].
ينقل لنا الجبرتي أنّ المصريين قد تعاملوا بقدر كبير من الريبة والتردد والاحتراز إزاء كل مبادرات بونبارت الإصلاحية والتحديثية، ومن ذلك بعض الإجراءات الإدارية التي قام بها الفرنسيون مثل ضبط الأملاك والأعمال والأوقاف، وتحديد الضرائب بأسلوب منظم وقواعد محددة[32]: «... ذكروا في الديوان أنّ ساري عسكر أمر وكيل الديوان أن يذكر مشايخ الديوان أنّ قصده ضبط وإحصاء من يموت ومن يولد من المسلمين، ويطلب منهم التدبير في ذلك وكيف يكون، وذكر لهم أنّ في ذلك حكماً وفوائد، منها: ضبط الأنساب ومعرفة الأعمار، فقال بعض الحاضرين: وفيه معرفة انقضاء عدّة الأزواج أيضاً...»[33].
وقد استنكر المصريون قرار السلطات دفن الموتى في مقابر بعيدة عن المدينة؛ لأنّهم عدّوا ذلك تعدّياً على حرمة الأموات وتحقير من شأنّهم. كما ثار المصريون ضدّ الإجراءات الوقائية من الطاعون والأمراض والأوبئة عندما أصدر نابليون الأمر بإلزام الناس النظافة من كنس ورش وتبخير ووضع الفراش تحت الشمس على الأسطح لتهويته وتنقيته، وهو ما عدّه المصريون مغرضاً بهدف إحصاء الأمتعة وكشف الأملاك لتصيّد الفرص لنهبها (أزمة ثقة في ظرفية الاحتلال).
كما استنكر الجبرتي استعمال الآلات الحديثة كالعربات الصغيرة التي تنقل عليها المواد بدلاً من وضعها في القصاع التي تحمل على الرؤوس، وهو ما عدّه جبل للنفوس على الكسل والتواكل، بدل أن يفهم ذلك على أنّه ربح للوقت وتوفيرا للجهد[34].
بالإضافة إلى ذلك فقد عبّر الجبرتي عن عجزه عن فهم المقاصد الحقيقية لقرار بونبارت بتشكيل ديوان في القاهرة ودواوين في الأقاليم تتألّف من المشايخ والعلماء وأعيان البلاد. وهذه الدواوين التي تعتبر جزءاً من السياسة الإسلامية للحملة، والتي يتمثّل دورها أساساً في «إضفاء الصفة الشرعية على السياسات الفرنسية وإقرارها بفضل مكانة العلماء والفقهاء الذين تتألف منهم هذه الدواوين»[35].
وقد حاول بونبارت بإنشاء هذه الدواوين ضمان التأييد من أكثر عناصر المجتمع المصري نفوذاً، وذلك بفضل عديد البيانات التي أصدرها الديوان على لسان المشايخ، والتي تدعو إلى القبول بالأمر الواقع، وتحثّ على تجنّب الفتن، بهدف تهدئة الأهالي خاصة خلال انتفاضتي القاهرة[36]. وقد أصدر نابليون في 25 يوليو 1798 مرسوماً بتأليف ديوان القاهرة من عدد من المشايخ، وقد وقع الاتفاق على الشيخ عبدالله الشرقاوي، والشيخ محمد المهدي، والشيخ موسى السرسي، والشيخ مصطفى الدمنهوري، والشيخ أحمد العريشي، والشيخ يوسف الشبرخيتي، والشيخ محمد الدواخلي، والشيخ خليل البكري، والشيخ مصطفى الصاوي، والشيخ سليمان الفيومي[37].
كما ضمّ الديوان ممثلين عن الجالية الفرنسية المتواجدة بمصر، ثلاثة من الأوروبيين وهم كافي Caffé وولمار Wolmarوبودوف Baudeuf، وعيّن مونج Monge مشرفاً على أعمال الديوان[38]. ولكن الجبرتي لم يدرك الغاية من إنشاء هذه الدواوين كممارسة سياسية هادفة لتهدئة الأهالي [39]. كما برهن هؤلاء المشايخ على عدم فهمهم للانتخابات كممارسة ديمقراطية في مستوى اختيار الأعضاء والتمثيل، والتي نظمت لانتخاب رئيس لديوان القاهرة الذي أنشأه الفرنسيون، بقوله: «...قال الترجمان: نريد منكم يا مشايخ أن تختاروا شخصاً منكم يكون كبيراً ورئيساً عليكم ممتثلين لأمره، فقال بعض الحاضرين: الشيخ الشرقاوي، فقال: نو نو (أي لا لا )، وإنما يكون الأمر بالقرعة، فعملوا قرعة بأوراق فطلع الأكثر على الشيخ الشرقاوي، فقال: حينئذ يكون الشيخ الشرقاوي هو الرئيس، فأذنوا لهم في الذهاب، وألزموهم بالحضور كل يوم...»[40].
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ النص الفرنسي وصف الأمر بالانتخاب أو الاختيار بالطريقة الدستورية، إلَّا أنّ الجبرتي يصف الأمر بكلمة قرعة، وبين الاختيار والقرعة معانٍ ظاهرية ودلالات أكثر بعداً وعمقاً في الحضارتين الشرقية والغربية. يبدو أنّ الانتخاب كممارسة حديثة كان غريباً جدًّا على الجبرتي حتى أنّه سمّاه قرعة لغرابته وعدم وجود اسم دارج له في اللغة العربية أو في المدوّنة السياسية العربية. ولذلك فلم يستوعب الجبرتي معناه، ولم يتمثل نتائجه وخاصة مسألة توجيه الخطاب إلى المصريين عامة، بدلاً من توجيهه إلى طائفة دون طائفة أو فئة دون فئة، وهو فهم جديد في وقته، كان يوطّئ لعودة الأمة المصرية التي شرذمها الاستعباد العثماني وهرأها الاستذلال الملوكي[41].
عجز الجبرتي عن فهم وإدراك عدد من المفاهيم والممارسات السياسية التي عرفتها المجتمعات الحديثة مثل انتخاب الحكام عموماً، بما يجعل للشعب حقًّا في هذا التعيين، ومبدأ تقرير المساواة بين المواطنين، الذي هو أساس قيام الدولة المدنية التي تنبني على حقّ المواطنة لكل فرد من أفراد الشعب، ومساواته مع جميع المواطنين في الحقوق والواجبات. يبدو أنّ ظرفية الاحتلال لم تتح لجيل الجبرتي، الذي ظلّ يعتبر الثورة الفرنسية بدعة وفتنة كبرى، إمكانية تمثّل وفهم مثل هذه المقولات الحديثة[42].
ولكن مع جيل الطهطاوي الذي اتَّصل بالغرب في ظرفية مخالفة بالتوازي مع انطلاق حركة التحديث، التي دشنّها محمد علي باشا، بدأ طرفا الجدلية يتقاربان، فالطهطاوي الذي عاش في باريس (1826 - 1831) تعرّف على المبادئ والمقومات الفكرية للحضارة الغربية بما هي تطورية دينامية قائمة على مبدأ التغيّر والتجدّد، تمنح العقل في الشأن المعرفي السلطة العليا، وتركز على الإنسان كقيمة مطلقة[43].
لقد اقترب جيل الطهطاوي إلى طرف الحضارة الغربية في الجدلية الحضارية بعد أن لمس الحداثة ومنجزاتها ونجاحاتها التي استفاض في وصفها في تخليص الإبريز[44]. وكان الطهطاوي قد عايش مرحلة من أهمّ المراحل التي عرفتها فرنسا وهي مرحلة التحوّلات الاقتصادية والسياسية العميقة. وقد شاهد الطهطاوي عن كثب أحداث ثورة 1830 وما واكبها من تناحر التيارات السياسية والفكرية. وقد أمكن له إدراك أسباب هذه الثورة بما توفر له من اطلاع على مبادئ الثورة الفرنسية وعلى مؤلفات فلاسفة التنوير الذين نظروا إليها كمعجم الفلسفة لفولتير، والعقد الاجتماعي لروسّو. وقد حصلت للطهطاوي قناعة مفادها أنّ السبب في التقدّم الأوروبي والفرنسي بوجه خاص، وبالتالي في الفرق بين الغرب والشرق ليس التفوق في العلوم فحسب، وإنما في اعتماد نظام سياسي يحدّ من الحكم المطلق ويحدّد مسؤولية الحاكم والمحكوم[45].
أما رفض الجبرتي للإجراءات الإدارية والقضائية التي اتخذها الفرنسيون فيعود إلى تكوينه الثقافي الشرقي والاجتماعي الملتزم، الذي يبغض تدخل الإدارة في حياة الناس اليومية. يبدو أنّ ظرفية الاحتلال قد حالت دون أي إمكانية للتواصل والتثاقف في ظلّ أزمة الثقة في الآخر الذي تلبّس بلبوس الغازي. كان الانفتاح على حداثة الغرب الذي دشّن ما اصطلح على تسميته بعصر النهضة العربية بمثابة الصدمة؛ نظراً لما كشفه من اتساع الهوّة ما بين واقع العرب والمسلمين من جهة، وما عليه أوروبا من حضارة وتقدّم من جهة أخرى[46].
لذلك لا يجوز توصيف هذا اللقاء بين الشرق والغرب إلَّا داخل مياسم الانبهار أو مظاهر الجهل بالآخر، وهي مؤثرات متأصِّلة في الفكر العربي الإسلامي الذي ظلّ إلى مرحلة متقدّمة يناقش مسائل ثانوية من قبيل جواز الحجر الصحي بين الاعتراض على مشيئة الله أو القبول به للاتقاء من المرض[47].
لقد خلقت المواجهة بين نمطين حضاريين مختلفين مواقف متعددة إذ انتبه الروّاد إلى الفرق الشاسع بين واقعهم وواقع الغرب. لقد كان الشعور ببعد المسافة بين إنجازات الغرب الحديث وما هو عليه الشرق ممزوجاً في البداية بالإعجاب والانبهار والاستغراب معاً مع الحسرة والأسف والألم لما صار عليه الشرقيون، لكن هذا الموقف ما لبث أن أفضى إلى حيرة قوامها تساؤلات جوهرية تركزت على مقارنة الذات بالآخر، فطرحت استفهامات خلاصتها: لماذا تقدموا وتأخرنا؟ وهل من سبيل إلى تقليدهم؟ وكيف نحقق ما حققوه من تمدّن؟
تعود بداية ارتسام جدلية الـ«نحن» والـ«هم» إلى جيل عبد الرحمن الجبرتي، فأخذ الغرب أحد طرفيها والشرق الإسلامي طرفها الآخر، ولكن هذه الجدلية ظلّت سكونية بالنسبة إلى هذا الجيل الذي رفض الآخر الغربي، وعليه فإنّ ذهابه مظهر تقديس في إشارة إلى ما يرمز إليه اسم كتاب الجبرتي: مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس، الذي ألّفه الجبرتي في فترة كانت فيها مصر غارقة في التخلّف والفقر والجمود والجهل، بسبب ما عانت من حكم المماليك والعثمانيين مدة مئات من السنين، ولذلك فلم تكن حاجتها تقتصر على استعراض نتائج المعارف والعلوم والآداب التي تقدّمت في الغرب الذي اقتبسها من العرب أصلاً، وسار بها قدماً، بل كانت تحتاج إلى جانب ذلك، إلى من ينهضها من ظلمات القرون الوسطى، ويحرك فيها الهمم والعزائم ويرشدها إلى طرائق الزراعة والصناعة والتجارة المستحدثة، ويفتح لها سبل التقدّم بإنشاء المدارس ودور العلم المختلفة، خاصة وأنها كانت ما تزال هدفاً لتسلط العثمانيين وطمع الإنكليز وتآمر المماليك. ولذلك فقد عجزت الحملة الفرنسية عن إحداث اتصال بالغ النفع مع الشرق، أولاً بحكم قصر الأجل، وثانياً بحكم قيامها على إبهار الآخر باستعراض تفوّق الغرب التقني والعلمي في ظرفية الجدل الحضاري بين الأنا والآخر، وخاصة بسبب عدم تهيؤ الأنا المعرفي العربي آنذاك للتفاعل الإيجابي مع ما بلغه الآخر الغربي من تقدّم علمي وتقني[48].
ولكن رغم فشل حملة بونبارت على مصر(1798 - 1801) فقد أدركت النخب الشرقية، التي اعترفت بتفوّق الغازي الغربي وافتتنت بحضارته وانبهرت بانجازاته، أنّه من الضروري اللحاق بركب الحداثة والمدنية الفرنسية، وذلك بعد اكتشاف التأخر العلمي والتقني[49].
ومنذ بداية القرن التاسع عشر، بدأ يطرح سؤال النهضة بإلحاح، من لدن بعض النخب العربية، فأطلق الشيخ الأزهري حسن العطار[50] (1766 - 1835)، الذي أُوكلت له مهمة تدريس اللغة العربية للعلماء المصاحبين للحملة الفرنسية، فلاحظ تنوّع كتباتهم ونجاعة مناهج أعمالهم، صيحةً للتنبيه إلى ضرورة التغيير قائلاً: «إن بلادنا لا بدّ أن تتغير أحوالها، وتجدّد بها من المعارف ما ليس فيها»[51].
كما أدركت هذه النخب الإصلاحية أنّ السبيل إلى ذلك لن يتمّ إلَّا عبر اقتباس تقنيات الغرب وعلومه وهو ما انخرط فيه محمد علي باشا مستعيناً بعدد من الخبراء الأوروبيين لإنجاز عدد من المشاريع التحديثية، ومن أبرزهم أتباع الفيلسوف الاجتماعي الفرنسي كلود هنري دو سان سيمون Claude Henri de Saint Simon.
-2-
بعثة أتباع سان سيمون إلى مصر: تغير الظرفية وإمكانات الحوار
خلافاً لكتابات المستشرقين، قبل حملة نابليون بونبارت على مصر، التي صوّرت الشرق بمظهر الاستبداد والفقر والجهل والجمود[52] فقد تميّزت كتابات السان سيمونيين بمقاربة جديدة تدعو إلى دمج الشرق والغرب لتحقيق الوحدة الإنسانية ووضع حدّ للصراعات الدموية بين مختلف الأمم والشعوب[53]. يقول ميشال شوفالييه: «... إنّ أكبر وأطول صراع دموي عرفته البشرية طوال تاريخها أفقدها آلاف الطاقات والإمكانيات هو الصراع بين الغرب والشرق... لصنع السلام لا بدّ من توحد الشرق والغرب ومصالحتهما... مصالحة الروح بالمادة... سيصبح المتوسط فراشاً يجمع الشرق بالغرب بدلاً من ساحة حروب وسفك للدماء...»[54].
وقد أبدت صحيفة الجلوب Le Globe الناطق الرسمي باسم المدرسة السان سيمونية اهتماماً بالشرق، وتعاملت بايجابية مع أخبار الإمبراطورية العثمانية، وكثيراً ما تحدثت مقالاتها عن إصلاحات محمود الثاني (1808 - 1839) بإسطنبول ومحمد علي باشا (1805 - 1849) في مصر[55]، الذي أطلق عليه المهندس السان سيموني ميشال شوفالييه Michel Chevalier لقب «الصناعي الكبير وريث بونبارت»[56].
وتحدثنا جريدة السيمافور Sémaphore في عددها الصادر بمرسيليا يوم 22 مارس 1833 عن وصول أول السان سيمونيين إلى الشرق(صلى الله عليه وآله وسلم) وعن النشيد الذي عزفوه(صلى الله عليه وآله وسلم) والذي تغنّى بالسلام والوحدة بين شعوب العالم[57].
ولكن هذه البعثة الاستكشافية لم يكتب لها النجاح بسبب تصرفات أعضائها المختلفة عن عادات الشرق، فما أن نزلوا إلى البرّ حتى أثاروا الانتباه بملابسهم الغريبة، عندما كانوا يجوبون شوارع إسطنبول المزدحمة ويردّدون أناشيدهم ويحاولون لفت أنظار الناس إليهم، خاصة وأنّهم كانوا يتعمدون الانحناء لتحية النساء دون الرجال[58]. وهو ما أثار استياء الحكومة العثمانية من وجودهم في أراضيها، إذ كانت تعتبر أنّ مبادئ مذهبهم متعارضة مع قوانين البلاد وعاداتها[59].
وقد ترافق قدوم الأتباع إلى إسطنبول مع ظرفية غير ملائمة تميّزت باندلاع الحرب العثمانية المصرية من ناحية، والحرب العثمانية الروسية من ناحية أخرى، كما زاد في كراهية الحكومة لهم ترويج اليهود لإشاعة تتهمهم بالوقوف خلف اختطاف الأطفال[60]. ولذلك لم تلبث الحكومة أن أبعدتهم عن العاصمة إلى الدردنيل ثم إلى أزمير تمهيداً لإبعادهم عن البلاد[61].
ولذلك فقد حاول السان سيمونيون التمهيد لإقامتهم، قبل وصول الأب أنفانتان إلى مصر، بتوطيد علاقاتهم بممثلي الدبلوماسية الفرنسية بها، وفي مقدمتهم القنصل الفرنسي ميمو Mimaut ونائبه فرديناند دي لسبس Ferdinand De Lesseps [62]. بالإضافة إلى ذلك فقد سعى السان سيمونيون إلى التقرب من كبار الموظفين والخبراء الفرنسيين الذين استعان بهم محمد علي باشا في مشاريعه التحديثية، ومن بينهم دي سيريزي De Cerisy، منشئ الأسطول المصري في الإسكندرية، ولينان دي بلفان Linant de Bellefonds [63] (1799-1883)، المعروف بلينان باشا، والذي انخرط في خدمة محمد علي باشا كمهندس في بناء مصانع النسيج بشبرا بداية من سنة 1830 [64]. كما حاول الأتباع استمالة الكولونيل ساف Colonel Sève المعروف بسليمان باي، ووطّدوا علاقتهم به إلى حدّ أنهم نظّموا في منزله أمسية سان سيمونية عزفوا خلالها أناشيد مذهبهم[65]. كما عقد الأتباع صداقة مع كلوت باي Clot Bey، مدير مدرسة الطب بأبي زعبل، والذي كان يحرص على استدعاء الأب أنفانتان[66] إلى حفلات التخرج التي كانت تنظم سنويًّا بالمدرسة لتكريم المتفوقين[67].
بالإضافة إلى نجاح أتباع سان سيمون في التقرّب من كبار الموظفين الفرنسيين في مصر، فقد ترافق قدومهم إلى مصر وإسهامهم في المشاريع التحديثية لمحمد علي باشا مع بدايات تكونّ أنتلجنسيا مصرية، وذلك خاصة من أعضاء البعثات التعليمية[68] التي دأب محمد علي باشا على إرسالها إلى أوروبا، والذين اعتبرهم السان سيمونيون الأقدر على تنفيذ مشروعاتهم والأنسب للتنسيق معهم[69]. وقد سبق لبعض أعضاء هذه البعثات التعليمية المصرية التعرّف على تعاليم المدرسة السان سيمونية، من خلال متابعة بعض المحاضرات التي دأب أتباع سان سيمون على تقديمها للدعاية لمذهبهم، والتي كانت تُلقى بشارع مونسينيMonsigny بباريس[70]. وقد حاول السان سيموني شارل أنطوان ديقيه Charles Antoine Duguet تذكير شارل لومبار Charles Lambert بمحمد بيومي الذي كان يتابع الحفلات والمحاضرات السان سيمونية في شارع مونسيني Monsigny بباريس مرتدياً زيه التركي[71]. بالإضافة إلى ذلك فقد التقى شارل لومبار Charles Lambert ببعض الطلبة الذين سبق أن درّسهم في المدرسة الهندسية بباريس[72]، ومن أهمهم مصطفى بهجت باشا ومحمد مظهر أفندي ومحمد بيومي أفندي، الذين درسوا لمدة خمس سنوات بالمدرسة الهندسية بباريس على يد كل من أوغست كونت Auguste Comte وعدد من أتباع سان سيمون[73].
وقد وجد السان سيمونيون في هؤلاء المهندسين الثلاث أصدقاء حقيقيين يشتركون معهم في الأفكار نفسها، لذلك فقد تدعمت علاقتهم بهم أكثر من غيرهم، إذ عقدوا معهم علاقات مباشرة، وخاصة في إطار المشاريع التحديثية وأهمّها المدرسة الهندسية بالقاهرة والتي أشرف عليها شارل لومبار Charles Lambert [74]. ويذكر بروسبير أنفانتانProsper Enfantin في مذكراته أنّ محمد أفندي مظهر (1810 - 1873)، وهو أحد الطلبة الذين أوفدهم محمد علي للدراسة بمدرسة الهندسة العسكرية بباريس، والذي تتلمذ على يد أوغست كونت Auguste Comte مؤسس الفلسفة الوضعية[75]؛ كان دائم السؤال عن دعائم المجتمع الصناعي ودور الفلسفة الوضعية في التأسيس لعالم جديد قائم على المنفعة المشتركة والمشاريع الصناعية الكبرى لإحلال السلام في العالم[76]. وقد عوّل بروسبير أنفانتان على محمد أفندي مظهر وزملائه من النخب المصرية لإقناع محمد علي باشا بإنجاز المشاريع الصناعية الكبرى وتبني بعض الأفكار السان سيمونية.
وكان محمد أفندي مظهر قد عُيِّن، عندما عاد إلى مصر، مديراً لمدرسة المدفعية، التي أعاد تنظيمها وهيكلتها وإصلاح برامج التكوين بها السان سيموني ميشال برينو Michel Bruneau ناظر مدرسة المدفعية[77]. وعندما زار محمد أفندي مظهر إنكلترا سنة 1843 لشراء عدد من الآلات الضرورية لدفع التصنيع الذي طالما دافع عنه أسوة بأصدقائه السان سيمونيين[78] قدّمه أوغست كونت Auguste Comte للاقتصادي الأنكليزي جون ستيوارت ميل Jean Stewart Mill قائلاً: «... إنّه موظف سامي في مصر مكلّف بإدارة الأشغال العامة… لقد درسته لمدة خمس سنوات في المدرسة الهندسية بباريس لما كان طالباً في البعثات التعليمية المصرية… وكان من أنجب الطلبة وأكثرهم شغفاً بالتعلم… كما عقد صداقات حميمة بأعضاء البعثة السان سيمونية في مصر...»[79].
أما مصطفى بهجت باشا[80] فقد اشترك مع السان سيموني ميشال برينو Michel Bruneau، في الفترة الممتدّة بين 1837 و 1839 في إدارة مدرسة المدفعية، وقد امتدح برينو في مذكراته كفاءة هذا المهندس المصري الشاب وشغفه بالإطلاع على أفكار المدرسة السان سيمونية[81]. وقد كان مصطفى بهجت باشا من أقرب النخب المصرية إلى السان سيمونيين خاصة بعد تزوجه خلال إقامته بباريس بفرنسية بعد إعلانها الإسلام، وهو ما جعل بعض السان سيمونيين يلتقون على طاولته في بيته بالقاهرة أو بمزرعته بالجيزة، ويتجاذبون أطراف الحديث حول مستقبل التحديث في مصر، وإمكانات التثاقف والاتصال الحضاري بين الشرق والغرب[82].
بالإضافة إلى ذلك يستوقفنا ضمن الشخصيات المصرية التي اتَّصلت بالسان سيمونيين اسم محمد بيومي أفندي (1810 - 1852)، الذي كان كذلك أحد أعضاء البعثة التعليمية التي أوفدها محمد علي باشا إلى فرنسا سنة 1826 [83]، فبالإضافة إلى قضائه سنوات من التكوين النظري بالمدرسة الهندسية بباريس، فقد شارك في إنجاز عدد من المشاريع العامة بفرنسا كمهندس متربص إلى جانب عدد من أتباع سان سيمون، وبعد عودته من باريس عُيّن محمد بيومي أفندي مدرساً في المدرسة الهندسية بالقاهرة سنة 1835، وهو ما جعله يطوّر علاقاته بشارل لومبار والتي دامت خمسة عشر سنة، فعندما عُيِّن هذا الأخير مديراً للمدرسة الهندسية سنة 1840 أصبح بيومي أستاذاً لعدد من المدرسين من البعثات التعليمية السابقة الذين لم يُتموا دراستهم في فرنسا أو لم يلتحقوا بالمدرسة الهندسية، مثل أحمد طائل وأحمد فايد وإبراهيم رمضان[84]. كما عمل محمد بيومي بالترجمة في دار الألسن التي أسسها رفاعة رافع الطهطاوي سنة 1836، وترأس قسم ترجمة كتب الرياضيات، ومن أهم ترجماته كتاب علم الجبر L’algèbre لماير Meyer، والهندسة الوصفية La géométrie descriptive لديشسناس Duchesne، وقد أنجز بيومي هذه الترجمات بالتنسيق مع عالم الرياضيات السان سيموني شارل سيمون[85].
ويذكر شارل لومبار أنّه كثيراً ما تناقش مع محمد بيومي الأفكار السان سيمونية، وخاصة دور الفلسفة الوضعية في تحديث المجتمعات والانتقال من المرحلة الإقطاعية إلى المرحلة الصناعية التي تقوم على إحلال السلام والتثاقف بين مختلف الشعوب[86].
يبدو أنّ أفكار بيومي السياسية التحررية والناقدة للاستبداد التي تطوّرت بفعل اتِّصاله بأتباع سان سيمون، واطلاعه على مبادئ مذهبهم وفلسفتهم الاجتماعية، قد دفعت عباس باشا إلى نفيه إلى السودان سنة 1850 [87]. كان محمد بيومي ناشطاً في خلية سياسية معارضة للحكم الاستبدادي لعباس باشا، كوّنها على ما يبدو أدهم باشا بمصر بعد تأثره بأفكار المدرسة السان سيمونية[88].
ولكن مصادرنا لا تُمكِّننا من رصد دقيق لمطالب هذه الخلية التي لا نجد لها أي إشارة في المصادر العربية التي اطَّلعنا عليها، ولكن بعض المراسلات السان سيمونية تُشير إلى تشكّل نواة من النخب المصرية المعارضة لسياسة عباس باشا الاستبدادية. وقد خصّص أحد السان سيمونيين كتاباً بعنوان محمد بيومي في المنفى Mohamed Bayyoumi en Exil أبدى فيه تعاطفاً كبيراً معه[89]. كما نقلت مراسلات أتباع سان سيمون بأسف شديد نفي رفاعة ولفيف من علماء مصر إلى السودان زمن حكم عباس باشا، وخاصة خبر موت محمد بيومي كبير علماء الرياضيات في مصر آنذاك[90].
ورغم الرقابة التي سلطها عباس باشا على هذه الخلية السياسية المعارضة لحكمه الاستبدادي، فقد نجح شارل لومبار في استقطاب عدد من النخب الفكرية والسياسية المتنفذّة في مصر آنذاك، ومن أهمّ هذه الشخصيات وزير المعارف إبراهيم أدهم باشا[91]، الذي كان شغوفاً بالإصلاحات والمشاريع التحديثية الكبرى التي عمل محمد علي باشا على إنجازها، وهو ما وطّد علاقته بالسان سيمونيين الذين كانت أوّل لقاءاته بهم في بيت سليمان باشا أو الكولونيل دو ساف Colonel de Sève [92]. كما اشترك أدهم باشا مع شارل لومبار في إعداد تصوّر لمشروع المدرسة الهندسية بالقاهرة وإنجازه. ويصف جون جاك أمبار Jean-Jacques Ampère، الرحّالة الفرنسي الذي زار مصر سنة 1844 في بعثة رسمية لدراسة الآثار الفرعونية[93]، علاقة إبراهيم أدهم باشا بالسان سيمونية قائلاً: «... أحسّسنا أنه متعاطف مع السان سيمونيين ومتأثر بأفكار سان سيمون وفوريه، وكان يتابع النقاشات حول المشاريع الصناعية الكبرى وفلسفة سان سيمون الاجتماعية بشغف وحب اطلاع كبيرين...»[94].
وقد أعلن أدهم باشا في إحدى مراسلاته للأب أنفانتان عن إعجابه بالسان سيمونية بل وعن انضمامه إليها إذ اشترك مع الأتباع في أغلب أفكارهم، وعنه يقول شارل لومبارCharles Lambert: «... كان يبحث في كل تفاصيل مذهبنا... وكان يحاول جاهداً التعرف على مقولاتنا ومناقشة أفكارنا، وخاصة منها تلك المتعلقة بالجانب الصناعي وبإنجاز المشاريع التحديثية الكبرى...»[95]. وقد أقرّ النحّات فريدريك ألريك Frédéric Alric بثقافة أدهم الواسعة، وباطّلاعه على المبادئ السان سيمونية، وخاصة فكرة الوحدة بين الشعوب ودورها في وضع حدّ للحروب، وأهمية التصنيع في تحقيق الرخاء الاقتصادي[96].
كما التقى السان سيمونيون بعبد الرحمن رشدي، وهو من أهم وزراء محمد علي باشا آنذاك، والذي تأثر بالمذهب السان سيموني، بعد عقد صداقة مع شارل لومبار وباقي الأتباع الذين اختاروا البقاء في مصر بعد رحيل الأب أنفانتان سنة 1836 إلى فرنسا[97]. وكان عبد الرحمن رشدي يجيد الإنكليزية والإيطالية والفرنسية إضافة للعربية والتركية، وكان متفتحاً على الأفكار الغربية، وذلك حتى في حياته الخاصة فقد طلّق زوجته المصرية ليتزوج بالفرنسية صوفي ليفيلين Sophie Livline [98].
لكن يظلّ رفاعة رافع الطهطاوي، الذي سبق له أن التقى بأتباع سان سيمون في مدرسة الهندسة العسكرية بباريس وتأثر بأفكارهم، أهمّ من نسّق مع السان سيمونيين سواء في الأشغال العامة كإدارة المدارس أو إصلاح التعليم[99]؛ ولذلك فكثيراً ما نتوقف وخاصة في مؤلفيه: (المرشد الأمين في تربية البنات والبنين)[100] أو (مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية)[101] عند صفحات عديدة تحمل تأثيرات المذهب السان سيموني، وهو ما جعل البعض يعتقد أنّ الطهطاوي كان أوّل الاشتراكيين الذين عرفهم العالم العربي[102]، نظراً لطبيعة الموضوعات التي طرحها في كتاباته، وخاصة حديثه عن دور العلوم في إنشاء معرفة وضعية، ومسألة الإنتاج وأولوية الفكر الصناعي، وضرورة توحيد الجهود، وخاصة مطالبته بتوزيع الثروات بطريقة عادلة داخل المجتمعات الحديثة وإعطاء الأولوية للطبقات المنتجة، وهي مقولات تشكّل جوهر الفكر السان سيموني[103].
كما تؤكّد لنا الأفكار الاجتماعية والاقتصادية التي عبّر عنها رفاعة في كتابه (مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية)، الصادر سنة 1869، أنّه اعتنق مذهب سان سيمون الاشتراكي، رغم أنّه لم ينبس باسم سان سيمون أو يشير إلى مذهبه، وإنّما يؤصّل في الحديث النبوي دفاعه عن حقّ الأجير ضدّ طغيان المالك ونظام الملكية قائلاً: «... ثم إنّ المقتطف لثمار هذه التحسينات الزراعية، المجتني لفوائد هذه الإصلاحات الفلاحية، الناتجة في الغالب عن العمل واستعمال القوى الآلية، والمحتكر لمحصولاتها الإيرادية، إنما هو طائفة الملّاك، فهم من دون أهل الحرفة الزراعية هم متمتعون بأعظم مزية، فأرباب الأراضي والمزارع هم المغتنمون لنتائجها العمومية، والمتحصلون على فوائدها، حتى لا يكاد يكون لغيرهم شيء من محصولاتها له وقع، فلا يعطون للأهالي إلَّا بقدر الخدمة والعمل، وعلى حسب ما تسمح به نفوسهم في مقابلة المشقة، يعني أنّ الملّاك في العادة تتمتع بالمتحصل من العمل، ولا تدفع في نظير العمل الجسيم إلَّا المقدار اليسير الذي لا يكافئ العمل...»[104].
بالإضافة إلى ذلك يبدو تأثر الطهطاوي بالمدرسة السان سيمونية واضحاً في المقاربات الاقتصادية التي طرحها في مؤلفاته، فقد كان مشدوداً إلى العمل والتصنيع، ناظراً إلى التقنية بوصفها سبيل لإدراك التقدّم وخاصة في كتابه (مناهج الألباب)[105]. وقد تناول الطهطاوي في هذا الكتاب عدة جوانب من النظريات الاقتصادية التي طرحها سان سيمون في مؤلفاته وخاصة في كتابه الصناعة[106]. وقد تناول الطهطاوي بالتحليل عدّة مسائل مثل العمل ورأس المال، والعلاقة بين الإنتاج والخدمات، وبمسألة دور الدولة في الحياة الاقتصادية. وهي مسائل كثيراً ما شكلّت جوهر الفلسفة الاقتصادية للمدرسة السان سيمونية[107].
وقد ناقش الطهطاوي أهمية هذه المسائل في الدولة الحديثة مناقشة مفصلة[108]. وقد اعتبر الطهطاوي أسوة بأفكار سان سيمون أنّه إذا كانت ثروة الأفراد تقاس بما يملك كل منهم فإن الثروة العامة لا تنتج إلَّا بالعمل، والعمل هو تلك القيمة المضافة إلى رأس المال المستثمر، وبه يتحقق امتياز دولة على أخرى، فالإمكانات الطبيعية متاحة في كل أنحاء العالم ولو بمستويات متفاوتة، ولكن الإفادة من هذه الإمكانات الطبيعية بالعمل هو ما جعل دول العالم تتفاوت في الإنتاج والثراء والرفاهية والتقدّم بدرجة أكبر وأوضح. وبذلك كان الطهطاوي أول مؤلف عربي حديث يعطي للعمل حقه في الحياة الاقتصادية، وينظر إليه باعتباره المقوم الأول للإنتاج، وهي أفكار سان سيمونية بالأساس، وفي هذا الإطار يقول: «... إن الأمة المتقدمة في ممارسة الأعمال المستكملة للأدوات الكاملة والآلات الفاضلة والحركة الدائمة قد ارتفعت إلى أعلى درجات السعادة والغنى بحركات أعمالها، بخلاف غيرها من الأمم، ذات الأراضي الخصبة الواسعة، الفاترة الحركة، فإن أهاليها لم يخرجوا من دائرة الفاقة والاحتياج، فإذا قابلت بين أقاليم أوروبا وإفريقيا ظهر لك حقيقة ذلك...»[109].
ويستخدم الطهطاوي في عدة مواضع من (مناهج الألباب) في حديثه عن العمل والإنتاج ومجالات النشاط الاقتصادي، اصطلاح «المنافع العمومية» لوصف ما عرف آنذاك في المدونّة السان سيمونية بالإنتاج الصناعي وما يتعلَّق به من عمليات اقتصادية، وقد شرح الطهطاوي هذا المفهوم على النحو التالي: «... المنافع العمومية ويقال لها في اللغة الفرنسية: أندوستريا، يعني التقدّم في البراعة والمهارة... الأندوستريا، أي التجارة والصناعة، فنّ الأعمال والحركات المساعدة على تكثير الغنى والثروة وتحصيل السعادة البشرية، فتعم التشغيلات الثلاثة: الزراعية والتجارية والصناعية وتقديمها...»[110].
ومن ثمّة تشمل المنافع العمومية -حسب الطهطاوي- كلّ ما يتعلّق بعمل الإنسان وبجده المضاف إلى الإمكانات الطبيعية والثمرات الطبيعية المتاحة. وقد اهتمّ الطهطاوي ببيان أهمية إدراك أبناء الأمة لأهمية عملهم في الجوانب الاقتصادية المختلفة[111]. وكان الطهطاوي أوّل من تحدّث عن قيمة الإنتاج في العالم العربي الحديث بقوله: «... تقسم أرباب الإدارات وتدابير العمل إلى قسمين لا ثالث لهما: منتج المال وغير منتج له، لأن العمل لا يخلو من شيئين: إما أن تزيد قيمة مورده بالربح فهو المنتج، وإما ألَّا تنشأ عنه ثمرة تربيح مالي تنسب إليه فهو غير المنتج...»[112]. ونجد هذا التقسيم بين المنتجين وغير المنتجين، واضحاً في الفلسفة الاجتماعية السان سيمونية، فالعمل المنتج هو العمل الذي يؤدي إلى زيادة قيمة الشيء المنتج عن قيمته قبل إضافة قيمة العمل إليه، فالتصنيع مثلاً يضيف إلى المادة الخام قيمة العمل الصناعي فتكون النتيجة زيادة القيمة، ولذا فالأعمال الصناعية من الأعمال الإنتاجية[113]، يقول الطهطاوي: «... إنّ العامل الصناعي أو الزراعي تزيد بعمله قيمة البضائع المصنوعة التي هي مورد عمله، فله مدخل عظيم في تربيح صاحب الملك، فهذا العامل منتج للكسب والاستغلال بخلاف عمل الخادم عند السيد، فإنه ليس فيه في حد ذاته للسيد ربح ولا مكسب مالي...»[114].
وقد أبرز الطهطاوي عدة واجبات ينبغي أن تقوم بها الدولة في المجال الاقتصادي، وهي إتاحة الحرية الاقتصادية، وتوجيه الإنفاق إلى المشروعات العامة، وتنظيم التعامل الاقتصادي بقوانين حديثة، وتشجيع التجارة الخارجية. وقد أطلق الطهطاوي على الحرية الاقتصادية مصطلح «حرية الفلاحة والتجارة والصناعة»، وعدّها «أعظم حرية في المملكة المتمدنة»[115]، أي في الدولة الحديثة، وواجب الدولة في هذا المجال هو أن تتيح لأبنائها مجال العمل الاقتصادي الحر دون تضييق يحدّ من انطلاقهم وازدهار جهودهم[116]. وفي هذا يقول الطهطاوي: «... قد ثبت بالأدلة والبراهين أنّ هذه الحرية من أعظم المنافع العمومية... وأن أصعب ما على العاقل الذي يفهم منافع هذه الفنون أن يرى تضييق دائرتها...»[117].
ولذلك يمكننا الإقرار بأنّ الأفكار التقدّمية التي حملها مشروع الطهطاوي التحديثي تجد جزءاً كبيراً من جذورها في الفلسفة الاجتماعية للمدرسة السان سيمونية والتي تناغمت مع هاجس الأنتلجنسيا المصرية، التي تشكّلت في تلك الفترة، والتي انخرطت في بناء نهضة مصر بعد أن اكتشفت مظاهر المدنية الغربية، خاصة مع تحوّل عمل السان سيمونيين في مصر من مجرد بعثة تبشيرية وفلسفية إلى مهمة تصنيعية وتقنية محملة بمشروع ثقافي يرنو إلى تحقيق اتصال بالغ النفع بثقافة الشرق وأهله. ولذلك فإنّه كما عاد رفاعة وزملاؤه من أعضاء البعثات التعليمية إلى مصر فكتبوا عن الغرب ونقلوا مظاهر المدنية الغربية، فإنّ أتباع سان سيمون عندما عادوا إلى فرنسا قاموا بالكتابة عن مصر وتقديم تصورات محملة بمعاني القبول بالآخر، وذلك عبر رسم صورة إيجابية للشرق[118].
فلئن اتجهت البعثة العلمية الفرنسية، التي صحبت نابليون إلى دراسة علم المصريات، واكتفت بجمع معطيات علمية عن آثار مصر، وهكذا اكتفت بمخاطبة ماضي مصر الحضاري، فإنّ أعضاء البعثة السان سيمونية قد خاطبوا شعب مصر وعاداته وتقاليده وغاصوا في أغواره، كما خاطبوا حاضره ومستقبله وأسّسوا لنوع جديد من الاستشراق. فكتب إيميل بارو Emile Barrault عدة كتب من أهمها الشرق والغرب L’Orient et l’Occident سنة 1835، والذي حاول من خلاله تهيئة الرأي العام الفرنسي والأوروبي للوحدة والاندماج بين الشرق والغرب، مقترحاً أن تكون إسطنبول مقر قيادة هذه الوحدة، ولكنه يشترط قيامها من خلال إمبراطورية عربية وليس عثمانية، وقد نجد في هذا الاقتراح بدايات تشكّل مشاريع القومية العربية[119]. كما صبغ الموسيقار فيليسيان دافيد Félicien David مقطوعاته الموسيقية بمؤثرات شرقية، بدءاً بعناوينها: الدخول إلى الصحراء، فنطازيا شرقية، القافلة تسير في الصحراء وميلودي شرقية ونشيد الصحراء[120].
أما الدكتور نيكولا بيرون[121] Nicolas Perron، الذي عرف بشغفه بجمع أخبار التاريخ والآداب العربية، فقد ألف كتاباً بعنوان (من مصر)[122]، كما ألّف في ديسمبر 1833 قصيدة بعنوان (بنت من دمنهور)، إضافة إلى ترجمة عدّة أعمال أدبية عربية مثل (ملحمة عنترة)، وهي من أهم ملاحم العصر الجاهلي[123].
ويؤكد نيكولا بيرون على أهمية هذه الملاحم التاريخية الما قبل إسلامية وعلى ثرائها التاريخي والحضاري، كما تحدث عن الشعر المصري وعن شعراء مصر، نافياً تأخر الأدب والشعر بها قائلاً: «... لا تصدقوا أنّه لا يوجد شعراء، فهنا على العكس يوجد البعض، وقد التقيت أحدهم وهو الشيخ علي درويش، وقد استمعت إلى بعض من شعره، وأعتقد أنه أفضلهم بل أفضل شعراء العصر الراهن على الإطلاق؛ لفصاحته وقوة بديهته وجمال شعره...»[124].
كما يعود الفضل إلى الدكتور نيكولا بيرون في ترجمة المعجم الكيميائي للغة العربية، وهو أول قاموس علمي في التاريخ العربي الحديث، وذلك رغم صعوبة ترجمة بعض مفرداته وإيجاد مقابل لها في اللغة العربية. وقد مكّن هذا القاموس من إجراء عشرات التجارب الكيميائية والفيزيائية بمدرسة الطب بالقاهرة[125]. وكان الدكتور نيكولا بيرون قد قام بترجمة كتاب الشيخ محمد عمر التونسي رحلة إلى دارفور Voyage au Darfour وقد نشر الكتاب بعد مراجعة فرانسوا جومار François Jomard له[126]. كما قام نيكولا بيرون بترجمة أعمال صديقه رفاعة محاولاً التعريف بأفكاره وآرائه في فرنسا، وتقديم كتابه تخليص الإبريز، وأسهب في الحديث عن مدرسة الألسن التي أسسها رفاعة سنة 1836 ودور الترجمة في مدّ جسور التواصل الثقافي والحضاري بين الشرق والغرب[127].
وقام الدكتور بيرون بترجمة أوّل نشيد وطني مصري ألفه رفاعة، وذلك بمقال له في مجلة باريس Revue de Paris في 15 أبريل 1856. وكان هذا النشيد قد طبع في مطبعة بولاق وعزفته الجيوش المصرية منذ ديسمبر 1855 [128]. كما ترجم نيكولا بيرون كتاب خليل بن إسحاق، الفقيه المالكي، والذي نشر بين سنوات 1848 و 1857 في أربع مجلات[129].
وقد قام الكاتب السان سيموني توماس ايربان Thomas Urbain، من خلال مقال له صادر في مجلة باريس Revue de Paris في نوفمبر 1851 بالتعليق على هذه الترجمة، مطالباً العلماء الفرنسيين بدراسة أصول الفقه الإسلامي من خلال هذه الترجمة والبحث عن نقاط اللقاء والتقاطع بين عقائد الشرق والغرب[130]. كما كتب توماس ايربان Thomas Urbain في صحيفة الزمن Le Temps يوم 18 ديسمبر 1836 مقالاً في ركن المتفرقات بعنوان «رواية عربية»، وهي رواية لشخصية شعبية لتاجر يدعى الحاج رضوان تروي غرائب ما شاهده خلال سفره للحج من القاهرة إلى مكة[131]. وقد أكد توماس ايربان أنّه من المهم نقل بعض أساطير الشرق ورواياته وأدبه الشعبي ليحصل التقارب بين العادات والتقاليد في الشرق والغرب[132].
ومن هنا نلمس أحد أبرز وجوه تميّز الاستشراق السان سيموني الذي عمل على البحث على التقاطعات والنقاط المشتركة مع الآخر، وهو ما بدا جليًّا من خلال تجربة سوزان فوالكان Suzanne Voilquin التي قدّمت إلى مصر ضمن البعثة السان سيمونية في نوفمبر سنة [133]1834.
عملت سوزان في البداية كممرضة مع الدكتور شارل ديشاب Charles Dussap، وبعد موته انتقلت للعمل بزي رجالي في مستشفى أبي زعبل تحت رئاسة كلوت باي Clot bey، مؤسس كلية الطب سنة 1827. كما درّست في مدرسة التمريض التي أسّسها كلوت بك سنة 1832، وهي أول مؤسسة لتعليم البنات بالشرق وبالعالم العربي بأسره[134].
وقد أكدّ كلوت باي في مذكراته أنّه قد نجح بمساعدة سوزان في إقناع محمد علي باشا بإنشاء مؤسسة خاصة بالطب النسائي[135]. ونظراً لأنّ العادات الشرقية ترفض معالجة الرجال للنساء فقد اقترح كلوت باي على محمد علي باشا تعليم العبيد فنون الطب والتمريض بمساعدة سوزان فوالكان Suzanne Voilquin [136]. ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل كما ذكرت سوزان[137]، رغم دعم مصطفى مختار باشا لمشروع كلوت باي للتعليم الطبي النسائي، والذي اعتبره خطوة في طريق تقدم مصر الحضاري[138].
طبّقت سوزان فوالكان في دراسة وضعية المرأة بمصر منهج الملاحظة بالمشاركة، وهو ما ميّزها عن غيرها ممن زاروا الشرق أو كتبوا عنه، فرغم إقرارها بأنها أكثر تحضراً وخاصة تحرراً كامرأة غربية من المصريات، فإنها قد أبدت استعداداً للتثاقف معهن[139].
انخرطت سوزان فوالكان في العالم النسائي المصري وحاولت سبر أغواره والبحث في عاداته وتقاليده، مبديةً شغفاً وحب اطِّلاع كبيرين، ولذلك طرحت أسئلة كثيرة لتستعلم عن خصوصيات المرأة في الشرق وعن عالمها الخاص[140]. كما استفسرت المصريات أثناء لقائهن بها عن عدد من المسائل، ليحدث التقارب والتقاطع بين العادات الشرقية والغربية، وهو ما مثلّ حلقة من حلقات التثاقف والتواصل بين الشرق والغرب في مستوى جديد من الاهتمامات يتعلَّق بالخصوصيات السوسيوثقافية لعادات وتقاليد كل منهما[141]. وقد قارنت سوزان فوالكان بين خصوصيات الحياة الجنسية في الشرق والغرب مبديةً استغرابها من جهل المصريات بأبسط التفاصيل الحميمية وغياب أي ثقافة جنسية لديهن[142]، ولكنها تختم ذلك بإبداء احترامها لهذا الاختلاف الثقافي[143]. كما تلفت انتباهنا لما تسميه «منطقة التّماسّ الثقافي» في العلاقات بين الشرق والغرب، التي يجب أن تُفهم، لا من حيث التّفرقة العنصريّة، بل في إطار احترام التنوع الثقافي والاختلاف الحضاري في الخصوصيات السوسيوثقافية والعادات والتقاليد الشعبية[144].
حاولت سوزان فوالكان[145] اتخاذ بعض الملابس وبعض العادات الشرقية المصرية للتقرب إلى عامة الناس وللانخراط في تفاصيل حياتهم الحميمية. لذلك ارتدت زيًّا شرقيًّا عند زيارتها لمقام السيدة زينب، ورصدت النسوة اللاتي يلجأن إلى هذا المقام للتضرع لقضاء بعض الحاجات مثل الإنجاب أو الشفاء من الأمراض. وقد أبدت سوزان فوالكان انزعاجها من مؤسسة الحريم واعتبرته بمثابة القفص بعد أن تمكنّت من زيارة الحريم بأحد قصور القاهرة واكتشاف الاستغلال الجنسي الذي تتعرض له المرأة في الشرق[146].
لقد شكلّ احتكاك سوزان فوالكان بالمصريات نوعاً من التضامن النسائي معهن في إطار ثقافي مختلف عن ظرفية وطبيعة العلاقات التي جمعت بقية الرحالة، وخاصة الرجال الغربيين بعالم الشرق، لتختفي صورة العجيب الغريب، التي كثيراً ما ميّزت كتابات المستشرقين، ولتحلّ محلها صورة المرأة الحقيقية بتناقضاتها وأيضاً بخصوصياتها الثقافية الشرقية التي تميّزها عن ثقافة الغرب[147]. فقد سعت سوزان فوالكان في مذكراتها إلى توخّي الموضوعية ومحاربة الأفكار المسبقة والصور النمطية للشرق، فأسهبت في استعراض مظاهر الحياة اليومية بمصر آنذاك من خلال دراسة العادات والتقاليد ووصف ملابس سائر الفئات الاجتماعية، وأطنبت في الحديث عن طرق العيش وأصناف المأكولات ومظاهر الاحتفالات الشعبية ومراسم الزواج وغيرها من الطقوس والعادات[148].
الخاتمة
درجت الدراسات الاستشراقية على التأريخ لبدايات النهضة العربية بالحملة الفرنسية على مصر في إشارة إلى ما أصطلح على تسميته «بالصدمة الحضارية»، بحجّة أن المجتمعات العربية كانت في حالة سبات وجمود فكري وتصحّر ثقافي قبيل الاحتكاك بالآخر الغربي[149]. والحال أنّّ الحملة الفرنسية لم تكن سوى لقاء عنيف بين الشرق والغرب، ولم يتح لها قصر الأجل (1798 - 1801) من الاستقرار ما يؤدي إلى اتّصال بالغ النفع.
ولذلك فإنّ الأفكار الغربية لن تجد لها صدى إلَّا مع بداية القرن التاسع عشر في ظرفية مخالفة لظرفية الاحتلال، عندما يصبح التغيير ضرورة جدُّ ملحّة، وتكون النخب المثقفة متقبلة وفاعلة في مسارها وتمظهراتها بدل أن يفرض عليها باسم تحضير الشعوب أو تحت وطأة مياسم الانبهار. لتجد المبادئ البرجوازية الحديثة القائمة على مقولات العدالة والحرية والمساواة لها صدى بدل أن يفرض عليها نمط ثقافي نموذجي باسم «تحضير الشعوب»[150].
تغيُّر الظرفية جعل الطهطاوي الورع المتمسك بإسلامه يلتمس المعرفة لدى روسو ومونتسكيو، وفرح أنطون يتعلم من نيتشه وماركس، والكواكبي يحاكي أفكار بلنط وألفياري، وهيكل يترجم أفكار روسو، وسلامة موسى يبسط أفكار برنارد شو، وطه حسين يستفيد من منهج ديكارت.
لقد ترافق اكتشاف الآخر مع الرغبة الملحّة في البحث عن الذات من خلال صور الآخر، فلم تكن الغاية وصف الآخر بل قراءة الأنا في مرآته. ولذلك كثرت الرحلات الاستكشافية والبعثات التعليمية إلى الغرب، ومن ثمّة تعددت التآليف في أدب الرحلات وفي كتب التاريخ[151].
وقد تنزلت بعثة أتباع سان سيمون في هذا الإطار التاريخي المخصوص لتلعب دور القناة الواصلة بين الشرق والغرب، فقد كان لاهتمام أتباع سان سيمون بثقافة الشرق أثر بالغ في تقبّل مقولات المدنية الغربية خلافاً للحملة الفرنسية التي يعدّها البعض صدمة الحداثة، والحال أنّها لم تكن سوى عامل قادح وموقظ للشرق من سباته العميق عندما وقف منبهراً أمام حضارة الغرب وتفوّقه العلمي وتطورّه التقني[152].
ولذلك فلا بدّ من تنزيل العلاقات بين الشرق والغرب في بعديها الثقافي والحضاري، خاصة وأنّ إشكالية التثاقف تظلّ مطروحة بإلحاح اليوم؛ لأنّها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتواصل بين الحضارات، ولأنّ التثاقف يمرّ حتماً عبر فهم الآخر على اختلافه.
كما أن إشكالية العلاقات بين الشرق والغرب والحضارات تظلّ اليوم محور اهتمامات العالم المعاصر، وهي في حاجة إلى تعمّق علمي كبير في إطار بحوث أكاديمية دقيقة سمتها الموضوعية بهدف تجاوز الاختلافات بين الحضارات والثقافات[153].
[1] Majdi Fareh, Confrontations et rencontres culturelles entre l’Orient et l’Occident en Egypte: de la Révolution et de l’expédition françaises à la renaissance égyptienne (fin XVIIIème - milieu XIX ème siècles), Fichier national de reproduction de thèse, ISSN: 0294 - 1767, 431 pages, Université de Lille III, 2006, pp.109 - 111.
[2] كلود هنري دو سان سيمون، (1760 - 1825)، فيلسوف ومفكر فرنسي، نظَّر لفكرة الإنسانية الكونية ولتحقيق السلام العالمي، وذلك بعد ربط أجزاء العالم بشبكات اتِّصالية (قنوات مائية وشبكات حديدية)، وقد كان يعتقد أنّ السلام الدائم أمر ميسور إذا اتَّصلت الثقافات وتقاربت الميول وتناسقت الاتجاهات داخل المجتمع الصناعي العالمي الذي دعا إلى قيامه من أهم مؤلفاته: «المسيحية الجديدة» و«رسائل من مقيم بجنيف إلى معاصريه». ولد في السابع عشر من أكتوبر سنة 1760 بباريس، زمن حكم لويس الخامس عشر. وهو مؤسس المذهب الوضعي القائم على تطبيق المبادئ العلمية على جميع الظواهر الطبيعية والإنسانية، كما أنه المؤسس الفعلي لعلم الاجتماع، فهو أستاذ «أوجست كونت» الذي تعرّف عليه سنة 1817 وجعله سكرتيراً له لمدة ست سنوات، وقد تأثر بأفكار سان سيمون كل من إيميل دوركهايم وكارل ماركس. عارض سان سيمون التقاليد المثالية في الفلسفة الألمانية، وأقام في مواجهتها ما دعاه بالفلسفة الطبيعية، أي دراسة الطبيعة. واعتنق الحتمية وطبّقها على المجتمع البشري. وقد آمن بتطور الأنظمة الاجتماعية على أسس العلم والأخلاق والدين، وقسّم التاريخ البشري إلى ثلاث مراحل هي: المرحلة التي سيطر فيها الدين على النظامين العبودي والإقطاعي، والمرحلة الميتافيزيقية التي انتهت بسقوط النظامين السابقين، والمرحلة الوضعية هي مجتمع المستقبل القائم على العلم والصناعة والعمال والتجار ورجال البنوك. وهو مجتمع مخطط لمصلحة الغالبية من أعضاء المجتمع.لمزيد التفاصيل حول شخصية سان سيمون وبدايات تشكل المدرسة السان سيمونية انظر:
M.G Hubbard، Saint Simon, sa vie et ses travaux, suivi de fragments des plus célèbres écrits de saint Simon, Guillaumin، Paris, 1857; Sébastien Charlety, Histoire du saint-simonisme (1825 - 1864), Paris، Editions Gonthier, 1931, Alfred Pereire, Autour de Saint-Simon، Documents originaux، librairie spéciale pour l’histoire de France, Paris, Honoré Champion, 1912; Paul Janet, Saint- Simon et le saint-simonisme, Paris Librairie Germer Baillière, 1878, Henry - René D’Allemagne, Les saints - simoniens, 1827 - 1837, Paris, Grund, 1930.
[3] Mouna Ozouf, Dictionnaire critique de la révolution française, Paris، Flammarion, 1992, pp. 821 - 827.
[4] بلغ من رغبة السلطات الفرنسية في رحيل السان سيمونيين أنّ بعض المسؤولين صاروا يشجعون أصحاب السفن التجارية على نقل الأتباع إلى الشرق، وقد تعهدت السلطات في عدة مرات بسداد نفقات الرحلة إلى الشرق. وقد جاء في تقرير أحد القادة العسكريين في منطقة الرون Rhône أنّ ثمة مفاوضات كانت تدور بين قبطان إحدى السفن التجارية وبين السان سيمونيين لنقلهم إلى الشرق على ظهر سفينته، ويقترح صاحب التقرير أن يقدم محافظ الرون لهؤلاء تكاليف الرحلة إذا اتضح أنهم عاجزون عن سدادها وذلك لتسهيل رحيلهم في أقرب فرصة. انظر: محمد طلعت عيسى، أتباع سان سيمون بمصر، فلسفتهم الاجتماعية وتطبيقها في مصر، القاهرة، مطبعة جامعة القاهرة، 1963، ص. 284.
[5] Claude Henri de Saint Simon, Œuvres de Claude Henri de Saint Simon, Paris, Anthropos, 1966, t.III, p.125.
[6] للمزيد من التفاصيل انظر: إسحاق موسى الحسيني، أزمة الفكر العربي، بيروت، دار بيروت للطباعة والنشر، 1955؛ ألبرت حوراني، الفكر العربي في عصر النهضة، 1798 - 1939، ترجمة كريم عزقول، بيروت، دار النهار للنشر، 1977، أحمد فتح عوض، فتح مصر الحديث أو نابليون بونبارت في مصر، القاهرة، مطبعة مصر، 1926؛ عمر فاخوري، كيف ينهض العرب، بيروت، دار الآفاق الجديدة، 1981.
[7] للمزيد من التفاصيل انظر: كمال عبد اللطيف، أسئلة النهضة العربية: التاريخ، الحداثة، التواصل، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2003؛ علي أحمد سعيد أدونيس، صدمة الحداثة، بيروت، دار العودة، 1979؛ خالد زيادة، اكتشاف التقدّم الأوروبي: دراسة في المؤثرات الأوروبية على العثمانيين في القرن الثامن عشر، بيروت، دار الطليعة، 1981؛ أنور الجندي، الفكر العربي المعاصر في معركتي التغريب والتبعية الثقافية، القاهرة، مطبعة الرسالة، 1961، رضا العشي، «شيوخ الأزهر والحملة الفرنسية»، المجلة التاريخية العربية للدراسات العثمانية، العدد 41 - 42، منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، تونس، ديسمبر 2010، ص.ص. 420-450.
[8] محمد فؤاد شكري، بناء دولة مصر محمد علي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1983، ص.ص.38-39.
[9] طلعت عيسى، مرجع سابق، ص.284.
[10] الأمير عمر طوسون، البعثات العلمية في عهد محمد علي ثم في عهدي عباس الأول وسعيد، الإسكندرية، مطبعة صلاح الدين، 1934، ص. 122.
[11] نادية الرياحي، جذور العولمة في الفكر الحديث من خلال السان سيمونية، أطروحة دكتوراه في العلوم الثقافية، المعهد العالي للتنشيط الشبابي والثقافي بئر الباي، 2010، ص.313.
[12] مثلّ الشرق والغرب في الفلسفة السان سيمونية ثنائية المادة والروح، فقد اعتقد الأب أنفانتان Enfantin أنّ الشرق سيمكن الغرب من البعد الروحي في حين يؤمن الغرب الجانب التقني والعلمي ليكون زواج الروح والمادة وزواج النظرية والتطبيق وكل ذلك بهدف تحقيق الوحدة الإنسانية وإحلال السلام يقول أنفانتان: «...أي مشهد ستصنعه الإنسانية على ضفاف المتوسط عندما يحلّ التواصل السلمي بين أوروبا وإفريقيا وآسيا بدلاً عن الصراع وسفك الدماء... سيكون مشهد اكتمال الوحدة الإنسانية رائعاً...» انظر: Prosper Enfantin, Le Globe, journal de la doctrine saint simonienne, 16 janvier 1832.
[13] Pour plus de détails voir: Patrice Bret, L’Egypte au temps de l’Expédition de Bonaparte 1798 - 1801, Paris، éd. Hachette، 1998; Henry Laurens، L’expédition d’Egypte (1798 - 1801), Paris, A. colin, 1989; Henry Laurens, «L’expédition d’Egypte، une entreprise des Lumières», colloque organisé du 8 au 10 juin par l’Académie des inscriptions et belles lettres et l’Académie des sciences; André Raymond، Egyptiens et Français au Caire 1798 - 1801, IFAO, le Caire, 1998.
[14] هلا سليمان، «مدونات حملة نابليون المصرية: المراسلات والأحداث»، كتابات معاصرة، المجلد الثالث، العدد 9، جانفي، فيفري، 1991، ص. 104.
[15] Gabriel Guemard, «Les orientalistes de l’armée d’Orient», Revue de l’Histoire des colonies françaises, t. XXI, 1928.
[16] عندما أشرف الأسطول الفرنسي على الأراضي المصرية هتف نابليون بونبارت بجنوده قائلاً: «… أيها الجنود: ستقومون بفتح لا تثمن آثاره على الحضارة والتجارة العالميتين... إن عبقرية الحرية التي جعلت من الجمهورية منذ ولادتها حكماً في أوروبا، تبغي أن تكون كذلك حكماً على البحار والأصقاع النائية…» وكان بونبارت يقصد بعبقرية الحرية مهمة فرنسا الأيديولوجية والتحضيرية لباقي الشعوب.
Cf. Henry Laurens, «Bonaparte، l’Orient et la Grande Nation» Annales historique de la révolution française, n° 273، juillet- septembre 1988, pp. 289 - 290.
[17] عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، القاهرة، لجنة البيان العربي، 1967، الجزء الثالث، ص.12.
[18] Gabriel Guemard، De l’armement et de l’équipement des Mamlouks, le Caire، imprimerie de l’institut français de l’archéologie orientale, 1926، p.32.
[19] أحمد جدي، «الثورة الفرنسية في الفكر العربي الحديث»، المجلة التاريخية العربية للدراسات العثمانية، تونس، العددان 11 - 12، أكتوبر، 1995، ص. ص. 221 - 241.
[20] Majdi Fareh, «La médiation de Gabarti au temps de la Révolution française», Collection Etudes Révolutionnaires، n° 6, Société des études Robespierristes, Paris, 2006, pp، 139-158.
[21] عبد الرحمن الجبرتي ، مصدر سابق، الجزء الثالث، ص. 116.
[22] رضا العشي، مرجع سابق، ص. 238.
[23] عبد الرحمن الجبرتي ، المصدر نفسه، ص. 234.
[24] ساطع الحصري، آراء وأحداث في التاريخ والاجتماع، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1985، ص. 49.
[25] عبد الرحمن الجبرتي، المصدر نفسه، الجزء الثالث، ص35.
[26] أحمد بن أبي الضياف، إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، تونس، كتابة الدولة للأخبار، الجزء 6، 1968، ص ص. 108-109.
[27] عبد الرحمن الجبرتي، مصدر سابق، الجزء الثاني، ص. 308.
[28] أحمد جدّي، محنة النهضة ولغز التاريخ في الفكر العربي الحديث والمعاصر، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2005، ص. 81.
[29] عبد الرحمن الجبرتي، مصدر سابق، الجزء الثالث، ص. 139.
[30] أحمد جدّي، محنة النهضة ولغز التاريخ في الفكر العربي الحديث والمعاصر، المرجع نفسه، ص. 83.
[31] عبد الرحمن الجبرتي، مصدر سابق، الجزء الثالث، ص. 26.
[32] Ibrahim Mouelhy, «L’enregistrement de la propriété en Egypte durant l’occupation française, Bulletin de l’Institut d’Egypte, VII, 1948، pp. 197 - 228.
[33]عبد الرحمن الجبرتي، مصدر سابق، الجزء الثالث، ص. 42.
[34] للمزيد من التفاصيل انظر: علي بركات، رؤية الجبرتي لبعض قضايا عصره، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997.
[35] ج. كريستوفر هيرولد، بونبارت في مصر، ترجمة فؤاد أندرواس، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986، ص. 154.
[36] André Raymond, Egyptiens et Français au Caire…, op.cit, p.145.
[37] Henri Pères, “L’Institut d’Egypte et l’œuvre de Bonaparte jugés par deux historiens arabes contemporains », Arabica، n ° 4, pp. 113 - 130.
[38] محمد فؤاد شكري، الحملة الفرنسية وخروج الفرنسيين من مصر، القاهرة، دار الفكر العربي، د.ت.، ص. 91.
[39] Patrice Bret, op.cit, p. 117.
[40] عبد الرحمن الجبرتي، مصدر سابق، الجزء الثالث،.ص. 215 .
[41] ساطع الحصري، مرجع سابق، ص. 99.
[42] رغم أنّ الثورة الفرنسية قد عدّت من أهم الأحداث في تاريخ فرنسا الحديثة وكذلك في تاريخ أوروبا والعالم، فقد غابت أو غُيّبت أخبارها عن كتابات الإخباريين والمصلحين في الفكر العربي الحديث، باستثناء كتابات بعض الإخباريين اللبنانيين الذين كتبوا عنها في النصف الأوّل من القرن التاسع تحت تأثير حدث الحملة الفرنسية على مصر. للمزيد من التفاصيل انظر: أحمد جدي، «الثورة الفرنسية في الفكر العربي الحديث»، مرجع سابق.
[43] Faruk Bilici, « La Révolution Française dans l’historiographie turque (1798 - 1927) », CEMOTI, 12, 1992, pp. 59 - 69 ; Gérard Groc, « Les premiers contacts de l’Empire ottoman avec le message de la Révolution française (1789 - 1798) », CEMOTI, n° 12, 1991, pp.20 - 46, Hédia Khadhar، éd. La Révolution française et le monde arabo-musulman. Colloque international، Tunis, 9 - 11 novembre 1989, Tunis, Société tunisienne d’Etudes du XVIIIème siècle, Alif, 1991, pp. 83 - 88 ; Henry Laurens, « Le siècle des Lumières face à l’Empire Ottoman ; l’élaboration d’une image » in l’Empire Ottoman, la République de Turquie et la France، Jean Louis Bacqué- Grammont hâmit Batu éditeurs، Editions Isis, Institut français d’Etudes Anatoliennes d’Istanbul، Istanbul-Paris، 1986 ; Henry Laurens, « Orient et Lumières » : Actes du colloque 29 Septembre - 20 octobre - 1986, textes recueillis par Abderrahman Moalla, Grenoble، université de Grenoble III, 1987 ; Michel Vovelle, éd. L’image de la Révolution française. Communications présentées lors du congrès mondial pour le Bicentenaire de la Révolution، Sorbonne, Paris, 6 - 12 juillet 1989, 4 vol. Paris ; S. Yerasimos, « Les premiers témoignages Ottomans sur la France post-révolutionnaire : les rapports des ambassadeurs Ottomans à Paris pendant le Directoire, le Consulat et l’Empire »، Cahiers d’études sur la Méditerranée orientale, n°12, 1991, pp. 47 - 58.
[44] أنور لوقا، عودة رفاعة الطهطاوي، مراحل استفاقة الفكر في ضوء الأدب المقارن، تقديم منجي الشملي، سوسة، دار المعارف للطباعة والنشر، ص. 312.
[45] محمد فهمي حجازي، أصول الفكر العربي الحديث، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974، ص. 35.
[46] Majdi Fareh, Les Egyptiens et les Lumières pendant l’expédition de Bonaparte, Mémoire de DEA en Histoire, Université de Rouen, 2000, pp. 78 - 81.
[47] تعرض الطهطاوي في تخليص الإبريز إلى الحجر الصحي عند وصوله إلى ميناء مرسيليا في ماي سنة 1826، وطرح المسألة بالحيرة نفسها ليبتدع اشتقاقاً جديداً في اللغة العربية لفعل «كرتن» من كلمة «كرنتينة» التي يعطيها تفسيراً بقوله: «مكث أياماً معلومة لإذهاب الوباء» تخليص الإبريز ص.128. انظر : مجدي فارح، «تطويع اللغة والاصطلاح لخدمة النهضة والإصلاح: دراسة في تجربة الترجمة عند الطهطاوي»، مجلة المشكاة، جامعة الزيتونة، العدد الثاني، 2009. ص.156.
[48] Majdi Fareh, Les Egyptiens et les Lumières pendant l’expédition de Bonaparte, op.cit، p.121.
[49] Majdi Fareh, Confrontations et rencontres culturelles entre l’Orient et l’Occident en Egypte : de la Révolution et de l’expédition française à la renaissance égyptienne …, op.cit،, p.109.
[50] دوّن حسن العطار ملاحظاته بعد اتصاله بأعضاء البعثة العلمية المرافقة لبونبارت مؤكداً على ضرورة العمل على تهيئة كل الظروف لنهضة مصر واللحاق بركب المدنية الغربية في كتابه (مقامة الأديب الرئيس حسن العطار في الفرنسيس)، انظر: جابر عصفور، «الرحلة إلى الآخر في القرن التاسع عشر»، دراسة وردت في كتاب جماعي بعنوان الغرب بعيون عربية، الكويت، مجلة العربي، وزارة الإعلام، الجزء الأول، 2005، ص. 12.
[51] محمود الشرقاوي، مصر في القرن الثامن عشر ، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة الثانية، 1957، الجزء الأول، ص. 49.
[52] Constantin François Volney, Voyage en Egypte et en Syrie pendant les années 1783، 84, 85, Paris, 1787; Pierre Martino, L’Orient dans la littérature française du XVII éme et XVIII éme siècles, Hachette، Paris, 1906; Henry Laurens, « La vision de l’Orient aux XVIIe et XVIIIe siècles », in L’Orient: concepts et images, XVe colloque de l’institut de recherches sur les civilisations de l’Occident moderne, Presses de l’Université de Paris-Sorbonne, 1988 ; Ezzedine Guellouz, « Analyse idéologique d’un projet d’expédition d’Egypte : le projet de Venture de Paradis, orientaliste philosophe(1780) », Les Cahiers de Tunisie, n° 81-82, 1973, pp.123 - 153.
[53] Philippe Régnier, Les Saint-simoniens en Egypte (1833 - 1851), Le Caire, Amin Abdelnour, 1989, pp.121 - 122.
[54] Michel Chevalier, Le Globe, journal de la doctrine saint simonienne, 15 février 1832.
[55] Henri Lagramitte, « Turquie », Le Globe, 01 mars 1832 ; « Turquie, l’Orient et Mahmoud », Le Globe, 29 février 1832.
[56] Michel Chevalier, « Système de la Méditerranée », Le Globe, 12 Février 1832.
[57] La Sémaphore de Marseille, 22 mars 1833, citée dans Henri René D’Allemagne, op.cit, p. 375.
[58] Archives du Ministère des Affaires Etrangères, Reg. Orient, 266 ; pièce 38, f°117.
[59] Ibid, f° 112.
[60] Henri René D’Allemagne, op.cit, p.377.
[61] نادية الرياحي، جذور العولمة في الفكر الحديث من خلال السان سيمونية، أطروحة دكتوراه في العلوم الثقافية، مرجع سابق، 2010، ص. 307.
[62] غادر الأب أنفانتان ميناء مرسيليا باتجاه مصر في الثالث والعشرين من سبتمبر سنة 1833 على ظهر باخرة تجارية تعرف باسم ولي العهد Le Prince Héritier، وقد اصطحب معه عدداً من الأتباع، من خريجي المدرسة الهندسية بباريس مثل هنري فورنال Henri Fournel وشارل لومبار Charles Lambert، إضافة إلى عدد من أتباعه المختصين في الهندسة والزراعة والطب والتعليم والفنون. وقد وصل إلى مصر وفد يضم 55 رجلاً يمثلون كافة الحرف والفنون، بالإضافة إلى عدد من الصحفيين والأدباء. تكوّنت البعثة السان سيمونية من عشرة مهندسين، تسعة أطباء، ثلاثة مهندسين زراعيين، وعدد من الأدباء والموسيقيين والرسامين والنحاتين. وعندما صعد الأب إلى الباخرة، أنشد الأتباع نشيد «تحية الأب»، وعند دخول الباخرة إلى ميناء الإسكندرية رفع على ساريتها شعار مدرسة سان سيمون، وقد مثّل وصول أنفانتان الإعلان الرسمي عن بداية الحملة السان سيمونية على مصر انظر:
Jean Marie Carré، Voyageurs et écrivains français en Egypte، le Caire, Institut français d›archéologie orientale, 1956، pp. 271 - 272.
[63] Linant de Bellefonds Bey, Mémoire sur les principaux travaux d’utilité publique exécutés en Egypte depuis la plus haute antiquité jusqu’à nos jours، Paris, Bertrand, 1872.
[64] Ghislaine Alleaume, «Linant de Bellefonds et le saint-simonisme en Egypte», in Morsy Magali éd., les Saint-simoniens et l’Orient vers la modernité, Aix en Province, édition Sud, pp. 117.
[65] Henri René D’Allemagne، op.cit, p. 413.
[66] بروسبير أنفانتان: ولد بباريس في 8 فيفري 1796، والتحق منذ سنة 1813 بالمدرسة الهندسية بباريس، ثم تركها في سنة 1814 ليشترك مع زملائه من طلبة المدرسة في الدفاع عن باريس. بعد انتهاء الحرب وسقوط الإمبراطورية ترك أنفانتان الجندية وتفرّغ للاهتمام بالمسائل الاقتصادية والسياسية. تعرف على سان سيمون عن طريق تلميذه أوليند رودريغيز. وبعد موت سان سيمون تزعم أنفانتان المدرسة السان سيمونية ودعا إلى السلام العالمي عن طريق تنفيذ مشاريع دولية تحقق الفائدة للإنسانية، كما قاد أتباعه إلى الشرق بحثاً عن «المرأة»، ولكن بعد فشله في مصر وانتقاله إلى الجزائر تنكر لكل مبادئ المدرسة وانخرط في الدعوة إلى الاستعمار الاستيطاني.
Pour plus de détails voir : Jean Pierre Alem, Enfantin : le prophète à sept visages, Paris, Jean Jacques Pauvert, 1963.
[67] Philippe Régnier, Les saints simoniens en Egypte…op.cit, p. 91.
[68] مازال كتاب الأمير عمر طوسون عن البعثات العلمية المصرية إلى أوروبا من الكتب الأكثر شمولية لدراسة هذا الموضوع. فقد أثبت جميع البعثات بدقة بالغة وأحصى عدد طلابها، وفروع التخصص والكتب التي اطلعوا عليها، والترجمات التي قاموا بها، والمناصب التي شغلوها بعد عودتهم إلى مصر. انظر: الأمير عمر طوسون، البعثات العلمية في عهد محمد علي ثم في عهدي عباس الأول وسعيد، الإسكندرية، مطبعة صلاح الدين، 1934.
[69] Rouchdi Fakkar, Reflets de la sociologie pré marxiste dans le monde arabe, Idées progressistes et pratiques industrielles des Saint-simoniens en Algérie et en Egypte au XIXéme siècle, Paris, Geuthner, 1974, pp.129 - 130.
[70] Paul Janet, op.cit, p.86.
[71] Philippe Régnier, Les Saints simoniens en Egypte…op.cit, p.128.
[72] Ibid, p.133.
[73] Anouar Louca, Voyageurs et écrivains égyptiens en France au 19e siècle, Paris، Didier، 1970, pp. 260 - 262.
[74] بإشراف المهندس السان سيموني شارل لومبار على المدرسة الهندسية بالقاهرة، من 1838 - 1840، اتجه التعليم المصري وجهة تقنية وصناعية، وقد أسست المدرسة الهندسية سنة 1834 ببولاق في قصر إسماعيل باشا وكان لومبار عضواً في مجلس إدارتها ثم مديراً لها بداية من سنة 1836. وقد تكفّل شارل لومبار بإعداد البرامج الدراسية والمقررات التعليمية إضافة إلى تقديم عدد كبير من الدروس بمساعدة كل من محمد بيومي وخليل وخاصة عبد الرحمن رشدي، وبصفته عضواً قارًّا في مجلس التربية والتعليم بمصر. كما كان هذا المهندس السان سيموني يسعى لتدبير وظائف لخريجي المدرسة الهندسية، تشجيعاً للطلبة على التفاني في الدراسة، وهو ما ساعد على نجاحها وعلى تخرج عدد كبير من المهندسين المصريين منها. وقد بلغ شارل لومبار Charles Lambert قمّة مجده في مصر في آخر أيام حكم محمد علي باشا، كما قرّبه إبراهيم باشا وكان يقول عنه: إنّه «واحد من أهم ثلاث رجال لا غنى لمصر عنهم». ورغم إعداد عباس باشا لقائمة بأسماء الأجانب المطالبين بمغادرة مصر يوم 5 أفريل 1850، فإنّ اسمه لم يرد فيها، فهو الفرنسي الوحيد الذي لم يطلب منه الرحيل، بل على العكس طلب منه عباس باشا إعداد تقرير عن وضعية التعليم العمومي بمصر. بفضل مجهودات شارل لومبار ولينان دو بلفان Linant De Bellefonds ارتفع عدد المؤسسات التعليمية في مصر من خمسة عشر سنة 1833 إلى خمسين سنة 1839، كما بلغ عدد التلاميذ 7000 تلميذ. وقد اهتم شارل لومبار الذي شارك في بلورة جلّ البرامج الدراسية والإصلاحات التي عرفتها مصر في ميدان التعليم طيلة عقدين من الزمن (17 سنة تحديداً). وقد أوصى شارل لومبار Charles Lambert بمنح ثروته لأكاديمية المدفعية بالقاهرة كعلامة وفاء وحب للشرق. انظر: أحمد عزت عبد الكريم، تاريخ التعليم في مصر في عصر محمد علي، القاهرة، دار النهضة المصرية، 1938.
[75] تأثر بأفكار المدرسة الوضعية إضافة إلى محمد مظهر أفندي، كل من عثمان بك غالب الذي أصبح فيما بعد وزيراً للأشغال العمومية، والصحفي محمد فريد وجدي، والشيخ الأزهري طنطاوي جوهري، وكذلك الشيخ علي عبد الرازق. وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر كان للفلسفة الوضعية التي تطوّرت عن فلسفة سان سيمون تأثير كبير في عدد من المفكرين في كل من تركيا ومصر، وقد نادى أتباع الفلسفة الوضعية سواء من الأتراك أو المصريين بالأخذ بالجانب العلمي والسياسي دون الجانب الديني من تلك الفلسفة. للمزيد من التفاصيل انظر:
Rouchdi Fakkar,..., op.cit, p. 124.
[76] Ibid، p.129.
[77] Philippe Régnier, Les Saints simoniens en Egypte…op.cit, p. 116.
[78] Anour Louca, Voyageurs et écrivains égyptiens en France au 19e siècle، op.cit, pp. 35 - 54 et 260.
[79] Ibid, p.262.
[80] مصطفى بهجت باشا (1813 - 1872)، ولد بمقاطعة الشرقية سنة 1813، وتعلمّ بالقصر العيني قبل أن يلتحق ببعثة سنة 1826 ليتعلم بالمدرسة الهندسية بباريس، فقد أشرف بعد عودته إلى مصر على مدرسة القصر العيني بين سنوات 1835 و 1837، كما اشتغل مصطفى بهجت باشا -الذي يعتبر من أهم المهندسين اللذين عرفتهم مصر في القرن التاسع عشر- على إعداد عدد من الدراسات المائية، وأشرف على مدّ شبكة السكك الحديدية بين القاهرة والإسكندرية، وهي من أبرز آليات فلسفة الشبكات الاتصالية التي طالما دعا أتباع سان سيمون إلى إنجازها.
[81] Philippe Régnier, Les Saints simoniens en Egypte…op.cit, p. 91.
[82] Ibid, p.97.
[83] أحمد عزت عبد الكريم، مرجع سابق، ص.189
[84]Ghislaine Allaume, L’école polytechnique du Caire et ses élèves. La formation d’une élite technique dans l’Egypte du XIXéme siècle, thèse de doctorat de l’Université de Lyon II, 1993, pp.122 - 123.
[85] Ibidem.
[86] Anouar Louca, L’Autre Egypte de Bonaparte à Taha Husein, Institut français d’archéologie orientale, Le Caire, 2006, p.136.
[87] Philippe Régnier, Les Saints simoniens en Egypte…op.cit, p. 115.
[88] Ibid, p.117.
[89] Anouar Louca, L’Autre Egypte… op.cit, p. 262.
[90] Lettre de Marc Fournier à Michel Chevalier, Arsenal 7608, fascicule 80, le 22 Juin 1869, citée dans Henry René D’Allemagne, op.cit. p. 330.
[91] ولد إبراهيم أدهم باشا سنة 1796 بإسطنبول وتعلّم بالمدارس الحديثة التي أنشأها سليم الثالث (1789 - 1807) السلطان المصلح الذي أصدر النظام الجديد، قبل قدومه إلى مصر ليزاول تعليمه بمدرسة المدفعية منذ سنة 1816. وقد كان مقرّباً من محمد علي باشا، وتدرّج في المناصب إلى أن شغل منصب وزير المعارف. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الجنرال أدهم باشا قد مثّل الباب العالي فيما بعد في مفاوضات 1873 حول تنظيم عبور السفن عبر قناة السويس، والتي جمعت بين الإمبراطورية العثمانية وفرنسا وأنقلترا، كما انضمّ في آخر حياته إلى الماسونية بإسطنبول .
[92] Philippe Régnier, Les Saints simoniens en Egypte…op.cit, p. 48.
[93] أنور لوقا، عودة رفاعة الطهطاوي، مراحل استفاقة الفكر في ضوء الأدب المقارن، مرجع سابق، ص. 317.
[94] Jean-.Jaques Ampère, Voyage en Egypte et Nubie, Paris، Nouvelle édition, Claman-Lévy, 1888, p.129.
[95] Citée dans Philippe Régnier, Les Saints simoniens en Egypte…op.cit, p. 100.
[96] Ibid, p. 107.
[97] Nathalie Coily et Philippe Régnier, Le siècle des saint-simoniens : du Nouveau christianisme au canal de Suez, Paris، Edition de la Bibliothèque nationale de France, 2006, p. 103.
[98] Ibid, pp. 107 - 109.
[99] Jacques Tagher, « La création des écoles populaires en Egypte d’après un projet de Rifaa Rafaa Tahtawi », Le Caire, Cahiers d’histoire égyptienne, t.I, n°2، pp. 186 - 191.
[100] رفاعة رافع الطهطاوي، المرشد الأمين للبنات والبنين، القاهرة، مكتبة مدبولي، 1973.
[101] رفاعة رافع الطهطاوي، مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1973.
[102] Rouchdi Fakkar,..., op.cit, p. 210.
[103] دافعت المدرسة السان سيمونية عن فكرة الإنتاج والعمل المنتج إلى حدّ أنّ أول صحيفة ناطقة باسمها حملت عنوان «المنتج: صحيفة الصناعة والعلوم والفنون الجميلة» Le Producteur : Journal de l’industrie, des sciences et des beaux arts
[104] رفاعة رافع الطهطاوي، مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية ...، المرجع السابق نفسه، ص. 316 - 317.
[105] نادية الرياحي، جذور العولمة في الفكر الحديث من خلال السان سيمونية، مرجع سابق.
[106] وقد قام سان سيمون، في الفترة الممتدة بين ديسمبر 1816 وماي 1818، بنشر بعض المقالات التي جمعها في مجلة الصناعة L’Industrie، التي كان يتعمد إصدارها في مواعيد غير منتظمة ليفلت من الرقابة التي كانت مفروضة على المجلات السياسية آنذاك.
[107] Jean René Derré, Regards sur le saint-simonisme et les saint-simoniens, Lyon, Presses universitaires de Lyon, 1986. pp.118 - 119.
[108] سمير أبو حمدان، رفاعة رافع الطهطاوي، رائد التحديث الأوروبي في مصر، القاهرة، الشركة العالمية للكتاب، 1992، ص.ص. 149- 150.
[109] رفاعة رافع الطهطاوي، مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية، مرجع سابق، ص. 59.
[110] المرجع نفسه، ص. 69.
[111] نادية الرياحي، جذور العولمة في الفكر الحديث من خلال السان سيمونية، مرجع سابق، ص. 346.
[112] رفاعة رافع الطهطاوي، مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية، مرجع سابق، ص. 89.
[113] Exposition de la doctrine saint simonienne, quinzième séance, première année, Paris, 1828, p.147.
[114] رفاعة رافع الطهطاوي، مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية، مرجع سابق، ص. ص. 69-70.
[115] رفاعة رافع الطهطاوي، المرشد الأمين، مرجع سابق، ص. 129.
[116] وقد دفع إعجاب الطهطاوي بإطلاق الحرية الاقتصادية ودعم الإنتاج حد التهوين من احتلال فرنسا للجزائر، عندما كان إماماً لإحدى البعثات الطلابية المصرية في باريس، فاحتلال الجزائر بالنسبة إليه: «... مجرد إرضاء هوى النفس، وإذا نصر الهوى بطل الرأي... كما أن الحرب بين الفرنساوية وأهالي الجزائر إنّما هي مجرد أمور سياسية ومشاحنات تجارات ومعاملات ومشاجرات ومجادلات منشؤها التكبير والتعاظم...»، انظر: رفاعة رافع الطهطاوي، تخليص الإبريز في تلخيص باريز، وزارة الثقافة، مطبعة الحلبي، القاهرة، 1958، ص. ص.151-152.
[117] رفاعة رافع الطهطاوي، المرشد الأمين...، مرجع سابق، ص. ص.169-170.
[118] Philippe Régnier, Les Saints simoniens en Egypte…op.cit, p. 122.
[119] Michel Levallois, « Essai de typologie des orientalistes saint-simoniens », in L’orientalisme des Saints simoniens, Paris، Maisonneuve et Larose, 2006, p. 96
[120] Antoine Millard, Félicien David et l’aventure saint-simonienne en Orient, Paris, Presses franciliennes, 2005, p. 130.
[121] ساهم الطبيب السان سيموني، نيكولا بيرون Nicolas Perron، الذي كان تلميذاً للمستشرق سلفستر دو ساسي Sylvestre De Sacy بمدرسة اللغات الشرقية بداية من 1825، والذي كان في الخامسة والثلاثين عندما تم انتدابه أولاً كأستاذ كيمياء وفيزياء في مدرسة الطب بأبي زعبل؛ في تنظيم التعليم على أسس جديدة زمن حكم إبراهيم باشا عندما تولى إدارة مدرسة الطب بأبي زعبل، التي كانت تكوّن الأطباء والممرضين للجيش المصري منذ سنة 1841، خلفاً لكلوت باي Clot Bey. ويعتبر الدكتور بيرون أحد أبرز مهندسي التحديث ومفاعيله في مصر، وخاصة في الميدان الطبي والتقني إضافة لشغفه بالأدب والروايات والملاحم العربية.
[122] Nicolas perron, De L’Egypte, Paris, Palais Royal, 1832.
[123] Nicolas Perron, « Lettre sur Antar », Journal Asiatique, 3eme série, Décembre 1840, p. 481 - 529.
[124] Nicolas Perron, « Légendes orientales, aperçu historique sur les temps antéislamiques, d’après les docteurs musulmans » La Revue indépendante, t. IV، Août 1842.
[125] للمزيد من التفاصيل انظر: جمال الدين الشيال، «دكتور بيرون والشيخان محمد عياد الطنطاوي ومحمد عمر التونسي»، الإسكندرية، مجلة كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، المجلد الثاني، 1944.
[126] Nicolas Perron, Voyage au Darfour ou l’Aiguisement de l’esprit par le voyage au soudan et parmi les arabes du centre de l’Afrique, par le cheikh Mohamed ibn Omar el-tounesy, Paris، chez B. Duyrat, 1850.
[127] Nicolas Perron, « Lettre sur les écoles de l’Imprimerie du pacha d’Egypte », Journal Asiatique, 4éme série, t. II, juillet-aout, 1843.
[128] Dans L’Egypte et Egyptiens des vice-rois (1801 - 1863)، Jean-Jacques Luthi republie les six premières des trente-deux strophes de l’Hymne، Paris, l’Harmattan، 2003، p.287.
[129] Nicolas Perron, Précis de la jurisprudence musulmane ou principes de législation musulmane civile et religieuse selon le rite malékite par Khalil Ibn Isaak, Paris, Imprimerie nationale، 1848.
[130] Philippe Régnier, Les Saints simoniens en Egypte…op.cit, p. 126.
[131] Ibid, p. 129.
[132] Ibid, p. 128.
[133] أقامت سوزان فوالكان بمصر بين سنوات 1834 و 1836، ونشرت جزءاً من ذكرياتها عنها بعد عودتها إلى فرنسا في سنة 1837 على أعمدة صحيفة «القرن» Le Siècle . وفي سنة 1866 جمعت يومياتها بمصر في كتاب اختارت له عنواناً محملاً بأكثر من معنى: ذكريات فتاة من الشعب، امرأة سان سيمونية في مصر 1834 - 1836. ويعدّ هذا الكتاب من الشهادات المعاصرة والنادرة حول حملة السان سيمونيين على مصر، فقد قدمت سوزان فوالكان من خلاله مقاربة استشراقية نسائية للأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بمصر في بداية الثلث الثاني من القرن التاسع عشر.
[134] Daniel Armogathe, « Les Saint-simoniens et la question féminine », dans Morsy Magali éd., Les Saint-simoniens et l’Orient vers la modernité, Ibid, p. 176.
[135] Antoine-Barthélémy Colt Bey, Mémoires de A. B. Colt Bey, publiés et annotés par Jacques Tagher, le Caire, 1949, pp.149 - 150.
[136] Ibid, p.161.
[137] Suzanne Voilquin, Souvenirs d’une fille de peuple, ou la saint simonienne en Egypte 1834 - 1836, Paris, éd. Maspero, 1998, p.453 - 455.
[138] Antoine-Barthélémy Colt Bey, Ibid, p.324.
[139] نادية الرياحي، «ملامح من الثقافة الشعبية للمصريات من خلال ذكريات سوزان فوالكان»، ندوة دولية نظمتها وحدة البحث في الأثنوسينولوجيا حول: «الثقافة في تونس: بين الثقافة الشعبية والثقافة العالمة»، (أيام 16 - 17 أفريل 2010)، المعهد العالي للتنشيط الشبابي والثقافي ببئر الباي، 2010.
[140] Suzanne Voilquin, op. cit, p. 322.
[141] Ibid, pp. 323 - 324.
[142] Ibid, p.377.
[143] نادية الرياحي، «ملامح من الثقافة الشعبية للمصريات من خلال ذكريات سوزان فوالكان»، مرجع سابق.
[144] Suzanne Voilquin, op.cit., p.353.
[145] قادت رغبة السان سيمونيين في الاقتراب من أهل مصر وعاداتهم إلى دمج بعض الألوان والأشكال في زيهم الرسمي، فبادر أنفانتان Enfantin باتخاذ بعض الأزياء الشرقية كما حاول تعلم اللغة العربية وقراءة القرآن. ولكن الأزياء السان سيمونية قد أثرت أيضاً في الملابس التي اتخذها محمد علي باشا لجيوشه فيما بعد، وفي طلبة المعاهد العليا بمصر، خاصة بعد أن أصبح شارل لومبار Charles Lambert يرأس لجان التعليم.
[146] Sarga Moussa, « La part des voyageuses : le harem vu de l’intérieur », La Relation orientale, Paris, Klinckseik, 1995, pp.175 - 198.
[147] Isabelle Hasegawa, « Suzanne Voilquin, ouvrière parisienne dans l’Egypte de Mohammed Ali », Bulletin of the Faculty of Foreign Studies, Sophia University، n° 36, 2001, p. 193.
[148] نادية الرياحي، «ملامح من الثقافة الشعبية للمصريات من خلال ذكريات سوزان فوالكان»، مرجع سابق.
[149] إذا أخذنا بعين الاعتبار الإنتاج الثقافي والأدبي والحراك الفكري المميّز للقرن الثامن عشر يحصّننا حتماً من الوقوع في هذه الأطروحات الأحادية الجانب، ذات القراءة الغربية الصرف التي تقرّ بأنّ المجتمع العربي الإسلامي عامّة والمصري خاصة كان في حالة سبات وجمود فكري وثقافي قبل الاحتكاك بالغرب، لأنّ هذا المجتمع لا يمكن له أن يتغيّر بطريقة آلية ميكانيكية. فلكي يتغيّر مجتمع ما من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حديث لا بدّ من أشياء أكبر من مجرّد لقاء محدود بين ثقافتين وحضارتين مختلفتين.
[150] Majdi Fareh, Confrontations et rencontres culturelles entre l’Orient et l’Occident en Egypte : de la Révolution et de l’expédition française à la renaissance égyptienne، op.cit, p.401.
[151] نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، ودون ترتيب للنوع أو التاريخ: علي مبارك، علم الدين، (القاهرة، مطبعة جريدة المحروسة، 1882)؛ أحمد فارس الشدياق، الساق على الساق في ما هو الفارياق أو أيام وشهور وأعوام في عجم العرب والأحجام (باريس، بنجامين دوبارت، 1855)، كشف المخبأ عن كنوز أوروبا (تونس، 1866)، والواسطة في معرفة أحوال مالطة، وكشف المخبأ عن فنون أوروبا (قسطنطينية، مطبعة الجوائب، 1881)؛ سليم بطرس البستاني، النزهة الشهرية في الرحلة السليمية (بيروت، 1856)؛ فرنسيس مراش الحلبي، رحلة باريس (بيروت، 1867)؛ محمد بيرم الخامس التونسي، كتاب صفوة الاعتبار بمستودع الأمصار والأقطار، 5 ج (القاهرة، المطبعة الإعلامية، 1884)؛ حسن توفيق المصري، رسائل البشري في السياحة بألمانيا وسويسرا (القاهرة، 1891)، أمين فكري المصري، إرشاد الألبا إلى محاسن أوروبا (القاهرة، 1892)، ومحمد المويلحي، حديث عيسى بن هشام أو فترة من الزمن، تعليق على أدهم، المكتبة العربية، 8، ط 4، (القاهرة، الدار القومية للطباعة والنشر، 1964). ومازالت الأدبيات تتوالى في الموضوع في كل عصر، مثل قنديل أم هاشم ليحيى حقي، وموسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح، وعصفور من الشرق لتوفيق الحكيم، وظلام من الغرب للشيخ محمد الغزالي، وحياة الفكر في العالم الجديد لزكي نجيب محمود.
[152] Majdi Fareh, Confrontations et rencontres culturelles entre l’Orient et l’Occident en Egypte : de la Révolution et de l’expédition française à la renaissance égyptienne …, op.cit, pp.109 - 111.
[153] للمزيد من التفاصيل انظر: هاشم يحيى الملاح، «العلاقة بين الحضارات ومستقبل الإنسانية: صدام أم حوار»، مجلة الموقف الثقافي، العدد العاشر، دمشق، 1997؛ عبد الرزاق الداوي، «في الخطاب عن المثاقفة والهوية الثقافية»، أيس، العدد 2، الجزائر، 2007.