التواصل الثقافي والبعد التقريبيّ
في فكر سمير سليمان
الدكتور علي بن مبارك*
* باحث وأستاذ جامعي من تونس، البريد الإلكتروني: benmbarek.alii@yahoo.fr
ﷺ السيرة والمسار العلمي
من الصعب أن نقف عند كلّ محطّات حياة الفقيد الدكتور سمير سليمان (تـ 2012) وإسهاماته العلمية والاجتماعيّة، وتعود هذه الصعوبة إلى أمرين أساسيين، فسمير سليمان باحث مجتهد يرى أنّ طلب العلم جهاد لا ينقطع وفرض لا يسقط بالتقادم، لذلك شارك في عدد كبير من الندوات والمؤتمرات والملتقيات في بلده لبنان وفي عدّة دول عربيّة وإسلامية وفي أوروبا، كان يحدّثنا عن هذه الندوات ورهاناتها العلميّة حينما نلتقيه، ولكنّنا لم نتحصّل على عدد كبير من ورقاته العلمية التي شارك بها.
أمّا الأمر الثاني الذي يمثّل صعوبة تحول دون إعطاء الرّجل حقّه وترجمته ترجمة تليق بمقامه، فيتعلّق بتواضعه وابتعاده عن مسالك الشهرة والظهور، كان مقصّراً في حقّه، فلا يعرّف بنفسه حينما يستحق التعريف، ولا يذكر إسهاماته العلمية الكثيرة حينما يتطلّب المقام ذلك، كان متواضعاً تواضع العلماء، يستحي أن يتحدّث عن نفسه ونضاله وموسوعاته وكتبه ومقالاته ودروسه في الجامعة اللبنانيّة، والأطروحات التي أشرف عليها، وطلبته الذين يحبّونه حبّا جمّا، ولكن رغم ما ذكرناه سنحاول أن نذكر سيرة سمير سليمان بطريقة موجزة تستجيب إلى خصوصيّات هذا العمل.
ولد سمير سليمان بقرية حاصبيا في جنوب لبنان في 13 نوفمبر 1944، درس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ودار المعلمين العليا بالجامعة اللبنانية اللغة العربية وآدابها، وأنهى دراسته بالحصول على الليسانس في اللغة العربية وآدابها سنة 1968.
كان يميل إلى التحرّر من مواضيع الاختصاص التقليديّة، وكان يهتمّ أكثر بالقضايا الثقافية الحضارية التي تقوم على المقارنة والمعاينة والتحليل. كان مشدوداً لما حدث في فرنسا من ثورة طلابية وحراك فكريّ عميق في أواخر الستينات من القرن العشرين، وكان يدرك مدى حاجة الجامعات العربيّة إلى دراسات جديدة ومناهج مبتكرة تيسّر التواصل مع الذات ومع الآخر، وعلى هذا الأساس سافر إلى فرنسا لمواصلة دراساته العليا، والتحق بجامعة السوربون ودرس عند كبار المفكرين والفلاسفة الفرنسيين، كان متحمّساً لمعرفة مختلف المناهج النقدية السائدة في ذلك العصر، ويسعى إلى تطبيقها على الثقافة الإسلاميّة، وكان يعي جيّداً أنّ أزمة الثقافة الإسلاميّة المعاصرة أزمة منهج بدرجة أولى، أحرز دبلوم الدراسات المعمقة في علم اجتماع الحضارات سنة 1977، وناقش أطروحة الدكتوراه في الاختصاص نفسه سنة 1980.
وأظهر الدكتور سمير سليمان في هذه المرحلة اهتماماً كبيراً بالحضارة الإسلاميّة، واجتهد في دراستها من منظور جديد، وشدّت انتباهه حضارة الأندلس بتنوّع روافدها وتعدّد مدارسها وجمال إبداعها فاهتمّ بها اهتماماً مخصوصاً، واعتبر الحضارة الأندلسية فضاء خصباً لدراسة التواصل الثقافي البنّاء بين الثقافات والأديان والمذاهب.
لقد استفاد سمير سليمان من تجربته الأوروبيّة، إذ تواصل مع الفرنسيين وتعرّف إلى ثقافتهم وتمثّلاتهم المتعلّقة بالعرب والمسلمين، وحاول بدوره أن يعرّف بالثقافة العربيّة الإسلاميّة تعريفاً علميًّا تاريخيًّا، علّه يعدّل الصورة النمطية التي تتبنّاها نخب كثيرة من المجتمع الفرنسي، وأدرك أنّ العلاقة بين الغرب والإسلام تحتاج إلى تعارف جديد، والتعارف لا يتمّ إلَّا متى تحقّق التعرّف والتعريف: التعرّف إلى الآخر والتعريف بالذّات، وإذا تيسّر التعارف بشكل صحيح فإنّ التواصل بين الغرب والشرق سيكون يسيراً.
شغلت هذه القضية سمير سليمان، فاهتمّ بها اهتماماً مخصوصاً خاصّة بعد عودته إلى لبنان واستقراره في بيروت والتحاقه للتدريس بالجامعة اللبنانيّة سنة 1978، كان يدرّس في بداياته مداخل في علم الاجتماع وقضايا حضاريّة بما في ذلك حضارة الأندلس، وبعد مناقشة أطروحة الدكتوراه أصبح يدرّس «النصوص الوظيفية» في الجامعة اللبنانية-الأميركية، كما درّس في أواخر حياته (2010-2011) الحضارة الأندلسية في الجامعة الإسلاميّة (لبنان).
كان سمير سليمان أستاذاً ناجحاً وباحثاً مرموقاً ومحبوباً من قبل زملائه الأساتذة وطلبته، واستطاع بفضل حزمه وجدّيته أن يضطلع بعدّة مسؤوليّات، إذ أصبح رئيس قسم الدراسات في مركز الدراسات الاستراتيجيّة والبحوث والتوثيق ببيروت سنة 1993، ثم أصبح عضو الهيئة العلمية في المركز نفسه عام 1994، كما أصبح عضو الهيئة العلمية للمركز الاستشاري للدراسات والتوثيق ببيروت منذ عام 1996، وانتخب مديراً لمعهد العلوم الاجتماعية (الفرع الأول) بالجامعة اللبنانية سنة 2000، وتواصلت إدارته لهذا المعهد إلى سنة 2003، وعيّن مديراً لمركز دراسات المشرق العربي ببيروت سنة 2007. ولم يكن إشعاعه العلميّ داخل لبنان فحسب، بل كانت له إسهامات علمية واستشاريّة في إيران ودول الخليج وأوروبا، وفي هذا الإطار انتدب أستاذاً للدراسات العليا في الجامعة الإسلامية في لندن في السنة الجامعية 2003-2004.
ﷺ التجربة الفكرية.. ملامح وعناصر
يمكن أن نلحظ مشاريع سمير سليمان الفكريّة من خلال خمسة محاور أساسيّة متكاملة فيما بينها، اشتغل عليها الفقيد، وخصّها بموسوعات وكتب ومقالات وورقات علميّة، وتتعلّق هذه المحاور بالمشروع الحضاري الذي ينشده، وثقافة المقاومة، ومحاربة الاستبداد، وعلاقة الغرب بالإسلام وما تطرحه من إشكاليات فرعيّة، وتجديد الفكر الدّينيّ، والدراسات الأدبية والثقافية في مفهومها العامّ.
اهتمّ سمير سليمان بما أسماه المشروع الحضاري الذي يهدف إلى تحقيق التصالح مع الذّات ومع الآخر في آن، وفي هذا السياق التأسيسيّ كتب «المشروع الحضاري الإسلامي: قراءة في خطاب الصّراع والاستنهاض»[1]، ويتناول هذا الكتاب -كما هو حال عدّة مؤلّفات أخرى- مسألة صراع الحضارات وتنزيلها في السياق العربي الإسلاميّ.
وفي هذا الإطار كتب أيضاً «الصراع الحضاري والعلاقات الدولية»[2]، و«صدام الحضارات: نصوص نقدية في المنهج والمضمون»[3]، ومقالات أخرى من قبيل «المشروع الحضاري الإسلامي، إشكاليات النظرية والمراحل بين البشري والإلهي»[4] و«إشكاليات الصراع الدولي بين أصالة المشروع الحضاري الإلهي والعقل الغربي»[5]، و«جيوبوليتيك الفوضى والاحتقان الدوليين - المرجعية والحلول الممكنة»[6] و«جيوبوليتيك الفوضى والاحتقان الدوليين»[7]...
ويطرح المشروع الثقافي قضايا تتعلّق بطبيعة العلاقة بين الغرب والإسلام ومسألة المقاومة، ولا نبالغ إذا قلنا: إنّ سمير سليمان اهتمّ بإشكالية الذّات والآخر في بعديها الغربي والإسلاميّ، وفي هذا السّياق كتب «الإسلام والغرب، إشكالية التعايش والصراع»[8] و«مسلمو العالم والغرب - جيوبوليتيك الاحتقان»[9]، و«العلاقات الإسلامية المسيحية، قراءات مرجعية في التاريخ والحاضر والمستقبل»[10]، و«موسوعة التاريخ الاجتماعي للعلاقات بين العالم الإسلامي والغرب»[11].
كان سمير سليمان يؤمن بأنّ التواصل مع الذّات ومع الآخر لن ينجح إذا لم يقع تجديد الخطاب الدّينيّ وتطويره، فلا بدّ من مراجعة الفكر الإسلاميّ مراجعة عميقة تجعله فكراً إنسانيًّا منفتحاً على كلّ التحدّيات، وفي هذا السياق التجديديّ كتب فقيدنا «خطاب الكلمة في القرآن: قراءة في نظام دلالاتها العامة ودلالاتها السننية»[12] و«الحركات الإسلامية وإشكاليات التسوية والتطبيع»[13]، و«خطاب العلم في القرآن»[14] و«خطاب العلم والتوحيد في نهج البلاغة»[15] و«الإسلام وإشكالية المنهج في الخطاب المعرفي الغربي، قراءة في لزوم ما لا يلزم»[16] و«حق العلم والبر الثقافي الإسلامي»[17] و«الحرب ونظرية الدفاع والمقاومة في الإسلام، ثلاث قراءات في المصطلح والتاريخ»[18].
وبالإضافة إلى ما ذكرنا اهتمّ سمير سليمان بعدّة قضايا أدبية وثقافية تتناول أساساً الحضارة الأندلسيّة، وأهدى المكتبة العربيّة عدّة مؤلّفات ومقالات من قبيل «الترحيل العلمي والثقافي من الأندلس إلى أوروبا، قراءة في خطاب الاستغنام الغربي والصراع الحضاري في القرون الوسطى»[19] و«الأندلس والغرب، صراع النموذجين الحضاريين»[20] و«المثقفون اللبنانيون والتصدي للمسألة الثقافية الإسلامية»[21].
لا ندري إن كنّا قد أنصفنا سمير سليمان فيما كتب وفيما شارك من ندوات ومؤتمرات، ولكنّنا نعتقد أنّ إسهاماته العلميّة لا تسعها هذه المحاولة البسيطة، ولا نجد مصدراً يحدّثنا عن الثعالبي مفكراً وباحثاً مثل مقالاته التي نشرها في مجلّة حجاج «Le Débat».
ﷺ مجلة حجاج.. ومداخل التقريب الثقافي
من حسن حظّنا أنّا عاشرنا مجلّة حجاج «Le Débat» التقريبيّة منذ بداياتها وإرهاصاتها الأولى حينما كانت فكرة ومشروعاً يبحث له عن طريق جديد في مجال التقريب بين المذاهب الإسلاميّة يتجاوز المسالك التقليديّة التي حصرت التقريب في دائرة المعارف الشرعية وأصحابها.
لقد حدّثنا الدكتور سمير سليمان عن مشروع المجلّة منذ أن كانت حلماً يراوده ومنشوداً يدفعه إليه ما استحال إليه العالم الإسلاميّ من فرقة وجهل وضعف. حدثنا كثيراً عن فكرة المجلّة بحماس لا نظير له وجدّية تثلج الصّدر وتدعو إلى التفاؤل، تجاوبنا معه وساهمنا ببعض المقترحات تخصّ الشكل وأركان المجلّة وشعارها وصفحة الغلاف والخطّ التحريريّ التقريبيّ الذي يستحسن توخّيه، ونشرنا في المجلّة مجموعة من المقالات[22].
ولا يمكن بحال أن نصف الجهد الذي بذله سمير سليمان في إنجاح هذه التجربة التقريبيّة الجديدة ونشر هذه المجلّة وتوزيعها في عدّة دول، كان يجهد نفسه في مراجعة المقالات وتدقيقها والاتصال بأصحابها ومتابعة توزيعها، وبعد جهد جهيد وانتظار دام سنة أو تزيد صدر العدد الأوّل من مجلّة حجاج «Le Débat» ذات اللّسان الفرنسيّ، فكانت تجربة تقريبيّة جديدة من حيث لغة الكتابة والجمهور المستهدف وطبيعة المواضيع المطروقة، صدر العدد الأوّل منها في خريف سنة 2009، على أساس أنّها دورية تصدر كلّ ثلاثة أشهر باللّغة الفرنسيّة وتعنى بمباحث التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة والتّواصل بين المجموعات والثقافات المتعدّدة داخل الدّيانة الواحدة، وبدت بصمات الدكتور سمير في كلّ صفحة منها، يشعر به القارئ في كلّ ركن من أركانها، ويتحسّس أنفاسه في كلّ ما كتب من مقالات وفي افتتاحيّات العدد ذات النفس التحرّري التجديديّ.
لم يكن سمير سليمان رئيس تحرير فحسب، يدير مجلّة حجاج «Le Débat» بل كان مفكّراً صاحب مشروع تقريبيّ حقيقيّ، ويمكن أن نكتشف معالم هذا المشروع من خلال الكلمات الاستهلاليّة التي افتتح بها الأعداد التي صدرت من المجلّة والمقالات التي أسهم بها في هذه المجلّة.
لم تكن كلمات الافتتاح مجرّد استهلال روتيني تفتتح بها المجلّة، بل كانت مقدّمات عميقة في مجال التقريب بين المذاهب الإسلامية والتواصل الثقافيّ والمعرفي بين الجماعات الإسلامية المختلفة، وندرك هذا المنزع التأسيسيّ منذ كلمة افتتاح العدد الأوّل، إذ حاول سمير سليمان أن يتحدّث عن هذه التّجربة التّقريبيّة الجديدة وأن يطرحها من منظور مختلف عن سابقيه، ويتجلّى هذا المنظور المختلف من عنوان كلمة الاستهلال[23] «أنتم والحجاج: Vous et Le Débat»، ونفهم من خلال عنوان هذا الاستهلال أهمّية تشريك القارئ في هموم التقريب ومشاغله، فلا حاجة اليوم إلى خطاب تنظيريّ مسقط لا علاقة له بهموم النّاس ومشاغلهم.
لقد انطلق سمير سليمان من الواقع الإسلامي ليحدّثنا عن مسألة الاختلاف وما نتج عنها من قضايا تتعلّق بالتعصّب والعنف والتكفير، ورصد التحوّلات المعرفية والاجتماعية التي صاحبت ارتداد الثقافة الإسلاميّة من ثقافة تفكير وإبداع إلى ثقافة تكفير وإقصاء، وهذا التحوّل الخطير تسبّب «اليوم في تهديد عدد من المؤسّسات والحكومات الإسلاميّة في وحدتها الوطنيّة وفي وجودها في حدّ ذاته بسبب اجتياح فوضى الملل والعقائد»[24].
وبيّن سمير سليمان أنّ سبب هذا التحوّل الخطير يعود إلى انغلاق الثقافة الإسلاميّة على ذاتها لقرون من الزمن، فمنذ أن أغلق باب الاجتهاد ودخلت الثقافة الإسلاميّة في غياهب الجهل والتقليد، أصبحت كلّ جماعة إسلاميّة ترسم لمخالفها في الدّين أو المذهب أو الفكر صورة نمطية سلبيّة دون تحقيق التواصل الثقافي اليوم، ولذلك لا بدّ أن نتحرّر من أسر الذّات والتواصل مع الآخر، فمعرفة الآخر سبيل لمعرفة الذّات، ولذلك لا بدّ أن نراجع علاقتنا بالآخر حتّى يتسنّى لنا مدّ جسور التواصل بين المسلمين.
وعلى هذا الأساس انتقد اقتصار التقريبيّين على المناهج التقليديّة، وتحدّث عن أهمية العلوم الإنسانية في دراسة العلاقات بين الجماعات الدّينيّة، ورأى أنّ المسلمين معنيّون بالعلوم السوسيو-سياسيّة (Sciences socio-politiques) الغربيّة وقراءاتها المختلفة للظاهرة الدينيّة، إذ أكّدت هذه العلوم الإنسانيّة أنّ الخلاف العقديّ يتجاوز الفكر والانتماء الدّينيّ ليشمل مكوّنات الإنسان البيولوجيّة والمعنوية، ويعني هذا الطّرح أنّ التقريب بحاجة اليوم إلى تجديد مداخله وآلياته.
وأكّد سمير سليمان في افتتاحيّة العدد الثاني أنّ منشود المجلّة لا يقتصر فحسب على تحقيق التقريب بين المدارس الإسلاميّة بل يطمح إلى مدّ جسور التواصل بين الأديان والحضارات[25]، واستغلّ الدكتور سمير افتتاحيّة العدد الثاني ليقوّم العدد الأوّل وموقف النخب المثقفة منها، ولاحظ أنّ المجلّة شدّت اهتمام عدد كبير من رجال الدّين والجامعيين والباحثين والحقوقيّين والقانونيين والإعلاميّين فزاروا مقرّ المجلّة ببيروت واتصلوا بإدارتها وتصفّحوا موقعها[26].
ونفهم من هذا التعليق أنّ المجلّة نجحت في خطّها التحريريّ التقريبيّ الذي اختارته، إذ أكد سمير سليمان في مقالاته أنّ التقريب الحقيقيّ لا ينحصر في الفقه والعلوم الشرعية، فالمعارف الدينيّة مدخل من مداخل التقريب بين المذاهب الإسلاميّة، ولكنّها لا تحجب بقية المداخل الثقافيّة والإبداعيّة، فالمسلمون اليوم يحتاجون إلى مختلف المجالات لتحقيق التواصل بينهم، وما أحوج التقريب إلى أطروحات رجال القانون وعلماء السياسة والاقتصاد وخبراء الاتصال وأصحاب الإبداع والباحثين الجامعيين.
وهذا المنهج يذكّرنا بمنهج جماعة التقريب بالقاهرة[27] التي راهنت على التقريب الثقافي، فنشرت مجلّة «رسالة الإسلام» -لسان حال جماعة التقريب- مقالات في مختلف مجالات الحياة، ويبدو أن سمير سليمان أراد أن يجدّد العهد مع منهج روّاد التقريب الأوائل، وأكّد مرّة أخرى أنّ مشكلة التواصل بين المسلمين مشكلة معرفيّة بالأساس، فنحن في حاجة ملحّة لمعرفة الآخر معرفة حقيقية بعيداً عمّا رسمته الذّاكرات الدّينيّة من صور نمطية خرافية لا علاقة لها بالواقع التاريخيّ، ويحتاج الفكر الإسلاميّ المعاصر إلى مقاربات منهجية وعلمية جديدة تجمع بين المؤمنين ولا تفرق[28].
وهذا التجديد المعرفي والمنهجي ذو المنزع التقريبيّ يخصّ علماء الدّين والمجتهدين والمثقفين والجامعيين والباحثين المستنيرين والمصلحين[29].
وندرك من خلال افتتاحيّة العدد الثالث قدرة الدكتور سمير سليمان على اختيار المداخل النقدية المفيدة في مجال التقريب بين المذاهب الإسلاميّة، فقد اختار لافتتاحيّته عنواناً طريفاً: «المؤتمرات ومسؤوليّة المؤتمرين»، واستلهم هذا العنوان من المؤتمر الثالث والعشرين للوحدة الإسلامية[30]، الذي تناول مسألة التعدّد والصّراع العقدي وضرورة التأسيس لهوية عقديّة موحّدة تحقّق الانسجام السوسيو-سياسيّ[31]. ولكنّ هذه المؤتمرات وما شابهها من ندوات وملتقيات لم تكن سوى وسيلة لا غاية في حدّ ذاتها[32].
واستطاع سمير سليمان أن يطرح أفكاراً نقدية تخصّ كلّ الأطراف المعنيّين بالمؤتمرات من منظّمين ومشاركين ومدعوّين[33]، وخلص إلى استنتاج خطير مفاده أنّ نجاح مؤتمرات التقريب لا يعود فحسب إلى نجاعة المنظّمين وجدّيتهم، بل يتعلّق كذلك بمدى مساهمة المشاركين والمدعوّين، وكم هو مؤسف أن نجد من بين المؤتمرين من لا يكلّف نفسه عناء التواصل مع بقية المؤتمرين أو التحاور معهم[34]، فدعاة التقريب لا يمارسون التقريب ومن يتحدّثون عن الحوار لا يتحمّسون له، وهذا يجعل من بعض ملتقيات الحوار والتقريب ملتقيات مجاملات ومؤتمرات سياحيّة لا تطوّر التقريب ولا تدعم الحوار ولا توجّه الوحدة وجهتها الإسلاميّة المنشودة.
كشف الدكتور سمير سليمان عن أهمّ معوّقات التقريب بين المسلمين، وركّز أساساً على المعوّقات المعرفية ذات البعد المنهجيّ، فالثقافة الإسلامية المعاصرة تشكو مجموعة من الصّعوبات المنهجيّة، واقترح مقاربة حضاريّة تستوعب بقية المقاربات وتدرس التاريخ باعتباره تسلسلاً حضاريًّا[35].
وأظهر سمير سليمان في افتتاحيّة العدد الرّابع تأثّره بالمفكّر الجزائري مالك بن نبيّ الذي أوّل التاريخ اعتماداً على منهجيّة حضاريّة[36]. ويتواصل هاجس البحث عن مسالك معرفيّة ومنهجيّة جديدة في مجال التقريب في افتتاحيّة العدد خامس، إذ استثمر الدكتور سمير سليمان مناسبة وفاة المرجع الشيعيّ اللبنانيّ السيد محمّد حسين فضل الله، فتحدّث عن إسهاماته وأطروحاته، وأكّد أنّ فضل الله من الشخصيات الدّينية النادرة التي حقّقت انسجاماً بين الأقوال والأفعال[37].
فهذا المرجع الدينيّ تحدّث عن التقريب وشارك في ملتقياته، وكانت أفكاره وأفعاله تقريبيّة بامتياز إلى درجة أثارت غضب رجال الدّين التقليديين ففسّقوه وبدّعوه وكفّروه، ولذلك اعتبر فضل الله رائداً من روّاد المنهج الحضاري المنشود، وهو منهج يؤمن بالحرية دون شروط، وفتح باب الاجتهاد والتفكير على مصراعيه، ويسهّل بذلك التقارب بين الأديان والثقافات والجماعات[38]، ويركّز هذا المنهج على قيمة الإنسان في حدّ ذاته، ولذلك دافع فضل الله عن حقوق الإنسان.
واعتبر سمير سليمان هذا البعد الحقوقيّ مدخلاً أساسيًّا من مداخل التقريب بين المذاهب الإسلاميّة[39]، فكيف نحقّق التقارب دون أن ندافع عن حقّ كلّ مسلم في اختيار عقائده وأفكاره ومذهبه الفقهيّ، فحرية التفكير جوهر التقريب، ولا تقريب مع التعصّب ورفض المخالف واحتكار الحقيقة والتحدّث باسم الدّين.
لم تكن المقاربة الحضاريّة مجرّد شعار تزيّن به سمير سليمان في مقالاته، بل كان منهجاً ورؤية تيسّر فهم الواقع واقتراح الحلول العمليّة، ولذلك اجتهد الباحث في تنزيل الفكر الدّينيّ في سياقه الحضاريّ التاريخيّ، وعلى هذا الأساس عقد في افتتاحية العدد السّادس مقارنة بين المغرب الإسلامي من جهة والمشرق من جهة ثانية، ونبّه إلى أمر خطير يتمثّل في وجود قطيعة معرفية بين مشرق الإسلام ومغربه، فأهل المشرق لا يتابعون ما يحدث في المغرب من حراك ثقافي.
ولذلك حدّثنا عن ندوتين شارك فيهما الدكتور سليمان، الندوة الأولى انعقدت بتونس تحت عنوان «المنهجية في العلوم الدينيّة»[40]، أمّا الثانية فانعقدت بتلمسان حول التصوّف[41]، ويبدو أنّ هذه المقارنة مهّدت للحديث عن ثورات الربيع العربي في افتتاحية العدد السّابع.
أظهر سمير سليمان في افتتاحيّة العدد السابع من مجلّة حجاج اهتماماً مخصوصاً بالثورة التونسية، ورأى أنّ ما حصل في تونس كان بداية ولادة جديدة في العالم العربي ستؤثّر في المشهد السياسي والثقافي والاقتصاديّ، ومن الطبيعي أن يمسّ هذا السياق الثوريّ الجديد التقريب ومشاغله.
بل اعتبر الدكتور سليمان أنّ هذه التحوّلات سترجع بالفائدة على مشروع التقريب بين المذاهب الإسلاميّة، فالثقافة أصبحت تتنفّس أكسجين الحريّة بعد ثورات الربيع العربي[42]، شغلته الثورة التونسية وأثارت فيه عدّة أسئلة حاول الإجابة عنها من خلال لقاءاته المتعدّدة مع قادة الفكر والسياسة والباحثين الجامعيين والطلبة وعامّة النّاس.
وتساءل الدكتور سليمان في هذه الافتتاحية عن مفهوم الثورة وطبيعة ما حصل في تونس وكيفية تصنيفه من منظور علم الاجتماع، هل ما حصل في تونس هو ثورة بمفهومها التقليديّ أم تراه تحرّك اجتماعي أم انتفاضة؟، عدّة مصطلحات استعملت من قبل الخبراء نقلها صاحب الافتتاحية محاولاً الوقوف عند حقيقة ما حصل بتونس[43].
وبعد تحليل وتمعّن توصّل سمير سليمان إلى استنتاج خطير مفاده أنّ ما حصل من تغيّرات وثورات اليوم تجاوز المنوال المفهوميّ المتعارف عليه في تعريف الثورات، فما حصل كان جديداً مبتكراً تعجز المقاربات التقليديّة عن فهمه وتحليله.
وعلى هذا الأساس دعا الدكتور سليمان إلى التفكير في علوم جديدة تتعلّق بالشأن السياسيّ والأبعاد النفسيّة والاجتماعيّة المتعلّقة بالتحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة الكبرى، واختزل مقترحه في «علم ثورة» جديد[44].
والطريف -حسب سمير سليمان- أنّ هذه الثورات الغريبة الجديدة أفرزت نوعاً جديداً من الديمقراطيّة، يمكن وسمها بديمقراطية الشارع، إذ أصبح عامّة النّاس يقودون الحراك الاجتماعيّ والسياسيّ، وأصبحت النخب المثقفة معزولة تقف وراء الشعوب الثائرة حائرة ومستغربة تبحث لها عن دور في زمن تداخلت فيه الأدوار[45].
ونظراً إلى هيمنة المنزع التقريبيّ على أطروحات سمير سليمان وأفكاره، فإنّه حاول مقاربة المشروع التقريبيّ على ضوء الثورات العربيّة المعاصرة، ورأى أنّ القيم التي جاءت من أجلها الثورات ستكون محفّزاً للتقريب والتواصل الثقافيّ بين المسلمين، فالثورات العربية اندلعت من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وترسيخ الكرامة الإنسانيّة وتعميم حقوق الإنسان، ولن يتحقّق هذا المنشود دون سيادة الحريات العامة والخاصة بما في ذلك حرية المعتقد والتفكير، فالنّاس سواسية أمام القانون، والتواصل بين النّاس يقوم على مبدأ الاحترام المتبادل والاعتراف بالآخر مهما اختلف معنا.
وهذا يعني أنّ التعدّد الأيديولوجي والدّينيّ والمذهبيّ والثقافيّ أصبح حقيقة لا يمكن تجاهلها أو إنكارها[46]، لقد كانت الأنظمة الكليانيّة المستبدّة عائقاً حقيقيًّا يحول دون التقارب والتواصل بين المسلمين، ولذلك كانت الثورات العربيّة فرصة حقيقيّة لإعادة النظر في الآخر وطبيعة العلاقة معه، فالحرية تتيح مجالات أرحب للتعرّف إلى من يخالفنا الفكر أو المعتقد، ولذلك شرعت عدّة أطراف في مراجعة الصّور النمطية التي كانت تأسرها.
تعلّق سمير سليمان بالثورة التونسية فتغزّل بها في أكثر من موضع، وتحدّث في افتتاحيّة العدد الثّامن من مجلّة «حجاج» عن الثورة التونسيّة وهي في حالة تأهّب، وجدير بالذّكر أنّ سمير سليمان استلهم معاني هذه الافتتاحيّة من خلال زيارتين قام بهما إلى تونس مباشرة بعد الثورة التونسيّة، وكنت رفيقه في زيارتيه، استهلّ افتتاحيته بجملة جميلة جاء فيها «تونس تستنشق الحرية هذه الأيّام»[47].
وتعكس هذه الجملة الاستهلاليّة حالة من الانبهار بشعب تونس، فتحدّث عن حلقات النّقاش الفكري والسياسي التي كانت تنعقد في شارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة، وكان النّاس كلّهم يتناقشون ويتحدّثون دون موعد مسبق أو تنظيم مخطط له، وفي هذه الحلقات يمكن أن تتحدّث في أيّ موضوع ومع أيّ شخص[48]، كنت أصاحبه في جولاته بشارع الحبيب بورقيبة وكان -رحمه الله- يتوقّف في هذه الحلقة النقاشيّة أو تلك يستمع بحماس وجدّية، ويأخذ كنّشه الصغير ويدوّن بعض الملاحظات، وقد يسأل عن ألفاظ باللّهجة التونسيّة لم يفهمها، كان يبذل جهداً في معرفة الواقع على حقيقته واكتشاف أسرار الثورة التونسية.
اكتشف سمير سليمان بفضل فطنته وخبرته وقدرته على البحث الاجتماعي الميدانيّ أنّ حديث الناس الثائر المتحمّس يختزل بين طيّاته خوفاً وتردداً، لقد عكس كلام النّاس التلقائي خوفاً من الردّة وركوب الثورة «لأنّ كلّ ثورة تفرز بالضرورة ثورة مضادّة»[49]، ولكن «من الرّائع أن تكون تونسيًّا حرًّا هذه الأيّام حتّى وإن انتابك شعور بالخوف من المستقبل بل خوف من أجل المستقبل»[50].
عايش سمير سليمان الثورة التونسية وما لحق بها من ثورات عربيّة، كان شاهداً ومتابعاً ومحلّلاً ناقداً، وندرك من خلال هذه السيرة طرافة تجربة مجلّة حجاج التقريبيّة، فهذه المجلّة احتضنت ثورات الرّبيع العربيّ وباركتها واعتبرتها منعرجاً مهمًّا في تاريخ التقريب بين المذاهب الإسلاميّة لأنّها ستذّلل صعوبات جمّة وضعها المستبدّون ففرّقوا بها بين أبناء الملّة الواحدة.
ويختزل عنوان افتتاحيّة العدد التاسع من المجلّة هذه العلاقة الوطيدة بين المجلّة والثورة، وتحدّث سمير سليمان في هذا المقال الافتتاحيّ عن مكاسب الثورة التونسيّة فرأى أنّ التغيير كان أساساً تغييراً أفقيًّا شمل رأس النّظام فحسب، ولكنّ التغيير العموديّ مازال بعيد المنال، واستشهد بقول بليغ لشاب تونسيّ حضر أعمال مؤتمر الحجّ[51] الذي شارك فيه، قال ذلك الشاب: «سقط الطاغية ولم يسقط الطاغوت»[52].
وبعد مرور سنة أو تزيد عن اندلاع الثورة التونسيّة، ونشوب حرب ضروس في ليبيا واليمن، وتفاقم الوضع في سوريا حدّ المأساويّة أصبح سمير سليمان ينظر إلى الرّبيع العربيّ نظرة نقدية يشوبها الخوف والحيرة، وهذا ما يكشف عنه عنوان افتتاحيّة العدد العاشر من المجلّة، إذ اختار الحديث عن الربيع العربي بين فخّ الخلاف وصدى الديمقراطية، وذكّر بثورات «ربيع الشعوب» التي اندلعت بين سنتي 1848 و1949 في فرنسا والنّمسا وألمانيا وإيطاليا وتشيكوسلوفاكيا.
والمؤسف أنّ هذه الثورات فشلت ديمقراطيّا لعدّة اعتبارات[53]، وفي السياق نفسه استحضر تجارب «ربيع بودابست» و«ربيع براغ و«ربيع بكين»، وانتهت كلّها بفشل على مستوى التحوّل الديمقراطيّ.
وأكّد سمير سليمان أن الظروف تختلف والسياقات تتغاير، ولا يمكن أن نحكم على تجربة ثورية من خلال تجارب أخرى، ولكن من المفيد أن نعرف المعوّقات التي حالت دون تحقيق الديمقراطية ويسّرت عودة النظام الاستبدادي مرّة أخرى بعد أن تنفّست الشعوب أوكسجين الحريّة، واستغرب استعمال الأدبيات السياسيّة والإعلاميّة الغربيّة والعربيّة مصطلح «الربيع العربي» رغم أنّ الثورات العربية وعلى رأسها الثورة التونسيّة اندلعت شرارتها في الشتاء[54]، وهذا الأمر يثير بعض الأسئلة تجعلنا نتعامل بحذر مع هذا الاصطلاح ونراجعه على ضوء ما حصل في بعض أقطار العالم العربي ووصول الحركات الإسلاميّة إلى صدارة الحكم في تونس ومصر إثر انتخابات ديمقراطيّة.
أظهر سمير سليمان في افتتاحيات مجلّة حجاج «Le Débat» بُعداً نقديًّا تأسيسيًّا لا يمكن إنكاره، أدرك فقيدنا من خلال تجربته التقريبيّة الطويلة والمتنوّعة أنّ التقريب بين المذاهب الإسلاميّة لا يمكن أن يتطوّر ويحقّق أهدافه المنشودة دون مراجعات دائمة ونقد عميق، إذ لا يمكن التواصل والتقارب في إطار ثقافة تقريبيّة تقوم على المجاملة، ووجد في المؤتمر الخامس والعشرين للوحدة الإسلاميّة بطهران منطلقاً للحديث في افتتاحيّة العدد الحادي عشر من المجلّة[55] عن ضرورة مراجعة المشروع التقريبيّ من خلال تقويم أداء المجمع العالمي للتقريب بعد عشرين سنة من تأسيسه.
لم يكن سمير سليمان مفكّراً تقليديًّا بل كان متحرّراً حداثيًّا يبتغي التطوير والتغيير، ويعتزّ بانتمائه الدّينيّ ويفتخر بهويّته العربيّة الإسلاميّة، ولكنّه مع ذلك كان يؤمن بالفكر الإنسانيّ الحداثيّ، ويعمل على تجذير القيم المدنيّة الحديثة في المشروع الإسلاميّ التقريبيّ، ونرصد هذا المنزع الحداثيّ في أغلب افتتاحيّاته.
ولعلّ أهمّ المداخل الحداثيّة التي كان يؤمن بها ما تعلّق بمفهوم المواطنة، هذا المفهوم الغائب الحاضر في ثقافتنا الإسلاميّة المعاصرة، فأغلب مشاكل التقريب ومعوّقاته تكمن في غياب المواطنة في عدّة دول عربيّة وإسلاميّة، إذ مازلنا نجد مواطنين من درجة ثانية أو ثالثة في بعض الدول العربيّة، ومازلنا نرى ضروباً من التمييز الطائفيّ والمذهبيّ في هذه الدولة أو تلك، ولذلك يعتبر الاعتراف بحق المواطنة مدخلاً أساسيًّا من مداخل التقريب بين المذاهب الإسلاميّة، فالمواطنة تعني فيما تعني الاعتراف بالآخر واحترامه والتواصل معه دون استعلاء أو استنقاص.
أدرك سمير سليمان أهمية هذا المدخل التقريبيّ فخصّه بافتتاحيّته الأخيرة التي لم تر النّور وأخذته يد المنيّة قبل أن تنشر في العدد الثاني عشر الذي كان بصدد الطباعة عندما توفّي فقيدنا الدكتور سمير سليمان، وقد تحدّث في هذه الافتتاحيّة عن «المواطنة والتحدّيات الدّولية»، واعتبر منذ مستهلّ افتتاحيّته أنّ «المواطنة تمشٍّ اجتماعي معاصر يدفع الأفراد على الاجتماع»[56].
ونفهم من كلامه أنّ المواطنة عنوان من عناوين الحداثة والمعاصرة، كما أنّها مدخل لا مردّ عنه اليوم لتوحيد النّاس وجمع شملهم تحت راية وطن واحد، فتحقيق المواطنة على مستوى كلّ قطر عربيّ أو إسلاميّ ييسّر التواصل بين المسلمين والتقارب بينهم، فإذا أصبح للمواطن السنّيّ أو المواطن الشيعيّ الحقوق والواجبات نفسها مهما كانت الأغلبيّة المهيمنة، فإنّ التباغض سيزول والتواصل سيتحقّق.
وأكّد سمير سليمان أنّنا في حاجة اليوم إلى منهجية مختلفة تقوم على معرفة الآخر والقبول به مختلفاً عنّا، وهذا يعني أنّ «المواطنة مساواة واختلاف في الآن ذاته»[57]، وهي عقد اجتماعي يقوم على التعدّد والتنوّع ويتطلّب نظرة جديدة للعلاقات الإنسانيّة[58].
حاولنا من خلال هذه الجولة في افتتاحيّات سمير سليمان أن نكتشف ملامح من مشروعه التقريبيّ، وهو مشروع متعدّد الوجوه ومتنوّع الروافد، وإذا أردنا أن نوجز طرحه التقريبيّ في مداخل مضبوطة، فإنّنا سنركّز على الواقعية والنقد والانفتاح والأمل.
كان سمير سليمان في طرحه واقعيًّا، يرفض الوهم والإيهام وينبذ لغة المجاملات والمغالطات، كان يفضّل تشخيص الدّاء وتفكيك الواقع والكشف عن الأمراض والأزمات، وكان لا يتردّد في النقد البنّاء، فالفكر التقريبيّ في اعتقاده لن يتطوّر دون مراجعة حقيقيّة ونقد مساراته دون تردّد أو تخوّف، كما كان يدرك أنّ الذّات لا تنفصل عن الآخر وأنّ الهوية العربيّة الإسلامية لا يمكن عزلها عن محيطها الكوني ولا يمكن الاستغناء عن المكاسب الحداثيّة المدنيّة المتعلّقة بالحريات وحقوق الإنسان والمواطنة، وبقدر ما كان واقعيًّا حائراً متألّماً لواقع التخلّف والتشتّت، كان متفائلاً يحدوه الأمل في واقع أفضل وغد أرحب يتقارب فيه المسلمون تحابباً وتوادداً، يبتغون التعاون وتجديد الأمل.
هذا المنزع الفكري لم يكن حكراً على افتتاحيّات مجلّة حجاج «Le Débat»، بل نجد صداه في كلّ المقالات التي نشرها سمير سليمان في المجلّة، ففي العدد الأول تحدّث عن أهمية المنهج الحضاري وعلم اجتماع الحضارات في دراسة الظاهرة الدّينيّة والسياسيّة، واعتمد المقاومة الإسلامية نموذجاً طبّق عليه هذا المنهج[59].
ومن خلال المنهج الحضاري نفسه حاول رئيس تحرير مجلة حجاج «Le Débat» أن يدرس مؤسّسات التقريب بين المذاهب الإسلامية وكيفية تعاملها مع مسألة الاختلاف[60]، ونفهم من خلال ما سبق أنّ الفقيد كان ينحو دائماً منحى تجديديًّا يضطلع بتحديث مناهج البحث وتطوير آلياته، فالمشكل المنهجيّ مشكل أساسيّ عنده، ولا يمكن للثقافة الإسلاميّة المعاصرة أن تتجاوز أزمتها دون تجديد منهجها، فالمناهج القديمة أصبحت لا تستجيب إلى حاجيات المسلم اليوم.
ولذلك لا بدّ من خيارات منهجية جديدة تحدّث عن بعضها في مقاله المنشور بالعدد السادس من مجلة حجاج «Le Débat»، وفي هذا المقال اجتهد سمير سليمان في ضبط منهج علائقي بين السياسة من جهة والإصلاح والمقاومة والانسجام الوطني من جهة ثانية[61]، وبدا في هذا المقال كعادته مهووساً بالمنهج الحضاري فتحدّث عن الإصلاح من وجهة نظر حضاريّة[62]، كما ذهب إلى القول بأنّ المشروع الحضاري يحتضن كلّ حركات التغيير باعتبارها حركات مقاومة بامتياز[63].
كان سمير سليمان رجل مقاومة من الطراز الأوّل، ولكنّه لم يتحدّث عن المقاومة من منطلق العاطفة والحماس، أو من منطلق الانتماء الأيديولوجي أو الولاء السياسيّ، بل تحدّث عن المقاومة من منظور علميّ منهجيّ، فنزّلها ضمن حركة التاريخ والمشروع الحضاريّ وطبيعة العلاقات السياسيّة والاقتصادية والثقافية التي تصل بين الجماعات والطوائف والأحزاب في إطار التجربة اللبنانيّة أو غيرها من التجارب العربيّة والإسلاميّة.
ﷺ التقريب وتجربة التواصل الثقافي
لم يكن الدكتور سمير سليمان مجرّد مفكّر أو باحث جامعيّ، بل كان أكثر من ذلك، كان صاحب مشروع متكامل ورائداً من روّاد التقريب الثقافيّ، لم يكن التقريب مجرّد شعار يرفعه أو حليًّا يتزيّن به كما هو حال عدد كبير من العلماء والباحثين، بل كان جزءاً من شخصيّته وسلوكه الاجتماعيّ، كان خلقه التقريب، تكتشفه من خلال كلامه وابتساماته واحترامه الغير وتواضعه وفضوله وتحرّره من أسر الذاكرات المذهبية والطائفيّة والأيديولوجيّة.
حينما تجالسه وتتحاور معه، يحدّثك بفكر إسلاميّ تحرّريّ ينزع إلى الكونية، ولذلك كان اندماجه في مجتمع النخب التونسيّة يسيراً، فقد زار سمير سليمان تونس أربع مرّات شارك فيها في أربع ندوات علميّة، واستطاع من خلالها أن يرسي شبكة علاقات مع نخبة من الجامعيّين والمثقّفين التونسيّين، استفاد منهم وأفادهم بتجربته الطويلة وعلمه الغزير.
كانت زيارته الأولى إلى تونس سنة 2009، وقد جاء للمشاركة في ندوة علمية انعقدت بكليّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة تحت عنوان «الذّات في مرآة الآخر»[64]، وقدّم سمير سليمان في هذه الندوة ورقة علميّة عنوانها «علائقية العالم الإسلامي والغرب - جدلية الذات والآخر والمستقبل»، وحاول في هذا المقال الطويل أن يتناول علاقة الذات بالآخر، وهي علاقة متداخلة ومتشعّبة.
أكّد صاحب المقال أنّ الفصل بينهما أمر صعب، فالذّات عنده تخترق الآخر، والآخر يستوعب الذّات بكلّ تشكّلاتها ومكوّناتها، فهما -كما يقول سمير سليمان في مقاله المذكور- «متّصلان متعالقان في ثنائية جدلية متجذرة»، ولكنّ لا يعني ذلك أنهما دائماً منسجمان، فالغرب رسم للعرب والمسلمين صورة بل صوراً نمطية يستغلّها سياسيًّا متى شاء وكيفما شاء، وضرب مثالين دالين على ذلك، تعلّق المثال الأوّل بصورة المقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة كما يرسمها الخطاب السياسي والإعلامي في الغرب، أمّا الصّورة الثانية فتتعلّق بالإسلام والتخويف منه، ونقصد بذلك ظاهرة الإسلامفوبيا التي انتشرت في الغرب وأثّرت في عدّة نخب فكرية وإعلامية وسياسيّة.
ولئن كانت زيارته الأولى قصيرة فإنّها كانت مفيدة ومعطاءة، إذ استطاع أن يتعرّف إلى عدد كبير من الباحثين والجامعيّين، وأن يزور عدّة مؤسّسات ثقافيّة وبحثيّة ليتبادل الآراء مع المثقفين التونسيّين والطّلبة الجامعيّين ويقتني كتباً ومنشورات جديدة، ثمّ زار ثانية تونس للمشاركة في ندوة علميّة دولية نظّمتها جامعة الزيتونة تحت عنوان «المنهجيّة في العلوم الإسلاميّة»[65].
وسبقت هذه الندوة الثورة التونسيّة بأشهر معدودة، واستفاد سمير سليمان من إقامته في شارع الحبيب بورقيبة الشارع الرئيسيّ بالعاصمة التونسيّة، كان يحدّثني عن خواطره وتأمّلاته، وكان معجباً بحيوية الشعب التونسيّ وحبّه الحياة، رأى فيه تمرّداً صامتاً وثورةً منتظرةً.
وزار مرّة ثالثة تونس بعد قيام ثورتها وسقوط نظامها المستبدّ، جاء ليشارك في ندوة علمية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس[66] بدراسة عنوانها «مؤسسات التقريب المذهبي.. منهجيات الفصل والوصل والمستقبل»، وعاد سمير سليمان عشقاً وفضولاً إلى شارع الحبيب بورقيبة، الشارع الذي احتضن الثورة التونسيّة وشهد سقوط رأس النّظام المستبدّ، كان ينتقل من حلقة نقاش إلى أخرى، يدوّن ملاحظات أحياناً، ويصوّر المشاهد أحياناً أخرى، يسحب مفكرته كلّما سنحت الفرصة، ويدوّن فيها خواطره ومعايناته، كان منبهراً بثورة تونس انبهاراً لا يوصف، وهذا ما نتبيّنه في افتتاحياته المتأخرة، فقد خصّ عدّة افتتاحيّات مجلّة حجاج «Le Débat» للحديث عن الثورة التونسية وما ارتبط بها من قضايا وإشكاليّات وما صاحبها من مخاوف وانتظارات.
أصرّ سمير سليمان في هذه الزيارة على لقاء رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي لإجراء حوار معه قصد نشره في مجلّة حجاج «Le Débat»، وفّقنا في ضبط موعد معه والتقيناه معاً، كان اللقاء ممتعاً ومفيداً، ثمّ نشر في مجلّة حجاج «Le Débat»[67] وأحدث ضجّة على مستوى قرّاء المجلّة فأرسلوا إلى رئيس تحريرها يتساءلون ويعلّقون، وسيجد القارئ عدّة أفكار تستحقّ التوقف والتمعّن، كما سيكتشف قارئ هذا الحوار قدرة سمير سليمان على المحاورة. وتناول الحوار مجموعة من القضايا تتعلّق بالثورة التونسية وحركة النهضة والتحديات المستقبليّة.
المشاركة الرّابعة لسمير سليمان كانت في مؤتمر الحجّ[68] بتونس العاصمة، صاحبته زوجته في هذه الزيارة ولقي حفاوة كبيرة من قبل أصحابه وأصدقائه، تابع الثورة التونسيّة بعد مرور أشهر عدّة على اندلاعها وطرح بجرأة أسئلتها ومخاوفها، كانت الأوضاع في ليبيا واليمن وسوريا غامضة ومفزعة، وشعر سمير سليمان أنّنا بحاجة إلى أسئلة نقدية تتعلّق بثورات الرّبيع العربي.
إنّ حديثنا الموجز عن زياراته إلى تونس لم يكن اعتباطيًّا بل أردناه وظيفيًّا حتّى نضع نصوصه التي شارك بها في ندوات تونسيّة في سياقها التاريخيّ، ويستحضر القارئ ما حفّ بها من أحداث كشفت فطنة الرّجل وقدرته على الفهم والاندماج.
وسيجد القارئ في نصوصه المنشورة مادة علمية دسمة وأسئلة إشكاليّة محرجة وإرهاصات مسالك حلم بها سمير سليمان فكانت منشوده وأمله الذي لا يملّه، سيجد القارئ حديثاً صريحاً وضمنيًّا عن العدالة والحرية والمحبّة في زمن هيمن فيه الظلم والاستبداد والتباغض، كان مشروعه أن يجد السبيل إلى مدّ جسور التواصل بين الثقافات والأديان والمذاهب، فحديثه عن التواصل لا ينقطع، فلا أمل ولا أمن ولا تقدّم دون تحقيق التواصل الثقافيّ القائم على الانفتاح والتحرّر واستيعاب القيم الكونيّة العادلة، حدّثنا في مقاله «علائقية العالم الإسلامي والغرب - جدلية الذات والآخر والمستقبل» عن ضرورة مدّ جسر التواصل بين الشرق والغرب وبين الإسلام وبقية الأديان.
وحاول سمير سليمان أن يدرس علاقتنا بالغرب من منظور جديد بعيداً عن المواقف الانفعالية المنبهرة بالآخر أو المعادية له، فالغرب ثقافة قبل كلّ شيء ولا بدّ أن يكون التواصل ثقافيًّا بدرجة أولى بين الشرق والغرب، فالتعاون الاقتصادي والتكنولوجي والسياسي لم يذلّل معوّقات التواصل ولم يرسِ جسراً حقيقيًّا للحوار، ولكن ما المقصود بالتواصل الثقافي؟ وإلى أيّ مدى يمكن أن نقترح مشروعاً حضاريًّا يستوعب كلّ الأطياف على تعدّدها واختلافها؟
ﷺ التقريب والتواصل الإسلامي الإسلامي
إنّ التواصل الثقافيّ -فيما نفهمه من كتابات سمير سليمان- يعني تحقيق التعارف بين الجماعات الدينية والأيديولوجية والثقافية والمذهبيّة، فالعلاقة بين الغرب والإسلام قائمة على الجهل والمغالطة، فكلّ طرف لا يعرف الآخر على حقيقته، ويتعامل معه وفق صور نمطيّة سلبيّة بنتها الذّاكرات الدّينيّة، ولا يمكن تحقيق التواصل إلَّا متى تعرّف كلّ طرف إلى الطرف الآخر وتحدّث عنه بموضوعيّة كما هو في الواقع التاريخيّ لا كما يرسمه الخيال وتضبطه الاستراتيجيات والتكتيكات، ولا يخصّ هذا المبدأ علاقة الذات بالآخر ممّن يخالفنا الدين والمعتقد، بل يشمل أيضاً علاقة المسلم بذاته ونقصد التواصل الإسلاميّ-الإسلاميّ، فالمسلم المخالف في المذهب أو الفكر أو الطائفة هو جزء من الذّات، يكوّن معها الشخصيّة الإسلاميّة في مفهومها العامّ.
لذلك لم يكن من الممكن معرفيًّا وثقافيًّا ومنهجيًّا فصل الذات عن الآخر، بل نفهم من أدبيّات سمير سليمان أنّ التواصل مع الآخر المغاير في العقيدة لا يستقيم دون قاعدة متينة قوامها التواصل الإسلاميّ-الإسلاميّ، فكيف نتحاور مع الغرب وبقية الثقافات والحال أنّ الحوار بين المسلمين متعثّر تشوبه عدّة شوائب، ونلحظ هذا التمشّي الفكري بجلاء في مقاله «مؤسسات التقريب المذهبي.. منهجيات الفصل والوصل والمستقبل»، وفي مختلف مقالاته وكتبه التي تطرّقت إلى إشكاليات التقريب بين المذاهب الإسلاميّة.
أدرك سمير سليمان في هذا المقال أنّ التواصل بين المسلمين تواصل هشّ لا يقوم على أسس صحيحة، لذلك كان دائماً متعثّراً ومتردّداً، واعتبر الخلاف بما هو شجار وصدام ظاهرة سياسيّة لا علاقة لها بالأديان والمذاهب، فالسياسة توظّف الدّين لمآرب لا علاقة لها بالدّين، ولكنّ هذا الصراع السياسيّ الدنيويّ يأخذ عبر السنين بُعداً عقديًّا مذهبيًّا يتعصّب له المتعصّبون، وأدرك نخبة من علماء المسلمين والمثقفين خطورة الأمر وما يتسبّب فيه من تباغض بين المسلمين وتفريق لكلمتهم وتمزيق لصفوفهم وتبديد لقوّتهم وبأسهم، فالتعصّب المذهبيّ الأعمى أنتج عنفاً وصراعاً بغيضاً من نتائجه القتل والتفجير والترويع والتكفير والتفسيق.
أدرك هؤلاء أنّ التقريب خيار لا مردّ عنه، فعملوا على تحقيق التواصل بين أبناء الديانة الواحدة، وهذه الخطوة على أهميتها لا تعكس المطلوب لأنّها تظلّ أعمالاً فردية تنقصها المتابعة ويغيب عنها التنسيق، ولذلك أكّد سمير سليمان أنّنا نحتاج إلى مؤسّسات تقريبيّة قوية تتبنّى المشروع وتسهر على إنجاحه.
ويثير سمير سليمان من خلال هذا المقال إشكالاً خطيراً يتعلّق بمدى إسهام المؤسّسات التقريبيّة في دفع عجلة التقريب وتحقيق أهدافه، فمنذ ظهور دار التقريب بالقاهرة سنة 1947 ظهرت عدّة مؤسسات أخذت على عاتقها مهمّة نشر الفكر التقريبيّ وتحقيق التواصل بين المسلمين، ولكنّ أغلب هذه المؤسّسات لم توفّق في تذليل الصّعوبات التي تحول دون التواصل الإسلامي-الإسلامي البنّاء، فبعض هذه التجارب دخل إلى التقريب من باب المجاملات والبروتوكولات، ومؤسسات أخرى اعتمدت التقريب للتزيّن وربّما للتكسّب، وغابت في بعض التجارب ثقافة المؤسسات ذاتها، فهيمن على النشاط التقريبيّ داخل المؤسسة أفراد، انتهى التقريب بنهايتهم موتاً أو انسحاباً.
ومن بين المشاكل التي تعرقل مسالك التواصل بين الجماعات الدينيّة والثقافية والمذهبيّة تلك المتعلّقة بطبيعة المداخل التواصلية المعتمدة، ويظلّ مدخل الثقافة المدخل الأكثر أمناً واستقراراً وإفادة، ونحتاج اليوم -كما نبّه إلى ذلك سمير سليمان في عدّة مواضع- تواصلاً ثقافيًّا بين المسلمين يجدّد العهد مع جماعة التقريب بالقاهرة التي نادت بالتقريب الثقافيّ، فالثقافة لغة معتدلة وخطاب مفتوح يقوم على التعدّد والتنوّع والاختلاف ويمكن أن يكون قاعدة ينطلق منها الحوار ويتحقّق من خلالها التواصل.
رحم الله الدكتور سمير سليمان، كان مثالاً للتواصل الثقافي في أبعاده المختلفة، ونحن على يقين بأنّ منشوده سيستحيل موجوداً، وأنّ حلمه سيتحقّق، وأن ثقافة الاعتدال والتواصل والتعاون ستسود وإن هبّت هنا وهناك رياح التشدّد والإقصاء، وكفاه فخراً أنّه كان ممّن «يشقُّون أمواج الفتن بسفن النجاة»
[1] طبع هذا الكتاب عدّة طبعات، لعلّ أهمّها طبعة دار الوسيلة، بيروت، 1993. والكتاب ترجم إلى اللغة الفارسية وصدر بها سنة 1995.
[2] صدر الكتاب عن دار الحق ، بيروت سنة 2005.
[3] المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق - بيروت، 1999.
[4] مجلة «الثقافة الإسلامية» - دمشق، العدد 61، أيار - حزيران 1995.
[5] مجلة «الثقافة الإسلامية»، دمشق - العدد 62، تموز – آب 1995.
[6] مجلة «العراق اليوم»- بيروت- كانون الأول 2009.
[7] مجلة «العراق اليوم»- بيروت- تشرين الثاني/ كانون الأول 2010.
[8] كتاب «التوحيد» رقم (2) - دار «مجلة التوحيد» - طهران، 1995
[9] المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية - طهران، 2006.
[10] جماعي - (إشراف وتأليف) - مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق - بيروت، 1994.
[11] المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية - طهران وبيروت 2010. مجلدان (حازت جائزة المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة عن أفضل كتاب للعام 2009-2010.)
[12] منظمة الإعلام الإسلامي - طهران 2004.
[13] مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، بيروت، 1995.
[14] مجلة «الثقافة الإسلامية»، دمشق، العدد (5) 1986.
[15] مجلة «المنطلق» بيروت، العدد 35 – أيلول 1987.
[16] مجلة «العرفان» بيروت - العددان (3-4-5) 1987 و (6-7-8) ، 1987
[17] مجلة «الثقافة الاسلامية»-دمشق- العدد 17، 1988.
[18] مجلة «المنطلق» - بيروت – العدد 50- كانون الثاني 1989.
[19] مجلة المنطلق» بيروت - العدد 31 - تشرين الأول 1986.
[20] مجلة «العرفان»، بيروت، العددان: (5-6) و (7-8) 1986.
[21] مجلة «المنطلق» – بيروت، العدد 37- تشرين الثاني 1987.
[22] انظر:
* Ali Ben Bbarek - dialogue Islamo-Islamique: quel défi? (Du dialogue au dialogisme), Le Débat, n1, 2010, pp 99 - 112 «Moheiddine el kilibi» l’un des pionniers (bâtisseurs) de la question du rapprochement dans l’Islam moderne, in Le Débat,N 3, Avril 2010.
[23] انظر:
* Samir SLEIMAN; Vous et Le Débat; Le Débat, n1, Automne 2009, pp 2 - 10.
[24] سمير سليمان، المصدر نفسه ، ص4.
[25] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, Le Débat, n2, Hiver 2010, p2.
[26] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, Le Débat, n2, Hiver 2010 , p4.
[27] تأسست جامعة التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة سنة 1947، وترأس هذه الجماعة محمد علي علوبة باشا (تـ 1375 هـ، 1956) وقادها مجموعة من العلماء من قبيل عبد المجيد سليم (تـ 1374هـ، 1955 ) و محمد مصطفى المراغي (1364هـ، ، 1945م) ومصطفى عبد الرازق (تـ 1366هـ، 1946م) محمود شلتوت (تـ 1383هـ ، 1963م) و محمد المدني (تـ 1388 هـ ، 1968م) وعلي الخفيف (تـ 1398هـ، 1891 – 1978م) و عبد العزيز عيسى (تـ 1415هـ، 1994م) وآية الله آغا حسين البروجردي، محمد تقي الدين القمي، ومحمد آل حسين آل كاشف الغطاء، وشرف الدين الموسوي، ومحمد جواد مغنية، وصدر الدين شرف الدين.... وتولّى محمد تقي القمّي الأمانة العامة للجماعة. وأصدرت مجلة «رسالة الإسلام».
[28] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, Le Débat, n2, Hiver 2010, p4.
[29] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, Le Débat, n2, Hiver 2010, p4.
[30] انعقد المؤتمر الثالث والعشرون للوحدة الإسلامية بطهران بين 2 و4 مارس 2010، وينعقد هذا المؤتمر سنويًّا من قبل المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية بمناسبة المولد النبوي وأسبوع الوحدة الإسلامية.
[31] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, Le Débat, n3, Printemp, 2010, p3.
[32] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, Le Débat, n3, Printemp, 2010, p4.
[33] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, Le Débat, n3, Printemp, 2010, p4.
[34] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, Le Débat, n3, Printemp, 2010, p4.
[35] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, La flotte de la liberté et la vision du monde, Le Débat, n4,été, 2010, p3.
[36] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, La flotte de la liberté et la vision du monde, Le Débat, n4,été, 2010, p3.
[37] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, La flotte de la liberté et la vision du monde, Le Débat, n4,été, 2010, p3.
[38] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, La flotte de la liberté et la vision du monde, Le Débat, n4,été, 2010, pp3 - 4.
[39] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, La flotte de la liberté et la vision du monde, Le Débat, n4,été, 2010, p4.
[40] انعقدت هذه الندوة ببيت الحكمة بتونس يومي 1و2 نوفمبر 2010، نظمتها جامعة الزيتونة.
[41] انعقدت أيّام 11 و12 و13 ديسمبر 2010، نظمتها وزارة الثقافة الجزائريّة.
[42] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, Les révoltes arabes: La surprise non surprenante et les nouveaux modèles de changement, Le Débat, n7, Printemps, 2011, p2.
[43] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, Les révoltes arabes: La surprise non surprenante et les nouveaux modèles de changement, Le Débat, n7, Printemps, 2011, p3.
[44] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, Les révoltes arabes: La surprise non surprenante et les nouveaux modèles de changement, Le Débat, n7, Printemps, 2011, p4.
[45] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, Les révoltes arabes: La surprise non surprenante et les nouveaux modèles de changement, Le Débat, n7, Printemps, 2011, p5.
[46] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, Les révoltes arabes: La surprise non surprenante et les nouveaux modèles de changement, Le Débat, n7, Printemps, 2011, p5.
[47] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, La Tunisie Révolution en position debout, Le Débat, n8, été, 2011, p2.
[48] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, La Tunisie Révolution en position debout, Le Débat, n8, été, 2011, p2.
[49] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, La Tunisie Révolution en position debout, Le Débat, n8, été, 2011, p3.
[50] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, La Tunisie Révolution en position debout, Le Débat, n8, été, 2011, p3.
[51] انتضم مؤتمر الحج بتونس العاصمة أيّام 23 و24 سبتمبر 2011 من قبل الرابطة التونسية للتسامح، وكانت للدكتور سمير سليمان مشاركة فعّالة في هذا المؤتمر.
[52] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, La Tunisie Révolution en position debout, Le Débat, n8, été, 2011, p2.
[53] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, «Le printemps arabe» entre les pièges des discordes et la résonnances de la démocratie, Le Débat, n10, Hiver, 2012, p3.
[54] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, «Le printemps arabe» entre les pièges des discordes et la résonnances de la démocratie, Le Débat, n10, Hiver, 2012, p4.
[55] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial, La 20 ème conférence de rapprochement entre les écoles islamiques: Une conférence exclusive de réévaluation, Le Débat, n11, Printemps 2012, pp 2 - 6
[56] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial,Citoyenneté et conflits mondiaux, Le Débat, n12, été2012 ,p2.
[57] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial,Citoyenneté et conflits mondiaux, Le Débat, n12, été 2012 ,pp3 - 4.
[58] انظر:
* Samir SLEIMAN; Editorial,Citoyenneté et conflits mondiaux, Le Débat, n12, été2012 ,p4.
[59] انظر:
* Samir SLEIMAN; Islam de la résistance: unité du projet et de la nation-lecture selon la méthodologie civilisationnelle-la necessité évidente; Le Débat, n1, Automne 2009, pp 129 - 145.
[60] انظر:
* Samir SLEIMAN; Institutions du rapprochement entre école religieuses et religions: méthodologie de la séparation et de la liaison, et liaison, Le Débat, n3, Printemps 2010, pp 46 - 69.
[61] انظر:
* Samir SLEIMAN; Réforme, résistance et cohésion national- lecture de la méthode, Le Débat, n6, Hiver 2011, p23.
[62] انظر:
* Samir SLEIMAN ; Réforme, résistance et cohésion national- lecture de la méthode, Le Débat, n6, Hiver 2011, p26.
[63] انظر:
* Samir SLEIMAN; Réforme, résistance et cohésion national- lecture de la méthode, Le Débat, n6, Hiver 2011, p30.
[64] أشرفت على تنظيم هذه الندوة وحدة البحث حوار الثقافات بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعيّة، وانعقدت الندوة بين أيام 16-17 -18 أفريل 2009، وشارك فيها الدكتور سمير سليمان بورقة علميّة عنوانها «علائقية العالم الإسلامي والغرب - جدلية الذات والآخر والمستقبل».
[65] نظّمت هذه الندوة وحدةالقرآن بالمعهد العالي لأصول الدين /جامعة الزّيتونة بالاشتراك مع بيت الحكمة بقرطاج، 1-2 نوفمبر 2010.
[66] الندوة الدولية العلمية الرابعة «حوار الثقافات»، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، وحدة البحث «حوار الثقافات»، 21-23 أفريل 2011 ، وشارك فيها سمير سليمان بورقة علمية عنوانها: «مؤسسات التقريب المذهبي.. منهجيات الفصل والوصل والمستقبل.
[67] انظر:
* Dialogue avec le cheikh Rached al-Gannouchi, prédedent du mouvement Nahdha, Le Débat, n8, été 2011, pp 7 - 20
[68] انتظم مؤتمر الحج بتونس العاصمة أيّام 23 و24 سبتمبر 2011 من قبل الرابطة التونسية للتسامح، وكانت للدكتور سمير سليمان مشاركة فعّالة في هذا المؤتمر.