شعار الموقع

القيم وجدل الكوني والخصوصي في سياق العولمة

يحيى عالم 2019-06-03
عدد القراءات « 869 »

القيم وجدل الكوني والخصوصي

في سياق العولمة

يحيى عالم*

* كاتب وباحث في الدراسات القرآنية ومهتم بقضايا الفكر والحضارة، من المغرب. البريد الإلكتروني: alem.yahya1987@gmail.com

 

 

مقدمة

يعد مبحث القيم من أكثر المباحث تعقيدًا في سياقنا الفكري والاجتماعي المعاصر، وقد حدث جدل طويل بشأن القيم، وصاحب ذلك أسئلة ستبقى عالقة؛ لأن القيم متعلقة بالبعد الرمزي في الإنسان، وكذا لطبيعة النظم والخلفيات المعرفية التي تتأسس على منوالها قيم كل حوض حضاري معين والأخلاق الناظمة لسلوك الإنسان والمجتمع معًا؛ فبين الغرب والشرق أمم وحضارات وتاريخ عريق يختلف من حيث اختلاف الأسس والمرتكزات التي ينتظم على منوالها كل أنموذج، وكذلك صيرورات مختلف بعضها عن بعض، إلى جانب عوامل فكرية وطبيعة استشكالات مختلفة.

فالغرب رغم أنه مسيحي الديانة إن جاز بهذا التصنيف، لكن أشرعته بحكم الحداثة التي ولجها وما بعد الحداثة التي أضحى عليها الآن تبقى مفتوحة على كل الخيارات الممكنة والمتاحة، خصوصًا في جدل الدين والعقل حينما بدأ الغرب يتلمس طريقه نحو النهوض، فكان الصراع عنيفًا بين العقل والدين متجسدًا في وصاية الكنيسة، انتهت بالخلاص من الوصاية الكنسية، لكن صيرورة العقلانية الأداتية سيكون لها أثر على المدى البعيد في طبيعة رؤية الإنسان الغربي للعالم، وكذا المستندات المسهمة في تشكيل رؤاه، لا سيما مع بروز ما سمي بأزمة المعنى التي انتهى إليها الأنموذج الغربي في صيغة ما بعد الحداثة.

وعلى الجانب المقابل من السياق الغربي فإن الشرق، رغم تخلفه الحضاري فإن البعد القيمي لا زال جزءًا من الموروث الثقافي ويشكل قاعدة صلبة تضبط تفكيره، ولم يعرف نوع القطائع التي مر منها الغرب لطبيعة الاختلاف في السياقات، وهو ما جعل الاختلاف يبقى بارزًا بين المنظورين في التأسيس لنظام القيم وطريقة التفاعل معه وتفعيله في قضايا الاجتماع والسياسية بالنسبة للفرد أو الجماعة، المجتمع أو الدول والأمة، في الفكر والنظر أو السلوك والعمل.

فما هي القيم؟ وما هي منظورات القيم؟ وما طبيعة الجدل بين الخصوصي والكوني من القيم في سياق العولمة؟

-1-
مفهوم القيم: التعريف وسياق النشأة والانتشار

أ- تعريف القيم

1- القيم في اللغة

القيمة واحدة القيم[1]، وأصله الواو لأنه يقوم مقام الشيء فنقول (قوم)، وقد عد ابن منظور القيم مصدر كذلك، ويأتي بمعان ودلالات لغوية عدة نحصرها في التالي:

1- الاستقامة والاعتدال: ومنه يقول الله عز وجل: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ}، أي في التوجه إليه دون الآلهة. وقومت الشيء فهو قويم، أي مستقيم[2]، وقومته عدلته فهو قويم ومستقيم كما جاء في القاموس المحيط؛ وكذا جاء في لسان العرب: «وفي الحديث أتاني ملك فقال: أنت قيم وخلقك قيم؛ أي مستقيم حسن. وفي الحديث: ذلك الدين القيم أي المستقيم الذي لا زيغ فيه ولا ميل عن الحق. وقوله تعالى: {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}؛ أي مستقيمة تبين الحق من الباطل على استواء وبرهان. وقوله تعالى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}، أي دين الأمة القيمة بالحق، ويجوز أن يكون دين الملة المستقيمة؛ والملة القيمة: المعتدلة، والأمة القيمة كذلك؛ قال اللحياني: وقد قرئ: دينًا قيمًا؛ أي مستقيما. قال أبو إسحاق: القيم هو المستقيم»[3]، واعتبر صاحب الصحاح أن {ذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} تعني الملة الحنيفية».

ومما ينبغي الإشارة إليه هنا قبل الانتقال من هذا المعنى أن القيم مصدر كذلك عند ابن منظور، «والقيم: مصدر كالصغر والكبر إلَّا أنه لم يقل قوم (بكسر القاف والتنوين بالضم لحرف الميم) مثل قوله: {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا}؛ لأن قيمًا من قولك قام قيمًا، وقام كان في الأصل قَوَمَ أو قوُمَ، فصار قام فاعتل قيم، وأما حول فهو على أنه جار على غير فعل؛ وقال الزجاج: قيمًا مصدر كالصغر والكبر، وكذلك دين قويم وقوام.

ويقال: رمح قويم وقوام وقويم أي مستقيم؛ وأنشد ابن بري لكعب بن زهير:

فهم ضربوكم حين جرتم عن الهدى

بأسيافهم، حتى استقمتم على القيم

وقال حسان:

أشهد أنك عند المليك،

أرسلت حقا بدينٍ قِيمْ

قال: إلَّا أن القيم مصدر بمعنى الاستقامة»[4].

2- العدل والحسن: جاء عند صاحب الصحاح «والقوام: العدل، قال تعالى: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}، وقوام الرجل أيضًا: قامته وحسن طوله، والقومية مثله[5].

3- نظام الشيء وعماده والأساس الذي يقوم عليه: يقال: فلان قوام أهل بيته وقيام أهل بيته، وهو الذي يقيم شأنهم، ومنه قوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}، وقوام الأمر أيضًا: ملاكه الذي يقوم به، والقامة: البكرة بأداتها، والجمع قيم»[6].

4- الثبات والتمسك: ومنه كما عند ابن منظور «القائم بالدين: المستمسك به الثابت عليه. وفي الحديث: إن حكيم بن حزام قال: بايعت رسول الله K، ألَّا أخرَّ إلَّا قائمًا؛ قال له النبي K: أما من قِبَلنا فلا تخرَّ إلَّا قائمًا، أي لسنا ندعوك ولا نبايعك إلَّا قائمًا، أي على الحق؛ قال أبو عبيد: معناه بايعت ألَّا أموت إلَّا ثابتًا على الإسلام والتمسك به. وكل من ثبت على شيء وتمسك به فهو قائم عليه»[7].

5- ثمن الشيء وما يناسبه: ونقول ما ثمن الشيء، ومنه تقويم السلعة.

6- السيد الذي يسوس الجماعة ويتقدمها ويقوم بشؤونها: وهو القيّم وقيّم المرأة زوجها.

2- القيم في الاصطلاح

إن موضوعة القيم من أشد المواضيع التباسًا وتعقيدًا في السياق المعاصر، ولذلك يصعب علينا إيجاد تعريف موحد وجامع للقيم، فيكاد كل من كتب في القيم، أو كل المجالات التي تحتك بالقضايا القيمية وتعترض سبيلها، من اقتصاد وفلسفة واجتماع ومختلف العلوم الإنسانية تصوغ تعريفًا للقيم، فالتعاريف متعددة بتعدد مجالات البحث والتنقيب، لذلك سنقف مع بعضها مما وقع في أيدينا لنخلص بتعريف خاص للقيم.

لقد ورد في الموسوعة العربية لعلم الاجتماع تعريف على الشكل التالي «القيم (valeurs) المعتقدات التي يتمسك بها الإنسان بالنسبة للوسائل والغايات وأشكال السلوك المفضلة باعتبار أنها تنظّم العلاقات الإنسانية، وتوجّه المشاعر والتفكير والمواقف والتصرف والاختيارات والطموح والآمال، وتحدد هوية الإنسان ومعنى وجوده... بهذا تشكّل القيم مقاييس توجه سلوكنا في الحياة اليومية فنعتمدها في إصدار الأحكام والمقارنات والاختيار بين بدائل في تحديد المناهج والوسائل والغايات»[8].

ولا يغفل الدكتور محمد عابد الجابري عن التعقيد في وضع حد لمفهوم القيم، خصوصًا حينما نصلها بموضوع الأخلاق الذي يعد بدوره جدّ معقد، فالقيم تشكل جوهر الأخلاق من منظور الجابري، ويقول في محاولة منه لوضع تعريف للمفهوم: «إن نظام القيم ليس مجرد خصال حميدة أو غير حميدة، يتصف بها الفرد فتكون خلقًا له، بل هو بالدرجة الأولى معايير للسلوك الاجتماعي والتدبير السياسي ومحددات لرؤية العالم واستشراف المطلق»[9].

ويشير الدكتور محمد الكتاني إلى تعريف لمفهوم القيم بعد أن وقف مع تناقضاتها مطولًا، ويعتبرها «الوصف الذي يكتسبه الباعث على إنجاز فعل من الأفعال، بحيث يسد حاجات الإنسان الضرورية أو الكمالية، أو من حيث يطلب كوسيلة لتحقيق غاية أخرى، أو من حيث يعد تحقيقه مطلوبًا لذاته»[10]، ويضيف الكتاني مفصلًا «فهناك إذن المنفعة، وهناك اللذة والمتعة، وهناك الرضا النفسي وراحة الضمير. وأسمى القيم ما يعد منها مرغوبًا فيه لذاته لا لأمر آخر»[11].

ومن كبار فلاسفة الأخلاق، الذين أسهموا في التأسيس لنظرة جديدة لموضوع القيم وفلسفة الأخلاق، نجد الدكتور طه عبد الرحمن في أواخر كتبه يعرف القيم[12] بقوله: «اعلم أن القيمة هي معنى خفي يجده الإنسان في قلبه ولا يدركه بحسه، لكن، مع وجود هذا الخفاء، يبقى هذا المعنى هو الذي يهديه في حياته ويرقى بإنسانيته؛ أو بصيغة أوجز، إن القيم هي عبارة عن معانٍ فطرية هادية وسامية»[13].

كما أن للأستاذ محمد الطلابي تعريفًا طريفًا للقيم، حاول استحضار العناصر التي تشكّل القيم وكذا وظائفها، فالقيم في رأيه هي «مجموعة من العقائد الدينية أو الفلسفية المفضلة عند شعب ما أو حضارة ما، وعندما تصبح قيمًا مفضلة فإنها تتحول إلى أسلوب للحياة، تحدد لنا تصورنا للكون والطبيعة وللتاريخ وتصورنا للوجود، بل تحدد لنا حتى أذواقنا ومظاهرنا وسلوكنا العام. وبالتالي فالقيم حينما تتحول إلى مرجعية عليا تصبح نمط حياة»[14].

فالقيم إذن هي «حزمة من الضوابط والمعاني الدينية والفلسفية المتسمة بالحسن والثبات، والباعثة على حسن الاستقامة في التفكير والسلوك، فهي عماد توازن الفرد والمجتمع».

-2-
ظروف وسياق نشأة القيم

أ- ظروف وسياق النشأة

كان مبحث القيم بمضامينه ومعانيه حاضرًا في السابق داخل التراث الإسلامي وفي العلاقات الاجتماعية، وموجهًا لكل الأنماط والتعبيرات الثقافية، فكانت أسس الأخلاق ومنطلقات الشريعة ومبادئ الدين حاكمة وضابطة لسلوك الأفراد والجماعات، ومنظمة للعلاقات، وبذلك المعنى اعتبرت القيم الدينية مرجعية لازمة في التفكير والعمل حتى وإن لم تتخذ مسمى القيم أو المنظومة القيمية بحسب الاصطلاحات المعاصرة، فحقيقة القيم بتجلياتها المعاصرة نجد لها حضورًا قويًا في تراثنا مع تسجيل غياب مفهوم القيم بمدلوله المعاصر وذات الحمولة الثقافية والرمزية[15] الذي سيظهر كمفهوم مع السياق الغربي، ومنه سينتشر ويتسع مجال استعماله وتداوله.

فسياق نشأة مفهوم القيم وظهوره في مجال العلوم الإنسانية أتى وفق صيرورة اجتماعية وفكرية عاشها المجتمع الأوروبي برمته يقتضي التوقف معها والإشارة إليها، فتداخلت التحولات الثقافية والمعرفية بحوادث السياسة والاجتماع الذي عرف تحولات جذرية؛ وكانت القيم في صلب هاته التحولات، بحيث يمكن اعتبار جل التحولات الطارئة على العقل والبيئة الأوروبية هو تغيراً أولًا في طبيعة النظام القيمي الذي كان ينظم المجتمع والإنسان الأوروبي ويشكل تصوره للوجود برمته، فحدث نوع من القطيعة مع نظام قيمي كانت له سمات يحضر فيها المقدس بشكل من الأشكال، ليستبدل بنظام قيمي منفصل تماما عن البعد الغيبي والمتجاوز للطبيعة.

إن السياقات الكبرى التي نتحدث عنها التي قادها رواد فلسفة التنوير هي التي أنتجت لنا مرحلة الحداثة، وهي عصر القطائع الكبرى في تاريخ الفكر والعقل الغربي الحديث الذي أعيد صياغته على أسس جديدة، أقصت البعد الغائي وانفصلت عن الروح الدينية ليحل محلها التفكير العقلاني والنزعة العلمية والتجريبية فيما بعد، والتي ستنظر إلى المجتمع الإنساني وفق مقاييس العقل وحده والتفكير العلمي المتلحف بدعوى الموضوعية، الشعار الجديد، والذي احتلت فيه التقنية موقعًا مركزيًّا في الاجتماع الإنساني، وهو الذي شخّصه آلان تورين بكثير من الدقة، حيث اعتبر «خصوصية الفكر الغربي في لحظة تطابقه القصوى مع الحداثة تتمثل في كونه أراد أن ينتقل من الدور الأساسي المعترف به للعقلنة إلى الفكرة الأكثر رحابة لمجتمع عقلاني، حيث لا يقود فيه العقل النشاط العلمي والتقني فقط، بل يحكم فيه الناس أيضًا بقدر ما يدير فيه الأشياء (...) لقد تخيّل هذا التصور المجتمع أحيانًا بمثابة نظام، هندسة معمارية قائمة على الحساب. وأحيانًا جعل من العقل أداة في خدمة مصلحة ومتعة الأفراد. وأخيرًا، فقد استخدمه بمثابة سلاح نقدي ضد كل السلطات، وذلك من أجل تحرير(طبيعة إنسانية) كانت قد سحقتها السلطة الدينية»[16].

فالعقل وحده سيستأثر بتنظيم حياة الفرد والجماعة ولا سلطة على الإنسان والمجتمع لغير العقل، فالمجتمع الإنساني سيتحرر -في تصور هذا المنظور- من أي مؤثرات خارجية في تنظيم علاقات أفراده وتوجيههم أخلاقيًّا أو فكريًّا، وسيترك للمجتمع أن ينظم ذاته بذاته، «إن فكرة كون المجتمع هو ينبوع القيم، وأن الخير هو ما ينفع المجتمع، والشر هو ما يخل بتكامليته وبفعاليته، فكرة أساسية في الأيديولوجية الكلاسيكية للحداثة».

وهكذا ألَّهت الفلسفة العقل حين «وضعت على كاهله مسؤولية إنتاج المعنى وإنتاج القيم وإنتاج معنى الحياة، وهذا ما لا يستطيع العقل أن يؤسسه»[17].

إن هذا السياق الذي برز فيه نجم الحداثة الغربية وفق معطيات المجتمع الغربي والتحولات التي عرفها هذا الأخير، سيكون له التأثير في مسارات الفكر والواقع الاجتماعي والإنساني، والذي سيجعل مبحث القيم يطفوا إلى السطح كأهم المباحث التي ستهتم بها مختلف حقول المعرفة الإنسانية، حيث سيجعل هذا الفكر أحد أهم أسسه كما سلف مع آلان تورين، وكما عبر عنه الفيلسوف طه عبدالرحمن بمقولتيه، في كتابه الذي خصّصه لنقد العقل الأخلاقي الغربي «لا أخلاق في العلم» و«لا غيب في العقل»[18]، وهما بمثابة متلازمتين تصوغان إحدى أهم خلاصات تلك المرحلة التي ستعجّل بظهور مبحث القيم.

ب- انتشار المفهوم ومجالات تداوله من الاقتصاد والتجارة إلى العلوم والمعارف والتدبير الاجتماعي والسياسي

تعددت القيم وتنوعت مقارباتها بحسب المجال المعرفي والحقل الذي يتم مقاربته ضمنه ومن خلاله، ونجدها على النحو التالي «القيم الاقتصادية، والحقوقية (التي تتجسد في الحق بصورة عامة، وهي القواعد القائمة والمسلم بها في مختلف المجتمعات لتنظيم ومراقبة علاقات الناس فيما بينهم)، والقيم الخلقية والمعنوية على الصعيدين الشخصي والاجتماعي، والقيم السياسية التي ترتبط بالخير العام الدنيوي وبأنماط تحققه، والقيم الثقافية وهي جميع القيم التي على صعيد الثقافة تعطي قيمة للبشر، وهي تستند إلى أن تكون الحياة الإنسانية من وجهات النظر المختلفة الأدبية، والعلمية، والتقنية والفنية، والقيم الدينية التي ترتبط بالمدلول الكلي وأسمى الأهداف المعطاة للوجود وبممارسة أسمى الملكات الروحية وفي صلة شخصية مع الألوهية»[19].

ولقد برز مفهوم القيمة أول الأمر في مجال الاقتصاد التي تعني فيه «الموقع النسبي لسلعة ما على سلم الأفضليات، وكلما ارتفع موقع القيمة زادت أهميتها»[20]؛ لينتشر بعد ذلك إلى مختلف المجالات المعرفية والعلوم الأخرى مع تردد في القبول به.

ويشير الجابري إلى انتقال مفهوم القيم من مجال الاقتصاد والتجارة إلى غيرها من قضايا الاجتماع والأخلاق في المجال التداولي الغربي، بقوله: «نستطيع أن ندَّعي أن لفظ قيم لا علاقة له بالمثل الأخلاقية والاجتماعية، ما دامت قيم الأشياء مستقلة عن إرادة الأفراد ومساواتهم وبالتالي ثابتة أو شبه ثابتة، ومع ذلك فهذه النقلة بالمعنى التجاري الاقتصادي للفظ القيم إلى المعنى الأخلاقي لا يبدو أنها تمت داخل المجال التداولي العربي، بل ربما نقلت هذا النقلة من خلال الترجمة من اللغات الأجنبية التي تم فيها بالفعل بمعنى القيم معناها الاقتصادي إلى المعنى الأخلاقي فأصبحت ترادف الفضائل قبل أن تحل محلها»[21].

هاته الصيرورة التي عرفها مفهوم القيمة، والانتشار الذي عرفه منذ ظهوره في العلوم الاجتماعية في مستهل القرن العشرين، كان محدودًا وظل «دون تأثير يذكر إلى غاية الثلاثينيات. لكن الوضع أخذ يتطور مع مطلع الخمسينيات حيث ظهر تيار ينادي بالتفتح من جديد على موضوع القيم لدراستها وتحليل مقدماتها الأخلاقية، وما يترتب عنها من استنتاجات ونتائج»[22].

هكذا انتقل مفهوم القيمة من مجال الاقتصاد باعتباره الحقل الأول الذي برز توظيف المفهوم ضمنه، إلى مجال الأنثروبولوجيا «على أثر التطورات التي شهدتها الإناسة، خاصة في البلدان الأنجلو أمريكية ابتداء من النصف الثاني من القرن العشرين، واهتمامًا أكثر فأكثر بالمجتمعات المتحضرة، أخذ الإناسيون يوظفون مفهوم «القيمة» أو ما يقاربه من معانٍ وأفكار، غير أن الملاحظ هنا هو (تأثير النماذج الثقافية) والتركيز على ثقافة بعينها، والتوجه نحو مواضيع مخصوصة»[23].

ويستمر بلفقيه في رصد هذا التعاطي المعرفي مع القيمة في كل المجالات المعرفية قبولًا ورفضًا، إلى أن استقر الطابع المركزي للقيم في مختلف المجالات المعرفية؛ ولأن المجال الاجتماعي أكثر المجالات تأثرًا بالقيمة فإنه حدث ثم النظر إلى كل هاته القيم السابقة ضمن نظام القيم الاجتماعية والمؤثرة في الفعل الاجتماعي، ولم ينظر إلى المجال الاجتماعي باعتباره متأثر بالقيم، «حينما نربط القيمة بالعلوم الاجتماعية نجد الباحثين يتحدثون عن القيم الاجتماعية؛ وهم يعنون به «الصفات التي يفضلها أو يرغب فيها الناس في ثقافة معينة وتتخذ صفة العمومية بالنسبة لجميع الأفراد، كما تصبح من موجهات السلوك أو تعتبر أهدافا له». و«بالمعنى الأضيق، يقصد في بعض الأحيان بالقيم الاجتماعية، القيم الأخلاقية، والثقافية، والدينية التي تيسر الاندماج الاجتماعي وتنمي روابط التعاون. وبهذا المعنى يكون العدل، وحب البشر والإيثار على النفس والدماثة... إلخ، قيما اجتماعية».

وهكذا، «لا تبدو القيم الاجتماعية كقيم موضوعية، بل كقيم ذاتية عامة، أو لنقل كقيم ذاتية مشتركة. وباختصار فإن القيمة تتحرك بتحرك السياق الذي تظهر فيه»»[24].

ويقف الدكتور محمد بلفقيه مع التحليل السابق بخصوص القيم الاجتماعية، الذي يقول به كل من فيبر و تالكوت بارسونز، ويعتبر ذلك مثيرًا لإشكالات «تتجسد في ثنائيات: هدف الفعل وغايته، نسبية القيم وإطلاقيتها الحكم القيمي والموقف من القيمة. فعلى الأولى -يقول بلفقيه- يتم التمييز اليوم، كما فعل بياجي، بين (القيمية الغائية) و(القيمة العائد). وعلى الثنائية الثانية والثالثة تقرر الفصل بين ما هو معياري (الحكم القيمي)، -يجب الاحتراز من تسلسله الى التحليل العلمي-؛ وما هو منهاجي (الموقف من القيمة) يأخذ بعين الاعتبار من جهة القيم السائدة في زمن الفعل المدروس بغية تفسيره، ومن جهة ثانية موقف الباحث من القسم السائد في زمانه»[25].

وما عبر عنه سالفًا، فإنه يمكن القول بأن القيم في البحث السوسيولوجي ماثلة منذ النشأة لهذا العلم، فهو بكل «فروعه يهتم بالقضايا القيمية، وقد تصدى الكثيرون من الكتّاب الكلاسيكيين ومن أبرزهم إميل دوركايم وماكس فيبر لمناقشة دور القيم في البحث الاجتماعي بشيء من التفصيل».

وقد جرى نقاش طويل عن مدى حيادية الباحث الاجتماعي في مقاربته لقضايا القيم من داخل المجتمع وموضوعيته «ويمكن القول عن هذه المناقشات المعرفية عن دور القيم في العلوم الاجتماعية يمكن أن تمس البحث السوسيولوجي على ثلاث مراحل. المراحل الأولى: عند اتخاذ قرار دراسة موضوع معين كالدين أو الجنسية المثلية، حيث تثار قضايا الدلالة القيمية. المرحلة الثانية: عند التنفيذ الفعلي للدراسة، حيث تثار قضايا التحيز، والحياد القيمي، والموضوعية. وأخيرا المرحلة الثالثة: في تأثيرات نظريات أو بحوث معينة على المجتمع، حيث تثار قضية «الآثار القيمية». ونلاحظ في الواقع أن غالبية علماء الاجتماع مقتنعون بأن مثل هذه التقسيمات الحادة لا يمكن إجراؤها بسهولة ويقرون بأن القضايا القيمية المختلف تتداخل مع بعضها بعضًا»[26].

وهناك في موازاة هذا الرأي الذي يقول بعدم الإمكان من تجرد الإنسان من تحيزاته، نجد الوضعية الفلسفية التي تقول بضرورة تحرر العلوم -كل العلوم- بما فيها الاجتماعية من التحيزات القيمية والميولات الذاتية؛ وواقع الأمر كما أكدته الموسوعة سابقًا أن مقاربة قضايا القيم في المجتمع وقياسها لا يمكن أن يكون في معزل عن تأثره بالأخلاق والقيم وشؤون السياسة والمجتمع، بل إن أحد رواد السوسيولوجيا الكلاسيكية، وهو ماكس فيبر، اعتبر نظام القيم الدينية وما يخلقه من حوافز للفرد تدفعه للعمل والفعالية، وهو ما شكل ثروة رمزية استند عليها قيام وتشكل النظام الرأسمالي؛ ولم يكن فيبر وحده الذي استند إلى نظام القيم في تفسير الظاهرة الإنسانية والاجتماعية، بل هناك الكثير من العلماء والمفكرين من مختلف الحقول المعرفية لم تغفل عن البعد القيمي في تفسير العديد من الظواهر أو استشراف حلول لأزمات اجتماعية حادة بفعل التغيرات التي دخلتها الحضارة الإنسانية نتيجة سيطرة النموذج الغربي باعتباره الأنموذج الأقوى، فالسائد هو الأقوى وليس الأصلح، وخلف القوة -الأقوى- نظام من القيم ومرتكزات يستند عليها، وكذلك خلف الأصلح نظام ومرتكزات توجهه، وذلك ما يحتاج رصدًا يبحث في الكامن الأنموذجين الحضاريين.

-3-
أسس القيم والعولمة وجدل الخصوصي والكوني

الأسس الناظمة للقيم بين الفكر الغربي والمنظور الإسلامي

1- أسس القيم في الفكر الغربي

أ- في تناقضات الغرب بين الخطاب والممارسة

سبق أن وقفنا بتأمل مع تعريف القيم وسياقات نشأة المفهوم وانتشاره في مختلف الحقول المعرفية؛ سياق النشأة الخاصة بالمجتمع والفكر الغربي، ثم انتقاله إلى مختلف الأحواض الحضارية لتستوعبه كل التشكيلات الثقافية، فمنها ما تم استيعاب المفهوم بشكله وروحه، وهناك من كان له مسافة نقدية في التفاعل مع مفهوم القيم والنقاش الدائر بشأنها خصوصًا في سياقنا الذي يتسم بكثير من التعقيد، فهو واقع شبيه باللغم الذي قد ينفجر في كل لحظة، ويبقى البعد القيمي أشد النقاط حساسية في الاحتكاك بين مختلف المنظومات والأنساق الفكرية والتعبيرات السياسية والثقافية، وهو كذلك لأن له صلة بالبعد الرمزي والمعنوي.

ولكم هي عنيفة الصراعات التي تعرفها البشرية حول الرمز والمقدس، ولكم من حروب تلبست لبوس الرمز والدين والقيم، ولكم من خراب عم بلدانا في القرن الماضي تحت غطاء نشر قيم المدنية والتحديث، في حين كان عمقه الاستيلاء على الثروات والخيرات وإحداث مزيد من الشرخ داخل كيان تلك البلدان لديمومة السيطرة عليها وتأبيد التخلف بها، وكل ذلك في تناقض صارخ مع قيم المدنية وفي تعبير واضح عن حقد متراكم عمّر قرونًا تتداخل الأسباب الدينية والتاريخية والسياسية التي تنتجه أو تغذيه.

ولكم من تلك الحروب ذاتها لا زالت تفتك بجسم دول باسم الديمقراطية والحريات، بينما تقف ذات الدول والأمم حائلا أمام انعطافات تاريخية نحو قيم الديمقراطية والحرية والمساواة والكرامة الإنسانية، لدى شعوب عمرت الميادين شهورًا ووقفت صامدة شيوخًا ونساءً وأطفالًا أمام الرصاص ودكتاتورية الكثير من النظم السياسية المحمية من طرف الغرب الرسمي، ومختلف تلك المطالب في جوهرها منظومة قيم تعتبر موجهة لعقل وفلسفة الأنوار التي نشأت وتبلورت في السياق الغربي، هذا الأخير الذي يقدم نفسه نبي العصر في التبشير بقيم لا تتجاوز حبر أوراق الخطب السياسية والتوجيه الإعلامي، بينما الواقع السياسي والاجتماعي يعكس تناقضًا جليًّا بين الخطاب والممارسة في أجرأة الكثير من القيم وتمثلها حقيقةً وواقعًا.

وغير بعيد عن الواقع السياسي والاجتماعي يمكن البحث والتأمل في الأسس التي تتشكل على منوالها القيم في الفكر الغربي، وفق صيرورة تطور هذا الفكر عبر مراحله حتى نبحث عن تفسير لهذا التناقض الواضع، أو ما يعبر عنه آخرون بالأزمة التي تطال البعد الفكري كذلك، فالتناقض الذي يتجلى في الممارسة سيكون له خلفية معرفية هي التي تؤسس لهذا التناقض، فسلامة النتائج من سلامة المقدمات.

ب- مرتكزات منظومة القيم في الفكر الغربي

سبق أن وقفنا مع الأنوار وطبيعة الرؤى التي تشكّلت حينذاك، فهي «قد شيدت رؤية جديدة للعالم وللإنسان وللمجتمع - عقلانية وفردانية وكونية»[27]، وذلك على أنقاض الرؤية التقليدية؛ وهاته الرؤية بلا شك ستكون حاكمة لما بعدها وموجهة لها وستكون القيم من ضمن ذلك، وقد تم النقد بإسهاب للعقل الغربي والمرتكزات التي يقوم عليها، ونأتي على توصيف أحد الباحثين لطبيعة هاته المرتكزات كما ذكرها محمد بلفقيه هي:

أولًا: «أن مركز الكون محايث له غير منفصل عنه، وأن علله التفسيرية كافية للوصول إلى الحقيقة دون الحاجة الى مصادر أخرى».

ثانيًا: «أن الإنسان هو سيد الكون، والمخول المطلق بالتصرف في إمكانات الطبيعة وفي بقية الموجودات [...] لكنه أرقاها في سلسلة التطور، وأعقدها في مستوى التركيب المادي، ومن ثم فهو أقدر على التحكم والسيطرة».

ثالثًا: «أن العقل هو أداة الإنسان الوحيدة لإدراك محيطه والكشف عن مجاهيل الطبيعة بما فيها كيانه الإنساني [...]. وإذا ما تعذرت معرفة بعض جوانب الطبيعة والإنسان، على الرغم من توافر الشروط المادية لمعرفتها، فإنه يتم إخراجها من دائرة الوجود أو على الأقل من دائرة الحضور في الوعي الإنساني».

رابعًا: «أن تاريخ الإنسان تقدمي ووحيد الاتجاه[28]، ولا غاية له غير اطّراد التقدم وتحقيق التكاثر على صعيد الإنتاج المادي والعملي، حتى تنبسط سيطرة الإنسان على مختلف المساحات».

خامسا: «أن المجتمع الغربي هو الحلقة الأكثر تطورا في أنماط المجتمع البشري، وأن هذا التطور يستوعب جوانب الحياة كافة [...] والعقلانية والعلمانية هما السمتان الغالبتان على منظومة القيم التي تسير[...] النظم ومؤسساتها الفرعية».

سادسا: «أن الطريق إلى الحداثة هو الطريق إلى الغرب [...] وذلك يعني أن تتجرد المجتمعات الطامحة إلى التحديث من ميراثها القيمي وتصوراتها الثقافية والدينية والأخلاقية»[29].

ويشير الفيلسوف طه عبدالرحمن لأصول النمط المعرفي الحديث بقوله «لقد قام النمط المعرفي الحديث منذ نشأته في مطلع القرن السابع عشر على أصلين اثنين يقضيان بقطع الصلة بصنفين من الاعتبارات التي يأخذ بها كل متدين.

أما الأصل الأول، فيمكن أن نصوغه كما يلي: «لا أخلاق في العلم»؛ مقتضى هذا الأصل أن لكل واحد أو جماعة أن يضع بنيان نظريته بحسب شاء من القرارات المعرفية والإجراءات المنهجية ما عدا أن يجعل فيها مكانا للاعتبارات التي تصدر عن التسليم بقيم معنوية مخصوصة أو عن العمل بقواعد سلوكية معينة.

وأما الأصل الثاني، فيمكن أن نصوغه كما يلي: «لا غيب في العقل»؛ مقتضى هذا الأصل أن لكل واحد_ أو جماعة_أن يركب من العلاقات ويقيم من البينات ما شاء ما عدا أن تكون بعض العناصر المرتبطة بهذه العلاقات أو الداخلة في البنيات لا تفيد تحقيقات التجربة الحسية ولا تقديرات العقل المجرد في الإحاطة بكنهها أو بوصفها»[30].

إن أصول التفكير السابقة التي ستنزع الإنسان والمجتمع عن أي تفكير يمكن أن يمنح الإنسان نوعًا من الثبات والتجاوز للحيز الذي رسمه عقل الحداثة في حدود الطبيعة إلى ما هو أبعد بحيث يكون للفعل الإنسان بعدًا غائيًّا وتحكمه بواعث ترتكز على احترام الإنسان وعدم هدر كرامته، ستؤدي بفعل التطور منتصف القرن الماضي إلى بروز مدارس جديدة تعتبر ردة فعل على نتائج الحادثة التي جعلت من أسس قيمًا العقلانية والحرية والفردانية والديمقراطية والمساواة.

لكنها كانت ردة فعل متطرفة، فبقدر ما نزعت نحو الاهتمام بالفرد من خلال تفكيك الوحدات التي استندت عليها الحداثة والأنساق والنظم والمرجعيات التي برزت في عصر الثورة الصناعية، فدخلنا عصر ما بعد الحداثة مع ما سمي مجتمع ما بعد الصناعة وهو عمليًّا مرحلة ثانية من الثورة الصناعية، والذي يسيطر فيه منطق السوق وتتحكم في أوصاله الشركات وتزداد كل الوحدات الاجتماعية تفككًا لصالح الفرد الذي يصبح أعزلَ في سياق ثورة معلوماتية هائلة ستجعل الإنسان يسبح في عالم لا شاطئ له دون منقذ أو حامي من تغوّل الشركات أو الدولة، أو النظام المعلوماتي ذاته.

وقد عبّر المسيري عن هذا المجتمع بكونه مجتمع يعرف سيولة شاملة ولا مكان فيه للقيم الغائية التي تنظم العلاقات الاجتماعية في مختلف تعبيراتها، وهنا في هذا السياق الذي انطلق بعد منتصف القرن الثاني وانعكس في الأدب والفن والفلسفة في رؤية تشاؤمية تنذر بنوع من الأسى الذي يكنّ الإنسان، ستبرز ظاهرة العولمة في نهايات القرن والتي ستصطحب معها أزمات حادة أخرى متعددة؛ وهنا صارت المجتمعات التي يشكل الدين عمودها الفقري بين المطرقة والسندان، بين أن تجدد في منظورها الفكري والقيمي وبين أن تتفاعل في ترشيد هاته الأزمات المتلاحقة التي سيكون أثرها على كل الإنسانية.

2- أسس القيم في المنظور الإسلامي

أ- الدين والقيم

قبل حديثنا عن الإسلام وكيف يؤسس للنظام القيمي نحن بحاجة إلى التوقف قليلًا مع مفهوم الدين وصلته بالقيم، وبعيدًا عن طبيعة النقاش الذي طرحناه في السابق عن كون الحداثة داخل المجتمعات الغربية أحدثت نوعاً من القطائع مع كل الموروث الذي كان يشكل عائقًا للتحول، بحيث كان الدين العنصر المحوري والخصم الأساسي لفكر التنوير، الذي على أنقاضه انبعثت أوروبا وتأسست العلوم الإنسانية والاجتماعية التي برز في حضنها مفهوم القيمة؛ فبعيدًا عن هذا التمثّل للدين فإن الواقع الإنساني يثبت أن الدين مصاحب للإنسان منذ الأزل وسيظل رفيقًا له، فالإنسان مفطور على التطلع الدائم للغيبيات، فهي الحامي له من كل المخاطر وهي الضابط والموجّه والتي لا يمكن للقيم أن تنشأ بعيدة عنها.

وقد رأينا كيف أن الفكر المعاصر بأوروبا الذي حاول أن يحدث نوع من القطيعة مع الدين، وكانت المقولة الشهيرة للثورة الفرنسية: «اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس» تعكس هذا الأنموذج، لم يستطع مجاراة ذلك، بحيث حدثت أزمات نتيجة انفصال كل من العلم والمعرفة والفن والأدب وكل مناشط الاجتماع الإنساني عن الأخلاق والقيم الغائية والدين، وسيطرة النزعة المادية والاستهلاكية، فأدّت تلك الأزمة في المعنى إلى إعادة إحياء التفكير الديني أو ما سماه أحدهم «الهجرة إلى الله».

إن للدين تأثير واضح في الواقع الإنساني، وإن حدث خلط في المسألة في التاريخ الأوروبي وبروز ما يسمى بعلمنة الدين أو أنسنته فيفقد بذلك أبعاده القدسية وسماته المطلقة والثابتة التي تصلح لأن توجه الفعل الإنساني وتضبط تحركاته من خلال منظومة قيم تتسم بسمات خاصة.

ويكون الإنسان بحاجة للبعد الديني في التأسيس للقيم المرجعية لاعتبارات أهمها ضرورة اتّسامها بسمات «الضرورة والشمول، وبالتالي أن ترجع إلى أصول فوق طبيعة العقل الإنساني، أصول ميتافيزيقية أو دينية. مصدرها إما الوحي الإلهي وإما العقل المثالي أو المعياري، لأن القيم في نظرنا كما في نظر العديد من الفلاسفة لا يمكن استنباطها من الوقائع السلوكية للإنسان، أي من الطبيعة البشرية المكونة من المشاعر والدوافع المتناقضة، بين ما هو مادي وما هو روحي، فهذه الوقائع تعكس دائمًا تأرجحًا بين الخير والشر، وتعد مجرد تجربة ذاتية، أي خاصة لا تكتسي صفة الموضوعية. بينما مصدر القيم يجب أن يكون عاما وشاملا لمبادئ الحياة الإنسانية»[31].

ب- القيم من منظور إسلامي

يتسم الإسلام عن غيره من الأديان في كونه الدين الخاتم والذي يحتوي على كتاب مقدس له من السمات التي تفتقد في باقي الأديان التي طالها الكثير من الشوائب في تاريخها، فصارت تعبيرًا عن رؤية إنسانية للدين أو دين من وضع الإنسان على مر التاريخ أكثر منها أديانًا سماوية، لما أصبحت عليه في قرون مضت بحيث اختل تصورها للوجود وكذا لعلاقة الإنسان بالإنسان وعلاقته بالخالق والمجتمع؛ فالتاريخ الإسلامي لم يشهد مثل ذلك النمط من الاعتقاد في الدين.

ولم يتعرض الدين الإسلامي لذلك التحريف فحافظ على نقاء العقيدة وصفاء أصول الشريعة ولم يتعرض للأنسنة كما حدث للمسيحية أو اليهودية، فبقي التمييز بين مستويات الدين المطلق الثابت وتطبيقات التدين السلوكي المتغير والنسبي، وبذلك «الإسلام هو عقيدة تتعلق بالإيمان، وشريعة تتعلق بالسلوك، ونظام يتناول جميع شعب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأسرية والتربوية والإعلامية.. إلخ»[32].

وبذلك حق للإسلام أن يكون «رسالة رحمة للعالمين»[33]، «فالإسلام بمنظومة القيم التي يحملها للناس كافة رسالة حضارية متكاملة. وهو منهج واضح كالشمس في رابعة النهار، يبني المجتمع على أواصر الإخاء، فلا مكان فيه لصراع الأجناس أو صراع الأديان أو صراع الطبقات أو صراع المذاهب. فالناس كلهم إخوة تجمعهم العبودية لله والبنوة لآدم»[34].

وفي الحديث عن أسس القيم في المنظومة الإسلامية لا يمكن الاستغناء عما قدّمه محمد بلفقيه الذي وضع اعتبارًا مهمًّا نتوقف معه قليلًا ثم نقدّم بعض الأسس الأخرى.

فهو يميز بين قيم العبادة وقيم العادة؛ فقيم العبادة هي «مقاصد كلية، أو قل هي المقومات المعنوية التي تشكل القاعدة الصلبة التي ينطلق منها الكائن الاجتماعي (...) نحو المواقف الإيجابية على اختلاف مظاهرها وتنوعها. وبتعبير آخر هي مبادئ لها صفة الحكم بحيث إنها تضبط الوجود الإنساني والاجتماعي لما يجب الالتزام به، تنظيمًا وممارسةً؛ وتوجّه فعل الإنسان وحركة المجتمع نحو أهداف وغايات يسعى الوجود الاجتماعي إلى تحقيقها على مراد الخالق؛ علمًا بأنه ليس في تاريخ الإنسان مجتمع واحد قال للفرد أو للمجتمع: افعل ما شئت»[35].

والعبادة بهذا المعنى متسعة لتشمل كل جوانب الحياة، وهي كما جاء في القرآن الكريم {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} فهي الغاية من خلق الخلائق وإيجادها، ولذلك «العبادة فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيمًا لله أولًا، وتحصيلًا لمنفعته ثانيًا (...)، وبهذا المعنى تصبح العبادة الوحدة المركزية في كل حركات الإنسان. وهي في معناها الواسع كل ما ورد فيه أمر أو جاء فيه نهي. ولو نظرت إلى الأوامر والنواهي وجدتها تستوعب كل نشاطات الحياة من قمة الشهادة أن لا إله إلَّا الله إلى إماطة الأذى من الطريق»[36].

فقيم العبادة هي صفات مبثوثة في مضامين الأخلاق وعليها تنبني قواعد السلوك الفردي والجماعي، وكل الشريعة يتأسس على قواعد الأخلاق قبل أن يكون قوانين ملزمة، وإذا كانت الشريعة تنقسم إلى ثلاث، الاعتقاد والأحكام وقواعد السلوك التي تهذب النفس وتصلحها وتحث الإنسان على الفضائل وتجنب الرذائل، فإن «القيم التي شرعها الله للإنسان تمثل النظام الذي يضمن لوجوده تماسكه وإنسانيته، تمامًا كما أن النظام الذي بني الكون عليه هو الذي يحفظ تماسكه وصلاحه، ولهذا قرن الله هذين الأمرين: النظام الكوني وقيم العبادة، في عبارة واحدة {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[37] فالأمر يشملهما معًا»[38].

ومصدر هاته القيم هو الوحي، فلا يمكن لقيم تتسم بالضرورة والشمول ومواءمة الفطرة الإنسانية أن تكون موضع تجربة أو حس أو تغير أو تبدل، فهي ثابتة مطلقة «فقيم العبادة وسنن المجتمع ونواميس الكون أمور متلازمة».

وتعد قيم العبادة عند بلفقيه مؤسسة بينما قيم العادة إمضائية متعلقة بالتنزيل، أو التصريف في واقع الناس، وذلك لصلتها بالواقع.

وإلى جانب ما قدمه الدكتور بلفقيه، فإن مجال النظر في القيم يبقى متسعًا لكل باحث ومفتوح على كل الأنظار، وفي ذلك يمكن الاستفادة من أطروحات مثل بلفقيه وآخرين، ويمكن الحديث عن مجموعة من الأسس التي ينبني عليها المنظور الإسلامي في التأسيس للقيم، ونحددها على الشكل التالي:

1- الوحي الإلهي: الاستناد إلى الوحي الإلهي والى الغيب في وضع أسس للقيم واعتبار قوتها، وهذا على النقيض من الأنموذج الغربي الذي فصل وضع القيم عن المنظور الغيبي ومنه تأسست معارف منفصلة عن البعد الغائي لما وراء الوجود الذي يتسم به كل دين سماوي؛ فالوحي له حضور أساسي في تشكيل الناظم القيمي الضابط لمختلف العلاقات الاجتماعية، فالقيم «المرجعية كما نتصورها لا بد أن تكتسي صفة الشمول والضرورة، وبالتالي أن ترجع إلى أصول فوق طبيعة العقل الإنساني، أصول ميتافيزيقية أو دينية»[39].

إن البعد الغيبي لا يلغي باقي الرؤى وخصوصًا القائمة على العقل، بل ينظمها لتكون أكثر غنى للإنسان والمجتمع، فيجعل النظر يتسع لعوالم متعددة، وتكون القيم تتأسس لتحقيق صالح الإنسان في الدارين، في العاجل والآجل، عاجل الدنيا وآجل الآخرة، وهذا المنظور الغيبي الذي يربط الإنسان دائمًا بجزاء أخروي يشكل حافزًا أساسيًّا لفعالية الإنسان.

ومن مصادر الوحي الإلهي عندنا القرآن الكريم والسنة النبوية، فهما محكمان في توجيه التأسيس لأي نظام قيمي، والمعيار الذي من خلاله نقيس صلاح من فساد أي منظومة معينة.

2- التوحيد: فمعلوم أن جوهر الرسالة الإسلامية قائم على مبدأ باعتباره أصل الاعتقاد الصحيح بدين الإسلام وعليه تتفرع كل الجوانب الأخرى، فهو ضابط ومعيار أساسي لقبول الأعمال من رفضها، وامتداداته تتعدى الجانب العقائدي الذي أثرى فكرنا الإسلامي حيث أصبح سفسطة وجدال متعلّق بذات الله وصفاته أكثر منه أثر في الواقع الاجتماعي والسياسي الذي يمتد إليه، فتكون دلالاته على الوحدة ونفي ما دون الخالق ربًّا على الناس، في كل المستويات والمجالات، ألاعتقادي منها أو السياسي أو الاجتماعي فتتحقق قيمة الحرية في أعلى صورها.

3- الوسطية والاعتدال: وهذا سينفي عن القيم الإسلامية التطرف الذي وقعت فيه باقي الرؤى وخصوصًا المنظور الغربي الحديث، الذي تطرّف في العقلانية فألَّه العقل والأخذ بالمنهج التجريبي، فجعل من الإنسان ظاهرة مثل سائر الظواهر التي تدرس بمعايير لا تعنى بالإنسان باعتباره كائنًا مكرمًا وظاهرة مركبة يصعب الإحاطة بها بالمناهج المادية الخالية من النفحات الروحية التي تعد أساس التركيبة الإنسانية، وقد قال الله سبحانه وتعالى في توصيفه للأمة المحمدية {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[40]، فمن خلال الوسطية تتحقق الشهادة على الناس أحد سمات الاستخلاف الرشيد.

4- التكريم الإلهي للإنسان (مبدأ الاستخلاف): فكرامة الإنسان الخليفة مركزية في نظام القيم الإسلامية، وذلك يعود بالأساس للتكريم الإلهي للإنسان الذي جعله مناط الاستخلاف، يقول سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[41].

5- مبدأ الزوجية: وهو مبدأ ينتظم على أساسه الوجود وكل الخلائق، وبذلك نلغي النظرة الحدية التي تطبع الواقع المعاصر وكذا الفلسفات والمذاهب المنحرفة، فكما هو مبدأ يعكس حقيقة الإنسان فإنه يعكس حقيقة الكون.

ومن خلال المبادئ السابقة -وهي مبادئ تقريبية فقط- يمكن أن نستخلص مجموعة من القيم الناظمة للوجود والعلاقات الاجتماعية كما يراها الإسلام، ويمكن البحث كذلك عن شجرة قيم إسلامية يتمايز بعضها عن بعض من أوجه متعددة، كما يمكن التمييز فيها بين الأصول من القيم من الفروع، أو الكليات من الجزئيات، لكن رغم كل ذلك يمكن أن نصنف قيما مركزية أساسية نذكرها بإجمال:

 أ - المساواة.

ب- العدل والعدالة.

ج - الرحمة.

د - الكرامة[42].

فهاته القيم -إلى جانب أخرى- مركزية في المنظومة الإسلامية تستحق التفصيل والدراسة، كما أنها تتسم بالثبات وتتقاسم معانيها ومبانيها مع كل الثقافات والأمم، فهي قيم كونية بهذا المعنى ولا تخص أمة دون أخرى، وفي تشكيل أهم قسماتها أو إغنائها يعتبر القرآن الكريم مصدرًا أساسيًا في استنباطها.

-4-
العولمة والقيم وجدلية الكوني والخصوصي

أ- ماهية العولمة

كثر الحديث في العقدين السابقين عن ظاهرة العولمة بين مبشر بها، ومندمج مع خطابها، وآخر مناهض لها ورافض، ونكون بحاجة لمعرفتها، ولذلك نجد في الموسوعة العربية لعلم الاجتماع، ضمن مفردة (العولمة) باعتبارها تدل على «علاقة العالم بنفسه، ووحدة المعمورة واتصال أجزائها وتعاضدها لتشكل كلًّا واحدًا، وهي بالمعنى العملي والنفعي حركة اقتصادية ضخمة وواسعة الانتشار ذات منزع ليبرالي جديد تزعم تسوية دنيا البشر وتعديلها وإضفاء الوحدة عليها وذلك بواسطة العمليات التالية:

أولًا: على الصعيد التقني والمعلوماتي: تحويل العالم إلى شبكة اتصال واحدة، دقيقة ومتينة وفائقة السرعة، تصنع وقتًا جديدًا لم يسبق أن عرفته البشرية، وهو وقت التزامن (السنكرونية) المحسوب بحساب (النانوثانية) (nanoseconde).

ثانيًا: على الصعيد الفكري والسياسي: تحويل العالم إلى فضاء عمومي منسجم تكاد تغيب منه الحدود الحقوقية والسياسية على الرغم مما يباعد بين البلدان والأمم من دساتير وأعراف وقيم محلية.

ثالثًا: على الصعيد الاقتصادي وهو الصعيد الأهم: تحويل العالم إلى سوق ليبرالية ضخمة وواسعة إنتاجًا وتبادلًا واستهلاكًا»[43].

لقد كانت بذور العولمة بارزة مع ظهور تكتلات سياسية دولية ومنظمات ذات طابع كوني لها اهتمام بشؤون الاقتصاد والسياسة والرياضة والبيئة وغيرها من الحركات سواء كانت منظمة ومنضوية تحت لواء هيئة أو مؤسسة من قبيل العصب والمنظمات أو غير خاضعة لتنظيم ولكنها حركة عفوية تنسج ترابطاتها ودينامياتها فكرة أو موقف مشترك، «وتذهب نظرية العولمة المعاصرة إلى أن العولمة تتضمن عمليتين متناقضتين تقوم إحداهما على تحقيق التجانس والتناغم بين دول العالم، على حين تؤدي الأخرى إلى دعم التنوع والتباين بين دول العالم. أي إنه يوجد تفاعل معقد بين المحلية والكونية، وإن هناك حركات قوية للمقاومة ضد عمليات العولمة»[44].

إضافة الى جانب التناقض بين الخصوصية والكونية تسجل الموسوعة بعض الأسئلة «فكيف نميز -على سبيل المثال- بين العولمة والأنماط الحديثة للإمبريالية؟ كما توجد أيضًا مشكلات في تجديد العلاقة بين العولمة الاقتصادية والثقافية، وبين العولمة والتحديث[45].

فالعولمة بفعل أداة الإعلام تقوم بدمج كل الأبعاد الخاصة بالإنسان في بعد واحد أو تلغيها، فيصبح العالم بدون حدود وبلا خصوصيات أو تمايزات، عالم تتعرض كل فروقه إلى الدمج القسري في النظام العالمي المتحكم فيه، نظام سمته الرعب والقهر... تلك هي العولمة. وعنف العولمة أشد وأخطر من باقي أنماط العنف الذي قد يتجلى في سلوك النزعات الفردية والتكتلات الصغيرة التي تعد مجرد رد فعل ولا تحمل العنف في تركيبتها ولا يمكن أن تشكل بديلًا، وإنما حماية لذاتها من الذوبان والانصهار.

ب- الكوني والخصوصي وجدل العولمة والقيم

نادرًا ما تجد أحدًا يميز بين الجانب الكوني المتعلق بخطاب حقوق الإنسان والحريات الذي انبثق عن الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، والعولمة باعتبارها نظامًا اقتصاديًّا وثقافيًّا، فالكلي -أي الكونية- بحسب بورديار «هي كلية حقوق الإنسان والحريات والثقافة والديمقراطية»، بينما العولمة «هي عولمة التقنية والسوق والسياحة والإعلام»[46].

ويضيف بورديار فيما يشبه الرثاء والحسرة على النمط الذي دخلته الثقافة الغربية بإرادتها، بعد أسفه على اضمحلال قيم الحداثة ومشروعها الثقافي: «كل ثقافة تصبح كلية تفقد خصوصيتها وتموت. هكذا حصل للثقافات التي دمرناها حين استوعبناها بالقوة، ولكن هذا ما سيحصل كذلك لثقافتنا في توقها إلى الكونية. الفرق هو أن باقي الثقافات ماتت بفعل خصوصيتها، وهو موت جميل، بينما نحن نموت لانعدام أية خصوصية، وبسبب قضائنا على كل قيمنا، وهو «موت سيئ»»[47].

وحين الحديث عن البعد الكوني في القيم، فإن ذلك يبطن أبعادًا سياسية وفكرية لا تخفى في تصديرها لباقي المجتمعات التي تعرف مع الغرب تمايزًا في الرؤى والخلفيات، فالكوني فيه عوار ولا يمكن القبول به من منطلق القيم الدينية، فهو في شق يعتبر أحد أوجه التطرف الذي انزاح إليه المجتمع المدني الغربي في الدفاع عنه رغم شذوذه، وهو ما يزيده تناقضًا الاستعانة بآليات العولمة وازدواجية الخطاب، فيبرز أن القيم التي تسود هي قيم القوي وليست القيم الصالحة للمجتمع الإنساني.

خاتمة

إن مبحث القيم في العصر الحالي بحاجة لمزيد من النظر والتمحيص بغية تعرية أسس كل النظم القيمية بغاية تشذيبها وتقويمها، وتبقى ضمن كل ذلك القيم الإسلامية المنبعثة من القرآن والمرتكزة على منظومة مفاهيمية واضحة قادرة على استيعاب ومواكبة المتغيرات، هي المنتظر منها إقامة نوع التشذيب المنتظر، فالأثر السلبي سيعم الجميع وكذلك شأن الأثر الإيجابي لإنقاذ الاجتماع الإنساني الحالي من أي طفرة سلبية قد يتعرض لها إذا بقي منفصلًا عن قيم ثابتة.

 

 

 



[1] مادة (قوم)، الصحاح في اللغة، والقاموس المحيط ولسان العرب.

[2] الصحاح في اللغة، المادة السابقة.

[3] لسان العرب، مادة (قوم).

[4] المصدر السابق.

[5] الصحاح في اللغة نفس المادة.

[6] المصدر السابق.

[7] ابن منظور لسان العرب، نفس المادة.

[8] الموسوعة العربية لعلم الاجتماع، من تأليف: نخبة من علماء العرب في علم الاجتماع، الدار العربية للكتاب، سنة 2010، ص 660.

[9] محمد عابد الجابري، العقل الأخلاقي العربي.. دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، سنة 2001، ص 56.

[10] محمد الكتاني، منظومة القيم المرجعية في الإسلام، الطبعة الثانية، سنة 2011، الرابطة المحمدية للعلماء، ص 15.

[11] السابق.

[12] مع أنه سبق للفيلسوف أن خص جامعة القاضي عياض بدرس افتتاحي لأحد المواسم الجامعية خصصه للحديث عن القيم نقدًا وتقويمًا، نشرت على شكل دراسة بعنوان: تعددية القيم، ما مداها وما حدودها؟ سلسلة الدروس الافتتاحية، الدرس الثالث، أكتوبر 2001، جامعة القاضي عياض،  كلية الأداب والعلوم الإنسانية، مراكش.

[13] طه عبدالرحمن، سؤال العمل، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، ص 209.

[14] الموقع الإلكتروني للأستاذ الطلابي، وهو تعريف له دارج في مختلف دراساته المتداولة، وخصوصًا بمجلة الفرقان المغربية التي يشغل رئيسًا لهيئة تحريرها.

http://mhammedtalabi.arabblogs.com/archive/2008/4/547579.html

[15] لأنه كان حاضرًا كما سلف في المعاجم وذكره ابن خلدون في مقدمته في شؤون التجارة والمعاملات.

[16] آلان تورين، نقد الحداثة، ترجمة: عبدالسلام طويل، مراجعة: محمد سبيلا، إفريقيا الشرق، سنة 2006، ص 16.

[17] نقد الحداثة، ص 21.

[18] انظر: طه عبدالرحمن، سؤال الأخلاق.

[19] محمد بلفقيه، العلوم الاجتماعية ومشكلة القيم.. تأصيل الصلة، منشورات المعارف، ط1 سنة 2007، ص 57.

[20] السابق، ص65.

[21] محمد عباد الجابري، العقل الأخلاقي العربي.. دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية، ص 54-55.

[22] السابق، ص 64 - 65.

[23] السابق، ص 57.

[24] السابق، ص 57.

[25] السابق، ص 58.

[26] موسوعة علم الاجتماع، جون سكوت جوردون مارشال، ترجمة: جماعية، مراجعة وتقديم: محمد الجوهري، المركز العربي للترجمة، الطبعة الثاينة 2011، ج 2، ص 561.

[27] محمد الشيخ، القيم الدينية والقيم العقلانية، مجلة التفاهم، عدد 34، خريف 2011، ص 86.

[28] وهذا المنطق هو الذي أنتج لنا مقولات مثل نهاية التاريخ، حيث اعتبر فوكوياما أن النظام الرأسمالي بعد انهيار المعسكر الاشتراكي هو نهاية التطور، ليأتي هنتغتون لينقض هذا الرأي بالقول بصدام الحضارات، وهو القول يفترض تعددًا في الرؤى الحضارية، وكذلك لما انكشف عمليًّا وجود نظم حضارية يسعب دمجها في النظام العالمي الجديد حينذاك، فافترض الصدام كخيار نهائي بين الحضارات، وحقيقة فإن منطق الصراع هذا يعكس الكامن في الفكر الغربي الذي يرفض المشترك عمليًّا وإن قبله رموزه على مستوى الخطاب، وذلك عبارة عن تسلسل لمجموعة من التعبيرات التي أقل ما يقال عنها: إنها تستبطن عنصرية مقيتة، ومنها المركزية الأوروبية التي تنظر الى الغرب كونه المركز في صناعة التاريخ الإناني وما دونه مجرد هوامش، فالتاريخ من صناعة الرجل الأبيض، والقول بحضارة الرجل الأبيض ومقولات التمدين في القرن الذي مضى.

[29] عز الدين عبد المولى 1996، في الرؤية الغربية لتاريخ الحداثة، ص 131-132. انظر: محمد بلفقيه، العلوم الاجتماعية ومشكلة القيم.. تأصيل الصلة، ص105.

كما نشير إلى أن مهمة النقد هاته والكشف عن مرتكزات المخيال الغربي قد سلكها مفكرون كبار وكان نقدهم متميزًا ومفيدًا، يمكن أن نتحدث عن عبدالوهاب المسيري في طليعتهم، والفيلسوف طه عبدالرحمن، وجارودي، وآخرون.

[30] طه عبدالرحمن، سؤال الأخلاق، ص 92.

[31] الدكتور محمد الكتاني، منظومة القيم المرجعية في الإسلام، الرابطة المحمدية للعلماء، الطبعة الثانية 2011، ص 16.

[32] محمد بلفقيه، العلوم الاجتماعية ومشكلة القيم.. تأصيل الصلة، ص 289.

[33] يمكن النظر لتفصيلات بديعة لخصائص عالمية الاسلام في المرجع السابق نفس الصفحة.

[34] المرجع السابق، ص 289.

[35] السابق، ص 337.

[36] السابق، ص 238.

[37] سورة الأعراف، الآية 54.

[38] السابق،ص 338 - 339.

[39] محمد الكتاني، منظومة القيم المرجعية في الاسلام، الرابطة المحمدية للعماء، ط3، سنة 2011، ص 16.

[40] سورة البقرة، الآية 143.

[41] سورة الإسراء، الآية 70.

[42] انظر بتفصيل: رضوان السيد، نظام القيم في القرآن والتجربة الثقافية الإسلامية في زمانين، ص: 148، وهي مقالة يطبق فيها الرؤية إلى العالم التي اعتمدها في استخلاص أربعة قيم القرآن الكريم اعتبرها مدار النظام القيمي، وبالنظر إلى القرآن الكريم باعتباره المصدر فإنه يبقى مفتوحا للاجتهاد أكثر في سبيل استخلاص منظومة قيم تشكل إطارا مرجعيا لتوجيه فكر الإنسان وسلوكه، انظر مجلة الإحياء العددان34_35. وكذا الدكتور محمد الكتاني، مرجعية القيم الإسلامية، حيث يفصل القول في التأسيس لمجموعة قيم بعضها موجود هنا، وتعد كتابات الدكتور محمد عبد الله الدراز التي تعتبر تأسيسية في المجال موجهة وحاكمة للكثير من القضايا القيمية التي أثارها الدكتور الكتاني في مؤلفه القيم.

[43] الموسوعة العربية لعلم الاجتماع، ص 546.

[44] موسوعة علم الاجتماع، ص 484.

[45] السابق، ص 484 - 485.

[46] ما القيم، جون بودريار، مقالة: العولمة مدمرة للكلية الكونية، أعمال ندوة دولية، ص 51.

[47] السابق.