الدراسات الفلسفية
ودورها في بناء التحالف الحضاري..
قراءة في أطروحات زكي الميلاد
ناجم مولاي*
* جامعة عمار ثليجي، قسم العلوم الاجتماعية، الأغواط - الجزائر. البريد الإلكتروني:
nadjemmoulay@yahoo.fr
تمهيد
في ظل التحديات التي تشهدُها الحضارات المختلفة في العصر الراهن، من تحديات ما بعد الحداثة، وما بعد الرأسمالية، وما بعد العولمة، وما بعد التقنية، وما بعد التطرُّف...، تتجلَّى بوُضوح مواقف الصراع والحوار والتحالف المتّخذة ضد هذه التحديات.
الأمر الذي دفع لموقف رابع أن يقف موقف معتدل تمثّل في التعارف بين الحضارات، ليرُد على تلك الدراسات المتطرّفة فكريًّا في موقفها من الحضارات الأخرى، والتي وقفت إما موقف الصراع بين الحضارات كإمكانية أخيرة، وإما موقف الحوار كأفق نهائي بين اتّصال الحضارات، وأخرى ثالثة دعت إلى التحالف في مواجهة الأخطار التي تهدّد المصير المشترك للإنسانية جمعاء، والتي قد تكون نقطة تقارب بين هذه الخيارات.
ونموذج بحثنا هنا هو المتخصّص في الدراسات الإسلامية الحضارية، والباحث في الفكر الإسلامي المعاصر، السعودي «زكي الميلاد» (مواليد 1965م)، وذلك اعتبارًا لما يحملُه مشروعه الفكري من رؤية معتدلة، وعميقة في استشراف إيجابي، لما تعرفه الثقافة العالمية، والمثقف في محنته.
وأمام هذه القضية نطرح التساؤلات الآتية:
- أين يكمُن الفرق بين قولنا: «التحالف الحضاري» و«التعارف الحضاري»؟ وما هي الدلالات التي يحملها كلا المصطلحين في حقل الدارسات الحضارية؟
- ينطلق زكي الميلاد في مشروعه الحضاري من مقولة: «المسألة الحضارية»، فما معنى هذه المقولة؟ وما علاقتها بنظرية «تعارف الحضارات» عنده.
- كيف أعاد زكي الميلاد قراءة العلاقات الثنائية التالية: (الإسلام والعولمة – الإسلام والحداثة - الإسلام والغرب - الإسلام والنزعة الإنسانية) بعيدًا عن ثالوث التطرّف الفكري، والتطرّف الديني، والتطرّف السياسي؟
- هل ما قدّمته نظرية التعارف عند زكي الميلاد، يعتبر حلًّا إسلاميًّا معاصرًا للفكر العربي والإسلامي في إدراكه لجوهر العلاقة بين الأنا والآخر؟ أم هو لاحقة تضاف لما سبقها من حيث النظر لا العمل؟
تأثيل المفاهيم في حقل الدراسات الحضارية
إن الاشتغال بهذا الموضوع يتطلّب منا أن نحدّد في البداية مصطلحاته الأساسية، وهي مصطلح «التحالف الحضاري»، «التعارف الحضاري»، «المسألة الحضارية»، فما معنى هذه المصطلحات في قاموس زكي الميلاد؟
1- مفهوم تحالف الحضارات
عرف الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري «مفهوم التحالف الحضاري» على مستويين: المستوى العام، والمستوى الاصطلاحي، على المستوى العام ذكر قائلًا: «الحق إن كل فكرة تخدم المبادئ الإنسانية، وتعزّز جهود المجتمع الدولي من أجل استتباب الأمن والسلم الدوليين، وإشاعة العدل والسلام، تصبّ في قناة التحالف بين الحضارات؛ وكل مسعى يقوم به فرد، أو جماعة في سبيل التقارب والتعاون والتعايش بين أمة وأخرى، أو شعب وشعب آخر، فإنه يُفضي لا محالة إلى تعزيز التحالف بين الحضارات، لأنه يلتقي مع أحد الأهداف المتوخّاة منه»[1].
وعلى المستوى الاصطلاحي يرى الدكتور التويجري «إذا كان التحالف هو الاتّفاق بين طرفين على أن يتحالف كل منهما مع قرين، فمعنى ذلك أن يكون كل طرف حليفًا للآخر، ويترتّب على ذلك أن ينشأ بينهما حلفٌ ناتج عن هذا التحالف؛ ولذلك فإن اتّفاق مجموعة من البشر ينتمون إلى حضارات مختلفة، على أن يتحالفوا حضاريًّا ويتفاهموا ثقافيًّا، ويقيموا فيما بين حضاراتهم الأصلية تحالفًا، يستتبع بطبيعة الحال، إنشاء حلف حضاري يجمع بينهم، ولا نقول يوحد؛ لأن الاختلاف طبيعة الحياة، والتنوّع الحضاري والثقافي سنة الكون، ويوفر لهم إطارًا للعمل الجماعي يخدمون به الأهداف الإنسانية النبيلة، ويحقّقون طموحًا فطريًّا يملأ نفوس البشر جميعًا في الاستقرار والسلام، وفي الرخاء والوئام، وفي صياغة حضارية إنسانية جديدة تنبعث من صلب التحالف بين الحضارات والثقافات»[2].
ويُنبّه الدكتور عبدالعزيز التويجري إلى أن التحالف كمطلب حضاري تستدعيه علاقات الحضارات المختلفة، هذا من جهة، كما تستدعيه أيضًا الثقافات المختلفة فيما بينهما، من جهة أخرى، وإذا أردنا شمولية فلسفية متّسعة، ممكن القول: إن التحالف كضرورة حضارية لا بد أن يشمل حتى اللغات، بل والمعتقدات والديانات، التي هي جوهر الصراع بالذات، هذا رغم مُناداتها بالمبدأ الإنساني المتعلّق بحفظ النسل، وصون كرامة الإنسان، وتكاثره بعيدًا عن الألوان أو الأعراق أو الأجناس... إلخ.
وهذا ما أكّده الباحث المغربي عبدالحي المودن برأيه حول ما يحدث في العالم اليوم، برده إلى توظيف الدين توظيفًا سياسيًّا، أي لأغراض سياسية، لا تمتُّ إلى سماحة الدين، وعمقه الإنساني[3].
أما الكاتب العراقي محمد عبدالجبار الشبوط فقد عرف مصطلح «تحالف الحضارات» قائلًا: إنه «حركة دولية تشجّع الحوار بين الحضارات والأديان، لمحاربة الأفكار الجامدة، والمواقف السلبية تجاه الشعوب، وتنوي هذه الحركة -وهي مشروع تبنّته الأمم المتحدة- بلورة نموذج للتعايش السلمي والانسجامي لكل الناس»[4].
نشأة مفهوم تحالف الحضارات
في سنة 1993م تجدّد الحديث حول مقولة صدام الحضارات، وعلى إثرها ظهر الحديث تاليًا حول مقولة حوار الحضارات التي خصّصت لها منظمة الأمم المتحدة سنة دولية هي سنة 2001م، وفي أعقاب تفجيرات مدريد المؤلمة في 11 مارس 2004م، دعا رئيس حكومة إسبانيا آنذاك خوزيه ثاباتيرو إلى تشكيل تحالف بين الحضارات، جاء هذا الكلام في 21 سبتمبر من العام نفسه، وفي شهر نوفمبر من العام 2004م، بدأت أولى المشاورات الدولية من أجل تأسيس التحالف[5]، ومعها تصاعد الحديث حول تحالف الحضارات.
وفي تقييمه لهذه الفكر يرى زكي الميلاد أنها «عبرت في وقتها عن موقف اتَّصف بالحكمة، وبُعْد النظر، وقطعت الطريق على من كان يريد توظيف مثل تلك الأحداث باتّجاه تعزيز كراهية المسلمين، وربط الإسلام بالإرهاب، أو بما يخدم مقولة صدام الحضارات، ودعت في المقابل إلى تحريك الموقف الدولي باتّجاه تحالف الحضارات في مواجهة الإرهاب الذي بات عابرًا بين الدول والمجتمعات»[6].
ولاحقًا جرى التأكيد على هذه القضية في اجتماع القمة العربية في الجزائر في مارس 2005م، كسبيل للقضاء على الإرهاب، وتجاوز الفجوة بين الشرق والغرب.
وقد لخّص الممثل الأعلى للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون تحالف الحضارات ناصر عبدالعزيز النصر مهام وأهداف التحالف بين الحضارات في: مكافحة الإرهاب والتطرّف الديني والتمييز، ونشر قيم التسامح، ومواجهة الهجرة غير الشرعية، وتطوير الثقافات، والعمل مع الأجيال الشابة وفق مفاهيم إنسانية هامّة وشاملة، وذلك في أربعة مجالات هي: التعليم، والإعلام، والهجرة والشباب[7].
2- مفهوم «تعارف الحضارات»
في مقابل مفهومي حوار الحضارات وصدام الحضارات، قدّم الباحث زكي الميلاد مفهوم إسلاميًّا أطلق عليه تسمية «تعارف الحضارات»، وهو مستوحى من القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[8].
شرح هذا المفهوم في كتابه (المسألة الحضارية.. كيف نبتكر مستقبلنا في عالم متغير؟)، حيث قدّم الباحث الميلاد شرحًا وافيًا لدلالات هذه الآية وما تحمله من مدلولات لها علاقة بمصطلح تعارف الشعوب والأمم والحضارات، وحسب قوله: «إن الشعوب مهما تعدّدت وتشعّبت على امتداد مساحة الأرض المترامية الأطراف، إلَّا أنها مطالبة بالتعارف فيما بينها، كمبدأ في العلاقات المحلية والدولية، الداخلية والخارجية، كما أن هذا المبدأ يفيد نفي النزاع والصراع، وكل أشكال السيطرة، والهيمنة بين الشعوب والقبائل»[9].
ويرى الميلاد أن التعارف في مضمونه يتضمّن مفهوم التواصل، فليس هناك تواصل بدون تعارف، لكنه يتجاوزه، بمعنى أن التعارف أوسع وأشمل منه، فالتواصل قد يكون بتعارف أو بدون تعارف؛ وهو يتضمّن دعوة للتواصل الفعّال بين عقول الناس، أما التعارف فهو يرتبط بمجال الاجتماع، فتحدّدت علاقته بالمجتمع والناس، وهو مفهوم حدّده القرآن لشكل العلاقة بين الناس بعد أن توزّعوا شعوبًا وقبائل[10].
مرتكزات أساسية لمفهوم «تعارف الحضارات»
لم ينطلق الباحث زكي الميلاد في تأسيسه لمفهوم «تعارف الحضارات» من المنطلق الديني فقط، بل أضاف إلى ذلك المنطلق العقلي، ليؤسّس في الأخير لنظريته في فلسفة الحضارة، ومن المرتكزات الأساسية لمفهوم «تعارف الحضارات» حدّد الميلاد ما يلي:
1- إن القرآن الكريم جاء خطابًا إلى الناس كافّة، وليس لأمة بعينها، فلم يتحيّز لأمة بسبب القوم أو العرق أو اللغة أو اللسان.
2- التأكيد على وحدة الأصل الإنساني ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾[11]، رغم اختلاف الإنسانية من الجهات العرقية والقومية، اللغوية واللسانية، الدينية والمذهبية، العلمية، الاقتصادية، فهي ترجع إلى أصل إنساني واحد.
3- إن القرآن الكريم يدعو الناس لأن ينظروا لأنفسهم، بوصفهم أسرة إنسانية واحدة، مهما اختلفوا وتباينوا على هذه الأرض.
4- ضرورة أن يتعامل الناس فيما بينهما على أساس مفهوم الأسرة الإنسانية المشتركة أو الواحدة، وهذا يعني التخلُّص من الأحقاد والعصبيات والعنصريات والكراهيات بين الناس، فهذه السلوكيات تقف وراء ما يصيب العالم من نزاعات وصراعات وحروب، ولا شك أن التعامل بمنطق الأسرة الإنسانية الواحدة، إنما يعبّر عن أعمق المكونات الروحية والأخلاقية في الروابط بين الأمم والشعوب والحضارات.
5- إن التنوّع والتعدّد في الاجتماع الإنساني يمثّل حقيقة موضوعية يؤكّدها القرآن الكريم، لحكمة ربانية حيث بسط الأرض بهذه المساحة لينتشر الناس فيها، ويعمروها ويستفيدوا من خيراتها.
6- ربط القرآن الكريم - في الآية السابقة- بين وحدة الأصل الإنساني، وبين التنوّع الإنساني، الربط الذي يفهم منه أن وحدة الأصل الإنساني لا تلغي التنوّع بين الناس في أن يعيشوا شعوبًا وقبائل، والعكس صحيح.
7- أشارت الآية الكريمة إلى كلمتي الخلق ثم الجعل، لتبيّن أن التقدير يأتي بعد الخلق، فكلٌّ ميسَّر لما خُلِق له، أي للوظيفة التي يقوم بها، وفي هذا تكامل لا نقصان بين البشر.
8- يؤسّس القرآن الكريم مبدأ التعارف بين الأمم والشعوب على قاعدة التنوّع والتعدّد، لكيلا يتصادموا ويتنازعوا من أجل الثروة والقوة والسيادة، وإنما ليتعارفوا.
9- لا يكفي أن يدرك الناس أنهم من أصل أسرة إنسانية واحدة وينتهي كل شيء، بل لا بد أن يتعارفوا ويصل بهم مستوى التعارف إلى مستوى يعيش فيه الناس أسرة إنسانية واحدة، ذات أصل إنساني واحد.
10- من دون أن يكون هناك تعارف بين الأمم والحضارات، لن يكون هناك حوار ولا تعاون.
11- إن الحديث عن التعارف يختزل الإشارة إلى جملة المفاهيم المتّصلة والمتفاعلة والمتكاملة معه، كالانفتاح والتواصل والسلام ومد الجسور، ورفض الانغلاق والقطيعة والكراهية، والتي هي شرائط التعارف من جهة تحققه.
12- إن المقصود من التعارف هو المعنى الأعم والأشمل الذي يرتقي إلى التعارف على مستوى الأمم والمجتمعات والحضارات.
13- لا يلغي القرآن الكريم مبدأ التفاضل بين الناس وبين الشعوب والقبائل، لأن التفاضل يعبّر عن واقع موضوعي لا يتعارض مع مبدأ العدل المساواة، والذي حاول القرآن تغييره هو نوعية قيم التفاضل، بتغيير هذه القيم من قيم التفاخر بالأنساب والقوم والقبلية والعشيرة والعرق، إلى قيم تربط الأمم والحضارات بالقيم العليا والسامية، ومحور هذه القيم هو التقوى.
14- إن الأحقاد والكراهية والبغضاء تحصل بين الناس والأمم والشعوب حينما تتمحور معايير التفاضل في إطار عالم مصالح الدنيا، بعيدًا عن عالم الآخرة، مما يولّد عصبيات تطرّف مختلفة على أساس العرق، واللغة، والقبلية، والعلم، والثقافة، والدين....
15- تتحدّد شخصية كل أمة في كرامتها، والكرامة كما حدّدها الباحث الميلاد هي: التعبير الحقيقي لوجدان كل أمة، وهي التي تشكّل للأمم نظرتها إلى ذاتها، وإلى مكانتها وسيادتها وعزتها.
16- إن العلاقات بين الأمم والشعوب والحضارات في المنظور الإسلامي، ليست مجرّد مصالح ومنافع، ولا تتحدّد بمعادلات السياسة والاقتصاد فحسب، وإنما ترتكز أيضًا على القيم والآداب والأخلاق.
17- لن يستطيع العالم أن يُعالج أزماته ومشكلاته عن طريق السياسة فحسب، أو عن طريق الاقتصاد والعلم فقط، فالسياسية تحوّلت إلى أداة لإدارة المصالح الضيقة، والاقتصاد محكوم بالمنافع وبقاعدة الربح والخسارة، وبات من المؤكد أن العالم بأمسّ الحاجة إلى منظومة من القيم والأخلاق، وهذا من أشدّ ما يفتقده العالم المعاصر، ويتضرّر من جراء ذلك كثيرًا.
18- إن التقوى باعتبارها الإطار الجامع للقيم والآداب والأخلاق، بإمكانها أن تزيل كل أشكال العصبيات التي هي من أشد العوائق المسببة في انقسام الأمم والشعوب وتصادمها، هذا من جهة السلب، أما من جهة الإيجاب، فإن التقوى بإمكانها أيضًا أن ترسّخ التعارف وتعمل على بقائه واستمراريته.
19- وفي ختام منطلقاته العقلية في تأسيس مرتكزات تعارف الحضارات، يرى الباحث زكي الميلاد أن من الحكمة أن يتقبّل الناس، وترضى الأمم والحضارات ما يختاره الله سبحانه وتعالى لهم من سنن وقوانين وآداب وقيم وأخلاق، في سعيهم لعمارة الأرض وبناء الحضارة، لأن الله هو العليم الخبير[12].
3- مفهوم «المسألة الحضارية»
ينطلق صاحب كتاب (المسألة الحضارية) من اعتبار مؤلَّفه هذا، جزءًا من مسؤوليته كمثقّف فاعل في ظل التحديات التي تعرفها الحضارة العربية والإسلامية، في ظل العولمة والنظام الدولي الجديد، وصدام الحضارات، ويقصدُ الباحث الميلاد بمقولة «المسألة الحضارية»: «منظور الرؤية لمشكلاتنا الحضارية، وعلاقتنا بالعالم على ضوء هذه المشكلات، والتفكير في سبل النهوض والبناء الحضاري الجديد، والتفكير على مستوى الحضارة، وإعادة صياغة أسئلة الحضارة بعد التغيّرات والتبدّلات التي عصفت بالعالم من كل جهاته وأبعاده، وضرورة أن نفتح ملف حضارتنا ندرسه ونقوّمه ونراجعه مع أنفسنا، وواقعنا وتجاربنا»[13].
ومن هنا يرى صاحب كتاب (المسألة الحضارية)، أحقية الفكر العربي والإسلامي في أن يرسم مستقبل حضارته في ظل عالم متغيّر، وهذا الرأي أكد عليه الفيلسوف المغربي طه عبدالرحمن الذي يرى أن التطرّف الفكري هو من أشدّ المنكرات، ولا يكون هناك نهوض دون الكشف عن المفاسد الإيمانية والمفاسد الأخلاقية، أي النهوض بكل من النقد الإيماني والنقد الأخلاقي.
وهذه الدعوة قد تكون موجهة لعالم الغرب أو لعالم الإسلام، وقد تكلّم الفيلسوف طه عبدالرحمن في فلسفته الاختلافية عن دعوى تقودنا إلى التعارف الثقافي، والتكامل الثقافي، ومن ثم تخليق الثقافة وتديّن الثقافة[14].
«المسألة الحضارية» وعلاقتها بنظرية «تعارف الحضارات»
يرى الباحث زكي الميلاد أن ما يُضاعف أهمية وقيمة مفهوم «تعارف الحضارات» في عالمنا المعاصر، هو ما تشتكي منه كل حضارة في أن الصورة المتشكّلة حولها في أذهان الآخرين، هي صورة ناقصة أو مشوّهة، أو شديدة السطحية، الأمر الذي يؤكّد أن الجهل المتبادل بين الحضارات، هو أهم عائق في عرقلة حوار الحضارات، ويكون سببًا في التصادم بينها.
من هنا تكون مسؤوليتنا في رفع الجهل عن حضارتنا، وتحقيق التعارف بينها وبين غيرها من الحضارات الأخرى، وهذا لن يتأتَّى إلَّا بإبداع أفكار تعكس واقعنا، في شتى مجالات الحياة، مما يُسهم في قيام حضارة إنتاجية وثقافية وعلمية، تجعلنا نستشرف مستقبلنا، وحسب قول الميلاد: «فالأمة التي لا تُبدع لنفسها أفكارها، وتثق بها، وتُعلي من شأنها، لن تكشف ذاتها، وطريقها إلى المستقبل»[15].
رؤية زكي الميلاد الحضارية في ظل تحدي ثالوث التطرّف الفكري
ينطلق الباحث زكي الميلاد في بناء نظريته الفلسفية من سؤال مشروع، مفاده: لماذا الخوف من انبعاث الحضارات؟ ليبني رؤيته الحضارية، البعيدة عن التطرّف بأشكاله الثلاثة: (السياسي، الديني، الاجتماعي)، وإذا أردنا تصنيفًا أوّليًّا لمشروع الميلاد في بناء نظرية إسلامية في التفكير الفلسفي الإسلامي المعاصر، يمكن تحديده في ستة محاور كبرى، عالج فيها أهم الثنائيات التي ناقشها الفكر العربي والإسلامي، هذه المحاور هي:
أولاً: المسألة الحضارية
في هذا المحور انطلق الباحث زكي الميلاد من قراءة النظريات الحضارية الغربية، ليقدّم رؤيتها الاستشرافية لمستقبل الحضارات في القرن الحادي والعشرين الميلادي، وليكشف عن موقع نظرية صراع الحضارات بين التطرّف والعقلانية، ثم يُعرب عن موقفه النقدي من هذه النظرية.
1- نقد زكي الميلاد المنهجي لنظرية صراع الحضارات
يقف الباحث الميلاد أولًا عند نظرية المفكر السياسي الأمريكي صمويل هنتنغتون[16] (1927 - 2008م)، معتبرًا أن نظريته «جاءت في ظروف كان العالم يستبشر فيها بانتهاء الحرب الباردة، وإذا بهذه النظرية تبشّر بصدام على مستوى الحضارات، وكأنها تدعو إلى حرب باردة بين الحضارات»[17].
وقد تتبّع الميلاد المواقف الناقدة المتّخذة من نظرية صراع الحضارات، متطرقًا إلى المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد (1935 - 2003م)، الذي رأى أنها تعبّر عن استعمار جديد، وجاءت داعمة لرأي المستشرق المتحيّز برنارد لويس (مواليد 1916م)، وأشار كذلك لنقد بعض المفكرين العرب، منهم المفكر المغربي محمد عابد الجابري (1936 - 2010م)، والمفكر المصري فهمي هويدي (مواليد 1937م)[18].
وعن نقده لهذه النظرية، يرى الباحث الميلاد أن رؤية هنتنغتون جاءت محكومة بمنطق المنهج الغربي في التفكير تجاه الآخر، فهي قائمة على تفسير التاريخ الإنساني من زاوية الصراع والنزاع والصدام، على مستوى الطبقات، أو الأجناس، أو الثقافات، أو الدول والحضارات، ومن هذه الجهة فإن نظرية صراع الحضارات ما هي إلَّا نظرية من النظريات، أو فرضية من الفرضيات، ولا يمكن تفسير تاريخ جميع الحضارات بهذه الفرضية[19].
حصل ذلك رغم ما أخذه الغرب من معارف وعلوم من الثقافة الإسلامية والحضارة الإسلامية، من هنا يتّضح لنا مدى تطرّف الدراسات الفلسفية الغربية في فهم العلاقة بين حضارة الغرب وحضارة الإسلام، القائمة على تقسيم العالم إلى ثنائية الغرب ولا الغرب.
وعن خوف الغرب من انبعاث الحضارات الأخرى غير الغربية، يرى الميلاد أن المشكلة تكمن في المركزية المعرفية الغربية كمعادلة سلبية. ويرشد الميلاد إلى معادلة سليمة ترى أن الدعوة إلى تعدّد الحضارات، ينبغي أن ترافقها دعوة للحوار والتعارف بين الحضارات، لا إلى صدامها، وصراعها.
وهنا يُشير صاحب نظرية تعارف الحضارات إلى غياب التفلسف الاستشرافي للحياة العربية والإسلامية، لكي نتجاوز الاستتباع الفكري والمنهجي المفروض من طرف مركزية التفكير الغربي[20].
ولتأكيد هذا الموقف استند الباحث الميلاد إلى بعض الدراسات الفلسفية الغربية التي كشفت عن وجود أزمة حضارية عميقة في الغرب، كالتي أشار إليها الفيلسوف الفرنسي روجي غارودي (1913 - 2012م) وهي الأزمة التي دعته إلى فكرة حوار الحضارات.
فقد وجد غارودي حسب قول الميلاد أن «لا سبيل لتجاوز الأزمة وتداركها إلَّا بالانفتاح على الحضارات الأخرى غير الأوروبية، والتحاور معها والتعلُّم منها، لاكتشاف ما يسميه بالفرص المفقودة، أو الأبعاد الإنسانية والأخلاقية المطلوبة، التي نمت في الحضارات، والثقافات غير الأوروبية»[21].
ويكشف لنا هذا القول في مضمونه عن الخوف من نظرية هنتنغتون التحريضية، وقد بنى غارودي نظرية الحوار بين الحضارات على ثلاثة مرتكزات أساسية، هي:
1- الاهتمام بالحضارات اللاغربية في مجال الدراسات، وجعلها تعادل في أهميتهما الثقافة الغربية.
2- ضرورة أن يشغل مبحث الجمال، منزلة يعادل في أهميته تعليم العلوم والتقنيات.
3- جعل الاهتمام بالمستقبل، يعادل في أهميته من ينطلق من نقد التجربة الغربية للحضارة الغربية[22].
2- هل لدينا نظرية إسلامية في حوار الحضارات؟
عن هذا السؤال أجاب زكي الميلاد بأن فكرة حوار الحضارات ما زالت عندنا مجرّد دعوة عامة، ولم تتحوّل إلى نظرية نعرف ماذا نريد منها، فرغم أن السيد محمد خاتمي (مواليد 1943م) طرح دعوته لحوار الحضارات في خطابه الذي ألقاه باجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أغسطس 1998م، وإلى يومنا هذا لم تتحوّل هذه الدعوة إلى نظرية واضحة ومتماسكة.
ويرى الميلاد أن بمقدار ما لفتت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، الأنظار لمقولة هنتنغتون، لفتت كذلك الاهتمام لدعوة الرئيس الخامس للجمهورية الإيرانية في حوار الحضارات، وتأكّدت قيمة هذه الدعوة والحاجة إليها في استشراف مستقبل حضارتنا الواعدة. هذا وإن كان البعض يضع رؤية زكي الميلاد تحت مظلة انتمائية فكرية لرؤية محمد خاتمي[23].
ولعل هذا ما يفسر بعض الشيء عدم اهتمام المثقفين والمفكرين والباحثين العرب والمسلمين بفكرة محمد خاتمي، والعمل على تعميقها فكريًّا وعمليًّا، بوصفها فكرة عالمية وإنسانية لا مذهبية، ولا عقدية، والمآل نفسه نخشى أن يحجب الحقيقة في علاقتها الحضارية الخالصة، والتي عبّر عنها الميلاد في رؤيته القائلة: «بأن من يفتقد الحضارة والتحضر، لا يمكن الاعتراف له بأن يكون شريكًا أو مؤثّرًا في قضية حضارية عالمية، مثل قضية حوار الحضارات، وهذا ما يفتقده العالم الإسلامي المعاصر»[24].
ولكي تكون لنا نظرية في «حوار الحضارات»، لا بد -في نظر الميلاد- أن نطوّر إمكانية التواصل مع العالم، ويكون هذا التواصل في جوهره عملية معرفية تبدأ من المعرفة، وتنتهي إليها، وهذا هو التحدّي الذي ينتظرنا، ولتدعيم هذه الخطوة يرى الميلاد ضرورة أن ننشأ في العالم العربي والإسلامي مجلّات ومراكز بحث علمية تُسهم بشكل مستدام في دراسة قضية حوار الحضارات؛ لأن معرفتنا بحضارات العالم تعاني من فقر معرفي شديد بحاجة إلى تدارك وتجاوز[25].
وحين أعلنت منظمة اليونيسكو سنة 2010م سنة دولية لما أسمته «تقارب الحضارات»، وجاءت تلبية لرغبة الدول الأعضاء للسعي إلى إقامة حوار بين الحضارات والثقافات والشعوب باعتباره مبدأ متجذّرًا في صميم الميثاق التأسيسي لليونيسكو إذ همّت تارة بالتأكيد على خصوصيات كل مجتمع، وتارة أخرى على عناصر التشابه التي توحّد المجتمعات[26].
أمام هذه القضية رأى الميلاد أن مقولة «حوار الحضارات» هي في الأساس مقولة «تقارب الحضارات»، ومتسائلًا عن الحكمة من وراء هذا التغيّر في التسميات من تسمية «حوار الحضارات»، إلى تسمية «تحالف الحضارات»، إلى هذه التسمية الجديدة «تقارب الحضارات»، ويطرح في الأخير أمنيته في أحلام منظمة اليونيسكو التي اختارت مفهوم «التقارب»، ولم تختر مفهومه حول «التعارف»، الذي يعتبره أكثر صوابًا وتخلّقًا ولمعانًا من المفهوم المُختار؛ وذلك لأن الحضارات لن تتقارب ما لم تتعارف![27].
ولبناء نظرية لنا في حوار الحضارات على مستوى العالم الإسلامي، حدّد الميلاد لذلك اتجاهين:
الاتجاه الأول: يرتكز على تحليل المشكلات الجذرية والعميقة، التي تمثّل المعوقات الحقيقية أمام نهضة وتقدّم العالم الإسلامي، وفي هذا النطاق تأتي العناصر الآتية:
1- النظر إلى مشكلة التخلّف في جميع جوانب حياتنا، ومواجهة الثقافة التي تُكوّن ذهنية التخلّف في الأمة.
2- ضرورة البحث عن فلسفة فعّالة لبناء حضاراتنا في هذا العصر، واكتشاف طريق لنهضة تضع الأمة في مسار التمدُّن والتحضُّر والتقدُّم.
3- التركيز على تكوين وبناء الإنسان، ليكون صاحب دور ومسؤولية في بناء النهضة والتقدم.
4- التخلُّص من آفة الاستبداد السياسي التي أعاقت إمكانات الأمة عن المشاركة الفعّالة.
الاتجاه الثاني: يرتكز على تشخيص المتطلّبات الأساسية في هذا الشأن، ومن هذه المتطلّبات:
1- العمل على تحويل العالم الإسلامي إلى كتلة حضارية وبشرية وجغرافية متكاملة ومتماسكة، وإعطاء الأولوية والأفضلية بين هذه الدول في مختلفة مجالات التعاون والتواصل والتضامن، انطلاقًا من مفهوم الجامعة الإسلامية[28].
2- تعزيز موقعية وفاعلية مجموعة الدول الثمانية الكبرى في العالم الإسلامي، والتي تضُم (ماليزيا، إندونيسيا، بنغلادش، باكستان، إيران، تركيا، مصر، نيجيريا) لتؤدي أدوارًا ريادية في نهضة العالم الإسلامي وتقدّمه.
3- التأكيد على دور المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) وفاعليتها ومركزيتها، لأن تؤدّي دور العقل المفكّر والجهاز المتخصّص بقضية نهضة العالم الإسلامي، وإعطاء المصداقية والاهتمام الفعلي والجاد بالاستراتيجيات التي أعدّتها المنظمة، كالاستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي، واستراتيجية تطوير العلوم والتكنولوجيا، واستراتيجية الاستفادة من العقول المهاجرة، إلى جانب الحاجة إلى استراتيجية اقتصادية اجتماعية تنموية لمعالجة مشكلات الفقر والمرض وتحسين نوعية حياة الإنسان في العالم الإسلامي.
4- الاتجاه نحو الشرق، وتطوير العلاقات والاتصالات بالدول الرئيسية فيه، وهي: اليابان والصين والهند، والتركيز على مجالات التربية والتعليم والتكنولوجيا والبحث العلمي والمعلوماتية.
5- بناء علاقات جديدة مع الغرب، تكون بعيدة عن مفاهيم الهيمنة والسيطرة والتبعية، والاستحواذ على الثروة، والترهيب بالقوة، وانتهاك السيادة ومبادئ العدالة، والمساواة في الحقوق، والتكافؤ في فرص النمو والتقدّم، وضبط حركة العولمة وأنسنتها.
3- الميلاد ومفارقة الصدام والحوار بين هنتنغتون وغارودي
تُعتبر محاولة زكي الميلاد رائدة في مجال ربط العلاقة بين نظرية هنتنغتون في صدام الحضارات، ونظرية غارودي في حوار الحضارات، وذلك للوقوف على الثابت والمتحوّل فيهما، والكشف عن الفروقات والمفارقات بين النظريتين، ومن هذه الفروقات والمفارقات في نظر الميلاد:
أولًا: إذا كان غارودي ناظرًا إلى الغرب في نظريته لحوار الحضارات، فإن هنتنغتون هو الآخر كان ناظرًا إلى الغرب في نظريته لصدام الحضارات، والفارق بينهما، أن غارودي نظر إلى الغرب من الداخل، وأراد أن يُلفت النظر إلى أزمة الغرب الداخلية، فحين نظر هنتنغتون إلى الغرب من الخارج، وأراد أن يلفت نظر الغرب إلى التحديات الخارجية.
ثانيًا: حاول كلٌّ من غارودي وهنتنغتون العمل على تجاوز الغرب لأزمته الحضارية، فركّز غارودي في نظريته على الأبعاد الثقافية والأخلاقية والمعنوية، في حين ركّز هنتنغتون على الأبعاد السياسية والتكنولوجية والعسكرية.
ثالثًا: تنتمي نظرية حوار الحضارات حسب تحليل غارودي إلى المجال الثقافي وتتحدّد به، في حين تنتمي نظرية صدام الحضارات حسب تحليل هنتنغتون إلى المجال السياسي وتتحدد به[29].
4- نظري نهاية التاريخ وتراجع النموذج الغربي
في نطاق المسألة الحضارية، تطرّق زكي الميلاد إلى مقاربة ثالثة تحدّدت في البحث عن نظرية فرانسيس فوكوياما (مواليد 1952م) في نهاية التاريخ التي طرحها سنة 1989م، وأشار لها في مقالة نشرها في مجلة ناشيونال أنترست الأمريكية، ليحوّلها لاحقًا في كتاب صدر سنة 1992م بعنوان: (نهاية التاريخ والإنسان الأخير).
هذه النظرية أراد منها فوكوياما القول بأن الغرب هو المنتصر في نهاية التاريخ بفلسفته الديمقراطية، لكنه عاد وتراجع عن هذا الحماس والاندفاع متحدثًا عن تراجع صورة النموذج الأمريكي في مجتمعات الشرق الأقصى[30].
فالفكر الفلسفي الغربي داخل الغرب نفسه كما يقول زكي الميلاد، أصبح يقرّ ويحذّر من تبني النموذج الغربي في عمليات الإنماء وبناء التقدّم، وأخذت الدعوات تتصاعد في ضرورة البحث عن نماذج بديلة، وأن تكتشف كل أمة لنفسها نموذجًا بديلًا للتقدّم والنهوض.
ثانيًا: المسألة الثقافية
حاول زكي الميلاد العمل لبناء نظرية ثقافية إسلامية، كما تجلَّى في كتابه (المسألة الثقافية.. من أجل بناء نظرية في الثقافة) الصادر سنة 2005م، مُنتصرًا فيه لنظرية المفكر البوسني علي عزت بيجوفيتش (1925 - 2003م) الثقافية المُتصفة بصفة النزعة الإنسانية والأخلاقية الأصيلة والعميقة، التي ظهرت وتجلَّت في كتابيه (الإعلان الإسلامي) الصادر عام 1981م، وهو خطاب للمسلمين والعالم الإسلامي، وكتاب (الإسلام بين الشرق والغرب)، وهو خطاب إلى الآخر متوجّه إلى العالم وثقافته.
هدف الكتاب الأول إلى نهضة المسلمين وتجديد العالم الإسلامي، في حين هدف الكتاب الثاني إلى الحديث عن الإسلام ناظرًا إلى العالم، وبوصف أن الإسلام يُمثًل طريقًا ثالثًا بين أيديولوجيات الشرق والغرب.
ولج الباحث الميلاد إلى علي عزت بيجوفيتش من زاوية البحث عن العلاقة بين الثقافة والحضارة، العلاقة التي انتصر فيها بيجوفيتش للثقافة انتصارًا نهائيًّا وحاسمًا، في المقابل وجّه للحضارة نقدًا شديدًا؛ لأنه ربط الثقافة بعالم السماء والمثل العليا، فحين ربط الحضارة بعالم الأرض وبالطبيعة والعناصر المادية.
ويرى بيجوفيتش أن الإسلام صبغ الثقافة بالصبغة العالمية، وجعلها تتحرّر من العصبيات بكافة أشكالها، واشترط التعامل مع الناس على قاعدة الكرامة لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[31]، وعالمية الثقافة في الإسلام هي من عالمية الدين، لقول الحق سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾}[32].
وفي نطاق العمل من أجل بناء نظرية في الثقافة تطرّق الميلاد إلى جهد المفكر الجزائري مالك بن نبي (1905 - 1973م)، في معالجة مشكلة الثقافة في العالم العربي والإسلامي[33].
كما لفت الميلاد الانتباه إلى محاولات أخرى تنتمي للقرن العشرين، مثل محاولة محمد إقبال في كتابه «تجديد التفكير الديني في الإسلام»، ومحاولة السيد محمد باقر الصدر في كتابه «فلسفتنا»، ومحاولة السيد محمد تقي المدرسي في كتابه «الفكر الإسلامي في مواجهة حضارية»، ومحاولة الدكتور محمد البهي في كتابه «الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي»[34].
ثالثًا: مسألة الأنا والآخر
تطرَّق الميلاد لهذه المسألة في كتابه (نحن والعالم.. من أجل تجديد رؤيتنا إلى العالم)، ولكون أن هذه المسألة تأثّرت بدرجة كبيرة وتغيّرت صورتها في ظل موجة العولمة، لهذا اعتنى الميلاد بالمحاولات التي جاءت لتصحيح صورة العولمة من خلال الدعوات إلى: (أنسنة العولمة، نحو عولمة عادلة، عولمة متكافئة، عولمة مسؤولة، عولمة رؤوفة، من أجل تهذيب العولمة،...).
وحينما تعالت الأصوات العالمية لمكافحة الإرهاب، وجد الميلاد أن هذه القضية بحاجة لأن تترافق معها ما سماه الميلاد «التضامن من أجل أخلاقيات عالمية جديدة لمكافحة الإرهاب»، وذلك بناء على خلفية أن مقولة مكافحة الإرهاب «ستكون لها تأثيرات وتداعيات ومضاعفات سلبية على الأبعاد الأخلاقية والإنسانية، كتنامي التمييز بصورة كافة، وإشاعة الكراهية، وانتهاكات لحقوق وكرامة الإنسان، وتقليص الحريات العامة، وتهديد السلم الاجتماعي، وسيادة أجواء الخوف والرعب بين الناس... إلى غير ذلك»[35].
الأمر الذي يقتضي تبني مقولة «التضامن من أجل أخلاقيات عالمية جديدة» التي من تداعياتها حسب قول الميلاد: «إشاعة التسامح، وتأكيد النزعة الإنسانية التي تجعل النظرة بين الناس على أساس القيم ومبادئ الاحترام، وترسيخ مفهوم الكرامة، وتعزيز قاعدة العدالة والتضامن والتكافل... إلى غير ذلك من مفاهيم ومبادئ وقيم إنسانية وأخلاقية ومعنوية»[36].
رابعًا: مسألة الإسلام والعولمة
في هذا المحور انتقل الباحث الميلاد في رؤيته الفلسفية، من صدمة العولمة كموقف غلب على رؤى الفكر العربي والإسلامي، إلى البحث عن عولمة إسلامية معتدلة.
وأراد صاحب كتاب (الإسلام والعولمة) النظر في رؤية الفكر الإسلامي المعاصر تجاه مسألة العولمة، مؤكدًا حاجة الفكر الإسلامي لأن يتجاوز قراءته المنفعلة بتأثير ما يسمى بصدمة العولمة، وهي قراءة غلب عليها موقف الشك والخوف والرفض التام والكلي والمطلق[37].
وتجاوزًا لهذه القراءة المنفعلة تجاه العولمة، وبحثًا عن الموقف الإسلامي يرى الميلاد أن «أقرب مفهوم يمكن أن يعبّر عن الرؤية الإسلامية لفكرة العولمة هو مفهوم «التعارف»، الذي من دلائله التواصل الكوني، والانفتاح العالمي على مستوى الأمم والحضارات، وذلك من خلال ربط هذا المفهوم بوحدة الأصل الإنساني {﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى}، وعلى أساس قاعدة التنوّع الإنساني {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}، والتزامًا بمبدأ أكرمية التقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
في حين أن العولمة التي عبّر عنها الغرب، تكاد ترتكز على الانتفاع المادي والجشع الاقتصادي، ومحاولة احتكار الثروات، والعمل على رفع القيود على الأسواق والبضائع، وامتصاص الأموال، وهذه الأمور هي من أكثر العوامل سببًا وتحريضًا للنزاع والصدام»[38].
وهذه هي العولمة التي يحتاجها العالم، ويتطلّع لها في القرن الحادي والعشرين.
مع العلم أن الميلاد انطلق في رؤيته السابقة، من أنه لا توجد نظرية إسلامية تجاه العولمة، فصنف المواقف المتّخذة من العولمة في ثلاثة مواقف: موقف ليبرالي مناصر للعولمة، وموقف يساري مناهض للعولمة، وفي الجانب الإسلامي اعتبر الميلاد أن ليس هناك نظرية إسلامية حول العولمة، فقد جرى التعامل معها بمنطق الخوف والشك والرفض، واعتبارها تمثّل مرحلة خطيرة ومتقدِّمة من الغزو الفكري، والاختراق الثقافي، والتدمير الأخلاقي فقط، ومازالت هذه الرؤية غالبة على موقف الفكر الإسلامي المعاصر، وهذا ما عمل الميلاد على تغييره في كتابه (الإسلام والعولمة).
ومن منظور آخر يمكن النظر للعولمة من جهة أنها تمثّل مرحلة متقدّمة في مراحل تطوّر المجتمع الإنساني، كما أنها فكرة غير ثابتة، ولا مكتملة، ولكنها فكرة متحرّكة ومتغيّرة ويمكن اعتبارها أنها شكّلت أو ستشكّل روح القرن الحادي والعشرين، كما شكّلت فكرة الحداثة روح القرن العشرين، ويقترب من هذا المعنى كتاب «من الحداثة إلى العولمة.. رؤى ووجهات نظر في قضية التطوّر والتغيير الاجتماعي» الصادر عام 2000، لمؤلفيه تيمونز روبيرتس وإيمي هايت[39].
ولتكوين نظرية إسلامية غير منفعلة تجاه العولمة، يستلزم في رؤية الميلاد الحضارية، أن تكون هناك مراكز ومعاهد للدراسات والبحث، تكون متخصّصة في العولمة، وأبعادها الشاملة، وكل ما يتعلّق بها، وهذا ما ينقصنا فعلًا، إذا أردنا أبداع عولمتنا، التي تخدم مشروع النهضة والتقدم في أمتنا[40].
خامسًا: مسألة الإسلام والحداثة
يدور هذا المحور حول طبيعة جدلية العلاقة بين الإسلام والحداثة، والإسلام وما بعد الحداثة، والذي حاول فيه الميلاد الكشف عن طبيعة الهواجس الفكرية التي سكنت ساحة الفكر الإسلامي المعاصر، وكيف تبدّلت هذه الهواجس وتطوّرت من وقت لآخر، بحسب اتّجاهات التطوّر في مسارات الفكر الإسلامي.
في هذه المسألة يتّفق الميلاد مع الفيلسوف المغربي طه عبدالرحمن (مواليد 1944م)، على ضرورة أن تكون لنا حداثتنا الإسلامية الخاصة بنا، التي تختلف في روحها عن حداثة الغرب، فحين يرى الباحث الباكستاني أكبر أحمد ضرورة البعد عن النظرة المنفعلة تجاه الحداثة، باعتبارها مرحلة مهمة في التاريخ الإنساني، أتاحت إمكانات لم تكن متوفرة من قبل، وبوصفها مرحلة اختصرت المسافات بين البشر على اختلافهم، وقرّبت الثقافات فيما بينها[41].
وفي المجال الغربي رجع الميلاد إلى الدراسة المهمة التي نشرها أستاذ الإسلاميات في الجامعة الألمانية راينهاد شولتسه بعنوان: (هل توجد حداثة إسلامية؟) حيث أشار إلى أن الدراسات الإسلامية الحديثة والمعاصرة في نقدها الحداثة أسهمت في انعتاق الحداثة من بنيتها التناقضية، وزال الفصل الذي كان قائمًا بين الحضارات والثقافات، مما جعلنا نتكلّم بلغة الجمع عن حداثات، ومنها الحداثة الإسلامية التي تطرح نفسها في منظور ما بعد الحداثة، ولعل هذا ما يؤسّس لرؤية حضارية جديدة بين عالم الإسلام، وعالم الغرب![42].
سادسًا: مسألة الإسلام والنزعة الإنسانية
في هذا المحور حاول صاحب كتاب (الإسلام والنزعة الإنسانية)، الإجابة عن سؤال: هل توجد نزعة إنسانية في القرآن، وهل توجد مثل هذه النزعة في كتاب إلهي؟
وغاية صاحب الكتاب هي مواجهة الرأي الذي يرى أن القرآن كتاب إلهي لا صلة له بما يُعرف بالنزعة الإنسانية، رغم أن الموقف القرآني يؤكد على وجود مثل هذه النزعة، بل ويُثبت تفوُّق هذا الموقف على مواقف القائلين بالنزعة الإنسانية المغايرة والمتبجحين بها في المجالين العربي والإسلامي[43].
وفي هذا النطاق وتدعيمًا لموقفه أشار الميلاد لرأي بعض المفكرين والعلماء العرب والمسلمين، منهم المفكر المصري علي سامي النشار (1917 - 1980م)، الذي يرى أن المذهب الإنساني في القرآن الكريم مذهب رائع أخَّاذ، ومن الموكّد في نظره أن القرآن لم يترك نظرية أو مذهبًا فلسفيًّا شُغل به العقل الإنساني دون أن يبحث فيه، ويضع أصوله العامة.
وأشار إلى رأي الشيخ يوسف القرضاوي ( مواليد 1926م) الذي يرى أننا لو نظرنا إلى المصدر الأول للإسلام وهو القرآن كتاب الله، وتدبرنا آياته، وتأمّلنا موضوعاته واهتماماته، نستطيع أن نصفه بأنه كتاب الإنسان، فالقرآن كله إما حديث إلى الإنسان، أو حديث عن الإنسان[44].
وفي مطلع تسعينات القرن العشرين الميلادي، لم يجد الميلاد للتعبير عن النزعة الإنسانية في القرآن الكريم، أبلغ ممَّا كتب المفكر والمؤرخ التونسي هشام جعيط (مواليد 1935م) في مقالة بعنوان «النزعة الإنسانية والعقلانية في الإسلام»، ضمّنها لاحقًا في كتابه (أزمة الثقافة الإسلامية).
في هذه المقالة ناقش المفكر جعيط النزعة الإنسانية في القرآن، واعتبرها الميلاد من أوضح المناقشات في المجال الأكاديمي العربي المعاصر دفاعًا عن النزعة الإنسانية في القرآن، فقد تصوّر جعيط أن كل شيء في القرآن يُقيم صلة بين الله والطبيعة والإنسان، بحيث تبدو الطبيعة وكأنها منقادة للإنسان، إلى جانب البحث عن العلم والتأمّل في نظام العالم، بالرجوع الدائم إلى العقل البشري[45].
كما أكّد الباحث هشام جعيط أنه «توجد في القرآن مركزية إنسانية، لكنها خاضعة للمقاصد والمخططات الإلهية، وهذا بحدّ ذاته يمثّل شكلًا من أشكال النزعة الإنسانية، ففي القرآن درجة إنسانية أرفع، إنها مكانة الإنسان في مغامرة الوجود في غائية الخالق، وفي التاريخ»[46].
تكشف لنا هذه المحاور في هذا المشروع الفلسفي، عن طبيعة المنهج الذي سلكه الباحث زكي الميلاد في تكوين رؤياه عن مشكلاتنا الحضارية، بعيدًا عن كل أوصاف التطرّف والجمود الفكري، الذي أنطبع بها التفكير الإسلامي في أحد اتّجاهاته الحديثة والمعاصرة.
خاتمة
يفترض أن العالم وهو يقتحم الألفية الثالثة، قد استفاد من الدراسات الفلسفية الماضية، وتعلّم منها في أن يكون أكثر إنسانية، وأشدّ رفضًا لمثل ذلك النوع من الأفكار والسلوكيات التي تحمل كثيرًا من التطرّف بأشكاله المختلفة.
وإذا كانت الدراسات الفلسفية المبصرة لهذا الواقع العالمي، قد أقرّت عديدًا من النظريات (الصراع، الحوار، التحالف، التقارب...) كحلول، بغض النظر عن الملاحظات عليها، وكان يفترض منها إنهاء المشكلة بين الحضارات، فالمشكلة -كما قال الباحث زكي الميلاد- ليست في عدم الحوار فيما بينها، وإنما في عدم التعارف إلى بعضها، ممَّا منعها من التقارب فيما بينها، وفي التفاهم والتعايش والانسجام مع بعضها.
ولكن السؤال يبقى قائمًا: فهل «التعارف بين الحضارات» لوحده، وفي شتى المجالات سيضع حتمًا نهاية للصراع والتصادم بين عالم الغرب وعالم الإسلام؟ أوَليس التعارف بحاجة أن يسير جنبًا إلى جنب مع التحالف والتقارب والحوار؟ ما هي الآليات التي من المفترض اتّباعها كخطوات للتعارف عند الآخر، وهل ما قدّمه زكي الميلاد من مُرتكزات أساسية للتعارف، كفيلة بأن يبني الغرب عنا التصور نفسه؟
إذا كانت نظرية التعارف في نصّنا المقدس، فما يقابلها في نصوص الآخر المقدسة إذًا؟ ألسنا بحاجة إلى تعارف داخلي في مجالنا العربي والإسلامي، قبل أن تكون هناك دعوة للتعارف على المستوى الإقليمي أو الدولي؟
[1] عبد العزيز بن عثمان التويجري، الحوار وتحالف الحضارات، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة - إيسيسكو، 2009م، ص8.
[2] المرجع نفسه، ص10.
[3] عن موقع وزارة الثقافة المغربية:
http://www.minculture.gov.ma/index.php/livre/2013-06-24-14-23-55/salon-de-livre/899-q-q-52767944
[4] محمد عبد الجبار الشبوط، تحالف الحضارات، جريدة الصباح سياسية يومية عامة تصدر عن شبكة الاعلام العراقية: http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=64603
17/2/2014.
[5] المرجع نفسه.
[6] زكي الميلاد، نحن والعالم.. من أجل تجديد رؤيتنا إلى العالم، الرياض: مؤسسة اليمامة الصحفية، ط 1، 2005، ص 79.
[7] هل يصلح تحالف الحضارات ما أفسدته مؤامرة هانتنجتون والمحافظين الجدد؟ عن موقع: أخبار العالم:
https://arabic.rt.com/news/798235-
تاريخ النشر: 26/ 10/ 2015.
[8] القرآن الكريم، سورة: الحجرات، الآية: 13.
[9] المصدر نفسه، ص94.
[10] زكي الميلاد، نحن والعالم.. من أجل تجديد رؤيتنا إلى العالم، ص 92-93.
[11] القرآن الكريم، سورة الحجرات، الآية: 13.
[12] زكي الميلاد، المسألة الحضارية.. كيف نبتكر مستقبلنا في عالم متغير؟ ص 95-99
[13] المصدر نفسه، ص8.
[14] راجع: طه عبد الرحمن، الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري، الدار البيضاء - المغرب: المركز الثقافي العربي، ط1، 2005.
[15] المصدر نفسه، ص100.
[16] أستاذ العلوم السياسية ومدير معهد جون .م أولين للدراسات الاستراتيجية في جامعة هارفرد الأمريكية.
[17] زكي الميلاد، المسألة الحضارية.. كيف نبتكر مستقبلنا في عالم متغير ، ص60.
[18] المرجع نفسه، ص60.
[19] المرجع نفسه، ص61-62
[20] المرجع نفسه، ص 67.
[21] المرجع نفسه، ص 70.
[22] المرجع نفسه، ص70-73.
[23] المرجع نفسه، ص73 - 74 - 71.
[24] المرجع نفسه، ص75.
[25] المرجع نفسه، ص77.
[26] زكي الميلاد، نحن والعالم.. من أجل تجديد رؤيتنا إلى العالم، ص82.
[27] المرجع نفسه، ص86.
[28] زكي الميلاد، المسألة الحضارية.. كيف نبتكر مستقبلنا في عالم متغير ، ص77-78.
[29] المرجع نفسه، ص72-71.
[30] المرجع نفسه، ص77-81.
[31] القرآن الكريم، سورة الإسراء، الآية: 70.
[32] القرآن الكريم، سورة الأنبياء، الآية: 107.
[33] زكي الميلاد، المسألة الثقافية.. من أجل بناء نظرية في الثقافية، بيروت: المركز الثقافي العربي، ط1، 2005، ص151.
[34] زكي الميلاد، المسألة الثقافية.. من أجل بناء نظرية في الثقافية، ص53- 56.
[35] زكي الميلاد، نحن والعالم.. من أجل تجديد رؤيتنا إلى العالم، ص372.
[36] زكي الميلاد، نحن والعالم.. من أجل تجديد رؤيتنا إلى العالم، ص371.
[37] زكي الميلاد، الاسلام والعولمة.. لماذا لا تكون العولمة مكسبًا لنا؟ ، بيروت: مؤسسة الانتشار العربي، ط1، 2010، ص 7.
[38] المرجع نفسه، ص38.
[39] المرجع نفسه، ص 85-89.
[40] المرجع نفسه، ص91.
[41] زكي الميلاد، الإسلام والحداثة، من صدمة الحداثة إلى البحث عن حداثة إسلامية، بيروت: مؤسسة الانتشار العربي، ط 1، 2010، ص 180-181.
[42] المرجع نفسه، ص 186-187.
[43] زكي الميلاد، الاسلام والنزعة الإنسانية، كيف نُعطي النزعة الإنسانية قوة المعنى؟ النادي الأدبي، منطقة الباحة، ط 1، 2013، ص 52-53.
[44] المرجع نفسه، ص53-54.
[45] المرجع نفسه، ص55.
[46] المرجع نفسه، الصفحة نفسها.