شعار الموقع

مؤتمر : تحديات تطبيق الشريعة وإقامة الدين في المجتمعات المعاصرة

محمد تهامي دكير 2019-06-06
عدد القراءات « 926 »

مؤتمر: تحديات تطبيق الشريعة وإقامة الدين في المجتمعات المعاصرة

السودان- الخرطوم عقد في: 18-20/ مايو/ 2016م

محمد تهامي دكير

لإظهار الرؤية الكلية الشاملة لإقامة الدين وتطبيق الشريعة الإسلامية، وللإسهام في تصحيح المفاهيم حول إقامة الدين وصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، ولأجل عرض التجارب الواقعية لتطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، وتسليط الضوء على التحديات والمعوقات التي يمكن أن تواجه التطبيق المعاصر للشريعة الإسلامية وإقامة الدين، واقتراح حلول لتجاوزها.. نظّم معهد إسلام المعرفة (إمام) بجامعة الجزيرة في الخرطوم (السودان)، المؤتمر الثاني للشريعة والاجتهاد، تحت شعار: «تحديات تطبيق الشريعة وإقامة الدين في المجتمعات المعاصرة» وذلك بين 18 - 20 مايو 2016م، الموافق لـ10 - 12 رجب1437هـ.

شارك في المؤتمر عدد كبير من المفكرين والكُتّاب وأساتذة الجامعات من العالمين العربي والإسلامي.

وقد ناقش المؤتمر خلال جلساته الستة مجموعة من المحاور هي:

المحور الأول: المحور المفاهيمي.

المحور الثاني: علاقة تطبيق الشريعة الإسلامية بالمقاصد.

المحورالثالث: تحديات تطبيق الشريعة وإقامة الدين في المجتمعات المعاصرة.

المحور الرابع: تحديات تطبيق الشريعة وإقامة الدين في المجتمع السوداني.

المحور الخامس: أثر اختلاف السياق الزماني والمكاني بين الدول في إقامة الدين وتطبيق الشريعة الإسلامية.

بالإضافة إلى منابر حوارية لمناقشة تحديات إقامة الدين في الأنظمة الاجتماعية والتربوية والاقتصادية والإعلامية والثقافية والسياسية... إلخ.

الجلسة الافتتاحية

انطلقت أعمال المؤتمر بجلسة افتتاحية أُلقيت فيها كلمات كلٍّ من د. محمد بابكر العوض (عميد معهد إسلام المعرفة - إمام)، ومدير جامعة الجزيرة د. محمد وراق عمر، ووزيرة التعليم العالي والبحث العلمي، د. سمية محمد أحمد أبوكشوة، بالإضافة إلى كلمة نائب رئيس الجمهورية السودانية الأستاذ حسبو محمد عبد الرحمن. وقد أجمعت الكلمات على أهمية موضوع المؤتمر، وضرورة معالجة الإشكاليات التي تطرحها قضية تطبيق الشريعة في المجتمعات المعاصرة، ومناقشتها من زوايا مختلفة للخروج بتوصيات مفيدة في هذا المجال.

أعمال اليوم الأول

الجلسة الأولى

الجلسة الأولى ترأَّسها البروفيسور إبراهيم أحمد عمر، وكان المتحدّث الرئيس فيها الأستاذ زكي الميلاد (رئيس تحرير مجلة الكلمة من السعودية)، الذي قدّم محاضرة حول أطروحته في المقاربة بين الحداثة والاجتهاد، وحسب هذه الأطروحة -في نظر الميلاد- أن الاجتهاد في المجال الإسلامي هو المفهوم الذي يعادل أو بإمكانه أن يعادل مفهوم الحداثة في المجال الغربي، وذلك لكون أن الحداثة تتكون من ثلاثة عناصر أساسية هي: العقل والعلم والزمن، وهذه العناصر الثلاثة بتمامها هي العناصر المكونة لمفهوم الاجتهاد.

ويرى الميلاد أن المقاربة بين الحداثة والاجتهاد هي من المقاربات الفكرية والمعرفية الجادة والمهمة، ويظن أنها تتّسم بقدر من الإثارة والدهشة ولا تخلو من طرافة، وهي بالتأكيد ليست من نمط المقاربات العادية والعابرة، كما أنها ليست من نمط المقاربات السهلة والبسيطة، ولا من نمط المقاربات الضحلة والهشة.

ولعل ما يعترض هذه المقاربة في تصور الميلاد، هو أننا أمام مفهوم يكاد يكون منطفئًا هو مفهوم الاجتهاد، أو هكذا يبدو، فهو المفهوم الذي أُعلن إغلاق بابه منذ وقت مبكر في سيرة المدرسة الإسلامية السنية، في مقابل مفهوم متّقد وحيوي وفعّال هو مفهوم الحداثة، كما أننا أمام مفهوم ينتمي إلى حضارة مغلوبة هي الحضارة الإسلامية، في مقابل مفهوم ينتمي إلى حضارة غالبة هي الحضارة الغربية.

لهذا من الصعب علينا -حسب قول الميلاد- تخيّل هذه المقاربة في مثل حالتنا الفكرية والحضارية الراهنة، وإعمال الخيال فيها، وجعلها في دائرة البحث والنظر، ولعل من الصعب علينا كذلك لفت انتباه الآخرين من خارج مجالنا الفكري والحضاري إلى مثل هذه المقاربة، وتقريبها إلى دائرة البحث والنظر عندهم، وفي ساحتهم الفكرية والمعرفية.

وما يعترضنا في هذه الشأن -والكلام إلى الميلاد- أن هذه العناصر الثلاثة (العقل والعلم والزمن) هي عناصر واضحة ومتجلية ومنكشفة في مفهوم الحداثة، لكنها في مفهوم الاجتهاد ليست بذلك الوضوح والتجلّي والانكشاف، وهي بحاجة إلى برهنة وإثبات، وقبل ذلك نحن بحاجة إلى استجلاء هذه العناصر في مفهوم الحداثة.

فمن جهة العلاقة بالعقل فهي علاقة بجوهر ثابت فيها، فقد بدأت الحداثة من مبدأ الانتصار للعقل، وسيادة العقل، وتنصب العقل كمحكمة عليا حسب قول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت، وجاءت الحداثة لتعلن الانتصار النهائي والحاسم والحتمي للعقل في ساحة الفكر الأوروبي الحديث والمعاصر.

وعن علاقة الحداثة بالعلم، يكفي معرفة أن تاريخ تطوّر الفكر الأوروبي الحديث، ارتبط بحركة تطور العلم، فإلى جانب المفكرين والفلاسفة كان هناك علماء الفلك والفيزياء والرياضيات الذين أحدثوا هزّات عنيفة غيّرت مجرى تاريخ العلم، ووضعوا الفكر الأوروبي على طريق التطوّر والتحوّل، فمع كل تطوّر في العلم أعقبه تطوّر في الفكر.

ويكفي معرفة أن في القرن السادس عشر كان هناك كوبر نيكوس، وفي القرن السابع عشر كان هناك غاليلو، وفي القرن الثامن عشر كان هناك نيوتن، وفي القرن العشرين كان هناك آينشتاين.

وعن علاقة الحداثة بالزمن، يمكن القول: إن مفهوم الحداثة في فلسفته وحكمته، ماهيته وهويته، بيانه ولسانيته، هو مفهوم زمني، مشتق من الزمن، وجاء متلبسًا بالزمن، وقابضًا عليه.

ثم تطرّق الميلاد إلى علاقة الاجتهاد بالعناصر الثلاثة المكوّنة لمفهوم الحداثة، وجاء حديثه على النحو الآتي:

أولًا: عنصر العقل، يتكشّف هذا العنصر بوضوح كبير في كون أن الاجتهاد يعني إعطاء العقل أقصى درجات الفاعلية، من جهة الفحص والنظر، وإعمال الفكر وجميع العمليات الذهنية والاستنباطية الأخرى، ولا يتحقّق فعل الاجتهاد ولا يصدق إذا عمل العقل بطاقة منخفضة، أو بجهد ضئيل أو بعمل بسيط.

ثانيًا: عنصر العلم، يتكشف هذا العنصر بوضوح كبير أيضًا في كون أن الاجتهاد مجاله يتّصل بالعلم، وعلاقته بالعلم هي أوثق من أية علاقة أخرى، والعلم هو أقرب ما يدل عليه، فالاجتهاد يتحقّق بالعلم ولا يتحقّق بغيره، والمجتهد يعرف بالعلم والعلم الواسع والعالي، ولا يعرف من دونه، وكل مجتهد عالم، لكن ليس كل عالم مجتهد.

ثالثًا: عنصر الزمن، لا يقل هذا العنصر تكشّفًا ووضوحًا عن العنصرين السابقين، لكون أن فلسفة الاجتهاد تتّصل بشكل وثيق بفكرة الزمن، إلى درجة يمكن القول: إن الاجتهاد لا يكون إلَّا ناظرًا إلى الزمن في كل آن وبلا توقف، وبوصفه زمنًا متغيّرًا ومتجدّدًا وسيّالًا، فلا يمكن فصل الاجتهاد عن فكرة الزمن، ومتى ما حصل مثل هذا الفصل على افتراضه، يتعطّل دور الاجتهاد ويفقد فاعليه وديناميته، ولا يصدق عليه عندئذٍ صفة الاجتهاد حقيقة.

وفي ختام محاضرته اعتبر الميلاد أن الحكمة من هذا الطرح إنما هي لتأكيد أن بناء الحداثة لا يتحقّق إلَّا من خلال تأسيس داخلي، وليس عن طريق جلب خارجي، وبإمكاننا أن نكتشف حداثتنا المستقلة عن طريق مفهوم الاجتهاد، مع شرط التواصل المعرفي والنقدي مع الحداثة في أفقها الإنساني العام، وليس على أساس الانقطاع عنها.

ومذكرًا أنه ليس بصدد خلق ثنائية جديدة، إلى جانب الثنائيات القلقة والسجالية في الخطابات العربية والإسلامية المعاصرة، وهي ثنائية الحداثة والاجتهاد، وإنما قصد إعادة الاعتبار لمفهوم لا يقل قيمة وفاعلية عن مفهوم الحداثة، وهو مفهوم الاجتهاد.

وبعد المحاضرة قدمت مجموعة من الأوراق، منها ورقة البروفسور محمد الحسن بريمة إبراهيم تحت عنوان: «مفهوم إقامة الدين في القرآن الكريم.. أبعاده الوجودية والمعرفية والمنهجية»، في البداية تحدّث الباحث عن الحكمة من خلق الإنسان، وكيف سخّر الله عز وجل له الكون، وأن المطلوب منه هو إقامة الشريعة الإلهية في واقعه الاجتماعي، مع مراعاة شروط الزمان والمكان للمجتمع الذي يُقام فيه الدين.

وبما أن الواقع الاجتماعي متغيّر على الدوام، على عكس المثال الديني الكلي والثابت، فهذا يقتضي وجود اجتهاد معرفي دائم صادر عن المصادر الإسلامية لإنتاج علم تجريبي يظل به الواقع الاجتماعي – كما يقول الباحث – متوحّدًا أو مشدودًا أبدًا إلى مثاله الموحى في الزمان والمكان.

وقد توصّلت الورقة باستخدامها «نظرية» عن الاجتماع الإنساني مستنبطة من القرآن إلى الكشف عن القوى الفاعلة والمشكّلة للفضاء الاجتماعي الإنساني، وهي: الله عز وجل، الوحي، المجتمع الإنساني بقاعدته المادية، الملائكة، الشيطان.

كما تحدّثت الورقة عن علوم الدين المطلوبة لإقامة الدين في الواقع الاجتماعي الظرفي، وضرورة التأسيس لعلوم توحيدية كونية تهيِّئ لإقامة الدين في امتداداته الكونية.

لذلك لا بد-كما يرى الباحث- من توظيف أداة (النظرية) في التعامل مع القرآن الكريم لإنتاج نظريات كلية (رؤية للعالم) منه، تُجسّر المسافة بين الوحي وتفاعلات الفضاء الاجتماعي حيث يقام الدين.

ومن الأوراق التي قُدِّمت في هذه الجلسة كذلك ورقة د. خالد حمدي عبد الكريم (أستاذ بكلية العلوم الإسلامية - جامعة المدينة العالمية) عن «التجديد الفقهي وأثره في تطبيق الشريعة الإسلامية»، في البداية أشار الباحث إلى ما تعرّضت له الشريعة من إقصاء بعد سقوط الخلافة العثمانية وهيمنة الاستعمار الغربي على العالم الإسلامي، وكيف أثار هذا الإقصاء مشكلة قدرة الشريعة على مواكبة العصر ومستجداته، ما اقتضى الحديث عن ضرورة تجديد الفقه الذي هو –حسب الباحث- رأس هذه الشريعة وجسدها الحي النابض.

ثم شرع الباحث في تسليط الضوء على مفهوم التجديد ومجالاته وملامحه، مستخدمًا المنهج الاستقرائي والتحليلي، ومستعرضًا آراء العلماء في هذا الموضوع. وقد استعرضت الورقة مجموعة من النتائج التي توصّل إليها الباحث، من أهمها: أن معوّقات تطبيق الشريعة تكمن في الشبهات المثارة حولها، والنظم السياسية التي تميل إلى النظم القانونية الوضعية، وهناك معوّقات تتعلّق بالعلماء والفقهاء، حيث يسود الجمود ودعاوى غلق باب الاجتهاد، بالإضافة الى الجهل بالشريعة الذي يسود الأوساط الاجتماعية من حيث الأحكام والمقاصد.

أما بالنسبة لمجالات التجديد الضرورية، فقد أشار الباحث إلى أهمية ربط الأحكام بعللها ومقاصدها، وربط الفقه الإسلامي بالعلوم الأخرى، وتشجيع الاجتهاد الجماعي في النوازل المستجدة، والعمل على تقنين الفقه الإسلامي... إلخ.

من الأوراق التي قدّمت في هذه الجلسة كذلك ورقة د. رضوان رشدي (من علماء دار الحديث الحسنية في الرباط – المغرب) بعنوان: «رؤية كلية لإقامة الدين وتطبيق الشريعة»، في البداية أشار الباحث إلى التخلّف الذي سقطت فيه الأمة، وكيف أن البعض اعتبر أن سبب ذلك الابتعاد عن الإسلام وتطبيق شريعته، لكن الباحث يشير إلى أهمية الاهتمام بمنهج التغيير الذي سلكه الرسول في التغيير النفسي للفرد والأمة.

ثم شرع الباحث في عرض تصوّره المبدئي حول الأسس العلمية الكفيلة بإقامة الدين وفهم الشريعة وتطبيقها، مرتكزا على منهج وصفي دقيق لواقع الأمة، مع تقديم -ما أسماه- رؤية الكيف المتعلقة بالتنزيل الواقعي للحكم الشرعي، والغايات التي اتَّبعها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في تغيير الأمة وبناء الدولة عن طريق بناء الإنسان أولًا ثم تربية أمة وانتظامها في عُلق التنزيل العملي لمقاصد الدين وغاياته الكبرى.

كما أشار الباحث في ورقته إلى علل سقوط الأمة وتصوّره حول الدولة المنشودة الحاضنة لمنظومة الأحكام المفضية لإسعاد ونفي الحرج والعنت عنه.

وقد قُدِّمت في هذا الجلسة أوراق أخرى: «الاجتهاد بين القبول والرفض» للدكتور قيس محمود حامد، و«تغيّر اتجاهات النظر نحو مفهوم الشريعة في الخطابين الإسلامي والغربي» للدكتور محمد بابكر العوض.

الجلسة الثانية

ترأّس هذه الجلسة البروفسور عبد الله الزبير، وقدّم فيها د. صباح خضر أحمد (أستاذ مساعد في معهد إسلام المعرفة - جامعة الجزيرة) ورقة بعنوان: «اجتهادات المرأة في تطبيق الشريعة وإقامة الدين»، في البداية أشار الباحث إلى أن إقامة الدين مسؤولية أئمة المسلمين وحكّامهم، كما هو واجب الجماعة الإسلامية، ثم حاول إبراز الصورة العملية لتطبيق الشريعة في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والخلافة الراشدة من خلال اجتهادات أمّهات المؤمنين والصحابيات العالمات في عصر التابعين.

كما أشار الباحث إلى بعض الدراسات المعاصرة التي تناولت اجتهادات المرأة في التطبيق، ومن خلال ذلك فقد أجابت الورقة على عدد من الأسئلة مثل: ما أهمية إقامة الدين في حياتنا؟ وهل يمكن للمرأة ان تكون مجتهدة؟ وما هي إشكاليات العادات والتقاليد في تطبيق المرأة للشريعة؟

الدكتور عبد الله محمد الأمين (أستاذ الحضارة والفكر الإسلامي بمعهد إسلام المعرفة - جامعة الجزيرة)، قدم ورقة بعنوان: «المنهج النبوي في إقامة الدين وتحدّيات الواقع الإسلامي». وقد حاولت هذه الورقة تقديم رؤية كلية للمنهج النبوي في التغيير وإقامة الدين من أول بداية الوحي وإلى نهاية نزوله، وكذلك مناقشة التحديات التي تواجه الأمة اليوم، كما ناقش الباحث المنهج النبوي في سعيه لتغيير الواقع الاجتماعي من خلال محاور: تصوري ومعرفي ومنهجي، ومن خلال ذلك تحدّث عن إشكالية: فصل الدين عن الدولة، وغياب الفقه بالأحكام وبمهام التكليف الإلهي للأمة، مستخدمًا المنهج الوصفي والتحليلي.

ومن الأوراق التي قُدمت في هذه الجلسة كذلك، ورقة الدكتور عمر الخير إبراهيم (باحث بمعهد إسلام المعرفة - رئيس دائرة العلوم السياسية) بعنوان: «دور المجتمع المدني في إقامة الدين». تنطلق هذه الورقة لتوصيف علاقة المجتمع المدني بالدين وبالإسلام على وجه الخصوص، من فرضية أن المجتمع المدني بحكم نشأته وتطوّره يعمل على تحقيق مصالح المجتمع، ومن هنا فإن له دورًا محوريًّا في تعزيز القيم والمبادئ الأخلاقية وبالتالي تعزيز قيم التديّن لدى أفراده.

وقد ركَّز الباحث على تعريف وتبيان مفاهيم: المجتمع المدني، الدين، الدولة، الحرية، العلمانية... إلخ، لمعرفة أوجه الاتّفاق والاختلاف بين هذه المفاهيم في الرؤيتين الدينية والوضعية، ليصل في نهاية المطاف للتنبيه إلى أن المجتمع المدني بحكم فلسفته ومنهجه يمتلك مقوّمات داخلية، أخلاقية واجتماعية تسمح له بالقيام بأدوار مختلفة اهمها المحافظة على الدين والقيم ومصالح المجتمع الكلية المختلفة.

قُدّمت في هذه الجلسة كذلك أوراق كلٍّ من د. الزين عبد الله يوسف عن: «التحديات الاقتصادية وإقامة الدين.. السودان نموذجًا»، و«أثر الاجتهاد المقاصدي في استنباط الأحكام في باب السياسة الشرعية» للدكتور عزيز محمد علي الخطري.

الجلسة الثالثة

وبالتزامن مع الجلسة الثانية، عُقدت جلسة ثالثة ترأَّسها الأستاذ محمد وراق عمر، وتحدّث فيها كلٌّ من د. عبد الغني قزيبر (أستاذ مساعد بالكلية متعددة التخصصات بالرشيدية) عن: «إعمال المقاصد في تطبيق الشريعة.. مدارك التكييف وقواعد التنزيل)، في البداية أكد الباحث اهمية مقاصد الشريعة باعتباره علمًا أصيلًا من علوم الشريعة، وقد وُلد في رحم علم أصول الفقه، وهو اليوم يُعد مفتاحًا مهمًّا في الاجتهاد المعاصر للتعامل مع القضايا المستجدة.

ومن خلال القراءة التكاملية التي تجمع فقه النص وفقه الواقع، تحاول هذه الورقة الكشف عن مرتكزات وخصائص المقاصد الشرعية، وتعميق الرؤية المقاصدية في تنزيل مقتضى الشريعة خدمة للإنسانية، بالإضافة إلى التنبيه الى ضرورة التحرّر من بعض الإشكالات التراثية التي أرهقت -كما يقول الباحث- العقل المسلم ولم تفضِ إلى رقي فكري أو بناء عمراني.

كذلك قدّم د. محمد حيدر الحبر الطيب (أستاذ مساعد بكلية التربية – جامعة القرآن الكريم وتأصيل العلوم)، ورقة بعنوان: «منهجية تعليل الأحكام الشرعية في الاجتهادات المعاصرة.. دراسة أصولية مقاصدية»، تهدف هذه الورقة الى الكشف عن المنهجية الأصولية المعتمدة في تعليل الأحكام الشرعية في استنباط الأحكام للنوازل الفقهية المعاصرة، وذلك لأهمية التعليل؛ لأن الخطأ فيه كالخطأ في المقدّمة المؤدّي الى الخطأ في النتيجة، وقد انتبه القدامى لخطورة هذا التعليل وعلاقته بمقاصد الشريعة.

ومن خلال خمس مباحث قدّم الباحث تعريفًا للتعليل لغةً واصطلاحًا، كما قدّم أمثلة للتعليل في القرآن والسنة، بالإضافة إلى عرضه لمنهجية التعليل في الاجتهادات المعاصرة. وقد خلص الباحث إلى أن منهجية التعليل الملتزمة بمقاصد الشرع تُثبت شمولية الإسلام وعالميته ومواكبة شريعته لمستجدات العصر، داعيًا إلى الاهتمام بهذا المجال العلمي والمعرفي المهم.

كما تحدّث في هذه الجلسة كل من د. طارق عثمان علي منصور، عن «مقصد التيسير ورفع الحرج وتطبيقاته الفقهية.. دراسة تحليلية»، وحسام الدين عمر الأمين، عن «رؤية العالم بين مقاصد الدين الإسلامي وعصر الهيمنة العالمية»، كما تحدّث د. محمد بشري الخليفة عن: «الشريعة الإسلامية بين إيجابيات التطبيق وسلبيات التقصير».

وعلى هامش هذه الجلسات نُظم منبران، الأول لمناقشة تحديات إقامة الدين في النظام الاجتماعي، وتحدّث فيه د. علي عثمان محمد طه، والثاني لمناقشة تحديات إقامة الدين في النظام المعرفي، وتحدّث فيه البروفسور عبد الحميد أحمد أبو سليمان.

أعمال اليوم الثاني

الجلسة الأول

في اليوم الثاني من فعاليات المؤتمر عُقدت ثلاث جلسات، الجلسة الأولى ترأَّسها محمد خير قرباش أوجلو من تركيا، ومن بين الأوراق التي قُدّمت في هذه الجلسة، ورقة د. صالح مصطفى أحمد معلى (أستاذ الاقتصاد المساعد بمعهد إسلام المعرفة بجامعة الجزيرة – السودان).

في البداية أشار البحث إلى اغتراب الحياة الاقتصادية في عصرنا الحالي عن الدين، ما جعل الدين غامضًا في مجال الاقتصاد، ثم شرع في الكشف عن الرؤية الكلية ومفهوم إقامة الدين في الحياة الاقتصادية مؤكدًا على المبادئ الأساسية لهذه الرؤية وهي: التوحيد، الاستخلاف، العدالة، وبمقتضى هذه الرؤية فإن البشر جميعًا مُتساوون في العبودية لله عز وجل، وأصل المنشأ، وبالتالي فمفهوم الدين في المجال الاقتصادي -حسب الباحث- يقتضي أن الموارد في يد الإنسان ويجب عليه أن يوجّهها لمصلحة الجميع، وعلى كل نشاط اقتصادي أن يسعى لتحقيق العدالة الاقتصادية - الاجتماعية، وتسخير المال لحفظ المقاصد الضرورية.

وقد أشارت الورقة إلى التحدي المعرفي فيما يتعلّق بإيضاح مفهوم الدين في الحياة الاقتصادية، لأن مصدر التحدي ينبع من الحديث عن الاقتصاد الإسلامي نفسه، ومقارنته بالنظم الاقتصادية الوضعية، وكذلك تحدي تحديد الأولويات، إلى مستوى التخطيط الاقتصادي وعلى مستوى الإنفاق والحفظ والاستثمار.

كذلك قدّم د. مجدي خضر الكردي (باحث في العلوم التربوية والإنسانية)، ود. أدهم عدنان طبيل ورقة بعنوان: «تحديات تطبيق الرعاية الاجتماعية في المجتمعات المعاصرة وفق الرؤيا الإسلامية»، يُعدّ الحديث عن أهمية التكافل والتآزر الاجتماعي باعتبارها من سمات المجتمعات المسلمة، أشار الباحث إلى دور الدولة في تحقيق الرفاه الاجتماعي، وتقديم الرعاية الاجتماعية وما نتج من تحديات في تطبيق هذه الرعاية في المجتمعات المعاصرة، وقد ركّز الباحث في دراسته على مجموعة من القضايا المهمة في مجال الرعاية مثل: تطبيق الرعاية الاجتماعية لكبار السن ولذي الإعاقة، وصعوبات تطبيق الرعاية الاجتماعية في ظروف صعبة، كل ذلك من منظور إسلامي.

وقد توصّلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج منها: تطبيق الرعاية الاجتماعية وفق الرؤية الإسلامية تواجه عدة تحديات، منها: الجهل بسياسات هذه الرعاية الاجتماعية - الإسلامية، وقلّة الإمكانات والوسائل التي تحتاجها الرعاية الاجتماعية، ومركزية القرار، وإهمال بعض قطاعات الرعاية ومنها قطاع المُسنين، بالإضافة إلى هيمنة القوانين الوضعية على الشؤون الاجتماعية والضمان الاجتماعي.

كذلك قدّم د. قاسم عمر أبو الخير (أستاذ مساعد بمعهد إسلام المعرفة – جامعة الجزيرة بالسودان) ورقة بعنوان: «إقامة الدين في المجتمعات المعاصرة.. بعض تحديات التربية والتعليم». تحاول هذه الدراسة الإجابة عن سؤال مهم ومركزي وهو: ما هي أبرز التحديات التعليمية والتربوية التي تعوق إقامة الدين في المجتمعات المعاصرة، وما طبيعتها ومسبباتها؟ في محاولة لرصد هذه التحديات التي تؤثر في إعداد وتكوين المتعلمين، والبحث –كما يقول الباحث- عمَّا يمكن من وسائل وآليات لأجل توظيفها في التقليل من تلك التحديات.

كما حاولت الورقة تقديم بعض المقترحات لمواجهة بعض تحديات التربية والتعليم التي تؤثّر في جملة المصالح الكلية التي تسعى الشريعة لتحقيقها بإقامة الدين في المجتمعات المعاصرة. وقد أكدت الورقة أن هذه التحديات المرتبطة بالتربية والتعليم لا يمكن عزلها عن بقية الأنظمة: السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهنا يكمن تحدي إعداد الفرد المسلم عبر التربية والتعليم، ليؤثّر في هذه المجالات بشكل إيجابي.

وقد قدّمت الورقة بعض المقترحات لمعالجة هذه التحديات وتجاوزها، مستخدمة المنهج الوصفي والاستقرائي التحليلي.

ومن الأوراق التي عرضت في هذه الجلسة كذلك ورقة د. عبد الله صالح بو بكر، عن «الحاكمية والاستراتيجية.. تساؤلات نقدية»، و«قضايا المرأة المعاصرة من منظور إسلامي.. اتّفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) نموذجًا» للدكتورة زينب محمد إبراهيم كساب.

الجلسة الثانية

الجلسة الثانية ترأَّسها الأستاذ ربيع حسن أحمد، وقد تحدّث فيها عدد من المشاركين، منهم د. عارف عليمي عن «دور الاجتهاد الوسطي للمدرسة الفقهية الزيتونية في تطوير التشريع المعاصر»، ود. رحاب عبد الرحمن الشريف عن «إشكالية بناء الدولة السودانية بين الرؤية الاسلامية والخبرة الواقعية»، كما قدم د. خوجلي أحمد صديق ورقة بعنوان: «اختلاف الهوية وأثره في تطبيق الشريعة»، فيما تحدّث الأستاذ إبراهيم خليل هارون عن «تجربة التشريع الإسلامي في ولاية كنو.. هيئة الحسبة أنموذجًا»، ود. محمد حمد أحمد عن «مركزية الشريعة في تشكيل وضبط المجتمع الإنساني.. الحالة السودانية نموذجًا».

الجلسة الثالثة

ترأَّس هذه الجلسة د. محمد الحسن بريمة، وتحدّث فيها كلٌّ من د. محمد مجذوب صالح عن «الإسلام وتحدي الدولة الوطنية في العالم الإسلامي»، ود. حسين المريميد من سوريا عن «الاجتهاد المقاصدي وأثره في مسائل السياسة الشرعية»، كما تحدّث د. محمد الأمين الحاج عن «منهجية التعامل مع السنة النبوية وتطبيقاتها في الواقع المعاصر»، ود. عبد العاطي أحمد قدال عن «التحديات التربوية التي تحول دون تطبيق الشريعة الإسلامية»، فيما قدّمت د. مريم خضر عبد العظيم ورقة بعنوان: «التحدي في إقامة الدين في المجتمعات المعاصرة وأشكاله».

وقد نُظِّم على هامش هذه الجلسات منبران، الأول لمناقشة: تحديات إقامة الدين في النظام التربوي والتعليمي، وقد تحدّث فيه د. عبد الرحيم أحمد سالم، والثاني لمناقشة، تحديات إقامة الدين في النظام الاقتصادي والمالي، وقد تحدّث فيه الشيخ الزبير أحمد الحسن.

وفي اليوم الثالث نظّمت ثلاثة منابر لمناقشة: تحديات إقامة الدين في النظام الإعلامي والثقافي، وتحديات إقامة الدين في النظام السياسي، وتحديات إقامة الدين في النظام التشريعي والعدلي والقانوني.

بعدها تُلي البيان الختامي في الجلسة الختامية بكلمات لمعهد إسلام المعرفة، وجامعة الجزيرة، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي.