يضم هذا الكتاب البحوث والدراسات وكلمات الافتتاح التي عرض في ندوة دمشق حول موضوع: «اجتماع دولي لوضع استراتيجية مشتركة للتقريب بين المذاهب الإسلامية» وذلك بين 10ـ12 نيسان (أبريل) 1999م. وقدنظمت الندوة مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية. وشارك فيها عدد كبير من المفكرين والعلماء من دول عربية وإسلامية، بالإضافة إلى مؤسسات ومراكز إسلامية محلية وإقليمية، مثل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) ورابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، وأكاديمية العلوم في إيران والأزهر الشريف.
قدمت خلال أعمال الندوة قرابة (25) بحثاً ودراسة تناولت مجموعة من المحاور وعالجتها مثل: موضوع التأصيل الفكري بين المذاهب، بحث الاختلافات المذهبية عند المسلمين وتحديد المظاهر اللازمة لعلاجها، استعراض تجارب الأمم والشعوب في احتواء المشاكل الناجمة عن الاختلافات الدينية، البحث في تحديد مسؤولية احتواء الأزمات المذهبية والمهمات التي يمكن أن تقوم بها المؤسسات والمراكز الحكومية والأهلية في هذا المجال. وأخيراً تقديم أفكار وبلورة مقترحات كفيلة بتحقيق التقارب بين المذاهب الإسلامية.
وقد توافق المشاركون على مجموعة مقترحات عرضها البيان الختامي منها:
ـ دعوة المنظمات والهيئات والجمعيات الإسلامية، للعمل من أجل التقريب، ضرورة تعميم ثقافة التقريب بين المذاهب الإسلامية وداخل الوسط الاجتماعي والفكري والعلمي العام، الاستفادة من الوسائل الإعلامية لتحقيق التقريب وأهدافه. وغيرها من الأهداف والغايات التي تصب في النهاية في تحقيق التماسك الاجتماعي والديني والفكري للأمة الإسلامية.
كتاب جديد من سلسلة حوارات لقرن جديد، التي تشرف على إصدارها دار الفكر في دمشق، والموضوع هذه المرة له أهمية كبيرة لأنه يتعلق بعلاقة الإيمان بالعلم، وقد تطور هذا الإشكال الفكري علاقة العقل بالوحي وأيهما يمكن اعتماده للوصول إلى الحقائق المطلقة وعلى رأسها الإيمان بوجود الله خالق هذا الكون والمدبر له. وكان السؤال يطرح دائماً هل بإمكان العقل أن يصل إلى الحقيقة الإلهية ويستدل عليها دون الركون إلى الوحي والنبوة، وقد استطاع عدد من كبار عقلاء الإنسانية أن يستدلوا على وجود الله بعدد من الأدلة العقلية مثل دليل الإبداع أو الخلق وكذلك دليل الغائية حيث لا يوجد شيء في الطبيعة والكون إلا وله غاية خلق من أجلها فلا وجود للعبث، ومع بداية عصر النهضة الأوروبية وما حققه العلم من فتوحات واكتشافات تجاوزت حقائق الفلسفة القديمة وعدداً من العقائد المتوارثة، راج داخل الوسط العلمي أن بإمكان العلم أن يصل إلى الحقائق دون الركون إلى غيره من الوسائل والطرق مثل الفلسفة والوحي، وأن العلم بمناهجه التجريبية وحدها، سيمكن الإنسان من معرفة حقائق الكون والحياة النسبية والمطلقة، وقد فجر هذا التفكير الجديد صراعاً مريراً بين العلم والكنيسة التي رفضت بعض الاكتشافات العلمية الجديدة لانها مخالفة لما كان يروج داخلها من أفكار وعقائد مستمدة من المذاهب الفلسفية القديمة.
لكن التطور العلمي الهائل بعد ذلك على المستويين النظري والتقاني، وتطور النظر إلى حقائق الدين وفهمها، كشف عن فهم جديد للحقائق تقلص معه التناقض الظاهري بين حقائق العلم وحقائق الإيمان، لأن العلم قدم الأدلة على صحة أهم حقيقة دينية وإيمانية وهي حقيقة وجود الله، انطلاقاً من التأكيد على أن الكون مخلوق بإبداع ونظام وقوانين لا علاقة لها بالصدفة أو العبث وإنما كل شيء مخلوق لغاية ولهدف وكل شيء موضوع في مكانه وهذا أقوى دليل على وجود خالق مدبر ومبدع لهذا الكون. بل لقد كشف التطور العلمي عن إشكالات جديدة نظرية وعلمية لايمكن تفسيرها إلا بالإيمان الراسخ بوجود قدرة إلهية، تقف وراء سيرورة التطور الموجه منذ الانفجار الأعظم وحتى ظهور الإنسان خليفة الله في الأرض كما أكد د. هاني رزق في القسم الأول من الكتاب حيث تحدث عما توصل إليه العلم من حقائق واكتشافات حول نشوء الكون وبداية الخلق.
أما الدكتور خالص جلبي فقد تحدث عن الثورة العلمية الحديثة والإيمان، حيث عالج مجموعة من القضايا الشائكة مثل نقاط التقاطع بين الفلسفة والعلم والدين، وتحدث عن بعض التجارب المعاصرة التي حاولت أن تعبر جسر القطيعة والتناقض للوصول إلى حل إشكاليات العلاقة بين العلم والإيمان بطريقة مختلفة تنطلق من عمق الرحم العلمي لفهم جدلية القانون والإرادة وكيف تعانق الضرورة والحرية، كما يقول د. خالص، بالإضافة إلى حقيقة كون أن العالم والخلق يقوم على سنن ونواميس إلهية، بالإضافة إلى مناقشة عدد من الأسئلة لها علاقة بالموضوع مثل قضية البحث العلمي وأساليبه حيث احتدم النقاش بين طرفي الحوار..
بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران ووصول الفقهاء إلى سدة الحكم عن طريق صيغة سياسية جديدة هي ولاية الفقيه التي نظر لها زعيم الثورة الإمام الخميني، وأقام بنيانها العملي والواقعي ساد اعتقاد لدى الأوساط خارج إيران وكذلك خارج الوسط العلمي الشيعي بأن نظرية ولاية الفقيه كما قدمها زعيم الثورة والمؤمنون بها، هي النظرية السياسية الوحيدة التي كشف عنها الفكر الشيعي.
مؤلف الكتاب وبعد مراجعة للأدبيات السياسية التي يحتضنها التراث الشيعي. يرى أن هناك ما لا يقل عن تسع نظريات مختلفة في مجال الحكم من ضمنها ولاية الفقيه التعيينية المطلقة. لذلك فالبحث العلمي يقتضي ان يتم الكشف عنها، وعرضها في إطار منهج مقارن وتصنيفها ووصفها وتحليلها للوصول إلى حقائق وإجابات جديدة عن أفضل تلك النظريات وأكثرها انسجاماً مع مفهوم الجمهورية الإسلامية، بالإضافة إلى إثراء البحث السياسي الإسلامي الذي ظل لقرون طويلة مغيباً وغير متداول داخل الأوساط العلمية والدينية.
بعد استعراض المراحل الأربعة لتطور الفقه السياسي عند الشيعة، والحديث عن الموقف من الدولة ونظرية الحسبة، يشرع المؤلف في عرض النظريات السياسية الشيعية التي يرى أنها غير معروفة. 1ـ السلطة المشروعة. 2ـ ولاية الفقهاء التعيينية العامة. 3ـ ولاية شورى مراجع التقليد العامة التعيينية أو الولاية الشورية في مقابل الولاية الفردية. 4ـ ولاية الفقهاء التعيينية المطلقة. 5ـ الحكومة المشروطة بإذن الفقهاء وإشرافهم. 6ـ خلافة الأمة وإشراف المرجعية. 7ـ ولاية الفقيه الانتخابية المقيدة. 8ـ الحكومة الإسلامية المنتخبة. أما النظرية التاسعة فهي: وكالة مالكي المشاع الشخصيين.
لأبي حامد الغزالي مكانة متميزة في الفكر الإسلامي ماضياً وحاضراً ، وإذا كان في الماضي قد أثار جدلاً واسعاً حول آرائه ورحلته المعرفية، فإنه نال اهتمام المعاصرين كذلك، حيث أنجزت العديد من الدراسات حول فكره، منها ما قدم استقصاء لتراثه حصراً وتوثيقاً ، ومنها ما اهتم بموضوع معين باعتباره إشكالياً معرفياً عالجه الغزالي أو قدم فيه رأياً جديداً . أما هذا الكتاب الذي يصدر بالتعاون مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي فيقدم دراسة منهجية لتراث الغزالي بشكل عام للكشف عن قضية مهمة في فكره وإبداعه وهي سياسة العلم، فمن خلالها تظهر قدرة الغزالي على استيعاب الخطاب وصياغته والاستفادة منه في الإصلاح الفردي والاجتماعي، كما يمكن تحديد طبيعة نظرته المعرفية ووضعه بالتالي في مكانه في تاريخ الفكر الإسلامي، بعيداً عن التقييمات والأحكام المسبقة التي تحكمت بها أيديولوجية معينة يحاول الدارس لتراث الغزالي أن يدافع عنها من خلال ذلك أويوجه النقد إليها عبر قراءته لفكر الغزالي والمواضيع التي عالجها في كتبه.
يحتضن الكاتب سبعة فصول وتمهيداً تناول فيه مسألة سياسة العلم موضحاً أهميتها في فكر الغزالي، وكيف شكلت خطابه وصاغت توجهاته المعرفية. أما الفصل الأول فقد خصصه لاستعراض المحطات الرئيسية لسيرة الغزالي وكيف أثرت في بحثه عن اليقين، وفي الفصل الثاني كشف عن مفهوم الظاهر عند الغزالي وكيف فهمه وما هي مصادره في ذلك. ثم الخطوات البرهانية التي تسوغه. أما الفصل الثالث فقد خصصه لنقد القضايا والدعاوى المعرفية ممهداً له بعرض لمشكل المصطلح، ليصل إلى عرض الأصول التي اعتمد عليها الغزالي في تأسيسه للنقد وبناء البدائل وهي الإلتزام بالبرهان والشريعة معاً وعدم انفكاك النظر عن العمل.
الفصل الرابع أوضح فيه طبيعة المنهج الأصولي عند الغزالي، وكيف انتقل من المعقول إلى المنقول، كما تعرض لمفهوم أحوال الشريعة عنده وكذلك فهمه لأصول الفقه.. وأن فهمه للشريعة كان متميزاً ويستند إلى أصول عقلانية.
وفي الفصل الخامس تحدث عن المنهج العملي وكيف فهمه الغزالي وعلاقته بالعلم والبرهان لديه. لينتقل بعد ذلك للحديث عن منهجه الذوقي في الفصل السادس، وأخيراً وفي الفصل السابع كشف المؤلف عن طبيعة فهم الغزالي لعلوم المكاشفة وكيف حددها. وما هي طبيعة العلاقة القائمة بين الموجودات المختلفة ومراحل ترقي النفس الإنسانية، وبذلك يكون المؤلف قد قدم رؤية بلور فيها نظرية الغزالي العلمية وكشف عن المناهج المتبعة في بنائها وعلاقة الخطاب الغزالي بشكل عام بسياسة العلم.
حقق المشهد الثقافي الإسلامي في العصر الحديث تراكماً معرفياً غزيراً من حيث مادته ومن حيث المواضيع التي انشغل بها واستحوذت على اهتمام القائمين عليه، بالإضافة إلى التنوع والتجديد الذي حفل به انطلاقاً من الخلفيات الموضوعية المتنوعة والممتدة على رقعة جغرافية شاسعة تتجاذبها مؤثرات حضارية مختلفة، وهذا ما شكل ثراء في بعض النواحي المعالجة في الوقت نفسه الذي وقفت فيه بعض الخصوصيات مثل اللغة حاجزاً أمام تفاعل معطيات الفكر الإسلامي وامتزاجها ما يساعد على تطوره وبلورة رؤية فكرية إسلامية أكثر نضجاً وأكثر انسجاماً مع الواقع ومعطياته.
لكن مما لا شك فيه أن هذا التراكم أصبح يشكل مادة خصبة وثرية لرصد تطور هذا الفكر خلال هذا القرن بالذات ومراجعة مواقفه والوقوف عند اتجاهاته وتياراته المتنوعة لتحسس أدائها وحجم فاعليتها وتعاطيها مع الواقع العملي من جهة والتطور الذي بلغته على المستوى النظري من جهة أخرى وكيف عالج المفكر الإسلامي الإشكاليات النظرية والواقعية التي كشف عنها التطور الحضاري الإنساني، بالإضافة إلى معالجة المآزق التي يعاني منها على جميع المستويات والتي ناقشها تحت عناوين ومسميات كثيرة أشهرها قضايا الأصالة والمعاصرة وشكل التأصيل الإسلامي لعدد من المستجدات العلمية والواقعية.
الكتاب الذي بين أيدينا ومن خلال حوارات أجرتها مجلة قضايا إسلامية معاصرة مع نخبة من أعلام الفكر الإسلامي المعاصرين، يحاول أن يتعرف على راهنية الفكر الإسلامي والمشاغل والهموم الفكرية التي تستحوذ على اهتمام المفكرين الإسلاميين من علماء وفقهاء ومثقفين بغية الوصول إلى رصد هذه المرحلة المهمة من تاريخ الفكر الإسلامي والكشف عن طبيعة القضايا الفكرية والعلمية التي تميز مشهده في هذه الحقبة بالذات وتشهد على مستوى ما وصله من رقي في مستوى المعالجة، وكذلك نكساته وخيباته الكثيرة. وهذا ما أفصحت عنه هذه الحوارات مع الشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ جودت سعيد ود. طه جابر العلواني، والشيخ راشد الغنوشي والسيد محمد حسن الأمين ود. حسن حنفي.
أما مواضيع الحوارات فقد جاءت متنوعة لا يمكن حصرها في عنوان معين لأن الأسئلة لم تتقيد بموضوع خاص وإنما شملت مجموعة من القضايا الأساسية وغيرها من القضايا الأقل أهمية. من هذه القضايا: أزمة تفعيل الفكر الإسلامي، أبعاد غائبة عن الفكر الإسلامي، الفكر الحركي الإسلامي، الإسلام والديمقراطية، التراث والتجديد.
غالبية الأبحاث التي ظهرت لحد الآن وتناولت قضية الاجتهاد تناولته من زاوية «أحكام الدين» وليس من زاوية «أهداف الدين» بينما ـ يقول المؤلف ـ أحاول هنا أن أنظر للاجتهاد من نافذة «أهداف الدين».
لقد انحسر الاجتهاد ولمدة طويلة في مباحث أحكام الدين الخاصة بمجال الفقه، واستنفد طاقاته في تكرار أساليب وأدوات الاستنباط ما جعلها تصبح مناهج شبه مقدسة لا يجوز تجاوزها لاكتشاف آفاق جديدة للبحث والاستدلال. وهذا ما جعل الاجتهاد التقليدي يسقط بدوره في صيغ تقليدية قلصت من فاعليته وحجَّمت دوره في مواكبة المتغيرات الاجتماعية واستيعابها. لذلك لم ينفتح هذا النوع من الاجتهاد على دوائر فكرية غير الفقه، مثل مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر بشكل عام.
الاجتهاد التحقيقي كما يسميه المؤلف محاولة للخروج من أزمة الاجتهاد التقليدي وتجاوزها عبر إفساح المجال للعقل الإسلامي لينخرط في مجالات أخرى لم يكن الاجتهاد التقليدي يوليها الاهتمام الذي تستحقه، وينفتح على كافة العلوم الإسلامية مستفيداً من تطور المعارف البشرية، واضعاً أهداف الدين ومقاصد الشريعة صوب عينيه لتوجه عملية استنباطه للأحكام والقيم باعتبارها الأهداف العليا للوحي الذي جعل من أهم أهدافه تحقيق مجتمع العدل والحقيقة.
يحتضن الكتاب ثلاثة فصول. الفصل الأول تحدث فيه عن الاجتهاد بين أحكام الدين وأهدافه، وفي الفصل الثاني عالج فيه قضية العلاقة بين الاجتهاد والتقليد في الفلسفة، أما الفصل الثالث فخصصه للحديث عن المعرفة الدينية بين التفكيكية والإخبارية.
لاشك أن العقل من أعظم المنح الإلهية للإنسان، فبه يتميز عن سائر المخلوقات وبه استحق التفضيل وجعل خليفة لله في الأرض، وهو مناط التكليف الشرعي، فلولاه لما عرف الإنسان الفرق بين الحلال والحرام أو الخير والشر، بل لولاه ـ وكما جاء في الأثر ـ لما عرف الإنسان ربه لأن به يعرف نفسه وإذا عرف نفسه حق معرفتها فقد عرف ربه وخالقه.
من هنا ففهم العقل وما يحيط به من مؤثرات وعوامل تساعده على القيام بوظيفته في أحسن حال أو تحول دونه ومعرفة الحقائق وترمي به في متاهات الأهواء، يعتبر ليس مهماً فقط وإنما ضرورياً لتحقيق مفهوم الإنسان الحقيقي الواعي والمدرك لنفسهولما يدور من حوله، ومن ثم يتمكن ويستطيع تحقيق أهداف الخلق الإنساني الذي لم يوجد عبثاً وإنما لغاية أرادها الله ولذلك زوده بالعقل والإدراك.
كتاب «العقل شرف الكائن» ليس بحثاً أو استعراضاً للدراسات الفلسفية والعلمية حول العقل، وإنما محاولة لتقديم فهم ومعرفة لمقولات العقل وموضوعاته بأسلوب يمكن القارئ من إدراك معاني العقل وأهميته في الحياة الخاصة والعامة للإنسان، للتأكيد على أهمية النتيجة التي يتم الوصول إليها بعد هذا الفهم العلمي للعقل ومركزيته في حياة الفرد، ونقصد بها الوعي الصحيح بالذات والآخر سواء أكان هذا الآخر فرداً أو جماعة أو مجتمعاً أو قيماً وأفكاراً وآراء متداولة،حتى يتسنى للإنسان معرفة الحقائق الموضوعية النسبية والمطلقة، وهذا ما يجعله يتمكن في نهاية المطاف وانطلاقاً من هذا الوعي الحقيقي غير المزيف من اتخاذ الموقف المطلوب تجاه نفسه وتجاه من حوله من الناس.
انطلقت مباحث الكتاب من تعريف العقل في اللغة والقرآن والسنة النبوية. ثم تحدث المؤلف عن كيفية تكون معقولية العقل، لينتقل بعد ذلك للحديث عن معوقات حركة العقل مثل التخلف العقلي المرضي أو التربية السيئة وعدم كفاية وسائل التعليم وقصورها، ثم تحدث عن قرائن العقل وعلاقته بالأخلاق والإرادة والغريزة والعاطفة، من المباحث الأخرى كذلك موقعية العقل بين السلب والإيجاب، وعلاقة العقل بقوة الشخصية وكيف يتم بناء هذه القوة الذاتية، وأخيراً يعالج المؤلف مجموعة من القضايا المهمة في الحياة الإنسانية مثل علاقة العقل بالخوف والاعتدال والحضارة الإنسانية..
يحتضن هذا الكتاب بين دفتيه الأوراق المقدمة لمؤتمر الفكر السياسي الإسلامي الذي نظمته المستشارية الثقافية الإيرانية بدمشق بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي ومعهد غوته الألماني والمركز الثقافي الإسباني.
وقد شارك في المؤتمر مجموعة من الباحثين من فرنسا وألمانيا وإسبانيا ولبنان وسورية وإيران، وركزت البحوث المقدمة فيه على محورين أساسيين: المحور الأول عالج قضية العلاقة بين الإسلام والديمقراطية، ومن الأوراق المقدمة في هذا المحور، الإسلام ومسار الديمقراطية في الدول الإسلامية لجان فرانسوا بايار، و«هل الديمقراطية حكر على الغرب؟» لفرنر كلاوس روف، والإسلاميون والديمقراطية: قراءة في استراتيجية التصالح لطلال عتريسي. بالإضافة إلى مشاركة د. رضوان السيد ود. أحمد موصللي وماجد شدود. وقد عالجت جل الأوراق والبحوث ما يثار حول علاقة التناقض بين الإسلام والديمقراطية، وأن الإسلام لا ينسجم معها، كما تحدثت الأوراق عن أهمية الفصل بين الديمقراطية وسياقها التاريخي الغربي، عند الاستفادة من آلياتها وتطبيقها في العالم الإسلامي. كما عالجت قضايا الأصولية وعلاقتها بالعنف وتأثير المتغيرات الدولية على العالم الإسلامي.
أما المحور الثاني فكان حول التجربة الإسلامية في إيران بعد عشرين عاماً من الثورة، حيث قدم مشاركون من إيران رؤية من الداخل. د. نجف قلي حبيبي ألقى الضوء على طرق وآليات مشاركة الشعب المباشرة في النظام السياسي الإسلامي على ضوء التجربة الديمقراطية والشورية في إيران. أما الباحث حميد حيدري فكشف عن مفهوم الحرية في رؤية الفلسفة السياسية للإمام الخميني، ثم عالج الباحث هادي خسروشاهي إشكالية العلاقة بين الديمقراطية والنظام الإسلامي. أما بخصوص الرؤية من الخارج فقد تحدث جودت سعيد عن موقع التجربة الإيرانية في الفكر السياسي الإسلامي، وحاولت فريبا عادل خواه استقراء التجربة الديمقراطية في إيران من خلال انتصار السيد خاتمي في الانتخابات الأخيرة. وقدم رضوان زيادة قراءة في خطاب السيد محمد خاتمي من خلال كتابه (مطالعات في الدين والإسلام والعصر). في محاولة لاكتشاف ملامح التجديد في الفكر الإسلامي وكيف تمت الإجابة عن سؤال الحرية باعتباره من الأسئلة المعاصرة الملحة، والمتداولة على نطاق عالمي، أما غيرنورت روتر فقد تحدث عن إيران والفكر السياسي الإسلامي، وكذلك أنطونيو ألورثا الذي تحدث عن الثورة الإيرانية وتحدي الحداثة. وغيرها من البحوث الأخرى التي حاولت أن ترصد التجربة السياسية الإسلامية في إيران وكيف حاول الفقهاء أن يتاقلموا مع القرارات السياسية ويعملوا على إلحاق المؤسسات والطرق المميزة للديمقراطية الشعبية بالتجربة الجديدة للحكومة الإسلامية بدل إلغائها، للوصول إلى تحقيق انسجام بين السلطات الثلاث، ما شكل تجربة جديدة جديرة بالاهتمام والدراسة.
يعتبر الحوار من بين الأساليب المهمة في التربية والتلقين وقد عرفت قيمته المناهج التعليمية منذ القدم فاعتمدته وكان لهذا الاعتماد والاهتمام بالحوار آثار إيجابية على الحوار أولاً لأنها كشفت عن تعدد أساليبه وتنوعها وتطورها، وعلى الأطراف المتحاورة لأن الحوار ساعدها على معرفة الحقائق الواقعية والنظرية.
ولأهمية الحوار فقد اعتمده القرآن الكريم كمنهج وأسلوب لإيصال الحقائق إلى الناس، وقد تنوعت أشكال الحوار القرآني وأصناقه بتنوع المقاصد وأهداف الحوار، تماشياً مع الفطرة الإنسانية واحتياجاتها والأغراض التعليمية والتربوية المقصودة، فكان هناك حوار تذكيري وتعبدي وإيماني وإنساني وحوار خاص مع الرسول (ص). بالإضافة الحوار البرهاني والتعليمي. وبشكل عام فالحوار القرآني بجميع أصنافه وصيغه وأشكاله، كما يقول المؤلف: يهذب المشاعر ويوقظ الوجدان ويربي العواطف الربانية ويجيب عن أسئلة السائلين.
أما آثاره التربوية فهي كثيرة أهمها كونه يكشف عن العناية الإلهية بالإنسان وقيمة الإنسان عند الله وهو يحاوره أو يستمع إليه ليخرجه من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة والحقيقة.
المفاهيم المختلفة لأصناف الحوار القرآني وأهدافها التربوية، هي المحاور الرئيسية لفصول الكتاب، حيث تحدث المؤلف في الفصل الأول عن المعنى اللغوي والتربوي للحوار وعرف ما المقصود بالحوار القرآني والنبوي، وفي الفصل الثاني عالج قضية تصنيف الحوار القرآني والنبوي، وخص الفصل الثالث للحديث عن الحوار القرآني القصصي فعرفه واستعرض أشكاله وقدم بعض الأمثلة القرآنية حوله،وتحدث في الفصل الرابع عن مفهوم الحوار الخطابي، ثم الحوار التعليمي في الفصل الخامس.
وفي الفصل السادس استعرض أهداف التربية بالحوار القرآني، وآداب الحوار التعبدي وشروطه، وكذلك أهداف الحوار التذكيري الموجه إلى المؤمنين، وأخيراً وفي الفصل السابع تحدث عن التحليل النفسي والآثار التربوية للحوار القرآني، فعالج العوامل النفسية الوجدانية والعقلانية المؤثرة وحلل عناصرها ليكشف عن مراحل التربية العقلية بالحوار القرآني.
يُعتبر ما اصطلح عليه بعصر النهضة العربية في نظر الكتاب العرب مرحلة فاصلة في تاريخ العالم العربي وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، حيث انطلقت البدايات الأولى للاحتكاك بالغرب الاستعماري والحضاري، ونجم عن هذا الاحتكاك أو الاصطدام الانفتاح على الحضارة الغربية والدخول في مغامرة النهضة والحداثة، حيث بدأت تتسرب إلى الفكر العربي مفاهيم وقيم جديدة سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية، دفعت به إلى الانخراط في عصر جديد شكل في بعض جوانبه قطيعة مع الماضي والتراث، وفي جوانب أخرى دفع به للدخول في عملية مؤاءمة وتأصيل لعدد من المفاهيم الحديثة انطلاقاً من التراث. وفي الحالتين معاً واكبت عملية تمثل هذه القيم والمفاهيم والانفتاح عليها، استيعاب وتعرف على القيم الليبرالية، من هنا فقد أكد عدد من المؤرخين العرب بأن الفكر العربي في عصر النهضة وأثناء انفتاحه على قيم الحداثة الغربية استوعب كذلك مفاهيم ليبرالية كان لها أثرها في توجيه الفكر العربي بعد ذلك.
بحوث ودراسات الكتاب لا تعتبر قراءة جديدة في ملابسات عصر النهضة العربية فقط وإنما مقاربة لفحص الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لهذا العصر، في محاولة لفهم الأبعاد التاريخية لهذه المرحلة الفاصلة وتقييمها واستنباط الدروس منها لأجل صياغة رؤية جديدة للحداثة العربية، تساهم في ترسيخ قيم حداثية مهمة وأساسية لبناء واستمرار مشروع النهضة، والمقصود بها قيم الحرية وحقوق الإنسان.
توزعت بحوث الكتاب ودراساته على ثلاثة محاور رئيسية، هي نفسها محاور المؤتمر الذي قدمت فيه هذه البحوث (عقد سنة 1998 في الجامعة الأمريكية ونظمته مؤسسة رينه معوض (لبنان) ومؤسسة فريدريش فاومان (المانيا)).
المحور الأول: الله، السلطان، الجماعة، الفرد. وقدم فيه د. موسى وهبة دراسة حول الالتباس الميتافيزيقي: الصداقة والحمية، وتحدث فيه د. نديم نعيمه عن إشكالية الفكر الإسلامي في عصر النهضة، أما د. عزيز العظمة فتحدث عن توترات السياسة وانتكاسة فكر الحداثة.
المحور الثاني، جاء تحت عنوان: نشأة السوق: علاقات وعلامات. وتحدث فيه كل من أنيس هانس حول بيروت مدينة التنظيمات ود. خالد زيادة حول النهضة والمدينة، كما تحدث د. كمال حمدان عن اقتصاد السوق بين الداخل والخارج. المحور الثالث وتحت عنوان المثاقفة والتجديد شارك كل من د. عبد الله العروي بموضوع حول إرث النهضة وأزمة الراهن،ود. شربل داغر حول: الكتاب والأفق، كما تحدثت د. أمينة غصن عن فرح أنطون في مجلة الجامعة.
من بين أهم الأسباب التي جعلت الأمة الإسلامية تدخل نفق التخلف والانحطاط الحضاري بُعدها تدريجياً عن القرآن، أحكاماً وقيماً ونبذها إياه في حياتها العامة والخاصة. والآن وبعد استفحال حالة التخلف على أكثر من صعيد، وفشل جميع الحلول التي قدمت للأمة من أجل إنهاضها وبعث الروح في جذوتها ودفعها للانطلاق من جديد.
لقد كان القرآن ونزول آياته وتطبيقها في حياة المسلم العامة والخاصة، المنطلق الذي نهضت عليه الحضارة الإسلامية، والمشعل الذي أنار طريقها وهي تقود الأمم، ولم تسقط في وحل التخلف إلا عندما ابتعدت عن تعاليم القرآن وهديه ونبذته وراء ظهرها، لذلك لابد من العودة إلى القرآن والمصالحة مع قيمه وأحكامه لبعث الروح في مفاصل هذه الأمة كي تنطلق من جديد في رحاب الإبداع والتقدم والحضارة.
هذه الحقيقة هي ما يحاول هذا الكتاب الكشف عنها والتأكيد عليها، عبر فصوله الثلاثة حيث تحدث الكاتبان في الفصل الأول عن أهمية العودة إلى القرآن باعتبار ذلك تكليفاً شرعياً قبل كل شيء وجزءاً لا يتجزأ من عقيدة المؤمن، ثم شرعا في الفصل الثاني في استعراض اسباب هجر المسلمين للقرآن، وأجملوها في ثمانية أسباب، هي:
1ـ تأثير وسائل الإعلام التي لا تقوم بدورها في توجيه المسلمين نحو الاهتمام بالقرآن وبالثقافة الإسلامية بشكل عام.
2ـ انحسار دور الأسرة في التربية القرآنية.
3ـانشغال الناس بالأمور الحياتية، بالإضافة إلى بعد الناس عن فهم القرآن بسبب الأمية المتفشية وتأثير الغزو الثقافي الغربي والضغوط التي تعاني منها لغة القرآن والمحاولات المستمرة لتهميشها في وسائل الإعلام والتربية.
أما في الفصل الثالث فقد تحدث المؤلفان حول المسؤول عن حالة البعد والابتعاد عن القرآن ودور المجتمع وفئاته المهمة من سلطات وعلماء وأفراد في تعميق الفجوة بين المجتمع والقرآن، وتحدثا كذلك عن سبل نشر الوعي بأهمية العودة إلى كتابه الله العزيز.