عقد في تشرين الثاني 1991م في إفريقيا مؤتمر ضم ممثليين لأربعين دولة إفريقية، ومندوبين من أوربا والولايات المتحدة الأمريكية، لدراسة علاقة المتاحف الإفريقية بثقافة بلدانها.
وكان شعار المؤتمر هو مستقبل القارة الإفريقية، يمر عبر اعادة تعريف نموذجها الثقافي. كما أعلن في المؤتمر نفسه رئيس الهيئة الدولية للمتاحف (وهو افريقي): يجب قتل النموذج الغربي، لتتفتح نماذجنا الوطنية.
ولعل السبب المباشر الذي دفع رئيس الهيئة الدولية للمتاحف للتصريح بهذا القول، هو طبيعة المشروع الثقافي الغربي، الذي لا يفضي الا إلى عالمه المغلق، ولا يشير إلى عالم رحب يأخذ ويعطي، ويؤثر ويتأثر، والإنتاج الثقافي الغربي المتجه إلى الشرق الأوسط عبر الحركة الاستشراقية، ليس في جوهره عملية انفتاحية، وإنما جعل الشرق والشرقيين موضوعا للمعرفة وكيانات تدرس وتحلل وصولاً إلى قواعد عامة، يسهل التحكم بها والتلاعب بمقوماتها. وهكذا فإن المشروع الثقافي الغربي هو حوار مع الذات بشأن الآخر.
وإن أغلب المفاهيم المتداولة اليوم في العوالم الثقافية والفكرية المختلفة تنطلق في جوهرها من محورية الغرب وحاكميته. فالاثنولوجيا وكل ما يدور في فلكها، لا تفعل شيئاً أكثر من صهر ثقافات الشعوب البدائية والقديمة في قوالب الفكر الغربي، وبالتالي التضحية بخصوصيتها واصالتها، حيث ينطلق هذا الموقف من أنه لا مجال لمعرفة الغريب والآخر.
والمآل المنطقي لهذه المسألة، أنه يستحيل الاتصال بين الثقافات الإنسانية. ونستطيع أن نورد استقصاء رؤية الغرب للشرق مثلاً، والتي حدد(ادوارد سعيد) معالمها قي كتابه (الاستشراق) عندما اعتبر أن تصور الغرب للشرق تصور ينتج فيه الغرب ذاته فنظرته إلى الشرق تتضمن قدراً من النفي له، قل ذلك أو أكثر.
وحقيقة النفي، نفي الأنا للآخر، ان ننفي عنه ما نمتلكه نحن، فنرى فيه ما نستعبده عن انفسنا وما نقصيه عن ذواتنا، فكل معرفة بالآخر، اذ تتضمن نفياً بوجه من الوجوه فإنها تؤكد من جهة اخرى في الذات ما تنفيه عن الآخر، أو الذات ما تجده عند الآخر.
وبمعنى أدق فكل معرفة بالآخر، هي من أوجه المعرفة بالذات بقدر ما هي مظهرٌ من المظاهر النفسية ونفي الغرب للشرق معناه الحكم على الشرق ليس بما فيه بل بما هو في الغرب ذاته (1) .
وما يغذي هذه النزعة هو الارث الثقافي لتركيب حضارة كالحضارة الأمريكية، وهي التي تقود الغرب اليوم، والذي قام ويقوم على عنصري الوحل والدم مسرح ولادة منظومة اقتصادية عالمية ولدت في أحضانها الثروات العظمى للمشاريع الرأسمالية، عبر ثلاثة قرون من استعباد الشعوب، واعادة الرق، وإبادة الحضارات، من القرن السادس حتى التاسع عشر، من ابادة الهنود إلى تجارة العبيد إلى الاستمرارية المؤسسة في البنى الذهنية عندما شرع غزاة كبار بهدم حضارات عريقة وعظيمة وذبح شعوبها كما فعل (هرمان كورتر) بـ(الازتك) في المكسيك و(بدرودي ازفيدو) بـ(المايا) في (الاند) لتمتد بعد ذلك تعقيدات الرأسمالية فكرياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً بإتجاه أكبر عملية نهب في التاريخ البشري تعضدها تشريعات مسلمات، بحيث أصبح من اليسير ملاحظة أن النمو والتخلف يرتبطان برباط جدلي وان علاقتهما المتبادلة، هي علاقة شرط وايجاب فشرط نمو الغرب انما هو بالضرورة وليد تدمير ذاتيات القارات الثلاث ونقلها إلى أوروبا وأمريكا (2) ..
اضافة إلى ذلك هنا أقطاب علم الاناسة الثقافي، الذين يرفضون امكانية المقارنة بين أنظمة مجتمعات تاريخية وبدائية مختلفة. لأنهم كانوا يرون ان لكل مجتمع نموذجه الخاص غير القابل للمضاهاة بغيره أو الانطباق على سواه ومن هؤلاء (سومبارت) و(لينتون).
فالأطروحة القائلة (على حد تعبير مطاع صفدي) (3) والتي تعود على ان حركة المجتمعات المتطورة إنما كانت حتى اليوم تسير من العضوض إلى العقد أو كما عبر عنها (تونيز) بالتمييز بين (المجموعة) و(المجتمع) انما تعطي للنسق المعرفي في التعليل التاريخاني خطا وحيد الاتجاه. وهو الخط الذي يقاس بمدى ما يكون الاقتصاد فيه متبنياً داخل المؤسسات الاجتماعية الأخرى كلها، أو يكون متميزاً عنها بمؤسسة العمل المنظمة وفق النموذج الرأسمالي المرتبط باقتصاد السوق. وبالتالي يسقط التاريخ مجدداً في نموذجه التغييري المركزي. فحين يتجاوز الاقتصاد تلك الحالة الأولية المتمثلة في سد الحاجات الأساسية من الطبيعة إلى انتاج السلعة بهدف جني الربح وصولاً إلى استئجار قوة العمل كبضاعة في حد ذاتها، يرتسم خط التغيير في اتجاه النمو الرأسمالي الذي ميز بالطبع المجتمع الغربي الصناعي، والذي سمح بانتاج هذا النموذج الفريد في التاريخ المتمثل في حضارة التكنولوجيا.
فنحن نسلم بوجود كثير من العسر والتعسف في تمثل الفكر والواقع العربيين لأطروحات ومفاهيم التجربة الحضارية الغربية. ونفسر ذلك بالملابسات التاريخية والنظرية، التي أحاطت ومازالت تحيط بهذه المسألة.
وان عملية النقد المنهجي للمشروع الثقافي الغربي، عملية تاريخية مفتوحة، وتتدخل فيها مختلف التقنيات والعوامل التي تسعى نحو ضبط هذا المشروع الذي يتجه بآلياته المختلفة نحو الكونية والكوكبة، وصبغ العالم بصبغته وأن هذه العملية التاريخية، هي تراكم للخبرة والتطور، واتساق مع الذات وروح العصر واللحظة التاريخية.
وبعملية النهضة الشاملة، نتجاوز الكثير من العقد ومركبات النقص في مواقفنا ووجداننا. فهي نقطة استكمال لدوراتنا التاريخية وهي حركة دائمة تحفز الهمم وتنير العقول، وتستوعب الجديد الانساني.
وفيها تنتظم معارفنا وتحدد تدخلاتنا لفهم الطبيعة والحياة فهماً يقترب من حقيقة واقعها. وبمعنى أن جميع أنماط تفكيرنا وهمومنا، تكون مطبوعة بالقيم النهضوية، ومتصلة بشكل أو بآخر بالنهضة وآفاقها العلمية والانسانية.
وان حيوية هذه العملية كنمط فكري ومسار ثقافي وممارسة عملية، تؤثر في المسار الاجتماعي برمته. وذلك لأنها عملية لا تكتفي بمعرفة ظواهر الأمور والقضايا، بل تتعدى ذلك إلى سبر أغوارها واكتشاف أسرارها وجوهرها والعمل على تقويم الاعوجاج الموجود فيها، أو العمل على تطوير مسيرتها الطبيعية.
وهي عملية، تؤسس لحركة نقدية بناءة تتجه إلى المسلمات من الأمور والبديهيات من القضايا لنقدها باستمرار، لإبقائها حيوية دائماً وطرد جراثيم الجمود والتكلس من جسمها، لأنها نتاج سيرورة اجتماعية داخلية، بحيث تنبثق أنماط الفعل والسلوك من الفضاء الاجتماعي الداخلي، وليست هي نتاج مشروع اسقاط من الخارج.
فالمطلوب معرفياً وثقافياً، هو بلورة النموذج الوطني في التطور والبناء لأنها هي الممارسة الوحيدة الممكنة التي تؤهلنا على المستوى الفعلي للانعتاق من آسار وحبائل المشروع الثقافي الغربي المتجه بقوة وبكل ترسانته الحضارية نحو العولمة وتعميم النموذج.
وحده فقط بناء النموذج الوطني المتواصل انسانياً على مختلف الصعد، هو الذي يحول تطلع العولمة لدى المشروع الثقافي الغربي إلى وهم ويوتوبيا.
ثمة مقارنة أولية هامة، من الممكن أن نقول ان ادراكها، وفهم خلفياتها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية سيقربنا من فهم واقعي لمقولة العولمة المتداولة اليوم في بورصات العالم السياسية والاقتصادية والثقافية. ألا وهي ان المناخ الدولي الذي برزت فيه هذه المقولة هو بعد انتهاء كارثة الخليج الثانية، وبروز القطب الأمريكي وكأنه اللاعب الوحيد في الساحة الدولية.
في هذا المناخ الذي تسوده نزعة السيطرة المطلقة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بدأت آليات العولمة الاقتصادية والسياسية والحضارية بالبروز والتقدم السريع وبدأت مؤسسات تدويل العولمة بتكثيف الجهود وخلق المناخات المؤاتية لتنفيذ مفردات هذا المشروع الكوني.
وقد اعتبرت العولمة من قبل الكثير من الدارسين والباحثين بأنها ظاهرة تقنية ـ علمية قائمة على تطور تقنية الاتصالات والكمبيوتر، وعلى خلفية التغير الكامل في شكل العلاقات الدولية. ونجم عن هذه الظاهرة أو بالأخرى آليات هذه الظاهرة للتمدد والتوسع هو تدويل الأسواق والتكامل الجغرافي ـ السياسي وظهور الحدود الثقافية على الحدود الوطنية والقومية.
فالعولمة عبارة عن تصور أو مشروع كوكبي متكامل ويغطي حقول عديدة من السياسة والاقتصاد والاجتماع إلى الحضارة إلا أننا هنا سنولي للمسألة الاقتصادية الأهمية الأولى لما لها من أهمية في استقلال الدول وتقدم الشعوب.
وفي الحقل الاقتصادي نستطيع القول ابتداء ان مشروع العولمة هو تأكيد هيمنة دول الشمال على السوق العالمي لأنها تتمتع بفائض في المنتجات الزراعية (مقابل الشح الغذائي في دول الجنوب أو الأطراف) ولأنها تمتلك المبادرة في الانتاج الصناعي المتجدد. فصادرات اليابان 200 مليار دولار وهي تشكل أقل من 20% من التبادلات العالمية لهذه الصناعات.
وصادرات أمريكا إلى العالم الثالث شكلت أكثر من 35% من مجموع صادراتها وصادرات اليابان شكلت أكثر من 36% من مجموع 170 مليار دولار.
ستبقى في هذا الاطار غالبية دول العالم مكشوفة ومفتوحة بشكل واسع لتنافس هذه الأقطاب على أسواقها التجارية والمالية وعلى ثرواتها وامكاناتها الاقتصادية والطبيعية.
وهذا التنافس يتوزع بصورة غير متساوية إذ تحتفظ الولايات المتحدة الأمريكية بالزعامة وكمركز الصدارة وتسعى عبر العديد من الخطوات إلى ابعاد القطبين الآخرين من ساحة المنافسة الفعلية. وبهذا تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن يكون اقتصادها هو اقتصاد العالم أي على حد تعبير (ميشال بو) نظام انتاج عالمين يتجاوز عملية التمفضل على نظم إنتاج وطنية.
ولعل من أخطر تأثيراتها أي العولمة في الحقل الاقتصادي على العالم العربي والاسلامي هو أنها تطرح آليات ومداخل للاندماج في الاقتصاد العالمي محورها الأساسي هو السوق.
فالإندماج يتم فقط عن طريق السوق وهذا يعني على المستوى العملي ان يكون واقعنا العربي سوقاً استهلاكية لمنتجات الطرف الآخر في الاقتصاد العالمي.
وهذه العملية بطبيعة الحال لا تبني هيكلية اقتصادية متينة وإنما تساهم في تآكل الهياكل المتوفرة كما أنها تطور التناقضات الموجودة في الساحة الاقتصادية على المستوى الاقليمي والدولي.
والتآكل على مستوى البنية الاقتصادية الوطنية لصالح نسق اقتصادي عالمي لا يخدم على المستوى المرحلي والاستراتيجي إلا الدول الصناعية التي ترى ان المناخ أضحى مؤاتياً لتأكيد هيمنتها وإدماجها البنيوي في الدورة الاقتصادية العالمية.
ولا ترغب الدول الصناعية في سياستها الاقتصادية تجاه العالم العربي والاسلامي إلى دفع نوعي لعملية الاندماج (وعدم قبول أوروبا الصارم تركيا في سوقها مثال بارز على ما نذهب إليه) وانما ما ترغب فيه هو ان يكون هذا العالم سوقاً مضمونة للسلع والمنتجات المصنعة في دولها.
اندماج اقتصادي دون توفر شروطه الاقتصادية والسياسية والحضارية وأن نتحول إلى السوق الاستهلاكية العالمية دون أن تمارس الدول الصناعية أي دور ايجابي في امتصاص العواقب والحالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المترتبة على ذلك.
فالعولمة هي مشروع الدول الصناعية الكبرى ومحورها وقطبها الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على اقتصاديات دول العالم وتعميم نماذجها وآلياتها الاقتصادية الدولية تركز في علاقاتها وتعاونها مع دول العالم على الالتزام ببرامج وأطر اقتصادية مستقاة من التجربة الاقتصادية الغربية.
والأنكى من ذلك أن هذه البرامج تؤدي لاحقاً إلى ربط اقتصادي هيكلي لا يمكن الانفكاك منه بين دول المركز وهذه الدولة الطرفية.
وبهذا نستطيع القول: إن هذه المؤسسات بمثابة الطعم الذي تقدمه الدول الصناعية لاستتباع الدول الأخرى والحاقها في فلكها الاقتصادي.
وتجارب الدول التي التزمت بمقررات ومؤسسات التدويل والعولمة الاقتصادية لا تسمح لنا على الاطلاق الحديث عن نجاحات ولو جزئية لهذه التجارب بل على العكس من ذلك تماماً إذ أن الدول التي التزمت بمقررات هذه المؤسسات سقطت ضحية بائسة للنظام العالمي.
من هنا تصبح العولمة وفق المفهوم المطروح من قبل الدوائر الاقتصادية الدولية مرادفاً لتوحيد العالم عن طريق السوق والذي تأخذ فيه الدول الصناعية دور البائع ودول العالم الأخرى دور المشتري بدون خطوط دفاع واستراتيجيات حماية.
وبهذا يمكننا القول: أن شرط الاندماج وفق منظور العولمة هو تدمير أو تهميش مقومات وركائز الاقتصاد الوطني أو في أحسن التقادير جعلها تتعايش في إطار التوسع الرأسمالي العالمي.
ولا ريب أن هذا المنظور إلى العولمة في جانبها الاقتصادي، يؤدي إلى بروز تحديات خطيرة على العالم العربي والاسلامي لا يمكن تفادي هذه التحديات أو التكيف الايجابي مع متطلبات العولمة إلا بالعناية بالنقاط التالية:
1ـ إزالة العوائق أمام التبادل التجاري وحركة انسياب رؤوس الأموال داخل العالم العربي والاسلامي.
2ـ تشجيع وتوجيه الاستثمارات إلى مجالات الانتاج ومشاريع الاكتفاء الذاتي.
3ـ احياء مشروع السوق العربية والاسلامية المشتركة وتوفير متطلبات نجاحه على المستوى السياسي والاقتصادي.
وان العالم العربي والاسلامي بما يجمع بين شعوبه من روابط عديدة حري بأن يكون له مؤسساته الفاعلة والمتينة في مواجهة تحديات ومتطلبات مشروع العولمة.
على المستوى النظري، يعتبر الرأسمال الوطني، من الأوعية والأطر الحيوية، التي تستوعب الكثير من الأنشطة والطاقات، كما انها تقوم بجملة من الأعمال، ذات المردود الايجابي على مسيرة الاقتصاد الوطني، بحيث أصبح الرأسمال الوطني بما يتضمن من أنشطة تجارية أو صناعية أو خدمية، وبما يمتلك من قدرة مالية ثابتة من ثوابت الاقتصاد المعاصر. بمعنى أنه لا يمكن أن يخلو اقتصاد من وجود مساهمات للرأسمال الوطني في تسييره وتطويره.
ومع شيوع أفكار الخصخصة، ونظريات اللامركزية الاقتصادية، فإن دور الرأسمال الوطني، في الاقتصاديات المعاصرة، يتأكد دوره، ويتحمل مسؤوليات اضافية، في سبيل تمكين الاقتصاد الوطني، ومنع التأثيرات السلبية لما يسمى باقتصاد السوق، وكل الاتفاقات المنطلقة من ذات المنطلقات والأهداف.
وثمة مسألة أساسية، ينبغي الالتفات إليها في هذا المجال وهي: ان استمرار هروب رؤوس الأموال العربية إلى الخارج، بعد وفق كل المقاييس قضية خطيرة ينبغي الالتفات إليها، وانهاء عوامل استمرارها وديمومتها وتوفير متطلبات استثمارها في الاطار الوطني. فالبنك الدولي يقدر أن رؤوس الأموال العربية في الخارج حوالي 350 بليون دولار وودائع العرب في الخارج عام 93م بنحو 750-800 بليون دولار.
وقد انعكس هذا على المشاريع العربية المشتركة وحجم الرأسمال المتداول في السوق العربية فجميع الموجودات المالية في المصارف العربية كافة تساوي ما بين 250-3300 مليار دولار وهي لا تساوي موجودات بنك عالمي واحد متطور، فموجودات بنك كريدي ليونيه مثلاً تساوي 340 مليار دولار وعدد اجمالي المشاريع العربية المشتركة بلغ 4185 مشروعاً حتى نهاية عام 1992م برؤوس أموال إسمية قدرت بـ26 بليون دولار، في حين ان رؤوس الأموال الموظفة خارج البلدان العربية قدرت بنحو 630 بليون دولار أي مقابل كل دولار موظف داخل البلدان العربية يوجد 56 دولار وظف في الخارج.
وفي جمهورية مصر العربية حيث تعيش وضعاً اقتصادياً يتطلب استثمار كل دولار في الاقتصاد الوطني نجد ان المصريين في الخارج يستثمرون مبلغاً قدره 600 مليار دولار.
ان ما نريد قوله في هذا الصدد هو ضرورة ان يتحمل الرأسمال الوطني مسؤوليته الوطنية في دورة الانتاج ورفد الحركة الاقتصادية الوطنية بالمزيد من المشاريع ذات الطابع الإنتاجي الإستراتيجي وتهيئة الكوادر والكفاءات الوطنية القادرة على إدارة هذه الأنشطة وتطويرها.
لأنه ليس من المنطق أن تستثمر الأموال الوطنية في البلدان الأخرى وبلدها الأصلي بحاجة إلى استثمار هذه الرساميل في الحركة الاقتصادية والوطنية.
ولعل هذه المسألة (توظيف الأموال في الدول الانتاجية الوطنية) هي احدى الأسباب التي جعلت اليابان تتحول من دولة مهزومة في الحرب العالمية الثانية إلى امبراطورية اقتصادية تتحكم في الكثير من جوانب المصائر الاقتصادية العالمية وهي الآن تملك ما يفوق حجمه 100 مليار دولار خارج حدودها وأصبحت تملك ثاني أكبر بورصة أوراق مالية في الدنيا بحجم استثمارات موظفة تبلغ 817 مليار دولار. لم تكتف اليابان بما وصلت إليه من تقدم وتطور وإنماء تبذل الجهود الضخمة من أجل امتلاك المستقبل إذ افتتحت ما يقارب من 30 مختبر للبحوث العلمية المستقبلية.
ويكفي أن نعرف في هذا الاطار مؤسسة (هياتشي) اليابانية تلقت من براءات الاختراع والابتكار ما يعادل أربعة أضعاف ما تلقته نظيراتها من مؤسسات الولايات المتحدة. وان مؤسسة (نيسان) للسيارات تلقت من المخترعات والابتكارات اليابانية ما يفوق مؤسسات جنرال موتورز وفورد وكليزلر مجتمعة وأسس اليابانيون هيئة قومية اسمها لجنة (مايطاو) مهمتها اعادة النظر في مسيرة الاقتصاد الياباني. والعمل على اعادة تشكيله بما يكفل له أسباب المنافسة والقدرة والعافية والسيطرة على مستوى العالم.
فالثروات المالية الوطنية ينبغي أن تتوجه إلى الاقتصاد الوطني، والاستثمار في مؤسساته وأوعيته المختلفة.
وفي هذا الاطار نؤكد على النقاط التالية:
لا تتقدم الأمم وتحقق تطلعاتها إلا إذا تحول أبناؤها إلى كفاءات وقدرات، تتحمل مسؤولياتها في هذا الصدد على أكمل وجه، وذلك لأن التطور والتقدم لا يستوردان من الخارج وإنما ينبثقان من داخل الأمة.
والشرط الجوهري لانبثاق التطور والتقدم من داخل الأمة هو تنمية الانسان فهو الهدف والوسيلة وهو الرأسمال الأعلى، الذي ينبغي أن يتم الاهتمام به في كل المجالات.
فالتنمية البشرية لها الموقعية المركزية في كل مجالات التطور والتقدم وعلى هذا فان الرأسمال الوطني، ينبغي أن يهتم بمجالات وآفاق التنمية البشرية، ويشارك في خلق المؤسسات وتوفير المستلزمات للانطلاق بالمواطن، ورفع مستوى قدراته وخبراته لأنه منطلق التقدم، وبدونه تبقى كل مظاهر التقدم والتطور مستعارة ولا تعكس مستوى تقدم الأمم والشعوب والشيء الوحيد الذي يعكس مستوى تقدم الأمم والشعوب هو مدى ما تبذله هذه الأمة من جهود وامكانات في سبيل تنمية الانسان في مختلف المجالات.
فالمهمة الكبرى والمركزية الملقاة على عاتق الرأسمال الوطني، هي المشاركة الجادة في مشروعات التنمية البشرية وتأهيل المواطن، بما تتطلبه المسيرة الاقتصادية من خبرات ومهارات.
ان القوة الحقيقة لأي مجتمع، لا تقاس بمقدار وحجم ما يستهلكه من امكانات وسلع وإنما بقدر ما ينتجه.
فالمجتمع القوي، هو الذي ينتج ويعتمد على ذاته في غذائه وكسائه، أما المجتمع الضعيف فهو الذي يعتمد على غيره في هذا المجال. لذلك فإن معيار القوة، هو الانتاج لا الاستهلاك.
ومن هذا المنطلق فإننا نرى أن من المهام الأساسية التي ينبغي أن يقوم بها الرأسمال الوطني، هو تعظيم وتكثير مؤسسات ومواقع الانتاج، حتى يتمكن المجتمع من امتلاك كل أسباب القوة والتمكن.
فالمهمة الكبرى، ليس ترويج السلع الاستهلاكية وتوسعة دائرة المرتبطين بها بل تركيز مؤسسات الانتاج في المجتمع. وعليه فإن المهام المستديمة التي يتحمل الرأسمال الوطني جزءاً من مسؤولية خلقها وتوفير عوامل صنعها، هي الاهتمام الجاد بتنمية الانسان، عبر المؤسسات التعليمية والتدريبية المختلفة والاعلاء من شأن مؤسسات الانتاج وإعطاء الأولولية في المشروعات لهذه المؤسسات لأنها هي معيار القوة وسبيلها.
يبدو الحديث عن الثقافة الوطنية في العالم العربي، في زمن التكتلات الضخمة، ومشاريع الأمم الكبرى والحضارات الكونية والعولمة الاقتصادية، أشبه بالسياحة بعكس التيار. ولكن ثمة حقيقة تشفع لنا البحث في هذه المسألة في هذا الزمن، ألا وهي جملة التحديات التي تواجه الثقافات المحلية والوطنية، من جراء مشاريع العولمة والكوكبة في إطار من الغلبة الحضارية الشاملة.
ولا تنبع التحديات التي تواجه الثقافات الوطنية، من لقاء ثقافي ـ حضاري بين ثقافتين لا متكافئتين أو بين نظامين معرفيين ـ متمايزين وإنما تنبع التحديات من لقاء أمة متخلفة ـ ضعيفة ـ منهكة القوى، لا تملك كل مقومات السيادة الذاتية. وبين أمة قوية ـ متقدمة ـ تمتلك كل مقومات السيطرة والهيمنة.
فالتحديات الحقيقية التي تواجه الثقافات الوطنية، أمام دعوات الكوكبة والعولمة الشاملة، هي من جراء العلاقة غير المتكافئة بين الشعوب والأمم، التي تحمل يافطة الثقافات الوطنية وتبذل جهداً في هذا السبيل.
وبين تلك الشعوب التي وصل تطورها وتقدمها الشامل، إلى مستوى حمل شعار الكونية والعولمة، وتعميم نموذجها في التقدم على مستوى الكرة الأرضية.
لذا فإن في هذه التحديات، تتداخل المسائل الثقافية بالاقتصادية والسياسية والحضارية، ولا يمكننا بأي شكل من الأشكال الفصل بين هذه العوالم لأن لها مدخلية كبرى في صياغة التحديات التي تواجه الثقافات الوطنية والخصوصيات الحضارية اليوم.
فمفهوم القوة الشاملة، هو الذي يؤسس لقضايا التحدي وموضوعاته المختلفة. لذلك نحن لسنا أمام لقاء ثقافي محض، وإنما نحن أمام أمة أو عالم استطاع لعوامل عديدة، الوصول إلى مستوى رفيع من التقدم في مختلف المجالات وشتى الحقول.
وبين أمم أو عوالم أخرى، مازالت تعيش التخلف بكل أصنافه، وفقدان التوازن الحضاري، وتسعى عبر امكاناتها المحدودة إلى الحفاظ على ثقافتها الوطنية الخاصة.
لذلك فإن التحدي الذي يطلقه مشروع العولمة والكوكبة، ليس منحصراً في البعد الثقافي، وانما يتعدى ذلك ويصل إلى كل المستويات. ومقصودنا بالثقافة الوطنية التي تواجه هذه التحديات، هو جملة القيم والمعايير والممارسات كلها، التي تصنعها الأمم المغلوبة حضارياً، في اطار السعي للخروج من حالة الارتهان الحضاري، والحفاظ على ذاتها الثقافية، وخصوصياتها العقدية والنفسية.
ومفهوم الثقافة الوطنية، ليس ناجزاً أو جاهزاً وإنما هو سيرورة مفتوحة الأفق، تستوعب كل إبداعات الإنسان (المواطن) وتجعلها جزءاً من نسيجها وتكوينها النظري.
والعولمة هنا لا تعني التوحيد أو التفاعل الطوعي بين المجتمعات الانسانية وعلى حد تعبير (فيصل دراج) فلقد أنتج التقدم الأوروبي توحيد العالم وجاء التوحيد متناقضاً، بسبب طبيعة القوى التي أنجزته، فتعمقت الهوة بين أجزاء العالم في لحظة توحيده، وكان تقدم طرف سبباً لتخلف آخر، كما استظهر التقدم المتناقض في المعارك العسكرية التي يستلزمها توحيد العالم المفترض.
لم يوحد العالم أجزاءه وفقاً لمشيئة انسانية جماعية، بل أنجز التوحيد الطرف الأكثر قوة وسلطاناً.
فالعولمة كمفهوم متداول اليوم ينتمي إلى عالم الغلبة الحضارية، الذي طرح هذا المشروع كوسيلة لتعميم غلبته ومشروعه السياسي والاقتصادي والحضاري. فاعتبر التقدم الغربي تقدماً للجنس البشري وتم اختزال التجربة الانسانية عبر التاريخ في تجربة الانسان الأبيض فقط.
وكان تأكيد الفروقات والتمايزات بين البشر، هو مسوغ السيطرة والهيمنة على مقدرات الشعوب الأخرى وثرواتها. إذ يبدو ضرورياً خضوع الانسان البدائي، إلى الانسان الأبيض محتكر الحضارة، ويلغي جانبا تاريخ الشعوب والأمم ويحمل لواء العولمة والكونية.
والترسانة الاعلامية والثقافية والايديولوجية الغربية، تمارس التضليل في هذا المجال، إذ أن العولمة التي يتم المناداة بها، ما هي إلا تأكيد لقواعد السيطرة والهيمنة المعمول بها في عهود الاستعمار المباشر.
والثقافة التي تضخها مؤسسات الغرب في هذا الاتجاه، لا تؤهل أصحاب الوطنية من رؤية العالم بشكل موضوعي. وإنما ثقافة تعمق مسار الاغتراب في حياتهم الخاصة والعامة. ومن خلال تداعيات هذا الاغتراب، ينغرس الشعور الوهمي، ان الثقافة التي ينتجها الغرب، هي ثقافة الكون كله.
وهذا الاغتراب النفسي والثقافي، الذي تعيشه الشعوب المغلوبة حضارياً، هو مرآة لاغتراب إنساني شامل لجميع أبعاد الوجود، ولعل في أعمال (ماركوزو) مؤشراً على ذلك. ووفق هذا المنظور، نكتشف أن مشروع العولمة، الذي تسوق له مؤسسات الغرب الاعلامية والايديولوجية، ما هو إلا مفردة من مفردات التضليل الايديولوجي، التي تعيد انتاج علاقات السيطرة، ولكن هذه المرة بأدوات رقيقة، تتجه إلى العقول والوجدان.
ان الدخول في نفق هذا المشروع لا يؤدي إلى صناعة تاريخ جديد لذلك الشعب أو تلك الأمة. وإنما تخسر ثقافتها وتاريخها الخاص، دون أن تتمكن لعوامل عديدة وعلى رأسها (عنصرية الغرب ومركزيته التي تلغي ما عداه) من تجاوز حقيقة الخصوصيات الثقافية والحضارية.
ويتناول الكاتب المصري (جلال أمين) في (تنمية أم تبعية اقتصادية وثقافية) مثالاً في الاطار الاقتصادي ويصل إلى النتيجة التالية: إذا افترضنا أن دولة كالولايات المتحدة سوف تستثمر في النمو بمعدل يرتفع بمقتضاه متوسط الدخل (3%) سنوياً، نجد أن دولة كالهند أو دولة عربية كتونس تحتاج كل منهما إلى أكثر من قرنين للوصول إلى مستوى المعيشة الأمريكي، وأن دولة كأوغندا أو ماليزيا أو بيرو تحتاج إلى أكثر من أربعة قرون للوصول إلى نفس المستوى، بينما تحتاج دولة كالباكستان إلى أكثر من سبعة عشر قرناً أو بالضبط (1760) عاماً.
تلقي هذه الأرقام حقيقة ناصعة أن مشروع العولمة، ما هو امتداد غربي للسيطرة على المعمورة كلها.
وجماع القول في هذه المسألة: أن الغرب بمؤسساته وأدواته الضخمة، يسعى من خلال مشروع العولمة إلى احالة كل أمم الأرض وشعوبها إلى مستهلكين لما ينتجه عالم الغرب من بضائع وسلع. فهو يطمح أن يكون منتجاً كونياً، لا ينافسه أحد في ذلك وعلى بقية العالم أن يكون مستهلكاً كونياً أيضاً.
ومن هنا تنبع أهمية اعادة الاعتبار إلى عناصر الثقافة الوطنية، والعمل على تنشيطها في النسيج المجتمعي، لأن بقاء عناصر الثقافة الوطنية ساكنة، يعني تحول بعضها إلى فلكلور محلي، نشجع به السياحة، ونحنطه في متاحف وأماكن أثرية لا غير.
إن الارتكاز على عناصر الثقافة الوطنية ومقوماتها، هو الذي يوفر لنا أسباب الوعي والإدراك الكافيين لاستيعاب تطورات العالم وتحديد مستقبلنا.
والعناية بمشروعات التنمية الإقتصادية، وتوفير الأطر الاجتماعية والسياسية، المساهمة في تفعيل وتنشيط حركة التنمية في المجتمع.
فالطريق العربي، للدخول في زمن الكوكبة والعولمة، كمشاركين وإيجابيين ومبدعين، هو استيعاب المكتسبات الحديثة، وإطلاق نوعي لمشروعات التنمية الاقتصادية بأطرها الاجتماعية والسياسية، التي تضيف إلى حركة التنمية آفاقاً جديدة، وإمكانات نوعية مستديمة.
وفي هذا الاطار أيضاً، تنبع أهمية وضرورة، بناء مجال عربي ـ اسلامي ـ سياسي ـ اقتصادي موحد.
إذ يسعى مشروع العولمة، إلى ابقائنا سوقاً استهلاكية لبضائع الدول الكبرى، ومنتجاتها المختلفة.
ولا ريب أن مقاومة هذا المخطط العالمي، يتطلب الكثير من الجهود والإمكانات. ومن المؤكد، أن العمل على خلق كتلة عربية ـ اسلامية، ذات سياسات مشتركة، واستراتيجيات موحدة، سيخلق لنا أرضية اقتصادية وبشرية وسياسية، تؤهلنا إلى إفشال مخطط تحويلنا إلى دول ومجتمعات مستهلكة.
ومن الطبيعي، أن المجال السياسي ـ الاقتصادي الموحد أو المتضامن، سيخلق دينامية واسعة، تمكن العالم الغربي والاسلامي، من الخروج من إسار الهيمنة الاقتصادية الأجنبية، وتوفر له العديد من الفرص للمشاركة الفعالة في الاقتصاديات الدولية.
وإننا كفضاء عربي وإسلامي، سنبقى عرضة للنهب والاستغلال، ما دمنا نعيش التبعية الاقتصادية، والارتهان السياسي.
والخروج من إسار هذه الأمور مرهون، بقدرة هذا الفضاء على توفير الشروط الموضوعية للاستقرار السياسي والتنمية الشاملة، بحيث تتوفر كل الأسباب والعوامل، التي تجعل هذا الفضاء قوة اقتصادية متكاملة، وتتكئ على أرضية صلبة، قوامها الاستقرار السياسي القائم على الديمقراطية، واحترام حقوق الانسان المتعددة، وفسح المجال لقوى المجتمع السياسية والثقافية والاقتصادية، للمشاركة في عمليات البناء والتنمية. إن المطلوب هو تطوير اقتصادنا بسرعة، وتحويل الرساميل العربية الموظفة في الخارج شيئاً فشيئاً نحو الداخل العربي، وخلق الفضاء الاقتصادي العربي الواحد، والبدء بقوة في بناء الهياكل الرئيسية للثورة التقنية العلمية، أعني مراكز البحث العلمي التطبيقي، وتكوين الأطر والملاكات العلمية الرفيعة.
وكل ذلك يحتاج إلى استثمارات وتضافر عناصر وعوامل بشرية واقتصادية مالية لا تتوفر للبلدان الصغيرة ولا لأي بلد عربي على انفراد.
إن التكامل الاقليمي أصبح اليوم الشرط الأول للدخول في العصر الجديد. وهذا التكامل لايزال مرتهن للارادة السياسية. وبالرغم من أن الحديث المتواصل عن تحرير الأسواق، وازدياد تبني السياسات الليبرالية الجديدة في البلاد العربية، لايزال موضوع التكامل الاقليمي، وخلق الفضاء الاقتصادي العربي الواحد مشكلة مؤجلة وغير مطروحة. بينما يتوقف على حلها، وهي تحتاج إلى جهود كبيرة وتنظيمات ودراسات جدية، مستقبل التطور العربي كله.
وفي اعتقادي سوف تقود السياسات الليبرالية الجديدة في العالم العربي إلى كارثة حقيقية واخفاق شامل، إذا لم ترتبط بخلق فضاء اقتصادي واسع، يسمح بتكوين القوى الاقتصادية العربية القوية، القادرة على الحد من أثر التبعية والتفكيك الخارجي، وعلى اعادة بناء الأسواق والقوى الانتاجية المحلية من منطلق المعايير الدولية (4) .
(1) الاستشراق، ادوارد سعيد ص44، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عمان، الاردن.
(2) حوار الحضارات، روجيه غارودي، ص51، دار عويدات، باريس، فرنسا.
(3) نقد العقل الغربي، د. مطاع صفدي، بيروت، مركز الانماء القومي، ص44.
(4) حوارات من عصر الحرب الأهلية، برهان غليون، ص218، المؤسسة العربية للدراسات والنشر. عمان، الاردن.