شعار الموقع

اي ثقافة نريد في عصر المعلومات وتحدي العولمة

اياد أحمد الشارخ 2004-10-15
عدد القراءات « 664 »
توطنة

ترى بماذا سنجيب ثقافتنا الرائدة حين تسألنا؟ ماذا قدمنا للحفاظ عليها... وإبراز روائعها وإبداعات أعلامها؟ وماذا فعلنا بهذا التراث الحضاري الهائل... الذي تركه لنا أسلافنا في أبهى حلة.. وأزكى مظهر.. وأعمق جوهر؟
الثقافة في أي مجتمع إنساني هي حصنه المنيع الذي يمنحه استمراراً دون فتور، وبقاءً متزناً من غير انكفاء أو ارتماء، إنها سر تقدم المجتمع الإنساني وتحضره في كل مكان، وهي رسالته في الحياة، ورؤيته للأحداث وتصرفه إزاء المواقف...
وقد كانت ولازالت ثقافتنا الإسلامية سر بقاء هذه الأمة الخالدة رغم كل محاولات تفتيت وحدتها، وتهميش دورها، وتمييع هويتها، وكم كانت ثقافتنا جزيلة العطاء للحضارة الإنسانية، فقدمت الإكتشاف العلمي، والفن اليدوي المبدع، والروح الإيجابية المتعايشة مع الآخرين في إطار التعاون البناء والإحترام المتبادل..
وقد خاض أعلامنا حياةً مليئة بالبحث الدؤوب، والدراسة المتواصلة لخدمة العلوم الإنسانية وتحقيق أفضل مستوى لرفاهية شعوبهم ومواطنيهم.
ومارست ثقافتنا الإسلامية دورها الأساسي في الحفاظ على هويتنا الأصيلة، رغم الفتوحات الهائلة التي امتدت إلى الشرق والغرب ورغم الإختلاط بشعوب وحضارات جديدة..

وقد كان لها هذا الصمود والتواصل رغم إنفتاحها ودخولها إلى محاور جديدة في الحياة الإنسانية والعلمية.. ذلك لما تملكه من مؤهلات تمكنها دائماً من التميز القادر على الإختلاط، والخصوصية التي لاتمنع من الإستفادة وتبادل التجارب والخبرات...
إن الهدف الذي كانت تنشده ثقافتنا دائماً هو إعداد الإنسان الصالح البنّاء الذي يقدم الخير والنفع والعدل للبشرية جمعاء، بكل أديانها وطوائفها.. وإنه لمن المؤسف أن يبتعد مفكرونا ومثقفونا عن هذا التراث العظيم، ويتجهوا إلى الحضارة العلمانية المادية مبهورين بما لديها من تكنولوجيا وتقدم علمي... متناسين أن جانب القيم والأخلاق الذي تنفرد به ثقافتنا يجعل منها كياناً قوياً يواجه التحديات، ويستجيب لحاجات العصر، ويسابق بكل جد وثقة الحضارات الأخرى..
إن رفع البعض راية الإستسلام أمام ثقافة العولمة دون بذل المحاولة لتقديم شيء يمثل حقيقتنا وتراثنا وقيمنا أمر غير مقبول.. وإن نكوص مفكري التيار الإسلامي عن خوض المعركة الثقافية تجاه تحدي العولمة سيكون له نتائج وخيمة على مستقبل بقائنا كأمة ذات رسالة خالدة..
إن الثقافة هي الوجود لأي مجتمع إنساني، ولا فرق في ذلك بين مجتمع قوي أو ضعيف متقدم أو نامٍ، شرقي أو غربي، مسلم أو علماني.
واليوم يحاول دعاة العولمة أن يطرحوا مشروعهم «الحوتي» الذي يبتلع المجتمعات الصغيرة التي لاتنتمي إلىýأيّ مجتمع لكي تشركها في فلكها وتسقط ثقافتها عليها ومن خلال ذلك فقط تحقق كافة مصالحها. فعلينا نحن أمة الإسلام أن نجتمع في كيان واحد تحت مظلة هويتنا وإنتمائنا وخصوصيتنا وعمقنا التاريخي والحضاري. علينا أن نستثمر ثورة المعلومات في صالح انتفاضتنا الثقافية الحضارية، وعلينا أن نتحمل المسؤولية أمام الأجيال القادمة ونترك لها من بعدنا شيئاً نحفظ به ماء الوجه مقارنة بما قدمه لنا الأسلاف..
إن المعركة القادمة مع تحدي العولمة هي معركة وجود وبقاء، نكون أو لانكون...

إن الأيام القادمة ستلح علينا بسؤال مهم أي ثقافة نريد في عصر المعلومات وتحدي العولمة.. وعلينا الإجابة دائماً، بشحذ الهمم، وإشاعة الحماسة لمشروع ثقافي أصيل حضاري.. من شعاب مكة يطلق لا إله إلا الله ومن روابي المدينة المنورة يصلى على خير الأنام، في الأندلس يحدث عن تجربة بشرية رائعة، وفي القسطنطينية يفخر بأمجاد طائلة، من دمشق ينطلق مهرولاً إلى القاهرة يعدّ نفسه ويجهزها...
ومن الجزيرة العربية يمضي على بركة الله نحو آفاق ثقافية رسالتها الإنسان المسلم الصالح، المعمّر، المتوازن بين عقله وروحه والمتطلع إلى تقدم البشرية ونفعها، مرن وسمح، قوي وصامد، متعاون من أجل تنمية الحياة ونشر الخير والفضيلة.

عصر المعلومات نعمة أم نقمة؟

لاشك أن عصر المعلومات الذي اختصر الزمن والمسافات، وحوّل شعوب القارات المتباعدة إلى مجموعة من المتحاورين في غرفة واحدة. ومكّن البشرية من الإستفادة وتناقل تجاربها عن طريق أجهزة صغيرة سلسة هذا العصر الذي تمكنت فيه البشرية من الكشف عن إجابات لأسئلة كثيرة في الكون والظواهر الطبيعية، واكتشافات طائلة ورائعة في الجوانب التنموية وخدمة البشرية.
هذا العصر الذي تمكن فيه طالب علم في افريقيا من الإطلاع على التجارب الغربية، والحصول على معلومات تعدّ بالملايين بواسطة اكتشاف كالإنترنت، لاشك أن هذا العصر، عصر المعلومات نعمة كبيرة وخير عظيم أهلّ على البشرية. وإن كان هناك بعض الإستخدامات السيئة أو السلبية لهذه المكتشفات في هذا العصر فهي لاتسجل على الجهد الإنساني البناء وإنما تسجل على أصحابها وعلينا نحن المسلمين معرفة واجبنا وتوجهاتنا، والخطوة الصائبة لإستثمار ثروة المعلومات لصالح قيمنا وثقافتنا وهويتنا وبقائنا.
إن استمرارنا مع جمهور المتفرجين المشاهدين لما يحدث في هذا العصر دون أن نحاول صناعة موقع لنا في عالم المعلومات سيؤدي بنا إلى الإندثار والذوبان، والأجدى من ذلك أن نستفيد من الجهود البشرية المتطورة ونتوغل في ميدان السباق الحضاري، ونسمع الآخرين كلمتنا التي تعبر عن رؤيتنا للحياة والإنسانية والتنمية.

دور أجهزة الإعلام في خدمة الثقافة الإسلامية

إن رصد واقع أجهزة الإعلام في الوطن العربي يؤكد مدى تنصل هذه الأجهزة وتخلّيها عن دورها الرئيسي في خدمة الثقافة الإسلامية والتوعية بعناصرها وقيمها وأعلامها. إن الإعلام العربي بكل أدواته ينحو بشكل كبير نحو العلمانية، مبهوراً بالصورة الغربية أسلوباً وقيماً، ويطرح الثقافة في معزل عن الهوية الإسلامية. إن من يشاهد ما يعرضه التلفاز العربي، والإذعات العربية، يدرك أن غياب الرؤية، وهشاشة الهوية، سمتان اساسيتان في منتجات هذه الأجهزة، إنها ـ أي أجهزة الإعلام‏ـ تمتهن وتفضّل صناعة المتعة على أي شيء آخر ولو كان رفيعاً، فليس للمنهجية وجود في برنامجها، وليس في وضوح الهدف هو الآخر أمراً مرسوماً في مسيرتها. ولذلك فإن برغم ما يبذل من جهود، وأموال طائلة، نجد هذه الأجهزة لاتحقق الشيء الكثير في بناء شخصية المواطن العربي، ولا تقدم له وجبة عادلة من الثقافة الأصلية المنتمية، إنما تتركه مشلولاً غير قادر على الإختيار أو المواجهة.

إشكاليات الحركة الإسلامية في تناولها للثقافة الإسلامية

لنعرض بعجالة لهذا المحور باعتبار أن الحركة الإسلامية بتياراتها المختلفة تعتبر رصيداً ومصدراً ضخماً يتناول الثقافة الإسلامية ويتعامل معها بأساليب متعددة، ومفاهيم متنوعة.
إن الحركة الإسلامية في معالجتها للبعد الثقافي تعاني من عدة إشكالات نذكر منها بإيجاز كما يلي:
1ـ تتناول الحركة الإسلامية مفهوم الثقافة الإسلامية بشكل جزئي يشمل ما يطلق عليه العلوم الشرعية، متجاهلة الجوانب الثقافية الحضارية والإبداعية الأخرى كالفنون الإسلامية من عمارة وخط، وزخرفة يدوية، وعلوم اللغة كالأدب والشعر والرواية والقصة والمسرحية، وهذا ما يجعل الرؤية أو الطرح الإسلامي غائباً عن الساحة الثقافية في هذه الجوانب، وهذا ايضاً ما جعل البعض ينظر إليها كثقافة محدودة وقاصرة.
2ـ عزوف العناصر الإسلامية عن العمل في أجهزة الإعلام، أدى إلى ابتعادها عن المشاركة في وضع الخطط والبرامج الإعلامية وتعذر تأثيرها فيما تقدمه هذه الأجهزة من برامج ومواد إعلامية.
3ـ التقليدية في الوسائل المستخدمة لطرح الثقافة الإسلامية وعدم الإلتفات إلى الوسائل الإعلامية المتطورة، وتكنولوجيا المعلومات جعل الأدوات المستخدمة في عرض الثقافة الإسلامية متأخرة ليست جاذبة ومنافسة لما يطرح في الواقع وعلى الساحة من برامج وأفكار ووسائل.
4ـ تقف بعض الشبهات الشرعية التي لم تحسم حتى الآن عائقاً نسبياً في طريق بعض الأدوات التي يمكن استخدامها لعرض أدبيات الثقافة الإسلامية مثال ذلك الموقف الشرعي من الموسيقى، التصوير، رسم الأرواح، مشاركة المرأة في الإنتاج الإعلامي، هذه القضايا رغم أن هناك آراء مرنة بشأنها، إلا أنها لم تناقش من قبل المؤسسات الشرعية الكبرى، مع مراعاة حاجة العصر ومستجداته، وطبيعة التحدي الذي يغلب عليه.
5ـ إنشغال الكثيرين من أبناء الحركة الإسلامية اصحاب المواهب الثقافية بالعمل الحركي الدعوي أو المبدع، مما ترك الساحة خالية للثقافات الأخرى وخاصة المعادية.

كيف نستثمر عصر المعلومات لخدمة ثقافتنا الإسلامية

1ـ إعادة صياغة مفردات الثقافة الإسلامية، بما يتناسب ولغة العصر، والدخول بها إلى بنوك المعلومات، ومراكز الأبحاث، ووحدات التوثيق والدراسات بإعتبار أن الثقافة الإسلامية لها من العناصر الحضارية ما يجعلها مرجعاً إنسانياً يستفيد منه الآخرون بالقدر العام المشترك بينهم وبين الثقافة الإسلامية.
2ـ الإستفادة من ثورة المعلومات بما يحقق لأمتنا تنمية افضل، ومواكبة عادلة مع الحضارات والأمم الأخرى، عن طريق تمكين الأجيال من الإطلاع على هذه المعلومات، وتأسيس مراكز المعلومات كوحدة اتصال مع العالم الغربي وجسر تواصل مع تكنولوجيا الكمبيوتر والإنترنت والإشتراك بأندية المعلومات ومراكز الأبحاث والدراسات للحصول على خدماتها.
3ـ التحول من كوننا عناصر مستهلكة فقط تطلب المعلومة، إلى مصادر للمعلومات لتحقيق الإستقلالية والإعتماد على الذات، وطرح أنفسنا كنموذج متميز للتعامل مع المعلومة وصياغتها وتحليل أبعادها.
4ـ عقد الإتفاقات مع أكثر من مصدر للمعلومات للتعاون في تبادل المعلومة، وتصديرها للآخر وفق رؤية هذا التكتل ومنظومته الثقافية.
5ـ الإعلام بوسائله المتطورة لغة هذا العصر وعلينا التعامل معه كأولوية اساسية تدفع بالثقافة الإسلامية نحو الإنتشار والعالمية.

ملامح الثقافة التي نريدها في عصر المعلومات وتحدي العولمة
1ـ الأصالة والمعاصرة عنصران متلازمان للثقافة التي نريدها في هذا العصر، فهي بقدر ما تعبر عن جذورنا وتراثنا وانتمائنا، فإنها تكفل لنا التعايش مع مستجدات ومتطلبات العصر دون عوائق.
2ـ الشمولية عنصر هام في فهم الثقافة، فهي شاملة لكل ما هو نفع وخير محض، لايصادم ولا يخالف مبادئنا وقيمنا، فهي علم شرعي، وفكر مستنير، وأدب وشعر، وفنون وحرف وهي خصوصيتنا في عمارتنا، وأسلوب حياتنا، وتفرد لغتنا، وهي ايضاً رؤيتنا للكون والحياة والعالم، وحوارنا مع الآخر بود واحترام، وإستعدادنا للتعايش مع البشرية بسلام وفق معايير العدل والحرية والمساواة...
3ـ الإتصال والإستفادة من الثقافات الأخرى سبيل تنتهجه الثقافة التي نريد فرغم محافظتها على تميزها وعناصرها، فهي متواصلة مع ثورة المعلومات، وتجارب الآخرين.
4ـ المتعة والترفيه الهادف والإبتكار اضحت أموراً لابد منها في المنتج الثقافي، إضافة إلى الإبداع ونبذ الجمود والتقليدية.
5ـ الحوار العلمي المتأدب رسول ثقافتنا التي نريد، فلا هو متطرف منكفئ، ولا هو هائم بالآخر مفرط بأصولنا وذاتنا.
6ـ بناء الإنسان الصالح في خلقه، والمعمّر لعصره، هدف أساسي لثقافتنا لاتحيد عنه.
7ـ الرؤية الإيجابية المتفائلة للمستقبل والحياة منظار ترى خلاله ثقافتنا الواقع وتتعامل معه باستعداد يواجه التحديات.
8ـ نريدها ثقافة متزنة، تزاوج بين المادة والروح وبين العقل والوجدان.

* مدير الصندوق الوقفي للثقافة والفكر ـ الأمانة العامة للأوقاف ـ الكويت.