شعار الموقع

الاسلام والغرب: نظرة نقدية حول المستقبل

عبد الرحمن الوائلي 2004-10-15
عدد القراءات « 622 »
الكتاب: الإسلام والغرب، الحاضر والمستقبل
الكاتب: زكي الميلاد‏ـ تركي علي الربيعو
الناشر: دار الفكر‏ـ دمشق
الصفحات: 125 من القطع الكبير
سنة النشر: ط1 1998 ـ سلسلة حوارات لقرن جديد.

(1)

كيف يمكن إيجاد أرضية صُلبة يقف عليها الحوار الثقافي بين الإسلام والغرب؟ وكيف يُمكن لهذا الحوار أنْ يؤسس مساحة جديدة للتعايش الحضاري بين الإثنين؟ وهل تفي التصورات الحالمة، التي يملكها المثقفون على اختلاف مذاهبهم الفكرية للحؤول دون حدوث مزيدٍ من الصدام بين هذا الطرف أو ذاك في مشروع التعايش هذا؟ كل هذهِ الأسئلة، تطرحها (الذات) العربية والإسلامية أمام سلسلة من المشاريع الفكرية التي تنزع دائماً إلى الخروج من هذا المأزق التاريخي الذي وُضعت فيه منذ قرونٍ عديدة، تمتد في مساحتها الزمنية إلى الحروب الصليبية‏ـ إن صحَّ التقدير ـ حيث ركز في الوعي الغربي منذ ذلك الحين تصور خاطئ عن الإسلام، وساهم الوعي الكنسي الغربي بشكل مباشر في تأسيس هذا التصور منذ الخطبة الحماسية التي ألقاها البابا الفرنسي «إريان الثاني» عام (1095م) بمدينة (كليرمونت) في مقاطعة (أفرني) الفرنسية فاشتعلت شرارة الحروب الصليبية وأضفت عليها طابعاً مقدساً فضلاً‏عن طابعها السياسي.
ههنا ـ إذن‏ـ نحن أمام صراعٍ شامل للثقافات، يحاول كلٌّ منها تأسيس جبهة ظافرة تسعى إلى ابتلاع الأخرى، دون التفكير ـ ولو لبرهةٍ صغيرة‏ـ في البحث عن إمكانيةٍ للتعايش فيما بينها، سوى ما يطرحه الإسلام وحده من استعدادٍ كامل للبحث عن صيغةٍ لهذا التعايش في كل عصر.
ضمن هذا السياق، وفي إطار البحث عن خطابات ثقافية جديدة تتناول العلاقة بين الإسلام والغرب، يأتي الكتاب الذي بين أيدينا، وهو عبارة عن ورقتين قدّمهما كلٌّ من الباحث (زكي الميلاد) والباحث (تركي الربيعو) ثم عقّب كلٌّ منهما على ورقة الآخر، ليشكّلا بذلك بحثاً ذا قسمين متباينين من حيث وجهات النظر، مما أعطى الموضوع المبحوث غِنىً أوسع مما يقدّمه الرأي الواحد علىýأيةِ حال.
لقد حاول الكتاب بوجه عام مناقشة هذه الثنائية (الخطاب الإسلامي‏ـ الخطاب الغربي) بعد التحولات العديدة التي شهدها العالم خصوصاً في عقد التسعينات حيث انهيار الأنظمة الشمولية في أوربة الشرقية، والسعي الأمريكي لإقامة النظام العالمي الجديد وحيد القطبية، والإرهاصات الكبيرة والأحداث المأساوية التي عصفت بالعالم الإسلامي خلال العقدين الأخيرين، وأثّرت بكلّ اسقاطاتها على قواه المادية والبشرية والنفسية ايضاً.
وحينما نقول (الخطاب الإسلامي والخطاب الغربي) إنما نعني بذلك كل ما يحمله هذا الخطاب من مضمون سياسي وفكري واقتصادي وايديولوجي يدخل في عملية الصراع بين الإسلام والغرب، وكل ما يمكن أنْ يعززه الواقع الإسلامي من تداعيات أمام لغة التهديد التي يطلقها الغرب عليه من (ارهاب وتطرف وأصولية) على حدّ ما تصوره وسائل إعلامه العامة ومؤسساته المؤدلجة في كل مكان.
لذلك حاول الكتاب أنْ يضع تصورات جديدة ومقترحة لمرحلة جديدة يحملها القرن القادم بين أحشاءه في إطار فكري يعتمد على الحوار والنقد والمساهمات الجادة في مجال توصيف العلاقة القادمة بين هذين القطبين (الإسلام والغرب) ومدى إمكانية أن يقف الإثنان على أرضية حضارية مشتركة يسعيان من خلالها لخدمة الإنسانية جمعاء.. وسنحاول هنا أن نسلط الضوء على هاتين الورقتين ونبرز أهم الأفكار الواردة فيهما ضمن هذه القراءة الموجزة للكتاب.

(2)

ينطلق الباحث (زكي الميلاد) في ورقته من التساؤل عن إمكانية إيجاد منظور معرفي جديد لعلاقات مستقبلية إيجابية بين الإسلام والغرب. حيث يرى أنّ الحاجة إلى هذا المنظور المعرفي الجديد تفتح الطريق للخروج من أسر الماضي وضيقه إلىýافق المستقبل ورحابته. ولابد كي يحقق هذا المنظور أهدافه، من تجاوز التاريخ الذي يذكّر بالمآسي التي جرّتها الحروب الصليبية، والإسقاطات النفسية التي تركتها في نفوس الغربيين وجعلتهم يعادون الإسلام تحت مبررات واهية لازالت وسائل الإعلام الغربية إلى الآن تحاول تأصيلها في نفوس النشء الغربي وضمن مناهجهم الدراسية أيضاً. بالإضافة إلى ما تبثه وسائل الإعلام هذه (المرئية والمقروءة) من تشويهات للإسلام أمام الرأي العام الغربي ولأغراضٍ توظيفية يكمن وراءها العامل السياسي الذي تديره جهات يهودية وأخرى معادية للإسلام.
ومع التحولات العالمية الجديدة التي اجتاحت كافة المجالات العلمية، والسياسية، والفكرية والتي أسقطت الكثير من البُنى التقليدية وأدّت إلى تراجع بعض المفاهيم المصنفة على المرحلة الماضية، ينبغي أن تتجدد العلاقة بين الإسلام والغرب بما يدفع بهذه التحولات العالمية نحو تغيير العالم باتجاه الإرتقاء بالإنسان والقيم الإنسانية والتقدم بتحسين نوعية الحياة لكل الشعوب والأمم (ص 20).
ولعل ما أطلق عليه الباحث (زكي الميلاد) بـ (صحوة عالمية نحو التغيير) وساق أمثلة شاخصة عليها يؤسس ـ كما يرى الباحث ـ إحدى مكونات المنظور المعرفي الجديد الذي يدعو له لمستقبليات العلاقة بين الإسلام والغرب، فالعالم يتجه إلى ترتيب أوضاعه كل يوم بطرح مشاريع جديدة تبحث عن صيغٍ جديدة للتنمية الشاملة المبنية على أساس إشراك الناس في الأحداث والعمليات التي تشكل حياتهم. ولايُمكن لهذا العالم وفق هذا المنظور أن يتجاوز الإسلام في ضرورة المشاركة والمساهمة في ترتيب البيت العالمي الجديد لأنه قوة ثقافية حضارية فاعلة رغم كل ما تعرض له العالم الإسلامي من هزائم ونكسات وتدمير دفعت به نحو التراجع والتخلف الشامل. لذلك كان التحضير للقرن القادم يتعلق بتغيير وتبديل النظرة المعرفية والمبنية على اساس نفسي بحث ينطلق منه الغرب باتجاه الإسلام، إلى نظرة معرفية جديدة على أساس المعرفة العلمية المرتبطة بالقيم والسلوكيات التي تدرس الإنسان في عمقه وجوهره بغض النظر عن اتجاهه الديني والأيديولوجي والواقع النفسي المأزوم الذي يحرك العلاقة بين الأضداد. ومما يعزز الحاجة إلى هذا المنظور المعرفي الجديد‏ـ كما يرى الباحث الميلاد ـ ذلك النشاط الفكري والبحثي الذي يبديه الغرب اليوم تجاه الإسلام والعالم الإسلامي من خلال الدراسات والقراءات التي يقدمها المستشرقون وإسهاماتهم التي يأمل الباحث من خلالها أن يكوّن الغرب رؤية ايجابية وسليمة عن الإسلام «ولن يصل إلى هذه الرؤية إلاّ إذا اتصفت هذه الدراسات بالموضوعية بعد التخلص من الإرث التاريخي المثقل بالنزاع، وبالعلمية بعيداً عن التوظيف السياسي، وبالإيجابية فيما يمكن أن يقدمه الإسلام للغرب وللحضارة الغربية، وبالمستقبلية من خلال النظر إلى تعاون ممكن ص247».
لقد اشتغل الباحث في هذه الفقرة على توضيح بعض التحولات التي عبّرت عنها بعض المشاريع الثقافية والسياسية المحدودة في الغرب، وكان الهدف منها المطالبة بالإنفتاح على الإسلام والحوار معه واحترام عطاءه الحضاري في تاريخ الإجتماع الإنساني. وقد ساق الباحث عدداً من الأمثلة على هذه المشاريع والدعوات الغربية منها (حديث ولي عهد بريطانيا الأمير (تشارلز) في مركز الدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد، والمؤتمر الذي نظمه المعهد الملكي للشؤون الدولية بمناسبة مرور 75 عاماً على تأسيس المعهد، وتصريحات الرئيس الألماني (رومان هرتزوغ)، والمبادرة الإسلامية التي اطلقتها الحكومة السويدية عام 1995 والتي كان من جملة أهدافها تهيئة فرصة للحوار بين أوربا والإسلام، بالإضافة إلى آراء ومواقف العديد من المفكرين والباحثين والكتاب بهذا الصدد. إلاّ ان الباحث يرى أنّ هذه المبادرات لم تتحول إلى مكوّنات في تشكيل السياسات العامة في تلك الدول على الرغم من أنها صدرت من جهات رفيعة المستوى.

(3)

إذا كانت العلاقة بين الغرب والإسلام تتحدد من خلال المضامين التي تحملها الخطابات الثقافية عند كلا الفريقين. فلا بد إذن لكي نتعرف إلى حدود هذه العلاقة من أن نقوم بدراسة مستفيضة وموضوعية بالدرجة الأولى لمستويات واتجاهات هذه الخطابات ونقف على أهم الأفكار التي تحملها في طيّاتها، ومن ثم نقوم بنقدها، ليشخص الصالح منها ويتهافت الرديء. وتكتسب دراسة الخطاب الثقافي أهميتها مما تقدمه من إيضاحات مشرقة للإستشراف بمستقبل هذه العلاقة والإستعدادات اللازمة لإمكانية تطبيقها على أرض الواقع وجني ثمارها بشكل مقبول يحفظ أهمية الدور الذي يقوم به كلٌّ من الفريقين في رسم ملامح القرن الجديد. وهذا ما قام به الباحث (زكي الميلاد) بعد أن انتهى من رسم الخطوط العامة التي تؤسس الحاجة الماسة لتكوين منظوره المعرفي المقترح الذي بدأ به ورقته هذه. حيث انتقل إلى دراسة تحولات الخطابات الإسلامية في قراءة الغرب، وصنّفها إلى خطابات اسلامية تمتلك خصوصيتها الواضحة، وخطابات غير اسلامية لها خصوصيتها المغايرة لتلك. ثم قام بنقدها من مواقعها ذاتها.. فيما يخص التحولات التي طرأت على الخطابات الإسلامية في قراءة الغرب أشار إلى وجود رؤية رافضة وصدامية في هذه الخطابات الحديثة والتي جاءت مصاحبة للظروف الموضوعية التي مرّ بها العالم الإسلامي في تاريخية العلاقة بينه وبين الغرب. وعزا وجود هذه الرؤية الرافضة والصدامية للغرب ذاته الذي كان يتقدم للعالم الإسلامي بخطاب يعلن فيه صراحة عداوته للإسلام، وتمثل ذلك أيضاً وبشكل عام بالمنهجية التي ابتعها الغرب في تعامله مع المستعمرات التي كانت تحت سيطرته والتي كان يمارس معها عملية الإستلاب الثقافي من خلال فرض التبعية الكاملة للثقافة الغربية. وزاد الأمر سوءاً حينما همشت النخب العلمانية السياسية التي تسلمت إدارة الدولة الحديثة الإسلام وعزلته عن واقع الحياة بعد أن اتخذت الثقافة الغربية مرجعية لها.
ثم رصد الباحث بعد ذلك مسيرة الخطابات الإسلامية من حالة الضعف والإنكفاء على الذات التي مرّت بها في هذه الفترة حتى بدأت الحيوية تدبّ فيها في أواخر الستينات وبداية السبعينات، وازدادت حيويتها بعد التراجعات السياسية التي أخلفت نكسة حزيران، وفشل مشاريع الوحدة العربية وتهافت مناهج الحلول الليبرالية والعلمانية والإشتراكية في مجالات التربية والتعليم والبحث العلمي والنهوض بالإنسان العربي، والتراجعات الإقتصادية التي تمثلت في إخفاقات برامج التنمية والتقدم الصناعي، وحل مشكلات الفقر والطبقية وصولاً إلى العدالة الإجتماعية /ص 34/
الحل الإسلامي جاء يحمل معه البشائر إلى كل مجالات الحياة في إطار الإسلام السياسي، وقد تمثل في نشاط المجال الفكري والإعلامي والمعاهد الثقافية مما جعل الخطاب الإسلامي أكثر نضجاً من ذي قبل.
إلاّ أنّ الباحث لم يشأ أن يتطرف في رأيه بعيداً عن الموضوعية حينما تناول هذا المحور الحساس في عملية الصراع بين الخطاب الإسلامي ومضاداته الواقعية في العالم الإسلامي نفسه الذي أثقل بالمشكلات الكبرى التي خلّفها له الإستعمار البغيض، لذلك عمد (زكي الميلاد) إلى نقد الخطابات الإسلامية في قراءة الغرب حيث أورد في هذا الباب عدة نقاط بدأت في تركيز الخطاب الإسلامي المعاصر على نقد الحياة الإجتماعية والأخلاقية المتدهورة في الغرب بينما يقلد البعض هذه المظاهر الحياتية خصوصاً أولئك الذين أنهوا دراساتهم في الدول الغربية. ثم ينقد الكاتب الرؤية الحالمة التي يحملها بعض الكتاب الإسلاميين حول سقوط الحضارة الغربية والتي ينقصها الكثير من الدراسة والتحليل. بالإضافة إلى منهجية هجوم بعض الكتابات الإسلامية في وصم الحضارة الغربية بالجاهلية والعنصرية والمادية دون النظر إلى أسباب تطور هذه الحضارة ضمن السنن الكونية المعروفة. كذلك الخوف الذي سيطر على بعض هذه الكتابات من الحضارة الغربية على المجتمعات الإسلامية والذي لايخضع ـ أي هذا الخوف ـ إلى درجة من المعقولية التي تبعث الشعور بثقة عالية بالنفس عند الإسلاميين، وأخيراً افتقاد العديد من الكتابات الإسلامية إلى جوانب العمق والإستيعاب في قراءة الحضارة الغربية ونقدها مما دعا الدكتور (حسن حنفي) إلى تأسيس علم خاص بدراسة الغرب، وهو (الإستغراب) الذي يقابل ويعادل (الإستشراق) بالإضافة إلى الحساسية المفرطة لكل شيء له علاقة بالغرب إلى الحدّ الذي يدفع الإسلاميين إلى التوقف عن التفكير بشيء إذا اكتشفوا أن جذوره من الغرب /ص 35 - ص 42/
ثم يعاود الكاتب نقده للخطابات الثقافية غير الإسلامية في قراءة الغرب وخصوصاً الخطابات العلمانية والليبرالية والماركسية والإشتراكية، واشار إلى أن التقدم الذي تدعو له هذه التيارات هو التقدم المستنسخ من التجربة الأوربية بعيداً عن التمايزات والفوارق الموضوعية والتاريخية والفكرية والروحية بين بيئتنا العربية والإسلامية والغرب، مما كشف عن التقديرات الخاطئة لدى هذه الخطابات في طريقة التعامل مع الغرب وتجربته التاريخية من جهة ومع البيئة العربية والإسلامية من جهة ثانية. وبالتالي ونتيجة لهذه التقديرات الخاطئة لم تستطع أن تقدم للعالم العربي والإسلامي خطاباً موضوعياً وإيجابياً ونقدياً حول الغرب في تجربته الحضارية كما نحتاجها نحن في مرحلتنا التاريخية التي نمرّ بها والنهوض الحضاري الذي يناسبنا لا الذي يريده الغرب لنا.
وأكد الباحث بهذا الصدد على أنّ أهم ما ينبغي أن تخرج به هذه التيارات من حكمة في منهجيتها وبنيتها الفكرية هو أن التقدم لايكون بالخروج عن هوية الأمة أو بنقيض لها، بل التقدم الذي يعطي فاعليته هو الذي يتأسس من داخل هوية الأمة وثقافتها ووجدانها / ص 43 ـ ص 47/... إن إشارات الباحث هنا تستبطن نقداً موضوعياً لواقعٍ شاخص في الحياة الفكرية العربية والإسلامية، ولما ساد في هذا الواقع من تيارات وأفكار، مرّ على الدعوة لها وتبنيها عشرات السنين دون أن تحقق شيئاً سوى الدوران حول الذات للبحث عنها بعد أن أضاعت ملامح هويتها الأصلية بين هذا المذهب الفكري أو ذاك.
ثم يعود الكاتب مرة أخرى لثنائية الغرب والإسلام وجدلية العلاقة بينهما ولكنه هذه المرة ينطلق من نقد قراءات الغرب للإسلام، ويكشف عن خلفيتها التي تنطلق دائماً من العداء للدين الإسلامي، وقد كشفت بعض كتابات المستشرقين هذا المعنى بشكل واضح ودقيق. مما جعل الدراسات المنصفة للإسلام والحضارة الإسلامية قليلة جداً قياساً‏إلى تلك. وعزا الكاتب هذه المسألة إلى تأثير حالة القوة التي يعيشها الباحث في هذه المسألة قياساً لحالة الضعف والإنسحاق التي يعيشها الآخر وتأثيرها على تصوراته واستنتاجاته التي يظهر بها في نفس المجال. وأشار بهذا الصدد إلى أهم الدراسات مثل (الإستشراق) لادوارد سعيد وبعض الكتاب الغربيين من كلا النوعين المذكورين /ص 47 - 55/

(4)

أخيراً وقبل أن يدخل الباحث (زكي الميلاد) في نقد الأطروحات الغربية وبيان ضعفها وتأثيراتها السلبية على المجتمع الإنساني وابتعادها عن الواقع، ومقارنة هذه الأطروحات بأمثالها في الفكر الإسلامي، حاول أن يشير بشكل سريع إلى مستقبل الإسلام في الغرب اعتماداً‏على الإحصائيات الغربية نفسها والتي تشير إلى أن سرعة انتشار الإسلام هناك وتوسعه خاصة بعد انتشار الإسلام بين الفئات التي توصف بالطبقات الراقية.. كماýألمح الباحث إلى «أنّه ليس من السليم على الوجود الإسلامي هناك أن ينظر إلى ذاته على أنه موجود غريب لاخيار أمامه إلا الإنكفاء والإنعزال، وكأنه يعيش في ظروف غير طبيعية أو مجبر عليها.. والسليم أن يتواصل الوجود الإسلامي مع الواقع هناك ويسجل لنفسه الحضور الإيجابي والحضاري ويبرز ما عنده من فاعلية وأطروحات تحتاجها الحياة هناك /ص 57/».
وفي مجال نقده للأطروحات الغربية انتخب الباحث أهم العناوين التي يدّعي الغرب لنفسه تأسيسها وإسهامه في إرساء أسسها الحضارية المتكاملة مثل (العلمانية، الحداثة، الديمقراطية، حقوق الإنسان، المرأة، العلوم) وبيّن الباحث الأسس الخاطئة التي تعتمد عليها هذه الأطروحات بصورتها التي توجد عليها اليوم في أوربا. ثم قدّم النظرة الإسلامية الحضارية لهذه العناوين بشكل واضحٍ ودقيق وموجز في نفس الوقت، لينتقل بعد ذلك إلى خلاصة ورقته التي ضمّت رؤيته للمستقبل الذي يريده الإسلاميون للعلاقة التي تربطهم بالغرب بعدýأن انطلقت مساهمته من نقد الذات والآخر بشكل موضوعي. حيث ينبغي ـ كما يرى الكاتب‏ـ أن نؤسس لعلاقات جديدة، وننفتح على المستقبل برؤية إيجابية ونستفيد من الماضي في ألاّ نكرر أخطاءنا، ونتخذ من الحوار مسلكاً في أن نفهم بعضنا بعضاً، أين نتفق؟ وأين نختلف؟ وهذا لايتم إلاّ من خلال انفتاح الغرب على الإسلام وانفتاح الإسلام على الغرب. ويحدونا الأمل الذي لانريد أن نخسره حتى لانخسر كل شيء.. فهل من أمل جديد مع القرن الحادي والعشرين /ص 73/.

(5)

عقّب الباحث (تركي علي الربيعو) على الورقة السابقة للباحث (زكي الميلاد)، وقد عنون تعقيبه بعنوان (من نحن من الآخر) حاول أن يشير من خلالها إلى العقلاني واللاعقلاني والمتخيل في علاقتنا بالغرب، وهو بذلك يمارس نقداً‏على النقد الذي قدمه زميله الباحث (الميلاد) إنطلق أولاً من مقاربات نقدية مشهورة لأبرز الكتاب الماركسيين العرب من أمثال «عبد الله العروي» وغيره. وقد قام إلى جانب ذلك برصد الإجابة عن هذا التساؤل (من نحن ومن الآخر؟) عبر مشاريع الإسلاميين المتنورين أيضاً أمثال (السيد الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وسيد قطب) التي حملت إجابات متعددة عن هذا السؤال. ورصد أيضاً وجهات نظر الليبراليين والتكنولوجيين العرب في هذه الإشكالية، وبيّن الرأي في هذه الإتجاهات مُفصلاً، حتى استنتج وفقاً‏(للعروي) أنّ الإجابة في كل مرة تنطلق من واقع المفكر الذي يتبناها، حيث رمز إلى الإتجاهات الرئيسية في الوطن العربي والإسلامي بـ (الشيخ والليبرالي وداعية التقنية) الذين يمثلون لحظات من الوعي العربي المعاصر الذي يحاول منذ زمن بعيد أن يفهم نفسه ويفهم الآخر.
وبعد أن يستعرض (تركي الربيعو) في تعقيبه هذا أنماط الإجابة التي تقدم بها هؤلاء الثلاثة، يخلص إلى نتيجة جديدة هي أنّ هذه الإجابات ناقصة لأنها مؤطرة بإطار واحد معين تحكمه النمطية في الأداء الفكري أصيلاً كان أم مستعاراً، وفي النهاية يتساءل (الربيعو) بناءاً على ما طرحته ورقة (الميلاد). أين يمكن أن نعثر على المنظور الجديد للعلاقة بين الغرب والإسلام، ما دام (الأنا/النحن) عاجز عن الإجابة الحقيقية، فضلاً‏عن عدم قدرة الغرب التخلي عن الشعور الإستعماري بابتلاع الآخر واستلابه وعدم قدرة الغرب أيضاً على التخلص من عقدة الإسلام الذي يتصوره عائقاً أمام نهضته المستمرة.. وتساءل (الربيعو) أيضاً، هل تستطيع التوفيقية وراء خطاب (الميلاد) في بحثه عن المنظور المعرفي الجديد أن توفق بين المتناقضات؟ بين غرب متقدم وعدواني ويزداد انكفاءاً على نفسه يوماً بعد يوم، وبين عالم عربي وإسلامي متفرق ومتخلف وتسوده الحروب الأهلية.
إنّ ذلك غير ممكن ـ حسب الربيعو ـ إلاّ عندما تستند هذه التوفيقية إلى جدار (اليوتوبيا)، أو عندما نصبح بمستوى الحوار الحضاري لا أن نستجديه.. ثم يختم (الربيعو) تعقيبه هذا بمشاركته (الميلاد) قلقه وتوزعه في نقد الخطابات السائدة الغربية والإسلامية وغير الإسلامية في إطار سعيه المشروع لبناء المنظور المعرفي الجديد غير أن ـ أي الربيعو‏ـ لايشارك (الميلاد) تفاؤله ولا رهانه عندما يراهن على /20/ مليون مسلم في أوربا من شأنهم أن يحسنوا صورة الإسلام لئلا يقع ضحية النمطية والأسطرة واليوتوبيا، وليس ضحية الخصوصية التي غالى بها الأستاذ الميلاد عندما عالج مسألة الديمقراطية والعلمانية والحداثة وحقوق الإنسان بابتسار وعلى عجالة لاتفسر إلاّ من خلال التوفيقية المبثوثة من خلال خطابه /ص 86/

(6)

أما الورقة التي قدّمها الباحث‏(تركي الربيعو) كمساهمة تحليلية لظاهرة الخواف من الإسلام والمنتشرة في الوعي الغربي منذ زمن بعيد، فقد مهّد لها بالإستشهاد ببعض الكتابات الغربية التي أشارت إلى أولئك الذين يجازفون بتكرار التاريخ وإعادة صوره البشعة في إطار رغبة السيادة العارمة التي يستشعرها الغربي دائماً إزاء الآخر (وهو الإسلام).. وقد عالج (الربيعو) هذه الإشكالية في صميم مساهمته هذه كعادته من خلال قراءته لكتب أبرز الكتاب العرب على اختلاف توجهاتهم وتياراتهم الفكرية. لأنّ هذه الكتب ـ حسب الربيعو‏ـ عالجت هذه الإشكالية من منظور تاريخي وحضاري ولكنها تبقى محكومة بهاجس إعادة انتاج الأسئلة المسكوت عنها تحت وطئة التبعية الثقافية للغرب وبهاجس البحث عن مخرج من الوضع الحرج عن إمكانية تجاوز حالة الخصام إلى حالة الوئام على حد تعبير (محمد أركون)، وعن إمكانية تجاوز الخواف التي يعيشها الغرب من الإسلام حيث الخواف حالة مرضية تسود هناك في الغرب وهذا ما يلحظه (هشام جعيط) ويقف عنده (محمد عابد الجابري) جيداً، والذي لايرى مبرراً لإستمرار هذه الحالة المرضية التي تسود وتسوّد صفحات أجهزة الإعلام في الغرب وتدفع إلى حالةٍ من الرعب من الإسلام غير مبررة وغير واقعية على الإطلاق /ص 94/
ولعل قراءة هذه الكتب التي تحدثت عن إشكالية العلاقة بين الغرب والإسلام تشكل الأساس الذي يعتمد عليه (الربيعو) في المتفرق والمتحد من الرؤية الفكرية العربية لهذه العلاقة، فالمؤلفون الثلاثة (جعيط والجابري والأركون) ينطلقون من رؤية تحليلية مشتركة (غربية ـ عربية) ولذلك وجد (الربيعو) نفسه بحاجة ماسةýإلى أن يستعين بكتاب (تغطية الإسلام) لمؤلفه (ادوارد سعيد) الذي يفسر العدوانية التي يقفها الغرب ضد الإسلام من جانب واحد..‏كل هذه الكتب بما تحمله من تفسيرات وتحليلات لصورة هذه العلاقة، يضعها (الربيعو) أمامه ليتساءل من خلالها، إلىýأي مدى يستطيع المثقف الأكاديمي أن يلعب دور الوسيط بين مفهومين جغرافيين وثقافيين وتاريخيين في آن، بين أوربا والغرب وبين الإسلام؟ ثلاثة وجهات نظر مختلفة كل واحدة منها تنطلق من موقعها الذي يمثل موقع الكاتب وفاعليته في وسطه الثقافي.. حيث يؤكد الجابري من موقعه على أنّ الخواف من الإسلام يعزى إلى دوافع سيكولوجية دفينة ورغبات لايريد الخطاب الإعلامي في الغرب أن يفصح عنها، وهذه الرغبات من وجهة نظر الجابري تأخذ شكل حاجات بيولوجية مثل الحاجة إلى البترول ولذلك ليس غريباً أن تحصر دائرة الإسلام في مرات كثيرة بين العرب وإيران.

(7)

يقرأ (الربيعو) الكتب الثلاثة التي تشترك في تأسيس رؤية تحليلية لشرعنه الخواف من الإسلام لدى الغربيين، فيجد (هشام جعيط) أنّ شرعنة الخواف هذه تأسست من الأحكام (القروسطية) فمن هذه التجربة الأصلية للعداء الغربي للعرب سيستمد الوعي الغربي القروسطي الأسس الإنفعالية لتمثلهُ الإسلام، التمثل المجبول بالعداوة. ثم أنّ هذه الأحكام القروسطية قد أُدخلت في اللاوعي الجماعي للغرب وفي مستوى عميق.. ثم عمل هذا الوعي في أوربا الحديثة على أن يعتبر الإسلام ديناً بسيطاً يمكن بسهولة رميه إلى خارج التيار الروحي المركزي للإنسانية، ومن هنا وعلى طول العصر الحديث جسدت المسيحية وبكل قوتها في الغرب، الإتجاه المعادي للإسلام وذلك على الرغم من تحرر الفكرة العلمانية من الضغط المسيحي على التأمل العقلاني والذي كان من شأنه أن يقدم إسهاماً إيجابياً يرى في الدين الإسلامي جزءاً متمماً وهاماً‏من التاريخ الإنساني /ص 98/
ثم توغل (الربيعو) في المفاصل الرئيسية الأخرى من كتاب (صدام الثقافة والحداثة) لمؤلفه (هشام جعيط) حتى دخل في القرن التاسع عشر والعشرين حيث رصد الخلفية الفكرية في الوعي الأوربي، وعرض جوانب من مواقف المثقفين الغربيين تجاه الإسلام. من فولتير وهجومه على الرسول (ص) إلى (فولني) مروراً برؤية الرحالة الرومانسيين للإسلام والتي هي أكثر ابتذالاً من الفلاسفة على حد تعبير (جعيط). ثم ينتقل إلى دراسة المشتغلين في حقل‏(الأتنولوجيا) من (رينان) إلى (ستروس) اللذين يأكدان على الكلية الشاملة للإسلام وذلك بهدف إدانته حيث ينجح (جعيط) في هذا الجمع والقراءة، هؤلاء جميعاً يحاولون تصوير الإسلام على أنه بنية للعنف والعداء ويرون في القيم العربية كالرجولة والفخر والبطولة تعويضاً كاذباً لشعور بالنقص. وكل ذلك سببه الإستعارة التي قام بها هؤلاء من الإستشراق الذي كانت وراء بعضه قوة عالمية جديدة هي (الإمبريالية) ونفس الشيء يقوم به (الربيعو) مع كتابي (الجابري وأركون) ويعطي للأول منهما خصوصية عيشه في الواقع العربي وعدم تعرضه للإضطهاد الذي يطال المهاجرين والمسلمين والعرب، فهو خارج أوربا وأمريكا، وبالتالي فهناك مسافة بينه وبين الصورة التي رسمها الإعلام الغربي عن الإسلام، وهذه المسافة تتيح له التأمل في الظاهرة وتفكيكها وتحليلها. إنّ تساؤلات الجابري هنا مضمرة في البحث عن دور (الانتلجنسيا) العربية التي تغيب عن ساحة الحوار تحت ضغط الأيديولوجيا الغربية المعادية للإسلام والتي تستعير بواعث التعبير عن نفسها من أيديولوجيا عصر الأنوار، بصورة أدق من فلسفة التاريخ والتي تمتد من (كانط) إلى (هيجل) والتي تتمركز على الذات وتستبعد الآخر وتنفيه، ومن حقل الإستشراق. حيث يؤكد الجابري أن الإستشراق هو الوجه الآخر لفلسفة التاريخ.
ويكفي هذا إشارة إلى تمام المعرفة بطريقة التفكير الغربي إزاء الإسلام. إنّ نفي الآخر وتنصيبه عدواً، يصبح ضرورة ليتعرف الغرب على نفسه، فكل معرفة تمرّ من خلال الآخر، والآخر الآن هو الإسلام الذي يضمّنه الغرب كل أنواع السلب ليجعل منه أضحية ممتازة /ص 104/.
أما بالنسبة لـ (أركون) فإنّ ما يقلقه بهذا الصدد هو انتشار الأدبيات السياسوية المتسرعة في الغرب والتي تتحدث بكل خفّة عن الإسلام والحركات الإسلامية والأصولية والتطرف والراديكالية.. الخ.
إنها من وجهة نظر (أركون) تكرار الخطأ نفسه إذ تضخم دور الإسلام وتعتبره حاسماً في كل شيء وفي كل المجالات والسياقات، وكما فعل الماركسيون مع العامل الإقتصادي عندما ضخّموه إلى درجة التأليه راح هؤلاء الكتاب المتسرعون يضخمون العامل الديني ولايرون في كل مكان إلاّ الإسلام، وأصبح الإسلام على أيديهم متشيئاً، متصلباً، جامداً، أبدياً، جوهرانياً..
وأخيراً يقف (الربيعو) أمام (ادوارد سعيد) ليؤكد أنّ القراءة الدقيقة التي قام بها (سعيد) تفصح عن عمق في النظر إلى الكيفية التي تتحكم بها وسائل الإعلام الغربي في تشكيل وعي الآخرين وفهمهم وخاصة فيما يتعلق بالإسلام، وما يقلقه هو ذلك (الإجماع) المؤسس في البحث عن كبش فداء، عن ضحية مستعيرين هنا لغة (الميثولوجيا) على اعتبار ان الإسلام هو كبش فداء لكل ما لا يروق للغربيين من أنماط سياسية واجتماعية واقتصادية جديدة في العالم..‏وهنا يؤكد (سعيد) على ضرورة قراءة الوضع السياسي والإقتصادي والفكري للغرب في نظرته للإسلام ليكتشف الباحث بعدها أنّ (سعيد) يركز على الغرب من وجهة نظره، لا المسيحية، هو الذي بقي دائماً في موضع التنافس والعداء مع الإسلام، فالغرب ظلّ يرقب باستمرار قوة الإسلام والمؤهلة لإزعاجه المرّة تلو المرّة، يقول سعيد: لم تتم أبداً تهدئة الإسلام أو هزيمته. وإن كانت هذه هي الحال. فهل يمكن القول أن الإسلام ضد الغرب.. من وجهة نظر أغلب الباحثين الجواب لا، ولهذا يسعى (سعيد) لفضح النظام عبر منهجية صارمة هدفها نشدان الحقيقة.
ثم يتسائل (الربيعو) في نهاية ورقته عن إمكانية الحوار في إطار كل الذي ذكره من طبيعة العداء الغربي للإسلام ورغبة الأول في القضاء على الثاني!

(8)

في تعقيبه الذي ضمّنه رؤية الغرب للإسلام.‏يحاول الباحث (زكي الميلاد) الإشارة إلى ان الوقوف على أرضٍ مشتركة تجمع الغرب والإسلام لهي من المهمات الصعبة، وعلى ما يظهر فإن التجاذب حول هذه القضية سوف يستمر في أكثر من اتجاه، ومع اتساع هذا التجاذب والإنشغال به على أكثر من صعيد، من المحتمل أن يدخل على هذه القضية بعض التطورات التي لانستطيع أن نحصر اتجاهها وحركتها، لكن المؤكد أن هذه القضية لن تبقى على حالها من غير تحريك.. ثم أخذ على ورقة (الربيعو) أنها لم تتطرق إلى منظور أوروبي آخر فقد جاءت أحادية النظرة، وأنّ الغائب في هذا العمل هو منظور الغرب للإسلام، الذي ينطلق من الغرب ذاته..‏ليس هناك ـ حسب ما يرى الميلاد‏ـ قراءة واحدة للإسلام من قبل الغرب، كما لايصح ان تأخذ الغرب بقراءة واحدة فحسب.
لذلك يأتي توصيف هذه الإشكالية من عدة جوانب تتعلق بالشعور الحضاري لكلا الطرفين والمسافة في التطور العلمي التي تفصل بينهما وما يمكن أن تخلّفه من شعور بأحقية السيادة.. ثم يعود (الميلاد) لمعرفة الجواب عن التساءل الأول الذي بدأ به ورقته وهو: كيف نثبت (النحن) في بناء حضارة مساوية في القوة والفاعلية للحضارة الغربية (الآخر) ليجد الحلّ من جديد يتشكل من خلال تأسيس منظور معرفي جديد يتفاعل مع المنظور المعرفي الغربي المعتدل والمنصف وينسجم معه شيئاً فشيئاً على طريق إيجاد حلّ نهائي لهذا الصراع المرير بين الغرب والإسلام موضوع البحث والدراسة.

(9)

يمكننا في نهاية هذه القراءة أن نسجل بعض الملاحظات في تقويم تجربة الحوار هذه (الكتاب).. فالموضوع من السعة والشمولية ما يجعله بالغ الأهمية عند كلا الباحثين..‏لكننا نعتقد انّ سعة الموضوع وشموليته أثرت على التصور النهائي لكلا الكاتبين، إذ كان هناك نقص واضح في ورقة الباحث (زكي الميلاد) في التطرق إلى العقلانية الغربية التي أسست الوعي الجديد في عملية الصراع الغربي مع الإسلام في عصور ما بعد الصليبية، حيث لعب الفلاسفة والمفكرون الغربيون في القرون الثلاثة الأخيرة دوراً هاماً في تأسيس نمطٍ خاص من السلطة الغربية يعتمد بشكل أساسي على تفوق العقل الغربي وتجلياته في الواقع الإجتماعي والسياسي والإقتصادي، وإلى الحدّ الذي تحول هذا النمط الخاص من التفكير إلى عقيدة قوية تكمن في «جوّانية» الإنسان الغربي وترفض أي غطاء فكري من شأنه أن يتستر عليه، فالنظر إلى الله والكون والحياة في النسق الفكري الحديث ليس هو ذاته الذي حرّك الجيوش الصليبية لإحتلال وتدمير بلاد المسلمين. بل أصبح هناك تصوّر جديد للدولة والسلطة والأجهزة المسيطرة على مقدرات الإنسان الغربي والتي أخذت شيئاً فشيئاً بعد ذلك طابعاً شمولياً ينزع إلى تعميم هذه الرؤية على كل مجتمعات العالم. وهذا النقص نفسه عانت منه ورقة الباحث (تركي الربيعو).. كذلك كان الباحث (الميلاد) تجريدياً أو مثالياً فعلاً في بعض تصوراته عن الغرب ونظرته للإسلام، فالعالم الحديث ـ كما نراه نحن ‏ـ لايمكن أن يترك سياسياً‏لقطبين يتجاذبان بعضهما على طول الخط، فلو تجاوزا مرحلة أولى من التعقيدات وصبرا على التفاهم عليها فإنهما سيفشلان حتماً في الإتفاق على مرحلةٍ قادمة، وسبب ذلك يعود لطبيعة تكوين كلّ منهما ـ وهنا أقصد التكوين الحضاري‏ـ‏وهذه إشكالية جديدة لم يتطرق لها الكاتبان بالإضافة إلى إننا لم نقرأ في الكتب ولا في الأمثلة التي ساقاها في الكتاب من تحدث عنها من المفكرين العرب وغيرهم. هذه الإشكالية تتحدد بكون الإسلام يستمد حضارته من عقيته التي لايقبل المسلمون المساس بها على حساب تطور حضاري ناشئ عن رائي وضعي أثبت نجاحه لفترة من الزمن، فالمسلمون يعتقدون أن الإسلام حضاري بالطبع حتى لو لم يتحسسوا حضارته اليوم، فهي ستظهر عاجلاً أم آجلاً، أما الغرب فقد لفظ تعاليمه المسيحية منذ عصر الأنوار واستبدلها بكل ما هو وضعي. فالصراع هنا اليوم يتلوّن بلون مختلف هو صراع دينٍ حضاري مع حضارة بلا دين، إذن لايمكن الإتفاق بينهما إلاّ بشكل محدود جداً. ونعتقد أن الغرب يرى التعايش مع الإسلام ممكناً حينما يتخلى العرب والمسلمون عن التقيد به، لأنهم حينئذ سوف يكونون مهيأون لتقبل كل ما هو غربي دون أدنى تحفظ وبالتالي يتحقق الإحتواء الغربي للعرب والمسلمين على طريق ابتلاع الغالب للمغلوب.
أما فيما يخص ورقة الباحث (تركي الربيعو) فلانراها ورقة تساهم بإضافة شيء جديد يتطلع إليه هذا المحور، إذ لم يقدّم وجهة نظر خاصة به واضحة ومحددة المعالم تمكّن القارئ من تأسيس رؤية جديدة لقضية الصراع بين الغرب والإسلام، بل كل الذي فعله هو أن قام بقراءة أبرز الكتب التي تحدثت في هذا المجال، وعلّق عليها تعليقاً سريعاً وموجزاً دون أن يأخذ بيد قارئه ليوقفه على أرضية صلبة تحدد له ملامح العلاقة المستقبلية بين الغرب والإسلام، كما فعل (زكي الميلاد) في ورقته التي جاءت مُلبية لهدف المحور المناقش بشكل مطابق تماماً رغم ملاحظاتنا المذكورة عليها.
وبرأينا، أن زمن القراءات لكتب الآخرين قد انتهى، وبدأت مرحلة جديدة من التأسيس لفكر واضح المعالم تحمله إسهامات كتّابنا ومثقفينا على إيجاد الحلول لمشكلاتنا الراهنة، المحلية والعالمية على حد سواء.

(*) كاتب من العراق