شعار الموقع

الثقافة العربية... الواقع والمستقبل

قسم التحرير 2004-10-15
عدد القراءات « 731 »
مراجعة لأوراق مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة الثالث عشر
الرياض ـ المملكة العربية السعودية / 4 مارس 1998م



في الوقت الذي تزداد وتيرة العد التنازلي، والتأهب لدخول الألفية الميلادية الثالثة تزداد انهمامات المراجعات الإنسانية في جوانبها المعرفية الشاملة، وفي ظل تجاذبات التناظر في اشكاليات طارئة في البنى الثقافية والمعرفية، المنبثقة من حقيقة التدافع والمغالبة، بين الشعوب والأمم، التي باتت على مقربة حضارية متداخلة، بفعل الاتصالية ووسائطها التكنولوجية المتعددة، والمأخوذة بزخم المعلوماتية في موجتها الثالثة، والتي صار الاعتبار العالمي في قسمات منظوماته وتشكيلاته الحضارية، خاضعاً لترسيماته تلك، مدعمة باطراد الهيمنة الغربية، في «رأسمالية أمريكية» غالبة، الجانحة دوماً لنزعتها الامبريالية، وتراكمها الرأسمالي المفرط في اقتصاديته المعولمة، بآلية نظر وتنفيذ، لا ترعوي في سبيل تمددات نفوذها عن استخدامات كل الوسائل والامكانات، وان كل ذلك على حساب حقائق الشعوب والأمم، العقائدية، والتاريخية، والثقافية، بل وكل خصوصية قائمة، فيما أعلنت دوائرها الفكرية والسياسية عن تحدياتها للحضارات الكونية الأخرى فيما عرف «بصدام الحضارات»، مملية جدلاً عاصفاً لم يهدأ بعد، خاصة بعدما راحت الغلبة الأمريكية في أحاديتها القطبية تمني نفسها بانتصارها الليبرالي الكاسح باعلان «نهاية التاريخ» الانساني الآخر وحقيقته، ومحاولة فرض النظام العالمي الجديد..!!
لقد حفزت هذه المستجدات الكونية، ضرورات النظر في طبيعة العلاقات الدولية القائمة في جميع أبعادها من جهة، وطبيعة العلاقة بين الدول التي ربما استهدفتها دوائر الهيمنة من جهة أخرى، بل ربما انسحبت تلك المراجعة في طبيعة المفهومات والعلاقات ذات الطابع الاشكالي القائم في مدارات الواقع الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي.. والتي ربما أدت عوالج واختلالات منظوماتها في الماضي، إلى عدم وصول تلك المفهومات واشكالاتها الواقعية، إلى حلول ناجعة وتطويرية، تمس جوهر حقائقها الموضوعية، متبارية مع فعلها الزماني وضروراته، برؤية اجتهادية خلاقة، تجتاح جميع ميادين المعارف والعلوم في بعدها الانساني الكوني، والذي بات من اللازم مشاركة جميع الحضارات والأمم، لتقديم رؤاها الفاعلة، لعالم يسوده الأمن والسلم والتعارف الحضاري المنشود.

من هنا تتحفز دوائر النظر الفكري والمؤسسي العربي والاسلامي، في طول مساحة الأمة وعرضها، للتفاكر في البحث عن صياغات جادة وموضوعية، للكثير من المشكلات والاشكالات القائمة، بل والتخطيط لرسم الخطوط العريضة لعلاقة أكثر تكاملية، بين دولنا العربية والاسلامية، تكون أكثر انسجاماً‏ووحدة من ذي قبل، ولكي تتمظهر حقيقة تلك الوحدة المنشودة بوشائجها العربية والاسلامية، لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية بالمزيد من الدراية والاجتهاد الموضوعي.
في ظل كل هذا يجيء مهرجان الجنادرية الثالث عشر 1998م، ليرفد مع غيره من منتديات المفاكرة العربية والاسلامية، سبل الخروج من الأزمات المزمنة في جميع صعدها، ورصد عوالجها ومعيقات النهضة الشاملة، والوصول إلى أرضية مشتركة في طبيعة الرؤى والتصورات، ومقاصد الحلول الفاعلة، والذي يقاربها ذلك الحوار المفتوح والصريح تجاه الغايات الكبرى للأمة.

فيما جاء عنوان الندوة الفكرية ـ الثقافية لهذا العام 1418هـ /1998م، منبسطاً في اتجاه الثقافة العربية، حاضرها (الواقعي) وغدها (المستقبلي)، مفصلة في أربع ندوات:
(1) الحوار بين تيارات الثقافة العربية المعاصرة.
(2) الثقافة العربية والثقافات الأخرى.
(3) واقع الثقافة العربية بين الايجابيات والسلبيات.
(4) الثقافة العربية الواقع والمستقبل.
كما صاحب هذه الندوات، ندوات أخرى تطرقت لمواضيع لا تقل أهمية في مدارها الموضوعي، عن الندوات الرئيسية، بل جاءت في صميم معناها الشامل، منها:
ـ ندوة: ظاهرة الغلو والتطرف.
ـ ندوة: رؤية مستقبلية للتربية والتعليم في السعودية.
ـ ندوة: رؤية ثقافية في مجلس التعاون الخليجي.
كلمة الافتتاح ألقاها الدكتور عبد الرحمن السبيت، رئيس اللجنة التنفيذية للمهرجان، حدد فيها المقاصد والغايات الكلية لعنوان الندوة بقوله: نحن في عصر تلتقي فيه المذاهب والحضارات، وتتدافع وتتصارع فيه أجواء تلتبس فيها المفاهيم، وتتشابك العقائد، وتتداخل المذاهب، ويعتري الموقف كله شبهات تطغى في بعض الأحيان على المسارات، فلا يكاد المرء يتوقف عن الحيرة.
أين تقف الثقافة العربية اليوم؟... منذ القرن التاسع عشر، وطوال القرن العشرين، والسهام تصوب نحو ثقافتنا العربية، لتضعها في موقف دفاعي، بل إن ثقافتنا تعاير بمعايير غيرها، ويطلب من أبنائها أن يقولوا: إن ثقافتنا تنافي التقدم، وأنها تنافي العلم، وأنها لاتؤيد الحرية، ونسي هؤلاء أن الثقافة العربية والإسلامية استوعبت كل حضارات العالم القديم والوسيط، وبشرت بأنوار العصر الحديث، ونسي هؤلاء سلسلة العلماء الذين أبدعوا في كل ميدان، وكأنهم نسوا المبادئ والقيم، والرؤية العامة التي بنت حضارة وارفة التلال، ثابتة البنيان.
وأضاف قائلاً: إن الثقافة العربية اليوم في لجج عولمة كاسحة يعتريها موج المعلومات، ويعصف بها ريح قاصف من الإتصالات التي أسقطت كل الحدود، وفتحت كل الأجواء، وكل هذه الأنواء ليست هي المسألة، بل إن المسألة، هي أن بعض ابناء هذه الثقافة العربية، يريد أن يخرق السفينة التي تقلنا جميعاً، بحجة أنه حر في الموقع الذي يقف عليه، وهو بهذا يستبيح مستقبل الأمة.
ثم أكد الدكتور السبيت، على أهمية النقد والمحاسبة، قائلاً: ليس هناك جيل أو عصر فوق النقد والمحاسبة، وجيلنا وأمتنا تستحق التقويم والنقد، ولكن نقد الذات شيء، وهدم الذات شيء آخر، فنحن أمة لها عقائد وتاريخ، ونحن أمة لها نظرة في الوجود أثرت في الحضارة الإنسانية تأثيراً واسعاً‏وعميقاً... وأصرت على أن تصل إلى غاياتها بالوسائل الأخلاقية.

الحوار بين تيارات الثقافة العربية

وفي الندوة الأولى التي حملت عنوان (تيارات الثقافة العربية) تحدث الدكتور علي عقلة عرسان رئيس اتحاد الكتاب والأدباء العرب «سوريا» عن إشكاليات الثقافة العربية، وعوامل صمودها في هذا العصر ومتغيراته، داعياً بدوره إلى تفعيل الحوار الدائم بين المثقفين العرب بمختلف تياراتهم.. كما أكد على أن تيارات الثقافة العربية تجتمع في تيارات ثلاثة وهي: التيار الإشتراكي، والقومي، والتيار الإسلامي، التي ربما بدت متصارعة لأنها لاتجتمع على عامل مشترك.
وحدد الدكتور عرسان ست نقاط يراها مؤسسة لثقافة المعاصرة، أو معبرة عن التواصل الثقافي.
1ـ الصراع العربي الصهيوني وهو صراع وجود لا صراع حدود.
2ـ الحرية والمساواة.
3ـ الثقافة العربية الإسلامية بكل قيمها هي منطلق عمل المثقفين.
4ـ نحن مع المثاقفة، وضد الغزو الثقافي.
5ـ نؤمن بأن القومية هي إطار للأمم العربية والإسلامية، في إطار سماحة الإسلام.
أما الدكتور فتحي يكن «لبنان» فقد تساءل من وجهة نظره، عن تيارات الثقافة العربية المعنية ها هنا، مجيباً: بأنها تيارات كثيرة ومتعددة، تتباين أدوارها الصغيرة والكبيرة، فهناك التيار الثقافي العربي الإسلامي، وهو أم التيارات، التيار الثقافي القومي، وهناك التيار الثقافي العلماني، واليساري، والإلحادي، التيار الإستشراقي، التيار الثقافي المسيحي، وأخيراً، ذلك التيار المرعب والذي يجب على كل التيارات محاربته [على حد قوله] وهو تيار الثقافة الصهيونية في حلف (كوبنهاجن). مشدداً بدوره ايضاً على الحوار والذي يعتبر بحق الطريق الأقصر الذي يمكن أن يحقق نسبة ما من التفاعل والتناغم، وتكوين قواسم مشتركة بين تيارات الثقافة العربية.
بعد ذلك تحدث الدكتور أحمد صدقي الدجاني «فلسطين»، عن أخطار اسلوب الحوار التي تتجلى، في الغلو في الرأي والموقف، والتطرف عن الوسطية واهتزاز الهوية، وسقوط المشروع الوطني، مؤكداً ضرورة أن نقف موقفاً واضحاً في طبيعة علاقتنا بالثقافة الغربية.
أما الدكتور أنور عشقي فتحدث عن الثقافة العربية والمتغيرات الدولية، واعتبر الثقافة هي الجوهر الوجداني للأمة. مؤكداً على أن الصدمة الحضارية لاتزال تفعل فعلها فينا، فتدفع ببعضنا إلى التطرف الديني، والبعض الآخر إلى التطرف العلماني، وكل له رأيه وأسبابه، مفصلاً القول حول تاريخية تلك الصدمة، منذ بداية القرن الثامن عشر مع حملة نابليون عام 1798م، وبداية التغريب مع تولي محمد علي الحكم عام 1805م، وبعد ذلك حينما تنازع المشرق العربي تياران ثقافيان غربيان استعماريان هما: الإنجلوسكسوني، والفرنكفوني، اللذان أثرا بشكل أو بآخر على أجيال عدة في الثقافة العربية.
وتطرق الدكتور محمد برادة «المغرب» في ورقته التي جاءت بإمكانية تحليلية مركزة، حفرت في المضمون الدلالي لعنوان الندوة (الحوار بين تيارات الثقافة العربية المعاصرة) الذي لايبدو في رأيه محايداً، بل يذهب حد التعقيد والإشتباك، فيما راح يفكك مدلولاته الرئيسية، فعن مفهوم (تيارات) يقول: إن تحديد مفهوم التيار يطرح معضلة شائكة، خاصة في مجال الثقافة. التيار يمكن أن يؤشر على وجود قرابة بين مجموعة فاعلين في حقل من الحقول، ولهم حساسية متقاربة على المستوى الأيديولوجي، فهو يختلف عن الحزب وعن المذهب الفلسفي وعن النسق الأيديولوجي. وبهذا المعنى يكون مقبولاً أكثر، الحديث عن تيار سياسي أو اجتماعي، لارتباط الأول بتوجه ايديولوجي لم يتبلور بعد، وارتباط الثاني بمطالب تعبر عن ردة فعل مواطنين تجاه السلطة التنفيذية أو التشريعية أو ضدهما...
أما عن مفهوم (الثقافة العربية) فتطرق إلى الأطر التي تشكل الثقافة العربية المعاصرة، وإلى مسألة الاستقلال الثقافي النسبي حيث تبرز تلك الخصوصية التي تميز الثقافة، وبذلك يتاح للباحث أن ينفذ لأعماق المجتمع وتحولاته وتغيراته عبر القراءة الثقافية.
وعن مفهوم (المعاصرة) قال: اننا نجد نفس التعميم والالتباس في هذا المصطلح; هل المقصود هو الثقافة التي نعيشها وننتجها الآن ومنذ عقود زمنية محددة؟ أم أن المعاصرة تحيل على تمايز واختلاف في مفهوم الثقافة قياساً إلى ما يمكن أن نسميه، بنفس الالتباس، ثقافة الأمس؟ بتعبير آخر، هل المعاصرة صفة لتحديد الفترة الزمنية، أم أنها صفة للتحولات التي عرفتها ثقافتنا عبر الحداثة والتحديث وقنوات المثاقفة المختلة؟
وفيما يخص مفهوم (الحوار) والذي ركز عليه الدكتور برادة في جل محاضرته، لأنه المفهوم الذي يجب أن نتغيا من خلاله ملامسة أسئلة واقع الثقافة العربية ومستقبلها، فكثيراً ما نكشف أن أمر الحوار، ما هو إلا حوار ذاتي (مونولوج) لأن المتحاورين لا يستبطنون مفهوم الغيرية وما تفترضه من اختلاف وصراع وترابط بين حرية الذات وحرية الآخر، خاصة عندما يتصل الموضوع بمؤسسات ورموز تتحكم في حاضر المجتمع ومستقبله.
نقيض الحوار، هو أن يصدر المحاورون عن مفهوم مطلق للحقيقة يزعمون امتلاكه، وعن وثوقية منغلقة تلغي الآخر مثلما تغمض عينها عن التحولات المتسارعة التي تمخض مخضاً قوياً بين المجتمعات العربية ومؤسساتها وقيمها ومواطنيها; فهل نتحاور ليثبت كل واحد موقعه، داخل تيار ثقافي يخضع لتصنيف جاهز وتعميمي أكثر مما هو تعبير عن رؤية ثقافية متولدة عن التجربة والمعاناة ومواجهة أسئلة المجتمع؟ أم أننا نتحاور بحثاً عن «حقائق» أخرى تلقي الضوء على الخلل الذي نستشعره في ثقافتنا وفي طموحات مجتمعاتنا إلى الانتقال من ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الابداع وتحرير الانسان العربي ليصبح قيمة فاعلة ومنتجة وقادرة على مواجهة أسئلة التاريخ واحراجاته ونحن على أعتاب قرن آخر؟

ظاهرة الغلو والتطرف

في اليوم الثاني انعقدة ندوة (ظاهرة الغلو والتطرف) تحدث فيها شيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوي، معرفاً مدلولي الغلو والتطرف، مؤكداً على أن آيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة نهت عنها، وعزا أسبابها إلى تفسير واستعمال آيات القرآن والأحاديث النبوية، استعمالاً جاهلاً وخاطئاً، لأنه إذا انفصل العلم عن المقاصد الشريفة أصبح بلاء على الناس والأمة.
أما الشيخ مناع القطان «الكويت»، فعزا أسباب الظاهرة، إلى الوقوف عند ظاهر بعض النصوص دون الجمع بينها وبين غيرهما والتوفيق بينها. كما أن ظاهرة التعالم، التي تأتي مشفوعة بالغرور فيفرض مفاهيمه المحدودة التي فهمها لأنه ليس من أهل العلم والمعرفة في الحكم على الآخرين. أما السبب الثالث، فهو الضغط النفسي إزاء ما يظهر في بعض المجتمعات من انتهاكات في جوانب الفساد والشر. والأمر الرابع: ما تفرضه سلطات الحكم من قوانين استثنائية، تحد من نشاط الأفراد وحرياتهم، بصفة خاصة الراغبين في الدعوة إلى الله.
بعد ذلك تحدث الدكتور صالح الحمود قائلاً: ليس من الحكمة أن أبالغ بالتبسيط في هذه القضية، التي توسم: بالتطرف، والعصبية، والارهاب، وليس من الدقة المبالغة في مثل هذه الأمور، ويصبح من الخطأ الفادح الجمع بين مفاهيم متغايرة مثل الأصولية، التطرف، التعصب، الغلو، الارهاب. علينا أن نحدد ما المراد بالغلو، وما المراد بالتطرف الديني، وأن نحدد تعريف الارهاب، لأن الارهاب الراهن هو قضية سياسية وهناك خصائص يتسم بها الغلاة وهي التعصب في الرأي، والتشدد في كل الأمور والغلظة والفظاظة، وسوء الظن ومما ينبغي ملاحظته أن هؤلاء الغلاة يمثلون شريحة محدودة، لكنها عالية الحماس، عالية الصوت.
وتحدث الشيخ ابراهيم جوب (أمين عام المعهد الاسلامي للشعوب بالسنغال)، عن الاستعمار في افريقيا، وعلى عداوته للاسلام، والجهود الكبير للشعوب الاسلامية والافريقية للتخلص والتحرر من الاستعمار. ثم عرف ظاهرتي الغلو والتطرف لغوياً، ثم قال: لو انتشرت هذه الظاهرة ستؤدي إلى خلل كبير في المجتمع وإلى ضربة في بنيته.

ثقافتنا والثقافات الأخرى

في اليوم الثاني نفسه عقدت ندوة (ثقافتنا والثقافات الأخرى) الذي كان أول المتحدثين فيها الدكتور حسن الشافعي، الذي أكد على دور المثاقفة الرشيدة عن طريق التفكير في العلم عبر تعريبه، كذلك المثاقفة في مجال الانسانيات. فمشهدنا الثقافي كما كان منذ قرنين يعيش التقوقع وغياب الاتصال.
وفي كلمته قال الدكتور عبد العزيز التويجري أمين عام الاسيسكو، ان الثقافة هي الهوية التي تميز الأمة حيث تتميز بعدّة خصائص تتمثل في التفاعل الكامل بين أفراد المجتمع، وهي تيسر للانسان سبل معيشته الفكرية عن طريق التفاعل مع الواقع، وهي إنجاز كمي متجدد. وتتسم الثقافة العربية بسمتين: الثبوت في عقيدة التوحيد، ومناهجه وسمة التغيير فيما يتعلق باجتهادات المسلمين. وخلص د. التويجري إلى أن ثقافتنا تعبر عن جوهر الاسلام، وبالتالي فهي ثقافة عالمية، وهي في عمقها ثقافة تدافع لا ثقافة تصارع، كذلك فإن كثير من جوانب الثقافة العربية الاسلامية لا تعبر عن واقعنا تماماً للأسف، وهذا ما يصبيها بالضعف أحياناً.
أما نبيل شبيب فرأى في بداية ورقته أننا يجب أن نحدد أولاً من نحن؟ ومن الآخر؟... وتساءل شبيب عن الضغوط التي تحاصرنا في كل الميادين: غربية وصهيونية وأمريكية، وعلى ذلك لماذا لا تلتقي كل تيارات الثقافة المختلفة في حوار يفيد أمتنا وواقعها ومشكلاتها؟ إن المشكلة ليست مجرد حوارات، بل مسألة مواقع تنفذ وتضع تصوراتها، وتصنع القرار وتنفذه. أنني لا أعرف انغلاقاً جرى ذكره أو انبهاراً في الغرب، ولم ينقطع أبداً التواصل والحوار، وهو أمر مفروغ منه، لكن مضمون الحوار وآلياته هو الأمر المختلف عليه وهذا ناشئ من اختلاف تياراتنا الثقافية وتباينها; وان وجودنا كطرف غير متجانس ـ أمام الآخر ـ هو العقبة الكبرى في حوارنا مع الثقافة الغربية.
وفي اليوم الثالث جاءت محاضرة د. خالد العنقري، وزير التعليم العالي في السعودية، لتلقي الضوء على واقع ومستقبل التعليم العالي في السعودية، ومما جاء في المحاضرة قوله: ان التعليم العالي يواجه اليوم تحديات كثيرة تشغل بال المسؤولين في كافة الدول المتقدمة والنامية، وهذه التحديات نتيجة للتطور العلمي والتقني الهائل الذي شهده العالم خلال العقود الثلاثة الماضية. وأضاف قائلاً: ان التعليم العالي في مقدمة نظم التربية والتعليم التي تحتاج إلى مراجعة وإصلاح من وقت إلى آخر حتى يساير هذا النوع من التعليم التطورات العلمية، فالتعليم العالي هو الذي يصنع جيل المستقبل; فالانفجار المعلوماتي، وتقنية معالجة المعلومات، ونقل المعلومات والمعرفة والعلوم والعولمة، بمعنى عالمية الهدف وليس معناه المتداول; ومن هذه الأسباب أيضاً زيادة الطلب على التعليم العالي.

واقع الثقافة العربية

في اليوم الرابع جاءت ندوة (واقع الثقافة العربية بين الايجابيات والسلبيات)، التي بدأها الدكتور مصطفى الشكعة معترضاً على مصطلحي «الايجاب ـ والسلب» في ثقافتنا اللذان عناهما العنوان، موضحاً بالقول: بأنه دخيل على ثقافتنا تقبله البعض عن تسامح ورفضه آخرون عن تسامح، وأنا أرفضه عن تسامح لأنها تعبيرات غير محددة إلا في العلوم، انما عندنا صواب وخطأ، عندنا الإيمان يقابله الشك، الحق يقابله الباطل، الحلال يقابله الحرام فهل أسمي الخطأ سلبية..؟ فكان الأولى أن تلك السلبيات الذي قصدها العنوان، نسميها عيوباً أو نقصاً...
بعد ذلك ألقى الدكتور منصور الحازمي «السعودية» ورقته، ومما جاء فيها: أنه من الصعب الاتفاق على تحديد علمي دقيق، أو الاتفاق على ما نعنيه بـ«الايجابيات» و«السلبيات» لأنها أمور قد يصعب الاتفاق عليها في ظل التمزق الفكري والفئوي الذي يعيشه العرب في الوقت الراهن. وقد ركزت ورقة الدكتور الحازمي على ما يعيشه البعض من وهم التباين الثقافي فيما يسمى بثقافة المركز والأطراف في الثقافة العربية، التي أنتجت فيما أنتجت مثقفين متعالين على ما سموه أطراف الثقافة، والذي ربما كان قصدهم به بلداً أو اقليماً معيناً، الأمر الذي لازال يساهم في تباعد وتنافر ذات الثقافة العربية عن تكاملها المنشود، والذي يجب أن يكون مقياسه وشرطه الأهم هو الابداع، واقترابه من درج الحق والحقيقة.
ثم قدم الأستاذ منح الصلح «لبنان» ورقته، التي تساءل فيها عن أسباب كون الجامعات، ومراكز البحث، والمنتديات الفكرية الجادة، بعيدة كل البعد عن ساحة التفاعل الاجتماعي، ولا يشعر الواحد منا، بأن هناك صدى لأفكاره وأطروحاته، على العكس مما نراه في الجامعات الأجنبية، حيث تثير كثير من النظريات والآراء ردود فعل وحوارات تخدم المعرفة وتقدم العلم؟.... وخلص إلى القول، بأن المشكلة التي تواجه تطور الثقافة العربية بشكل صحيح تنحصر في «سدين» يحدان من تطورها، الأول: الإنغلاق عن الفكر الغربي باسم الأصالة والتراث، والثاني: الإنغلاق عن الذات نفسها باسم التغريب والحداثة.
أما الدكتور سعيد حارب فقد أكد من ورقته على أن أبرز الاشكاليات التي تواجه ثقافتنا: موقع ثقافتنا في عصر العولمة التي لم تقتصر على جوانبها السياسية والاقتصادية بل امتدت إلى آخر المعاقل والحصون التي لا يمكن أن تتمترس خلفها الشعوب والأمم وهي الثقافة. ففي عصر تحطمت فيه الحدود والحواجز والرقابات الفكرية والثقافية وأصبح المرء يعيش الحدث حالة وقوعه ويقرأ الجريدة قبل صدورها ويعرف موقع الكتاب في كثير من مكتبات العالم وهو جالس في بيته. في عصر مثل هذا يصبح القول بالانكفاء والعزلة، وتجاهل ما يحدث خارج البيت نوعاً من التخلف الاختياري. ان أبناءنا وشعوبنا اليوم لم تعد تقرأ ما نكتب، لم نعد وحدنا الذين يرسمون لها مفاهيمها وتصوراتها بل حتى سلوكها وقيمها ورؤيتها للأشياء، فقد شاركنا في ذلك الكثير وأصبح العديد من القيم الاجتماعية والثقافية «مخترقة» من قبل الآخر الذي لم نحدد موقفنا منه بعد..
كما ألقى الدكتور علي فخرو «البحرين» في اليوم الخامس، محاضرة بعنوان (رؤية ثقافية في مجلس التعاون) تحدث فيها عن ثلاث قضايا لها صلة بالثقافة في دول مجلس التعاون وهي:
قضية الحرية: مشيراً‏إلى أن غياب الحرية في أي مجتمع يؤدي إلى أن يصاب الانتاج الثقافي بالاجترار والخوف.
أما القضية الثانية: فهي سياسة الاحتواء التي يتعرض لها المثقف العربي، مشيراً إلى أن التاريخ سيكتب بأسف ما سيؤول إليه المثقف العربي من التنازل عن ابداعه، خاصة عندما تعزله وسائل الاعلام ان لم يكن مسايراً لها. فطبيعة الاحتواء غيرت مهمة المثقف تغييراً جذرياً.
القضية الثالثة: هي القطرية والعولمة، وقال: ان الأمر إلى أن نبني جيلاً يمتد عطاءه إلى أبعد من القطر الواحد، ولابد أن نكرس القيم التاريخية الحقيقية في كتب التاريخ التي تدرس في المدارس، بدل تكريس التاريخ المعاصر فقط.

مستقبل الثقافة العربية

في ختام الندوة الرئيسية التي تناولت كما ذكرنا، في هذا العام موضوع الثقافة العربية والتحديات التي تواجهها، استشرفت آخر الندوات مستقبل هذه الثقافة، فجاء عنوانها (مستقبل الثقافة العربية)، وقد بدأها الدكتور عبد الله الطيب، والذي توقف فيها عندما ما أسماه بفتنة العرب إلى عهد قريب بأمور التغيير القبيح أولاها الاستعجام في أخذ العلوم الحديثة وتقنياتها. والذي عدد مخاطره أولاً في اللغة التي لها «صلة وثيقة بالفهم والفكر فأخذ العلوم الحديثة عن أهلها بلغاتهم يكون فهمها أبداً تابعاً لفهمهم على أحسن تقدير، خالياً من اتاحة الفرصة لخيال البحث والاختراع، وما يصاحب ذلك من شعور بالنقص اللغوي» وبعد ذلك قدم د. الطيب تصوره لمستقبل الثقافة العربية، وعدد جملة أمور منها: الرجوع إلى أساليب أوائلنا في التعليم بدءاً بالقرآن الكريم في سن الثالثة أو بعد الفطام لكي نستفيد من الفترة الفطرية للغة، وتعليم النحو والشعر والأساليب البليغة مع الكتابة، والحساب بعد السادسة، وتعليم الناشئ بيئته القريبة والبعيدة وحسن اختيار المدرسين بعد اختبارهم واعطائهم قدراً وافياً من المال والجاه، والربط بين الشعور بنماء القومية العربية ونشر الدعوة الاسلامية وأهمية اللغة العربية الفصيحة كما نزل بها القرآن الكريم وفسره بها أهل التأويل والتفسير. وتشجيع التأليف والنشر، وحماية حقوق المؤلف.
أما الدكتور ناصر الرشيد فجاءت ورقته لتحدد في البدء، المعوقات الكبرى أمام الثقافة العربية في انطلاقها إلى فضاء أرحب ومناخ أخصب يكمن في الفجوة بين ما هو سياسي وبين ما هو ثقافي، ذلك ان السياسة تحاول دائماً جاهدة توجيه الثقافة، بينما لا يسمح ـ في الوقت ذاته ـ للثقافة أن توجه السياسة، فاختزال الثقافة فيما يخدم السياسة أو فيما لا يتعارض معها وضعها في حيز ضيق لايسمح لها بتجاوزه، ونيتجة لذلك تسود رؤى وصيغ في الاعلام وفي التربية تركز على تعميق قيم سياسية وايديولوجية بعينها. ثم تكلم الدكتور الرشيد عن الرهان الثقافي والمعرفي والمعلوماتي، فمن كسب هذا الرهان سوف يكسب الصراع والهيمنة..
فيما جاءت الورقة الأخيرة، لصاحبها الدكتور فوزي منصور لتدخل من وبوابة التحليل المستقبلي في النظرية الاقتصادية المعاصرة، بادئاً في قراءة معمقة لمفهومين رئيسيين يرتكز عليهما الواقع الدولي المعاصر في طبيعة علاقاته، وهما الاستقطاب بين الشمال والجنوب داخل النظام الرأسمالي العالمي، ثم مفهوم العولمة الحديث النشأة، الذي لا يلغي مفهوم الاستقطاب أو يحل محله، وانما يستوعبه ويعززه وأصبح يستعين على التمكين له وتعزيزه بالهيمنة الثقافية، وكلا المفهومين، يؤكد الأصل النظري، وهو ضرورة أخذ العالم ككل كوحدة أساسية لتحليل أحداثه الكبرى، بحيث تحكم الخطوط الكبرى للتطور العالمي العديد من الأحداث التفصيلية التي تحدث في هذا الاقليم أو ذاك، ويعين على تفسير تلك الأحداث والتنبؤ بمسارها والنظر إليها بوصفها إلى حد كبير كنتائج للتطورات الكبرى التي يمر بها النظام العالمي ككل أو ردود أفعاله.
وفيما تتواصل الذات العربية والاسلامية، في رصد اشكالاتها المعرفية والفكرية ضمن خصائصها الموضوعية، في الداخل والخارج، وضمن ارادة الفعل النقدي في مساراته الكبرى لا الاحتفالية فقط، ولا لاستفراغ الجهد الفكري المجادل لأجل سبقية فكروية أو أيديولوجية استعراضية، وانما في لحاظ التواصل الفكري الأكثر جدية، نحو صياغات تستبدل الجمود الثقافي والسياسي والاجتماعي، التي باتت مهمة حركته ضرورية التغيير، وإلا سنصبح خارج التاريخ، وفيما التغيير وتسارعه العالمي أسرع مما يظن بعضنا، حين يسعى طويلاً في تكرار أخطاء الماضي، دون ادراك لماهية الزمن وضروراته المستمرة على مستوى الانجاز والفاعلية.