شعار الموقع

المجتمع المدني في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين في المجتمعات الخليجية العربية

أحمد الشهاب 2004-10-15
عدد القراءات « 584 »

 مقاربة معرفية لفعاليات الملتقى الاجتماعي الثقافي الخامس لجمعيات وروابط الاجتماعيين في دول مجلس التعاون الخليجي

الكويت / 21ـ23 تشرين الثاني ـ نوفمبر 1998م
أحمد الشهاب*

مدخل ـ أهمية البحث في مفهوم المجتمع المدني

يعد الحديث المستمر والمتصاعد عن تكوينات المجتمع المدني أمراً طبيعياً في ظل تنامي درجة الإيمان بأهمية دور مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق أعلى مراحل التعددية، والمشاركة السياسية، والمحافظة على حقوق أعضاء الوطن الواحد، كما في تفعيل تكوينات الدولة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ورغم شدة الاختلاف حول مفهوم المجتمع المدني وبالتحديد في عالمنا العربي الإسلامي، خشية استدعاء التجربة التاريخية الغربية، إذ يرتبط مفهوم المجتمع المدني في نشأته وتطوره وصورته الراهنة بالتاريخ الغربي الحديث والمعاصر، بحيث لا يمكن القيام بقراءة تحليلية للمفهوم دون استدعاء كمية ضخمة من النصوص التي خطها [سبنيوزا، وهوبز، ومونتسيكيو، وجون لوك، وروسو، وكانط وهيغل، وماركس وغرامشي].
إلا أن العناصر المشتركة التي يتفق عليها الباحثون حول صورة ودور المجتمع المدني ساهم إلى حد ما في خلق شبه إجماع على أهمية ترسيخ مثل هذا المفهوم. والتي نستطيع تحديدها بالآتي.
1 ـ ان ما يقابل المجتمع المدني هو المجتمع الاقطاعي الاستبدادي والنظام الشمولي، وليس المجتمع الديني أو الإسلامي.
2 ـ تشكل المجتمع المدني على قاعدة الرضا والاختيار من جانب الأفراد المنتمين إليه والفاعلين فيه.
3 ـ الحقوق المدنية تضامنية بين المواطنين ولاسيما حق الحرية والمساواة، وليست هبة من الدولة.
4 ـ تمتع المجتمع المدني بمؤسساته بقدر من التمايز والاستقلالية في مواجهة الدولة وأجهزتها.
ومع تنامي وبروز المجتمعات الصغيرة المدنية مع نهايات القرن العشرين ومطلع القرن الجديد، والمستقلة نسبياً عن الدولة، بدأ البحث عن دور المجتمع المدني في المجتمعات العربية يأخذ مكانه في سلم الأولويات، لاسيما وقد لاحظ باحثون أن العرب لا يتقدمون إنسانياً وثقافياً إلا في القطاعات التي تقع خارج رقابة وسيطرة الدولة.
على أن من المعقول أيضاً القول أننا لا نكاد نعثر على تكوينات يمكن ان نتفق على تسميتها بالمجتمع المدني المؤسساتي الذي يدير نفسه، ويلعب دوراً رائداً في العالم العربي بشكل عام وفي منطقة الخليج بشكل خاص، بل يوجد لدينا ما يمكن تسميته بالمجتمعات الأهلية التي هي أقرب إلى التشكيلات القبلية منها إلى التشكيلات المدينية، على أنها تختزن في داخلها الكثير من قيم العمل التعاوني وقيم التكافل الاجتماعي والعدالة والتواصي والتي تلعب دوراً في صياغة المجتمع المدني المأمول الذي ينسجم مع عمر وتجربة هذه المجتمعات في الانفتاح وممارسة التعددية.
<f2>الإطار النظري ـ نشأة المجتمع المدني في المجتمعات الخليجية
إن الكثير من مقاربات الباحثين في مفهوم المجتمع المدني في الخليج العربي كما يعتقد د. باقر النجار تفتقر للدقة، فالذهنية العربية لم تخبر تحولاً كيفياً مقارباً لذلك الذي خضعت له الذهنية الأوروبية، فبروز المجتمع المدني في الظاهرة الأوروبية قد رافقه صعود دور البرجوازية في مواجهة الإقطاع (1) ، كما أن الفشل الساحق لأنظمة الحزب الواحد الحاكم في أوروبا الشرقية، على يد هيئات وتجمعات المجتمع المدني كالتنظيمات النقابية والهيئات الشعبية، ساهمت إلى حد كبير، في إعطاء المزيد من الدفع للبحث عن الأطر المكونة للمجتمع المدني في علاقته مع الدولة ومع عناصر المجتمع ككل (2) . إن صعود البرجوازية لا يمكن فصله هو الآخر عن التحولات التي أصابت أنماط الإنتاج وكذا لا يمكن فصله عن المنجزات الكفرية والثقافية، وتحديداً بروز تيار العقلانية (3) . فالمجتمع المدني ومفهومه إنما انبثق من التغيرات التي حدثت في المجتمعات الغربية مع بداية العصور الحديثة، للتعبير عن تطلعات تلك الطبقات والفئات الجديدة والمتسعة، وحريتها في الحركة وتنظيم نفسها، في مقابل تلك الطبقات المهيمنة، ولكنها فقدت القاعدة الاجتماعية للهيمنة، وبالتالي كان لزاماً إعادة صياغة المجتمع وفق معادلة تبرز التوازن الحقيقي لقواه الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي السياسية. ولذلك فإن مفهوم المجتمع المدني، والحالة هذه، كان نتاجاً اجتماعياً في المقام الأول، ومن ثم جاء التعبير النظري عنه لاحقاً، سواء تنظيراً تبشيرياً، كما في حالة منظري العقد الاجتماعي، أو تنظيراً ايديولوجياً، كما في الحالة الهيغيلية والماركسية، أو وصفياً، كما هو جار في الأدبيات السياسية والاجتماعية المعاصرة (4) .
لقد بات واضحاً أن المجتمع المدني مفهوم ناشىء في بيئة غربية، وأن العالم العربي استعار المفهوم بصورة أو أخرى لا تعنينا بقدر ما ما تعنينا الإشارة إلى الاختلاف بين كلا المجتمعين الغربي والعربي / الإسلامي. فرغم اتفاقنا على أن بعض مجتمعاتنا العربية قد خبرت منذ مطلع القرن الماضي أو في حالة مجتمعنا في الخليج في مطلع القرن العشرين، تحولات مجتمعية وبروزاً لقوى ومنظمات اجتماعية وسياسية تفاوتت درجة ثقلها الاجتماعي والسياسي لطبيعة المضامين الاجتماعية لخطابها السياسي، كما هو في طبيعة الأصول الاجتماعية لقيادتها السياسية ذات الطبيعة النخبوية إلا أنها لا تعني بالضرورة مقاربة دقيقة لمفهوم المجتمع المدني في مواقعه الغربي (5) . فليس بالضرورة القول أن وجود المؤسسات الأهلية في المجتمع العربي الخليجي برهان على أنه مجتمع مدني. فهذه المؤسسات تكتسب عمقها عندما تكون فاعلة وتضفي على كينونتها شرعية الديمقراطية، وليس مهماً فقط أن تتحرر من هيمنة الدولة وتنفصل عنها، بل المهم أيضاً ألا تخضع لسيطرة فئة من المجتمع وألا تضعفها صراعات المصالح الفردية وأن تستمد استمراريتها من ذاتية قراراتها بعيداً عن هيمنة الأجهزة الحكومية ومصالحها (6) .
تورد د. الصبان تعريف د. سعيد الدين ابراهيم للمجتمع المدني باعتباره أبرز التعريفات المعتمدة للمجتمع المدني عربياً وخليجياً وهو مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة، التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السليمة للتنوع والخلاف. ورغم سلامة هذا التعريف فإن معظم المجتمعات العربية والخليجية تحكمها عملياً ما يمكن تسميته بالسلطة الأبوية، وبالنظر إلى عموم الثقافة السائدة نجدها لا تتجاوز تقليديتها وهي تعني بغرس قيم الخضوع والطاعة لمراكز السلطة من عائلة، قبيلة، ملة، أو سلطة سياسية. لذا فإن المجال العام بين الأسرة والدولة والذي يفترض أن يكون فارغاً، باعتباره موطن نشوء وفاعلية المجتمع المدني، تمتد إليه يد السلطة العربية لتمنع أي نشاط قد يزاحمها في بسط نفوذها على موارد وإمكانات الدولة.
لقد استيقظنا جميعاً في المجتمعات العربية والخليجية، والدولة تقوم بكل الأدوار الممكنة التي تطالها يدها، فمن الإدارة السياسية إلى التنمية الاقتصادية إلى العمل الاجتماعي إلى البناء الثقافي إلى التوجيه الديني فالتربية والتعليم والعمل الخيري والعمل المؤسساتي، ولم نعد نمتلك القدرة على التمييز بين ما يجب علينا عمله، وبين ما يجب على الدولة أن تقوم به من أعمال. إن قيمة المجتمع تنبع من فضاء الحرية في حركة المواطن، وفي السعي الحر للتعبير عن أهدافه، سواء بشكل فردي أو من خلال وسيط مؤسسي، ومن هنا جاءت أهمية نشوء المؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الحديثة، من أحزاب سياسية ونقابات عمالية، واتحادات مهنية، وجمعيات ثقافية (7) .
على أن ثمة دلالات لا يمكن إغفالها تشير بوضوح إلى حجم الاهتمام المحلي ببناء مجتمع المؤسسات، وتجاوز حالة الاعتماد الكلي على الدولة، وأن محاسبة المجتمعات العربية الخليجية يجب أن يتم وفق البناء والتكوين الداخلي للمجتمع، فالمطلوب كما يقول د. تركي الحمد تبني مفهوم المجتمع المدني «كمنهج للتحليل» وليس كمكونات جاهزة نبحث عنها ولا نجدها، فباسم المجتمع المدني نشجب القبيلة والطائفة والعائلة، ونحو ذلك من مؤسسات تقليدية، ولكن الشجب لا يمكن أن ينفي الوجود الفعلي لمثل هذه المؤسسات، وأثرها الاجتماعي والسياسي، فهذه المؤسسات هي المكوّن الرئيس لمجتمعنا المدني ولا يمكن تجاوزها (8) . من هنا يرى أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت د. خلدون النقيب أن من يقول بأننا لا نمتلك في الحضارة العربية الإسلامية، تاريخياً مجتمع مدني، يفكر حسب التوجه الليبرالي الغربي، ويجد في هذا التفكير تعسف شديد لا يستند إلى فهم واقعي للتاريخ. ويرى أن ثمة خصائص مستجدة فيما يسميه بالتوتر البنائي بين الدولة والمجتمع المدني في البلاد العربية بدأت علاماتها بالظهور وتبشر بمستقبل للمجتمع المدني العربي:
أولاً ـ روح المبادرة لدى المواطنين والرغبة في الاعتماد على النفس، فهناك حركات اجتماعية وسياسية تلجأ إلى بناء مؤسسات خدمية خبرية أو تطوعية خارج سلطة الدولة، تحاول من خلالها الانفتاح على قطاعات واسعة من المجتمع، إلا أنها مازالت تعاني من القيود القاسية المفروضة عليها.
ثانياً ـ انتشار العقلانية بشكل ملحوظ في البلدان العربية، وتتمثل بتنظيم مبدأ التمييز بين الخير العام (المصلحة العامة) والخير الخاص (المصلحة الخاصة)، ورغم انتشار الفساد الإداري والمالي والمحسوبيات، فإن بإمكان المواطن التظلم إلى جهات قانونية، أو اللجوء إلى ضغوط الرأي العام.
ثالثاً ـ انتعاش مبدأ المواطنة في البلاد العربية لاسيما التي لعب العسكر فيها دوراً ردحاً من الزمن، وترسخه تدريجياً في الدول الخليجية التي لا تملك قوانين وضعية، أو تنظيمات بيروقراطية عقلانية، فمبدأ المواطنة يقف في مواجهة حاسمة مع مبدأ الرعية التابعين، من حيث هم أبناء قبيلة أو طائفة أو ملة. وهكذا وجدنا ازدياد في التوجه العام نحو منح فئات: النساء، الشباب، الفئات الهامشية مزيداً من الحقوق والمنافع (9) .

تطبيقات ـ تكوينات المجتمع المدني في الخليج والجزيرة العربية


الكويت

ليس جديداً القول أن العمل الأهلي والذي يمكن أن نعد قاعدة تحقيق وتطور المجتمع المدني في الخليج هو من الأمور الحديثة نسبياً، ويمكن أن نستشف ملامحه الأولية في مطلع العشرينات، لكن معالمه التشريعية والفنية اكتملت مع نهاية الخمسينات ومطلع الستينات في أغلب مناطق الخليج العربي. ففي عشرينات هذا القرن انفتحت بعض أقطار الخليج على تجاوب وأنشطة المؤسسات الأهلية في مصر وبلاد الشام والهند وبلاد فارس، وقد لعب التجار والأرستقراطيين دوراً بارزاً في نقل مثل هذه التجارب ومحاولة تقليدها في المجتمعات الخليجية. ويذهب د. الموسى إلى أن موقع الكويت الاستراتيجي على الخليج العربي حيث الاتجاه القريب نحو الشرق في التجارة مع إيران والهند وسيلان وسنغافورة أعطى لسكانها الفرصة للإطلاع والاستفادة من حضارة وثقافة شعوب عريقة، كذلك فإن العلاقة الدينية والقومية ربطت الشعب الكويتي بشركائه في العراق ومصر وسورية وفلسطين. فكان التفاعل الثقافي والاستعانة بمناهج التعليم وبعثاته مساهمة في بناء المؤسسات المدنية في الكويت (10) . وقد بدأت تكوينات المجتمع الأهلي بالتشكل في الكويت مع تسرب مجلة المنار عام 1901 حيث انتشرت فكرة «الجامعة الاسلامية» التي نادى بها السيد جمال الدين الأفغاني، فقد تأسست الجمعية الخيرية في 1907، والمدرسة المباركية 1912، والمدرسة الأحمدية 1920، والنادي الأدبي في 1922، والمكتبة الأهلية في 1924.
إن الطابع العام للعمل الأهلي في الكويت هو الطابع التطوعي، والذي ينطلق من قوى مختلفة مثل قوى المال أو المعرفة أو القوى الاجتماعية، ومن هنا انتظم المجتمع الكويتي في الوفاق والتراضي. وكانت الحكومة تلعب دور المساهم أو الراعي للأنشطة المختلفة ولكنها لم تكن مسيطرة على مثل هذه الأنشطة. فقد كان هناك إصرار على أن يكون هناك دور إيجابي للمجتمع بجانب الدور الحكومي، فالجمعيات والأندية تشكلت بإرادة شعبية (في نهايات النصف الأول من القرن العشرين تأسس نادي الجزيرة والنادي الأهلي ونادي العروبة) وكانت بيئة رحبة لتكوين الرأي العام في أوساط المجتمع (11) .
ويركز د. الموسى في ورقته (12) على الأثر البالغ الذي لعبته المؤسسات المختلفة في صياغة العمل الشعبي، وتكريس أسس المجتمع المدني، فالجمعيات التعاونية والتي تعتمد النظام التعاوني في تكوين رأس المال المساهم من سكان المناطق، والتي تديرها مجالس منتخبة من السكان المساهمين، تطورت لتصبح مركزاً لتقديم الخدمات لمناطقها، كما أنها أصبحت منطقاً للطامحين للإنخراط في العمل كمجلس الأمة والمجلس البلدي، ويتم ذلك على مستوى فردي وعلى مستوى تنظيمات تأخذ طابع خيري أو اجتماعي أو سياسي. في نفس السياق لايمكن التنكر للدور الذي لعبته جمعيات النفع العام وعلى رأسها جمعيتي الإصلاح والثقافة الإسلامية، والليتن ساهمتا في صياغة أطروحات تنظيمية اجتماعية حاولت من خلالها استقطاب شريحة واسعة من أبناء المجتمع الذي تفاعل معها بصورة مشهودة لاسيما في مطلع الثمانينات، وجسد من خلالها أحد صيغ العمل الأهلي المتقدم.

البحرين

تقترب صورة نشوء العمل الأهلي في البحرين من نظيره الكويت، فقد حاول أبناء البحرين أن يواكبوا المؤسسات الأهلية في البلاد القريبة والتي يحتكون بها بحكم موقع البحرين التجاري، ويعتقد أن نشأة النادي الأدبي في البحرين عام 1919 تمثل أولى المحاولات الأهلية في العمل الأهلي المنظم. إذ مثل النادي بالنسبة لمؤسسيه منتدى تلقى على منبره المحاضرات الأدبية والأخلاقية وتعالج فيه المشاكل الإجتماعية. وقد شهد عقد الثلاثينات تأسيس ثلاثة من الأندية لازالت قائمة وفاعلة لحد الآن في الحياة الإجتماعية والثقافية وربما السياسية في البحرين (نادي البحرين عام 1937، ونادي العروبة والنادي الأهلي عام 1939) (13) . وكما في الكويت برزت جمعية الإصلاح البحرينية والتي تأسست عام 1941، كقوة في الإستقطاب الأهلي، مما مكنها من احتلال موقعاً في الحياة الثقافية والإجتماعية.
ويقدر عدد المنظمات الأهلية في البحرين بحوالي 138 منظمة أهلية خلال العام 1996، وتنقسم كالتالي:
1ـ 46 جمعية تغطي مجالات العمل الإجتماعي والنسوي والخيري والديني والمهني.
2ـ 51 جمعية تخدم الجاليات الأجنبية المستقرة في المجتمع البحريني.
3ـ 41 جمعية عبارة عن صناديق خيرية مناطقية ذات نشاط خيري أو خيري ديني.
أما فيما يخص علاقة العمل الأهلي بالدولة، فإن المنظمات الأهلية البحرينية ترتبط بالدولة من خلال قسم النشاط الأهلي بوزارة العمل والشؤون الإجتماعية، ويعطي القانون للوزارة صلاحيات الإشراف والمتابعة التي تصل إلى درجة حل الجمعيات أو حضور الإجتماعات الإدارية (14) .
وفي الآونة الأخيرة بدأ الإهتمام ينصب أكثر نحو إنشاء مؤسسات أهلية ذات اهتمامات خاصة تتبنى تقديم خدمات أساسية لقطاعات اجتماعية واسعة، تعجز الأجهزة الرسمية من الوصول إليها، وعلى رأس هذه الجمعيات «جمعية البحرين لرعاية وتنظيم الأسرة 1975»، و «الجمعية البحرينية لتنمية الطفولة 1991».

السعودية


كان لتناقض المصالح بين البادية والحاضرة في شبه الجزيرة العربية وقبل قيام السلطة المركزية في السعودية، دوراً رئيسياً في عدم الإستقرار السياسي، فقد كان نشاط البادية قائماً على عدم الإستقرار (ترحالاً أو غزواً) وبالتالي عدم إمكانية قيام مجتمع ثابت، بينما تعتمد مصلحة الحاضرة على الإستقرار الجماعي، والسياسي الذي يهيئ لقيام نشاط اقتصادي حضري، من زراعة أو تجارة أو صناعة. وفي ظل عدم الإستقرار السياسي وتناقض المصالح كان من الصعب قيام اي نوع من أنواع السلطة السياسية المستقرة، الضرورية لقيام مجتمع ديني، حيث أن ذلك يتطلب نوعاً من الإستقرار الإجتماعي الطويل نسبياً.
لقد كان هذا الوضع سائداً قبل ظهور المجتمع الواسع المستقر نسبياً مع الإستقرار السياسي العام في المجتمع السعودي، فقد أحدثت الأوضاع السياسي الجديدة والثروة النفطية لاحقاً تغيرات جذرية في المجتمع، فلم تعد البادية بالمعنى الذي كانت عليه، كما أن الحاضرة أخذت تتوسع أفقياً، على حساب البادية، وعمودياً بظهور فئات وطبقات جديدة أهمها طبقتان (العمال، والطبقة الوسطى الجديدة) (15) .
أما الحديث عن العمل الأهلي التطوعي في السعودية فيمكن العثور على بداياته الأولى في العمل الأهلي النسوي، وقد بلغ عدد الجمعيات النسائية في السعودية حوالي 18 جمعية نسائية (عن باقر النجار ـ المجتمع المدني في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية 1992)، كما لعبت الأندية في القرى دور ثقافي واجتماعي نسبي كما تقوم جمعية «الصندوق الخيري للتضامن الإجتماعي» بأعمال رعائية. كما أن ثمة بوادر تشير إلى اهتمام واسع بترسيخ مفهوم مجتمع التعاون والتضامن، الذي يتفاعل مع المشروعات الأهلية التكافلية.
ويؤكد د. تركي الحمد في بحثه عن نشأة المجتمع المدني في السعودية، على امتلاك المملكة للبنية التحتية الكاملة لمجتمع مدني نشط، ولكنه ينبه إلى حاجتها إلى المزيد من المأسسة، والمزيد من القنوات المنظمة لحركة المجتمع.

الإمارات


يعد تاريخ المجتمع المدني في الإمارات حديث إلى درجة كبيرة إذ بدأ يتشكل مع مطلع السبعينيات، فقد برزت في تلك الفترة فئات وشرائح اجتماعية جديدة كالطبقة المتوسطة والمتعلمة والشرائح الإدارية والإجتماعية، كما برزت المؤسسات الإجتماعية الحديثة والتي حلت محل المؤسسات التقليدية، كذلك برزت خلال هذه الفترة قناعات ومفاهيم وبديهيات وسلوكيات معاصرة كتعليم المرأة وحرية الفرد واستقلالية القضاء، وكان من الطبيعي ضمن هذا السياق التطوري والتحديثي من بروز مؤسسات مجتمعية حديثة ومستقلة نسبياً‏عن الدولة كالمؤسسات الثقافية والنسائية والخيرية والتطوعية التي تتجه لتلبية احتياجات الفئات الإجتماعية الحديثة التي أفرزتها المرحلة النفطية. فبعد أن كان هناك جمعية نفع عام واحدة عام 1973، بلغ عدد جمعيات النفع العام اليوم مائة جمعية، وهي تتزايد بمعدل أربع جمعيات في السنة (16) .
ويتأثر تشكيل المجتمع المدني في الإمارات بعدة عوامل بعضها يؤثر إيجابياً والبعض الآخر بشكل سلبي، وهي بصورة عامة رسمت ملامح المجتمع المدني في الإمارات، ومن أبرز هذه العوامل النفط، ونشوء الدولة الريعية، والثقافة المحلية، والتركيبة السكانية، والعزوف عن الديمقراطية، وتبرز د. الصبان أهم التوجهات الرئيسية في التحولات المستقبلية للمجتمع المدني في الإمارات وهي:
أولاًـ التوجه النسائي: فعلى صعيد الأنشطة العامة تعد الجمعيات النسائية الأكثر فاعلية والأكثر حضوراً وعقداً للمؤتمرات، ومحاولة الإتصال والتواصل مع التجارب النسائية العالمية، كما تشكل هموم العصر الفكرية، ومسألة الحقوق، والهوية، وغيرها من القضايا المرتبطة بالمرأة بالتحديد، محوراً لإهتمام وتلاقي أعضاء هذه الجمعيات.
ثانياًـ التوجه العالمي: إن هيئات ومؤسسات المجتمع المدني في الإمارات تتواصل تدريجياً مع المؤسسات العالمية، وهي تحاول أن تتفتح على المزيد من الآفاق لتطور ونمو مؤسسات المجتمع المدني في كل مكان، وهذا الإنفتاح يساهم في إيجاد فرصة أكبر لتطوير الإيجابيات وتبني قضايا ذات شأن إنساني وعالمي كقضايا حقوق الإنسان، والحريات العامة، والقضايا البيئية (17) .
تحديات‏ـ المجتمع المدني في مواجهة تحديات العولمة
يقدم د. يوسف الإبراهيم إطاراً عاماً لمفهوم العولمة: بكونها مرحلة متمثلة في ازدياد العلاقات والتشابكات بين دول العالم واندماج اقتصاديات هذه الدول في سوق عالمي شبه موحد تنتقل فيه رؤوس الأموال والسلع والخدمات بحد أدنى من القيود أو الحواجز. وتحدد قوى السوق مستوى الأسعار دون حساب للبعد الجغرافي أو بلد المنشأ (18) . وعلى الرغم من كون الإقتصاد يمثل الركيزة الأساسية للمفهوم، فإن العولمة لايمكن حصرها بالبعد الإقتصادي وحده، فهي تمثل اليوم تحدياً سياسياً‏عنيفاً للأنظمة القائمة، إضافة إلى ذلك التحدي الكبير الموجه للفكر الإنساني والعادات والتقاليد. وإذا ما أخذنا بعين الإعتبار ما تهدف إليه العولمة من إسقاط للحواجز الدينية والقومية فيمكن أن ندرك حجم التحديات الموجهة إلى الحضارات والثقافات المتنوعة.
بيد‎أننا نواجه العولمة كواقع مفروض وليس كخيار قابل للأخذ والرد، ولو استعرضنا بعض تكنولوجيا الإتصالات والمعلوماتية الفائقة الأداء والسريعة التطور، لاستوعبنا جيداً‏أننا أمام تحد هائل ومباشر لايمكن التهرب منه أو التغافل عنه، من بث مباشر عبر الأقمار الصناعية، وانتشار أجهزة الديكودرز المشفرة لفك شفرة البث المباشر، وأجهزة الديكودرز الغير مشفرة والتي يمكن الإطلاع من خلالها على أكثر من مائتي محطة تلفزيونية فضائية، بالإضافة إلى شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) والتي يمكن التنقل من خلالها إلى أي موقع متخيل في العالم، والآن نحن أمام تكنولوجيا الكبس الرقمي المسمى بالديجيتال والذي يولد من القناة الواحدة عشر قنوات. وقد تكثف العالم ليكون جهازاً كونياً صغيراً، تنقله معك في أي وقت ومكان، وراح الأكاديميون والباحثون يعرفون القرن الحادي والعشرين «بمجتمع المعلومات الكوني»، والذي سيفجر قيماً ومفاهيم وفلسفات وعادات جديدة (19) .
وأمام هذا التحدي فإن العالم العربي والخليجي لايكاد يتعاطى مع العولمة إلا بوجه أحاد «أيديولوجي» الرفض المطلق أو القبول المطلق، بينما تفكر المجتمعات الأخرى ـ الأفريقية ـ مثلاً بطريقة مختلفة إذ هي تبحث عن المنفذ الذي تفتحه العولمة لها للخروج من حالة التهميش، ولتحصيل المزيد من التحرر الإقتصادي والسياسي، وهكذا فإن مجتمعاً آسيوياً كالمجتمع الياباني.. مشكلتهم الأساسية مع العولمة تكمن في معرفة أين سيكون مركز الإقتصاد على سواحل الصين أم في اليابان (20) ؟
مع اقتراب الصورة التي تشكل معالم القرن الجديد من تحديات ومخاطر، ومحاولات هيمنة بكل أشكالها السياسية والإقتصادية والثقافية، لم يكن من المعقول أن يظل عالمنا ينتظر اسقاطات هذا الواقع دون أن يبحث عن الأدوات التي يمكن أن يلجأ للدفاع عن ذاته، والحفاظ على هويته، ودون أن يبحث في إمكانات العمل من أجل التحصل على موقع أفضل في القرن الجديد.
ومن هنا حاولت ورقة د. المهيني تلمس الفلسفة الإجتماعية السائدة التي يتبناها المجتمع، فكلما استطاع المجتمع تحديد أهدافه وربطها بنظامه التربوي واستخدام أدوات فاعلة كلما كان‎أقدر على تحقيق تلك الأهدف بشكل متجانس ومتوازن وفعال في الوصول إلى التنمية الشاملة ومواجهة مخاطر القرن الجديد. فالتربية وكهدف عام ومن خلال ربطها بالفلسفة الإجتماعية السائدة تحاول تنمية قدرات الفرد لأقصى حد ممكن لمواجهة التحديات المستقبلية، وإذا ما علمنا أن العولمة تعني المنافسة بين الأقوياء علمياً ومادياً‏وفكرياً وسياسياً فإننا لابد أن نركز على ما يسمى بالكيف من التعليم وعدم الإكتفاء بالكم، فإن كان مبدأ العلم كالهواء مهماً في مرحلة ما فلابد الآن من التفكير في نوع العلم المطلوب ذلك العلم الذي يحقق التكافؤ ضمن التنافس الحضاري أو على أقل تقدير الوقاية الكافية من الإنهيار أو إحداث ثقوب يصعب التعامل معها (21) .
وفي ظل القرن الجديد فإن ثمة تحديات جدية ترتبط بمستقبل الوطن العربي ككل، وتأتي على رأس هذه التحديات المسألة التنموية في ظل العولمة، فالبرغم من بدء برامج التنمية في الوطن العربي بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص منذ فترة طويلة إلا أنها لم تسفر عن واقع تنموي حقيقي ودائم، وتشير مؤشرات هذه التجربة إلى تواضع نتائجها مقارنة بحجم الموارد التي تم استنزافها والفرص الكبيرة التي أتيحت لها، كما تؤكد على ضعف الإقتصاديات العربية في مواجهة الآثار والأبعاد الناجمة عن العولمة، ولعل أهم معوقات التنمية في المجتمع العربي استمرار سيادة الدولة على الأنشطة الإقتصادية، وانخفاض كفاءة اتخاذ القرار الإقتصادي خاصة في ظل التطورات السريعة الناجمة عن عصر العولمة، لاسيما إذا أدركنا أن ملامح مسير التنمية في عصر العولمة تتحدد ضمن ثلاث ركائز أساسية:
أولاًـ تقليص دور الدولة وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص عبر تطوير التشريعات التي تنظم النشاطات الإقتصادية المحلية، كما يجب على الدولة توفير المناخ السياسي الملائم لنمو مثل هذه القطاعات.
ثانياًـ الإنفتاح الإقتصادي على الإقتصاد العالمي، والتركيز على الصناعات التصديرية، والعمل على رفع الكفاءة الإنتاجية من خلال تخفيض التكلفة ورفع الجودة للمنتج المحلي، والعمل على تطبيق المعايير والمقاييس الدولية للمنتجات.
ثالثاًـ تنمية الموارد البشرية، باعتبار أن العنصر البشري هو الأداة والهدف للسياسات التنموية، ودعم مسيرة التعليم والتدريب، والتقييم المستمر لسياسات التعليم وربطها باحتياجات السوق، والنشاطات الإقتصادية (22) .


الهوامش

#الملتقى الإجتماعي الثقافي الخامس لجمعيات وروابط الإجتماعيين في دول مجلس التعاون الخليجي، 21-23 نوفمبر 1998، عقد في الكويت تحت عنوان «المجتمع المدني في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين في المجتمعات الخليجية، العولمة وأثرها تربوياً‏ـ إعلامياً‏ـ تنموياً».
1ـ باقر النجار، «نشأة الدولة والمجتمع المدني في البحرين»، الملتقى الإجتماعي الثقافي الخامس لجمعيات وروابط الإجتماعيين في دول مجلس التعاون الخليجي، الكويت 21-23 نوفمبر 1998.
2ـ ريما الصبان، «نشأة الدولة والمجتمع المدني في الإمارات العربية المتحدة»، مصدر سابق.
3ـ باقر النجار، «نشأة الدولة والمجتمع المدني في البحرين»، مصدر سابق.
4ـ تركي الحمد، «نشأة الدولة والمجتمع المدني في السعودية»، مصدر سابق.
5ـ باقر النجار، مصدر سابق.
6ـ عبد الرسول علي الموسى، «نشأة الدولة والمجتمع المدني في الكويت»، مصدر سابق.
7ـ تركي الحمد، مصدر سابق.
8ـ تركي الحمد، مصدر سابق.
9ـ خلدون حسن النقيب، «تطور الوعي الإجتماعي والسياسي في المجتمع المدني»، مصدر سابق.
10ـ عبد الرسول علي الموسى، مصدر سابق.
11ـ مصدر سابق.
12ـ مصدر سابق.
13ـ باقر النجار، مصدر سابق.
14ـ مصدر سابق.
15ـ تركي الحمد، مصدر سابق.
16ـ ريما الصبان، مصدر سابق.
17ـ مصدر سابق.
18ـ يوسف محمد الإبراهيم، «العولمة وأثرها تنموياً»، مصدر سابق.
19ـ رضا يوسف الفيلي، «العولمة وأثرها إعلامياً»، مصدر سابق.
20ـ مصدر سابق.
21ـ محمد صالح المهيني، «العولمة وأثرها تربوياً»، مصدر سابق.
22ـ يوسف حمد الإبراهيم، مصدر سابق.