مؤتمر: (العرب بين ثقافة التغيير وتغيير الثقافة)
تحت رعاية الملك محمد السادس أُختتمت في مدينة مراكش بالمملكة المغربية فعاليات المؤتمر الثالث لمؤسسة الفكر العربي، تحت عنوان: (العرب بين ثقافة التغيير وتغيير الثقافة). وذلك بين: 1- 3 ديسمبر 2004م.
جدير بالذكر أن رئيس المؤسسة الأمير خالد الفيصل بادر بتكريم 6 شخصيات عربية ضمن فعاليات المؤتمر الذي شارك فيه أكثر من 1000 مثقف عربي. كما حرصت بعض قنوات الإعلام العربي على تغطية أعمال المؤتمر على الهواء مباشرةً، خصوصاً قناة art إضافة لتغطية قام بها تلفزيون المغرب.
وفي الكلمة الافتتاحية ألقى الأمير رشيد بن الحسن باسم راعي المؤتمر كلمة خاطب فيها المشاركين قائلاً: (ولعل ربطكم للتغيير بالثقافة ما يؤكد على وعي قوي بحتمية التغيير، وعلى إدراك عميق بدورها الحاسم فيه. وقال: في عصر أصبح فيه العالم سوق عكاظ فكرياً دائماً، فإن تطوير الثقافة رهين بحسن استعمالها للوسائل الإعلامية والتواصلية الحديثة، داخل الفضاء العربي، أو لتأكيد ذاتنا ضمن تعدد ثقافي، محلي وجهوي وكوني، لكن ذلك في نطاق التسامح والتوافق، حول قيم إنسانية عالمية، واحترام الآخر، حرية وهوية وعقيدة وحضارة، وكذا احترام درجة التطور التاريخي لكل شعب، ومساره الخاص).
وألقى رئيس مؤسسة الفكر العربي الأمير خالد الفيصل كلمة قال فيها: إذا كانت المؤسسة قد طرحت حاضر الشأن العربي في عشرة محاور شهدها مؤتمرها السنوي الأول في القاهرة، ثم استشرف مؤتمرها الثاني في بيروت المستقبل العربي في عشرة محاور أخرى، فإنها اختارت (العرب بين ثقافة التغيير... وتغيير الثقافة)، عنواناً لمؤتمرها الثالث، ذلك أنه منذ بدأ الإعداد لهذا المؤتمر، كانت الأمة العربية -ولا تزال- مطالبة بأن تحسم أمرها بين خيارين، فإما أن تعتنق ثقافة التغيير الذاتي فتعيد النظر في حاضرها وتعمل على اللحاق بقطار العصر، وإما أن تضطر لقبول تغيير ثقافتها بأيدي الغير، تحت ذريعة أن الكل يؤثر في الكل داخل القرية الكونية وضمن تشكيل العالم الجديد.
وكلنا على علم بمشاريع التغيير والإصلاح التي انهالت علينا من الشرق والغرب والتي لاقت جدلاً واسعاً في الدائرتين العربية والدولية، بين الرفض أو القبول وبين الدعوة إلى التخلص من الحساسيات، والنظر في تلك البضاعة الوافدة بموضوعية، للأخذ منها بالقدر الملائم لنا، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها. وأضاف قائلاً: ومؤسسة الفكر العربي، إذ تطرح هذا الملف الساخن، في حضور هذه النخبة من المفكرين والباحثين المتحدثين على المنصة وفي القاعة، إنما تفي بعهدها أن تكون مظلة حرة للحوار الحضاري البناء بين كل فصائل الرأي، وتستشعر واجب التداعي وخاصة عند مداهمة الخطر... ولعل السؤال الأكثر إلحاحاً الآن في الأزمة العربية الراهنة هو: هل نحن قادرون بأنفسنا على الاقتناع بثقافة التغيير بمعنى التطوير والإصلاح ومراجعة واقعنا وتعديله، مع ما يتطلبه ذلك من جهود حقيقية وقرارات شجاعة على أرض الواقع، للدخول الفاعل إلى مشروع الإصلاح العربي؟!
ولما كان أهل الدار أدرى بأحوالها، ولأنكم أهل الرأي وقاطرة النهضة، فإن المأمول أن يخرج مؤتمركم الموقر بالإجابة على السؤال المثير، من خلال الإسهام في صياغة مشروع عربي يعتمد على خبراتكم الطويلة بالقضايا العربية والدولية، مضافاً إليها محصلة ما تسفر عنه فعاليات المؤتمر المتعددة، والتي يشارك فيها باحثون من الدائرة العربية ومن خارجها لديهم تجارب ناجحة، يمكن الاستفادة منها في حدود ثقافتنا وما تسمح به أصولها المحققة.
ثم قام رئيس مؤسسة الفكر العربي وممثل الملك محمد السادس بتكريم الرواد وهم: الدكتور فاروق الباز، ومركز الدراسات الفلسطينية، والدكتورة شادية رفاعي حبال، والدكتور محمد الشارخ، والرياضي هشام الكروج، والشاب عمر سليم المطيري، والقاصة سمر سمير المزغني.
علماً بأن المؤتمر ناقش في جلساته الرئيسية أربعة موضوعات هي: لماذا ثقافة التغيير؟ نماذج التغيير عند العرب وغيرهم. منهج التغيير الثقافي وآلياته. وأي مستقبل عربي في ظل ثقافة التغيير؟ وقد أعقبت الجلسات لقاءات حوارية مع شخصيات عربية وعالمية بارزة حول موضوع المؤتمر، كما ناقشت ندوتا الإعلام: تأثير الفضائيات على الثقافة العربية، وكيف يتعامل الإعلام غير العربي مع ثقافتنا. وكان للشباب نصيب في المؤتمر ضمن ندوتين: الأولى عن رؤية لثقافته على ضوء الانفتاح على الثقافات العالمية، والثانية حول مفهومه عن العنوان الذي يطرحه المؤتمر.
وفي أولى جلسات المؤتمر تحدث رئيس الرابطة الجامعية الأمريكية الدكتور شاكر النابلسي تحت عنوان: (لماذا ثقافة التغيير؟). وقال ضمن ورقته: الذين يخافون من التغيير هم الذين يخافون من الموت، في حين أن كل شيء يتغير، ولكن لا شيء يموت. والخائفون من التغيير يعتقدون أن التغيير يعيق التقدم في حين أن التغيير لا يتطلب تقدماً في رأي البعض، ولكن لا تقدم دون تغيير. ولعل العرب -كما يرى- أحوج ما يكونون إلى التغيير اليوم في المجالات التالية: الحريات. الحقوق العامة. الشورى والديموقراطية. المرأة. المجتمع المدني.
وقال في ورقته بأن العالم العربي، الآن ليس مشغولاً بأهمية التغيير وضروريته ومجالاته وطرائقه وعوائقه وتحقيقه، بقدر ما هو مشغول بـ(من أين ومَنْ يأتي بالإصلاح والتغيير الثقافي، هل يأتي من الداخل أو من الخارج؟). وقال: في رأيي أن القضية محسومة حسماً واضحاً. وهي تتلخص في أن التغيير، أي تغيير سواء أكان سياسياً أم اقتصادياً أم اجتماعياً إذا حلّ استحقاقه ولم يتم من الداخل، فسوف يتحتم تحقيقه من الخارج رعاية لمصالح الداخل والخارج التي أصبحت وحدة واحدة في زمن العولمة وثورة المعلومات والسوق الحرة والشركات العابرة للقارات والحدود الثقافية المفتوحة.
وقال في مكان آخر: إن الثقافة التي تخشى الآخرين، والاقتراب منهم، والتلاقح معهم، هي ثقافة هشة، ومريضة ومهزوزة، ولا أمل كبيراً في إصلاحها من الداخل. وعندما كانت ثقافتنا ثقافة قوية وواثقة من نفسها، لم تخش التلاقح مع الثقافات الفارسية واليونانية والهندية، وغيرها من الثقافات السائدة في القرن التاسع الميلادي، وقبل هذا التاريخ.
أما المفكر اللبناني هاني فحص فقد قال في مداخلته: إن جاذب التقليد لا بد أن ينطوي على دافع التجديد، كما لا بد لدافع التجديد أن ينطوي على جاذب التقليد، لأن هذا التشارط هو الضامن للإيقاع على الذاكرة والحكم معاً... وشرطه الأول، في حالنا الآن، أي الحرية لم يزل منقوصاً وعرضة للانتهاك، وشرطه الغائي، أي مصبه ومنتهاه وميله أو بحره المحيط، باعتبارنا أنهاراً أو سواقي أو جداول محكومة بذاكرة النبع... شرطه الغائي، الله، غاية الغايات ومنتهى النهايات، محفوظ... من دون توهم لإمكان إعادة الإنتاج بهذه الحرفية اليابسة، بحسب المتعارف الماركسي المبسط والمتسلط، ولعل إعادة التشكيل هي التكييف الممكن دائماً، فيها مكان لذاكرة الفرد والجماعة والأرض والأذن والعين والأمة، وفيها مكان أو شرفة على الآتي، على مجرى الليل والنهار والشمس والقمر.
وفي اليوم الثاني عالجت الندوات مواضيع متنوعة فحملت الجلسة الأولى عنوان (الإصلاح السياسي والتنمية الإنسانية في الوطن العربي) وشاركت فيها الدكتورة (ريما خلف) مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، وقالت خلالها: لا بد لنا هنا من أن نشدد على قناعتنا الراسخة بأن الإصلاح الذاتي القائم على نقد صريح ومتوازن للذات هو البديل الصحيح، إن لم يكن الوحيد، للتواكل والاستكانة، وترك زمام المبادرة للآخرين، ولمخططات إعادة تشكيل المنطقة العربية، من خارجها. وسنظل نستهدف في ذلك كله، تعميق حوار عربي خالص يسهم في رسم الطريق إلى المستقبل، وفي الانطلاق نحو نهضة جديدة مستنيرة، تمكن أبناء الوطن العربي وبناته من اجتياز عتبات التنمية الإنسانية الشاملة المستدامة التي يتطلعون إليها، والحياة الحرة الكريمة التي يستحقونها كل الاستحقاق.
كما شارك ممثل جامعة الدول العربية في الأمم المتحدة الدكتور (كلوفيس مقصود)، بورقة قال ضمنها: إن العرب لاحظوا بعد معاناة طويلة أن المشروع الصهيوني لا يُجابه ولا يقاوم إلا بمشروع ديموقراطي قائم على التنمية والسوق العربية المشتركة ووحدة المصير. ودعا مقصود إلى إعطاء الأولوية في الوطن العربي لحقوق الإنسان والحريات المدنية وتأمين الحاجات البدَهِيَّة للناس، مؤكداً أن تأمين هذه الضرورات من شأنه أن يشكل لبنة أولية في انخراط المجتمعات العربية في مسيرة التنمية والتقدم، داعياً إلى إصلاح عيوبنا بأيدينا..
ثم تناول الكلام الدكتور (أحمد كمال أبو المجد) معدّداً العيوب التي تعاني منها الأمة العربية وهي تطال الدستور والقضاء والحريات العامة والحقوق المدنية داعياً في هذا السياق إلى إعطاء هذه القضايا الأولوية من أجل تنظيم العلاقة بين السلطات والمجتمع، داعياً طائفة العلماء التي تحيط بالحكام ألا تتستر على العيوب والأخطاء التي يرتكبها الحاكم بحق المحكوم، مسجلاً أن غياب الشفافية والمساءلة سوف يساهم في تضييع الحاكم والمحكوم معاً. واعتبر أن العرب والمسلمين غير راضين حالياً عن أكثر أحوالهم لأنهم فرضوا على أنفسهم عزلة ذاتية وكأنهم اختاروا العيش في جزيرة، الأمر الذي منعهم من المشاركة ورصد ما يحدث في العالم من تطورات.
وتناولت الندوة الثالثة: (تأثير الفضائيات على الثقافة العربية) وقدم لها وزير الاتصال المغربي محمد نبيل بن عبدالله ودعا فيها إلى النظر في مفاهيم العمل وتوفير النصوص القانونية الأمر الذي يكفل للإعلام العربي الانطلاق والرواج، منبهاً لما للإعلام العربي من دور في تنشيط الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية. وقد عقب على الورقة رئيس تحرير صحيفة الحياة (جورج سمعان) ورئيس تحرير الشرق الأوسط السابق (عبدالرحمن الراشد) ورئيس تحرير صحيفة الرأي (عبدالوهاب الزغيلات) والكاتب الصحفي في الأهرام المصرية (فهمي هويدي).
في الجلسة الرئيسية الثانية تحدث سفير المغرب في بيروت الدكتور (علي أومليل) عن: (نماذج التغيير عند العرب وغيرهم: التجربة العربية وتجربتي اليابان والصين). واستهل أومليل محاضرته بالسؤال: متى يجب الإصلاح؟ وأضاف: الجواب يقتضي أولاً تحديد زمان السؤال، وهنا نقسم الزمان الإسلامي إلى حقبتين كبيرتين: حقبة ما قبل الضغط الأجنبي على المجتمعات الإسلامية، وحقبة الزمان الاستعماري. وعرج أومليل على مجموعة من المفاهيم والحالات والقراءات التاريخية والواقعية.
وقد عقبت على بحث أومليل الدكتورة (نادية محمود مصطفى) وهي مدير مركز البحوث والدراسات السياسية والمشرف على برنامج حوار الحضارات في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، وقالت ضمن تعقيبها: إن دراسة أومليل على هذا النحو، تكون قد قدمت للقارئ تحفيزاً للتفكير المقارن في إشكاليات تغيير الثقافة أم ثقافة التغيير، أملاً في الوصول إلى رؤية شاملة عن فلسفة الإصلاح المطلوب، وموضع الثقافة من سياسات تطبيقه ومن جهود مقاومة الضغوط الخارجية الراهنة، حيث أضحت ساحة الثقافة هي آخر ساحات الهجوم علينا، باسم التحول الديموقراطي ومكافحة الإرهاب، والتعصب والانغلاق ومقاومة التغيير، كما أضحت أيضاً الثقافة آخر خطوط دفاعنا، فهي في حاجة لتجديد وليس لتغيير أو استبدال. ولهذا فنحن في زمن لا يحتمل ترفة التدريبات الذهنية، فنحن في حاجة آليات وإجراءات لإصلاح يستند إلى تيار أساس في الجماعات الوطنية يعبر عن ثوابت هذه الأمة ويتمسك بها من ناحية ويقود من ناحية ثانية عملية تجديد وإصلاح شاملة لكل ما يفرضه الواقع من تحديات استجابة لمصالح الأمة في العدالة والحرية والاستقلال.
أما الدكتور (مسعود ضاهر) فقد قال في تعقيبه على ورقة الدكتور (علي أومليل) بأن الورقة تتضمن معالجة مكثفة وعميقة لثلاث تجارب في التحديث هي العربية واليابانية والصينية، خلال حقبة زمنية تمتد لأكثر من خمسة عشر قرناً. ولما كان من الصعب جداً تقديم تفاصيل دقيقة تظهر خصوصية كل من تلك التجارب، لجأ الباحث، وببراعة فائقة، إلى إبراز المقولات النظرية التي ساهمت في بلورة السمات الخصوصية لكل منها. إذ يرى أومليل أن تجربة التحديث في الصين تختلف عن مثيلتها في اليابان بسمتين أساسيتين: عنف التدخل الأجنبي من جهة، والقطيعة التي أحدثتها الثورة الشيوعية في الداخل فعزلتها لفترة من الزمن عن التبدلات المتسارعة في العالم الخارجي من جهة أخرى.
أخيراً نشير إلى أن المؤسسة -كما جاء في كلمة الأمير خالد الفيصل- تطرح محصلة المؤتمر بين أيدي أصحاب القرار على المستويين الحكومي والأهلي في العالم العربي، على أمل أن يستفاد منها تطبيقاً على أرض الواقع، وهي تنتهز الفرصة لتناشد كل من يستطيع أن يحول الفكر إلى منظومة عمل، بأن يتم تفعيل أبحاث المؤتمر التي استغرقت جهود الباحثين المخلصة في خدمة الأمة، لعلنا بذلك نشق طريقاً للأمل في ألَّا تظل الأفكار الرصينة المفيدة مجرد حبر على ورق!!
ندوة:
من تفسير القرآن إلى القراءات الحديثة للظاهرة القرآنية
أقامت مؤسسة الملك عبد العزيز للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء -المغرب- بالاشتراك مع مؤسسة كونراد أديناور الفرنسية ندوة قرآنية في العاشر والحادي عشر من ديسمبر تحت عنوان (من تفسير القرآن إلى القراءات الحديثة للظاهرة القرآنية)، شارك فيها عدة من أرباب الفكر والمختصين في البحوث القرآنية والدراسات الإسلامية.
وقد توزعت الندوة على جلسات ثلاث، بالإضافة لجلسة مختصرة خصصت للترحيب بالمشاركين، تحدث فيها ممثل مؤسسة كونراد أديناور عن التعاون المستمر مع مؤسسة الملك عبد العزيز في العديد من المشاريع الفكرية وأهمية التلاقي بين المفكرين المعنيين بالدراسات الإسلامية، أعقبه الأستاذ محمد الصغير جنجار بحديث مفصل عن فكرة الندوة، وأنها تهدف لتسليط الضوء على الدراسات المعاصرة في الحقل القرآني، والتمييز بين التفاسير التراثية والاستشراقية من جهة والدراسات المعاصرة من جهة أخرى.
وفي مطلع الجلسة الأولى شرع الدكتور محمد أركون المفكر المعروف بتقديم ورقته التي حملت عنوان (البناء الاجتماعي للحقيقة: من المصحف إلى المتون والرسمية المقفلة)، وقد ركز فيها على ضرورة الاستفادة من علم التاريخ الحديث والأنثروبولوجيا والألسنيات في القراءات المعاصرة للقرآن الكريم، تبعه المستشرق ألفريد لويس دو بريمار من الدار المتوسطية لعلوم الإنسان بدراسة تحت عنوان (المقاربة التاريخية النقدية في فهم النص القرآني)، أصر فيها على ضرورة اعتماد المقاربة التاريخية في دراسة النصوص القرآنية حتى يستقيم فهمها، وختم الجلسة الأستاذ عبده الفيلالي الأنصاري من معهد الدراسات حول حضارات المسلمين، لندن، بدراسة عنوانها (أوامر إلهية أم أخلاقية قرآنية)، كان مبناها الأساس يعتمد على رفض المنحى الذي يركز على الإكثار من انتزاع الأوامر الإلهية من النصوص القرآنية، بينما تعد الكثير من النصوص مبشرة بتوجيهات أخلاقية.
وأما الجلسة الثانية فقد ابتدأتها المستشرقة جان دامن ماكوليف من جامعة جورج تاون، واشنطن، بورقة تحت عنوان (الاتجاهات الحديثة للتفسير على الصعيد الدولي)، وقد أوضحت فيها أن التحولات الديموغرافية في العالم الغربي التي أثر فيها التواجد الإسلامي المتكاثر كان لها أكبر الأثر في توجيه أنظار العديد من الباحثين الغربيين نحو القرآن الكريم باعتباره المصدر الأساس المتحكم في تفكير الإنسان المسلم. ثم الدكتور نصر حامد أبو زيد من جامعة ليدن بهولندا، الذي جاءت ورقته بعنوان (القرآن من النص إلى الخطاب)، حيث حاول أن يعيد الاعتبار للتفكير المعاصر، والفصل بين النص والخطاب في قراءة الآيات. تبعه الأستاذ المنصف بن عبد الجليل من معهد الدراسات حول حضارات المسلمين، لندن، بدراسة بعنوان (ما الحاجة إلى تفسير جديد للقرآن؟) استعرض فيها العديد من الإشكالات التاريخية المرتبطة بجمع القرآن الكريم ودعاوى الإعجاز لينتهي إلى القول بضرورة المراجعة الجادة للكثير منها، وأخيراً الأستاذ يوسف صديق، باحث من باريس، الذي جاءت ورقته تحت عنوان (فلنقرأ)، وانتهى من خلالها لنتيجة مؤداها أن المسلمين لم يقرؤوا القرآن بعدُ بالمستوى الذي ينبغي أن تكون عليه القراءة الجادة.
وفي اليوم الثاني ابتدأ الجلسة الثالثة الشيخ فيصل العوامي المشرف العام لمؤسسة القرآن نور، السعودية -القطيف- بدراسة عنوانها (القراءة المعاصرة من السؤال الحرج إلى البناء العلمي) ركّز فيها على نمط القراءة المعاصرة الذي ينطلق من داخل الحوزة العلمية، ومستوى التفاعل بينه وبين القراءات المعاصرة الواردة من خارج الحوزة، كما استعرض الملامح العامة للموقف العلمي الذي تتبناه الحوزة تجاه القراءات المعاصرة، ثم قدمت الأستاذة ألفة يوسف من المعهد العالي لأطر الطفولة، تونس، ورقة بعنوان (البحث عن المعنى الضائع للقرآن: من أحكام المؤسسة إلى شوق الفرد)، استعرضت فيها العديد من القراءات المتغايرة للمفسرين التراثيين تجاه النص الواحد، لتنتهي إلى القول بضياع المعنى في الكلام الإلهي. وختم الجلسة الأستاذ محمد الشريف فرجاني من مجموعة البحث والدراسات حول العالمين العربي والإسلامي، جامعة ليون، بورقة تحت عنوان (الاستخدام السياسي للنص القرآني في الفكر الإسلامي المعاصر)، عدّد فيها الكثير من المواطن في الفكر السياسي التي تكلّف فيها أصحاب المشاريع السياسية في استخدامهم للنص القرآني، مستشكلاً بذلك على طريق التأصيل القسري للعمل السياسي والتوظيف الخاطئ للنصوص.
وفي نهاية الجلسة الثالثة ختم ممثل مؤسسة الملك عبد العزيز السيد جنجار فعاليات الندوة، مكرراً شكره لجميع المشاركين والحاضرين.
ولاشك أن الندوة شكلت فرصة رائعة لتلاقي الكثير من العقول المهتمة بالدراسات الإسلامية والقرآنية، ومجالاً خصباً للحوار الجاد وإبراز التساؤلات الحرجة، وقد حظيت بتغطية من بعض وسائل الإعلام المحلية في المغرب الناطقة باللغة العربية والفرنسية.