شعار الموقع

مؤتمر: موقع الحرية في الإصلاح والتجديد

محمد تهامي دكير 2006-06-18
عدد القراءات « 720 »

بيروت: بين 2 - 3 كانون الأول 2004م

“اننا اذا بقينا مهجوسين بالدفاع والممانعة والاحتجاج والرفض، متناسين واقعنا، غافلين عن تخلفنا، مبهورين بسحر الثقافة المسيطرة، مفجوعين بفقدان الغلبة، لن ننجح في بناء المستقبل، ولا في صد موجات الغرب المعولم..”.

د. عبد الغني عماد

 

مرة أخرى يجتمع لفيف من المفكرين والباحثين في بيروت، بدعوة من مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات لمناقشة موضوع الإصلاح والتجديد، لكن هذه المرة من منظور الحرية، أي علاقة الحرية بتحقيق وإنجاز الإصلاح...

أكثر من مائة سنة عندما انطلقت في العالمين العربي والإسلامي دعوات التجديد والإصلاح، وقد كُتب وقيل الكثير عن التجديد وضرورة الإصلاح وأهميته، وأفنى عدد من المفكرين أعمارهم في التنظير لمشاريع نهضوية وإصلاحية وتجديدية، وقد عرفت بعض هذه المشاريع والمقترحات طريقها نحو الواقع ومجالات التنفيذ، إلا أن حصيلة قرن بأكمله جاءت هزيلة ومتواضعة، إن لم نقل مخيبة لآمال الكثيرين ممن حلموا بالإصلاح والتجديد والنهضة العربية والإسلامية الكبرى، طبعاً لن نكون منصفين وموضوعيين إذا قلنا: إن شيئاً لم يتغير، وإن الإصلاح والتجديد لم يتحقق بنسبة ما وفي مجالات معينة، فقد تغيرت الأوضاع في العالمين العربي والإسلامي، وتحققت مجموعة من الإصلاحات في عدد من المجالات، لكن الإصلاح والتجديد والتغيير المطلوب والمنشود لايزال حلماً بعيد المنال، بدليل أن موضوع الإصلاح والتجديد لايزال موضع بحث ونقاش وتقام لأجل معالجته الندوات والمؤتمرات..

أما لماذا فشلت هذه المشاريع التجديدية والإصلاحية، فقد تضاربت أقوال الباحثين والدارسين لهذه القضية، واختلفت وجهات نظرهم عن الأسباب والعوائق، فمنهم من عزا ذلك إلى رسوخ قيم التقليد والانغلاق وجمود الفكر الديني، ومنهم من حمل الاستبداد السياسي المسؤولية، وذهب آخرون إلى ترجيح العوامل الخارجية كالاستعمار وغزوه العسكري والفكري..

أما المشاركون في مؤتمر (كلمة سواء) التاسع الذي نظمه مركز الإمام موسى الصدر بين 2 - 3 كانون الأول 2004م تحت عنوان: “موقع الحرية في الإصلاح والتجديد” فيعزون أسباب فشل مشاريع الإصلاح إلى غياب الحرية بمفهومها العام، فلا يمكن فصل الحرية عن الإرادة والتفكير والإبداع والتجدد والاختلاف والتعدد، فهذه المفردات هي المقومات الأساسية لمفهوم وجوهر الحرية، لذلك عندما تتعرض الحرية -حرية الأفراد والشعوب- للمضايقة أو العسف، فإننا نكون أمام أزمة حقيقية في تجلي هذه المفردات ومفاهيمها على الواقع، وبالتالي يحل ظلام الجهل والجمود والاستبداد ويتوج ذلك كله بالاستعمار..

أما المحاور الأساسية التي ناقشتها بحوث ودراسات المؤتمر فتساءلت عن العلاقة بين الحرية والإصلاح والتجديد؟ وكيف ساهم غياب الحرية في فشل المشاريع النهضوية؟ وتأثير الضغوطات الداخلية والخارجية على الحرية والإصلاح؟ والحرية في مواجهة الآخر؟؟

الجلسة الافتتاحية

حضر الجلسة الافتتاحية عدد كبير من المفكرين والباحثين والسياسيين وممثلي المرجعيات الدينية من لبنان وسورية والعالم العربي..

في الجلسة الافتتاحية وبعد كلمة مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات، ألقى القاضي الشيخ محمد دالي بلطة كلمة الدكتور محمد رشيد قباني مفتي الجمهورية اللبنانية، الذي أشار إلى المكانة الراقية للحرية في حياة الإنسان، مؤكداً أن غيابها عن الممارسة الإنسانية يمكن اعتباره مقدمة طبيعية للغة الإرهاب والعنف والبطش، حيث يسود الصوت الواحد ويتجه الأمر إلى إلغاء الآخر وتشيع مخدرات التسليم والتصديق ومسكنات الإذعان والاستسلام، فيتوقف العقل عن التفكير وتنعدم إنتاجية المجتمع وحيويته..

وأضاف قباني: أن الحرية لا تعني الانفلات من الضوابط الأخلاقية، بل امتلاك القدرة على التعرف والاختيار.. من هنا يقول الشيخ قباني: علينا أن نعلم أن الاختلاف ليس رذيلة ولا إثماً وإنما هو ناموس كوني وطبيعة إنسانية.. وفي الأخير انتقد بشدة حماة الحرية والحضارة المعاصرة الذين يتكلمون عن الحرية وهم يصادرون حرية الدول والشعوب ويفرضون عليها بالقوة المشاريع والسياسات..

كذلك ألقى الشيخ طلال سليم كلمة الشيخ بهجة غيث عقل الطائفة الدرزية، الذي اعتبر أن المشكلة الحقيقية تكمن في الفهم والمعرفة لحقائق الأشياء وليس في العلم والاطلاع على مواصفات الأشياء.. مؤكداً أن لا إصلاح ولا تقدم ولا نمو إلا بفك القيود والانعتاق من القشور وملامسة اللب والجوهر بكل صدق ووضوح، فأين نحن -يقول الشيخ غيث- من الحق والحرية، وما يسمى بحوار الحضارات والثقافات، وقد سادت لغة التكاذب والتزييف والخداع والتعصب والابتعاد عن الحق والممارسات المقنعة بالحرية والديموقراطية.. أما الحرية المعقلنة فهي أساس الإصلاح والتجديد اللذين لا يتحققان إلا بتحطيم قيود التقليد وسلاسل الإقطاع السياسي والديني..

كذلك ألقى المطران بولس مطر كلمة الكاردينال مار نصر الله صفير التي تتبع فيها مراحل تطور واكتمال الحرية عبر التاريخ، مؤكداً إن كنا قد وصلنا في بلادنا إلى مستوى عيش الحرية الفردية عيشاً حقيقياً فإن هذه الحرية لا تستكمل بدورها ولا تصير أساساً للتجدد والإصلاح ما لم تحترم حرية الجماعة أيضاً، وما لم تلتزم بالتوفيق بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة في آن..

كلمة بطريرك الروم الأرثوذكس أغناطيوس ألقاها ممثله المطران إلياس نجم، ومما جاء فيها، أن الحرية هي نتاج نضال طويل للشعوب من أجل الانعتاق من كافة أصناف العبودية.. والحرية هي كما الهواء والماء والغذاء، وهي بحاجة دائمة وماسة إلى إصلاح وتجديد وحيوية لتسود العدالة الاجتماعية وتترسخ هذه الحرية وتعم الفرد والمجتمع على حد سواء.. ألقيت كذلك كلمة بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام.. وأخيراً ألقى الشيخ عبد الأمير قبلان نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى كلمة أشار فيها في البداية إلى آية التغيير في القرآن الكريم، مؤكداً أن التغيير حقيقة مطلوبة وأنه لا يكون إلا من الداخل، أي من الذات الإنسانية.. كما انتقد اتهام الإسلام بالتطرف والإرهاب وهو يدعو إلى الجهاد من أجل الحرية، ويرفض أن يُكره الناس على الإيمان، مشيراً في الأخير إلى حجم الضغوطات والأزمات التي تعاني منها المنطقة، مطالباً بالتحرك والبحث في تفاصيل عنوان المؤتمر والخوض في مفاهيم الإصلاح وضرورة تحقيقها بجدية وصدق..

أعمال الجلسة الأولى

تحت عنوان الحرية والإصلاح بين ضغوط الخارج وضرورات الداخل، انطلقت أعمال المؤتمر بالجلسة الأولى التي ترأسها د. يوسف مؤنس، وتحدث فيها في البداية الأستاذ زكي الميلاد (رئيس تحرير مجلة الكلمة) عن: “مشاريع الإصلاح في العالمين العربي والإسلامي: الفرص والمعوقات”، حيث تتبع المشاريع التحديثية والنهضوية، انطلاقاً من تجربة محمد علي باشا في النصف الأول من القرن 19 الميلادي، وما أضافه الشيخ رفاعة الطهطاوي، وحركات الإصلاح التي نهض بها كل من الأفغاني والشيخ محمد عبده مروراً بالكواكبي.. ليخلص إلى طرح تساؤل كبير، هو: هل نحن أمام تاريخ من الهزائم والفشل؟ أمام تاريخ من التآمر والمؤامرات؟ أم تاريخ من الفرص الضائعة؟ ليجيب على ذلك: بأننا أمام تاريخ من التخلف فيه من كل ذلك.. مؤكداً على أن العالم العربي إذا كان قد دخل مرحلة الإصلاح فعليه إعطاء الاعتبار لمجموعة من الحقائق، منها: المراجعة الجذرية والشاملة لأوضاعنا على جميع المستويات، وأن يكون الإصلاح معبراً عن إرادتنا وتصوراتنا وضروراتنا..، الجمع بين الإصلاحين السياسي والديني معاً، والعمل على تحقيق المصالحة بين الدولة والأمة، وإنجاز برامج منظمة ومدروسة بعناية، وأخيراً البرهنة على عدم وجود تعارض بين الإسلام والديموقراطية..

الورقة الثانية في هذه الجلسة كانت للدكتورة هلا العريس (أستاذة بالجامعة اللبنانية) بعنوان: “الحرية: حقوق الإنسان والتجديد الاجتماعي - السياسي” حيث تناولت الموضوع من خلال محورين أساسيين، الأول حددت فيه مفهوم الحرية في الفلسفة والقوانين الحديثة مع إطلالة على موقف الشريعة الإسلامية من هذا المفهوم، وتحديد انعكاس مفاهيم الحرية في القوانين ومقابلتها مع موقف الشريعة من الحقوق والمصالح الضرورية للإنسان.. المحور الثاني تناولت فيه التجديد والإصلاح من زاوية التطوير القانوني للقواعد الخاصة بحماية حقوق الإنسان والكيفية التي يتم فيها تحقيق مقاصده..، وقد أكدت أن القواعد القانونية لا يمكن أن تطبق بشكل واسع على المستوى الاجتماعي إلا إذا كانت مقبولة من الجميع، وتعبر عن مصالح الجماعة وتطلعات أفرادها، وبالتالي فعملية فرض أي قاعدة قانونية تتناقض مع مصالح الجماعة لا تتحق الأهداف المقصودة منها لعدم توفر شرط أساسي من شروط احترام القانون وهو تعبير هذا القانون عن مصالح المجتمع الذي سيطبق عليه وتوقعات أفراده ومعتقداتهم.. لذلك تقول د. العريس: يجب أن تدعم قواعد حماية حقوق الإنسان وحرياته ولكن من منطلقات تتوافق مع آماله ومبادئه وعقائده، فيتحقق المرجو منها في عملية التجديد والتغيير والإصلاح لعدم وجود غربة بينها وبين من تطبق عليهم.. لذلك من المفيد في عملية الإصلاح أن تعمد هذه المجتمعات إلى تطوير قواعدها الخاصة بالحقوق والحريات بما يتناسب مع منظومتها الفكرية والإخلاقية والعقائدية..

تحدثت كذلك في هذه الجلسة د. منى حداد يكن عن: “الإصلاح من خلال مناهج التعليم”..

أعمال الجلسة الثانية

الجلسة الثانية عقدت تحت عنوان: “الحرية في مواجهة الآخر”، وترأسها د. طارق متري، وتحدث فيها في البداية د. يوسف كفروني عن: “المسلم في المنظور الغربي” حيث تساءل في البداية: هل يمكن الحديث عن المسلم كمفهوم مجرد؟ وهل يمكن لمثل هذا المفهوم أن يعبر عن المسلمين مهما اختلفت أو تباينت مذاهبهم وحركاتهم؟؟

وهل يمكن الحديث عن الغرب كمفهوم مجرد؟ وهل الغرب ككتلة واحدة لا تمايز ولا تناقض داخلها؟ مؤكداً أن مصلحة دعاة الصدام الحضاري التبسيط والتعميم من خلال ثنائيات يجري تصويرها كثنائيات متناقضة.. أما بخصوص الصورة النمطية السلبية عن المسلم في الغرب اليوم فقد عزاها الباحث إلى جهود قوى اليمين الغربي المتطرف خاصة في أمريكا ومصالح الحركة الصهيونية التي من مصلحتها التصادم بين المسلمين والمسيحيين، بالإضافة إلى عدم إغفال قوى التطرف الإسلامي التي لا تخدم في نظر الباحث لا العروبة ولا الإسلام.. وقد تتبع الباحث تشكل الصورة النمطية تاريخياً منذ بداية الاصطدام الأولى بين الإسلام والعالم المسيحي، وتطور النظرة الدينية المسيحية إلى الإسلام، ومساهمة الاستشراق في تشكيل هذه الصورة، مروراً بما تحتويه الكتب المدرسية من أوصاف وتشويهات للعرب وللمسلمين وحضارتهم، ومساهمة وسائل الإعلام الغربية كذلك.. ليخلص إلى أن السياسة الأمريكية تعزز التصادم مع الإسلام وتدفع المعتدلين من المسلمين إلى دائرة التطرف والعنف.. داعياً في الأخير إلى فتح باب الحوار واحترام الآخر وقبوله دون شروط..

الورقة الثانية في هذه الجلسة قدمها د. عبد الغني عماد (أستاذ علم اجتماع المعرفة في الجامعة اللبنانية) بعنوان: “الغرب في منظور المسلمين” في البداية أشار الباحث إلى أن المقاربة الإسلامية للغرب لم تحظ سوى بالقليل من اهتمام الباحثين، خلافاً لما نالته المقاربة الغربية للإسلام، وعلى افتراض إمكانية الحديث عن مقاربة إسلامية للغرب يتساءل الباحث عماد: أي غرب هو المقصود بهذه المقاربة؟ ثم هل يجوز الحديث عن مقاربة إسلامية واحدة أم أن الأمر ينطوي على مقاربات وخطابات إسلامية متعددة؟؟

وللإجابة عن هذه الأسئلة ركز الباحث على تطور نظرة المسلمين تجاه أوروبا منطلقاً من بدايات تكون الصورة المعرفية خلال القرون الوسطى ومرحلة الحروب الصليبية، لينتقل بعدها إلى الصدمة الحديثة مع الاستعمار الغربي، حيث بدأ الاحتكاك المباشر وصولاً إلى المرحلة المعاصرة، مشيراً إلى الإشكالية التي نجمت عن هذا الصدام والاحتكاك، يقول الباحث: دشن العرب يقظتهم الحديثة أوائل القرن 19 الميلادي بإشكال حضاري لايزال يفرض نفسه حتى اليوم، فحضور الغرب في مشاريعنا المستقبلية حضور مزدوج، نحن نستحضره كخصم ونخشاه وفي الوقت ذاته كمثال ونموذج يفرض علينا الاقتداء به بشكل من الأشكال على الأقل في مجال العلم والتكنولوجيا.. وهذه الإشكالية لاتزال تهيمن على الخطاب العربي.. لذلك يطالب الباحث بضرورة الخروج من هذه الثنائيات، دون ذوبان واستتباع أو انفلات وتحجر، إن موقف رفض الهيمنة -كما يقول- والكشف عن آليات التبعية وتشديد الصراع ضدها، هو الأرضية التي دونها لن يكون بمقدورنا بناء دفاعات فعالة، لكن هذا وحده غير كافٍ للمشاركة الإيجابية في الحضارة..كما إذا بقينا مهجوسين بالدفاع والممانعة والاحتجاج والرفض، متناسين واقعنا، غافلين عن تخلفنا، مبهورين بسحر الثقافة المسيطرة، مفجوعين بفقدان الغلبة، لن ننجح في بناء المستقبل، ولا في صد موجات الغرب المعولم..

الورقة الثالثة في هذه الجلسة قدمها رفعت سيد أحمد (المدير العام لمركز يافا للدراسات والأبحاث في القاهرة) بعنوان: “الغرب في منظور المسلمين: حوار أم صدام” في البداية انتقد الباحث بشدة ما يقوم به الغرب الاستعماري من مجازر في حق بعض الشعوب الإسلامية، مشيراً إلى ضرورة التمييز وعدم اختزال الغرب في الولايات المتحدة الأمريكية، لأن هناك غرباً آخر متمثلاً في المجتمع المدني الغربي يقف إلى جانب الحقوق العربية، وينتقد الوجه القبيح للغرب، انتقل بعدها للإجابة عن سؤال وضعه: لماذا الحوار؟ خصوصاً في ضوء المشاكل العالمية الراهنة والأوضاع الملتهبة التي تفرض ضرورة الرجوع إلى الحوار وتفعيله، ثم استعرض بعد ذلك أهم وأبرز التحديات التي تعرقل قيام حوار إيجابي بين العالم الإسلامي والغرب والمتمثلة في القضية الفلسطينية والأزمة العراقية الحالية، وغياب التفهم الكامل للثقافة العربية والإسلامية، ثم قدم في الأخير تصوره لشروط الحوار الإيجابي والناجح ومستقبل هذا الحوار، أول هذه الشروط تحديد المقصود بالحوار ثم الانطلاق من حقيقة وجود مصالح مشتركة، وأن يعالج هذا الحوار الملفات الساخنة في المنطقة، وضرورة أن يكون الحوار بالأساس بين منظمات وهيئات المجتمع المدني وصولاً إلى حوار مركب مع الأنظمة والحكومات، وأخيراً، ضرورة أن يحدد سقف زمني للحوار بين الثقافات في عالمنا العربي - الإسلامي وبين الغرب..

ومن المتحدثين في هذه الجلسة كذلك، د. وجيه فانوس وأحمد علي مهتدي، اللذان تحدثا عن الحرية والغرب في رؤية الإمام موسى الصدر..

أعمال الجلسة الثالثة

انطلقت أعمال الجلسة الثالثة التي ترأسها القاضي الشيخ محمد دالي بلطة بورقة الأستاذ محمد السماك الذي تحدث عن: “الحرية في الاجتهاد الفقهي” منطلقاً من تحديد مفهوم الحرية في الإسلام للتأكيد على تجذرها في العقيدة الإسلامية، متسائلاً عن الفرق بين الحرية الدينية وحرية الاعتقاد وبين حرية الاعتقاد وحرية التفكير؟ أما بخصوص الاجتهاد الفقهي فقد أكد الباحث أنه يرتكز على فهم النص هذا الفهم الذي يتسم بصفات ثلاثة متعاكسة تماماً هي: أولاً: الإنسانية، بمعنى أنه فهم إنساني. ثانياً: النسبية، بمعنى أن الفهم الإنساني للنص الإلهي مطلق المعرفة هو فهم نسبي المعرفة. ثالثاً: التغييرية، بمعنى أن نسبية الفهم الإنساني غير المقدس لنص إلهي مقدس ومطلق المعرفة، تحتم مراجعة دائمة لهذا الفهم في ضوء المتغيرات التي تطرأ على الحياة الإنسانية وما يتكشف للإنسان من آيات ربه في نفسه وفي الكون من حوله..

أما بخصوص موقعية الحرية في الاجتهاد فإن الاجتهاد من حيث هو إيمان بالوحي وإعمال للعقل في الوقت نفسه، رافق الفكر الإسلامي منذ نشأته الأولى. وهو يحاول أن يشق طريقه اليوم بين السلفية والتجديد، وبين الماضوية والحداثة، وبين الأصالة والمعاصرة.. مؤكداً أن عملية التفكير والتدبر تقوم على الحرية. وبالتالي فإن الاجتهاد ما كان ليكون من دون حرية فكرية تمكن المجتهد من مواءمة الواقع على النص..

الورقة الثانية في هذه الجلسة قدمها الشيخ شفيق جرادي تحت عنوان: “اتجاهات في مسار تجديد الخطاب الديني”، يرى الشيخ جرادة أنه إذا كان الغرب قد مر بمرحلة من الصراع الحاد مع التقليدية الرسمية للمؤسسة الكنسية عبرت عنه استراتيجيات الإصلاح الديني الذي قامت به البروتستانتية معتمدة على الفصل بين الفرد والمؤسسة الدينية.. فهل على عالمنا العربي والإسلامي القيام بالإصلاح نفسه في خلع التقليدية الرسمية للخطاب الديني؟

مؤكداً أن تحقيق الإصلاح والتجديد لا يتم إلا ضمن إطار مرجعي خاص، وأن الضرورة التاريخية أو الحضارية إنما تعكس مستوى الحاجة إلى ذلك الإصلاح والتجدد.. ثم إن النموذج الغربي المذكور يؤكد على أن التجدد يحتاج لرفع الوصاية، والتوفر على الاستقلالية والابتكار وبذل كل جهد ذاتي مبدع.. أما أن يكون التجديد والإصلاح بانتقاء صورة حضارية ما والتقيد بها فهو -في نظر الشيخ جرادة- انتقال من سكونية جامدة إلى سجن من التبعية السلبية الخانقة والمعدمة.. وفي الأخير أكد على ضرورة أن يستعيد النص حركيته أمام الجمود الذي انتجته بعض المقولات الكلامية والفلسفية والتفسيرية والفقهية.. واستعادة مثل هذه الحيوية تقتضي عودة اللحمة بين العقل بما هو تدبر وخبرة وبين العمل بما هو اجتهاد في البناء وجهاد في التحرير..

الورقة الأخيرة قدمها الدكتور حسين رحال بعنوان: “ملامح التجديد عند السيد الصدر: إمام التواصل” حيث أشار إلى غياب الاهتمام بالجوانب التجديدية في شخصية الإمام الصدر، خصوصاً الجانب الذي تميز به وهو خاصية التواصل التي تجسدت في مشروعه الإصلاحي في لبنان، مؤكداً أن الإمام الصدر من القلائل الذين لم يتورطوا في الانقطاع الفكري عن لحظة الوعي النهضوي الحديثة.. كما تجاوز المستوى الطوباوي للطروحات الفكرية والسياسية الذي انحصرت فيه مساهمات أغلب التيارات الإسلامية المعاصرة..