المثقف ليس مقطوعاً عن المجتمع ، فهو يعيش في محيط إجتماعي متعدد الدوائر، فمن دائرة الأسرة إلى دائرة الزمالة، ودائرة العمل والجيرة وغيرها. وفي كل هذه الدوائر يرتبط المثقف بمسؤولية اجتماعية.
وهذا يتطلب أن يكون المثقف صاحب وعي مجتمعي، فلا يكفي أن تكون ثقافته منغلقة على نفسه، أو يعيش في برج عاجي، أو ينمي ملكاته الفكرية من أجل أن يترفع عن الناس الذين حوله.
فالواجب من المثقف أن يصبح له دور تجاه أسرته وعائلته والاصدقاء والجيران والمجتمع بوجه عام، كالمحافظة على البيئة، والعلاقات الحسنة، والتقاليد الحميدة، والوعي بالمشكلات المجتمعية..
ومشكلة الفجوة بين المثقف والمجتمع ناتجة من عدم وجود الجسر الذي يربط شريحة المثقفين بالناس العاديين، فالانسان العادي لا يستطيع أن يصل إلى خطاب المثقف ويفهمه بوضوح، فيحصل عنده نوع من رد الفعل قد يعكسه بالانعزالية عن المثقفين.. والمثقف بدوره يبحث عن من يناسبه في درجة الوعي والثقافة، وهذا يجعل من المثقفين اشبه بطبقة منغلقة على نفسها، وشبه معزولة.. ذات الحالة قد يعيشها الناس العاديون حيث ينظرون إلى المثقفين على أنهم ذوو خطاب غير مفهوم،والنتيجة حالة من الانعزالية يخلقها المثقف والمجتمع لنفسه.. فما قيمة المثقف إذا لم يمارس دوره في المجتمع ، وأي تأثير له إذا لم يتمكن أن يوصل كلامه للناس بطريقة مفهومة.
وكيف نستطيع توعية المجتمع وبالذات الطبقات الضعيفة التي هي بأمس الحاجة إلى الوعي لبناء المجتمع المدني ؟
وتتضاعف مسؤولية المثقف في بعض المجتمعات العربية ذات البنى التقليدية.. وفي مقدمة الشرائح الاجتماعية التي بحاجة إلى رعاية من المثقفين شريحة الشباب حيث الاغلبية منهم طاقات غير مهدفة في الوقت الذي نجد عندهم رغبة في المشاركة، ومن الضروري أن يتعلموا ويعلموا ويوجهوا إلى مشروعات الخدمة الاجتماعية لتجنيبهم من الانحراف كإدمان وتعاطي المخدرات وغيره وغيره.
أما عن علاقة التعليم بدور المثقف في المجتمع. فالتعليم ذاته عليه إشكاليات اساسية تجعله في احيان كثيرة لا يصل إلى اهدافه البعيدة، لأنه في الغالب يعتمد على التلقين ولا يخلق عقلية مفكرة، يلقنك بعض المعلومات من غير أن يعلمك.
فالتعليم شيء والثقافة شيء آخر، يمكن لانسان أن يصل إلى درجة عالية من التعليم من غير أن يكون صاحب رأي وتحليل في المجتمع. ويمكن لانسان آخر ان يثقف نفسه ويحصل على المعلومة حتى يصبح عنده تراكم معرفي فيصبح مثقف..
قد يكون المتعلم قادر في المجال الذي تخصص فيه من غير أن تكون لديه ثقافة..
فالقضية كيف يكون المتعلم مثقف، والأهم أن يتحول التعليم إلى محرك للمثقف وغيره باتجاه المشاركة الاجتماعية.
* أستاذة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة .