المثقف هو ذلك الذي بات يعشق الفكر والثقافة ليرتفع بها من الهموم الدنيا الذاتية إلى الهموم العليا للأمة والمجتمع ، وبهذا أصبح لا يخضع لسيادة الاعراف والتقاليد بقدر ما يستجيب ويتفاعل مع الفكر والثقافة الحرة, فما عاد يرضى بهامش من المشاركة الاجتماعية، بل صار يطمح أن يكون له رأي في صناعة القرار الذي يرتبط بمصير مجتمعه وأمته فضلاً عن مصيره، رافضاً بذلك المسيرة العمياء للأمة التي اما يتحكم في مصيرها نهج الأقلية ليصادر بذلك ارادة الأمة وحقوقها. فهو دائماً يعيش التقييم والنقد لمسيرة الأمة من دافع الطموح والتطوير، وحينما يريد أن يشخص في معالجاته لمشاكل الأمة يرتفع من التشخصيات والنظرات السطحية والجزئية إلى جوهريات وكليات القضايا.
وعن الطبيعة السيكيولوجية للمثقف التي بمعرفتها نكون قد عرفنا قدراته وامكاناته الفردية والجماعية ومن ثم نستطيع تحديد وظائفه وإدواره.
ولكن ماذا عن طبيعة العلاقة بين المثقف والمجتمع ؟
أولاً : لا بد أن نعرف أن المثقف إنما هو وليد تحولات اجتماعية نتيجة للحركة التصاعدية في مسيرة المجتمع المرئية.
وهذا بدوره مؤشراً لوضع وحالة جديدة يعيشها المجتمع على مستوى التركيبة الاجتماعية والبنى الاقتصادية والحركة الثقافية والمساحة السكانية والديمغرافية، مما يعني على مستوى الفعل الاجتماعي الحاجة للارتقاء بالمناهج والوسائل التغييرية بل والخطاب التغييري، لتبدأ مسيرة جديدة من النمو والتطور الاجتماعيين يكون روادها أصحاب الفكر والثقافة.
وذلك بناء على طبيعة الأدوار التي تتطلبها هذه المرحلة من سلم التطور الاجتماعي، حيث الحاجة إلى العقول والكفاءات العلمية والفكرية، لتأسيس البنى التحتية للمجتمع المدني من جهة، ولتطوير وتأكيد صيغ المشاركة الشعبية في مجمل الحركة الاجتماعية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً و.. الخ من جهة أخرى فالدور الأول يمثل في الممارسة الرسمية للمثقف والدور الثاني يتمثل في الممارسة الأهلية للمثقف.
وكلاهما دوران مكملان لبعضهما، لننتهي بذلك إلى أن المثقف ولد من مخاض مرحلة سالفة ليأتي ويدفع بالأمة إلى مرحلة أخرة متقدمة .
كل هذا لنؤكد أن المثقف هو ابن المجتمع كما هو رائده تحكمهما علاقة مزجية متداخلة كل يدفع باتجاه الآخر هذا على مستوى طبيعة العلاقة.
بيد أن علاقة المثقف بالمجتمع تأتي على شكل أنساق وخطوط متعددة تحددها علاقة التأثير والتأثر. فهناك علاقة المثقف بالوسط الجماهيري العام: والذي يعني عامة أبناء المجتمع والذي يبرز فيه المثقف في موقع التأثير والتوجيه، مما يعني الحاجة لالتصاق المثقف بالمجتمع كي يتسنى له اكتشاف هموم ومشاكل المجتمع كما والعمل على صياغة وتوجيه طموحاته وآماله وهنا تبرز اشكالية على مستوى هذه العلاقة والتي ناقشها بعض الباحثين، الا وهي الحالة النخبوية الانترواتية والانعزالية عن المجتمع ، والتي تؤدي إلى انشغال المثقف خلف همومه وآماله مبتعداً عن معايرة وفهم آمال مجتمعه، إن لم يكن متذمراً وناقماً على مجتمعه.
وهناك خط آخر وهو علاقة المثقف الرسمية أي بالسلطة. وهذه العلاقة تحددها ضوابط وقوانين تضعها السلطة مما قد تعيق من طموحات المثقف التغييرية إن لم توقفها لأنه في هذه العلاقة إنما يعتبر مجرد موظف حكومي خاضع لقوانين الدولة، وبالتالي فإن الموجه والضابط الأخير لنشاط وعطاء وتفاعل المثقف الرسمي هي قوانين السلطة لا المثقف، فالسلطة هنا تبرز في موقع المؤثر لنشاط وعطاء المثقف.
وقد عالج هذه الاشكالية بعض الباحثين في كتبهم أما العلاقة التي تأتي على خط متوازي مع المثقف فهي علاقة المثقف مع بقية القوى الاجتماعية. ولعل من بين أهم هذه القوى هي علماء الدين فعلاقة المثقف بعلماء الدين كعلاقة أي قوة اجتماعية بنظيرتها أي علاقة التكامل والتنافس الشريف في آن معاً فينبغي أن يتجاوز حالات الصراع والتسقيط والتراشق ولعل أفضل قيمة ينبغي أن تحيا في وسط هذه العلاقة هي قيمة الحوار وتبادل الآراء التي بدورها ستؤول إلى تنضيج الأفكار وبلورة الرؤى وواقعية الطرح وفي أبسط النتائج إلى روح ودية تسامحية بين الأطراف وهذه العلاقة تحتاج إلى بحث أشمل.
هذه اطلالة سريعة على بحث يعد من أهم المواضيع حيوية في عصرنا الراهن لا أقله على مستوى الوطن العربي.
* رجل دين من المملكة العربية السعودية .