مؤتمر: المرأة والتقاليد
بالتعاون بين وزارة التعليم العالي وجامعة دمشق ودار إيتانا نُظّم في قاعة مركز رضا سعيد للمؤتمرات في جامعة دمشق مؤتمر: "المرأة والتقاليد" وذلك بين 13-15 تشرين الثاني 2005م. وقد حضر المؤتمر عدد من المفكرين والمهتمين بقضايا المرأة من علماء ورجال دين وقانونيين ومسؤولين سياسيين، من كلٍّ من سوريا والأردن، ليبيا، العراق، مصر، اليمن، البحرين، لبنان، إيران، الإمارات العربية المتحدة، أفغانستان.
وقد ناقشت الأوراق المقدمة عدداً من المحاور: دور النساء في صنع السلام، المرأة على مفترق الطرق بين القانون والتقاليد، استراتيجيات لتمكين المرأة، تعزيز وضع المرأة القانوني..
في الجلسة الافتتاحية أكد الدكتور هاني مرتضى وزير التعليم العالي: أن النساء في المنطقة والعالم يتابعن الكفاح بشكل يومي من أجل المساواة والعدالة الاجتماعية والتحرر من التقاليد البائدة والقوانين الجائرة التي تقيد حراكهن وطاقاتهن وإبداعهن، متحديات في ذلك كله الظروف الصعبة التي تقيد قدرتهن على أن يكنَّ أدوات تغيير في مجتمعاتهن.. وأضاف: إن النتائج الإيجابية لكفاح النساء لن تؤدي إلى تحررهن فحسب، بل ستحرر الرجال والطاقات التي ظلت محتجزة لزمن طويل، والتي ستساهم في التنمية المستدامة لأي مجتمع كان..
أما سفير كندا في دمشق برايان ديفيس فقد أشار إلى كون النساء أكثر عرضة للتأثر بالعنف والصراعات، وكيف أنهن بقين مهمشات بسبب القوانين والثقافات المحلية بالإضافة لغيابهن عن المؤسسات وخصوصاً السياسية التي تصدر عنها قرارات الصراع والحرب، مؤكداً أهمية ما سيتناوله المؤتمر من قضايا خصوصاً لجهة تسليط الضوء على خطورة إساءة استخدام القانون والدين والتقاليد لتهميش دور المرأة أو منعها من حقوقها. من جهته أكد مدير دار إيتانا الأستاذ معن عبدالسلام أهمية عقد هذا المؤتمر وما يعالجه من قضايا لمساعدة المرأة على أن تأخذ مكانها اللائق بها داخل المجتمع ولتساهم إلى جانب الرجل في التنمية المستدامة..
انطلقت بعد ذلك أعمال المؤتمر بالجلسة الأولى التي ترأستها السيدة محاسن الإمام رئيسة مركز الإعلاميات العربيات لمناقشة محور: دور النساء في صنع السلام، وقد تحدثت في البداية الدكتورة بثينة شعبان وزيرة المغتربين عن: المرأة والدين وثقافة السلام، فأكدت أن ما حققته المرأة في التاريخ الإسلامي هو مفخرة للجميع، لذلك لابد من إعادة النظر في فهمنا لتاريخنا وتراثنا وتعريف الغرب به ولتقديمه لمجتمعاتنا بالشكل المطلوب، كما دعت إلى ضرورة العمل على تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة. كما أشارت د. شعبان إلى أن المرأة كانت ولا تزال سنداً أساسياً لثقافة السلام ومواجهة الحروب، وتقف إلى جانب الحق والعدالة الإنسانية، وأنها في سورية تشارك في جميع المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية..
تحدثت كذلك د. معصومة ابتكار نائب رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية السابق عن: "النساء لاعبات هامات في السلام والتنمية المستدامة"، فأشارت إلى الصعوبات والتحديات التي تواجه المرأة وخصوصاً لجهة موقفها من قضايا السلام والعنف لأنهما يؤثران عليها، مع أنها بإمكانها أن تلعب دوراً مهماً ومحورياً في حل النزاعات والخلافات بين الشعوب، لكن المرأة بحاجة إلى أخذ مكانها الكامل داخل المجتمع لتقوم بدورها هذا ولتساهم في التنمية كذلك. من جهتها اعتبرت سلمى جيو مستشارة الرئيس العراقي لشؤون المرأة في ورقتها تحت عنوان: استراتيجيات لزيادة مشاركة المرأة الفعّالة في الساحات السياسية والاجتماعية، أن مشاركة المرأة في جميع المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية أصبحت ضرورة وعنواناً للتقدم والرقي الحضاري.
وقد تتابعت فعاليات المؤتمر لمدة ثلاثة أيام قدمت فيها مجموعة من الأوراق منها: ورقة المحامية السورية دعد موسى بعنوان: "التمييز ضد المرأة في قانون العقوبات السوري" حيث أكدت أن قانون العقوبات السوري رغم أنه يساوي بين الجنسين إلا أنه لا يتضمن ما يشير إلى تجريم كافة أشكال العنف ضد المرأة، مقدمة أمثلة على ذلك مثل: الجنح المخلة بالآداب الأسرية مثل الزنا والسفاح والاعتداء على العرض، والحض على ممارسة الفجور والدعارة، وموضوع الأعذار المخففة، ووسائل منع الحمل والإجهاض... الخ، مقترحة في الأخير ضرورة إدخال بعض التعديلات المتعلقة بالزواج خارج إطار المحكمة، والمواد المتعلقة بجرم السفاح، وإلغاء المواد المتعلقة بوسائط منع الحمل. كما دعت إلى إصدار تشريعات جديدة لمعاقبة العنف ضد النساء بكافة أشكاله وخصوصاً العنف المنزلي، وضرورة إنشاء مراكز لحماية ضحايا هذا العنف..
أما الأرشمندريت أنطون مصلح النائب القضائي لبطركية الروم الكاثوليك في دمشق فقد قدم ورقة بعنوان: "المرأة وقانون الأحوال الشخصية" أكد فيها أن الدستور السوري ينص على مساواة المواطنين أمام القانون في الحقوق والواجبات، لكن هذه المساواة تصطدم ببعض العقبات الناشئة عن مصادره العثمانية التي تتبنى مفاهيم الثقافة الذكورية، مطالباً بأن تحال المراسيم والتشريعات المتعلقة بالخطوبة والزواج إلى المرجعيات الدينية كل حسب الديانة التي يعتنقها، مؤكداً أن الدستور يجمع لكن القانون يفرّق، مطالباً بإنشاء محكمة خاصة بشؤون الأسرة..
من جهتها قدمت الباحثة نهاد أبو القمصان رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة ورقة بعنوان: "المرأة العربية بين المد والجزر" أكدت فيها وجود النص على المساواة في أغلب الدساتير العربية، لكن القوانين العربية لاتزال تنطوي على التمييز في بنيتها التشريعية، من ذلك قوانين الجنسية والمواطنة التي تعكس في نظرها فكر القبيلة وليس الدولة، من قبيل عدم السماح لها بالزواج من خارج القبيلة، وهنا يظهر التمييز واضحاً، وقد طالبت أبو القمصان لمعرفة أسباب هذا التمييز بمعرفة السياق العام والبيئة السياسية والثقافية في العالم العربي. منتقدة الأسباب التي تعوق تطور المرأة مثل: التحالف الخفي بين القوى السياسية وقوى الإسلام السياسي، وانتشار الفكر المتشدد. وقد أنهت ورقتها بالدعوة إلى تفعيل الحركة النسوية للدفاع عن المرأة وحقوقها وإيجاد تشريعات بديلة والعمل على إنشاء ببلوغرافيا لكل القوانين والتشريعات التي تشكل انتهاكاً ضد المرأة.
وقد أنهى المؤتمر أعماله بإصدار مجموعة من التوصيات نذكر منها:
1- نشر وثائق الأمم المتحدة المتعلقة بدور النساء في صنع السلام، والقانون الدولي الإنساني المتعلق بمعاملة النساء أثناء الحروب والنزاعات المسلحة، وتدريب المنظمات الإنسانية على هذه القوانين.
2- تعديل قوانين الأحوال الشخصية العربية وكافة المواد التمييزية وجعلها تنسجم مع المواثيق الدولية، بالتعاون مع علماء الشريعة الإسلامية المتنورين ورجال القانون ومحاولة الاجتهاد في الأمور المستجدة مع مراعاة لغة العصر ومكانه وزمانه.
3- تعديل قوانين العقوبات وبخاصة القوانين التي تمنح الجاني العذر في جرائم القتل بدافع الشرف، وإيجاد نصوص قانونية تحمي النساء من العنف المنزلي.
4- توحيد قوانين الأحوال الشخصية في الدولة الواحدة لتشمل كافة الطوائف على أساس مدني.
5- العمل على إيجاد قانون أسرة مدني اختياري ومحاكم مدنية للأسرة.
6- إيجاد مراكز استماع وإرشاد للنساء ضحايا العنف وتأمين أماكن إقامة آمنة لهن.
7- ضرورة تصديق الدول العربية على اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة >السيداو< والبروتوكول الاختياري ورفع تحفظات الدول الأخرى عن الاتفاقية، كي لا تُفرّغ الاتفاقية من مضمونها.
8- ضرورة مصادقة الدول العربية على نظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية لتعزيز تكاملية حماية حقوق الإنسان.
9- إشراك النساء في صياغة التشريعات العربية، الدساتير والقوانين وتفعيل دور البرلمانات العربية للقيام بدورها.
10- تدريب خطباء المساجد وإعادة تأهيلهم بما يتناسب مع طروحات الإسلام الصحيحة واحترام حقوق المرأة وقدسية الحقوق المدنية...
مؤتمر الناشر العربي: أزمة الكتاب العربي.. من الحرفة إلى المعرفة
بالتزامن مع انطلاق فعاليات معرض بيروت العربي - الدولي للكتاب، ومن أجل بحث قضايا القراءة والكتاب في العالم العربي، ولتسليط الضوء على مشاكل ضعف القراءة ومعوقات نشر الكتاب العربي وتوزيعه، ولمحاولة البحث عن وسائل تشجيع القراءة وتفعيل دورها في بناء المجتمع العربي المعاصر ونهضته، نظّمت دار الهادي للطباعة والنشر وديوان الكتاب للثقافة والنشر، بالتنسيق مع وزارة الثقافة ونقابة اتحاد الناشرين والنادي العربي، وتحت رعاية أمين عام جامعة الدول العربية، مؤتمر الناشر العربي، تحت عنوان "أزمة الكتاب العربي: من الحرفة إلى المعرفة". وذلك بين 11-12 كانون الأول (ديسمبر) 2005م.
قدمت في المؤتمر مجموعة من الأوراق، عالجت أربعة محاور هي:
1- دور القراءة في بناء ثقافة المجتمع العربي
2- الثقافة العربية: أزمة كتّاب أم أزمة كتاب
3- مشكلات النشر والتسويق
4- مستقبل الكتاب العربي في زمن التقتيات الحديثة.
في حفل الافتتاح ألقيت كلمات كل من المنسق العام للمؤتمر الشيخ فضل مخدر، والأستاذ صلاح عز الدين مدير عام دار الهادي، ود. طارق متري وزير الثقافة، والأستاذ محمد حسن إيراني رئيس نقابة اتحاد الناشرين، والأستاذ عصام عرقجي رئيس النادي الثقافي العربي، والسيدة أورسولا هولد من معرض فرانكفورت.
وقد أشارت مجمل الكلمات إلى مظاهر الأزمة التي يعاني منها الكتاب بشكل عام والعربي على وجه الخصوص، وعلى جميع المستويات، تأليفاً وطباعة ونشراً، ومدى تأثير العولمة على واقع الكتاب ومستقبله، وحالة الاغتراب التي بدأت تلوح في الأفق، مع ظهور وسائل جديدة للتعلم والقراءة وتخزين المعرفة وتداولها.
لمناقشة المحور الأول: دور القراءة في بناء ثقافة المجتمع العربي، انطلقت أعمال الجلسة الأولى بورقة للشيخ شفيق جرادي (مدير معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية في لبنان) تحت عنوان: "الهدفية وآفاق الوعي الثقافي العربي" رأى فيها -في البداية- أن الحديث عن هوية الكتاب العربي يضعنا لزوماً أمام نوعية الهوية التي يلتزمها الكتاب العربي في بلادنا. لذلك لابد قبل الحديث عن الهدفية التي يعكسها الكتاب العربي من الإجابة على سؤالين هما، الأول: ما هي الهوية؟ وهل هي حقيقة واحدة ثابتة ولا تقبل التعدد؟ أم أنها من الأمور الافتراضية التي يعود أمر بنائها إلينا وإلى جملة عوامل أخرى، السؤال الثاني: ما هو الفارق بين البحث في الهوية والبحث في التعبير عن الهوية؟
فمن خلال التعبير الذي يقدمه الكتاب العربي المنشور لاحظ الشيخ شفيق أن الأفق محصور بهدفية استهلاكية، وهذا ما يكشف عن طبيعة الهوية الاستهلاكية للمجتمعات العربية، فالموضوعات الأكثر رواجاً وانتشاراً تكاد تنحصر في كتب الطبخ والطب البديل وكتب السحر والتنجيم والأحلام، أما الكتب الوعظية والروحية والتاريخية فإنها -في نظره- تلعب على ذهنية الخوف والأمل بدل أن تزرع روح الإيجابية والبناء من خلال هذه الركائز الوعظية والروحية والتاريخية. أما بخصوص الكتب النخبوية فهي تكشف حجم امتهانها لفن الكلام على حد تعبيره. لأن مقتضى النخبوية اليوم إنما يتمثل بين حدين: إما إحياء لتراث أو ترويجاً لآخر مستجدات الموضة الفكرية في حواضر الحراك الفكري الغربي.
وفي الأخير طالب الشيخ شفيق جرادة بالخروج من هذا الواقع عن طريق رسم استراتيجيات فكرية، يأخذ فيها الكاتب كما الناشر والمسوّق والفنان ومؤسسات التوزيع أدوارهم بإقامة مشروع نهضوي يشجع الفكر الحر الخلّاق خارج إطار سلطة الرقابة الاستهلاكية أو الشعبية، ليندمج الكتاب أكثر مع العلاقة بشعبه وقضاياه وهمومه المستقبلية.
الورقة الثانية كانت لجورج خوري (فلسطين)، الذي تحدث عن: "رؤية ثقافة الجاليات العربية في أوروبا" أكد فيها في البداية أهمية الثقافة، فهي الأساس لأنها القلعة التي تقوم عليها نهضات الشعوب والأمم، أما الكتاب أو الناشر فهما الوسيط والوسيلة الأولى لنقل المعرفة إلى الآخر المهتم، ثم انتقل بعدها للحديث عن أسباب الهجرة المكثفة إلى أوروبا فأجملها في طلب الرزق بالنسبة للأغلبية أو طلب العلم، أو بحثاً عن الحرية والديموقراطية المفقودة في البلدان المهاجر منها، أما بالنسبة للطبقة المثقفة المهاجرة فرأى أنها استطاعت أن تتأقلم مع جوها الجديد لكنها تحتفظ بروابط مع أوطانها. وبخصوص الكتاب العربي أكد أنه غير متوافر بالشكل المطلوب بالإضافة إلى غلاء سعره، لكن هناك محاولات بدأت منذ أحداث سبتمبر لمد الجسور إلى الآخر ومحاولات التعرف على العالم العربي والإسلامي وما سيترتب عنها من الانفتاح أكثر على الكتاب العربي وجلبه إلى أوروبا، وقد ظهر ذلك في معرض فرانكفورت الدولي الذي بدأ يولي أهمية كبيرة للكتاب العربي.
الورقة الثالثة في هذه الجلسة قدمها الأستاذ سهيل مطر (لبنان) تحت عنوان: "المجتمع العربي بين ثقافة المعلومات وثقافة المعرفة" بدأها بالتوقف عند بعض المصطلحات مثل: المجتمع العربي، ثقافة المعلومات، ثقافة المعرفة. ثم تحدث عن الأمية فأكد أن أكثر من ربع البشر في العالم العربي في حالة أمية، وتزداد هذه النسبة أو تضعف بحسب المناطق. كما تحدث عن أمية تعدد اللغات فأشار إلى أن الواقع الإنساني يفرض علينا التعاطي مع هذه العولمة والاعتراف بكل ما تحتوي من إيجابيات وسلبيات، وهذا الاعتراف يفرض على صعيد اللغة: اتقان اللغة العربية وتحديثها، وإتقان عدة لغات أجنبية أو الإلمام بها، ولا سيما اللغات الأكثر استخداماً أو عولمة. أما بخصوص تنوع الوسائل الثقافية فأكد الباحث أنه ليس مقبولاً الحديث عن صراع بين الكتاب والإنترنت، أو بين الجريدة والتلفزيون. فكلها تلتقي عند هدف واحد إذا أحسن استعمالها والاستفادة منها، لأن مقياس الرقي هو بمقدار الاستفادة من هذه الوسائل جميعاً. كذلك تحدث عن أهمية الحرية في صنع الثقافة ليصل إلى الحديث عن أهمية الإنتاج المعرفي وهو العنصر الخامس الذي لا يمكن الوصول إليه الا باجتماع هذه العناصر الأربعة أي القراءة والكتابة وتعدد اللغات والوسائل الثقافية والحرية، ودون الوصول إلى إنتاج المعرفة فسنبقى مجرد مستهلكين دون إنتاج، نعيش على الهامش وعلى أبواب الآخرين. دون هذا العنصر -يقول الباحث-: تصح الشتيمة للغرب وللعولمة ولأنفسنا. ولكن مع إنتاج المعرفة، مع الإبداع، مع الصناعة، مع الفن، مع العقل الذي يولد ويبتكر، نضع أنفسنا أو نجد أنفسنا وسط ثقافة المعرفة. ثقافة المعلومات هي ثقافة الحفظ والذاكرة والتراث والنقل. أما ثقافة المعرفة فهي ثقافة النقد والإنتاج والتغيير.
وبعد مناقشة هذه الأوراق والاستراحة انطلقت أعمال الجلسة الثانية لمناقشة محور: الثقافة العربية: أزمة كتاب أم أزمة كتاب؟
ترأس هذه الجلسة العميد د. جوزيف لبكي (لبنان) وتحدّث فيها في البداية د. حسن حنفي (أستاذ الفلسفة جامعة القاهرة - مصر) عن الوعي الحضاري وأسباب العزوف عن القراءة معتبراً أنها الأسباب نفسها التي دفعت المجتمعات العربية للعزوف عن الانتخابات والحياة السياسية بشكل عام، داعياً إلى ضرورة أن تتحول دور النشر إلى مراكز للبحث العلمي بدل الاقتصار على مهمة طباعة الكتاب ونشره وتسويقة.
بعده تناول الكلمة رئيس مجلس شورى الدولة في لبنان القاضي الدكتور غالب غانم الذي قدم ورقة بعنوان: "التصدي لأزمة الثقافة: من الظاهر الثقافي إلى ما هو أبعد منه" حيث تحدث فيها مطولاً عما يقصده من "أبعد من الظاهر الثقافي" أي تجاوز الاحتفالي والمألوف والخداع من أثواب الثقافة، وصولاً إلى خمائرها وكنوزها وحصائلها الإنسانية، والنظر إليها من زاوية الصقل لا التبرج، والإبداع لا الاتِّباع، والتنوير لا الألعاب النارية.
وفي معرض تسليطه الضوء على ما شاع من الثقافة ومظاهرها، اعتبر أن من مظاهر الثقافة ومعانيها الشائعة: الثقافة العامة، والثقافة الجماهيرية، ومن مظاهرها العادات الفكرية المتراكمة وخضوع الثقافة لتنظيمات مهنية أو وظيفية. كما أشار إلى ما يسميه بالمظاهر العارضة. مؤكداً أن الثقافة الأبعد من الظاهر هي ثقافة الحق، ثقافة اللآلئ لا الطلاء، ثقافة الجوهر، الثقافة التي لا تنعت إلا بذاتها. وبعد حديثه عن علاقة الثقافة بالحياة والإنسان والحضارة والمعرفة والأبعاد الروحية والزمان والحرية. خلص إلى: أن الثقافة إذا شاعت شيوعاً لا أعماق فيه ضاعت هويتها، لا بل تعرضت هوية مجتمع بأكمله للضياع بين القوافل المتشابهة. وثقافة الأعماق تعكس الحالة الأكثر غنى وبهاء من وجدان الشعب، وشتان ما بين ثقافة العقل وثقافة النقل، ما بين الأعماق وثقافة الأبواق.
تحدث بعده الدكتور جعفر ميرغني من السودان عن "الخطاب الثقافي العربي بين الأصالة والتجديد" فأكد في البداية أن أزمة الثقافة العربية اليوم، أزمة خطاب أكثر منها أزمة كتاب وكتّاب، فالثقافة العربية اليوم تعيش على التقاليد في بابي المستحدث والموروث جميعاً، فلا عجب أن انحصر الناشر العربي في أسواق الأقاليم العربية وعاد يجاري سعة آليات الطباعة الحديثة ذات الكفاءة العالية بما يلقمها من الترجمات لسد العجز الناشئ عن التفاوت بين قدرة التشغيل وضآلة الرائج من الناتج العربي الأصيل. وأضاف: أن قضية البحث عن خطاب ثقافي جديد أصيل معولم ليست هي إشكالية الذهنية العربية وحدها، بل قضية الفكر العالمي أجمع.
وفي جوابه عن سؤال: كيف لنا بعولمة الخطاب الثقافي العربي؟ أكد أن الفتح الفكري ينشأ أبداً من تحدي المسلمات. والمهم ألَّا ننساق وراء الفكر الأوروبي دون تمحيص، وأن نستسلم لصواب ما يسقطه. والمسؤولية -في نظره- هنا على عاتق المفكرين أكبر منها أن تكون على عاتق الناشرين، وإن كان الناشر لا يفتأ يتصيد من بنات الفكر ما يمكنه السبق بنشره.
بعد المناقشة والاستراحة انطلقت أعمال الجلسة الثالثة لمناقشة محور: مشكلات التسويق.
ترأس هذه الجلسة المدير العام لوزارة الثقافة في لبنان الدكتور عمر حلبلب، وتحدث فيها في البداية الأستاذ أحمد ديين مدير دار قرطاس في الكويت عن >القيود القانونية والرقابية على الكتاب العربي< الذي أشار إلى حجم المعاناة التي يعانيها الكتاب العربي ومعه المؤلف والناشر والقارئ وضغط القيود القانونية والإجراءات الرقابية المشددة بل المتعسفة أحياناً، مستعرضاً أبرز سمات قوانين المطبوعات والنشر في البلاد العربية ومنها: تخلف هذه القوانين عن قيم العصر وثورة المعلومات، انطلاقها على خلاف المنطق والقواعد القانونية من مبدأ الحظر والمنع، الرقابة المسبقة على المطبوعات الصادرة داخل الدولة. تتضمن معظم قوانين المطبوعات والنشر في البلاد العربية عقوبات سالبة للحرية في جرائم الرأي، وتنص على غرامات مالية باهضة ومرهقة.تضمنها لعقوبات إدارية مشددة تتمثل في إلغاء التراخيص. تتعدد هذه القوانين ليتم التوسع في التهم ليشمل جرائم منصوص عليها في جرائم أخرى. وفرض عقوبات تبعية بالإضافة إلى العقوبات الأصلية.
أما بخصوص المستوى العملي في ممارسة الرقابة فقد رصد الباحث مجموعة من القيود التعسفية مثل: فرض الرقابة على الكتب الواردة من الخارج عن طريق البريد، وكذلك الكتب الشخصية برفقة المسافر القادم، تعدد جهات الرقابة، تأخير إجازة الكتب أسابيع بل أحياناً أشهراً طويلة، منع بعض الكتب بسبب جنسية صاحبها، منع بعض الكتب بسبب تفسير معين، الابتزاز السياسي، ومصادرة الكتب وملاحقة مؤلفيها، والتناقض في القرارات الرقابية، وأخيراً التوسع في ثالوث المحضورات: الدين، الجنس، السياسة، التوسع في حماية المقدسات الدينية بحيث تشمل هالة بعض الجماعات والأحزاب الدينية. وخلص الباحث في النهاية إلى أن هذه السلسلة من القيود القانونية والرقابية، لا تستهدف المؤلفين وحدهم، ولا يعاني منها الناشرون فحسب، وإنما هي موجهة بالأساس ضد القارئ العربي. ويجب التعامل مع الأمر على أنه أولاً جزء من معركة الدفاع عن الحقوق الديموقراطية والحريات العامة.
الدكتور حسن نجا (لبنان) تحدث عن: "التسويق: من الكماليات الى الضروريات" فعرض العناصر الأساسية للتسويق وحددها في: التعريف، السلعة، الخدمة، السعر، التوزيع، الترويج. وكذلك استعرض العناصرالديناميكية للتسويق ممثلة في: التخطيط التسويقي الاستراتيجي، التغييرات في المحيط، الأبحاث التسويقية، كما أشار إلى دوافع التسويق وحصرها بالمنافسة والتغيير في تصرفات الزبائن والتطور في تكنولوجيا المعلومات والتواصل.
من جهتها تحدثت الدكتورة آسيا موساي من الجزائر عن: "معضلات النشر وخلل التسويق: الجزائر نموذجاً" فتتبعت وضع الكتاب في الجزائر بعد الاستقلال وكيف انحصر انتشاره وتسويقه مع تراجع الدولة عن دعمه وتسويقه، حيث اختفت بعض المكتبات العامة، واختفاء شبكة التوزيع التابعة للمؤسسة الوطنية للكتاب. أما الوضع الآن فمنذ ما يقارب خمس سنوات عاد الكتاب إلى الواجهة، وبدأ النقاش العميق حوله من طرف المختصين والمحترفين. أما بخصوص عوائق النشر فقد رصدت الباحثة مجموعة منها: ارتفاع الدعم عن هذا النشاط من طرف الدولة، البنوك لا تعتبره بضاعة قابلة للرهن والحصول على قرض، عدم وجود فضاءات إعلامية للدعاية للكتب إلا بنسبة ضئيلة. أما أهم عائق فهو شح المخطوطات القابلة للنشر في الجزائر.
من جهتها تناولت السيدة كارستن شوستر من ألمانيا "حق الملكية وحقوق الطبع الدولية: العقد هو العقد" تحدثت فيها في البداية عن دار نشر (إس فيشر) الألمانية منذ البداية وإلى الآن، كما أكدت أهمية الترجمة الأدبية، لأنها جزء لا يتجزأ من التبادل الثقافي والحضاري بين الأمم، كما شددت على أهمية الحفاظ على حقوق الترجمة كي يستمر هذا العمل والنشاط الفكري.
انعقدت بعد ذلك الجلسة الرابعة لمناقشة محور: مستقبل الكتاب العربي في زمن التقنيات الحديثة. حيث ترأس الجلسة الدكتور فارس موسى مشاقبة من الأردن، وتحدث فيها في البداية الأستاذ حسين العودات من سوريا عن: "الكتاب وثورة الاتصال" فأشار إلى أن الكتاب تأثر بشكل عام بثورة الاتصال خصوصاً مع انتشار استخدام شبكة المعلومات العالمية الإنترنت، بالإضافة إلى خصوصيات عربية متمثلة في تأخر دخول المطبعة وارتفاع نسبة الأمية في البلدان العربية، وضعف القدرة الشرائية للمواطن العربي على اقتناء الكتب. وفي رصده للإيجابيات التي حصل عليها الكتاب في ظل ثورة الاتصال ذكر الباحث مجموعة منها: القدرة على نقل المخطوطات من قارة إلى قارة، الخدمات التي أصبحت في متناول المؤلف وقدرته على الوصول إلى مصادر المعلومات بسرعة وسهولة، الاستفادة من عمليات التخزين والحفظ والإرسال، مما خفف ضغط الرقابة على الكتاب العربي. أما السلبيات فقد ذكر أن الموسوعات الورقية وأمهات الكتب العامة والتاريخية والتراثية والشعرية وغيرها من ذات الحجم الكبير والكلفة العالية قد تأثرت سلباً، والخلاصة التي توصل إليها هي أن الكتاب الورقي تراجع في العالم كله وقد أثرت ثورة الاتصال سلباً على تداوله، لكن قد يستفيد منها، وقد يبقى حيًّا لكن في ظل منافسة قوية.
الدكتور رضوان السيد من لبنان تحدّث عن دور الكتاب في حوار الحضارات، ثم تلاه البروفسور الإيطالي أنطونيو بيتريللو بمداخلة عن دور الناشر والموزع في زمن صراع الحضارات.
ومع نهاية فعاليات المؤتمر تلا الدكتور رفيق عطوي التوصيات وهي:
1- التحول من الشكل إلى المضمون في الكتاب كصناعة، إلى الكتاب كمضمون معرفي يلبي حاجة المجتمع العربي.
2- إيجاد رؤية عامة للثقافة العربية من أجل التحول من النقل إلى الإبداع.
3- إيجاد هيئة مسؤولة من اتحاد الناشرين العرب لمنع تزوير الكتاب، وأداء حقوق المؤلفين.
4- رعاية الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية، وتشجيع التأليف العربي باللغات الأجنبية لتعريف الخارج بالثقافة العربية.
5- دعم وزارات الثقافة في الوطن العربي للناشر العربي على الصعيدين المادي والمعنوي.
6- تخطيط استراتيجية عصرية عولمية للمكتبة العربية، وذلك بالمساهمة الفاعلة في إنتاج الفكر المعاصر.
7- وضع خطة هادفة إلى تنشيط المطالعة الهادفة لدى الشباب.