شعار الموقع

الإسلام والإعلام الغربي

محمد بشاري 2006-11-09
عدد القراءات « 736 »

وتحديات ما بعد أحداث 11سبتمبر 2001

د. محمد بشاري*

قد يكون قطاع الإعلام اليوم، من بين أهم القطاعات الأكثر تأثراً بالأحداث التي ميزت مطلع القرن الميلادي الجديد، أي أحداث 11 سبتمبر 2001، على اعتبار أن تسويق التعليقات وردود الفعل على الحدث وخاصة تبعاته جاءت بالدرجة الأولى عبر القطاع الإعلامي، سواء كانت تلك الردود سياسية أو ثقافية أو أكاديمية.

من ناحية ثانية، علينا أن نتأمل جيداً الفرص الضائعة التي سقطت فجأة بيد صناع القرار الإعلامي في العالم العربي، ونخص بالذكر نموذج قناة «الجزيرة»، عندما أصبحت القناة ولمدة شهور عديدة مصدراً أساسياً عند العالم بأسره بخصوص تتبع مستجدات أحداث الحرب في أفغانستان، بحكم أن القناة كانت الوحيدة التي سمح لها بتغطية الحدث.

مثل هذه الفرصة تدفع بنا للتساؤل عن الخدمات التي يمكن أن تكون القناة قد قدمتها للعالم الإسلامي بخصوص تحسين صورة الإسلام والمسلمين في الغرب.

فطبيعي أن نكون نحن ممثلي الأقلية المسلمة في الغرب، من أهم المعنيين بتحسين هذه الصورة، خاصة بعد القلاقل التي أفرزها حدث 11 سبتمبر 2001 على الأقلية المسلمة في القارة الأوروبية وبالتحديد في القارة الأمريكية، إن لم نؤكد على أن الأحداث نسفت مجهودات عقود وسنوات من عمل أقليات وجدت نفسها بين ليلة وضحاها مضطرة لإعادة عمل مضني وطويل يقوم على إعادة بناء أسس علاقة سوية مع الجار الغربي في المسكن والعمل والشارع، ووجدت نفسها أيضاً مضطرة للدفاع عن نفسها من مجموعة من الاتهامات الجاهزة الصادرة عن بعض العقليات العنصرية أو العقليات التي كانت تنتظر فقط الذريعة من أجل تفريغ أسهم الحقد والبغض، ويكفينا في هذا الصدد الاستشهاد، على سبيل المثال لا الحصر بما نشرته «رولا خلف» محررة شؤون الشرق الأوسط في صحيفة «الفاينانشال تايمز» البريطانية في عدد 13 أكتوبر 2001، أي بعد حوالي شهر واحد فقط من الاعتداءات التي تعرضت لها نيويورك وواشنطن، عندما استشهدت بما جاء على لسان الخبير الفرنسي «أوليفر روي»: «لقد تحول الإرهاب الإسلامي الدولي من الإرهاب المدعوم من الدول أو العمليات التي استهدفت الداخل إلى إرهاب غير محدد الموقع، ويتجاوز الحدود عبر دول عديدة»، مضيفاً ما مفاده أن «مسلمي الغرب مرتع للإرهاب وهذا يشرح العامل الثالث وراء حادث يوم 11 سبتمبر؛ وهو أن المهاجرين العرب في الغرب أكثر من يفضلهم أسامة بن لادن للتجنيد في «القاعدة». يقول روي: «هذا من ناحية نتيجة للعولمة؛ فهؤلاء الناس يجابهون الواقع الذي يدفعهم للاندماج بالمجتمعات الجديدة. لكن قلة منهم ترفض ذلك. وتكون النتيجة خليطاً من تمرد إسلامي وعداء غربي تقليدي للنظام القائم». ويكون المجندون الذين يستقطبهم أسامة بن لادن لقضاياه السياسية من العمال المهاجرين والشباب الضائعين أو الشباب العربي المتحمس»، وهذا تصريح يتماشى مع ما جاء في العديد من وسائل الإعلام الغربية، ونستشهد هنا بما جاء في صحيفة «هيرالد تربيون» الأمريكية التي حملت راية الدعوة لتصحيح مواقف الحكومات الأوروبية تجاه اندماج اللاجئين المسلمين في داخل المجتمعات الأوروبية، ومنها المجتمع الهولندي، بدليل دخول الإعلام الهولندي في متاهة موضوعات لا يجرؤ أي إعلام أوروبي على الدخول فيها أو التصدي لها. فحسب بعض التحليلات فإن المهاجرين العرب والباكستانيين والأتراك يعتبرون الآن خطراً قومياً، وهو نفس ما أشار إليه أوليفيه روا كما أسلفنا من قبل.

لسنا في حاجة إلى أن نؤكد على أن ما تعرضت له العديد من المساجد والمراكز الإسلامية والمدارس الإسلامية من اعتداءات ومضايقات أدت بالكثير منها إلى التوقف عن النشاط إلى وقت غير معلوم. وقد مثلت هذه الضغوط عبئاً جديداً يضاف على كاهل القائمين على المراكز العربية والإسلامية والراغبين في فتح مراكز أخرى، خاصة إذا علمنا أن بعض المناطق يمنع المسلمون من بناء أي معلم لهم فيها يدل على هويتهم، بالإضافة إلى ذلك بعض العراقيل البيروقراطية التي تواجه المسلمين إذا ما تعلق الأمر ببناء مسجد أو مركز إسلامي، مثلما حدث منذ مدة عندما منع المسلمون في منطقة (وست هام) في بريطانيا من بناء مسجد على قطعة أرض كانوا قد اشتروها بحجة أن البلدية قررت تحويل الأرض إلى طريق. وقد نالت النساء والأطفال من هذه الفوضى حصة الأسد لأن النساء في هذا البلد هم في الأصل فريسة سهلة، وأخبار قتل واغتصاب واختفاء النساء تملأ صفحات المنابر الإعلامية الأوروبية، وقد كانت في تزايد مطرد وقد كانت هذه الأخبار لوحدها كافية لأن تقرر الكثير من النساء القعود في البيوت تجنباً للمشاكل فجاءت الحوادث الأخيرة لتزيد من معاناتهن.

المهم أننا لا نزعم أننا نختزل الخطوط العريضة لصورة الإسلام في وسائل الإعلام الغربي في مداخلة واحدة أو عرض موجز، خاصة وأنه سبق لنا أن أنجزنا هذه المهمة منذ مدة من خلال عمل من المنتظر أن يصدر لسوق النشر العربية عما قريب، ولو صح اختزال هذه الصورة في الإعلام الغربي لاختزلناها فيما أصبح يصطلح على تسميته بالإسلاموفوبيا، فالإسلام يعني بالنسبة لهم القسوة والوحشية، ويساهم في ذلك بعض المسلمين عن وعي أو غير وعي، كما في الأفلام التسجيلية التي تصور معاملة المرأة في أفغانستان التي تحكم باسم الإسلام، وكذلك المذابح التي تحدث في الجزائر وتُنسب إلى إسلاميين. ونستحضر هنا ما تحدث عنه الدكتور غانم جواد في بحث له يحمل عنوان: «من أكلاهوما إلى محمد الدرة: صورة الإسلام في الإعلام الغربي - بريطانيا نموذجًا» حيث أكد على أن الاتجاه المعادي للإسلام في الإعلام الغربي قد رصدته الكثير من الدراسات منذ عام 1970 حين بدأ هذا الاتجاه في النمو عقب الحرب الإسرائيلية العربية عام 1967، وحرب أكتوبر 1973، والحظر النفطي، واندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، والثورة الإسلامية الإيرانية، وما واكبها من أزمة الرهائن والكساد الاقتصادي في بداية الثمانينات، والجهاد الإسلامي ضد السوفييت، وحربي الخليج الأولى والثانية. مضيفاً أن الروايات الشعبية والأفلام السينمائية والصور الصحافية والكاريكاتورية بدأت تصور المسلمين على أنهم إرهابيون ومتوحشون، وفاسدون، وقد ساعد أيضًا على زيادة مخاوف الغرب من المسلمين تزايد الهجرة الواسعة من العالم الإسلامي إلى أوروبا، وما واكبها من أزمة البطالة، واتساع نطاق الجريمة، وانتعاش تجارة المخدرات وغير ذلك، وهو ما فسره الغربيون بزيادة أعداد المهاجرين من دول الجنوب إلى الشمال.

من ناحية ثانية، لا بد لنا من استعراض الخطوط العريضة لهذه الصورة في الفترة التي جاءت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، كما أشرنا إلى ذلك في معرض مداخلة لنا أمام البرلمان الأوروبي يوم 17 أبريل 2002، وذلك على هامش اعتراف البرلمان الأوروبي بـ«المؤتمر الإسلامي الأوروبي» كمنظمة غير حكومية، في سابقة من نوعها تهم منظمة إسلامية، يأبى هذا البرلمان إلا أن يقر بشرعيتها، حيث أشرنا إلى أن الأصوات الأوروبية المسؤولة، سواء كانت محسوبة على الحقل السياسي أو الثقافي أو الديني أو الإعلامي وغيره، انقسمت فيما يخص التعامل مع الوجود الإسلامي في القارة الأوروبية على فرعين أساسين:

- منحى تبنى خط التعقل والحكمة في تحليل أسباب الاعتداءات التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية أولاً، ولم يتردد في الإقرار بتبرئة الإسلام من مثل هذه الممارسات، وكذلك الحال مع الديانات الأخرى، ثم، وهذا هو الأهم، تبنى الدفاع عن تبرئة طبيعة الإسلام المعتدل الذي يطغى على ممارسات مسلمي القارة الاوروبية من مجرد التفكير في مثل هذه الأعمال الإرهابية، وإن كانت ممارسات هذه الأقلية تؤكد على ذلك بالفعل، سواء تعلق الأمر بالفترة التي تسبق تاريخ هذا الحدث (أي 11 سبتمبر) أو بعده.

- منحى تبنى خلط أوراق ممارسات الإسلام المعتدل الذي تتبناه الأقلية المسلمة مع بعض الممارسات الشاذة والمتطرفة والتي نجدها بالمناسبة في جميع الديانات والإيديولوجيات، وما نأسف له، أن هذا التيار وجد أصداء مدوية في العديد من وسائل الإعلام الأوروبية المسؤولة، ولأنه لا يسعنا استعراض مجمل الأصوات العنصرية والحاقدة التي تبنت هذا الطرح الشاذ، فإننا نكتفي باستعراض بعض النماذج العابرة فقط، ولكنها نماذج معبرة بحق عن مدى خطورة خلط الأوراق في صالح عام لا يخدم بالضرورة مستقبل اندماج هذه الأقليات في الفضاء الأوروبي الرحب، ونؤكد أنه حقًّا فضاء أوروبي رحب، لأنه ثبت للجميع، ومباشرة بعد الاعتداءات التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية أن الوجود الإسلامي في أوروبا عموماً لم يتأثر كثيراً كما حصل مع الوجود الإسلامي في القارة الأمريكية، وهذه خلاصة لا يسعها إلا أن ترسخ من تفعيل وتيرة الاندماج المرجو من قبل المسؤولين الأوروبيين من جهة، وكذا من قبل الأقلية المسلمة من جهة ثانية.

ولنتذكر جيداً أحد أهم الشهادات التي جاءت على لسان المسؤولين الغربيين، أي سيلفيو برلسكوني، والتي كانت مناسبة لأن نطلع على ما تكنه بعض العقليات الفكرية الغربية نحو الإسلام والمسلمين، ونستشهد على الخصوص بالتصريحات العنصرية والمليئة بالحقد الصادرة في صحيفة «كوريري دي لاسيرا» الإيطالية الشهيرة على لسان الكاتبة والصحافية الإيطالية أوريانا فالاسي في رسالة مطولة أكدت فيها من خلال منطقها المغلوط أننا نعيش «حرباً صليبية قائمة بالفعل»، «إنكم لا تفهمون ولا تريدون أن تفهموا بأن هناك حرباً دينية قائمة» تضيف أوريانا فلاسي «حرباً يسمونها جهاداً، حرباً لا تريد أن تغزوا أراضينا بل أرواحنا، حرباً تريد القضاء على حريتنا وعلى حضارتنا، وتريد أن تغيّر طريقة عيشنا وموتنا، طريقة أكلنا وشربنا ولبسنا وتعلمنا. لا تفهمون ولا تريدون أن تفهموا بأننا إذا لم نقاوم ولم ندافع عن أنفسنا ولم نحارب فإن الجهاد سينتصر وسيدمر العالم الذي بنيناه، وغيرناه وطورناه وجعلناه أكثر تسامحا، وسيدمر قيمنا ولذاتنا. ألا تفهمون أن أمثال أسامة بن لادن يستحلون قتلكم وقتل أولادكم لأنكم تشربون الخمر أو الجعة، لأنكم لا تطلقون اللحية ولا تلبسون النقاب، لأنكم تذهبون إلى المسرح والسينما، لأنكم تنصتون إلى الموسيقى وتغنون الأغاني، لأنكم ترقصون في الملاهي أو في بيوتكم، لأنكم تشاهدون التلفزة، وتلبسون السراويل القصيرة، لأنكم تتعرون كليا أو جزئياً في المسبح أو الشاطئ، لأنكم تمارسون الجنس مع من تحبون، أين تحبون، ومتى تحبون».

عندما تصف أوريانا فالاسي مساجد ميلانو وروما أنها أصبحت «تعج بالأوغاد من أنصار أسامة بن لادن»، فإن مثل هذه التصريحات تخلف بالضرورة أصداء في الشارع سواء الإيطالي أو الأوروبي، ونستشهد على ذلك بمضمون استطلاع أجرته صحيفة «ذي أوبزرفر» البريطانية صدر في 25 نوفمبر 2001، جاء فيه أن غالبية البريطانيين يطالبون بطرد المسلمين الذين يدعمون في بريطانيا أسامة ابن لادن، وبالمناسبة، أشار الاستطلاع نفسه إلى تدهور العلاقات بين الإثنيات في بريطانيا منذ أحداث 11 سبتمبر، حيث أكد ذلك 36 في المائة من الأشخاص الذين شاركوا في الاستطلاع، مقابل نسبة 21 في المائة ظهرت في دراسة سابقة أجريت قبل الاعتداءات.

لا نشك مطلقاً أن الوجود الإسلامي المعتدل والمندمج سيضايق أوريانا فالاسي، ما دامت هذه الأخيرة تنطلق في تصريحاتها من خلفيات مليئة بالحقد والعنصرية والتطرف، والدليل هو اعترافها بكره الأجانب العرب والمسلمين، وتأكيدها على عدم تحمل موجة من المهاجرين الذين يريدون بطريقة أو بأخرى أن يغيروا نظامنا في الحياة وقيمنا. إنني أقول إنه ليس عندنا مكان للمؤذنين، للصوامع، ولعقليتهم القروسطوية ولحجابهم، ولو كان عندنا مكان لهم، فإني لن أعطيه لهم.

كتَّاب آخرون، وفي معرض ربط الإسلام كدين جاء رحمة للعالمين، كما نقرأ في إحدى الآيات القرآنية؛ بالإرهاب، نجدهم يستشهدون ببعض الآيات القرآنية التي تذكي هذا الاتهام غير المقبول، ومنها الآية {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ}، ولا داعي لأن نستفسر من هؤلاء عن عدم الاستشهاد بالآية الكريمة التي ترد على هذه الأباطيل والتي يقول فيها الله عز وجل: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، أو بالآية {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء}، وآيات أخرى ونصوص نبوية صحيحة وصريحة تفند هذه المزاعم والمغالطات.

من ناحية أخرى شهدنا أقلاماً صحافية قامت بالدعاية والترويج لثنائيات تفضح العقلية الغربية والصور النمطية الاستشراقية والتي تمس الإسلام والمسلمين ونختصرها في النماذج التالية:

- العربي المسلم يقابله الغربي المسيحي

- الاستبداد والظلامية مقابل الحرية والديموقراطية

- الإرهابي مقابل الضحية

- الإرهابي غير المنظم والصادر مقابل الحرب المشروعة كالدفاع عن النفس.

ويكفينا قراءة ما كان يحرره رئيس تحرير مجلة «لوبوان» الفرنسية، الكاتب الفرنسي كلود أمبير من سموم اتجاه الإسلام والعرب، فنجده وعلى سبيل المثال لا الحصر يقول في إحدى مقالاته: إنه أينما حل الإسلام يكون مصير تلك البقعة الفشل المزدوج، وكون الحضارة الغربية هي المستهدف الوحيد من الرعب الإسلامي. والذي يبعث على الاستنكار بالفعل، هو أن تكون النافذة الوحيدة الواردة في افتتاحية أمبير تضم هذا التصريح الخطير، كما أنه أشار إلى أن الإرهاب الإسلامي -على حد قوله- يرفض الحضارة، ولمح إلى أن الاعتداءات التي عرفتها نيويورك وواشنطن تجسد نموذجاً لصراع الأديان وصراع الحضارات، عاقداً الأمل أن تمثل فرصة لأن يخرج الإسلام من أوهام القرون الوسطى.

وبخصوص حجم الخطر الذي تشكله الصليبية على الإسلام في الوقت الراهن شدد رئيس أساقفة كانتربري على أن الرئيس الأمريكي جورج بوش لم يكن حكيماً على الإطلاق في استخدام مصطلح الحروب الصليبية، معرباً عن اعتقاده بأن استخدامه لهذه الكلمة يعكس عدم فهمه لتاريخ العالم، وقال «لا أريد لصورة الإسلام أن تتعرض للتشهير بأي شكل من الأشكال بسبب أحداث 11 سبتمبر». وفيما يتعلق بدور الكنيسة الإنجليزية في منع المزيد من الاعتداء على المسلمين في بريطانيا، أوضح كاري أن بلاده لم تشهد سوى اعتداءين منذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) مشيراً إلى تجربة مدينة ليستر التي شكل فيها أبناء الديانات الإسلامية والهندوسية والمسيحية قوة رد سريع للتعامل مع أية هجمات تطال الأماكن الدينية أو دور العبادة.

وحذرت صحيفة «غارديان» أن التشريعات الجديدة التي تطالب بتعديل القانون يمكن أن تطال حرية الأفراد، فيما انعقدت أيضاً خطوات أوروبية اتخذت بعد الهجمات والتي تشير إلى أكثر من خمسة عشر مدخلاً للتصدي للإرهاب. وقالت: إن كل هذه الإجراء لا تعطي معنى دون حماية قانوية لها. هذا ومن المتوقع أن تؤثر التشريعات الجديدة في بريطانيا وخطوات أخرى اتخذتها حكومة غربية أوروبية على العلاقات الحذرة بين الحكومة والمهاجرين المسلمين في هذه البلاد. وحتى الآن كان المثال الهولندي الأنجح في التعامل مع المهاجرين المسلمين الذين ينتمون إلى أصول مغربية ودول أخرى من شمال إفريقيا، واستطاعت حكومة هولندا ضمن منظور التعددية الثقافية تعزيز أوضاع الجالية الإسلامية والعربية، واتخاذ خطوات لدمجها في داخل المجتمع العام وإعطائها الوسائل للحفاظ على هويتها.

سيطرة اللوبي الصهيوني على وسائل الإعلام الأمريكية جعل لليهود تأثيراً واضحاً على صانع القرار الأمريكي قبل حوادث 11 سبتمبر ولكن تأثير اليهود زاد عقب حوادث الثلاثاء الخطيرة، ثم إن تأييد أمريكا المطلق لإسرائيل يرجع إلى قوة اليهود علمياً واقتصادياً، مما جعل لهم وضعاً مميزاً، إضافة إلى أن اليهود جزء من الحضارة الغربية فكانت لهم مكانة عالمية جعلت للصهيونية تأثيرها الكبير على الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

بالنسبة للحالة الأمريكية، فمن المؤسف جداً أن نجد أن العناصر المحافظة هي التي تسيطر على إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، التي تؤمن بتعزيز القوة العسكرية لأمريكا والاستمرار في برنامج حرب النجوم ومحاربة الإرهاب الدولي، وتؤمن بأن على أمريكا تقديم الدعم المستمر للكيان الصهيوني؛ لأن العرب متخلفون؛ ولا يستحقون الدعم الأمريكي.

وعلى الصعيد الإعلامي والأكاديمي الصرف، شهدنا أن الإسلام وعلاقته بالديموقراطية وحقوق الإنسان أصبح موضوعاً دائماً في الإعلام الغربي والأمريكي حيث كان الصدام الحضاري بين الإسلام والغرب يثار من قبل تاريخ الاعتداءات، ولكنه الآن أصبح يثار بعنف أكثر. والجديد اليوم في إثارة الصراع بين الإسلام والغرب هو دعم الحكومات الغربية وبالذات أمريكا للحملات المعادية للإسلام في الإعلام الغربي، وظهر تيار غربي قوي يتبنى فرض ما يطلق عليه الاصلاح الشامل للفكر الإسلامي لمحاربة الاتجاهات المتطرفة في الفكر الإسلامي كما أشار إلى ذلك عبد العليم الأبيض الخبير في الإعلام الأمريكي، والذي أضاف بالمناسبة أن هدف أمريكا من الحملة العالمية ليس هو محاربة الإرهاب بالأساس بل تغيير الفكر الإسلامي ليتوافق مع حضارة العولمة إما بالضغوط السياسية أو العسكرية والاقتصادية، وقد شهدنا العديد من إفرازات هذه الضغوط منها الضغط على الدول العربية والإسلامية من أجل أن تتحول لقاءات الحوار مع الغرب نحو حوار داخلي بين المسلمين كعملية مراجعة الفكر الإسلامي. وهناك أيضاً إعلان الرئيس الباكستاني برويز مشرف بأن الخطاب الإسلامي الراهن يعمل على تخلف المسلمين ونادى بتنقية المناهج الدينية، ويمكننا إضافة تصنيف العراق وإيران ضمن دول «محور الشر» أو الحملة الإعلامية التي شنتها وسائل الإعلام الأمريكية ضد المملكة العربية السعودية.

تقييم ردود فعل المسؤولين المسلمين

من بين العديد من الخطب والتعليقات الصادرة عن المسؤولين والحكام والقادة العرب، استوقفنا خطاب الأخ القائد معمر القذافي منذ بضع أشهر فقط، ومرة أخرى لن نستعرض جميع الخطوط العريضة التي تميز بها هذا الخطاب، ولكن هناك نقاط هامة جداً من الأساسي التنبيه إليها، وتهمنا في هذا العرض الإشارة إليها، ومنها على الخصوص رد الأخ العقيد على وصم الغرب المسلمين بالإرهاب في سياق منظومة من المفاهيم الهجومية تبدأ بالتشدد إلى التطرف إلى التعصب إلى الأصولية فالإرهاب. وهذا في العمق يدل على أن أحد ثوابت الفكر الغربي هو نفس الآخر، كما ذهب إلى ذلك أحد الباحثين المسلمين. شئنا أم أبينا، علينا أن نتذكر ونستحضر تعامل القرآن الكريم مع مفردة «الإرهاب»، حيث استعملها في دلالة لا صلة لها بدلالة مصطلح الإرهاب بالمفهوم الغربي، وهكذا نقرأ قوله تعالى: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ}. وقد ورد هذا التعليل في سياق الأمر بإعداد القوة: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ}. إن النظر العميق لهذه الآية يحيلنا على أن كلمة الإرهاب تأخذ معنى الردع، ومعنى الردع: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ} أي تعدون من القوة ما يجعله يخاف من الحرب، فيرتدع عن ممارسة العنف الذي يضطر المسلمين إلى العنف المضاد. الإرهاب في القرآن هو محاولة الوقاية من الاضطرار إلى العنف المضاد بوصفه طبيعياً وعادلاً ومشروعاً ضد العنف. وهكذا نجد أن القرآن كان يهدف إلى معنى تجنب الحرب من حيث هو مطالبة بإعداد القوة حتى لا يستهين العدو بالمسلمين، فيقدم عليهم ويضطرهم أن يواجهوه بلغة العنف المضاد.

النقطة الثانية الهامة التي تهمنا الإشارة إليها تتعلق بمشروع الأخ القائد الذي يروم الدعوة إلى فتح حوار يضم المسؤولين في العالم الإسلامي، ويشمل أيضاً ممثلي أبرز المنظمات غير الحكومية، لنطرح السؤال الأهم: لماذا نحتاج إلى الحوار؟ وعن أي حوار يتحدث الأخ العقيد بالضبط؟

لقد أفرزت الاعتداءات التي تعرضت لها نيويورك وواشنطن، ضرورة فتح قنوات الحوار المسؤول على الأقل من أجل أن نتفق مع أنفسنا نحن على طبيعة الإسلام الذي نريده، والمأمول أن تدفع هذه الاجتماعات وهذه اللقاءات بالعالم الإسلامي ككل للوقوف مع نفسه «وقفة جادة» بتعبير الأخ القائد، وأن تفرز بعضاً من الأجوبة الواضحة والصريحة عن السؤال الأكبر: أي إسلام نريد اليوم؟

وستكون هذه اللقاءات مناسبة أيضاً من أجل الحسم مع مفهوم الإرهاب بصفة نهائية، سواء استعملناه نحن كمسلمين في مجالنا الإسلامي، أو في التعاطي السياسي والأكاديمي والإعلامي مع الغرب، تحت شعار قرآني معروف: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء}. الآية.

ولا نشك قط أن الفصل في هذه المفاهيم، وفي طبيعة الإسلام الذي نبتغيه اليوم، سوف يعود بالنفع على أوضاع الأقليات المسلمة في الغرب، على الأقل سوف تتضح الرؤى أكثر في خطابها الديني والدنيوي الموجه لأبناء الأقلية من جهة، وللنخب السياسية والثقافية والإعلامية الغربية من جهة ثانية.

توصيات ختامية

مهمة المسلمين هي تمثيل الإسلام التمثيل الحقيقي، أو التعريف به التعريف الصحيح عن طريق وسائل الإعلام، عن طريق المدارس والكتب والرسائل والمطبوعات وسائل الإعلام المختلفة سواء المنظور منها أو المسموع أو المكتوب إلى آخره، هذه كلها، وأهم شيء دون شك هو التعامل والاحتكاك مع الناس، وهنا تبرز نقاط الضعف لدى المسلمين، كثير من المسلمين مع الأسف يسيء إلى الإسلام أكثر مما يحسن إليه، وهذه معضلة، يعني هذا الشيء في تركيبة المسلمين سواء في تعاملهم، في أساليب تعاملهم، في أساليب حياتهم، في فهمهم لمختلف الأمور، فمنهم من يُنفِّر الناس من الإسلام أكثر مما يجذبهم إليه، وهكذا فالعملية معقدة جداً، ولكن غياب القيادات وغياب التنظيمات القادرة التي لديها الإمكانات الصحيحة والحقيقية والفعالة لحشد هذه الإمكانات وتوجيهها التوجيه الصحيح للتعريف بالإسلام هو الشيء الغائب، وهو الشيء المفقود في الساحة الإسلامية في الغرب.

علينا أن نعترف اليوم أن هناك قصوراً من الجانب الإسلامي في إبلاغ الصوت العربي والإسلامي إلى المجتمعات الغربية بصورة صحيحة. صحيح أن المسألة تحتاج إلى إمكانات وطاقات ولكنها قبل ذلك تحتاج إلى رؤية، فما معنى أن تحتضن الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 7 ملايين مسلم دون أن نستفيد من هذا الحضور في تمرير الصورة الإيجابية عن الإسلام والمسلمين الذي أصبح هو تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن عند أغلب وسائل الإعلام الأمريكية.

عملياً يمكننا أن نؤكد أن صورة الإسلام في الغرب قد تغيرت إلى حد ما بعدما عرف العالم براءة المسلمين من حادث أوكلاهوما، وكذلك التغطية الإعلامية لأحداث كوسوفو والبوسنة، والعنف الوحشي الصهيوني الذي صورته صورة استشهاد الطفل محمد الدرة، ومقتل الطفلة إيمان حجو، وتزايد عدد المسلمين الأوروبيين. ولكن، لا يحول ذلك من أن تتحد المبادرات الصادرة عن المسلمين أنفسهم من داخل وخارج العالم الإسلامي والتي تهدف إلى إزالة العديد من نقاط سوء الفهم التي تهم علاقتنا بالغرب بصفة عامة، ولا نريد أن نسرد لائحة طويلة من التوصيات التي تطرقنا إليها في ختام مؤلفنا الذي يحمل عنوان: «صورة الإسلام في الإعلام الغربي»، ولكن يمكننا مثلاً أن نتسائل عن السبب الذي يقف دون أن ننشئ قناة فضائية تبث باللغات الأجنبية تشرح الحضارة الإسلامية والدين كأحد مكوناتها، وأن نمول إنتاج أعمال تلفزيونية وسينمائية عن الحضارة الثقافية الإسلامية، على أن تكون باللغات الأجنبية، وتكوين لوبي إعلامي ثقافي لتصحيح ما ينشر عن الإسلام، والرد عليه أيضًا عبر جرائد تصدر بلغات أجنبية عن إحدى دور النشر العربية في المهجر، خاصة وأن الجيل الجديد من مسلمي أوروبا والدول الغربية عموماً يبدو أوفر حظاً في التفاعل الإيجابي المثمر مع الساحة الإعلامية الأوروبية من سابقه، وهذا ما نلمسه من خلال معاينتنا الميدانية والجولات والحوارات التي نجريها في البلدان الأوروبية.

يمكننا أيضاً إعداد عدة دورات تدريبية للإعلاميين الشبان ولمسؤولين في مؤسسات نفع عام في أوساط الأقليات الأوروبية المسلمة، والعمل على إطلاق مشروعات إعلاميةً، تتركز على ميادين مكافحة التشويه في وسائل الإعلام، وإنتاج المواد الإعلامية، وإعداد بحوث ودراسات معمّقة، وتأهيل الإعلاميين الناشئين، ولن يتم كل هذا إلا باستحضار رؤى واستراتيجيات عمل واضحة من لدن المسؤولين المسلمين سواء في الدول الإسلامية أو في الدول الغربية التي تشهد حضوراً متصاعداً للأقليات المسلمة.

أخيراً، وليس آخراً، نحتاج اليوم إلى أن نكون على وعي تام بدور الإعلام في بلورة خطاب وصورة تشرف الإسلام والمسلمين. فنحن في أمس الحاجة إلى بلورة خطاب إعلامي عصري وموضوعي، يغزو الأسواق الغربية، ويتجاوز الإطلاقات المتناقضة ويعلو على النزعة العاطفية ويؤسس رؤية معرفية إسلامية مستقلة وشاملة، ويرتكز على الانفتاح النقدي، يعلي من شأن الأمة كبديل عن الاهتمام بالدولة المركزية خاصة وأننا نعيش في فترة تتميز بحضور متصاعد لمفهوم «أمة المواطنة»، وهذا يتطلب من المسؤولين على الخطاب الإعلامي أن يكونوا مدركين للبعد الحضاري للظواهر حتى يساهموا في التفعيل من أسلمة المعرفة الإسلامية. وكما أشرنا في خاتمة مبحثنا حول صورة الإعلام في وسائل الإعلام الغربية، نلح كثيراً على دور الأقليات المسلمة التي يمكن أن تشكل قوة ضغط فعالة، خاصة في ظل سيادة أجواء حرية التعبير وحرية التفكير في الدول الغربية، مما يتطلب مساعدة هذه الأقليات واستثمار قدراتها وإمكاناتها.