شعار الموقع

حوار المذاهب الإسلامية في المملكة العربية السعودية..

محمد محفوظ 2006-11-09
عدد القراءات « 759 »

ربما يتساءل كثيرون من مختلف المواقع عن جدوى الحوار وضرورته بين المذاهب الإسلامية في المملكة العربية السعودية، في هذا الوقت بالذات الذي تتزايد فيه صور الشحن الطائفي والاصطفافات المذهبية في المنطقة كلها. ولعل بعض هذه التساؤلات تنطلق من خلفية ضغط الواقع الطائفي في الأمة عليهم. فهؤلاء لا يعارضون مبدأ الحوار، ولا يستنكفون من حيثياته ومتطلباته، ولكنهم يرون بأم أعينهم الكثير من الصور الواقعية السيئة، التي تضغط على تفكيرهم وحياتهم، بحيث لا يروا في هذا الحوار رافعةً حقيقية وخطوةً نوعية في سبيل الخروج من نفق المكايدات الطائفية.

وعلى كل حال نحن نقول: مهما كان الواقع سيئاً على هذا الصعيد فإننا جميعاً بحاجة إلى أن نتحاور مع بعضنا بعضاً. ليس حوار طرشان، وإنما حوار حر وموضوعي ولا يستهدف الانتقال المذهبي من موقع لآخر، وإنما يستهدف تنمية الجوامع المشتركة وخلق المعرفة العميقة ببعضنا بعضاً وصياغة وثيقة للتفاهم والتلاقي على قاعدة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات. وليس بمستغرب أن يخرج من رحم هذا الواقع المرير الذي نعيشه على أكثر من صعيد، وليد وطني طموح ورائع من قبيل حوار المذاهب الإسلامية في المملكة.

هذا الوليد الذي يتطلع أن يكون الحوار هو بداية وخطوة أولى في مشروع الوحدة والتلاقي والتفاهم. ومهما كان الواقع العربي والإسلامي سيئاً ومشحوناً بالأقاويل والممارسات الطائفية، فإننا بحاجة إلى مشعل نور، يتجمع حوله كل الوحدويون المؤمنون بأهمية التلاقي والتفاهم، ونبذ كل أشكال المماحكات والسجالات الطائفية.

والحوار الذي نتطلع إليه في داخل وطننا وفي عموم الأمة، هو الذي يتجاوز نمط السجالات المذهبية والتراشق بالاتهام والاتهام المضاد، إلى خلق مساحات وآليات للتعايش والتبادل على نحو إيجابي وبنَّاء.

ومن الضروري أن ندرك جميعاً، ومن مختلف مواقعنا المذهبية والفكرية والاجتماعية، أن الركام التاريخي لا يمكن ضبطه وتنقيته من الشوائب والتأثيرات السلبية، إلا بالمزيد من الوعي والعمل المستديم لتفكيك العقليات والثقافات التي تغذي الشحن الطائفي المقيت بين المسلمين. وإن وجود ظواهر وممارسات طائفية معاصرة، ينبغي ألَّا يدفعنا إلى الاصطفافات الطائفية، وإنما ينبغي أن يدفع للعمل من أجل خلق الحقائق الوحدوية، التي تعطل مفعول تلك الممارسات الطائفية البغيضة. فالممارسات الطائفية مهما كان مطلقها والقائم عليها وبها، هي مدانة ومستنكرة، وينبغي الوقوف في وجهها بحزم.

ونحن هنا لا نمتلك علاجاً سحرياً للمشكلة الطائفية في الأمة، وإن ما نود أن نؤكد عليه هو النقاط التالية:

1- إن إنهاء مظاهر وحالات التمييز الطائفي وبت الكراهية والبغضاء بين أتباع المذاهب الإسلامية في الواقع المعاصر يتطلب العمل على تجديد رؤيتنا وفهمنا إلى المقولات التي كتبها علماء كبار من مختلف الطوائف في ظل ظروف وأوضاع خاصة، والتي فهم منها بشكل أو بآخر تسويغ هذه الممارسات الشائنة. وذلك لأنه من دون تسليط الضوء على هذه المقولات، وتفكيك الأفهام السوداء المتعلقة بها، فإن هذه الممارسات ستستمر بالبروز.

فـ«تبدو الحاجة ماسة إلى تسليط الضوء على النصوص / المراجع التي يتمترس وراءها كل فريق، في شن حربه الرمزية (أو الفعلية) ضد الآخر، عبر إطلاق تهم التكفير أو التبديع والتحريف. وهكذا، يُدان الآخر أو يُضطهد، لمجرد الاسم الذي يحمله، سني أو شيعي أو مسلم أو مسيحي أو يهودي، إلخ...، وذلك من دون التعرف إلى سيرته وعمله، بل هو يدان في بعض النصوص ولو كان من أهل العمل الصالح. نحن هنا إزاء نصوص هي أثر من آثار حروبنا الرمزية في بربريتها الدينية أو المذهبية، لا شبه لها سوى ما تخلفه الحروب الوحشية من الآثار الهمجية في أجساد البشر أو في معالم الحضارة والعمران. هذه النصوص الفضائح هي أخطر من أسلحة الدمار الشامل، إذ هي التي تقيم سدوداً منيعة من الحقد والبغض بين أتباع الطوائف، بقدر ما تسهم في صنع ذاكرتهم العدائية الموتورة. هنا مكمن الداء الذي ينبغي إخضاعه لمبضع التشريح والتحليل لاستئصال الجرثومة التي عششت طويلاً في النفوس، لكي تخرب العقول وتحوّل الهويات إلى محميات عنصرية بأسمائها ورموزها وطقوسها وأحكامها وفتاواها.

ولذا، فإن محاولات التقريب والحوار محكوم عليها بالفشل ما دامت مفردات الشرك والكفر أو البدعة والضلالة تشكل صلب العقيدة والعدسة التي من خلالها يرى الواحد إلى غيره، لكي يدينه وينزه نفسه»([1]).

 

لهذا وفي هذا السياق، نحن بحاجة إلى الحفر المعرفي والتاريخي في كل المقولات التي تغذي بشكل مباشر أو غير مباشر حالة العداء والكراهية بين أتباع المذاهب الإسلامية. وإن شمس الحرية والعدالة لن تشرق في مجتمعاتنا إلا بصياغة العلاقة بين مختلف مكونات المجتمع الواحد، بحيث تقوم العلاقة على أسس الاعتراف المتبادل والتعاون والاحترام العميق لبعضنا بعضاً.

و «المجدي الآن نقد الذات على النحو الذي يؤدي إلى أن يتحول الواحد عما هو عليه، بكسر نرجسيته والزحزحة عن مركزيته الطاردة لما عداه. هذا هو المتاح، معرفياً وعملياً، إذا شئنا ألَّا تظل مسألة التقريب أو الحوار تعالج معالجات عقيمة وغير مجدية. فالحوار بين السنة والشيعة، أو بين الإسلام والمسيحية، وكما تشهد التجربة اللبنانية، يحتاج إلى إعادة تأهيل وبناء، في كل ما يتعلق بسياسة الحقيقة والهوية، وطريقة إدارة الشريعة والعقيدة، بحيث يكف الواحد عن الاعتقاد بأنه مالك الحقيقة ومحتكر الشرعية، أو بأنه ممثل الاستقامة وصاحب الفرقة الناجية»([2]).

 

ونجاحنا على صعيد الحوار المذهبي مرهون بقدرتنا جميعاً على إخراج أنفسنا والمجتمع من المماحكات والسجالات المذهبية، والعمل على توسيع مساحات التعايش والتواصل والشراكة في مختلف شؤون الوطن والمجتمع. فهذه المساحات ومتوالياتها وتأثيراتها وفضاءاتها العامة، هي التي تذلل الكثير من العقبات، وتسهل شروط التقريب والتفاهم، وتزيل من الطريق كل ما يحول دون التلاقي والتعاون.

ولا بد أن يتذكر الجميع أن بث الكراهية تجاه المختلف والمغاير لا يزيد الذات قوة بل يعريها من العديد من القيم والمضامين الإنسانية. كما أن الخوف من الآخر والنفور منه لا يحصن الذات ولا يبقيها بعيداً عن المخاطر والتحديات. بل التواصل والانفتاح وتوسيع المساحات المشتركة بين مختلف التعبيرات والمكونات هو السبيل الذي يضمن حقوق الذات وحقوق الآخرين، ويجنب الجميع مخاطر الفتنة والاحتراب الداخلي.

2- ضرورة فك الارتباط بين الاختلافات المذهبية -بكل مستوياتها ودوائرها- وحقوق الإنسان وضرورة صيانتها ومنع التعدي عليها. فالاختلافات مهما كان حجمها وشكلها وعمقها لا تبرر لأي أحد أن يتعدى على حقوق الآخرين ويمارس بحقهم صنوف التهميش والتمييز. فحقوق الإنسان ينبغي أن تكون مصانة من قبلنا جميعاً، بصرف النظر عن مدى قناعتنا أو قبولنا للأفكار أو العقائد التي يتبناها الطرف الآخر. لنا حق الحوار والمعرفة والنصيحة، ولكن علينا واجب الاحترام وصيانة الحقوق والكرامات.

ولعلنا لا نبالغ حين نقول: إن الكثير من المشاكل التي تجري بين المسلمين لأسباب مذهبية هي بفعل الدمج التعسفي بين واقع الاختلاف وترجمته إلى سلوك إقصائي - عدواني ضد الآخر المختلف. بينما المبدأ القرآني يؤكد على ضرورة احترام الإنسان بصرف النظر عن عقيدته ومذهبه، إذا لم يمارس عدواناً عليك. يقول تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَآ الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}([3]).

 

فالمطلوب قرآنياً هو أن نلغي من ذواتنا كل النوازع والأفكار والمشاعر المنحرفة تجاه الآخر الذي يختلف معنا دون ممارسة العدوان علينا. فـ«الإيمان يمثل الضمانة الحقيقية التي يقدمها لكل الناس الذين يعيشون في داخله ممن يلتقون معه في العقيدة أو يختلفون معه فيها، فلا مجال -مع الإسلام- للظلم حتى للأعداء. لأن قضية العداوة تخضع لأوضاع ومواقف معينة تفرض نوعاً من السلوك السلبي الذي لا يمكن أن يبتعد عن الموازين والقوانين الشرعية التي تعتبر أن للعداوة مساحة لا يمكن أن يتعداها الإنسان المؤمن، وهي مساحة الحقوق التي اكتسبها هذا العدو أو ذاك، من خلال المواثيق والمعاهدات، أو من خلال الأحكام الشرعية التي أنزلها الله مما يحترم فيه بعض جوانبه الإنسانية»([4]).

 

ولكي نفك الارتباط بين شرعية الاختلاف في الدائرة الإنسانية وصيانة حقوق الإنسان، فالاختلاف لا يشرع إلى الامتهان، كما أن التمايز في الدين أو المذهب أو القومية، ليس سبباً لممارسة الظلم والعدوان عليه.

أقول من أجل ضمان حقوق الإنسان في دائرة الاختلاف والتمايز من الضروري ممارسة النقد الواعي لذواتنا. لأننا جميعاً مسؤولون عن الكثير من الأقوال والممارسات التي تعكس بشكل أو آخر قبولنا ولو الضمني بممارسة التمييز أو الإقصاء بحق الإنسان الذي يختلف معنا وتتمايز رؤيته عن رؤيتنا وأفكاره عن أفكارنا. بينما مقتضى العدالة يتطلب خلق مسافة نوعية بين اختلافاتنا -بكل مستوياتها وفضاءاتها- وضرورات صيانة حقوق وكرامة الإنسان.

فكل الأطراف بحاجة إلى أن تفحص نفسها، وتطهرها من كل الأدران والرواسب التي تحملها في الرؤية والموقف من الآخر.

فعلى المستوى الواقعي والجوهري، الجميع يحمل رؤية اصطفائية حول ذاته، وتحقيرية بمستوى من المستويات تجاه الآخر الذي يختلف معه في دائرة من دوائر الانتماء أو الفكر.

ولا خيار أمامنا إذا أردنا السلم الأهلي والعيش المشترك إلا نقد ذواتنا وفحص أفكارنا وتشكيل مجالات وفضاءات للتواصل المستديم مع الآخر. «ولذا فنحن لا نتحاور مع الآخر لكي نعرف من المخطئ ومن المصيب، أو من الضال ومن المهتدي، ولا نتحاور معه وفقاً لمبدأ التسامح لكي نتنازل له عما نعتقده صواباً عندنا، أو خطأ عنده، بل نتحاور لكي نكسر الحواجز ونتعدى الخطوط الحمر، وعلى نحو يتيح لكل واحد أن يتحول عما هو عليه، لكي يسهم في تحويل الآخر»([5]).

 

ولكي تضبط الاختلافات المذهبية في الدائرة الاجتماعية ينبغي أن تدار بمنطق وعقلية التواصل والاعتراف المتبادل والشراكة، لا بعقلية الاستئثار والاصطفاء والقطيعة.

3- تبقى المواطنة بحقوقها وواجباتها وفضاءاتها العميقة هي الوعاء الذي ينبغي أن نعمل جميعاً لتقويته وتعزيزه. فالانتماءات المذهبية أو القبلية ليست بديلاً عن حضن ووعاء المواطنة. لذلك فإن الحوار والتفاعل المذهبي في مختلف الدوائر من الضروري أن يتجه بكل قضاياه وعناوينه لتعميق خيار المواطنة والانتماء الوطني.

إننا ندعو إلى أن يحترم كل إنسان خصوصياته الثقافية والمذهبية، ولكن ليس من أجل العزلة والانكفاء والانحباس في هذا الإطار، وإنما من أجل أن تتوافر كل الظروف والشروط التي تسمح لكل الخصوصيات لكي تمارس دورها في إغناء مفهوم المواطنة وتعزيز وحدة الوطن وعزته.

فالتعددية لا تعني بأي حال من الأحوال تشريع الفوضى أو غياب الجوامع المشتركة بين التعدديات والتنوعات الموجودة في الإطار الواحد. لهذا فإننا في الوقت الذي ندعو كل الخصوصيات أن تشعر بذاتها، وتمارس شعائرها، في الوقت ذاته نحذر من العزلة وخلق الكانتونات الخاصة والضيقة في الوطن الواحد. فنحن مع الحرية التي ينبغي أن تمنح للانتماءات المذهبية، ولكن في الوقت ذاته مع تفعيل دور المواطنة وتنمية حقائقها ومتطلباتها في الفضاء الاجتماعي والثقافي.

فالمواطنة بما تعني من حقوق وواجبات، والتزام ومسؤوليات، ومضامين دستورية وسياسية، هي الوعاء الذي يجب أن تتفاعل فيه كل الخصوصيات والانتماءات. والأوطان دائماً لا تُبنى بتنمية الأحقاد والممارسات الطائفية البغيضة، بل بالوئام والتلاقي وتجاوز كل ما يعكر صفة العلاقة السليمة بين مختلف المكونات والتعبيرات.

إن تحقيق المعاني الجوهرية لمفهوم المواطنة في فضائنا السياسي والثقافي والاجتماعي ليس أمراً سهلاً ويسيراً، بل يتطلب جهوداً نوعية على مختلف المستويات ومن جميع الشرائح والفئات في المجتمع والوطن.

4- إن العلاقة الإيجابية مع الآخر المذهبي هي بحاجة بشكل دائم إلى ثقافة تسند هذا الخيار وتعززه، وتوضِّح لمختلف شرائح المجتمع أهمية هذا الخيار ودوره الحقيقي في تكريس الاستقرار السياسي والاجتماعي، ومقاومة كل المخاطر التي تستهدف استقرارنا ووحدتنا. فالعلاقات الإيجابية بين أهل المذاهب الإسلامية ليست وصفة جاهزة، ولا تنجز على الصعيد الواقعي بمقولة هنا أو خطاب هناك فحسب، بل هي تتطلب ثقافة ورؤية عميقة واستراتيجية واضحة المعالم، نتجاوز من خلالها كل إكراهات الواقع، وتحول دون أن نتأثر بأحداث التاريخ والواقع المعاصر واضطراباتهما.

لهذا كله ومن أجل العبور نحو الآخر، وتوسيع دائرة التواصل، وتعميق خيار التقارب والتفاهم بين مختلف المكونات والتعبيرات، نحن أحوج ما نكون إلى أنشطة توعوية وثقافية متواصلة، مؤسسية وفردية، رسمية وأهلية، تستهدف إغناء مشروع التفاهم والحوارات الإيجابية بين أطياف المجتمع، وتدفع شرائح المجتمع المتعددة نحو المساهمة في تعزيز خيار الانفتاح والتواصل، وتزيل من العقول والنفوس، الكثير من الهواجس والمخاوف التي تحول دون التفاعل الإيجابي مع مشروع التآخي والوحدة بين أهل المذاهب الإسلامية كافة.

وخلاصة الأمر: أن الظروف الحساسة والتحديات الخطيرة التي تواجهنا جميعاً من روافد عديدة، تقتضي منا العمل على تحصين وضعنا الداخلي، بالمزيد من التلاقي والتلاحم وإفشال كل مخططات الفتنة والتشظي التي تستهدفنا وتضرنا جميعاً. ولا ريب أن العبور نحو الآخر الداخلي، وتوطيد العلاقة معه، وإزالة كل رواسب الاحتقان وفتح المجال من قبل كل الأطراف للحوار والتلاقي على أسس ومبادئ تنسجم وثوابتنا جميعاً، وتجيب على كل التحديات التي تواجهنا وتبلور الرؤية نحو المقصد والمستقبل الذي ننشده جميعاً ونتطلع إليه.

وتبقى الوحدة الوطنية هي خيارنا الدائم والثابت، والذي من الأهمية أن نعمل على ترسيخ أسسه وتجاوز كل ما يشوهه وتعزيز كل فرصه ومجالاته. وكل هذا بحاجة إلى تفاعل خلّاق من قبل الجميع، وإلى مبادرات ثقافية واجتماعية، تعزز هذا النهج وتعمق متطلباته في كل المجالات.

ودينامية الحوار والوحدة والتواصل هي دينامية الإصرار على تجاوز كل محن الواقع وصعوباته ونماذجه المنحدرة من الصراعات والتوترات والنزاعات، وذلك من أجل بناء رؤية ووقائع للعيش المشترك والتفاعل الخلّاق بين مختلف المكونات.

فنحن مع الحوارات المذهبية والتواصل المعرفي والإنساني، مهما كانت ضغوطات الواقع وإكراهاته. ووجود وقائع وممارسات طائفية في فضائنا وواقعنا الراهن يحملنا مسؤولية إضافية على هذا الصعيد. فليس المطلوب هو المزيد من الاصطفافات الطائفية وبث الفتنة المذهبية في الوطن والمجتمع، وإنما فتح ممكنات ومجالات للحوار والتواصل وتمتين أواصر الوحدة والتعارف بين شركاء الوطن والمصير.

وما يجري في الساحة العراقية من أحداث طائفية مقيتة ومدانة من الضروري ألَّا تجرنا إلى التمترس المذهبي، والعزلة الاجتماعية عن بعضنا بعضاً، وإنما لا بد أن تزيد من وعينا وإدراكنا إلى ضرورة الإسراع في خلق مبادرات ومشروعات وطنية، تحصن مجتمعنا من مخاطر الفتنة والانقسام، وتعزز من خيار التفاهم والتلاقي والوحدة بين مختلف شرائح مجتمعنا ومكونات وطننا. وتعالوا جميعاً نشعل شمعة الحوار والتسامح والاعتراف بالآخر أخاً وشريكاً؛ بدل أن نلعن ظلام الفتنة الطائفية وبث الكراهية والحقد بين الناس. فالناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.

والملف الذي بين أناملك -عزيزي القارئ- هو محاولة لبلورة وإنضاج خيار الحوار والتواصل بين مختلف المكونات المذهبية في وطننا العزيز. إذ قُدِّمت الدعوة إلى مجموعة من الإخوة لإبداء وجهة نظرهم ورؤيتهم حول الحوار المذهبي في المملكة، وذلك من أجل أن تتراكم الجهود والعطاءات الثقافية التي تدفع باتجاه الحوار والاحترام المتبادل بين مختلف التعبيرات والمكونات.

وبقي أن أشير إلى أن الأسماء المشاركة رتبت في هذا الملف وفق الترتيب الأبجدي.

وأرجو أن يكون هذا الملف إضافة نوعية في مشروع الحوار والتآخي وتدشين حقائق الاحترام المتبادل في الفضاء الاجتماعي والثقافي.

 

 

 



([1]) راجع علي حرب، الإنسان الأدنى - أمراض الدين وأعطال ا

 

لحداثة، ص106، المؤسسة العربية للدراسات 2005.

([2]) راجع المصدر السابق ص 112.

([3]) المائدة، الآية 8.

([4]) راجع تفسير من وحي القرآن - المجلد الثالث ص 59.

([5]) راجع علي حرب، مصدر سابق، ص 243.