شعار الموقع

من اولويات المشروع الثقافي الاسلامي المعاصر على ضوء متغيرات العصر

رئيس التحرير 2006-11-10
عدد القراءات « 756 »

 

 

التفكير في أولويات المشروع الثقافي الاسلامي المعاصر في هذه المرحلة، هو من القضايا الحيوية، التي ينبغي أن نتوقف عندها كثيراً بالدراسة والتخطيط وفق شروط البحث العلمي...

وأولويات هذه المرحلة ثقافياً بالتأكيد تختلف بدرجة كبيرة، عن أولويات المراحل السابقة. فقد دخلت على هذه المرحلة عناصر كثيرة ومكونات جديدة، جعلت الفروق واسعة بين هذه المرحلة وما قبلها، ليس في مجال واحد فحسب، بل في مجالات متعددة ثقافياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً واعلامياً.. وليس على الصعيد العربي والاسلامي فقط، بل على الصعيد العالمي..

وقاعدة الأولويات هي من القواعد النسبية والمتغيرة حيث تخضع لطبيعة المرحلة ومكوناتها الذاتية والموضوعية، وبالتالي لنوعية الحاجات والمتطلبات الأساسية. من هنا كانت الضرورة لتأسيس فقه الأولويات الذي يعتني بتحديد الأهم من المهم، وتحديد نوعية الضروريات والحاجيات والكماليات ليس في المجال الفقهي فحسب بل حتى في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ما أمكن بمعنى ليس في الجانب الفردي فقط بل في الجانب الاجتماعي أيضاً.

ولسنوات طويلة مضت لم يكن العقل الاسلامي ينشغل بشيء عنوانه الأولويات وفي الجانب الثقافي بالذات، مع ما يحصل من تاقب في المراحل، وتحولات وتطورات مهمة فيها..

وإذا كان البعض قد يلتفت لقاعدة الأولويات في الأزمنة الماضية، فنادراً ما يكون هذا الالتفات في الميادين الثقافية.. وهذا من جوانب القصور والنقد في فكر المسلمين في الحقب الماضية..

وفي هذه المرحلة تنامى الوعي بفقه الأولويات، وقد جاء هذا الوعي في مرحلة من أهم المراحل حاجة إلى هذا الاهتمام، وهذا بدوره يكشف عن تطور في العقل الاسلامي، الذي وجد نفسه مضطراً بالتفكير في هذه القضية مع ما يحصل في العالم من تغيرات متسارعة وخطيرة.

ومن معطيات فقه الأولويات كما يفترض الخروج من دائرة الانشغال بالقضايا الجزئية والفرعية، إلى الانشغال بالقضايا الاساسية والكبرى، ومن بعثرة التوجهات إلى تركيزها، وضرورة أن يكون هناك بعض الأولويات التي تصل حد الاتفاق والاجماع عليها ما أمكن.

ومن الشروط الأساسية للتفكير في الأولويات هو تشخيص هذه المرحلة بشكل عام وفي الجوانب الثقافية بشكل خاص.. ونحن في فترة هي من أهم الفترات حاجة إلى التشخيص، وبكيفية علمية وشاملة ومعمقة، فالعالم من حولنا يتغير بسرعة وكأن التاريخ يتحرك بعجلات سريعة، ما يحدث في العالم هو تحولات حضارية، وأن هناك انبعاث جديد للحضارات غير الغربية..

وما ينقصنا في هذا الجانب هو القراءات الاسلامية العلمية والمحكمة للمتغيرات الدولية وتحولات السياسات العالمية واستشراف مستقبليات العالم في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.. في الوقت الذي تتعدد فيه القراءات المختلفة، خصوصاً تلك القراءات التي تتبلور من داخل مراكز الدراسات والعمل البحثي المتخصص، إلا أنه في الجانب الاسلامي نلحظ نقصاً علمياً واضحاً، يترك أثره على منهجة التعامل مع هذه الأوضاع العالمية الجديدة.

وتشخيص هذه المرحلة ثقافياً هو الذي بحاجة إلى تعمق، وباختصار نقول، إن كل الثقافات في العالم اليوم تتعرض لاهتزاز ومراجعات نقدية في البنى المفاهيمية والمكونات المنهاجية.. ففي القسم الشرقي من العالم حصل انهيار أكبر الايديولوجيات الفكرية والفلسفية الوضعية وهي الماركسية والاشتراكية العلمية، وهي الفلسفة التي كانت لها مذاهب في التاريخ والاقتصاد والسياسة والثقافة والفلسفة والفن والأدب والتربية والاجتماع والنفس، كما حاولت أن يكون لها نظريات حتى في العلوم الطبيعية.. وسقوط هذه الفلسفة يعني اهتزاز كل هذه النظريات والمذاهب.. وفي القسم الغربي من العالم هناك صراع ثقافي بين الثقافة الامريكية والثقافة الأوروبية، وفي داخل القارة الأمريكية هناك صراع بين الثقافات الأصلية والثقافات الوافدة، وفي داخل الحضارة الغربية تتعالى الأصوات التي تحذر من انحسار القيم الاساسية والانحسار الأخلاقي والخواء الروحي والانهيار الخطير الذي يعرض الأسرة والعلاقات الاجتماعية إلى التفكك.

وفي الجنوب الشرقي من قارة آسيا يتبلور نموذج للحداثة والتقدم يختلف عن نموذج الحداثة الغربية، فهو نموذج يجمع بين الأصالة والمعاصرة, بين التراث والحداثة كما هو حاصل في اليابان..

واما العالم الاسلامي فهو يشهد انبعاث اسلامي ناهض ومتصاعد يكشف عن تمسك بالهوية الحضارية المتمثلة بالاسلام، وتراجع الايديولوجيات والمذاهب الفكرية والمختلفة التي كانت وافدة من الحضارة الغربية.

وعلى الصعيد العالمي يشكل الاسلام الأكثر صعوداً بين الديانات والفلسفات والمذاهب الحضارية... وهذا الصعود بدأ يلحظ في داخل الحضارة الغربية وعلى مستوى شرائح اجتماعية ومهنية مختلفة.

وبشكل عام فإننا بحاجة إلى تقويمات ثقافية جديدة لتشخيص تطور وتغير حركة الأفكار والمفاهيم في العالم. كما أن شروط صياغة أولويات المشروع الثقافي الاسلامي المعاصر في هذه المرحلة هو التجديد في المنهجية، ونقصد بذلك الحقائق التالية :

أولاً : أن ينتقل المشروع الثقافي الاسلامي من منهجية النقد إلى منهجية البديل. فخلال عقود من الزمان والمشروع الثقافي الاسلامي يتركز عطاؤه في مجالات النقد والدفاع ورد الاعتبار، فمن نقد النظريات الغربية لتصوره إلى المرأة، إلى تصوره إلى الأخلاق والفن والاقتصاد.. إلى نقد النظريات الماركسية في السياسة والاقتصاد والاجتماع إلى غير ذلك.. والمطلوب في هذه المرحلة هو البديل الاسلامي لهذه القضايا.

ثانياً : أن ينتقل المشروع الثقافي الاسلامي من العموميات إلى الخصوصيات ومن الكليات إلى الجزئيات، من خلال تفصيل مناهج ونظم الاسلام.

ثالثاً : وقف الاجترار الفكري وتوليد الاشكاليات التي يفترض أنها خرجت من دورة الزمن ومن تاريخية تطور الفكر الاسلامي، من قبيل هل في الاسلام اقتصاد، أو نظام سياسي وما أشبه.

رابعاً : أن يتحول المشروع الثقافي الاسلامي من الاهتمام والانصراف لقضايا الماضي ومشكلاته إلى الاهتمام بقضايا الحاضر واستشراف المستقبل.

أما عن أولويات المشروع الثقافي الاسلامي المعاصر في هذه المرحلة، كما نجتهد:

أولاً : صياغة المشروع الحضاري الاسلامي المعاصر، ونقصد به بلورة البدائل الاسلامية، وتفصيل مناهج ونظم التشريع الاسلامي في مختلف الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والادارية والتربوية والاعلامية وبمنهجية معاصرة وقابلة للتطبيق.

ثانياً : ضرورة أن يلعب المشروع الثقافي الاسلامي دوراً كبيراً في معالجة الخلافات والنزاعات والصراعات التي يعيشها العالم الاسلامي منذ قرون من الزمن وبأشكالها المختلفة المذهبية والجغرافية والسياسية والعرقية والقومية، والخطوة الأساسية في هذا المجال أن يتجاوز المشروع الثقافي الاسلامي من داخله هذه الرواسب بحيث يكون توحيدياً لا مفرقاً، جامعاً لا مجزءاً، شورياً لا استبدادياً .

ثالثاً : أن يساهم المشروع الثقافي الاسلامي بنهضة حضارية، أو أن يخطط لنهضة حضارية من خلال انهاض مشاريع الإنماء والإعمار وخلق حوافز التقدم العلمي وتطوير نظم التربية ورفع مستوى العطاء العلمي في العالم الاسلامي.

رابعاً : تطوير كفاءات المرأة المسلمة وتنمية طاقاتها، ورفع مستواها العلمي، وتفعيل مشاركتها الاجتماعية..

خامساً : أن نقدم الاسلام إلى العالم كمشروع حضاري، يمكن أن يساهم في معالجة أمراض الحضارة والإرتقاء بالحضارة الانسانية واعلاء القيم الانسانية كالعدل والمساواة والحرية والكرامة الانسانية.

سادساً : التركيز على قضية بناء الانسان في جوانبه الروحية والاخلاقية وجانيه العلمي والتنموي، وجانبه الثقافي والتربوي، وجانبه الصحي ولتكن قضية بناء الانسان هي قضيتنا الأولى..

                                                                     وإلى مستقبل أفضل

           ومن الله التوفيق