تاريخ تطور الأفكار من العلوم الهامة، الذي لم يأخذ مكانته كما ينبغي معرفياً ومنهجياً في الخطاب الاسلامي الحديث والمعاصر..
وهذا العلم موضوعه هو التاريخ الفكري، حيث يؤرخ للأفكار وليس للأحداث أو الأشخاص .. ويؤرخ للأفكار من وجهة تبدلاتها وتغيراتها وتطوراتها وتحولاتها، الجزئية أو الكلية، العرضية أو الجوهرية، وربط هذه الأفكار بعامل الزمن، أي التحقيب الزمني والتاريخي للأفكار..
والتاريخ الفكري والذي هو موضوع هذا العلم لا يهتم بنشأة الأفكار فقط، وإنما بدرجة أساسية بتأثير هذه الأفكار، وقياس هذا التأثير على المجتمع والدولة والحضارة.. من هنا تكمن أهمية وخطورة وصعوبة هذا العلم لأن دراسة الأفكار في توصيفها وتشخيصها وفعاليتها، ليس كدراسة الأحداث والأشخاص، فالأفكار ليس لها وجوداً مادياً عينياً يمكن كشفها بوسائط الحس كما في دراسة الأحداث والأشخاص، بل هي أي الأفكار بحاجة إلى أدوات خاصة هي أدوات الخبير بالأفكار كالمفكر والفيلسوف والمثقف الذين يعتبرون الأفكار موضوع إشتغالهم بوسائط التأمل والمقارنة والتحليل والابداع..
وقد اعتبر البعض ان أقرب العلوم لهذا العلم هو الفلسفة، وهذا ممكن والفارق ان الفلسفة تدرس نوعية خاصة من الأفكار والتي ترتبط بقضايا الوجود والموجود. والفارق الآخر والاساسي أن الفلسفة تدرس الأفكار الخاصة بها بتجرد تام عن الزمن لأن الفلسفة كما ينظر لها، العلم الذي يكون فوق الزمان ولا تتقيد به.
من جهة أخرى ليس المقصود من تاريخ تطور الأفكار هو فلسفة التاريخ وإن كان القاسم المشترك بينهما هو العلاقة بين الأفكار والتاريخ. إلا أن الفاصل بينهما هو شكل هذه العلاقة وتفسيرها. فهذه العلاقة في فلسفة التاريخ تحاول ان تختزل التاريخ بعيداً عن الزمان في نظرة كلية عامة قد تحكم التاريخ بحتمية أو بلا حتمية حسب نوعية الفلسفة وطبيعة نظرتها الكلية.
( وفلسفة التاريخ، بما أنها فلسفة، فهي لا تتقيد بالتحقيب التاريخي المعروف الذي يقيم فواصل شبه نهائية بل نهائية بين الماضي والحاضر والمستقبل، بل تنظر إلى كلية التجربة التاريخية، إلى منطقها الداخلي، إلى نزوعها الواعي واللاواعي) (1).
والحقيقة أن أهم ما ينبغي ان يدرس في التاريخ هو الأفكار للاسباب التالية:
أولاً : ان الأفكار هي الأكثر تأثيراً في حركة التاريخ وسير الأمم وتطور الحضارات وقد نبالغ بعض الشيء حينما نقول ان وراء التاريخ هو الأفكار وليس كما اعتقد ماركس حينما لخص التاريخ بالاقتصاد وفشلت هذه النظرية حينما قامت الاشتراكية في روسيا الزراعية وليس في بريطانيا الصناعية كما كان يتكهن ماركس..
خصوصاً وان الأفكار والثقافات هما الشيء الوحيد الذي ما غاب ولا لحظة واحدة عن التاريخ، فقد كانت الأفكار والثقافات حاضرة في كل أمة وفي عصر وفي كل مرحلة وفي كل موقف وبأشكال مختلفة من الفهم والنوع والكم والتأثير.. ومن المعروف في الدراسات الاجتماعية أن الثقافة هي مصدر التوجيه لسلوك الفرد والمجتمع والدولة والحضارة، والثقافة هنا بمعنى الأفكار العامة والأفكار الخاصة.
ثانياً : ان المدخل الحضاري في دراسة التاريخ هو من خلال دراسة الأفكار بالمفهوم الشامل ومن جهة دراسة التقاليد والاعراف الاجتماعية والنظم والقوانين والشرائع والدساتير وانماط حياة المجتمع واشكال الدولة وقضايا الفن والأدب والعمران وهذا ما اعتنت به الدراسات الخاصة بتاريخ الحضارات.. وهذا ما نحتاج إلى دراسته في التاريخ.. وهنا نقف على الاشكالية التي وقع فيها بعض المؤرخين الذين أرخوا للدولة وليس للأمة، وللسياسة وليس للحضارة، وللحروب وليس للاجتماع وغير ذلك. ومن هذه الاشكالية يطالب البعض بضرورة إعادة كتابة التاريخ والتاريخ الاسلامي بشكل خاص(2).
ثالثاً : إننا نستوحي من الرسالات النازلة والمرسلة من الله سبحانه وتعالى إلى الأمم والشعوب كافة، حقيقة هذا الدور الكبير للأفكار ، كما في مقولة "في البدء كانت الكلمة" وكما في أول آية نزلت من القرآن الكريم "إقرأ" ..
كما نستوحي ذلك من التأكيد الكبير والمميز في الاحاديث الشريفة عن مكانة العقل والعلم في الرسالات السماوية وفي الاسلام بصورة خاصة..
رابعاً : ان حكمة التاريخ في التصور الاسلامي للعبرة والاتعاظ، والعبرة تعني العبور من الماضي إلى الحاضر والمستقبل، وهذه هي الفاعلية الحقيقية لقوة التاريخ.. وما هذه العبرة إلا أفكار ناضجة ومستخلصة من المختبر الحي من التجارب البشرية.
نريد ان نصل من هذا الكلام إلى ضرورة ان نولي الأهمية لهذا العلم تاريخ تطور الأفكار في تاريخية فكرنا الاسلامي، وان نشرع بدراسة تاريخ تطور الأفكار الاسلامية وفق هذا المنهج الجديد.. وفي هذا المجال أمامنا احدى المحاولات المفيدة وفي كتاب "الفكر السياسي الاسلامي المعاصر" (3) للدكتور أحمد عنايت، وعن منهجه الذي اعتمده في هذا الكتاب يقول في المقدمة (يتعامل هذا الكتاب أساساً مع الأفكار ويستعين بالتاريخ وعلم الاجتماع وفي المواضيع التي يساعد فيها هذان العلمان على توضيح أرضيات الأفكار... ولم أتناول موضوع البواعث الخفية أو الواضحة التي كانت وراء أصحاب هذه الأفكار، ليس فحسب لأن هذا المنحى يبدل هذا البحث من تاريخ أفكار إلى تاريخ وقائع وأحداث، بل لأن الأحدث في حد ذاتها تبدو وكأنها ذات تاريخ خاص بها) (4).
تاريخ تطور الأفكار الاسلامية
هذا التمهيد كان لضرورة منهجية تتعلق بتفسير تاريخية فكرة "المشروع الاسلامي الحضاري" في الخطاب الاسلامي المعاصر. لأنه كما اعتقد هناك تطور في تاريخ الأفكار الاسلامية في العصر الحديث يرتبط بظهور فكرة "المشروع الاسلامي الحضاري" في هذه الحقبة الزمنية من تاريخ تحولات العالم الاسلامي. لا نريد ان نرجع بعيداً في تاريخنا السحيق، بل نريد ان نبدأ من نقطة على درجة كبيرة من الأهمية، وعلى صلة وثيقة بأوضاعنا الحالية، وهي نقطة النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، وهي الفترة التي ارتبطت أحداثها وتطوراتها السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، بالاوضاع والتحولات التي وصل إليها العالم الاسلامي إلى الوقت الراهن.
ومن جهة أخرى ان تلك الفترة التاريخية، هي الفترة التي يؤرخ لها بنهضة الحركات الاصلاحية والفكر الاصلاحي الاسلامي مع انطلاقة موقظ الشرق السيد "جمال الدين الافغاني" (1254 – 1315هـ / 1838 – 1897م ) وهذه الانطلاقة كانت بداية سلسلة من النهضات الاسلامية التي شكلت مرجعيات فكرية وسياسية في الفكر السياسي والاصلاحي الاسلامي الحديث والمعاصر، وما الحركات الاسلامية المعاصرة إلا امتداد لتلك النهضات الاصلاحية.. والمنهجية التي سوف اعتمدها في تاريخ تطور الأفكار الاسلامية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى هذا الوقت ما هي إلا وجهة نظر واجتهاد خاص قد يوافق الواقع نسبياً أو كلياً، وقد يوافق البعض عليه جزئياً أو كلياً ، وقد يخالفه البعض جزئياً أو كلياً ، ولا ضير في ذلك..
الجامعة الاسلامية
لقد عرفت حركة الاصلاح الاسلامي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بتيار الجامعة الاسلامية، وكانت هذه القضية هي القضية الجامعة لكل حركات ورجالات الاصلاح الاسلامي، ومثلت القضية الفكرية السياسية في مجال التنظير الفكري، والنضال الاصلاحي..
وكان من أهم مجالات التنظير الفكري مجلة "العروة الوثقى" التي صدرت من باريس سنة 1301هـ - 1884م، وقد صدر منها ثمانية عشر وتوقفت خلال سنتها الأولى(5) .
والمجال الثاني تمثل وان كان بدرجة أقل، في مجلة "المنار" التي حلت محل مجلة "العروة الوثقى" في التجديد الديني والدعوة إلى الجامعة الاسلامية(6) .
وقد أصدرها الشيخ "محمد رشيد رضا" (1282 – 1354هـ/1865 – 1935م) بعد ان اتصل بالشيخ "محمد عبده" (1266 – 1323هـ/1849 – 1905م) وتوثقت العلاقة به. وكان أول عدد صدر من المنار في (22 شوال 1315هـ/15 مارس 1898م) واستمرت حتى وفاة صاحبها..
وقد ظهر تيار الجامعة الاسلامية (كرد فعل للغزو العسكري والثقافي الغربي للعالمين العربي والاسلامي، ونتيجة لعجز الدولة الاسلامية عن إيقاف هذا الغزو أو رده. وذلك بعد ان تيقن عدد من المفكرين المسلمين ان النضال المحلي في كل قطر اسلامي ضد الغرب لن تكون له جدوى ما دام الغرب متفوقاً من الناحية العسكرية)(7) فكانت (الوحدة الاسلامية هي الطريق الوحيد لمقاومة الغزو الغربي، فالدول الغربية تقيم التحالفات فيما بينها لاقتسام أوطان المسلمين وتدمير عقيدتهم، وهذا يستدعي تحالف دفاعي بين مسلمي العالم من أجل حماية استقلالهم والحفاظ على أنفسهم من الفناء )(8) .
فالجامعة الاسلامية كقضية فكرية تبلورت كاستجابة موضوعية لطبيعة الظروف التي مرت على العالم الاسلامي آنذاك، وقد عرفت تلك المرحلة بهذا العنوان، وكل من درس وأرخ من الباحثين والمؤرخين لتلك الحقبة عنونها بهذا العنوان..
شمولية الاسلام
في النصف الأول من القرن العشرين الميلادي حصلت تطورات خطيرة في العالم الاسلامي على الصعيد السياسي والفكري، كان لهما الأثر الهام على مجريات الأمور في ذلك الوقت..
فعلى الصعيد السياسي حصل إلغاء الخلافة وسقوط الدولة العثمانية في عام 1924م، (وكان هذا الأمر يمثل واحداً من الاحداث الحاسمة في التاريخ)(9) الاسلامي الحديث. ( وقد نشأت الاوضاع والاحوال التي انتهت بالغاء الخلافة من الهزيمة العثمانية في الحرب العالمية الاولى )، وجهود مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة في علمنة الدولة(10).
وكانت نهاية الخلافة العثمانية في تركيا بداية مرحلة من التجزئة والتفكك في اقطار العالم العربي والاسلامي، وانهيار ما بقي من قيمة ومعنوية وسياسية للاطار الذي كان يمثل رمز الجامعة الاسلامية ولو شكلياً.. وقد رافق هذا الانهيار أكبر هجمة تدميرية شاملة تعرض لها العالم الاسلامي في العصر الحديث، وهي الهجمة الاستعمارية الأوروبية التي أضعفت العالم الاسلامي بدرجة خطيرة ودمرت كل عناصر ومقومات الحياة والقدرة، وكرست عوامل الضعف والتخلف والتجزئة والتبعية، فدخل العالم الاسلامي في أخطر مراحله حيث الانهيار الشامل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً، ولا زلنا إلى هذا الوقت نعاني من تداعيات ذلك الانهيار وتلك الهجمة الغازية..
إلى جانب هذه التحولات السياسية حصل ما هو خارج التوقع لطبيعة الظروف التي مرت على العالم الاسلامي، وهذا الأمر خطورته إنه في الجانب الفكري حيث صدر كتاب على درجة كبيرة من الحساسية بالنظر إلى موضوعه، ووقته، وكاتبه.. وهو كتاب "الاسلام وأصول الحكم" الذي صدر بعد سنة واحدة فقط من إلغاء الخلافة، في عام 1929م لمؤلفه الشيخ"علي عبدالرزاق" (1305-1386هـ/1887-1966م) وقد فتح هذا الكتاب واحدة من أكبر المعارك الفكرية الساخنة(11)، كما قد بات من أهم الوثائق التي تمسك بها التيار العلماني في دعوته إلى فصل الدين عن الدولة..
وفي هذا الكتاب يقول (عالم أزهري، وقاضي شرعي، لأول مرة في تاريخ العلم الاسلامي والعلماء المسلمين: ان الاسلام دين ورسالة روحية، لا دولة فيه ولا سياسة.. وان الخلافة الاسلامية كانت – كالكهانة الغربية – استبداداً وطغياناً باسم الدين.. وان نبي الاسلام لم ينشئ دولة ولم يقم حكومة، ولم يصنع ألا ما صنعه الرسل السابقون البلاغ المجرد عن التنفيذ)(12) وامام هذه التداعيات الخطيرة، وفي ظل الانهيار السياسي والفكري بدأ التركيز على فكرة "شمولية الاسلام" كقضية سياسية فكرية حضارية، لمواجهة ما كان يطرح من أفكار كقضية "فصل الدين عن الدولة" وهذه المقولة كانت بداية التشريع لاستيراد النظريات والمناهج والفلسفات والنظم والقوانين والدساتير الوضعية من الحضارة الغربية الرأسمالية والشيوعية، ودعم هذا المسار ونشطه الوجود الأوربي الغربي الذي كان يمارس السيطرة بالقوة العسكرية..(13) .
فمن صور هذه المرحلة كما في نظر بعض الدارسين (إنهيار النظرة الشمولية للإسلام، أي النظرة إلى الاسلام على إعتباره أنه دين ودولة في آن واحد.. وتقلص دور الاسلام كنظام قيادي في السياسة والاجتماع والثقافة للعالم العربي)(14).
فهذه الاوضاع فرضت على الخطاب الاسلامي طرح قضية "شمولية الاسلام" لمواجهة التحديات السياسية والفكرية التي أفرزتها تلك الظروف.. والحركات الاسلامية التي نهضت في هذه الظروف إنما إنطلقت من هذه القضية "شمولية الاسلام" وحيث يتحدث عن أهداف الحركات الاسلامية آنذاك يقول الدكتور "توفيق الشاوي" ان (هدف الوحدة هو أول الاهداف التي نهض للدعوة إليها والعمل لها رواد الفكر الاسلامي والحركات التجديدية، وخاصة عندما انهارت الخلافة التي كانت رمزاً لتلك الوحدة وكانت دولتها في نظر المسلمين درعاً لها وحصناً، مهما تكن عيوب تلك الدولة، التي من اجلها قامت حركات الاصلاح الداخلي والتجديد الفكري لإنهاضها واصلاحها. هذا الهدف هو الذي يفرض على الحركات الاسلامية الدفاع عن شمول الاسلام ودوره في البناء السياسي للمجتمع)(15).
وحين يعالج الاستاذ "راشد الغنوشي" مصطلح الحركة الاسلامية يقول : ( ان للدعوة للاسلام والتحرك، به أساليب، واتجاهات ، كثيرة كالوعظ والارشاد، ونشر العلم، والتربية على العبادة والذكر، وإنشاء مؤسسات صحية وثقافية، والخدمات الاجتماعية. ولكن الذي يعنينا من بين ذلك الاتجاه الذي ينطلق من مفهوم الاسلام الشامل على أساس ذلك التصور الشامل. وهذا المفهوم ينطبق أكثر ما ينطبق على ثلاث اتجاهات كبرى: الاخوان المسلمون، الجماعة الاسلامية بباكستان، وحركة الامام الخميني في إيران.. فالاسلام في هذه الاتجاهات الثلاثة يؤخذ على انه كل مترابط، كل جزئية فيه ترتبط بغيرها فالعقيدة والشريعة والعبادة كل متكامل، ومن ثم لا مجال للتفريق بين الدين والسياسة، والدين والدولة )(16) وأغلب الكتابات الفكرية التي صدرت في تلك العقود حاولت التأصيل لهذا المفهوم (17).
الحل الاسلامي
في النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي ، وتحديداً بعد هزيمة 1967م التي عرفت في الخطاب العربي بعام النكسة، دخلت على العالم العربي تطورات وتحولات فكرية وسياسية فرضت إعادة تقويم المرحلة على قاعة النقد والنقد الذاتي، وظهرت قراءتان، الاولى من التيار القومي والاشتراكي، والثانية من التيار الاسلامي.
ففي تحليل التيار القومي ان هذه الهزيمة مثلت أكبر صدمة لتقدم المشروع العربي، حيث (الشعور بالاحباط أصبح منذ هزيمة العرب عام 1967م، الظاهرة المهيمنة على الوعي النهضوي العربي. يتجلى ذلك واضحاً في معظم الكتابات التي تناولت بكيفية أو بأخرى، التجربة النهضوية العربية، خصوصاً منهم أولئك الذين كانوا قبل الهزيمة من المنظرين للثورة، والذين بلغ بهم الحماس، أيام أوج الناصرية، درجة جعلتهم يقصون من قاموسهم كلمة نهضة باعتبار أن العصر عصر الثورة وليس عصر النهضة أو الاصلاح.
لقد أصيب هؤلاء كما أصيب غيرهم من الكتاب القوميين والتقدميين بنكسة على صعيد الوعي أعمق وأدمى من النكسة الحربية التي أصابت الجيش المصري عام 1967م. لقد انفجرت في وعيهم كل المخاوف التي كانت تشوش عليهم حلمهم الثوري(18) ويضيف كاتب قومي مصري هو "غالي شكري" ( لقد كان تدهور الفكر العربي المعاصر وما يزال من أبرز مظاهر السقوط الناصري بعد هزيمة 1967م.. – التي – كانت صياغة حضارية لسقوط تجربة اجتماعية )(19).
لقد (ظلت الهزيمة جاثمة ككابوس على الوعي العربي التقدمي. وبدأ بوضوح، مع الزمن ان مرحلة بكاملها تشرف على الانتهاء) (20).
والحقيقة ان هذه الهزيمة لم تكن عسكرية حدودها هي جبهات القتال فحسب، بل كانت هزيمة لمشروع كان يحلم بنهضة عربية جديدة. والذي جعل هذه الهزيمة بهذه التداعيات، ان المشروع القومي جعل من قضية فلسطين ومواجهة اسرائيل كتحدي حضاري قضيته الرئيسية، والتي من أجلها يعبىء كل طاقاته وقدراته، وهكذا عرف نفسه للساحة العربية. والى هذا اليوم والفكر العربي يعيش وقع تلك الصدمة التي يؤرخ لها ببداية السقوط. ولخطورة هذا الظرف فقط تركزت حوله العديد من الكتابات والدراسات التي أخذت منحى النقد، والمطالبة بوقفة تأمل، وتحليل الأزمة من الذات للخروج من هذا المأزق(21).
الى جانب هذه القراءة المهزومة، كانت هناك قراءة أخرى بمنهجية تختلف في تحليل واقع العالم العربي والاسلامي ومستقبله، وهذه القراءة جاءت من التيار الاسلامي الذي اعتقد ان نكسة حزيران 1967م كشفت عن فشل المشاريع العلمانية والليبرالية والاشتراكية والماركسية، وإنهيار البدائل غير الاسلامية التي تم اعتمادها في مرحلة الاستقلال وظهور الدولة القطرية القومية.. وان البديل عن هذه الخيارات هو "الحل الاسلامي" و ( هكذا شكلت ظروف الهزيمة مناخاً مواتياً لنهوض تيار جديد، يمتلك فكراً شمولياً قابلاً على التكيف، راسخاً في الوعي العميق لدى الجماهير، وامام انسداد آفاق المشروعين القومي والليبرالي، كان التيار الاسلامي، المقيم حتى الآن في الظل بشعارات مغرية ويوسع دائرة استقطابه )(22).
فمنذ ( هزيمة 1967م بدأت موجة جديدة من الشعور والبعث الاسلامي في النمو باضطراد بمصر )(23) والعالم العربي.. وقد وجد الاسلاميون في هذه الظروف فرصتهم في التعبير عن مشروعهم الذي أخذ عنوان "الحل الاسلامي" وضرورة العودة إليه بعد فشل الخيارات الأخرى. واكثر من نظر إلى هذه الحقيقة هو الدكتور "يوسف القرضاوي" الذي أصدر سلسلة حملت عنوان "حتمية الحل الاسلامي" أصدرها في أربعة أجزاء(24) وعن هذا الرأي يقول : ( ان كل الظروف والملابسات والوقائع في بلادنا العربية خاصة، وفي عالمنا الاسلامي عامة، لمن درسها دراسة علمية موضوعية، تحتم السير إلى الحل الاسلامي بعد ان فشلت كل الحلول المستوردة وتخبطت كل الانظمة المصطنعة، وبات العجز والخيبة واقع كل المذاهب والاتجاهات، ليبرالية واشتراكية، وأصبح تغييرها أمراً لا مفر منه.
وهذا ما أحست به جماهيرنا العربية المؤمنة، ونادت به، بعد نكبة يونيو "حزيران" 1967م ان لا حل ولا علاج إلا بالعودة إلى الاسلام(25). وهكذا باتت فكرة "الحل الاسلامي" في الخطاب الاسلامي من الأفكار التي يؤرخ لها في هذه المرحلة، وفي تاريخية تطور الافكار الاسلامية(26).
المشروع الحضاري الاسلامي
مع بداية عقد الثمانينات من القرن العشرين الميلادي، ووصول الاسلاميون الى إدارة المجتمع والحكم والدولة، في أول تجربة اسلامية لهم في التاريخ الحديث في ايران، ومع إنبعاث الصحوة الاسلامية التي تنامت في مختلف ارجاء العالم الاسلامي الممتد من طنجة في الغرب الى جاكرتا في الشرق، بدأ الحديث بشكل واسع وفي مختلف الاوساط حول تطبيق الشريعة الاسلامية، وفرض المشروع الاسلامي نفسه كأحد أهم الخيارات في العالم العربي والاسلامي حين تمسكت به الشعوب وطالبت به..
في هذه الأوضاع بدأت أسئلة جديدة تطرح من داخل الخطاب الاسلامي ومن خارجه، ومن هذه الأسئلة كيف سوف يدير الاسلاميون نظام المجتمع والدولة، وما هي مشاريعهم في الاقتصاد ونظراتهم الى الملكية الفردية والعامة، وتوزيع الثروة، وتدخل الدولة في الاقتصاد، ونظام البنوك، والبطالة، والتضخم، والعلاقات الاقتصادية الدولية، ومشكلة الفقر، والديون الخارجية، والتنمية والاعمار الى غير ذلك.
وفي الاجتماع ونظرتهم الى حقوق المرأة، وانماء المجتمع، ودور المجتمع في الدولة، ومشكلة الطبقات المحرومة والفقيرة، ومشكلة الجريمة والفساد الى آخره. وفي السياسة ونظرتهم الى نوع الحكم وشكل السلطة، وقضية الحريات، وحقوق الانسان، وكيفية ادارة السلطة، الانتخاب والترشيح، الشورى والبرلمان، القضاء.. وفي التربية ونظرتهم الى اصلاح الوضع التعليمي، والنهوض التربوي بالفرد والمجتمع والمناهج الجديدة.. وهكذا في الاعلام والثقافة.
وكل هذه الاسئلة كانت مشروعة جداً، وضرورية، وفرضت نفسها للاجابة عليها.. والحقيقة ان هذه الاسئلة كانت عبارة عن كيفية جديدة لمفهومية "الحل الاسلامي" ليس في إطاره الكلي لمنظومة فكرية مقابل المنظومات الفكرية الاخرى التي تختلف، بل عن مفهومية الحل الاسلامي من الداخل، ما هو هذا الحل! وهذا يعني الدخول في مكونات هذا الحل وتفاصيله، والتحول من التفكير بالمطلقات والعموميات الى الجزئيات والخصوصيات.. ومن هنا تبلورت مفهومية "المشروع الحضاري الاسلامي" حينما اقترب هذا المشروع من الواقع، وتجاوز مرحلة النظرية، والتفكير بمنهجية المقارنة الفكرية والفلسفية العامة، وبدأت المواجهة الحقيقية مع المشكلات الصعبة والكثيرة مع إدارة المجتمع والدولة..
هذه المعطيات هي التي تؤرخ لنا مفهومية "المشروع الاسلامي الحضاري" في تاريخية وتطور الافكار الاسلامية.. وبتحديد أكثر ان مفهومية "المشروع الاسلامي الحضاري" هو نتيجة تطور في المفاهيم، وهذا التطور هو نتاج الحقائق التالية :
أولاً : تجاوز العقل الاسلامي الصدمة الحضارية في علاقته بالحضارة الأوروبية التي أظهرت تفوقاً مذهلاً في العلم والصناعة والتكنولوجيا والتقنية. أربكت العقول في العالم العربي والاسلامي وأصابته بالانهزامية امام هذا التفوق، حتى ظهرت لنا شرائح تدعو الى تبني النموذج الاوروبي بخيره وشره بحلوه ومره كما عبر عن ذلك "طه حسين" (1306-1393هـ/1889-1973م) في واحد من اخطر مؤلفاته وهو " مستقبل الثقافة في مصر "(27).
وقد شكلت هذه الصدمة الحضارية واحدة من أخطر واكبر الصدمات الحضارية التي تعرضت لها المجتمعات العربية والاسلامية في تاريخها ، والذي جعل هذه المجتمعات تتمكن من تجاوز هذه الصدمة الحضارية، وهو الاسلام بما يمثل من هوية وثقافة وتراث وتاريخ وحضارة ونظم وشريعة وقوانين وآداب. وتجاوز هذه الصدمة رافقه الوعي بحجم المشكلة الحضارية في العالم الاسلامي..
ثانياً: فشل وتراجع الأطروحات الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نقلت من المدارس الفكرية الأوروبية المختلفة في سياق التخطيط لعمليات التحديث والتنمية للمجتعات العربية والاسلامية.. وفي هذا الصدد يقول السيد "محمد حسين فضل الله" ( ان سقوط المشاريع اللا إسلامية في البلاد الاسلامية، بحيث أنها لم تستطع أن تحل مشكلة الانسان من خلال العناوين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فإن ذلك يمكن أن يكون فرصة كبيرة للإسلاميين لكي يحركوا المشروع الاسلامي الحضاري الذي يقدمونه للمسلمين كقاعدة لحياة مستقبلية جديدة تستطيع أن تعطي المسلمين ما لم يستطيعوا ان يحصلوا عليه من خلال الآخرين) (28).
ثالثاً : العودة الى الحل الاسلامي كبديل حضاري عن الخيارات الأخرى..
رابعاً : وصول الاسلاميون الى الحكم وادارة المجتمع والدولة والمطالبة الشعبية بتطبيق الشريعة الاسلامية. وفي هذه المرحلة يمكن أن نؤرخ لنوعية جديدة من الكتابات الاسلامية التي تناولت بالدارسة والتحليل الفقهي والسياسي والاجتماعي لقضية إدارة الدولة والمجتمع في الاسلام(29).. وكانت هذه الكتابات ضرورية جداً للوقوف على الكثير من المشكلات الفكرية والسياسية التي تأخرنا كثيراً في معالجتها ودراستها، بالاضافة الى تأصيل وتجديد ومعالجة قضايا الدولة والسلطة في الاسلام.
ومع صعود الاسلام في العالم الصعود المتزايد الذي بدأت حركته خلال العقدين الأخيرين – الثمانينات والتسعينات – كما كشفت عن ذلك العديد من الدراسات والابحاث التي صدرت وتصدر في عواصم أوروبية وامريكية(30) أخذ المشروع الاسلامي الحضاري بعداً عالمياً، والاسلام يطرح اليوم في الدراسات الغربية كأحذ الخيارات الحضارية الكبرى في العالم. والذي ساعد على تبلور هذه الحقيقة المعطيات التالية :
أولاً : العودة إلى الدراسات والابحاث التي تكشف عن دور الاسلام الكبير في بناء الحضارة الاسلامية بشكل خاص والحضارة الانسانية بشكل عام وبالذات الحضارة الأوروبية(31). الأمر الذي كشف عن الجوانب الحضارية في الاسلام الجوانب التي كان يراد لها ان تكون مجهولة في الفكر الانساني المعاصر..
فالاسلام هو الذي أوصل الحضارة الانسانية الى درجة الرشد والنضج، ومن حينها أخذت الحضارة الانسانية دورة حضارية جديدة ومتطورة.
ثانياً : الأزمة الحضارية التي يمر بها العالم ليس في الدول المتخلفة فحسب بل في الدول المتقدمة أيضاً من الخطر النووي المدمر، الى التسابق على التسلح وبناء الترسانات الضخمة والخطرة من السلاح بأنواعه الفتاك، الى تلوث البيئة والتدمير البطىء للبيئة العالمية في البر والبحر والجو ، الى الحروب والصراعات التي لم تتوقف بل تزايدت على نطاق واسع اكثر مما كان يعتقد في مرحلة الحرب الباردة، الى التفكك الاجتماعي الخطير من انهيار الأسرة الى تشوه العلاقات الاجتماعية حتى في داخل الأسرة، الى تزايد الامراض والأوبئة الفتاكة، الى خطر المجاعة والفقر الى غير ذلك.. فهذه الأزمة الحضارية ليست جديدة على العالم بل قديمة ومتزايدة ، ولم تستطع الحضارة الأوروبية معالجة هذه المشكلات في داخلها وخارجها، في حين هي الأقدر على معالجة هذه المشكلات لامكانياتها الضخمة، ولأنها سبباً في هذه الازمات..
ثالثاً : تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار الايديولوجية الماركسية والاشتراكية العلمية وهي أكبر الايديولوجيات التي صاغها الفكر البشري في التاريخ الحديث.. هذا الانهيار أحدث هزة في المنظومات الفكرية والفلسفية والوضعية، وخلق فراغات فكرية واسعة في العالم لما مثلته الماركسية من نظرية عالمية، تداخلت مع مختلف العلوم الاجتماعية والطبيعية.. هذه التداعيات وغيرها ساعدت على ظهور نظرية عالمية جديدة فكانت النظرية الاسلامية التي اعتبرها الغرب العدو العالمي الجديد بعد سقوط الشيوعية.
رابعاً : ما أظهره الاسلام من حيوية كبيرة، وما يختزله من قدرة على الإحياء والتجديد .. فالاسلام يعتبر اليوم من أكثر الديانات والافكار حيوية وانتشاراً في العالم بما في ذلك المجتمعات المتقدمة، وبدأت شعوب كثيرة العودة إلى الهوية الاسلامية كما في البوسنة والهرسك والجمهوريات الاسلامية المستقلة من الاتحاد السوفيتي سابقاً وغيرها..
وقد عمل الغرب بما يستطيع منذ بداية احتكاكه بالاسلام والعالم الاسلامي مع الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر الميلادي على امتصاص وتدمير عامل الحيوية في الاسلام وقدرته على الاحياء والتجديد، وقد اعتقد الغرب لفترة من الزمن انه تمكن من ذلك وسرعان ما اكتشف عكس ذلك. فكل النهضات والحركات الاصلاحية وثورات الشعوب في البلاد الاسلامية كان المحرك لها هو الاسلام. وعلى الغرب ان يعتقد انه لا يستطيع ان يواجه الاسلام ثقافياً، وبالتالي لن يتمكن من إمتصاص وتدمير قدرة الإحياء والحيوية في الاسلام وفي الشعوب الاسلامية.
ماذا نعني بالمشروع الحضاري الاسلامي المعاصر ؟
من غير التحديد العلمي والمعرفي للمفاهيم وبمنهجية التفكيك فلن نقف على أرضية وقاعدة متماسكة في البحث والتحليل. وهذا أول ما يواجه به الباحث نفسه.
وهذه المفاهيم سوف اعتمدها بالشكل الذي فهمته وليس بالضرورة كما هو شائع. ونبدأ أولاً بالتفكيك ومن ثم بالتركيب.
المشروع : يرادف هذه الكلمة في القرآن الكريم كلمة "المنهاج" وقد جاء في قوله تعالى ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ) (32) والمنهاج كما عن لسان العرب هو الطريق والطريق المستقيم أيضاً (33) ويشير إلى ذلك "الراغب الاصفهاني" في نظره الى هذه الآية " ما سخر الله تعالى عليه كل إنسان من طريق يتحراه، مما يعود الى مصالح العباد، وعمارة البلاد " (34).
كما توحي كلمة المشروع بالمخطط الذي يفترض فيه الاكتمال ويكون جاهزاً للتطبيق أي تحديد الأسس النظرية والآليات التطبيقية، المبنية على دراسة الواقع وشروطه ومكوناته، ومتطلباته ومقتضياته. بعكس مفهوم النظرية التي توحي بعدم توفر الجوانب التطبيقية، وبالتالي بعدم تحديد الآليات المناسبة لتطبيق النظرية على الواقع.
فالمشروع يفترض فيه الوضوح الواقعية أي انه يلبي حاجة الواقع، والاستعداد للتطبيق بتشخيص الآليات.. ولهذا نجد ان كلمة المشروع كانت غائبة عن الخطاب الاسلامي حينما كان هذا الخطاب ينزع نحو الجوانب النظرية، وحينما إقترب من الواقع والتطبيق بدأ الحضور الواسع لهذه الكلمة في الخطاب الاسلامي.. لأن مجال تداول هذه الكلمة في الغالب هو في المجالات العملية والتطبيقية.
الحضاري : إذا أخذنا الحضارة بمعنى الحضور الذي يعني نقيض المغيب والغيبة، كما عن لسان العرب(35) ويرد هذا اللفظ في القرآن الكريم مرادفاً للفظ "شهد" حيث يقول الله سبحانه وتعالى ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه )(36) أي حضر مجىء الشهر وشاهده(37).
فالحضارة بمعنى الحضور فإن هذا المعنى يعطي الدلالات التالية :
أولاً : الحضور بمعنى مواكبة المتغيرات والتحولات والتجديدات على الاصعدة المختلفة الداخلية والخارجية، الاسلامية والعالمية.. وهذا يعني ان يكون الانسان والأمة في مستوى العصر وما وصل اليه من تطور وتقدم. وهذا الذي يعطي معنى الحضور دلالته الفعلية.
ثانياً : الحضور بمعنى القدرة على الحضور، وهذه القدرة هي التطوير المستديم والتجديد المتواصل حتي يمكن الأمة من ان يكون لها حضورها في كل ظرف وكل مرحلة وكل زمن وكل عصر.
ثالثاً : الحضور بمعنى الانفتاح والتفاعل والتواصل، فالحضارات لا تبنى في ظروف الانغلاق أو الجمود أو الانكماش.. فالصين التي مرت عليها أقدم الحضارات بنت سور الصين العظيم الذي كان يعني لها انها اكتفت عن العالم ولا تحتاج له ومع مرور الزمن ثبت لها العكس. وبعد زوال الحرب الباردة تعالت الأصوات في داخل الولايات المتحدة الامريكية التي تطالب بعدم الاهتمام والانشغال بقضايا العالم وكل ما هو خارج الولايات، فانبرى لهذه الاصوات وزير الخارجية السابق "جيمس بيكر" بقوله ان مسيرة النمو والتطور التي مرت على امريكا في تاريخها كان في ظل ظروف الانفتاح وليس الانغلاق.. لأن النمو بحاجة الى حوافز والانفتاح يولد حوافز مستمرة.
رابعاً : الحضور بمعنى المسؤولية وتحملها على مستوى العصر ومقتضياته ومتطلباته وهذا مصداق قوله تعالى ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )(38) وقوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة، وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً )(39).
خامساً : الحضور بمعنى المشاركة والتعاون في كل ما يتطلبه العصر من قضايا واحداث ومواقف وتطورات. فحينما يطرح النظام العالمي الجديد فهذا يعني ان نكون أمة مشاركة في صنع هذا النظام، لا أن يكون مفروضاً علينا ويكرس حالة التبعية والاحتكار والسيطرة كما هو حاصل وكما تريد الدول المنتصرة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية.
وإذا أخذنا الحضارة بمعنى (الحضر : خلاف البدو. والحاضر : خلاف البادي، والحاضر : المقيم في المدن والقرى، والبادي : المقيم بالبادية)(40).
ويوافق هذا المعنى ما طرحه "ابن خلدون" (732-808هـ/1332-1406م) لمفهوم الحضارة حيث يقابله بالبداوة(41). وينتقد هذا المفهوم الاستاذ "نصر محمد عارف" ( وبالنظر الى مفهوم الحضارة يلاحظ أن استخدام ابن خلدون للمفهوم قد توافق مع جذور المفهوم الأوروبي "Civilization" ومن ثم وقف الباحثون العرب عند الدلالات التي أعطاها ابن خلدون للمفهوم، على الرغم من أن ابن خلدون لم يكن يتحدث عن مفهوم الحضارة كمفهوم كلي شامل يؤطر الحركة البشرية، ويلقي عليها بصفات قيمية معينة، بل إن إستخدامه لهذا المفهوم متسق تماماً مع بنائه الفكري في "المقدمة" وحديثه عن تطور الدولة ومراحلها، وهنا يلاحظ – أيضاً – أن ابن خلدون لم يكن يقصد الدولة بمعناها المعاصر – شعباً وإقليماً وحكومة – وانما كان يقصد ما يمكن أن يشمل العهود السياسية أو النظم السياسية أو عملية توارث السلطة وانتقالها أو توالي الأسر الحاكمة، لذلك كان استخدامه لمفهوم الحضارة متصوراً فقط على إحدى دلالات هذا المفهوم، وهي تلك المشتقة من الاقامة في الحضر بخلاف البادية )(42).
وما أعتقده هو خلاف الرأي بخصوص مفهوم ابن خلدون للحضارة، الذي أراه يتوافق مع المفهوم الأول للحضارة بمعنى الحضور ودلالات هذا الحضور بالمنطق الحضاري وذلك للحقائق التالية :
أولاً : ان البدو والبداوة ليس لهم حضور وليس لهم حاضرة، لأنهم مجتمع لا يعرف الاستقرار والتوطن، فهو في ترحال دائم يبحث عن مقومات الحياة بين الصحاري والفلوات بعكس المجتمع الحضري الذي يأسس حياته على الاستقرار والتوطن، فهو مجتمع حاضر وله حضور..
ثانياً : ان مجتمع البدو والبداوة من المجتمعات المغلقة والمقطوعة والمنفصلة، فلا تحيط به إلا الصحراء وليس بينه وبين المجتمعات الأخرى وسائط للاتصال والتواصل والتفاعل وهذا من دلالات الحضور والحضارة.
يقابله المجتمع الحضري الذي كان يعيش في الغالب بقرب البحار والانهار، وفي عصر كانت البحار تمثل فيه من أهم وسائل الاتصال الحيوية بين الأمم والشعوب والحضارات.. والتاريخ يشرح لنا كيف أن الحضارات إنما نشأت وإزدهرت وتوالت في المجتمعات التي كانت فيها البحار والانهار، حتى عرفت هذه الحضارات وميزت بأنهارها كالحضارة المصرية وهي من أقدم حضارات التاريخ وهي هبة النيل كما يقول المؤرخون، وحضارات ما بين النهرين التي لم تنقطع عنها الحضارات في التاريخ وغيرها.
ثالثاً : ان الحضارة – أية حضارة – انما هي نتيجة تراكم متواصل من العطاء والبناء والإنماء والتجديد والتطور، وهذا ما لا يتوفر في مجتمع البدو والبداوة لطبيعته النقالة، فلا يحفظ لنفسه تراكم يرتبط بعلاقة المجتمع بالمكان، كما يحصل في المجتمع الحضري الذي تمر عليه أجيال كثيرة على أرض واحدة.
رابعاً : عرف عن المجتمع البدوي إنه لا يصنع حضارة ليس لأنه لا يريد، بل لأنه لا يبني حياته على الاستقرار والتوطن، والذي لا يستقر في مكان لا يطوره ولا يعمره لأن في مخيلته إنه في يوم من الأيام سوف يهجر هذا المكان، وهذا ينعكس على فقدان الحوافز في البناء والانماء والاعمار.
خامساً : ان الحضر والحضارة في نظر ابن خلدون يرتبط بالعمران، والعمران قابليته من جهة توفر العناصر والمكونات عند المجتمع الحضري أكثر من مجتمع البداوة، من جهة أخرى أن ما يميز الحضر عن البداوة هو العمران، وإذا تأملنا في الآية الكريمة ( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وإنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )(43).
فإن مركب الحضارة هو "لتعارفوا" والذي يعني التواصل والتفاعل والانفتاح والتبادل والمشاركة والتراحم والتعاون، وكل هذه الحقائق تتوقف على قاعدة "لتعارفوا" والتعارف بين الأمم والشعوب هو ان تعرف كل أمة أحوال الأمم الأخرى، وظروفها ومشاكلها وحاجياتها وتفوقها ومشاريعها ومنجزاتها الى غير ذلك وهذا الذي يجعل من التعارف يحقق أهدافه بين الأمم والشعوب.
من هنا نصل الى ان مفهوم "الحضاري" هو المشروع الذي يحقق الحضور وبمقدوره ان يكون حاضراً وله الحضور بالدلائل والمفاهيم التي أشرنا إليها، والمشروع الحضاري لكي يحقق له الحضور في العالم الاسلامي عليه ان يتجاوز كافة أشكال الطائفية والعرقية والعنصرية وكل الرواسب الجاهلية حتى يكون مشروعاً جامعاً تنهض من خلاله الأمة الاسلامية متوحدة متكاملة متدافعة، فالمشروع الحضاري لن يكون له الحضور إذا كان جزءاً من مشكلات وأزمات العالم الاسلامي ولم يستطع ان يتجاوزها ويتعالى عليها.
الإسلامي : ان المشروع الحضاري الذي نتطلع اليه هو الذي ينطلق في أسسه وركائزه، في أصوله وفروعه، في ثوابته ومتغيراته، في مقاصده وأهدافه، في نظمه وقوانينه من الاسلام.. فالاسلام كله نهضة واحياء وتجديد، لأنه دعوة للعمل ( وقل أعملوا )(44) والسعي ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى )(45) والعلم ( إقراء )(46) والكدح ( يا أيها الإنسان إنك كادح لربك كدحاً )(47).
والذي يفهم الاسلام فهماً سليماً يكتشف قدرته المذهلة على الاصلاح والتغيير والاحياء والتجديد، في احكامه وآدابه وعقائده وتعاليمه وقيمه ومبادئه. وهو مشروع حضارة لكل الانسانية. ( وعندما نتحدث عن المشروع الحضاري في الاسلام، فإن حديثنا سيكون أبعد شيء عن النظريات والتقديرات والتهويمات الكلامية، لأننا – في الاسلام – امام تجربة تاريخية حضارية كبيرة، لم تعرف البشرية مثيلاً لها من قبل ولا من بعد، من حيث الانجاز القياسي لبناء اجتماعي رشيد متفوق مادياً وروحياً وفكرياً، في زمن قصير بالنسبة لتاريخ التحولات الكبرى في مسيرة الانسان.. وعندما نستحضر الاسلام في بحثنا عن "مشروع حضاري" فنحن – من ناحية التاريخية – نملك رصيداً تجريبياً وتطبيقياً يعطينا مصداقية عملية وواقعية لضرورة صياغة مشروعنا الحضاري على أساس الاسلام )(48).
من جهة أخرى ان التجربة الزمنية والواقع الموضوعي هي خير دليل وبرهان على فشل كل الخيارات والبدائل والمناهج والمشاريع غير الاسلامية، خلال ما يزيد عن قرن من الزمان. حيث جرب العالم العربي والاسلامي مختلف الخيارات المستوردة من الفكر الاوروبي ولم يتحقق التقدم الاجتماعي ولا التنمية الاقتصادية ولا التطور السياسي ولا الارتقاء العلمي. وما حصل يبعث على الاحباط والقلق الشديد على المستقبل إذا لم يحصل التغيير واعادة النظر والرجوع الى الأمة والعودة الى الدين..
وما ينبغي ان نتبصره ونتخذه عبرة ان أي مشروع حضاري يستبعد الاسلام فإن مصيره محكوم عليه بالفشل، ليس هذا إنشاء ولا رجماً بالغيب، ولا قصر نظر ، ولا محدودية علم، بل لأن الاسلام هو تاريخ هذه الأمة وتراثها وهويتها وثقافتها وروحها وعقيدتها وأي مشروع يتعارض مع تراث أية أمة أو هويتها أو ثقافتها أو روحها، فإن هذا المشروع لن تتوفر فيه عناصر ومقومات النجاح، لأنه سوف يكون غريباً في المكان والزمان.
المعاصر : المشروع الحضاري الاسلامي الذي نريد من شروطه ان يكون معاصراً، بمعنى ان يكون مستوعباً للعصر وحاجاته ومتطلباته، من خلال نظرة نقدية تقويمية للحقبة المعاصرة الممتدة من بداية القرن العشرين الى هذا الوقت. فهذه الفترة مرت عليها تحولات وتطورات ساهمت بدرجة أساسية في تشكيل مكونات هذه الحقبة المعاصرة وفي خصائصها ومعالمها..
فالمشروع الاسلامي بحاجة الى قراءة نقدية جديدة للفترة الممتدة من بداية القرن العشرين، وهذه القراءة ضرورية جداً في فهم واستيعاب الفترة الراهنة واما بخصوص هذه الفترة، فإنها من اكثر الفترة تأملاً وحساسية في التاريخ الحديث والمعاصر، حيث التحولات الخطيرة المتوقعة وغير المتوقعة، وكما اعتقد إننا بحاجة إلى تقويم حضاري جديد لعالمنا المعاصر(49).
والمشروع الحضاري لكي يكون معاصراً عليه ان يكون منفتحاً لا منغلقاً، إجتهادياً لا تقليدياً، شوروياً لا آحاياً، متحركاً لا ساكناً، مستقبلياً لا ماضوياً.. ومن أبعاد ان يكون المشروع الحضاري معاصراً ، هو كيف نقدم الاسلام للعالم اليوم وللمجتمعات الغربية بشكل خاص وهي المنشغلة بالتعرف على الاسلام، هل على طريقة الذين حضروا المركز الاسلامي في اليابان ليعتنقوا الاسلام، فينصدموا حينما يوجه لهم على أي مذهب تريدون اعتناق الاسلام. فيخرجوا من المركز بخلاف ما دخلوه، فقضية كيف نقدم الاسلام الى الغرب بحاجة الى دراسة معمقة ودقيقة حتى نقدم الاسلام بصورته الحضارية.
ومن الأبعاد – أيضاً – الاهتمام باستشراف المستقبل، وهذا يهمنا كثيراً ونحن نتأمل الأحوال والأوضاع التي تمر بنا في العالم العربي والاسلامي حيث النكسات والاحباطات تحاصرنا من كل الجهات، حتى ان البعض يتساءل (هل يملك المرء مبرراً معقولاً للحديث عن الاسلام والمشروع الحضاري العربي، أو ان يتحدث، بالاحرى عن مشروع حضاري عربي قوامة الاسلام ووجهته المستقبل مع ما يحدث الآن، في بعض البلاد العربية، من أشكال العنف التعصب)(50).
فكل ما حولنا يحفزنا لاستشراق مستقبل نتأمل منه الخروج من هذه الازمات الخانقة وان نبدأ مسيرة التطور والتنمية والعمران..
بهذا نكون قد عبرنا عن فهمنا لمفهومية "المشروع الحضاري الاسلامي المعاصر" وماذا نعني به، وعن مكونات هذه المفاهيم بعد تفكيكها، حتى نخرج من إشكالية منهجية حول كيفية فهم هذه المفاهيم.
..و"المشروع الحضاري الاسلامي المعاصر" من خلال فهمه التركيبي ، هو في أحد جوانبه (أنه ليس مجرد عقيدة، ليس مجرد تهذيب للروح، وتربية للفضائل، بل هو الى جانب ذلك، نظان إقتصادي عادل، ونظام اجتماعي متوازن، وتشريع مدني، وتشريع جنائي، وقانون دولي، وتوجيه فكري، وتربية بدنية)(51) وفي جانب آخر المشروع الذي (تجتمع عليه الأمة الاسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، في آسيا وافريقيا، وهو القادر على إنشاء الكتلة العالمية الثالثة التي تحفظ التوازن بين الروح والمادة، بين الدين والدنيا، بين الفرد والمجتمع، بين الشرق والغرب، ويبرز للبشرية أمة وسطا)(52).
ومن جوانبه أنه (مشروع حضارة ذات بعد كوني نعارض بها الحضارة الرأسمالية ونظامها العالمي، مشروع أرقى نوعياً، يرمي إلى علاقة نوعية بين الانسان والانسان، وبين الانسان والطبيعية)(53).
ومن جوانبه إننا بحاجة الى (نموذج حضاري عالمي يعالج مشاكل العصر الأساسية، كمشكلة التنمية، ومشاكل الجوع والعنصرية والامبريالية وحماية البيئة، ويقدم لها حلولاً تفوق نوعياً الحلول التي يقدمها الغرب)(54).
ومن جوانبه أن (المشروع الحضاري هو خطة انسانية عامة وشاملة ومتكاملة لصياغة الحركة الانسانية للأمة في مستقبلها المأمول)(55).
فالمشروع الحضاري الاسلامي المعاصر هو مشروع بناء حضارة جديدة يستعيد فيها الانسان حريته وكرامته وسعادته وانسانيته.
ومن داخل الخطاب الاسلامي ظهرت كتابات كثيرة تعبر عن هذا التوجه الحضاري في طرح الاسلام، وتعالج المشكلة الحضارية في العالم الاسلامي، والأزمة الحضارية في العالم (56). ولا زلنا بحاجة إلى إستكشاف أعمق للجوانب الحضارية الشاملة من فكرنا وتراثنا وتاريخنا، الذي يختزل لنا الشيء الكثير، وينتظر من يستكشفه لنا، وأمامنا تجربة لواحدة من أرقى الحضارات الانسانية في إعلاء القيم الانسانية وهي الحضارة الاسلامية.
المقاصد العامة للمشروع الحضاري الاسلامي
المقاصد العليا هي القيم الأساسية التي على أساسها تشخص مصالح الأمة، ومن خلالها تحدد مناطات الأحكام على مستوى الأمة وليس الأفراد. ويعبر عن هذه القيم السيد "محمد باقر الصدر" (1353-1400هـ/1935-1980م) بالقيم التي (تشكل أساساً لاستيحاء صيغ تشريعية متطورة ومتحركة وفقاً للمستجدات والمتغيرات تكفل تحقيق تلك القيم وفقاً لصلاحيات الحاكم الشرعي في ملء منطقة الفراغ)(57).
فهذه المقاصد متوجهة إلى القيم العليا للأمة بعنوان أن الأمة كجماعة وليس بعنوان الفرد، وهذا ما كان غائباً في التشريع الاسلامي لزمن طويل، حيث غلب على الاجتهاد والتشريع في الفقه الاسلامي عنواد الفرد وغاب عنوان الأمة.
ويشرح ذلك السيد "الصدر" بقوله ان (حركة الاجتهاد – الفردي والاجتماعي – لأنهما سواء في حساب العقيدة، ولكنها في خطها التاريخي الذي عاشته على الصعيد الشيعي كانت تتجه في هدفها على الأكثر نحو المجال الأول فحسب – الفردي – فالمجتهد خلال عملية الاستنباط يتثمل في ذهنه صورة الفرد المسلم الذي يريد أن يطبق النظرية الاسلامية للحياة على سلوكه، ولا يتمثل صورة المجتمع الذي يحاول أن ينشىء حياته وعلاقاته على أساس الاسلام)(58).
وما نلمسه من تحول في الفكر التشريعي والاجتهادي الاسلامي في الوقت الراهن، الاحساس بهذه المشكلة التي مثلت منطقة فراغ في الفقه الاجتهادي، وبدأ الاهتمام بادخال عنوان الأمة أو المجتمع أو الدولة في الفقه الاسلامي والتشريع الاجتهادي ومن هذه المقاصد العليا :
أولاً : التوحيد
التوحيد أعظم حقيقة في الكون، وأكبر فلسفة في الحياة، وهو قمة المقاصد العليا في الشريعة الاسلامية، وأول العلم معرفة الله، ومن الله سبحانه وتعالى يبدأ كل شيء وإليه كل شيء ينتهي. ومن التوحيد نعرف فلسفة الانسان، وغاية الحياة، وحكمة الكون.. وكل ما في الحياة والمجتمع والتاريخ والكون من سنن وقوانين فإنها ترجع إلى قانون واحد، هو قانون الله سبحانه وتعالى الذي خلق كل شيء بقدر ، وكل شيء يسبح بحمده لكنكم لا تعلمون.. وهذا الذي يحقق الانسجام والترابط والتكامل بين كل مخلوقات الحياة والكون. وكل المقاصد والقيم لا تتحقق إلا من خلال التوحيد والعبودية لله سبحانه وتعالى لأن كل شيء إنما يتحقق بارادة من الله ووفق سننه في الحياة..
والله سبحانه وتعالى خلق الانسان ليعبده في كل شيء (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون)(59) وهذا يعني أن نعبد الله في كل شيء نعبده في السياسة وفي الاقتصاد وفي الاعلام وفي الاجتماع وفي التربية إلى غير ذلك..
فالمشروع الحضاري الاسلامي (ينطلق من خلال الإيمان بالله الواحد في خلقه للكون وفي تدبيره للكون بحيث يختزن الانسان المسلم في داخله بأنه لا يعيش الضياع في الحياة لأن هناك رباً حكيماً قادراً يدبر أموره في نطاق السنن الكونية أو السنن الانسانية التي أودعها في الكون وفي الانسان)(60) ( ويترتب على ذلك في منهجية الفكر الاسلامي أن الله هو الحق ، وهو مبدأ كل شيء ، وهو غاية كل شيء ، فوجود الله تعالى وإرادته وأفعاله هي الأسس الأولى التي عليها يقوم بناء كل الكائنات، وكل المعارف، وكل أنظمتها. سواء أكان موضوع المعرفة هو عالم الذرة الصغيرة، أم النجوم الكبيرة ، أم أعماق النفس، أم سلوك المجتمع، أم مسيرة التاريخ )(61).
ومن التوحيد تستمد الأمة عزيمتها وإرادتها وقدرتها على مواجهة التحديات والصعاب في مختلف الظروف والأزمنة، فمن يتوكل على الله فهو حسبه..
إذن فمن مقاصد المشروع الحضاري الاسلامي أن تصبح الأمة، أمة مؤمنة عابدة موحدة في كل شؤونها وأبعاد حياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي كل الميادين الأخرى، وأن تقام شعائر الله وأحكامه وحدوده بمقاصدها وقيمها الفردية والاجتماعية.. وهذا الذي يحقق للأمة سعادتها وحريتها وكرامتها وعدالتها وتفوقها..
ثانياً : الكرامة الانسانية
خلق الله الانسان ليعيش كريماً مكرماً في فقره وغناه، في يسره وفي عسره، وفي صحته وفي مرضه، في موطنه وفي غربته، في صغره وفي هرمه، في حياته وفي مماته، فالكرامة هي عنوان الانسان وجوهر إنسانيته، فالانسان إنساناً بكرامته، فهي أعلى ما يصبو إليها الانسان في حياته، وأشد ما يدافع عنه تمسكاً بها.
و(الاسلام كان أول نظام كلي في الحياة إعترف بالانسان كما هو في حقيقته، وأنه أول نظام أقام نظام الدين كله إستجابة لهذا الاعتراف وتجسيداً له. وهذا الاعتراف هو في الحقيقة مصدر كل حق من حقوق الانسان والأصل لها كلها)(62).
ويأتي البيان الالهي في أبلغ تعبير قي قوله تعالى (ولقد كرما بني آدم وحملناهم في البر والبحر)(63) فالانسان كإنسان محترم ومكرم بغض النظر عن لونه وعرقه ولسانه ودينه وملته، وتمتد هذه الكرامة لبدن الانسان ونفسه وعقله مصداق قوله (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم)(64).
وهذا ما تصفت به الحضارة الاسلامية وتفوقت به على كل الحضارات الانسانية، حيث ارتقت بقيمة الانسان وأعلت من إنسانيته، وصححت مقاييس التفاضل بين البشر ووضعت مقاييس التقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)(65) والعلم (قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون)(66) والعمل الصالح (وما تجزون إلا ما كنتم تعملون)(67).
وهكذا عرفت الحضارة الاسلامية بحضارة المثل والقيم والأخلاق والآداب، وما كان غريباً أن يجتمع بلال الحبشي وصهيب الرمي وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر العربي في صف واحد وبجهد مشترك يساهمون في بناء الحضارة.
فالانسان هو محور الحضارة، منه تبدأ وإليه تعود، فالحضارة هي للإنسان وليس الانسان للحضارة، وما قيمة الحضارة التي أوصلت الانسان إلى القمر، وكشفت له أسرار الذرة، وبنت له ناطحات السحاب، وفجرت له المعرفة، لكنها جعلت من الانسان تائهاً يعيش الضياغ محطماً في داخله غريباً مع ذاته وإنسانيته عنصرياً في علاقته بغيره من الشعوب الأخرى.
فالحضارة إنما هي لتتمم مكارم الأخلاق كما قال رسول الله (ص) " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ".
ومن هذه الكرامة تحقق الأمة في داخلها المساواة والعدل والإحسان والتراحم والشورى وينطلق الانسان في مسيرة العطاء والبناء والإنماء والإعمار.
ثالثاً : العمران
جاء الانسان إلى الحياة يبني الحضارة حتى يتغلب من خلالها على الأمراض والفقر والخوف، ويتغلب على كل مخاطر الطبيعة، ومصاعب الحياة، ويبني علاقاته على أسس سليمة، ويعيش سعيداً في حياته.
وكل ما في الحياة والطبيعة والكون من كنوز وثروات وحقائق واسرار مسخر للإنسان، وقد زود الله الانسان من القدرة ما يمكنه على تسخير كا ما في الطبيعة والكون من خلال إكتشاف السنن واختراق الاسباب، وهذه القدرة هي العقل والعلم والارادة.
وكل النظريات والأفكار التي تعطل دور الانسان في الإنماء والإعمار والتي تنطلق من رؤية سلبية للدنيا، هي نظريات وأفكار خاطئة ولا تتفق مع روح الإسلام ومقاصده.
حيث تصور علاقة الانسان بالدنيا علاقة نفور وطلاق بعنوان الزهد والخوف من عذاب الآخرة وهناك الكثير من الكتابات التي توجه الانسان لهذه الرؤية فتعطل كل طاقاته الإنمائية وإمكانياته في الإعمار والتنمية، فيتحول الانسان من طاقة إيجابية فاعلة إلى طاقة سلبية مجمدة.. والانسان هو أكبر طاقة في هذه الحياة، فمن المؤسف حقاً أن يصبح مشلولاً لا فاعلية له ولا عطاء لأنه محكوم برؤية سلبية جامدة تمتص كل حوافز العمل والانتاج، وتحشره في آفاق ضيقة من وراسبها الانغلاق والجمود..
والحقيقة أن الاسلام كله دعوة للعمران والانماء والاصلاح للحياة، والقاعدة ان صلاح الدين بصلاح الدنيا، وصلاح الآخرة بصلاح الدنيا.
والحديث الشريف المعروف المروي عن رسول الله (ص) " إذا قامت القيامة وكانت بيد أحدكم فسيلة فليغرسها " فإن هذا دليل واضح على دعوة الاسلام للعمران والإنماء..
والانسان في العالم الإسلامي في أشد ما يكون إلى أن يستعيد دوره الحضاري في مسيرة الانماء والاعمار على أمل أن تنهض الأمة بأوضاعها التي وصلت إلى أسوأ حالات التخلف في مختلف المرافق والمجالات .. من هنا فإن من أولويات مقاصد المشروع الحضاري الاسلامي هو العمران الانساني.
رابعاً : العدل
العدل هو ميزان الله في الأرض، وأساس الملك، وقوام الأمم والحضارات، وهدف الرسالات المساوية ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)(68) (وكم هو دقيق وبليغ هذا التعبير القرآني.. ليقوم الناس بالقسط، لأن إقامة القسط يعني إقامة العدالة الاجتماعية وهذه مسؤولية الناس أنفسهم)(69)لأن الناس هم أكثر ما ينبغي أن يمارسوا العدل في حياتهم، وأن يدخل العدل في نظامهم الاجتماعي في جوانبه المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. الخ، ولا قوام للعدل في الدولة والحضارة إلا أن يقوم الناس به..
ولن تتحقق عدالة إجتماعية كاملة، كما يقول "سيد قطب" (1324-1386هـ/1906-1966م) " ولن يضمن لها التنفيذ والبقاء ، ما لم تستند إلى شعور نفسي باطني باستحقاق الفرد لها، وبحاجة الجماعة إليها، وبعقيدة في أنها تؤدي إلى طاعة الله وإلى واقع انساني أسمي. وما لم تستند كذلك إلى واقع مادي يهيء للفرد أن يتمسك بها، ويحتمل تكاليفها ويدافع عنها ولن يستحقها الفرد بالتشريع قبل أن يستحقها بالشعور، وبالقدرة العملية على إستدامة هذا الشعور ، ولن تحافظ الجماعة على التشريع إن وجد، إلا وهناك عقيدة تؤيده في الداخل، وإمكانيات عملية تؤيده من الخارج.. وهذا ما نظر إليه الإسلام في توجيهاته وتشريعاته جميعاً "(70) ويضيف ( أن الحياة في نظر الإسلام تراحم وتواد وتعاون وتكافل، محدد الأسس، مقرر النظم، بين المسلمين على وجه خاص، وبين جميع أفراد الانسانية على وجه عام)(71).
وعن مهام الدولة الاسلامية بما تمثله من مشروع حضاري إسلامي يقول السيد "محمد باقر الصدر" إن عليها ( تجسيد روح الاسلام، بإقامة مبادىء الضمان الاجتماعي، والتوزان الاجتماعي، والقضاء على الفوارق بين الطبقات في المعيشة، وتوفير حد أدنى كريم لكل مواطن، وإعادة توزيع الثروة بالأساليب المشروعة، وبالطريقة التي تحقق هذه المبادىء الاسلامية للعدالة الاجتماعية )(72).
والمجتمع الذي لا يعيش العدل فإنه لا يوظف طاقاته في إنماء هذا المجتمع وعمرانه، فتتوقف مسيرة البناء والإعمار وهذا ما يفسر سقوط المجتمعات والحضارات إذا انعدم عنها العدل. وقد جاء في البيان الالهي في قوله تعالى ( وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا )(73) لأن الظلم يفتك بكل شيء في المجتمع، يفتك بالقانون والنظم والسياسات، والأخلاق والآداب والاقتصاد والتربية الاجتماع إلى غير ذلك.
وقد أمر الله بالعدل في قوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان)(74) "فالعدل يقر الحقوق ويحميها، والاحسان يفتح باب الرحمة ويرسيها)(75) وهذا يعني أن يقترن العدل بالاحسان، والدافع إلى العدل هو العقل، والدافع إلى الإحسان هو الوجدان بمعنى التراحم..
خامساً : وحدة الأمة
الوحدة قيمة حضارية كبرى، وهي نتاج الحضارة، فكلما ارتقت الأمة باتجاه الحضارة ارتقت بإتجاه الوحدة، وكلما انحدرت عن الحضارة ، انحدرت باتجاه التمزق.. وهذا يعني أن الوعي بالوحدة هو وعي حضاري، من خلال هذا الوعي نتعلم كيف نختلف، وكيف أن الاختلاف لا يتحول إلى تصادم وتمزق، ومنه نكشف كيف أن التنوع والتعددية هو إثراء وتكامل، وليس تناقضاً وتصادماً.
والأمة الاسلامية لم تعرف الوحدة إلا مع الاسلام، وهذه حقيقة تاريخية ثابتة، برهنت على جوهر حضاري في الاسلام، الذي استطاع أن يعالج الفوارق والعصبيات المترسبة لزمن طويل وبعد أن دخلت في الأخلاقيات والنظام الاجتماعي، وفي الأدب المتمثل في الشعر وهو أرقى مستويات التعبير الفني والجمالي لتلك المجتمعات..
وإذا بهذه المجتمعات المتناحرة، المتمزقة، التي كانت أبسط الخلافات تتحول إلى حروب طاحنة، تصبح أمة متحدة مترابطة متناصرة متعاضدة.. وبالتأكيد أن كل من درس وتأمل تلك الأزمنة توقف كثيراً عند هذه الظاهرة.. وليس الدم هو الذي وحد تلك المجتمعات وليست الأرض، وليس الاقتصاد والمصالح التجارية، بل هو الدين الذي أخرج الأمم من ظلمات الجهل إلى نور العلم، الدين الذي كان المثل الأعلى، ومن تسمك به تعالى على العصبيات والفوارق.. كما جاء الدين بمفاهيم الأخوة الاسلامية (إنما المؤمنون أخوة)(76) والتعاون (وتعاونوا على البر والتقوى وعلى تعاونوا على الاثم والعدوان)(77) والتواصي (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)(78) والوحدة (ان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)(79) فعبادة الله بمقاصدها وقيمها وتعاليمها هي التي توصلنا إلى الاعتصام بحبل الله.
والاسلام كله دعوة إلى الوحدة على قاعدة التوحيد.. وحينما ابتعدت الأمة عن الاسلام رجعت إلى وضعها السابق بالتجزئة السياسية والعصبيات الفكرية والفوارق الاقتصادية والتباينات الاجتماعية والتناقضات السياسية كلها تجتمع فلا نحصد من الأمة إلا الانقسام والتفكك والصراع والنزاع حتى أصبحنا مضرب المثل لكل الأمم والشعوب بعد أن وصلنا إلى أسوأ حالاتنا.. وإلى سنوات طويلة كانت الأوضاع في العالم العربي والاسلامي تبعث على الاحباط والتشاؤم والسلبية..
من جهة أخرى ان هذه الاوضاع من أهم معوقات التطور والتقدم والانماء والعمران في العالم العربي والاسلامي، فهي تمتص الطموحات والتطلعات، وتصرف الجهود والطاقات في نزاعات وخلافات لا طائل لها، وتدفع بالكفاءات والخبرات إلى الهجرة والتغرب، ويحصل التلاعب بالأموال والثروات التي لا توظف في مشاريع الإنماء والإعمار إلى غير ذلك من فساد إداري وسياسي وتربوي واجتماعي واقتصادي..
فالدعوة إلى وحدة الأمة وهي من المقاصد العليا في المشروع الحضاري الاسلامي المعاصر والوحدة التي نريدها لا تعني إلغاء الآخر، وإزالة الاختلاف، ووقف الاجتهاد، كما لا تعني التناقض مع التعددية، بل التكامل معها، وتحفظها..
سادساً : الحرية
من القضايا الاساسية التي انشغل الفكر الانساني بها بمختلف علومه هي قضية "الحرية" فقد بحثت في علوم السياسة والقانون والاجتماع والفلسفة والفقه والاقتصاد والاخلاق والعقائد والأدب. لأهمية هذه القضية في علاقتها بالانسان والمجتمع والدولة والحضارة فالحرية هي رمز كفاح الانسان على مر التاريخ، لأنها من حقوقه وضروراته، ولأنها تأخذ ولا تعطي، ولا تأخذ إلا بعذاب.
والأصل في الانسان، كما يقول السيد "محمد الشيرازي" (الحرية في قبال الانسان الآخر، بجميع أقسام الحرية، إذ لا وجه لتسلط انسان على انسان آخر وهو مثله.. ويدل على أصالة الحرية قول الامام علي "ع" ( لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً ) وقد ذكر هذه الأصالة الفقهاء، في مسألة الرق )(80).
ويضيف السيد "الشيرازي" أن (الحرية معناها اطلاق تصرفات الناس في إطار المعقول، فللازم جعل إطار للحريات، وليس ذلك بمعنى الكبت بل بمعنى أن لا يضر الانسان نفسه ولا غيره)(81).
(والحرية الانسانية – بالمعنى الفردي والجماعي – في عرف الاسلام واحدة من أهم الضرورات وليس فقط الحقوق، اللازمة لتحقيق إنسانية الانسان.. بل إننا لا نغالي إذا قلنا إن الاسلام يرى في الحرية الشيء الذي يحقق معنى الحياة للإنسان ، فيها حياته الحقيقية، وبفقدها يموت)(82).
وكل مشروع حضاري معاصر مطالب أن يحدد رؤيته وفلسفته للحرية باعتبارها من القضايا الكبرى التي ترتبط بشكل النظام السياسي، ونوعية الاقتصاد، وطبيعة الاجتماع، وحقوق الانسان.. والحرية من ضرورات الابداع والتقدم والحضارة، فليست هناك حضارة بلا حرية، وانما سقطت الحضارات في أحد أسبابها الأساسية حينما غابت الحرية وحل مكانها الاستبداد والديكتاتورية وهما من أشد أعداء الابداع والتقدم.. والاستبداد في العالم الاسلامي من أشد ما كرس التخلف في العالم الاسلامي، فكان سبباً في تعطيل طاقات الأمة، وكبت الطموحات والتطلعات، ومن أسباب هجرة العقول والأدمغة، وكل من يطور من ذاته يشعر بغربة في موطن الاستبداد، فيبحث عن موطن الحرية.
وفي إطار الحرية ضرورة التأكيد على مسألة احترام الرأي الآخر، وإعطاء الحق لمشروعية الاختلاف، فهذه واحدة من أعقد مشكلاتنا الفكرية، والتي تصيبنا في العقل، فتشعرنا بخلل في عقلنا، لأن العقل يقر علينا بالاختلاف، ونحن نرفض ذلك..
فينبغي أن ننتبه فنحن في الساحة الاسلامية نمارس القمع والاستبداد الفكري بحق الرأي الآخر الاسلامي المختلف، ولكن نرفض الاعتراف بذلك، لكنها الحقيقة شاهدة.
كيف نصل إلى صياغة المشروع الحضاري الاسلامي
في البدء لابد من القول أن المشروع الحضاري الاسلامي ليس مشروعاً جاهزاً، وقد تأخرنا في انجازه، وظهرت مضاعفات هذا التأخير حينما انتقلنا إلى مرحلة إنزال القيم والقوانين على الواقع في بعض التجارب الاسلامية المعاصرة.
وحان الوقت الذي يأخذ فيه هذا المشروع أولويته في البحث والتخطيط، والدراسة والتحليل و(أن أمام الاسلام مشروعاً حضارياً جديداً لم ينجز بعد، ويحتاج إلى جهد جماعي ضخم، وأن هذا المشروع لن يتشكل في غرفة التأمل ، أو يخرج من مختبر ، وإنما سيتشكل شيئاً فشيئاً بلمسات متتالية ضمن عمل في الهواء الطلق والحر يرتبط بالتأمل والجهد الفكري والنشاط العملي إرتباطناً جدلياً)(83).
وحتى نصل إلى صياغة مشروع حضاري إسلامي معاصر، نحتاج إلى المتطلبات التالية:
أولاً : تحديد الموقف المعرفي من التراث، وهنا نحتاج إلى منهجية علمية جديدة قوامها النقد والفحص في قراءة تراثنا، لمعرفة الجوانب الحية من الجوانب الميتة، والجوانب المعقولة من الجوانب غير المعقولة، فكل نهضة حضارية إنما تنطلق من رؤية سليمة لتراثها.. وتراثنا الاسلامي ونعني به العطاء العقلي البشري المدون، هو (من أثمن كنوز الحضارة الانسانية، فقد كان نتاج حضارة عريقة عالية السمو، رفيعة الآداب، راقية العلم والتمدن هي الحضارة الاسلامية)(84).
ثانياً : تحديد الموقف المعرفي من الغرب، وهننا – أيضاً – نحتاج إلى منهجية علمية في قراءة الغرب ودراسته حضارياً واعتقد إننا إلى هذا الوقت لم ندرس الغرب بكيفية معمقة ومن خلال مناهج نقدية متعددة.. في حين أن أي مشروع حضاري معاصر مطالب بتحديد موقفه النقدي من الغرب، لما يمثله الغرب من حضارة متقدمة.
ثالثاً : إبراز الدور العلمي والحضاري في تاريخ الاسلام، ودور الاسلام في بناء الحضارة الاسلامية ومشاركته في نهوض وبناء الحضارات الانسانية، ودور العلماء في اكتشاف المعارف والعلوم وفي تطوير هذه العلوم، وتقديمها إلى الانسانية..
رابعاً : التركيز على قيمة العقل والعلم في الاسلام، وكيف ان الاسلام أعلى من قيمة العقل والعلم وأكثر من أي حضارة أخرى، فهو الدين الذي بدأ بآية (إقرأ) واعتبر طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.. مع التركيز أيضاً على أخلاقيات الاسلام في العلم، ومنهج الاسلام في العلم، وموقعية العقل في الاسلام، وصولاً للاهتمام بالبحث العلمي في العالم الاسلامي.
خامساً : التركيز على مشكلة التخلف، والتخلف العلمي والحضاري في العالم الاسلامي واعطاء هذه المشكلة قمة الأولويات، والاهتمام بدراستها، وإعداد دراسات علمية معمقة حولها..
سادساً : الاهتمام باصلاح وتطوير نظم ومناهج واساليب وخطط وبرامج التربية والتعليم، فالحضارة تبدأ بـ (إقرأ) وإذا صلحت المدرسة بدأت الحضارة..
ومن أخطر المشكلات التي تواجهنا في البلاد العربية والاسلامية الضعف الخطير الذي نعاني منه في نظم التربية والتعليم.. والقاعدة ان كيفية علاقة الانسان بالعلم هي التي تحدد لنا مستوى الحضارة..
سابعاً : التقدم باتجاه إسلامية المعرفة، وهي المهمة التي نهض لأجلها "المعهد العالمي للفكر الاسلامي" بواشنطن . وعن هذه المهمة كما جاء في برنامج المعهد، نقتبس هذا النص لأهمية ما تضمنه من أفكار حضارية مهمة قد تمثل خاتمة مفيدة لهذا البحث :
يجب أن يكون واضحاً أن "إسلامية المعرفة" هي جانب من جوانب "الإسلامية" ،"فالإسلامية" هي إطار قيمي حضاري شامل للفرد والمجتمع، للفكر والعمل، للتعلم والممارسة، للمعرفة والتنظيم، للراعي والرعية، للدنيا والآخرة، يبتغي بها الإنسان المسلم مرضاة الله سبحانه وتعالى بالحق والعدل والإعمار والإصلاح رضى وسلاماً وأمناً ونعيماً في الدنيا والآخرة.
إن "إسلامية المعرفة" هي جانب أساسي وأولي في بناء "الإسلامية" يختص بالفكر والتصور والمحتوى الإنساني القيمي والفلسفي وكيفية بنائه وتركيبه وعلاقاته في العقل والنفس والضمير، ولذلك "فإسلامية المعرفة" شرط أساسي مسبق لنجاح بناء الأمة الإسلامية ومفهومها في الحياة الاجتماعية في كل صورها الفردية والجماعية، الفكرية والعملية، العلمية والحركية على حد سواء، ولذلك يجب أن لا تهمل "إسلامية المعرفة" وأولوية أداء حقها في زحمة معاناة الأمة على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري، في الوقت الذي لا مفر فيه من الدفاع على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية إلا أن هذه المعارك هي مزيد من استنزاف طاقة الأمة إذا لم تقم الأمة ببذل المجهود والمطلوب لتطوير قاعدة طاقتها وهي طاقة الفكر وإسلامية المعرفة، لذلك يجب بذل جهود البناء والإصلاح لقواعد "العقلية الإسلامية" القويمة ومتطلبات وجودها ونمائها وذلك ببذل الجهود اللازمة لإقامة صرح "المعرفة الإسلامية" .
و "المعرفة الإسلامية" أو "إسلامية المعرفة" تعني منهجية إسلامية قويمة شاملة تلتزم توجيه الوحي ولا تعطل دور العقل بل تتمثل مقاصد الوحي وقيمه وغاياته وتدرس وتدرك وتتمثل موضوع اهتمام الوحي وإرشاده وهو الفرد والمجتمع الإنساني والبناء والإعمار الحضاري وما أودع الله في هذه الكائنات والعلاقات من فطرة ومن طبع وكيف توجه تلك الطبائع وتتفاعل وكيف تطوع وتستخدم وكل ذلك من أجل تفهم هذه الكائنات وعلاقاتها حتى يمكن تسخيرها لتوجيه الإسلام وغاياته.
"المعرفة الإسلامية" تعني وتتمثل بالضرورة القدرات والإنجازات العلمية والحضارية الصحيحة كافة، تلك التي توارثتها البشرية وأنتجتها بعد أن تمحصها وتزنها بميزان الإسلام وشمولية قيمه وتوجيهه وغايته.
"المعرفة الإسلامية" تعني معرفة ناقدة بصيرة تتمثل وتتمكن من كل معرفة صحيحة. "المعرفة الإسلامية" تعني معرفة تصدر عن قيم الوحي وغايات الرسالة وتتصل بكل صحيح ونفيس من تراث الأمة وفكر علمائها ومفكريها على مر العصور والقرون.
"المعرفة الإسلامية" ليست "قيماً وغايات" فقط وليست "تأملات فردية" وليست "تاريخاً وتراثاً" فحسب ولكنها سبيل لتكوين عقلية علمية منهجية في وجه العلم والمعرفة الاجتماعية والإنسانية والطبيعية والتطبيقية كافة.
"المعرفة الإسلامية" هي معرفة علمية منهجية، هي معرفة ربانية القيم والغايات في مصدرها، عقلية في فهمها وبحثها ودرسها ونظرها في قضايا الحياة والنفس والمجتمع البيئة والطبيعة والفطرة والسنن. "إسلامية المعرفة" هي اليوم على سلم أولوية الأمة أولوية آنية، أولوية تستهدف تطوير منهجية الكفر الإسلامي وتطهيره مما اعتوره على مر العصور بعد الصدر الأول من انحرافات وفساد وعزلة وجزئية وجمود، وأولوية تستهدف إعداد الفكر الاسلامي ومنهجيته بتراث الأمة السليم ووصل شرايينه به كما تهدف إلى تمكين الفكر الاسلامي من كل وجوه القدرة والمعرفة الإنسانية السليمة في كافة مجالات الفكر والمعرفة أيا كانت اجتماعية وإنسانية أو طبيعية وتطبيقية وذلك لتكوين أساس إسلامي معاصر سليم للعمل والجهاد في كافة المجالات الحياتية والحضارية.
أولوية "إسلامية المعرفة" وإصلاح الفكر والمنهجية وتمثل التراث والمعارف المعاصرة لا تعني إيقاف العمل في مجالات العمل والإصلاح الحياتية الأخرى، ولكنها تعني إعطاء الاهتمام والموارد العقلية والبشرية والمادية اللازمة لكي يتم الإصلاح المطلوب في هذا المجال ليواكب الجهود والتضحيات والموارد الميسرة لجوانب البناء والإصلاح الأخرى والتي لن يستقيم أمرها ولن تتصاعد الطاقة التي تمدها إذا لم يصلح الفكر الإسلامي ومنهجيته.
المقصود بـ "إسلامية المعرفة" أن تواكب قدرة العقل والفكر والمنهج المسلم حاجة الأمة والتحديات التي تواجهها، وأن تقدم لها الطاقة والزاد الفكري والرؤية والمناهج الفكرية والحضارية اللازمة لإنجاح مسيرة جهود بناء مرافقها وأنظمتها. فالأمة لا ينقصها الإخلاص ولا القيم ولا الإمكانات البشرية أو المادية ولكنها تحتاج إلى فكر سليم ومنهج متكامل قويم ورؤية واضحة تسير على هداها وتسعى إلى تحقيقها وتنشىء أبناءها على مقتضاها.
من المهم أن نتذكر وأن نتيقن أنه دون إصلاح الفكر والمنهج وتحقيق رؤية أصيلة واضحة فلن يستقيم جهد ولن ينجح عمل ولن تفيد تضحية. هذا ما نشأت عليه حضارة الإسلام، وما قامت عليه الحضارات من قبل. وتاريخ المواجهة الأوروبية الإسلامية وكيف واجهت فيها ضعفها وهزائمها أمام هجمة المسلمين العثمانيين وذلك بانطلاقها في أحلك ساعات المواجهة إلى إصلاح فكرها وتمثل إنجازات المسلمين الحضارية من خلال قيمها وغاياتها وتراثها هو تاريخ معلوم لنا ماثلة نتائجه أمامنا.
وإذا كان لا يصح للمرء المسلم أن يتكرر عليه الدرس فلا يتعظ ولا يرعوي فقد تكررت الدروس والعظات والتجارب، وآن لنا أن ندرك أولوياتنا وتكاملاتنا، وأن لا نهمل الأسس مهما كان إلحاح الأحداث وهجمات التصدي التي تصرفنا عن إعادة بناء الطاقة التي يتولد عنها الجهد الصحيح بالقدر الصحيح في الاتجاه الصحيح.
ولوضوح الرؤية وسلامة المسيرة وقطع دابر الفهم وقصور الإدراك نود أن نؤكد لكل مخلص حكيم أن أولوية جهود "إسلامية المعرفة" لا تعني بحال من الأحوال تناقضاً أو إلغاء لجهود الأمة الإسلامية في المجالات الحياتية المختلفة بل تعني التكامل معها والتداخل في أدائها وعلاقاتها يقوي بعضها بعضاً ويدعم بعضها بعضاً، ويستكمل بعضها متطلبات البعض الآخر.
إن المقصود بـ "إسلامية المعرفة" إنما هو استكمال أدوات مسيرة الأمة في عملها الإسلامي وتوفير الطاقات والقدرات اللازمة لتسديد مسيرته وبلورة رؤيته ومنهجيته وعمله وجهاده في واقع الحياة المعاصرة بمتغيراتها وطاقاتها وإمكاناتها وطموحاتها وتحدياتها المتعاظمة المتنامية.
"الإسلامية" بمفهومها الشامل إطار للحياة الإنسانية والحضارة والإعمار البشري، وغاية كل نشاط وجهاد وعمل وتنظيم اجتماعي إسلامي، غاية واحدة ومسيرة واحدة ولا يصح إهمال أي جانب منها أو التقليل من شأنه، ولكن المطلوب إعطاء كل أولوية ما تستحقه من الرؤية والاهتمام ومن حاجات البناء والنمو وفق حاجات كل مرحلة من المراحل وكل مهمة من المهمات التي تواجه الأمة. فأولوية "إسلامية المعرفة" لا تلغي الأولويات الأخرى ولا الجهود الأخرى أياً كانت جهوداً سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو علمية أو عسكرية، ولكنها تعني أن "إسلامية المعرفة" أولوية ماسة وحاجة ملحة يجب أداؤها في مقدمة الأولويات والحاجات وذلك استكمالاً للعدة، وتبصيراً للرؤية وتجديداً للطاقة في البناء والقدرة في اللقاء(85).
الهوامش
(1) إشكاليات الفكر العربي المعاصر د. محمد عابد الجابري، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1989م ص116 .
(2) انظر كتاب "المسلمون وكتابة التاريخ" د. عبدالعليم عبدالرحمن خضر، واشنطن: المعهد العالمي للفكر الاسلامي، 1993م . وكتاب "في سبيل إعادة كتابة تاريخ الاسلام" أنور الجندي، القاهرة: دار الاعتصام. وكتاب "مصادر التاريخ الاسلامي ومناهج البحث فيه" د. سيدة إسماعيل الكاشف، بيروت: دار الرائد العربي ، 1983م.
(3) هذا الكتاب ترجمة كاملة للكتاب باللغة الفارسية عنوانه "أنديشة سياسي در إسلام معاصر" حميد عنايت، وهو مترجم عن الانجليزية،ترجمة: بهاء الدين خر مشاهي، طهران: انتشارات خوارزمي، ديماه 1362هـ ش، يناير 1984م ترجمة الى العربية: د. ابراهيم الدسوقي شتا، القاهرة: مكتبة مدبولي 1989م. وراجعه على الأصل الانجليزي.
(4) المصدر نفسه ص 11 .
(5) عن تأثير هذه المجلة "العروة الوثقي" انظر كتاب "جمال الدين الأفغاني وأثره في العالم الاسلامي الحديث" د. عبدالباسط محمد محسن، القاهرة : مكتبة وهبة، 1982م.
(6) الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة 1798-1914م علي المحافظة ، بيروت :دار الأهلية، 1987م، ص89.
(7) المصدر نفسه ص 109.
(8) المصدر نفسه ص 112.
(9) الفكر السياسي الاسلامي المعاصر ، مصدر سابق ص115.
(10) المصدر نفسه ص 116.
(11) حول ما أثاره هذه الكتاب من نقد ومعركة فكرية ساخنة انظر "الاسلام وأصول الحكم دراسة ووثائق" محمد عمارة، بيروت: مؤسسة الدراسات العربية، 1972م. و "حقيقة الاسلام وأصول الحكم" محمد بخيت المطيعي ، القاهرة : المطبعة السلفية، 1346هـ. "عبقرية الاسلام في أصول الحكم" د. منير العجلاني ، دمشق: مطبعة جامعة دمشق، 1947م "نقض كتاب الاسلام وأصول الحكم" محمد الخضر حسين، القاهرة: المطبعة السلفية، 1346هـ "فصل الدين عن الدولة" إسماعيل الكيلاني، بيروت : المكتب الاسلامي ،1980م.
(12) الاجتهاد (بيروت) السنة الثالثة ، العدد 10-11 شتاء وربيع 1991م، أزمة الثقافة الاسلامية، د. محمد عمارة، ص 76.
(13) انظر كتاب "الاسلام وتحديات الانحطاط المعاصر" منير شفيق ، لندن: دار طه للنشر ، 1983م.
(14) قراءات سياسية (فلوريدا) السنة الثالثة ، العدد الثاني ، ربيع 1993م، كيف ندرس التاريخ الفكري للعالم العربي الحديث : العامل الاسلامي، إبراهيم أبو ربيع ، ص 61.
(15) الفكر الحركي الاسلامي وسبل تجديده ، أبحاث وتعقيبات الندوة الثانية لمستجدات الفكر الاسلامي والمستتقبل، الكويت : الامانة العامة للأوقاف الثقافية (2)، منجزات الفكر الحركي الاسلامي د.توفيق محمد الشاوي.ص32.
(16) الحركة الاسلامية والتحديث. راشد الغنوشي وحسن الترابي ،الخرطوم:مكتبة دار الفكر ،بيروت:دار الجيل ،1984م ص 17-19.
(17) انظر كتابات حسن البنا والمودودي وسبد قطب والشيخ الغزالي والقرضاوي.
(18) اشكاليات الفكر العربي المعاصر. مصدر سابق ، ص 132.
(19) النهضة والسقوط في الفكر المصري الحديث. غالي شكري، بيروت: دار الطليعة 1978م ص17.
(20) الثقافة والايديولوجيا في العالم العربي -1960/1990م د. فهمية شرف الدين ، بيروت: دار الآداب، 1993م ص 132.
(21) انظر كتاب "الهزيمة والايديولوجيا المهزومة" ياسين الحافظ، بيروت: دار الطليعة، 1979م. "الخطاب العربي المعاصر : دراسة تحليلية نقدية" محمد عابد الجابري، بيروت : دار الطليعة ، 1982م. وخاصة الفصل الأول "النهضة .. والسقوط" "النقد الذاتي بعد الهزيمة" صادق جلال العظم، بيروت: دار الطليعة، "النكسة والخطأ :الأخطاء الفكرية والعقائدية التي أدت إلى الكارثة" د.أديب نصور، بيروت :دار الكاتب العربي.
(22) الثقافة والايديولوجيا في العالم العربي. مصدر سابق ص 133.
(23) الصراع بين العلمانية والاسلام في الشرق الأوسط, أمين حسن عمر، ترجمة :د. أسامة حسن عمر، أم درمان: بيت العرفة للانتاج الثقافي ، 1990م ص 95.
(24) تتكون هذه السلسلة من أربعة أجزاء هي : "الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا" بيروت: مؤسسة الرسالة،1980م "الحل الاسلامي فريضة وضرورة" بيروت: مؤسسة الرسالة، 1980م. " أعداء الحل الاسلامي" و "شبهات المشككين والمرتابين" .
(25) الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا. مصدر سابق ص 6.
(26) ومن الكتابات التي ظهرت تعالج هذه القضية في تلك المرحلة بعض مؤلفات السيد هادي المدرسي مثل "الاسلام والايديولوجيا المناوئة الى أين " بيروت : مؤسسة البلاغة،1987م "لا للرأسمالية لا للماركسية نعم للاسلام"بيروت: دار التعارف "الأمة بين عوامل التقدم وأسباب الانحطاط"بيروت : دار التعارف. انظر أيضاً "الحل الاسلامي ما بعد النكبتين" توفيق الطيب، الولايات المتحدة الامريكية: سلسلة الدراسات الفلسطينية، عدد1 , 1983م.
(27) صدر هذا الكتاب في القاهرة سنة1983م، وأثار في وقته معركة فكرية ساخنة على شاكلة ما حصل في كتاب "الاسلام وأصول الحكم" للشيخ علي عبدالرزاق. وعلى بعض الروايات التي نقلها الدكتور "محمد عمارة" فإن المؤلف طلب بعد إعادة طبع الكتاب مرة أخرى فبقى الكتاب على طبعته الأولى، أنظر مجلة الاجتهاد، مصدر سابق .
(28) المنطلق (بيروت) العدد ، 62 جمادى الثاني 1410هـ كانون الثاني – يناير – 1990م، رؤية حضارية في حوار مع سماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله ، ص138.
(29) انظر كتاب "أساس الحكومة الاسلامية" السيد كاظم الحائري، بيروت: الدار الاسلامية،1979م "الدولة الاسلاميةبحث في ولاية الفقيه" عبدالمنعم مهنا، بيروت: الدار الاسلامية،1987م "الفقه : الحكم في الاسلام" السيد محمد الشيرازي، بيروت "دار العلوم، 1989م. "الفقه :كتاب الدولة الاسلامية" السيد محمد الشيرازي، بيروت : دار العلوم ، 1989م "الفقه كتاب السياسة" السيد محمد الشيرازي، بيروت: دار العلوم 1989م "فقه الدولة الاسلامية" الشيخ حسين المنتظري، بيروت: الدار الاسلامية، 1988م "عندما يحكم الاسلام" د. عبدالله فهد النفيسي، لندن: دار طه، 1981م. وللمزيد انظر "مصادر الدارسة عن الدولة والسياسة في الاسلام" عبد الجبار الرفاعي، طهران: منظمة الاعلام الاسلامي،1986م.
(30) انظر كتاب "الاسلام هو البديل" فليفرد مراد هوفمان، ترجمة : محمد مصفى مازح، بيروت: 1993م. "من ايمان إلى آخر" ليزبث روشيه – فاطمة الشرقاوي باللغة الفرنسية. " تغطية الاسلام" ادوارد سعيد، ترجمة : سميرة نعيم خوري، بيروت: مؤسسة الابحاث 1983م.
(31) انظر كتاب "المسلمون في تاريخ الحضارة" ستانوودكب، ترجمة : محمد فتحي عثمان ، جدة : الدار السعودية ، 1982م "فضل الاسلام على الحضارة الغربية ، مونتجمومري وات، ترجمة : حسين أحمد أمين ، بيروت: دار الشروق ، 1983م.
(32) القرآن الكريم . سورة المائدة ، آية 48.
(33) لسان العرب: ابن منظور، قم: نشر آدب الحوزة، ج8 مادة شرع ، ص 176.
(34) مفردات ألفاظ القرآن. الراغب الاصفهاني، دمشق: دار القلم، بيروت: الدار الشامية، تحقيق: صفوان عدنان الداوودي، 1992م ص 450.
(35) لسان العرب، مصدر سابق ج4 مادة حضر، ص196.
(36) القرآن الكريم سورة البقرة ، آية 185.
(37) نظريات التنمية السياسية المعاصرة. نصر محمد عارف ، واشنطن : المعهد العالمي للفكر الاسلامي، الرياض: الدار العالمية للكتاب السلامي ، 1994م ص57 انظر تفسير الرازي، فخر الدين الرازي، بيروت: دار الفكر ج3، 1985م ص 95.
(38) آل عمران آية 104.
(39) البقرة آية 143.
(40) لسان العرب: مصدر سابق، ج4 ، مادة حضر، ص 197.
(41) انظر " مقدمة ابن خلدون" عبدالرحمن بن خلدون، بيروت: دار العودة 1981م.
(42) الحضارة – الثقافة – المدينة، دراسة لسيرة المصطلح ودلالة المفهوم. نصر محمد عارف، عمان: المعهد العالمي للفكر الاسلامي، 1994م ص55.
(43) الحجرات: آية 13.
(44) الآية الكريمة ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) سورة التوبة ، آية 105.
(45) سورة النجم . آية 39.
(46) العلق . آية 1.
(47) سورة الانشقاق. آية 6.
(48) مقدمات في سبيل مشروعنا الحضاري، جمال سلطان ، الرياض: دار الوطن ، 1413هـ ص9.
(49) انظر "الكلمة" (بيروت) السنة الثانية، العدد 6 ، شتاء 1995م ، نحو تقويم حضاري جديد لعالمنا المعاصر، زكي الميلاد ، ص9.
(50) الشرق الاوسط. (لندن) العدد 533 ، الجمعة 2/7/1993م الاسلام والمشروع الحضاري العربي ، د. سعيد بنسعيد العلوي.
(51) شبهات حول الاسلام. محمد قطب ، القاهرة: دار الشروق، من المقدمة .
(52) الحل الاسلامي فريضة وضرورة، الشيخ يوسف القرضاوي، مصدر سابق ص 129.
(53) الفكر الاسلامي المعاصر والتحديات. منير شفيق، بيروت: دار الناشر، تونس: دار البراق، 1991م ص 59.
(54) نحو عالم جديد، احمد بن بله، باريس: دار آسيا، 1984م ص10.
(55) مقدمات في سبيل مشروعنا الحضاري ، مصدر سابق ، ص8.
(56) الانسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية ، السيد محمد باقر الصدر ، طهران: دار الكتاب الايراني، 1981م "الاسلام يقود الحياة" السيد محمد باقر الصدر، طهران: وزارة الارشاد ، بدون ذكر التاريخ. " الصياغة الجديدة لعالم الايمان والحرية والرفاه" السيد محمد الشيرازي، طهران: مركز نشر الفكر الاسلامي، 1985م "التمدن الاسلامي أسسه ومبادؤه" السيد محمد تقي المدرسي ، طهران: انتشارات المدرسي، 1992م " الاسلام ومستقبل الحضارة" صبحي الصالح، بيروت:دار الشورى ، 1983م. "الاسلام وحضارة المستقبل" محمد عبدالمنعم خفاجي وأمينه الصاوي وعبدالعزيز شرف، القاهرة: مكتبة مصر، 1984م "الاسلام في معركة الحضارة" منير شفيق ، بيروت: دار الكلمة ، 1982م "آفاق المستقبل في العالم الاسلامي" محسن الموسوي. بيروت: دار المنهل، 1987م "عملية النهوض الحضاري" كريم جبر الحسن، بيروت: دار الهادي، 1993م وللمزيد أنظر "قائمة مختارة حول المعرفة والفكر والمنهج والثقافة والحضارة" إعداد : محي الدين عطية، واشنطن : المعهد العالمي للفكر الاسلامي، 1992م.
(57) الاسلام يقود الحياة ، مصدر سابق ص 46.
(58) اخترنا لك, السيد محمد باقر الصدر ، بيروت: دار الزهراء ، 1980م ص 75.
(59) سورة الذاريات. آية 56.
(60) المنطلق (بيروت) مصدر سابق ص 136.
(61) اسلامية المعرفة، المعهد العالمي للفكر الاسلامي ، واشنطن ، 1986م ص79.
(62) الفكر الاسلامي المعاصر والتحديات. مصدر سابق ص 99.
(63) سورة الاسراء . آية 70.
(64) سورة التين . آية 4.
(65) سورة الحجرات . آية 13.
(66) سورة الزمر . آية 9.
(67) سورة الصافات . آية 39.
(68) سورة الحديد . آية 25.
(69) التمدن الاسلامي . مصدر سابق ص79.
(70) العدالة الاجتماعية في الاسلام، سيد قطب ، القاهرة: دار الشروق، 1980م ص 40.
(71) المصدر نفسه ص33.
(72) الاسلام يقود الحياة، مصدر سابق، ص14.
(73) سورة الكهف. آية 59.
(74) سورة النحل. آية 90.
(75) نموذج للدستور الاسلامي . المجلس الاسلامي، لندن 1983م ص4.
(76) سورة الحجرات. آية 10.
(77) سورة المائدة. آية 2.
(78) سورة العصر . آية 3 .
(79) سورة الانبياء . آية 92.
(80) الفقه: كتاب السياسة . السيد محمد الشيرازي، بيروت: دار العلوم ، ج 6 ، 10 ، 1987م ص213.
(81) الحرية الاسلامية. السيد محمد الشيرازي، بيروت: دار الفردوس، 1989م ص 36.
(82) الاسلام وحقوق الانسان ضرورات .. لا حقوق، د. محمد عمارة، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1985م عالم المعرفة (89) ص18.
(83) الفكر الاسلامي المعاصر والتحديات ، مصدر سابق ص59.
(84) الفكر الاسلامي بين التأصيل والتجديد. زكي الميلاد ، بيروت : دار الصفوة ، 1994م ص437.
(85) إسلامية المعرفة. مصدر سابق ص 166.