أجرى الحوار في القطيف بالمملكة العربية السعودية – ذاكر آل حبيل
تقع القطيف على الساحل الشرقي من المملكة العربية السعودية، وقد عرف عنها في تاريخها الحديث بأنها واحة أدبية متألقة، ازدهر فيها الشعر في أجيال متتالية.. ومشكلة هذه المنطقة كغيرها من المناطق التي تقع في الأطراف وليس في دول المركز كالقاهرة وبيروت ودمشق وبغداد، إنها لم تكتشف أدبياً، ولم تأخذ حضورها كما ينبغي في المنابر الأدبية.
حول الأدب والمجتمع في القطيف وقضايا الحوار الاسلامي – الاسلامي ، والقضاء والأوقاف كان هذا الحوار مع الفقيه والأديب والقاضي العلامة الشيخ عبدالحميد الخطي وهو من أعلام المملكة العربية السعودية..
* الأدب والمجتمع
§ عرف عنكم اهتمامكم بالأدب فهل من تحديد لدور الأدب في نهضة المجتمع ، وما هي علاقة التقابل بين الأدب والمجتمع ؟
الشيخ الخطي : الأدب عنصر حيوي في حياة الأمة كمجموع وكفرد، ويعرف رقي الأمة من عدمه بأدبها في قيمته وعدم قيمته، وهو المرآة الحقيقية التي ينعكس عليها تقدم المجتمع ويبين فيها مقدار رقيه وانحطاطه، ومقدار ذلك والرفعة لأي أمة مناط بوجهها الأدبي العام، فهو عامل فعال في حياة الأمم ومجسم لقدراتها ومعطياتها في جميع مجالاتها الخاصة والعامة. والأدب له دور في كل نهضات الأمم والمجتمعات، فليس هناك نهضة بلا دور ما للأدب وهذا ما يؤكده لنا تاريخ النهضات بأنواعها المختلفة.. من جهة أخرى إن تطور المجتمع – أي مجتمع – ينعكس بدوره على تطور في الأدب بأجناسه المختلفة فالتطور يتيح فرص النمو للطاقات والمواهب.
* الأدب والمجتمع في القطيف
§ شهدت منطقة القطيف في تاريخها الحديث نهضة أدبية متميزة ومتألقة، هل يمكنكم إعطائنا لمحة عن هذه النهضة الأدبية ، ومعالمها الأساسية ؟
الشيخ الخطي : القطيف جزء من أمة يمثلها أدبها، ومن المعلوم أن القطيف مر عليها ردح من الزمن كانت الأمية فيها متفشية، والمثقفون ينحصرون في طلاب العلوم الدينية الذين كانوا يذهبون للدراسة إلى جامعة النجف الأشرف في العراق، وبعد تلك الفترة الزمنية جاءت فترة فتح المدارس والكليات والجامعات وكذلك الابتعاث إلى الخارج، فتغيرت الأوضاع وانتشر التعليم وقلت الأمية تبعاً لذلك، فبرز عندنا كوكبة من الأدباء اللامعين الذين يشار إليهم بالبنان، والذين لو أتيح لهم أن يعيشوا في مجتمع له حضوره الثقافي الكبير من حواضر الأمة الثقافية المعروفة، لكان شأنهم الفعلي غير الذي كان، من تلك المحدودية التي لا زلنا نراها.
ويلاحظ على طبيعة القطيف الأدبية حالتها الشعرية الغالبة على الفنون الأدبية الأخرى كالنثر مثلاً فهو أقل بكثير مقارنة بحظها من الشعر، فهو الأبرز دائماً ، فلا تكاد تمر مناسبة إلا وللشعر فيها حضور، فاحتفالات أهل البيت (ع) – وتأبين ذكر أربعينية العلماء والشخصيات الهامة – وغيرها من المناسبات كل ذلك يسجل للشعر حضوره، أما الفنون الأدبية الأخرى فحضورها في ذلك قليل جداً إلا أنه وفي السنوات الأخيرة، برز شباب واعدون أخذوا على عاتقهم حراك الفنون الأدبية المتعددة في مساحة الكتابة، فكتبوا في فن النثر والمقالة والتحقيق الأدبي والتاريخي وغيرها من فنون الكتابة في جميع أبعادها. وظهرت نتاجات سجلت حضورها في العالم العربي ولا زال المستقبل يحمل ما هو واعد من ابداعات هذه المنطقة .
§ ما هي العوامل التي ساعدت على ازدهار وتقدم تلك النهضة الأدبية في القطيف سابقاً وانحسارها نسبياً في الوقت الحاضر ؟
الشيخ الخطي : العامل الرئيس الذي خلق تلك النهضة واعطاها الزخم وتلك الدفعة إلى الأمام كما قلت لكن هو حضور العلم الديني في هذا المجتمع ، الذي عادة ما يرجع من النجف الأشرف محملاً بزاد علمي لا بأس به، فكانوا هو النواة والحركة الفاعلة في مجتمع القطيف، وقد كان طلاب الأمس أكثر في الجد والمثابرة والصبر والاستقصاء والعمق من طلاب اليوم، فطلاب اليوم يسودهم طابع السرعة المذهلة، السرعة القصوى التي غالباً لا تأتي بثمرة ناضجة، ولذلك لا نجد لهم دفعاً ولا عمق أثر في الأدب أو في الحركات الأخرى فالسطحية هي السمة الرئيسية البارزة نتيجة التسرع في هذه الحركة التي لم تعد تأتي بالإبداع ولعل ذلك هو سر ما أشرت من سبب ضعف وانحسار الحركة الأدبية. بالإضافة إلى عامل الانغلاق عن الساحة العربية والاسلامية وما تشهده هذه الساحة من نقد وتطور ومن حضور لمنابر أدبية متميزة لها أثرها على الحركة الأدبية في العالم العربي والاسلامي .
§ ما هو موقع الحركة الأدبية في منطقة القطيف قديماً وحديثاً من الحركة الأدبية في المملكة والعالم العربي ؟
الشيخ الخطي : هي جزء من حركة الأدب في العالم الاسلامي وجزء من الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية ولكن أدب القطيف فيما سبق قبل أن يتاح الفرصة إلى نجد وإلى الحجاز كان متميزاً وإنما الذي لم يجعله متصدراً وأن يأخذ مكانه اللائق به العوامل الذي لا يجهلها أحد، فلكل أدب وسيلة الظهور والانتشار ، وكان أدب القطيف يعدم الوسائل كلها فهذا ما قصر به لأن يبرز البروز اللائق في الميدان وعلى الواجهة الكبيرة. ومن المهم أن يكتشف العالم العربي هذه المنطقة – القطيف – وما تحتفظ به من كنوز أدبية وما يمكن أن تساهم به على مستوى حركة الأدب في العالم العربي وبالذات في مجالات الشعر . وم الضروري أيضاً أن يأخذ هذا الأدب حضوره في المنابر الأدبية العربية .
§ كان لكم دوراً متميزاً في تجديد الحركة الشعرية في القطيف فما هي ملامح ذلك التجديد ؟
الشيخ الخطي : يجب أن لا يدعي الانسان لنفسه موقعاً وأثراً، ولكن أدباء تلك الفترة، الذي إن جاز لنا أن نعدهم رؤوساً أدبية لتلك الفترة هم يقولون ذلك، وأذكر أن الاستاذ الكاتب الشيخ عبدالله الخنيزي له ترجمة عني في مجلة المعارف التي كانت تصدر في بيروت قال فيها.. إنه ما من أحد إلا ومر قلمي بالتشذيب على أثره أو من هذا القبيل مما يعنيه، والذي كان يقصده من ذلك عن أثر التجديد الذي جئت به مؤثراً في الكتابة الشعرية والنثرية، وقال بذلك الشعر محمد سعيد الخنيزي والشاعر السيد عدنان العوامي، والشاعر عبدالرسول الشيخ علي الجشي، وغيرهم.
وأما عن دوري التجديدي في تلك الحركة الشعرية، فكما تعلمون كان الأدب أو بالأصح جانب الشعر منه، قبل رجوعي من النجف الأشرف، يتسم بالقدم وكأنه جزء من حالة الجمود مما جعله تقليدياً صرفاً ومن ألفاظ ميتة ومعان مرددة إلى غير ذلك، فأنا ما خرجت على عمود الشعر ولكنني جددت روحه ومعانيه وأسلوب نظمه، وأما العمود الشعري فما كسرته، كما فعل ذلك السياب ونازك الملائكة وأحمد باكثير وغيرهم.
§ لا زالت الأرضية خصبة كما يعتقد في مجال الأدب والثقافة فكيف ، تستعيد القطيف تألقها الأدبي والثقافي في حضورها على مستوى المملكة والعالم العربي ؟
الشيخ الخطي : القطيف هذه المدينة العريقة، هذه الواحة الخصبة لكل ما هو جميل ومتألق من طبيعتها الخلابة في شواطئها الخليجية ، وأرضها الزراعية الثرية، وتاريخها الموغل في القدم، وأنسانها الذي لا زال يحمل كل معنى الخير، هذه المدينة كانت ولا زالت تحمل كل معنى العطاء في هذا الوطن الغالي، ففي مجال الإبداع الأدبي والثقافي كان لها حضورها المميز، والذي لا يزال حضوره يسير بخطى ثابتة في ذرى ذلك الابداع، وأن الذي يطمس ما يطمس من ظهور ذلك العطاء المبدع هو أنها كانت ولا زالت تعدم كل وسائل الظهور وعوامل الانتشار.
ولا يمكن تحقيق ذلك الدور واستعادته إلا بذلك، هذه المنطقة التي غيبت مكانتها ولم تحفل بالظهور المناسب لآثارها التاريخية والعلمية والأدبية، فلم تأخذ مجالها من الحرية اللازمة في التعبير عن مكنون سرائر قلوبها، وخواطر نفسها، ونحن كما نعلم أن اسباب الظهور المتعدد في الوسائل الاعلامية المعروفة لم تكن متاحة لنا، فلا مجلة أو جريدة تخص هذه المنطقة ولا وسائل سمعية أو بصرية، فكيف لهذا العطاء أن يأخذ مجاله الحيوي مشاركاً في نهضة الأمة.. !!؟
كما أن من عوامل الانتشار والنهوض وإرساء معالم المجالس والمنتديات الثقافية والأدبية العامة التي تجمع تلك الطاقات وتثريها، فتعهد تلك المنتديات والمجالس بتلك الطاقات الجديدة والواعدة من شأنه أن يدفعها إلى الأمام. كما أنه لو وجد تعهد بدفع مكافآت لذوي المواهب لرأيت القرائح تفيض والأقلام تزدهر والنشاط يأخذ ببعضها بعض والأثار تترى لافي الأدب فقط، بل في جميع شتى أنواع المعرفة.
* الحوار الاسلامي – الاسلامي
§ لا زال الحوار / الاسلامي في العالم العربي والاسلامي يعاني من ركود، فكيف نصل بصورة أفضل لهذا الحوار ، ونتقدم بأتجاهه خطوات إلى الأمام؟
الشيخ الخطي : يجب أن نؤكد على وحدة التقاء الكلمة الاسلامية في مسار الوحدة العامة ، والذي عناها كل الفكر الاصلاحي في مساحة المصلحة الاسلامية العليا، وإلا كانت هذه الصحوة عكس مسماها، فإذا ما أصبحت حركة لشق الصف ولمزيد من الشقاق والتنازع فيما بينها، لأن الصحوة يجب أن تكون في المسار الحقيقي الذي يتقدم بالأمة خطوات إلى الأمام لا عكس ذلك .
فنحن لا زلنا نلاحظ تلك الخلافات المفتعلة تنشب بين الحين والآخر، وقاسم تلك الخلافات هو الفتنة التي يخطط لها أعداء الأمة، وما الفتنة القائمة بين أخوة العقيدة الواحدة من سنة وشيعة إلا لوناً من تلك الفتن، فضلاً عن الخلافات القائمة داخل الجماعة الواحدة..
إن هذه الخلافات المزمنة في جسد الأمة يجب أن تزول بأيد الواعين من أبناءها وأن لا يستمر هذا الجرح النازف طويلاً، وأن لا تزداد تلك الهوة بيننا كمسلمين أكثر مما هو قائم ، ويجب أن نحرص على وعي الأمة ومكاسبها الحضارية أمام الأعداء.
فإذا ما حققنا كل ذلك فيحق لنا القول بأن الحالة الاسلامية في حالة رشد وقوة ومنعة تستحق منا الثناء والتمجيد والأخذ بها.
فالأمة الاسلامية بخير إذا ما سارت على هدي القرآن، وخطى محمد (ص) وتمسكت بمعالم الدين الواضحة البينة التي لا لبس فيها، وكل صحوة تنشد غير ذلك فهي معول هدم ودمار، نرجو أن يكون ذلك.
وهنا نود أن نسجل كلمة رجاء من قبل ينبض بالمحبة إلى أبنائنا في هذا البلد الغالي وفي مساحة الوطن الاسلامي الكبير، وبعد أن نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمدنا بالهداية ويأخذ بأيدينا لما فيه صلاح أنفسنا ورشد عقولنا، ويجعلنا على مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقنا جميعاً في لم الشمل ومراعاة المصلحة العامة للأمة، التي تكالب عليها الأعداء من كل جهة، والذي لا يكون ذلك إلا بتشرب الوعي في ضمير الأمة، واستدراك مفهوم الانتماء لهذا الدين الحنيف، وإن تعددت المذاهب، وصيغ الاجتهاد، فبذلك نفوت الفرصة على أعوان الشيطان فيما يحيكون من مؤامراتهم الخبيثة، الذين لا يزالون يعملون بجهد جهيد من أجل الفرقة واثارة الضغائن، وهم بذلك يحافظون على مصالحهم من نهب ثروات الأمة وخيراتها، فيجب أن نكون حذرين لذلك وأن لا نكون أغراراً تثيرنا بوادر الفتنة التي أخذت ما أخذت قوة الأمة المعنوية والمادية والذي يجب أن نحافظ عليها وأن نحميها بكل غال ونفيس، نرجو أن يوفق أبناء الأمة الاسلامية الناهضة دائماً وأبداً لذلك الهدف النبيل.
* فقـه الاختـلاف
§ فقه الاختلاف من القضايا التي يركز عليها في الخطاب الاسلامي المعاصر في هذا الوقت وباهتمام شديد نظراً لما تعانيه الساحة الاسلامية من تفرق وتشرذم، فكيف نعالج قضايا الاختلاف في الخطاب الاسلامي ونبلور فقه الاختلاف في الأمة ؟
الشيخ الخطي : يتوفر هذا ويتسنى إذا نضجت الأمة ثقافياً وعلمياً، وتخلصت من رواسب الماضي، ومن تقاليد الجهل والخرافة، ومن تبعية التقليد للآباء والأجداد، ونظرت إلى الواقع مجرداً من كل شائبة، وأزالت عن عقلها الغشاوة التي تحول بينها وبين الحق والحقيقة، هناك يمكن لفقه الاختلاف أن يأخذ فعله في وعي الأمة وإلا فلا .
فاختلاف الأمة في الفقه ليس باختلاف نقمة، ولكنه اختلاف نعمة ورحمة، والاختلاف الذي يفت في عضدها ويودي بقواها ويؤخر مسيرتها، هي حملات التسفيه لآراء الآخر في الفقه التي تطال في الغالب حتى العقائد والأصول التي يشترك فيها الطرفان، إن حق الاجتهاد لجميع المذاهب الاسلامية تكفلة سعة الشريعة الغراء الممتدة من يوم نزولها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
* مؤسسة القضاء
§ القضاء من المؤسسات الاجتماعية الهامة لارتباطه بحل المنازعات والخلافات القانونية والتشريعية في المجتمع ، ومن موقعكم في القضاء ما هو تصوركم لعلاقة القضاء بالمجتمع ؟
الشيخ الخطي : إن علاقة القضاء بالمجتمع علاقة وثيقة عضوية لأن القاضي مرتبط بالأمة مع كل طبقاتها وفي جميع أحوالها، ففي النزاعات الشخصية مثل الإرث وعقود الزواج والطلاق وغيرها، فهو بذلك العمود الفقري في جسم المجتمع الذي يريد أن يحافظ على تماسكه الداخلي من الانحلال نتيجة للخلافات الشخصية الذي يقوم القضاء بمسؤولية جسيمه في حلها وإرجاعها إلى الوضع الأفضل دائماً، وهو بذلك – أي القضاء – عضو فعال في الأمة ككل .
كما يتغلغل القضاء في كل ذرة من ذرات جسم المجتمع، وممارسة القضاء في المجتمع ممارسة حميمة جداً، فلا يفصل بين القاضي والمجتمع شيء ، فكل حركة ونزاع أو تقريب وجهات الخلاف يكون للقضاء حضوراً فيها، فيصلح شأنها ويعالجها، فتارة بعملية ترميمية، وأخرى علاجية وبأشكال عدة، والقاضي أيضاً له مواصفات عديدة منها.. أنه لا يكفيه أن يكون عالماً وفقيهاً فقط بل يحتاج إلى قدرات ذاتية.. من ذكاء لماح وسرعة البديهة وشجاعة تتأتى في لحظة الحكم ويحتاج أيضاً إلى الدراية الاجتماعية في مختلف شؤونها من قبيل المعرفة بأنماط تفكير وسلوك وطبقات الناس لكي يتسنى له الفصل في قضاياهم دون لبس، وما إلى ذلك من الأمور التي تحتاجها مهمة القضاء.