مؤتمر: «المجلس العالمي للغة العربية في خدمة الفصحى»
للكشف عن مكانة اللغة العربية في المشهد اللغوي والإعلامي المحلي والعالمي، وللبحث عن كيفية مواجهة التحديات التي تواجهها اللغة العربية الفصحى، نظّم المجلس العالمي للغة العربية مؤتمره الأول في بيروت بعنوان: «المجلس العالمي للغة العربية في خدمة الفصحى» وذلك في مجمع كلية الدعوة الإسلامية في الثاني والثالث من كانون الأول سنة 2006م.
حضر الجلسة الافتتاحية حشد من رجال الفكر والسياسية والمهتمين باللغة العربية وبعض الهيئات الطلابية، بالإضافة إلى الوفود المشاركة من المغرب والجزائر ومصر والسعودية والإمارات والكويت واليمن وسورية والأردن وإيران وعدد من الدول الإسلامية.
في الجلسة الافتتاحية تحدث في البداية رئيس المجلس العالمي للغة العربية د. عبد الناصر جبري، الذي تساءل: هل لدينا رؤية واضحة لمستقبل العربية؟ إن هذه التساؤلات تفرض علينا المراجعة لأهدافنا وبرامجنا وأدواتنا لنتأقلم مع متغيرات العصر، وإلا فسيتجاوزنا القطار ونفقد مواقعنا في التأثير.. من هنا يضيف د. جبري: تبدو الأهمية كبيرة لتصحيح مكانة اللغة العربية بين اللغات والعمل على نشرها وتعليمها لغير الناطقين بها، إلى تمكينها بين أبنائها لأن في ذلك تطويراً للوجود الثقافي.
الكلمة الثانية ألقاها د. رفيق عطوي نيابة عن رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور سهيل شكر، فأشار إلى «أن اللغة العربية جميلة ببنائها حلوة ببنيانها، قوية بفصاحتها، حية بانتمائها، لم تقوَ عليها عاديات الزمن. مؤكداً كونها من أغنى اللغات في العالم، وهي قادرة على استيعاب حاجات الأمة الحسية والمعنوية. وهي تبحث عن سبل نمائها لأنها لغة الحياة.
كلمة المشاركين اللبنانيين ألقاها د. علي نور الدين، حيث أشار إلى جهود اللبنانيين في خدمة اللغة العربية من خلال الطباعة والنشر وكثرة مؤتمرات اللغة التي عقدت في بيروت. أما كلمة الوفود المشاركة فقد ألقاها د. محمد السيدي، الذي أشار إلى التحديات التي تواجه اللغة العربية، الأمر الذي يتطلب تقديم الاقتراحات والحلول الفعّالة والقابلة للتحقيق، من أجل أن تكون لغة الحضارة العربية حاضرة.
أما كلمة راعي المؤتمر الرئيس العماد إميل لحود فقد ألقاها نيابة عنه د. أسعد دياب أكد فيها أهمية اللغة بوصفها عنصراً أساسيًّا في الاتصال والتواصل، وأضاف: إذا كانت الأمة تحمي اللغة فاللغة العربية تحمي بدورها الأمة، فكل وهن في أحدهما يصيب الآخر. كما أشار إلى خطورة الهجمة الغربية على الثقافة العربية. مطالباً بالحرص على تعلم العربية وتطويرها لتواكب المعرفة المعاصرة.
في اليوم الثاني من فعاليات المؤتمر، عقدت الجلسة الأولى تحت عنوان: المجلس العالمي للغة العربية في خدمة الفصحى، وترأسها د. رفيق عطوي (لبنان) وتحدث فيها د. علي عبد السلام سلامة من ليبيا، ود. فخر الدين قباوة من سورية.
في ورقته المقدمة إلى المؤتمر عرف د. سلامة المجلس ودوره في خدمة الفصحى من خلال: نشر اللغة العربية وثقافتها، العمل على توحيد مناهج وطرق وضع المصطلح العربي، تكثيف الجهود لتوسيع دائرة التعريب وإعادة النظر في مناهج الترجمة، كما طالب بوضع معجم لغوي تاريخي للمعاني، وكذلك وضع منهج للتعامل مع العولمة وفوضى الإعلام المعاصر.
أما د. فخر الدين قباوة فقد قدم بحثاً بعنوان: «بالعوربة نواجه العولمة» حيث تحدث في البداية عن تاريخ العولمة ثم انتقل إلى توصيف تأثير العولمة في اللغة العربية، فأكد أن الوجه اللغوي للعولمة البوشية (نسبة إلى الرئيس بوش) هو الردة بالعرب ومن معهم إلى أحضان طمطمانيات العاميات المحلية، ثم الانتقال منها إلى نفايات رطانات الأوروبيات الخبيثة.. للانصهار فيها تمثلاً وخطاباً وكتابة وبحثاً وتأليفاً وتأدباً.. أما المقصود بالعوربة فهو العمل على نشر اللغة العربية في العالم كما فعل الآباء والأجداد الفاتحون، وهذا يحتاج الى تأسيس ما يتصدى بعروبة اللسان للصرخة العولمية المسعورة، ثم الانطلاق بعروبة اللسان الى حقول التيار العولمي ثم إلى بؤرته، لمزاحمته وغزو دياره.. والتصدي يكون بتثبيت عروبة الصحة اللغوية في النفوس والأقلام والأفهام وإشاعة استعمالها في كل مجالات الحياة...
أما الفرق بين العولمة والعوربة، فإن الأولى -كما يقول الباحث-: تسعى لمحق اللغات المحلية والوطنية والقومية في العالم، وإذابة شخصيات سائر الأمم في أتون المستنقع الأمريكي وما حوله من المتاهات، في حين أن الثانية تأبى ذلك وتقف في وجه من يريد القيام به، لأنها تقر بوضوح ودقة وإيمان وجوب التمايز والافتراق بين الأمم والشعوب، لغة وأساليب وحياة.
الجلسة الثانية عقدت تحت عنوان: «اللغة العربية في مواجهة التحدي الإعلامي” وترأسها د. زهير عبيدات، وقد تحدث فيها كل من د. جوزيف الياس من لبنان ود. ليلى السبعان من الكويت، ود. مها خير بك من لبنان.. الدكتورة ليلى السمعان أشارت في البداية إلى ضرورة إعداد جيل قادر على الحفاظ على اللغة والهوية بما يتناسب مع المتغيرات العالمية السريعة، وهذا يتطلب وضع استراتيجية حديثة لرعاية اللغة العربية، خصوصاً مواجهة تحديات وسائل الإعلام وآلياته.
ثم بعد ذلك تحدثت عن غربة اللغة العربية وسط هذه التحديات الإعلامية واللغوية، ودور وسائل الإعلام والترجمة في تغيير البنية المعيارية لأنظمة اللغة.. كما تحدثت عن بعض المصطلحات الحديثة وكيف تغطي متطلبات اللغة، ثم ناقشت قضية عصرنة اللغة العربية وكيف يتم تطويرها لمواجهة هذه التحديات.
الدكتورة مها خير بك ناصر (لبنان) قدمت ورقة بعنوان: «الفكر الإعلامي العربي بين الواقع والمرتجى» أشارت فيها في البداية إلى جدلية العلاقة بين الفكر والإعلام، مؤكدة أن الإعلام مظهر من مظاهر الفكر الإنساني مرتبط بحركة التفكير، وبما يقدمه من طروحات ورؤى، سواء أكان ذلك على صعيد الإيديولوجية العلمية أو الدينية أو السياسية أو الاجتماعية والثقافية. أما بخصوص الواقع العربي والفكر الإعلامي، فقد أكدت الباحثة أن المعطيات تشير إلى أن الواقع الثقافي العربي يعيش معاناة تتمظهر في القلق والضياع وفقدان الموضوعية والمنهجية، كونه واقعاً ثقافيًّا استهلاكيًّا يكتفي بالتقليد الأعمى، وبالقبول السطحي أو الرفض السلبي.. وقد انعكس ذلك سلباً على الإعلام العربي، ظهر ذلك في موقفه من المرأة والتوجيه التربوي للطفل، فهو يشوه القيم الدينية المتعلقة بهذه المجالات، بالإضافة إلى تقصيره في تعميق قيم الفكر الديني.
أما بخصوص علاقة الإعلام باللغة العربية، فقد أشارت الباحثة إلى أن تشوه بنية الثقافة العربية أثَّر سلباً في اللغة العربية ودورها ومناعتها، وخصوصاً عندما وصفت بالترهل، وعدم القدرة على الاتصال ومواكبة التطور العلمي والثقافي العالمي.. تحدثت الباحثة كذلك عن علاقة الإعلام بالتراث، والإعلام العربي في مرآة الآخر، وكيف أثَّر الواقع العربي الإعلامي المعاصر في عكس صورة مشوهة عن الإنسان العربي، ومد وسائل الإعلام الغربية بما يدعم مواقفها العنصرية والصورة النمطية للعربي كما يرسمها الغرب.. وبخصوص استشراف المستقبل فقد طالبت الباحثة بضرورة تبني الواقع الثقافي العربي روحية مفاهيم التأصيل والتحديث، والانغراس والتجاوز، والارتباط بالماضي والتحرر من قيوده، وهذا مشروط بقدرة الإنسان العربي على التحرر من شعوره بالضعة أمام ما تنتجه المجتمعات الإنسانية المعاصرة من علوم وتقنيات.. كما أن المجتمعات العربية في حاجة إلى إعلام يعزز القيم الدينية الداعية إلى السلم والمحبة والتآخي والمساواة والحرية.. إعلام ينطلق من فكر إبداعي يضمن له القدرة على تغيير الواقع تربويًّا وحضاريًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، وعلى تكريس المنهج العلمي أسلوباً حياتيًّا وثقافيًّا.
اختتم المؤتمر أعماله بجلسة لانتخاب الهيئة الإدارية الأولى للمجلس، ثم تُلي البيان الختامي للمؤتمر، الذي أقر مجموعة من التوصيات منها:
الدعوة الى فتح قنوات تواصل حقيقية بين مختلف مؤسسات اللغة العربية ومجاميعها في العالم العربي لخدمة اللغة وتراثها، المطالبة بإعادة التدريس باللغة العربية في الدول الإفريقية من خلال التعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الإفريقي، الاهتمام بالنحو العربي، والتصدي للدعوات التي تدعو إلى الكتابة بالعامية، تشجيع التخاطب الإعلامي والإعلاني باللغة العربية الفصحى، وتلافي الإساءة إلى الفصحى في نشرات الأخبار وفي برامج وسائل الإعلام كافة، تشجيع الدول الإسلامية على أن تحافظ على كتابة لغتها بالخط والرسم العربي.
ندوة: «الأسس الفكرية للحضارة الدينية والنهوض الإسلامي في فكر الإمام موسى الصدر»
بالتعاون مع مركز الحضارة للدراسات الإيرانية العربية، نظّم معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية، ندوة فكرية بعنوان: «الأسس الفكرية للحضارة الدينية والنهوض الإسلامي في فكر الإمام موسى الصدر» وذلك في بيروت في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006م.
شارك في الندوة عدد من المفكرين والباحثين من لبنان وإيران.
في الجلسة الافتتاحية ألقيت كلمتان لمركز الحضارة للدراسات الإيرانية العربية ومعهد المعارف الحكمية؛ حيث ألقى الشيخ شفيق جرادة كلمة جاء فيها: في لقائنا هذا الذي يأتي في سياق التصدي لأمانة فهم الإمام الصدر ابتغاء معايشته في قضاياه الكبرى، قضايا الإيمان والعقيدة والحضارة والإنسان، نحن نلتقي مع كل الذين سبقونا في هذه المهمة وشرعوا الأبواب لنسائم فكره ولطائف روح قيمه وإيمانه ونور إضاءاته في بناء المجتمع والوطن.. نأتيه -يضيف الشيخ شفيق- من منهجه الذي دعا إليه، والذي فرَّق فيه بين صنوف آليات الاشتغال الكلامي والفقهي والفلسفي والعقيدي واللغوي وغير ذلك لقراءة الدين وتأسيس العلوم الإسلامية، وبين التوحيد بما هو روح القرآن وروح مقاصده الكبرى البانية لحضارة التوحيد وثقافة الوحدة.. نأتيه لندرسه ونتدارسه مع قيمه ما يفي بقيم النهوض الحضاري وأسس التألق الإسلامي ونحن نعي أن مشروع الإمام الصدر هو منعطف في التحول في المشروع النهضوي الإسلامي المعاصر والذي تتكامل فيه الحياة والفكر والتأمل والعمل.
انطلقت أعمال المؤتمر بالجلسة الأولى التي ترأَّسها د. أنور أبي خزام، وتحدث فيها في البداية الأستاذ مصطفى الحاج علي عن «المشروع الإصلاحي في فكر الإمام موسى الصدر: الإصلاح الاجتماعي نموذجاً» فأشار إلى الأبعاد المتنوعة للإصلاح لدى السيد الصدر، حيث حصرها في أربع مجالات رئيسة متداخلة. الأول المجال الإسلامي الواسع والذي يأخذ بدوره ثلاثة أبعاد محورية، المحور الاجتماعي لأن المجتمع الإسلامي أصل لا يمكن تجاوزه، ومحور الإنسان لكونه أصل، ولضرورة إعادة بناء تصوراته ومفاهيمه عن نفسه، والمحور الاجتهادي لإصلاح العلاقة مع النص الديني.. المجال الثاني الدائرة الدينية العامة، حيث يطرح السؤال المهم، وهو كيف يمكن بناء علاقة سوية بين مكونات دينية مختلفة من جهة ومكونات طائفية من جهة أخرى.. والجواب يكمن في التزام إجراءين أساسيين: الخروج من قوقعات الطوائف والرجوع إلى رحاب الدين وجوهره، والاستعانة بالقيم الدينية.. أما في المجال الثالث أي الدائرة الوطنية فإن الإمام الصدر كان يرى في التنوع اللبناني مصدر غنى، لكن أخذه إلى المجال السياسي أثّر سلباً في هذا المجال وفي المجال الاجتماعي، لذلك لابد من إصلاح النظام السياسي بالتزام العدالة والمساواة ومبدأ الكفاية وتحمل المسؤولية العامة.
أما المجال الرابع والمقاومتي، فإن دعوة السيد الصدر للانخراط في المقاومة ينطلق من إعادة تأسيس الهوية العربية للبنان والانخراط في الصراع العربي-الإسرائيلي.. أما بخصوص الإصلاح الاجتماعي، فقد كشف الباحث عن رؤية السيد الصدر للتغيير الاجتماعي ومقوماته من عمل ونظرية وشروط التقدم الانساني.
الورقة الثانية قدمها د. عمر مسقاوي (لبنان) تحت عنوان: «الإسلام ومستقبل الحضارة في فكر الإمام موسى الصدر» في البداية تساءل الباحث عن مستقبل الحضارة الغربية وكيف استطاعت أن تفرض معاييرها وقيمها وتتحول إلى حضارة عالمية أو معولمة، واصفاً نظريتي فوكوياما وهنتنغتون بأنهما نذر انهيار الحضارة الغربية لأنها فقدت البواعث في قيمها العليا وغدت ضحية حضارة الإله والنظام المالي في حركة العولمة.. أما المكون الأولي في منطلقات الإمام موسى الصدر لبناء عصر إسلامي، فمن خلال تراثه الفكري، نجده يتبع القاعدة الأساسية لحيوية العقيدة في مواجهة معطيات العصر، أي الإيمان الذي يحدد الخيارات في عمقها الإنساني لذا لم يطرح -كما يقول د. مسقاوي- القضية في جانبها السياسي كما كان شائعاً في دراسات مماثلة مبنية على فكرة الدفاع عن الإسلام بوصفه حضارة وعقيدة في مواجهة الحضارة الغربية، إنما شاء في خطابه الإرشادي أن يلج معطيات العصر ويتحدث بلغته وهو يوظف روح مريديه في إدراك تربوي يفعل الطاقة الاجتماعية كيما تسارع في الخيرات في مداها المطلق، وتأخذ قصب السبق في فاعلية الرؤية والإنجاز.. وهكذا ينتهي الإمام إلى نتائج أساسية هي أن إيديولوجية الإيمان هي التي تحدد الاتجاه، وتوجه النشاط الاجتماعي إلى أهدافه، وفي هذا الإطار يأخذ الاقتصاد دوره ومعناه بوصفه عنصراً أساسيًّا في توصيف وتوظيف الطاقات المستجيبة للنداء الإلهي.. من هنا فمبدأ الإيمان بالله هو منطلق مبدأ الإيديولوجية والالتزام إنما الالتزام بالمفهوم الكوني، ودور المسلم في حمل أمانة الخيار.. لذلك يقول الباحث: فحين نتساءل عن صوت الإمام موسى الصدر عن الإسلام والحضارة نستطيع أن نقول: إن الإسلام هو مستقبل الحضارة.
الورقة الثالثة المقررة في هذه الجلسة كانت للدكتور محمد علي آذر شب بعنوان: «معوقات النهوض وأسباب التخلف في فكر الإمام موسى الصدر».
الجلسة الثانية ترأسها المطران جورج خضر وتحدث فيها في البداية د. محمد علي مهتدي الذي قدم ورقة بعنوان: «نظرة الامام الصدر للتراث والمعاصرة ودورهما في حركة الحاضر والمستقبل»، في البداية كشف الباحث ومن خلال المحاضرات التي ألقاها الإمام موسى عن مفهوم مصطلح الحضارة والفرق بين الحضارة الدينية والحضارة المادية، فأكد أن الإمام موسى كان يرفض وصف الحضارة الغربية بالمسيحية بل يعتبرها حضارة مادية لأنها مبنية على إنكار وجود الله أو تجاهله والتأكيد على محورية الإنسان في الكون.. بعد ذلك تحدث عن أسباب انحطاط الحضارة الإسلامية وأسباب تأخر المسلمين والمجتمعات الشرقية بشكل عام، فرأى أن الإمام موسى الصدر كان يرى أن تحول الخلافة الراشدة إلى ملك عضوض مع بني أمية وبني العباس هو السبب الرئيس للانحطاط، لأن نظام تربية الإنسان قد انهار، حيث استشرى الظلم في المجتمع وتعطل العمل بالقوانين، وتفشت المحسوبية فيه، وبذلك انهار المجتمع الإسلامي ولم يبقَ إلا بعض الالتزام بالعبادات على المستوى الفردي.
وقد قام الباحث بعقد مقارنة بين رؤية وموقف الإمام موسى الصدر من الحضارة الإسلامية ومستقبلها وبين رؤية المفكر الجزائري مالك بن نبي، فأكد أن النقطة الهامة أن كلا الرجلين يعتقد بأن بناء الحضارة بحاجة إلى محرك روحي ومعنوي، وهذا المحرك لحضارتنا توقف عن العمل بعد الخلافة الراشدة وبالتحديد في واقعة التحكيم في صفين.
أما بخصوص الإحياء والتجديد فإن لمالك بن نبي نظرة تشاؤمية نوعاً ما لأنه يرى أن المجتمعات الإسلامية استسلمت لنمط العيش الآتي من الحضارة الغربية، وأن الطاقة الكامنة في داخلها قد استهلكت، لذلك فالأمل في الشعوب الآسيوية حيث الطاقة الروحية مازالت موجودة ولم تستخدم إلى الآن.. أما الإمام الصدر فلا يفقد الأمل أبداً في الانسان المسلم أو المتدين، فقد كان يؤمن بأن الإحياء ينطلق من تشخيص الداء بدقة ثم العمل على تربية الإنسان وتنظيمه وتوعيته والشروع في بناء المجتمع الإسلامي الإنساني.
الورقة الثانية في هذه الجلسة قدمها جورج مسوح تحت عنوان: «الإنسان في فكر الإمام موسى الصدر» فأكد أن السيد الصدر كان من كبار الأئمة المجددين الذين انخرطوا في خدمة الإنسان ومعالجة مشاكله، فقد نزل إلى أرض الواقع وحاول ترجمة الرسالة الدينية في الحياة، داعياً إلى إحقاق الحق وإعادة الكرامة للإنسان. ثم أشار إلى بيان تموز سنة 1965م الذي كان منطلق الحوار المسيحي الإسلامي، الذي ركّز على النقاط المشتركة بين الديانتين، مثل الإيمان بالله الواحد وتعزيز القيم الروحية التي تصون كرامة الإنسان، وتؤمن بحقه في الحياة الفضلى، وتنهض بالأرض وما عليها في محبة وسلام ووئام.
كما أن الإمام الصدر -في نظره- كان يعتقد بأن اللقاء لخدمة الإنسان يؤدي إلى اللقاء في الله، لقد كانت الأديان واحدة حيث كانت في خدمة الهدف الواحد: أي الدعوة إلى الله وخدمة الإنسان، الذي هو هدف الوجود وبداية المجتمع والغاية منه والمحرك للتاريخ.. أما بخصوص الحرية فإن الإمام الصدر كان يرى أن الله جعل للإنسان من بين الموجودات كلها، ميزة كبيرة تمكنه أن يتخلق بأخلاق الله، ولهذا خلقه حرًّا يتمكن من تحصيل العلم والمعرفة.
الورقة الأخيرة في هذه الجلسة قدمها السيد عبد الحليم فضل الله بعنوان: «الحرية وبناء مجتمع مقاوم»، في البداية يطرح الباحث سؤالاً مركزيًّا هو: هل أن المقاومة مبادرة اجتماعية شاملة تتأسس على إرادة الجماعة، أم أنها فعل تاريخي راديكالي، مهمتها التأثير في حركة التاريخ وإعادة إنتاج قوانينه ومساراته؟ فهناك مدخلان الأول اجتماعي يفترض أن توظف المقاومة الإمكانات الإنسانية والوطنية المتاحة في التحرير ورد العدوان.. وهنا تكون المقاومة فعلاً مستمراً يكون من ثماره التغيير والنهوض العام. المدخل الثاني يعتبر المقاومة فعلاً تاريخيًّا تتجمع خيوطه من خارج الخيارات التي تعتمل في حاضر المجتمع الذي تنشط فيه، فهي في هذا المدخل فعل نخبوي مجرد.. من هنا ففهم الحرية يختلف انطلاقاً من المدخلين، هنا سعة هامش للحرية في المدخل الأول في حين هناك سعي لتقييدها والحد منها في المدخل الآخر.
أما بخصوص الحرية والمجتمع المقاوم بين التكيف والتكييف، فإن عمليتي التكيف والتكييف مشروطتان بوجود حيوية اجتماعية وتتطلب بدورها وجود قدر كافٍ من الحريات.. من هنا أهمية تبني مفهوم الحرية الأشمل الذي يتناسب مع التكيف والتكييف، ومع الحضور المتداخل للفرد والجماعة في المجتمع المقاوم، وهذا المعنى للحرية يقترب من التعريف الجوهري لها الذي قدمت المقاومة اللبنانية مثالاً متقدماً عنه.
أما بالنسبة لرؤية الإمام الصدر للمقاومة والحرية، فقد أكد الباحث أن الإمام أطلق دعوة مبكرة إلى دمج قضية المقاومة بالمسألة الوطنية اللبنانية، مضافاً إلى بعدها القومي والإسلامي العريض، مركّزاً على أولوية الدفاع عن لبنان وضرورة الاستعداد الشامل لمواجهة الخطر الإسرائيلي، أما بالنسبة للحرية فهو يقدم فهماً يمكن توظيفه في سبيل إيجاد مجتمع متوازن، فالحرية بحسب الإمام الصدر أفضل طريقة لاستثمار طاقة الإنسان وحمايته من طغيان القوم ومن انتهاك كرامته، فيما يعد سلب الحرية كفراً بالفطرة والإنسانية.