شعار الموقع

نموذج الدولة الدينية عند الإصلاحيين المعاصرين في إيران

توفيق السيف 2007-12-08
عدد القراءات « 682 »

 

 

[1]

يشير الصعود السياسي للتيار الإصلاحي إلى تنامي الميول الليبرالية في المجتمع الإيراني خلال التسعينات[2] -نتيجةً للتحولات الاقتصادية-الاجتماعية خلال العقد الأول بعد الثورة، وعودة الحياة- إلى النشاط الفكري في التسعينات بعدما كان قد تراجع في العقد السابق عليها.

اعتمدت الحكومة الإيرانية خلال عقد الثمانينات برنامجاً لإعادة توزيع الموارد الوطنية، يركز على تنمية المناطق الريفية. وتضمن بناء شبكة ضخمة من الطرق، أنظمة الاتصال الهاتفي، الكهرباء، والمدارس. وقد أسهم هذا البرنامج بفاعلية واضحة في ربط المجتمعات الريفية بمسارات الحراك السياسي والاقتصادي على المستوى الوطني بعد قرون من العزلة. نتيجةً لذلك فقد انخفضت نسبة الأمية بين الإيرانيين البالغين ست سنوات فما فوق من 52.5 بالمائة في 1976 إلى 20 بالمائة عام 1996. وفي الريف خصوصاً انخفضت هذه النسبة إلى 30 بالمائة. كما انخفضت نسبة الأمية بين النساء الريفيات من 82 % في 1976 إلى 38% في 1992. وبالمثل فقد انخفضت النسبة بين نساء المدن من 36% إلى 18% في 1996. في السياق نفسه ارتفع عدد الطلبة في جميع المراحل من 7.25 مليون في 1979 إلى 19.32 مليون في 1996، من بينهم 1.2 مليون في الجامعات[3]. وينظر جميع منظري التنمية تقريباً إلى اتساع التعليم بوصفه المحرك الأقوى للتغيير في النظام الاجتماعي، بسبب تأثيره في السلوك الشخصي، رؤية الذات والعالم. على المستوى السياسي فإن التعليم يساعد على استنباط وعي بالذات ينعكس مباشرة على شكل رغبة في المشاركة في الشأن العام.

دور المفكرين

يُرجع بروجردي صعود الخطاب الإصلاحي إلى ظهور جيل جديد من المفكرين على الساحة الإيرانية[4]. يشير مصطلح (المفكر) إلى «الشخص الذي يحظى الفكر، العلم، الفن، والثقافة بأهمية كبرى في حياته تتجاوز مجرد الانشغال اليومي بمفرداتها إلى تشكيل خلفية تفكيره وفعله ومواقفه في المجال السياسي»[5]. أما مصطلح (المفكر الإسلامي) المتداول بكثافة عند التيار الإصلاحي الإيراني، فيشير إلى تلك الفئة من المفكرين الذين يقيمون رؤيتهم العامة على أرضية القيم الإسلامية الكبرى. ويجمع بين أفرادها -حسب علوي تبار- ثلاثة انشغالات أساسية[6]:

- تطوير تفسير عقلاني للدين والقيم الدينية.

- نقد النظام الاجتماعي القائم، مؤسساته، بنية علاقاته الداخلية، ومنظومات السلوك المعيارية فيه.

- التأكيد على قيم الحرية، المساواة، التقدم، كلوازم ضرورية للتنظيم الاجتماعي السليم.

يدعو الإصلاحيون إلى نموذج للحكم يقارب إلى حد كبير النموذج الليبرالي، فهو يرى أن الدولة تعاقدية وممثلة للمصالح المتنوعة لمواطنيها وليست ممثلة للسماء. وهم يدركون تماماً أن مفهوماً كهذا لا يسهل تأسيسه على أرضية النموذج الديني الموروث. ولهذا فهم يصرون على الحاجة إلى قراءة جديدة للنص والتجربة الدينية، تركز على القيمة الداخلية بغض النظر عن إطارها الخارجي. وحسب شبستري فقد قدَّم دستور الجمهورية الإسلامية عدداً من المفاهيم الجديدة، مثل سيادة الأمة، الحريات العامة، الفصل بين السلطات، حظيت بتأييد الفقهاء رغم عدم وجود مرجعية لها في التراث الديني. وفي هذا إشارة إلى أن الباب مفتوح أمام المسلمين كي يدمجوا مثل هذه المفاهيم في ثقافتهم الاجتماعية وفي نظامهم السياسي[7].

ويجادل الإصلاحيون بأن الفقه ليس الإطار المناسب لمناقشة قضايا السلطة والدولة[8]. بل ينبغي مناقشتها في إطار الفلسفة السياسية حيث تعالج المفاهيم ومنظومات العمل على أسس عقلانية وبالرجوع إلى العرف العام[9]. سوف أناقش المفهوم الإصلاحي للدين ودوره السياسي في آخر هذه المقالة، أما الصفحات التالية فسوف تستعرض أبرز عناصر الإيديولوجيا السياسية لهذا التيار، ولا سيما مفهوم الجمهورية، الشرعية، والديموقراطية.

الجمهورية: مسألة الحاكمية

جوهر مفهوم (الجمهورية) هو انبثاق السلطة من إرادة الشعب أو رضا الجمهور. ولهذا فهي «قد لا تنحصر بالضرورة في شكل معين، لكن من الطبيعي أن تتلازم عضويًّا مع الشكل التمثيلي»[10]. إن تمثيل الدولة للمجتمع «أو ما يمكن تقريبه إلى حكم الأكثرية» هو المعيار الأكثر انتشاراً للحكم الجمهوري في الوقت الحاضر. ويرجع جانب مهم من هذا المفهوم إلى الأدبيات السياسية التي تطورت خلال الثورتين الفرنسية والأمريكية. في هذا الإطار يربط جيمس ماديسون، المنظر السياسي الأمريكي، مبدأ الجمهورية، بفوقية المجتمع على الدولة، وتمثيل الحكام للإرادة الشعبية، وحق الشعب في محاسبتهم[11].

وثمة جدل كبير في الساحة الإيرانية حول مبدأ الجمهورية. يرى المحافظون أن السيادة والحاكمية حق خاص لله سبحانه، وهم يميلون -بناء عليه- إلى فكرة حكم الأقلية الأكثر معرفة بالشريعة الإلهية، أي النخبة الروحانية. في حين يتبنى الإصلاحيون فكرة حاكمية الشعب، أي النظام السياسي المفتوح والقائم على المشاركة الشعبية الواسعة. ومن هنا فهم يركزون على مفهوم التمثيل جوهراً للسلطة، ويشددون على تمايز النظام الجمهوري بعدد من المعايير والقيم الأساسية، من بينها:

 أ - أنه عقد اجتماعي يقوم على حقوق وواجبات متبادلة.

ب- انحصار عمل الدولة في المجال العام دون الشخصي.

ج- قيام العلاقة بين المجتمع والدولة على أرضية المواطنة المتكافئة.

د - شراكة المواطنين جميعاً في صناعة القرارات المتعلقة بمستقبلهم والطريقة المناسبة للحكم وإدارة المصالح والموارد العامة[12]. ويجادل الإصلاحيون بأن النظام الذي أقامته الثورة الإسلامية هو عقد اجتماعي شرعي، قام على أرضية القيم الدينية وصيغ في إطار دستور الجمهورية الإسلامية لعام 1980 الذي صوتت عليه أغلبية ساحقة من المواطنين. وتنطوي العقود الشرعية على التزام متبادل بين المتعاقدين، قائم على تساويهم في الحقوق، وتراضيهم المسبق بالتعاقد، وتوافقهم الصريح على موضوع العقد[13]. وقد مال إلى هذه الفكرة أيضاً آية الله منتظري الذي رأس مجلس الخبراء الذي وضع دستور الجمهورية الإسلامية[14].

الشرعية السياسية

رغم أن دستور الجمهورية الإسلامية يرى الإرادة الشعبية مصدراً رئيساً للسلطة، ورغم أن الدستور نفسه قد اعتُمد في استفتاء عام، فإن قيادة النظام في مرحلة ما بعد الثورة، كانت إلى حد كبير ذات مضمون كاريزمي، وعلى أقل التقادير فقد استمرت على هذا النحو حتى وفاة آية الله الخميني في 1989 [15]. ويتفق الإصلاحيون على الحاجة إلى تعزيز المكون القانوني - العقلاني لشرعية النظام السياسية، ولا سيما حاكمية وعمومية القانون، واحترام الإرادة الشعبية[16]. وتتفق هذه الرؤية مع مفهوم السيادة الذي يتبناه التيار، والذي يربط الشرعية السياسية، ومن ثم الصبغة الدينية للدولة، برجوع الدولة إلى رضا الجمهور. في هذا الإطار نشير إلى وجود اتجاهين متمايزين في داخل التيار الإصلاحي: يتمثل التيار الأول بشكل رئيس في عدد من الفقهاء، ولا سيما آية الله منتظري وآية الله صانعي، وكلاهما من مراجع التقليد البارزين. يركز الرجلان على المضمون الديني للدولة لكنهما يعدان المجتمع حاملاً للحقيقة الدينية. ولهذا فإن منتظري مثلاً يشدد على أن الله سبحانه قد أودع سلطته المطلقة في الأمة التي -بدورها- تفوضها للحاكم بأي طريق يكشف عن إرادتها الصريحة كالانتخابات[17]. ويجادل منتظري بأن الرسول والأئمة المعصومين عليهم الصلاة والسلام لم يكونوا استثناء من هذه القاعدة، فتوليهم للسلطة السياسية كان مشروطاً بالبيعة العامة التي يراها بمثابة العقد مع الأمة[18].

في سياق مقارب يعبر آية الله صانعي عن قلق من الاستغلال المفرط للدين في تبرير السلطة، ويجادل بأن السمة الدينية للدولة لا تستدعي بالضرورة أن يكون الحكم بيد الروحانيين. وهو يدعو إلى الفصل بين مشروعية الفعل وسلطة الفاعل، إذ إن كلًّا منهما يقوم على مبررات مختلفة عن الآخر:

دور الفقيه هو بيان الأحكام، أما تشخيص موضوعات الأحكام وكيفية تطبيقها فهو مثل تشخيص المصالح العادية راجع أيضاً إلى عامة الناس. [...]. القول بأن الشعب أو أكثريته لا تفهم الأمور، تصور باطل. لأننا نعلم أن رأي الأكثرية معتبر في الفقه الإسلامي. [...] يجب أن نكون أنصاراً للشعب لا قيِّمين عليه، نحن أدلَّاء ودورنا هو الإرشاد إلى الطريق الصحيح. لكن ليس بالقهر والظلم والإكراه. [...] القول بأن الناس عاجزون عن تشخيص الصالح والفاسد، قول مخالف للعقل والنقل معاً[19].

يتمثل الاتجاه الثاني في المفكرين الإسلاميين وعدد من رجال الدين من المراتب المتوسطة، الذين ينكرون أي صفة غيبية أو قدسية للسلطة، ويرون أن الإسلام لم يضع نظاماً للحكم خاصًّا به[20]. رغم أن الإسلام يريد أن تتجلى منظومة قيم معينة في المجتمع السياسي، فإن نظام الدولة الإسلامية، مثل كل الأنظمة الأخرى، عرفي، يقوم عليه أشخاص غير معصومين، ويتطور من خلال مسارات التطور المعتادة، التي تتضمن التجربة والخطأ، والمحاسبة والمسؤولية عن الأعمال[21]. يذهب أصحاب هذه الرؤية إلى أن «العدالة هي المرجع الأساس للشرعية السياسية، إما الاتصاف بالدين أو عدمه فليس معياراً لشرعية الحكومة»[22].

ويحاكي الاتجاه الأول توجهاً قديماً في المدرسة الدينية عبَّر عنه العلامة النائيني في 1908:

لما كان الأمران كلاهما «العصمة والحكمة الفردية» غير متيسرين ولا مضطردين، فإن البديل الممكن هو إيجاد وسائل أخرى تساعد على توفير الحد الأدنى المقبول من الصفات الفاضلة في الحاكم والسلطة. وإذا كانت هذه الوسائل خارجية أي غير معتمدة تماماً على ذات الحاكم كما نفترض، فإنها ستجعل من الممكن وضع ضوابط وإطارات لعمل السلطة تؤدي إلى قيام نمط من الحكم يتسم بالصفات الفاضلة[23].

ويجادل النائيني بإن إمكانية العدل مرهونة بمشاركة الشعب في الحياة السياسية. ولهذا يقترح نظاماً سياسيًّا يتضمن مجلساً لممثلي الشعب، دستوراً مكتوباً، تحديداً واضحاً للسلطات، وحريات مدنية لتمكين الشعب من مراقبة ومحاسبة الحكومة والبرلمان[24].

يشدد الإصلاحيون -إضافة إلى ذلك- على مبدأ عمومية وحاكمية القانون بوصفه الركن الثاني للشرعية السياسية. وكان هذا المبدأ محوراً ثابتاً لكتابات ومجادلات زعماء التيار، كما ورد على لسان الرئيس السابق محمد خاتمي في حديث أمام مجلس الخبراء الذي ينتمي أغلبية أعضائه إلى تيار المحافظين التقليدي:

قلت تكراراً، وقلت بالخصوص لقائد الثورة: إن الدستور هو القانون الأعلى لنظامنا. ولاية الفقيه اكتسبت أهميتها ومحوريتها في هذا النظام بسبب إقرارها في الدستور. لولا الدستور لكانت مجرد نظرية مثل الكثير من النظريات الفقهية الأخرى[25].

ويتوجه تشديد الإصلاحيين على الالتزام بالدستور والقانون في المقام الأول إلى القيود الدستورية على ممارسة السلطة. ولهذا يؤكد منتظري أن للمجتمع حقًّا غير قابل للجدل في وضع ما شاء من الشروط والقيود على السلطة السياسية التي يفوضها للفقيه. ويمكن أن تندرج هذه الشروط في إطارالدستور أو في إطار أجندة سياسية خاصة توضِّح شروط ممارسة السلطة والتعهدات المتقابلة بين المجتمع ورئيسه[26].

الديموقراطية

معظم الثورات الشعبية تقود -كما استنتج بيثام- إلى تعزيز دور الشعب في النظام الجديد الذي تقيمه[27]. وهذا ما حصل في تجربة الثورة الإسلامية. لكن بعد مرور عقد على قيام النظام الجديد ثمة مؤشرات تدل على تراجع تأثير الشعب في صناعة السياسة والقرار[28]. من المتوقع دائماً أن يؤدي الانتقال من الظروف الثورية إلى الحياة السياسية الاعتيادية، إلى تعديل في موازين القوى داخل النظام الجديد لصالح التكنوقراط والنخب.

يتناول الجدل حول التحول الديموقراطي في إيران ثلاثة مجالات. يتعلق أولها بالجانب الوظيفي للديموقراطية، أي تمثيل الجمهور، الانتقال السلمي للسلطة... إلخ. أما الثاني فيتعلق بالأرضية الفلسفية للديموقراطية، أي حاكمية الشعب، المساواة، الحقوق الطبيعية، وما أشبه. ويتناول الثالث ظلالها الإيديولوجية، أي تطورها في الإطار التاريخي - المعرفي الغربي. وقد اجتذب المجال الثاني الجزء الأكبر من مناقشات التيار المحافظ. لكن يبدو أن الجدل الأكثر سخونة يدور حول المجال الثالث. وفي هذا الإطار فإن المحافظين ينظرون إلى انبثاق الديموقراطية من التجربة التاريخية للمجتمعات الغربية بوصفها دليلاً على كونها جوابهم الخاص على التحديات والصعوبات التي واجهوها[29]. وكما أن من السفه استيراد المشكلات من مجتمعات أخرى، فإنه بالقدر نفسه مخالف للعقل استيراد الحلول الخاصة بتلك المشكلات.

في مقابل هذا، يؤكد الإصلاحيون ضرورة الديموقراطية وفائدتها للمجتمع الإيراني. وهم يرون أن استبداد الدولة هو العيب الأكبر في تاريخ إيران الحديث[30]، وأن احتكار الدولة للموارد العامة ومصادر القوة لعصور متطاولة كان سبباً في إذلال الإيرانيين وتعطيل تمدن البلاد وارتقائها. في المقابل فإن الديموقراطية تقدم وسيلة عملية وفعّالة لإصلاح الخلل في موازين القوى، على وجه يجعل المجتمع سيِّداً للدولة[31]. ويذهب شبستري بالجدال إلى مدى أبعد حين يقرر أن الديموقراطية ضرورة للدين مثل ضرورتها للمجتمع: «إطار الديموقراطية الليبرالية هو الوحيد الذي يوفر الفرصة لتحقيق الغايتين الأعظم من غايات الدين، أي العدالة وانعتاق الإنسان»[32]. ويرى خاتمي أن تطور النموذج الديموقراطي في الغرب لا يؤثر على قيمته الذاتية. لهذا فهو يندد بالرفض الأعمى لنتائج تلك التجارب دونما سبب سوى كونها غير محلية، كما يندد في الوقت نفسه بتقليدها من دون تبصر[33]. بدلاً من ذلك فهو يدعو المثقفين الإيرانيين إلى التعاطي النقدي مع ما يصفه بأعمدة الحضارة المعاصرة مثل الليبرالية، الفردانية، الحقوق الطبيعية، والعقلانية. كما يدعو إلى إعادة إنتاج الحداثة ولا سيما جانبها السياسي، أي الديموقراطية، في إطار الثقافة المحلية كي تتناغم مع روح الشعب وتستوعب همومه وتطلعاته[34]. توطين الديموقراطية يعني بصورة محددة جعلها متلائمة مع الدين، بوصفه المكون الأبرز للثقافة والهوية الوطنية.

الديموقراطية الدينية

طرحت فكرة الديموقراطية الدينية للمرة الأولى من جانب عبد الكريم سروش مقابل -فيما يبدو- لفكرة المجتمع المثالي التي يطرحها المحافظون[35]. واستقطبت الفكرة اهتمام الإيرانيين بعدما طرحها خاتمي إطاراً للمشروع السياسي الذي خاض على ضوئه الانتخابات الرئاسية لعام 1997.

فيما عدا مضمونها الديني، فإن مفهوم الديموقراطية عند الإصلاحيين لا يختلف كثيراً عن مفهومها المتعارف في عالم اليوم، سواء في جانبها الوظيفي أو خلفيتها الفلسفية. يقول شبستري بهذا الصدد: «نحن لا نتحدث عن يوتوبيا أو نموذج نظري تخيلي، بل عن نظام قائم، عناصره واضحة ومعرَّفة بدقة، وجرت تجربته على نطاق واسع»[36]. النظام الديموقراطي -كما يرى سروش- هو وسيلة لتلافي أخطاء الإدارة الفردية للبلاد. حيث لا تعتمد السياسة العامة للبلاد على الجهد العقلي لشخص الحاكم أو حاشيته، بل هي ثمرة للعقل الجمعي لمجموع المواطنين[37]. ويمكن عَدُّ النظام السياسي ديموقراطيًّا إذا توافرت فيه ثلاث ميزات[38]:

1- إطار قانوني يسمح بالتنافس السلمي والمؤثر على السلطة، بين مختلف الآراء والأشخاص. الانتخابات العامة الدورية هي الصيغة الأكثر انتشاراً لهذا الإطار.

2- مشاركة عامة في انتخاب القادة وتقرير الخيارات السياسية.

3- الحماية القانونية للحريات العامة، ولا سيما حرية التعبير والتنظيم.

بالإضافة إلى أطروحة الديموقراطية الدينية، يحتل مفهوم المجتمع المدني موقعاً بارزاً في الخطاب الإصلاحي. ويؤسس الإصلاحيون فكرتهم هذه على أساس نظري وعملي. فهم ينظرون إلى نشاط منظمات المجتمع المدني بوصفها عاملاً معجِّلاً للتحول الديموقراطي. بالنسبة للمحافظين فإن التجسيد الواقعي للمشاركة الشعبية يتجلى في مفهوم «الحضور في الساحة» أو التعبئة الدائمة للشعب. لكن الإصلاحيين يرون هذا المفهوم نوعاً من الشعبوية أو «الحشد العوامي» وليس المشاركة الديموقراطية[39]. نشير هنا إلى أن نسبة لا بأس بها من الأدبيات الإصلاحية قد خُصِّصت لنقد الشعبوية populism وتمظهراتها في السياسة المحلية[40]. طبقاً لكديور فإنه لا ينبغي الخلط بين الديموقراطية وبين الأشكال الأخرى من العلاقة بين الحاكم والشعب التي تتسم باللين أو التواضع للشعب وأحياناً خداع الشعب. [...] يبالغ الشعبويون في تمجيد الشعب وامتداحه، كما يرحبون بمشاركته في الحياة السياسية. لكن هذا الشعب لا يستطيع محاسبة حكامه. [...] السياسة الشعبوية تقوم على حشد الجمهور وراء القادة وسياساتهم وليس المشاركة في وضع تلك السياسات أو محاسبة الحكام[41].

ويشدد خاتمي على أن المشاركة الشعبية السليمة تقتضي القبول بالعقل الجمعي مرجعاً نهائيًّا للقرار. ولضمان تفعيل العقل الجمعي بصورة نظامية فإنه ينبغي تصميم النظام السياسي على نحو يتطابق مع معايير المشاركة الشعبية في صناعة القرار، التوزيع العادل للموارد والسلطات ومصادر القوة، الشفافية والمحاسبة، إضافة إلى الضمانات القانونية للحريات الفردية[42].

الدين والديموقراطية

يقوم التأسيس النظري للعلاقة بين الدين والديموقراطية عند الإصلاحيين على أرضية تمييزهم الأولي بين وظيفة الدين ووظيفة الدولة. وظيفة الدولة عندهم هي تمثيل المصالح المتنوعة في الساحة السياسية، ولهذا فهي بحاجة إلى نظام إداري قادر على إدارة التعارضات بين تلك المصالح بصورة سلمية. وهم يرون في الديموقراطية نظاماً فعَّالاً لأداء هذه المهمة[43]. أما وظيفة الدين فتتعلق في الجوهر بوجود الإنسان وأخلاقياته وارتباطه بالله. يتسم عالم السياسة بسيادة الذرائعية والعلاقات القائمة على المساومة والعنف العاري أو المغلف. في حين يتسم عالم الدين بالتسليم والإيثار والتطوع[44]. بعبارة أخرى فإن لكلٍّ من الدين والدولة أغراضاً متفاوتة وسبلاً مختلفة في تحقيق تلك الأغراض.

أما بالنسبة للعلاقة الممكنة بين الدين والديموقراطية، فإن حجاريان يرى إمكانية للتوصل إلى قراءة للدين تتناغم مع المبادئ الكبرى للديموقراطية. لكن هذه القراءة ستكون متعلقة حصراً بوظائف الدولة وليس وظائف الدين نفسه. بكلمة أخرى فإنه يمكن العثور في التراث الديني على أرضية صالحة لدعم الديموقراطية، وبالقدر نفسه فإنه يمكن العثور على تبرير للاستبداد. في كلا الحالين فإن السؤال المحوري ليس حول الدين أو الديموقراطية، بل حول الدولة[45]. ويميل الإصلاحيون إلى القول بأن الإسلام لم يضع نظاماً خاصًّا ثابتاً للحكم. في الوقت نفسه فإن الدين ليس موضوعاً للديموقراطية، سواء في مبادئها أو في آلية اشتغالها[46]. الديموقراطية هي نموذج في ممارسة السلطة السياسية وليست إيديولوجيا. ولهذا فإن تعارضها ليس مع الدين بل مع نماذج السلطة الأخرى ولا سيما الفردية والنخبوية. في ظل نظام ديموقراطي، يلعب الدين ومؤسسة السلطة أدواراً مختلفة. فالدين يوفر القيم والأهداف والمعايير التي يجب تمثلها في النظام السياسي. في المقابل فإن الديموقراطية بوصفها نموذجاً للسلطة، تعرِّف المناهج والوسائل الضرورية لتحقيق تلك الغايات. فهي تحدد منظومات العمل، المؤسسات، المعايير الإدارية، وطرق اتخاذ القرار[47].

تكتسب الدولة صفتها الدينية بالرجوع إلى واحد من عاملين[48]:

أ- عدَّها دولة إسلامية من جانب المجتمع المسلم، لأنه هو المخاطب بالتشريع الإلهي، وهو الوسيط المؤهل لإضفاء القيمة الدينية على المؤسسات والأعمال في المجال العام.

ب- التزام الدولة بالمعايير الدينية في ممارسة السلطة. ويَعُدُّ الإصلاحيون معظم القيم السياسية مثل العدالة، الحرية، والمساواة، مسلمات عقلية سابقة للدين، لكن الدين أمضاها وثبتها.

ينطلق سروش في تحليله لهذه النقطة من نظريته حول الطبيعة التاريخية والظرفية للمعرفة الدينية التي أشرنا إليها سابقاً. فهو يجادل بأن ما نراه التزاماً بالدين من جانب الدولة أو المجتمع، يعتمد تماماً على فهم الدين في تلك المرحلة، وهو فهم متأثر بالضرورة بظرفه الموضوعي والتاريخي، وبالتالي فهو متغير ولا يمكن أن يكون ثابتاً أو معياريًّا[49]. لإيضاح الفكرة نقول: إن المؤسسات القائمة على تطبيق أحكام الشريعة والسياسات التي تنظم هذا العمل، هي جميعاً من صنع البشر القائمين عليها. تبدأ المسألة عند رجل الدولة بتحديد ما يريد تطبيقه من القيم الدينية، وكيفية تطبيقها من خلال مؤسسات الدولة، وتصور الناتج المادي الذي سيحصل عليه بعد تطبيق تلك القيمة. في كل من هذه المراحل يلعب العقل البشري الدور الأساس في الاختيار بين احتمالات متعددة. منذ البداية يحدد العقل الأغراض - والأولويات - المستهدفة من وراء النص الديني أو المبادئ النظرية المراد تطبيقها وطريقة الوصول إلى تلك الأغراض، والمعيار الذي يُحتكم إليه في إثبات حصول النتيجة وكمالها أو عدمه. هذه العملية المعقدة نسبيًّا، يمكن أن تخضع في كل مرحلة من مراحلها لجهد عقلي يقوم به شخص واحد أو مجموعة صغيرة من كبار قادة الدولة، كما يمكن أن تتم بالرجوع إلى العقل الجمعي لمجموع المواطنين. في كلا الحالين فإن الناتج هو فهم بشري لمراد الخالق وليس مراد الخالق عينه. وبالمقارنة بين الطريقين، فإن أفضلية الثاني على الأول لا تخفى على عاقل، فهي تعتمد على جمع كبير من العقول بدل عقل واحد أو عدد محدود كما في الحالة الأولى.

الإطار المرجعي للخطاب السياسي الإصلاحي

يرى سروش ومعظم المفكرين الإصلاحيين أن تجلي عظمة الإسلام وتأثيره العميق في روح الإنسان رهن بكونه متاحاً على وجه متساوٍ لكل إنسان[50]. الدين هو طريق مباشر يوصل الإنسان إلى ربه، من دون حاجة إلى وسيط أو دليل ما عدا قلب الإنسان نفسه. في المقابل فإن الدين المتسلح بقوة الدولة قد يتحول إلى إيديولوجيا للهيمنة. ويصر سروش على أن الإيديولوجيا، بما فيها تلك القائمة في إطار التعاليم الدينية ليست معصومة عن الأعراض المعروفة في جميع الإيديولوجيات الأخرى، فهي غطاء للحقيقة، وهي تُهوِّن من شأن العقل، وتعطل التبادل الحر للمعلومات والأفكار[51]. وإذا ما تحول الدين إلى إيديولوجيا دولتية، فإن وظيفته سوف تتحول من مصدر للأخلاقيات الرفيعة إلى تبرير للهيمنة الطبقية[52].

تقوم القراءة الإصلاحية للدين على مبدأ تعدد الاجتهاد. في الحقيقة فإن مبدأ التعددية سواء تعلق الأمر بالدين أو بالثقافة أو السياسة، هو واحد من المحاور الكبرى للإيديولوجيا الإصلاحية. وقد اختار سروش لأحد كتبه عنوان «صراطهاي مستقيم» أو الطرق المستقيمة، في تحدٍّ مباشر للاعتقاد السائد بين عامة المسلمين بأن الطريق المستقيم هو طريق واحد فقط. من الواضح أن أحد أهداف القراءة الإصلاحية هو التشكيك في دعوى رجال الدين الانفراد بالحق في الاجتهاد وتفسير النص الديني. في ظني إن كتابات آية الله شبستري هي أكثر المعالجات عمقاً لعيوب المدرسة الفقهية التقليدية، ونموذج الاجتهاد الذي تقوم في إطاره القراءة الدينية المحافظة. ولد محمد مجتهد شبستري في 1936. ودرس في الحوزة العملية في قم حتى بلغ مرتبة الاجتهاد. كما درس الفلسفة ودرَّسها في جامعة طهران. تدور أعمال شبستري غالباً حول منهج الاجتهاد وطرق تطبيق الأحكام. وقد تأثر خطابه بعمق بمنهج التأويل الفلسفي hermeneutics الذي طوَّره الفلاسفة البروتستانت. تمحور منهج التأويل في أول أيامه حول اكتشاف القيمة والرسالة المضمرة في النص الديني. لكنه توسع خلال القرن العشرين على يد عدد من الفلاسفة، لا سيما مارتين هايدجر (1889-1976) وهانس-جورج غادامر (1900-2002) إلى ما يتجاوز هذه الحدود، فأصبح يُعنى بالفن والأدب، وتحوَّل نحو جعل الوجود الإنساني بمجمله سؤاله المحوري. وفي معظم أعمال شبستري، لاسيما كتابيه المثيرين للجدل «هرمنيوتيك، كتاب وسنت» و«نقدي بر قراءت رسمي از دين»، تظهر بوضوح تأثيرات فلسفة هايدجر، غادامر وكارل بارث (1886-1968).

يشدد هايدجر على الدور المحوري لذهنية المتلقي بوصفها وسيطاً لفهم ما يتلقاه، ولهذا فهو يقرر أنه «لا فهم من دون فهم مسبق =no understanding without pre-understanding»[53]. أما غادامر فيصف الخلفية الذهنية التي تتحكم في فهم المتلقي بالأفق أو مجموع الكينونة التي اشتركت في صياغتها مجموع تجارب الماضي والحاضر[54]. ولهذا فإن الوعي التأويلي هو بصورة أو بأخرى أفق مفتوح، متحرك، وفي حالة تغير دائم. وحسب تعبير غادامر فإن التشديد على الأفق التاريخي يتناول مرحلة فحسب في عملية الفهم. فهو لا يعني انفصال الإنسان عن وعيه السابق. الأفق التاريخي الفعلي يتجاوز الوعي السابق من حيث تأثيره على فهم الإنسان. خلال عملية الفهم يحدث تحول في الأفق، بمعنى أنه بقدر ما يكون الأفق التاريخي شاهداً ومؤثراً في فهم الحاضر، فإنه بالقدر نفسه يكون عرضة للزوال والتلاشي[55].

يستخدم شبستري فكرة «الأفق التاريخي» لتحديد القيمة العلمية لمنهج الاجتهاد المتداول في مدارس العلم الشرعي «الحوزة العلمية». يعتمد هذا المنهج بشكل أساسي على استخدام التقنيات اللغوية، ويركز على فهم التركيب النحوي للجملة العربية التي تحوي النص، والحادثة التاريخية التي استهدف النص تكييفها وسيلةً لاستخراج الحكم الشرعي المتضمن في النص، وبالتالي تحديد مراد الشارع المقدس. بناء على منهج التأويل الفلسفي يجادل شبستري بأن الصيغة اللغوية هي مجرد وعاء للقيمة الدينية وليست جزءاً منها. وأن اختيار هذا الوعاء يرجع إلى ضرورات الأفق التاريخي للمجتمع الذي خاطبه النص عند نزوله. وهذا أمر مفهوم، فقد كانت الرسالة السماوية بحاجة إلى النفاذ إلى عقول وقلوب المجموعة الأولى من المؤمنين، من أجل أن يصدقوا بها ويعيدوا إنتاجها في قالب دعوة إلى سائر الناس[56]. أما جوهر الرسالة السماوية فهو كامن في القيم التي تحويها تلك الصيغة اللغوية وليس في الصيغة نفسها[57]. ويعتقد شبستري أن الفقه التقليدي قد أضاع عقلانيته بسبب تقديسه للإطار اللغوي، وهو مؤقت ومشروط بظرفه الخاص. وهذا يفسر -حسب رأيه- التفاوت العميق بين التعاليم الدينية ومتطلبات الحياة المعاصرة[58].

يرى شبستري أن القيم القاعدية للدين هي المنظومة الدينية الوحيدة التي تتمتع بالقداسة والعمومية والامتداد عبر الزمان والمكان. يمكن للقيم أن تتمظهر في أشكال مختلفة في الأزمنة المختلفة. في هذا الإطار فإنه باستثناء أحكام العبادة بالمعنى الدقيق، فإن الأكثرية الغالبة من الأحكام الدينية المتعلقة بجوانب الحياة المختلفة، لا تتمتع بالقدسية أو الثبات أو العمومية[59]. وهذا يشمل الأحكام المنصوصة، كما يشمل بطبيعة الحال آراء الفقهاء واجتهاداتهم. وأظن أن شبستري هو واحد من قلة نادرة من المفكرين المسلمين الذين يقولون بإمكانية تغيير الأحكام التي وردت فيها نصوص قرآنية أو نبوية. ذلك أن الاتجاه الغالب يميل إلى حصر إمكانية التغيير في الأحكام غير المنصوصة، وفقاً للمقولة الشائعة «لا اجتهاد في مقابل النص». والحقيقة أن نقطة القوة الرئيسة في احتجاجات شبستري تكمن في تفسيره المختلف لفكرة «أسباب النزول» الشائعة في المدارس الفقهية، إضافة إلى تمييزه الدقيق بين مراد النص وبين فهم المجتهد -أو المجتمع- لذلك المراد. في هذا السياق فهو يرى أن تغير ظروف الحياة ومتطلباتها وتغير ثقافة الناس وهمومهم يستدعي قيام كل جيل من أجيال المسلمين بصياغة القواعد ومنظومات العمل التي يحتاجها لتطوير حياته بالرجوع إلى العقل الجمعي، ومن دون تقيد بالصيغ والأشكال الموروثة. ذلك أن هذه الصيغ هي وسائل للتوصل إلى نتائج عقلائية، ولا يصح أن تكون قيداً عليها. القيد الوحيد الذي يستوجب الرعاية هو قيم الدين الأساسية التي لا ينبغي أن تخرق في أي حال. ويضرب مثلاً على ذلك بنظام الحكومة، حيث يجادل بأن ما يهم الشارع في هذا الصدد هو جوهر الحكم، أي العدالة، وليس شكل النظام أو عنوانه[60].

العلمانية

من المفهوم أن ارتباط الديموقراطية بالعلمانية هو أبرز أسباب رفضها من جانب المحافظين. في المقابل فإن الإصلاحيين لم ينظروا إلى العلمانية بوصفها جزءاً جوهريًّا من مفهومهم للديموقراطية. ويبدو لي أن موقف الإصلاحيين من العلمانية يتسم بلين غير معهود عند التيار العام من الإسلاميين الذي يعتقد أن العلمانية نقيض للدين ويرفضها جملةً وتفصيلاً. ويتجلى موقفهم ذاك في معالجتهم للعديد من القضايا الاشكالية، مثل العلاقة بين الدين والدولة، الثقافة، الاخلاق الاجتماعية، وسواها. لكنهم مع ذلك يجتهدون في المحافظة على مسافة تفصلهم عن دعاة العلمانية أو رافضي الدور السياسي للدين. وفي هذا الإطار يجادل الإصلاحيون بأن ما يدعون إليه هو قراءة جديدة للإسلام، متمايزة عن الدعوات العلمانية وعن دعوات التقليديين في التيار الديني على حد سواء[61]. وهم يصرون على التمييز بين العلمانية كإيديولوجيا وبين العلمنة كتمظهر للتحول في المجتمع والثقافة process. وأظن أن أعمال سعيد حجاريان تمثل أعمق المعالجات التي قدمت من جانب التيار الإصلاحي في هذا الجانب، ولا سيما في كتابه المثير للجدل «از شاهد قدسى تا شاهد بازارى». يرفض حجاريان العلمانية كإيديولوجيا، لكنه يجادل بأن العلمنة -أو التحول الذي يؤدي بالضرورة إلى نزع المظهر القدسي- هو أمر لا مفر منه[62]. ويشدد -تبعاً لتراث ماكس فيبر- على أن الدولة هي أقوى أدوات العلمنة، ومن هذه الزاوية فهو يرى قيام الجمهورية الإسلامية خطوة أولى في طريق سيؤدي في النهاية إلى ظهور نمط من التدين جديد كليًّا[63].

في 1996 أثار حجاريان جدلاً حادًّا حين ادَّعى أن نظرية ولاية الفقيه المطلقة التي طرحها الإمام الخميني ستؤدي فعليًّا إلى علمنة القانون الديني، أو -حسب تعبيره- مصالحة الفقه مع العرف من خلال إعادة إنتاج الأول ضمن إطارات الثاني وفي حدوده[64]. ويجادل حجاريان بأن الفقه الشيعي بقي حتى صعود الإمام الخميني مقاوماً لتأثير التيارات الجديدة التي انطلقت بفعل تغيُّر بيئته الاجتماعية. لكن شخصية الإمام الخميني الكاريزمية مكنته من فرض منظوره الخاص على حساب الكثير من المبادئ الراسخة في المجتمع الديني[65]. ويرى أن الإمام الخميني كان واعياً بالكلفة التي يجب دفعها مقابل تكييف القواعد الفقهية كي تندمج في النظام القانوني للدولة. ويعدُّ حجاريان تطوير الإمام الخميني لمبدأ مصلحة النظام، وهو مبدأ عقلاني وضعي، مثالاً بارزاً على الطريقة التي تؤثر بها الدولة في وظائف الدين ودوره[66].

احتل النقاش حول العلمانية، ولا سيما طبيعتها الإشكالية وعلاقتها بالديموقراطية والتحديث، جانباً كبيراً من اهتمامات التيار الإصلاحي. وثمة على ما يبدو اتفاق عام بين الإصلاحيين على أن قدراً من العلمانية هو أمر لا مفر منه. ويسعى المفكرون الإصلاحيون -من خلال تحليل العلاقة بين العوامل الدينية والعوامل غير الدينية التي تشترك في تكوين أو تقييم الفعل الإنساني- إلى اكتشاف إمكانات التناغم بين الدين والعقل وإبداع فعل يجسد العقلانية والقيمة الدينية في الوقت نفسه، وبالتالي استخراج القيمة الدينية من حالة الضبابية والغموض المترافقة مع الجانب الغيبي للدين، والتأكيد على جانبه التطبيقي الواقعي القابل للتوافق مع العرف السائد بين العقلاء، والمقبول من جانب عامة الناس. إن معالجة من هذا النوع ضرورية لتعريف الوظائف التي يمكن لكل من الدين والعقل القيام بها في الاجتماع السياسي، كلٌّ بلغته الخاصة وضمن مساره الخاص.

يفترض هذا الطرح وجود مجالين وظيفيين متمايزين: مجال ديني ومجال عرفي  - عقلي، خلافاً للمبدأ الذي يتبناه المحافظون، والقائل بعالم واحد فقط هو عالم الدين. ويرى الإصلاحيون أن اشتغال العقل في مجاله الخاص لا ينطوي بالضرورة على تعارض مع القيم الدينية، كما أن وجود مجال وظيفي للعقل لا يزاحم بالضرورة مجال الدين أو كماله[67]. مجال العقل هذا يسمى في الأدبيات الغربية علمانيًّا. وبالنظر لتطور الفكرة في المجال الثقافي الغربي، الشروط التاريخية الخاصة لتجربة التطور الغربية، فقد اتخذت العلمانية طابع التعارض مع الدين في أغلب حالاتها. لكن هذه الشروط الظرفية لا تغيِّر من حقيقة المسألة، فهي لا تمثل قيداً على المجتمعات الأخرى التي ربما تسعى لتطوير مفهومها الخاص للعلاقة بين الدين والدنيا. في هذا الإطار فإن عدداً من المفكرين الإصلاحيين ولا سيما حجاريان وسروش بذلوا جهداً قيماً في معالجة المسألة، محاولين التوصل إلى مفهوم محلي يركز على المقاربة بين مفهوم العرف، وهو من المفاهيم السائدة والمقبولة في الثقافة الإسلامية وبين مفهوم العلمانية. كما يقارب بين مفهوم التحول العلماني secularization والتحول العرفي «عرفى شدن - حسب التعبيرالفارسي». يشير تعبير «العرف» إلى الشيء المتعارف عليه بين الناس، ويمثل القبول الاجتماعي مصدر القيمة فيه، وهو بهذا يتمايز عن الحكم الديني الذي ترجع قيمته إلى صدوره من الشارع. في السياق نفسه، فإن تحول الفكرة أو الفعل الديني إلى عرفي، يؤدي بالضرورة إلى انتقال مصدره القيمي من السماء إلى الأرض. قيمة العرف الاجتماعي تكمن في تمثيله للعقل الجمعي، وبالتالي فإن ما نسميه عرفاً، ليس في حقيقة الأمر سوى العقل الذي يمثل في مستواه المتوسط قاسماً مشتركاً بين جميع الناس ونقطة التقاء لإراداتهم، وهو ما نسميه بالعقل الجمعي.

يستعمل حجاريان هذا التصوير في وصف الآثار المترتبة على اندماج القيم الدينية في تركيبة المجتمع ونظام عمله وعلاقاته. يتخذ التفاعل بين المثاليات الدينية والعرف الاجتماعي صورتين: في الصورة الأولى يتم خلق عرف جديد بوصفه إطاراً اجتماعيًّا لتطبيق مبدأ ديني محدد، أو تعديل عرف قائم كي يتلاءم مع ذلك المبدأ. وفي الصورة الثانية يتم تطبيق ذلك المبدأ على نحو خاص كي يتلاءم مع عرف قائم وسائد. ويستنتج من هذا التفسير أن الكثير مما يُعدُّ في الثقافة الاجتماعية تقاليد دينية، لاسيما تلك التقاليد التي تتعلق بالسلوك الاجتماعي، هي في الأصل أعراف أقرها القادة الدينيون، وبمرور الزمن اكتسبت قيمة دينية[68]. مثل هذا التحول يطابق إلى حد كبير ما يوصف بالعلمنة أو ما يصفه هو بالتحول العرفي. إن اكتساب العرف للقيمة الدينية لا يجعله ديناً في حقيقة الأمر ولا ينفي حقيقة كونه متمايزاً في الجوهر عن القيمة الدينية التي أُسبغت عليه.

ينصرف مفهوم العلمانية -كما يرى سروش- إلى واحد من ثلاثة معان:

1- قيام الفعل على أرضية غير دينية.

2- فهم العالم والإنسان خارج الإطار المفهومي الديني.

3- فهم المجالات غير المرتبطة بالدين بوصفها عوالم مستقلة قائمة بذاتها، مثل مجال العلم، الفلسفة، الفن، الأدب، والسياسة.

ويميل سروش إلى المعنى الأخير مشدداً على أن كلًّا من هذه المجالات هو عالم قائم بذاته من حيث أرضيته المفهومية، واللغة المستعملة فيه، طرق التحليل والإثبات والتقييم، إضافة إلى الوظائف الاجتماعية. ولهذا فإنه يساوي بين التحول العلماني «أو العرفي» واكتشاف التمايز المذكور:

لعل من الأفضل استعمال تعبير «استقلال السياسة عن الدين» بدلاً عن «فصل السياسة عن الدين». لكن السياسة ليست الوحيدة المستقلة بطبعها عن الدين، فالفلسفة والفن والعلوم وكثير من الشؤون الإنسانية والمنظومات الاجتماعية هي كذلك أيضاً. لهذا فإن «الانفصال» يجب أن يفهم بمعنى الاستقلال، وأن علمنة البشر هي ثمرة لاكتشافهم هذا المعنى[69].

ويجادل سروش بأن العلمانية، بالمفهوم الذي يقترحه لا تستثني الدين من الحياة السياسية بالضرورة، لكنه يحذر في الوقت نفسه من أن تطبيق النظام القانوني الديني سيؤدي بالضرورة إلى تجريده من صبغته القدسية. ذلك أن الجانب القدسي في الحكم الديني مرتبط بالمكون الميتافيزيقي، أي رجوع الدين إلى عالم يتجاوز الطبيعة وحدودها المادية. في المقابل فإن إدارة الشؤون الاجتماعية والدنيوية تحتاج إلى قواعد وقيم متناسبة مع شروط الدنيا وحدودها المادية الطبيعية، كي تكون قادرة على إنتاج مفاعيل ملموسة وقابلة للمحاسبة[70].

بالنظر إلى انطلاق التيار الإصلاحي من أرضية دينية، فإنه يدعو إلى دور فعال للدين في الدولة والمجتمع. لكن من دون دور مماثل للمؤسسة الدينية. بكلمة أخرى، فإن الإصلاحيين يقرون بدور الدين لكنهم يريدون للمؤسسة الدينية أن تبقى مستقلة عن الدولة[71]. ومن هنا يمكن القول بأن النقاش يدور حول تعريف الحد الفاصل بين سلطة الدين وسلطة الإنسان. ومن الواضح أن هذا النقاش يرجع بجذوره إلى خلاف أولي على دور الدين وما يتعلق به. وقد أشرت سابقاً إلى أن المحافظين يرون الدين كاملاً وشاملاً لكل جوانب الحياة، كما يرون الفقهاء المصدر الشرعي الوحيد للمعايير الدينية. ويترتب على هذا أن كلًّا من الدولة والمجتمع هما إطار طبيعي لسلطة الدين وتطبيق الأحكام التي يتوصل إليها الفقهاء. تعرف هذه الفكرة في الأدبيات السياسية الإيرانية بـ«دين حد أكثري»[72]. في المقابل فإن الإصلاحيين يتبنون ما يعرف بـ«دين حد أقلي»[73]. على المستوى العملي فإن الفكرة الأولى تعني أن كل فعل فردي أو جمعي يجب أن يتوافق مع أحكام الشريعة، في حين تميل الفكرة الثانية إلى تعريف سلبي، إذ تقول بأن كل فعل مقبول ما لم يخرق حكماً متفقاً عليه بين أهل الشريعة.

خلاصة

يركز الخطاب الإصلاحي على نقد الفقه التقليدي، ويدافع عن الحداثة، الديموقراطية، التعددية، وتحديد السلطة. ويقترب مفهوم الديموقراطية عندهم من المفهوم الليبرالي. لكنه يخالفه في الموقف من العلمانية، إذ يرفض الإصلاحيون العلمانية بوصفها إيديولوجيا لكنهم يعتقدون أن التحول العلماني «أو العرفي» نتيجة حتمية لاندماج الدين في الدولة.

يقترح الإصلاحيون منهجاً جديداً في الاجتهاد وقراءة النص الديني، يختلف إلى حد بعيد عن المنهج السائد في المدرسة الفقهية التقليدية. ومن بين العلامات البارزة في هذا الخطاب إنكاره لوجود نظام محدد ونهائي للحكم في الإسلام. ومن بينها أيضاً ربط إسلامية الدولة باعتراف المواطنين بها على هذا النحو أو التزامها بالقيم القاعدية للسياسة الدينية.

ويقدم الخطاب الإصلاحي مثالاً قويًّا على إمكانية المصالحة بين الإسلام والحداثة، لا سيما في الجانب السياسي. فهو يُهيِّئ أرضية لتفاعل نشط بين المعرفة الدينية من جهة والفكر الفلسفي والاجتماعي الحديث من جهة أخرى. وبغض النظر عن انتقادات المحافظين والعلمانيين على حد سواء لسلامة انتساب الأفكار الإصلاحية إلى كل من الدين أو الحداثة، والتي تُعدُّ على أي حال موضوعاً مفتوحاً للنقاش، فإن الخطاب الإصلاحي قد نجح في تعبئة شريحة كبيرة من المجتمع الإيراني لا سيما من الأجيال الجديدة والنساء والفئات التي همشت في ظل النموذج السياسي المحافظ. وفي السنوات الأخيرة شهدنا اهتماماً بالنموذج الإصلاحي خارج حدود إيران، لا سيما في العالم العربي، حيث تجتذب أعمال المفكرين الإصلاحيين اهتماماً متعاظماً بين النخبة العربية والنشيطين في المجال السياسي.

 

 

 



[1] كاتب وباحث، السعودية.

[2] لمعلومات ميدانية حول تحول القيم في المجتمع الإيراني في أوائل التسعينات، انظر رفيع پور: توسعه وتضاد (تهران 1998).

انظر أيضا: عبدي وغودرزي: تحولات فرهنگي در إيران، (تهران 1999). وتعتمد كلا الدراستين على بحوث ميدانية ومقابلات كمية ونوعية.

[3] جمعت الأرقام من تقارير مركز الإحصاء الإيراني (www.sci.org.ir)، المجلس الأعلى للثورة الثقافية (www.iranculture.org)، وعبدي: المصدر السابق.

[4] Boroujerdi, Mehrzad, ‘Can Islam be Secularized’, in Esfandiari, Berton and Farhi (eds.), Intellectual Change and the New Generation of Iranian Intellectuals, (Washington, 2000), p. 13. e.edition, retrieved on Jun., 2, 2004 from: http://faculty.maxwell.syr.edu/mborouje/Continuities.html

[5] Scruton, R., A Dictionary of Political Thought (London 1996), p. 265.

[6] علوي تبار، علي رضا: روشنفكرى، ديندارى، مردمسالارى، (تهران 2000)، ص 25-26.

[7] شبستري، محمد: نقدى بر قراءت رسمى از دين، (تهران 2000)، ص 186.

[8] شبستري، المصدر السابق، ص 192.

[9] گنجى، أكبر: تلقي فاشستى از دين وحكومت، (تهران 1999)، ص 34.

[10] Coker, Francis, Readings in Political Philosophy , (New York, 1938), p. 684.

[11] Held, David, Models of Democracy, (Cambridge 1997), pp. 90-93.

[12] حجاريان، سعيد: جمهوريت: افسون زدايي از قدرت، (تهران 2000)، ص 754.

[13] حجاريان: المصدر نفسه، ص 190.

[14] منتظري، حسين علي: نظام الحكم في الإسلام. (قم 2004)، القسم الخامس، الفصل الثالث. ن. إ. روجع في 20 يوليو 2004: www.montazeri.ws/Farsi/Nezam/html/0006.htm#0017

[15] بشيريه، حسين: جامعه مدنى وتوسعه سياسى در إيران، (تهران 1999)، ص 103.

[16] انظر يزدي: المصدر السابق. أيضاً: خاتمي، محمد: توسعه سياسى (تهران 2000)، ص 43. أيضاً: سروش: فربه تر از ايديولوجى (تهران 1999)، ص 282.

[17] منتظري، حسين علي: دراسات في ولاية الفقيه، (بيروت 1988)، ج 1، ص 493.

[18] منتظري: المصدر نفسه، ص 527.

[19] صانعى، يوسف: حديث في المدرسة الفيضية، قم، ايسنا (2 يناير 2003).

[20] شبسترى: نقدى.. مصدر سابق، ص 150.

[21] اشكورى، حسن: خرد در ضيافت دين، (تهران 1999)، صص 110-112.

[22] سروش: رازداني، روشنفكري، ودينداري، (تهران 2000)، ص 68.

[23] النائيني، محمد حسين: تنبيه الأمة وتنزيه الملة، في السيف، توفيق: ضد الاستبداد، (بيروت 1999)، ص 254-255.

[24] النائيني: المصدر نفسه، صص 301-327.

[25] خاتمي: توسعه سياسي، ص 81.

[26] منتظري: خاطرات، الفصل العاشر. ن.إ. روجع في إبريل 2004: www.montazeri.com/html/books/khaterat/KHATER50.htm#link414

[27] Beetham, David, The Legitimation of Power, (London 1991), p. 213.

[28] بشيريه: المصدر السابق، ص 89.

[29] مصباح يزدي: «حكومت ومشروعيت»، كتاب نقد، العدد 7، (صيف 1998) ن. إ.: www.hawzah.net/Per/Magazine/KN/007/kn00703.htm

[30] خاتمي، محمد: آيين وانديشه در دام خودكامگى، (تهران 2001)، ص 434.

[31] حجاريان: جمهوريت، مصدر سابق، ص 726-8..

[32] شبسترى: «مردم سالاري جيست ؟»، آفتاب، العدد 7، (أغسطس 2001)، ص 4.

[33] خاتمي: از دنياي شهر تا شهر دنيا، (تهران 2000)، ص 285.

[34] خاتمي: توسعه سياسى، ص 44.

[35] علوي تبار، المصدر السابق، ص 124-5. وقدم سروش أطروحته في العام 1991، وجاءت في سياق محاضرة أمام مؤتمر عن حقوق الإنسان عقدته وزارة الخارجية. ونشر لاحقاً نسخة منقحة من هذه المحاضرة في كتابه «فربه تر از ايديولوجي»، ص 273-283.

[36] شبستري: مردم سالاري، مصدر سابق، ص 4.

[37] سروش: فربه تر..، مصدر سابق، ص 269.

[38] علوي تبار: المصدر السابق.

[39] كديور، محسن: دغدغهاي حكومت ديني، (تهران 2000)، ص 261.

[40] انظر مثلا تحليل محمدي عن حزب الله كنموذج للفهم الشعبوي للمشاركة السياسية في إيران. محمدي، مجيد: جامعه مدنى إيران، (تهران 1999)، ص 101-112.

[41] كديور: مردم سالاري، مصدر سابق.

[42] خاتمي: توسعه.. مصدر سابق، صص 47-50.

[43] شبسترى: نقدى.. مصدر سابق، ص 108.

[44] سروش: بسط تجربه.. مصدر سابق، ص 361.

[45] حجاريان: از شاهد قدسى، ص 132-4.

[46] شبسترى: المصدر السابق، ص 108.

[47] كديور: مردم سالاري.. مصدر سابق.

[48] شبسترى: المصدر السابق، ص 112-7.

[49] سروش: فربه تر.. مصدر سابق، ص 280.

[50] سروش: رازداني، مصدر سابق، ص 124.

[51] سروش: المصدر نفسه، ص 80.

[52] بالمقارنة، فإن سعيد حجاريان يساوي بين الدين الرسمي والدين المدني كما عرضه روسو، ويجادل بأن تحول الدين على هذا النحو يمثل قدراً لا يمكن الحيلولة دونه في بلد مثل إيران. حجاريان: از شاهد قدسى، ص 151.

[53] Achtemeier, Paul, An Introduction to the New Hermeneutic, (Philadelphia, 1969)., p. 11

[54] Seung, T., Semiotics and Thematics in Hermeneutics, (New York, 1982), p. 173.

[55] Cited in Seung, ibid., p. 189.

[56] شبسترى: هرمنيوتيك، كتاب وسنت، (تهران 2000)، ص 48.

[57] شبسترى: المصدر نفسه، ص 66.

[58] شبسترى: نقدي.. ص 65.

[59] شبسترى: هرمنيوتيك.. ص 88.

[60] شبسترى: نقدي..، ص 50.

[61] علوى تبار: مصدر سابق، ص 25.

[62] حجاريان: از شاهد..، ص 89.

[63] حجاريان، المصدر السابق نفسه، ص 87.

[64] نشر حجاريان مقالته «فرايند عرفى شدن فقه شيعي» للمرة الأولى في مجلة كيان، العدد 24 (ابريل 1996) ثم اعاد نشرها في كتابه «از شاهد قدسي»، ص 69-91.

[65] حجاريان: المصدر نفسه، ص 96-108.

[66] حجاريان: المصدر السابق، ص 94-5.

[67] شبسترى: نقدي..، ص 227.

[68] حجاريان: «هنجارهاي بي ارزش، ارزش هاي بي هنجار»، نوروز (7 مارس 2002).

[69] سروش: بسط تجربه..، ص 162.

[70] سروش: المصدر نفسه، ص 364.

[71] علوي تبار: المصدر السابق، ص 192.

[72] لتفصيلات حول هذه النقطة، انظر محبي: «نظريه دين حد أكثرى»، نقد ونظر، السنة السادسة، العدد 1-2، (شتاء 1999)، ن.إ.: www.hawzah.net/Per/Magazine/NN/021/nn02107.htm. انظر أيضا نقد آية الله سبحاني لنظرية «دين حد أقلي»: سبحاني، جعفر: «ويجگيهاي علم فقه»، ن. إ.: www.balagh.net/persian/feqh/maqalat/koliyat/29.htm 

[73] سروش: بسط تجربه..، صص 83-112 .