شعار الموقع

في القابلية على التعارف على هامش أطروحة تعارف الحضارات

الدكتور يحيى اليحياوي 2008-03-21
عدد القراءات « 876 »

[1]

*  مقدمة

قلما انعقدت، بالعقدين الأخيرين على الأقل، لقاءات أو مؤتمرات أو ندوات فكرية أو سياسية أو ما سواها، إلا واستحضرت بهذا الشكل أو ذاك، ضمنيًّا أو بالمعلن، قضايا تحيل صوباً على صراع ما بين الحضارات والثقافات، أو لمحت إلى ممانعة ما بين الأديان والهويات والمرجعيات، أو أضمرت في خلفياتها تمنُّعاً ما بين كل ذلك، يبدو موضوعيًّا للبعض، في حين يبدو للبعض الآخر ذاتي الطبع والطبيعة، مزامناً للنفس البشرية، ولا سبيل لتفاديه، كونه جزءاً لا يتجزأ من «سنن الكون الإلهية».

هي ثنائيات نادراً ما يفلت من عقالها لقاء أو مؤتمر، بل تذهب لحد تأثيث الخطابات الرسمية، أو تسويغ السياسات المراد اعتمادها، أو الدفع بمشاريع تبدو فكرية بالمظهر، لكنها سرعان ما تتفتق عنها بالزمن، رهانات لم تكن أصلاً بالحسبان[2].

إنه ليس من المصادفة في شيء، والحالة هذه، أن تكون معظم الأطروحات والمفاهيم والمصطلحات الملازمة لها، من صنع مراكز دراسات استراتيجية، أو «بيوت أفكار» مرتبطة بمستويات القرار، أو معاهد جامعية تتأتى ميزانياتها من المؤسسة العسكرية مباشرة، أو من وزارات الخارجية، أو من مصالح الاستخبارات، أو من الشركات المتعددة الجنسيات أو من غيرها.

وعلى الرغم من أن الطروحات والمفاهيم والمصطلحات ذاتها لا تفي دائماً بالغرض المنشود، كونها تُبتر من سياقها العام بتراً، أو لا تقاس بمرجعيتها الحقيقية، فيتم التعامل معها على محك الغاية من إشاعتها في زمن ما، فإنها دائماً ما تكون مادة ردود أفعال، إما بالإيجاب، من لدن متلقين تساير الطروحات ذاتها ما يعتمل بين ظهرانيهم، أو بالسلب من لدن من يرون أنها موجهة ضدهم، مصاغة لاستهدافهم، أو متضمنة في أبعادها لأجندات يكون الجانب الفكري الخالص آخر العناصر المستحضرة.

إن أطروحة صراع الحضارات وما استتبعها من جدل صاخب في العديد من أوجهه، لا تكشف بتصورنا عن نجاعة ما ملازمة «للفكرة»، أو عن مدى القوة التفسيرية الثاوية خلفها، بل عن طبيعة الجهة التي استنبتتها وروَّجت لها، وبنت على أساسها المواقف والسياسيات هنا وهناك[3].

بالقدر ذاته أو أكثر، فإن أطروحة حوار الحضارات تبدو ولكأنها مجرد ردّ فعل على أطروحة الصراع، ورفض لمجاراتها على خلفية من القول بأن الحضارات لا تتصارع بقدر ما تتحاور، أو على أساس من الاعتقاد بأن المطلوب هو الدفع بالحوار بغرض درء المواجهات واستباق الفتن.

إن القول بالحوار بين الحضارات (أو الأديان أو الثقافات أو الهويات أو ما سواها) هو قول من قبيل تحصيل المحصل، إذ نادراً ما انقطع ذلك الحوار، حتى وإن خفَّت وتيرته، أو تقلَّص مده جرَّاء هذا الظرف التاريخي أو ذاك.

هو بالتالي، ليس مطلباً قارًّا فحسب (لا يحتاج إلى دعوة، بلغة زكي الميلاد)، بل هو سنة من سنن الكون الثابتة، لا تحتاج بين الفينة والأخرى إلا للتفعيل من لدن هذه الحضارة كما من لدن تلك، أو تجديد أدواتها تماشياً وتغير أحوال الأمم والشعوب[4].

وعلى هذا الأساس، فإن إحدى عناصر التفعيل إياه إنما تكمن، بنظر زكي الميلاد، في «مشروطية» التعارف القبلي فيما بين الحضارات، وفق أخلاقيات تحدد لذلك الإطار والتوجه والفلسفة.

إن الخلل، بنظرنا ولربما أيضاً بنظر زكي الميلاد، لا يكمن في خاصية التعارف بحد ذاتها، أو في إعمال التعارف لذاته، بقدر ما يكمن في ضرورة توفر القابلية لذلك من جانب الطرفين، لا سيما من الجانب الذي يطاوله الاستعلاء، أو يراوده شعور القوة والتفوق.

-1-
في خلفيات أطروحة صراع الحضارات

إن أول من تحدث عن صراع الحضارات ببداية تسعينات القرن الماضي، إنما هو صمويل هنتنغتون (أستاذ الدراسات الدولية في جامعة هارفارد)، بمقال أصلي مقتضب، ثم ببحث مفصل (صراع الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي، 1996)، سرعان ما راجت مضامينه كالنار في الهشيم، جعلت هنري كيسنجر يعتبره من الصحة والجدية، لدرجة تنذر بالخطر حقًّا: إن عالم ما بعد الحرب الباردة، يقول هنتنغتون، إنما ستسيطر عليه «الصراعات بين الحضارات».

تتلخص نظرية هنتنغتون في ارتكازها على تقسيم للحضارات إلى أربع كبرى: (الصينية والهندوسية والإسلامية والغربية)، لكل منها دين مؤسس: (الإسلام والمسيحية والكونفوشية والهندوسية)، تشكَّلت وتبلورت حول كل منها، دول وأقوام لها معتقداتها وتصوراتها، وتمثلاتها لذواتها، ولما سواها من دول وأقوام[5].

وعن مستقبل العلاقة بين هذه الحضارات الأربع، يرى هنتنغتون أن الصراع بينها حتمي، وأن الإسلام يمثل «مشكلة ليس لها حل»، لاسيما في ظل الصحوة الإسلامية التي «منحت المسلمين الثقة في شخصيتهم المميزة، وفي الإحساس بأهمية حضارتهم، وفي القيم الإسلامية، بالمقارنة بالقيم والحضارة الغربية في العالم». ويقول: إن من ضمن المشكلات الضخمة حقًّا، والمحيلة لا محالة على المخاطر في المستقبل، هذا التفاعل المتزايد بين هذه الصحوة وهذه الثقة الإسلامية، التي تدعمها الزيادة السكانية المستمرة من جهة، وبين «مخاوف الحضارات المجاورة... من حضارة الإسلام»، والتي لديها شعور جامح بالخوف من التهديد الإسلامي.

إن الغرب، يتابع هنتنغتون، يسيطر على العالم الآن سيطرة كاملة (سيما وقد بات أحادي القطب)، وسيظل مسيطراً ومتفوقاً في القوة خلال القرن الحادي والعشرين، بفضل تفوق التكنولوجيا الأمريكية، وقوة الأيديولوجيا العالمية المرتكزة على الليبيرالية وحقوق الإنسان.

إلا أن التغييرات التدريجية والحتمية الأساسية، من شأنها أن «تؤثر أيضاً على توازن القوى بين الحضارات، وستأخذ قوة الغرب في الاضمحلال. فخلال خمسة وسبعين عاماً من 1920 حتى 1995 تراجعت السيطرة السياسية للغرب على المناطق العالمية بنسبة 50%، وتراجعت نسبة من يسيطر عليهم الغرب من سكان العالم بـ80%، وتراجعت سيطرة الغرب على الصناعة العالمية بنسبة 35%، أما سيطرة الغرب على القوة العسكرية فقد تراجعت بنسبة 60%»[6].

ويخلص هنتنغتون إلى القول بأن الصراعات القادمة ستكون عند خطوط التماس، وعلى تخوم مناطق التداخل بين الحضارات، فينتج عنها «حتماً» تصادم حضاري، ما لم تتدارك الحضارة الغربية ذلك، وتعمد للسيطرة على العالم سيطرة كاملة.

إن الخوف من الإسلام تحديداً، يؤكد هنتنغتون، هو خوف متزايد، وأن للمسألة جذوراً تاريخية، لكنها تمظهرت أكثر في نظره، جرَّاء تزايد الصحوة في كل بلدان العالم الإسلامي، وظهور محور إسلامي/ كونفوشي سيواجه الغرب في المستقبل، بـ>حدود مخضبة بالدماء».

ليس من الأهمية في شيء هنا، إعمال النقد لنقض أطروحة هنتنغتون أو تبيان محدوديتها.

حسبنا القول فقط، بأن الصراع ليس بالضرورة صراعاً بين حضارات مختلفة، ولا هو بالحتمي فضلاً عن ذلك. الحضارات تعني بمضمونها وجوهرها التقدم المادي والروحي للأفراد والجماعات، ترتقي بهم، تهذِّب سلوكهم، وتحدُّ من النزعات العدوانية التي قد تكون ميزتهم بزمن من الأزمان.

الصراع بين بني البشر غالباً ما يتمحور حول مصالح ومطامع وأهداف، لا تستخدم الأدوات الأيديولوجية (سياسية أو دينية أو رمزية) إلا لتسويغه وبناء خلفياته. أي أن الصراعات غالباً ما تكون صراعات قوى، لبلوغ الأهداف والمصالح والمطامع ذاتها، تستوظف مسوغة الصراع للتبرير.

وعلى هذا الأساس، فإن نظرية هنتنغتون إنما هي نظرية إنذارية بامتياز، تخبر الغرب وأمريكا حصراً، بأن هنالك خطراً على مصالحها قادم من الحضارة الإسلامية والحضارات الصاعدة الأخرى[7].

هي بالتالي، نظرية تصادمية بأكثر من جانب، تستحضر البعد الحضاري في الصراع دونما استحضار لتوازي طرفي الصراع اقتصاديًّا أو عسكريًّا، أو مدى رغبتهم في الصراع أصلاً. لهذا السبب، تبرز الأطروحة كما لو أنها تتغيا الصراع من أجل الصراع، في حين تستبعد كل سبل وإمكانات التواصل والحوار.

-2-
حوار الحضارت: في تحصيل الحاصل

أطروحة حوار الحضارات هي بمعظم الأدبيات الرائجة، ردُّ فعل على الطرح الأول. وهي تعبير من لدن أصحابها، على القاعدة العامة التي مفادها «رغبة متبادلة في التعايش والتعاون والتفاهم بين مختلف الشعوب والثقافات، لإيجاد بيئة دولية سليمة، وفضاء مستقر يقوم على ضرورة الاتفاق على الحد الأدنى المشترك من القيم الإنسانية الكونية، والسلوكات الأساسية، التي تشترك فيها مختلف الحضارات والثقافات، الكفيلة بتحقيق قيم العدل والحرية والمساواة، دون إلغاء مبادئ الاختلاف والتعدد الحضاريين».

برأي العديد من متبني الطرح أعلاه، فإن القرن الحادي والعشرين لا يمكن أن يشهد صداماً بين الحضارات بل حواراً فيما بينها، حتى بوجود محاولات من جانب العولمة، للترويج لنظم وقيم معينة تثير استفزاز الآخرين:

فصراعات الماضي تختلف عن صراعات الحاضر اختلافاً يكاد يكون جوهريًّا. فنحن «في عصر ثورة المعلومات والاتصالات والثورة التكنولوجية، قد أصبحنا نعيش في عالم يمثل قرية كونية كبيرة، والأخطار التى تهدد عالمنا المعاصر قد أصبحت أخطاراً عالمية تهدد الجميع، وتتطلب جهوداً دولية لمواجهتها، مثل قضايا البيئة، والمخدرات، والإرهاب الدولي، والجريمة المنظمة، وأسلحة الدمار الشامل، وأمراض العصر، وعلى رأسها مرض نقص المناعة أو (الإيدز)، وغيرها من القضايا التى تتطلب تكاتف الجهود الدولية.

ولعل ذلك هو الذي شجع الأمم المتحدة على الإعداد لتنظيم منتدى للحوار بين الحضارات عقد عام 2001م دعماً للتفاهم بين الثقافات والحضارات المختلفة.

ثم إذا كانت الأصوات التى تروِّج لصدام الحضارات قد وجدت أصداء واسعة في الشرق وفي الغرب، «فإن هناك جهوداً وأصواتاً مضادة في الغرب، ترفض بشدة مقولة هنتنغتون حول صدام الحضارات، وبصفة خاصة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية»، من قبيل الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا، الذي أكَّد في محاضرة بمركز أكسفورد للدراسات الإسلامية بأكتوبر من العام 1993، أكد فيها أن «الذي يربط العالمين الغربي والإسلامي أقوى بكثير مما يقسمهما. فالمسلمون والمسيحيون واليهود جميعهم أصحاب كتاب، والإسلام والمسيحية يشتركان في النظرة الوحدانية: الإيمان بإله واحد، وبأن الحياة الدنيا فانية، وبالمسؤولية عن أفعالنا، والإيمان بالآخرة. إننا نشترك في كثير من القيم». ليخلص إلى القول: «إن الإسلام جزء من ماضينا وحاضرنا، في جميع مجالات البحث الإنساني، وقد ساهم في إنشاء أوروبا المعاصرة، إنه جزء من تراثنا وليس شيئاً منفصلاً عنه»[8].

ليس ثمة من مجال للحديث عن صراع، برأي دعاة هذا «التيار»، بقدر ضرورة تعميق سبل الحوار بين الحضارات مدخلاً «لمعرفة الحقائق، وتبادل الآراء والأفكار والخبرات... وتحديد المواقف من المشكلات القائمة وطرح حلول لها»، لا بل يذهب المسلمون من متبني التيار ذاته لحد اعتبار الإسلام أول من نص على المبادئ الكبرى للحوار، واشترط لذلك فيما بين المتحاورين مجموعة شروط لعل أهمها:

1- توفر «العلم، الذي يستند إلى الحقائق الثابتة والمعلومات الدقيقة والصحيحة، والخبرة العملية، ولا سيما إذا كانت موضوعات الحوار تتناول القضايا العامة في المجتمع والدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من شؤون الحكم. وينبغي أن يشارك المتخصصون في مثل هذه المحاورات، حتى تأتي النتائج والأحكام مفيدة تخدم أغراض الحوار، وتعود بالنفع على أفراد المجتمع ورجال الحكم»[9].

2- سيادة مناخ من «حرية الرأي التي تعطي كل طرف من أطراف الحوار الحق في أن يقبل أو يرفض ما يعرض عليه من آراء وأفكار وعقائد وموضوعات شتى، وعلى الآخرين أن يحترموا هذه الحرية».

3- توفر معطى «المساواة. وهي في الإسلام تعني إلغاء الفروق بين بني الإنسان، بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو اللغة أو المال أو العلم، وإنما يكون التمايز بين الناس بالعمل الصالح الذي يعود عليهم جميعاً بالفائدة، ولكل أجره على ذلك. والمساواة بهذا المعنى تبث الثقة بين الناس وتدفعهم إلى التعايش والتعاون».

4- إعمال قيمة التسامح، «وهو خلق إنساني أصيل دعا إليه الإسلام، لأنه يرفع الحرج في العلاقات بين الناس ويجعل الإنسان يترفع عن الكره والبغضاء وروح الثأر والانتقام. وهي صفات تفسد وتدمر الحياة البشرية على الأرض، وتقطع سبل التفاهم والتعاون بين الناس».

ويرى الدافعون بهذا الطرح أن البديل الموضوعي لصدام الحضارات إنما هو تفاعل بعضها مع بعض، «بما يعود على الإنسان والبشرية جمعاء بالخير والفائدة. فالتفاعل عملية صراعية، ولكنها متجهة نحو البناء والاستجابة الحضارية لتحديات الراهن، عكس نظرية صدام الحضارات التي هي مقولة صراعية تدفع الغرب بإمكاناته العلمية والمادية لممارسة الهيمنة ونفي الآخر، والسيطرة على مقدراته وثرواته تحت دعوى وتبرير أن نزاعات العالم المقبلة سيتحكم فيها العامل الحضاري»[10].

الإسلام هنا ليس ديناً فحسب، بل هو أيضاً حضارة تنكر المركزية الحضارية، التى تريد العالم حضارة واحدة، مهيمنة، ومتحكمة في الأنماط والتكتلات الحضارية الأخرى.

فالإسلام يريد العالم منتدى حضارات، متعدد الأطراف، ولكنه مع ذلك لا يريد للحضارات المتعددة أن تستبدل التعصب بالمركزية الحضارية القسرية، إنما يريد الإسلام لهذه الحضارات المتعددة أن تتفاعل وتتساند في كل ما هو مشترك إنساني عام.

بالتالي، فشرط ازدهار هذه القيم في أي حضارة إنما يرتبط تحديداً بمدى قدرتها وقابليها على التفاعل مع معطيات الحضارات الأخرى ومكوناتها، وبالمحصلة الاعتراف بهذه الحضارات ومحاورتها، وقبول تعددية الثقافات، وتفهم مفاهيم وتقاليد الآخرين، واعتبار الحضارة الإنسانية نتاجاً لتلاقح وتفاعل هذه الحضارات لا صراعها فيما بينها، أو استعلاء بعضها على بعضها الآخر.

وبقدرٍ ما، لا أثر يذكر برأي هؤلاء للصراع الحضاري، فإن البعض يميل إلى توصيف العلاقة بين الحضارات المختلفة بالتدافع بين الحضارات، استناداً إلى قوله تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ}، الغاية من التدافع هنا هي عمارة الأرض، والإبقاء على الأنفع والأحسن، والأكثر فائدة للبشرية.

-3-
في أطروحة تعارف الحضارات

على النقيض من الأطروحتين السابقتين، ابتدع المفكر الإسلامي زكي الميلاد أطروحة ثالثة استوحى عناصرها من القرآن الكريم، وأراد لها أن تكون تجاوزاً على ما سبق من طروحات وأفكار[11].

فهو يأخذ على أطروحة الحوار كونها «خطاباً نقديًّا وعلاجيًّا لأزمة الغرب الحضارية، ولأنماط علاقاته بالعالم والحضارات غير الأوروبية. كما أراد منها أيضاً أن  تكون خطاباً موجهاً إلى الغرب بصورة أساسية. لذلك، فهي تنتمي وتصنف على النظريات  الغربية التى تنطلق من نقد التجربة الغربية والفكر الغربي. ومن حيث نسقها المعرفي،  فهي تنتمي إلى المجال الثقافي، وتتحدد به لأنها تركِّز على الأبعاد الثقافية والفكرية  والأخلاقية».

كما أن أطروحة حوار الحضارات يؤاخذ عليها كونها «جاءت استجابة لبعض المعطيات والضرورات السياسية في الدرجة الأولى، ومن أجل أن تكون خطاباً نقديًّا بديلاً لخطاب صدام الحضارات. وقد ظلت تتحدد في هذا النطاق، ولم تتحول إلى نظرية واضحة ومتماسكة، وما زال العالم العربي والإسلامي يفتقر إلى نظرية تعبِّر عن رؤيته في كيفية التقدم والتحضر، وعن أنماط علاقاته بالعالم»[12].

بالتالي، فهو إنما يقدم أطروحته بالارتكاز على محدودية برزت له في الأطروحتين السالفتين، فيقول: «إذا اعتبرنا صدام الحضارات بوصفها نظرية تفسيرية، وحوار الحضارات بوصفها نظرية نقدية أو علاجية، فإن تعارف الحضارات هي نظرية إنشائية، بمعنى أن القاعدة فيها هي الإنشاء وليس الإخبار، فقد جاءت لإنشاء شكل العلاقات المفترض بين الناس كافة حينما انقسموا إلى شعوب وقبائل، كما نصت الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}».

التعارف هنا، بقصد زكي الميلاد، مفهوم عام وكلي، جامع وشامل، «اختارته هذه الآية لتحديد النمط العام لعلاقات الناس كافة، مهما تعددت وتنوَّعت أعراقهم وسلالاتهم، لغاتهم وألسنتهم، دياناتهم ومذاهبهم، تاريخهم وجغرافياتهم. ولأن خطاب الآية إلى الناس كافة، ولأن الحديث عن شعوب وقبائل وليس عن أفراد، أي أنه حديث عن أمم ومجتمعات وتجمعات، لذلك فقد جاز لنا تطبيق هذا المفهوم على مستوى الحضارات، ومن هنا تحدد مفهوم تعارف الحضارات».

ويضيف زكي الميلاد: «إن نظرية تعارف الحضارات هي أكثر من كونها مرحلة وسيطة أو انتقالية، فهي وسيطة بمعنى أن على أساسها تتحدد مستويات ودرجات واتجاهات العلاقات ونظم التواصلات بين الناس، وبين المجموعات البشرية، وبين الحضارات، وكذا أنماط وأشكال وصور هذه العلاقات والتواصلات. فالتعارف هو الذي يؤسس لأشكال الحوار ومستوياته ودرجاته، وإلى أشكال ومستويات ودرجات أخرى من العلاقات والتواصلات أيضاً، كالتعاون والتحالف والتبادل والإنماء والاندماج والتكامل، إلى غير ذلك من صور وأشكال وأنماط العلاقات. وبقدر ما يتطور التعارف، تتطور تلك الصور والأنماط من العلاقات والتواصلات، وهذا يعني أن التعارف يسبق الحوار ويؤسس له أرضياته ومناخاته، ويشكل له بواعثه وحوافزه، ويطور له صوره وأنماطه، ويرتقي بدرجاته ومستوياته، ولهذا فإن التعارف هو القاعدة وليس الحوار».

إن فكرة تعارف الحضارات، يقول الميلاد، إنما تأتي في سياق نقد الاختلال القائم، «والعمل على إنهاض وبناء وعمران الحضارات المختلفة، لأنها (أي تعارف الحضارات) تنطلق من نزعة إنسانية عميقة، هي التأكيد على وحدة الأصل الإنساني. والغاية من تأكيد وحدة الأصل الإنساني في هذه الآية هو أن ينظر الناس من أمم ومجتمعات وحضارات إلى أنفسهم كما لو أنهم أسرة واحدة، لكنها منتشرة على مساحات هذه الأرض. وهذه النظرة الإنسانية والأخلاقية بحاجة إلى تنظيم قواعد السلوك على المستوى الدولي. يضاف إلى ذلك أن هناك اعتقاداً بدأ يتأكد بين الحضارات، هو أن هذه الحضارات لا يعرف بعضها بعضاً كما ينبغي، وتفتقد إلى جسور التواصل في عالم تطورت فيه تقنيات الاتصال وأنظمة المواصلات التى باتت تربط العالم، وتجعل منه أشبه ما يكون بقرية صغيرة»[13].

ويلاحظ زكي الميلاد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001، قد أججت الاهتمام بالإسلام ديناً وثقافة وحضارة، لكنها لم «تهيئ اللحظة التاريخية لانطلاقة فكرة أو نظرية حول تعارف الحضارات، لكي يتحصن العالم من النزاعات والصدامات والحروب، ولكيلا تتكرر مثل هذه الأحداث مرة أخرى، في أي مكان من العالم».

هذا يتطلب، برأيه وبرأي العديدين، «صياغة رؤية جديدة للعالم، يشترك الجميع بكل تنوعاتهم الدينية والثقافية، العرقية والقومية، اللغوية واللسانية، في صياغتها وبلورتها وتكاملها، وفي التضامن حولها، والدفاع عنها. الرؤية التى تنطلق من مراجعة شاملة، ونقد جذري لطبيعة النظام العالمي السائد بكل مكوناته وعناصره وشرائطه، ويصل إلى جوهره وحقيقته، لأن هذا النظام العالمي يرسخ العنصرية والطبقية، وبكل صورها وأنماطها، ولا يضمن كرامة الجميع، ولا يحفظ حقوق الجميع. وهذه الوضعيات هي التي تحرض على انتشار ظواهر العنف، وتسبب النزاعات، وتشعل الحروب، وهي التي تجعل مثل أحداث سبتمبر ممكنة الحدوث. والأفدح من ذلك، محاولة الغرب أن يحتكر الحضارة والمدنية لنفسه، ويرسخ في العالم الانقسام بين أمم متحضرة وأمم متخلفة، هذا الاختلال هو ما ينبغي أن يتغير»[14].

التعارف هنا لا ينفي الاختلاف في القيم والعقائد، أو يلغي التنوع في أسلوب الحياة وأنماط التمثلات، بل يعني اطِّلاع كل طرف على رؤية الطرف الآخر، ومعرفة مواقفه معرفة جيدة، واعتبار كل ذلك مدعاة تعارف بين الشعوب والأقوام وليس مدعاة تنابذ: التعارف تواصل حضاري بين الشعوب، فيه اعتراف بالآخر، وتواصل معه يقوم على البر والتقوى والكلمة السواء، والمجادلة بالتي هي أحسن.

إن التعارف، المفضي صوباً للحوار، لا يعني هنا نسيان أو تجاهل التميز بين الحضارات، بل يعني بالقطع، تثمين القيم والمثل العليا التي تتوحد حولها الأمم والقبائل والشعوب.

-4-
عن القابلية في التعارف

التعارف، بمنطوق زكي الميلاد وكما يحدده الإسلام، مفهوم شامل، بدايته التواصل، ثم الحوار، ثم التعايش بين الأمم والشعوب والأقوام. التعارف، من هنا، إنما غايته الحوار لا التنافر، الاختيار لا الإكراه، التعاون على البر والتقوى لا على الصراع والتصادم.

لقد أكد القرآن الكريم على مبدأ تساوي كافة النوع الإنساني في الخلق، بغض النظر عن الجنس أو العرق أو اللون أو الأصل، وجعل التعارف سبيلاً للتقارب الإنساني في إطار وحدة الأصل لقوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}.

والرؤية الإسلامية، بشموليتها، تطرح التدافع الحضاري بوصفه موقفاً ديناميكيًّا، يبدأ بالحوار مروراً بالجدل والمنافسة والسبق والمواجهة والمغالبة، وانتهاء بالصدام[15].

لو سلَّم المرء بأن ثمة قابلية للحوار، فهل بالإمكان التسليم بالمقدرة والقابلية للتعارف؟

إن مصطلح المقدرة يتضمن معاني الاستطاعة والأهلية والقابلية والأحقية والقوة المعنوية والجرأة والإمكان والإجادة، إضافة إلى السلطة. وإذا حاولنا إيجاد رابط بين كل هذه الكلمات سننتهي إلى حقل دلالي، ومبدأ من مبادئ حقوق الإنسان، وهو حق التواصل دون إلغاء.

ثم إن قيم التسامح والتفتح وقبول الآخر واحترام الاختلاف لا تنشأ بمقتضى أمر أو طلب، ولكنها تنبع من عقلية وأسلوب تفكير ذاتي، وتتمظهر في سلوكات الفرد والمجموعة ذات الخصائص الحضارية المشتركة. هذه يفترض أن يبدأ ترسيخها من البداية أي منذ فترة تكون الشخصية الفردية ثم الشخصية الجماعية، ولذلك يكتسب التعليم الأهمية الأكبر في زرع قيم التسامح والفتح واحترام الآخر[16].

إن الحوار والتواصل بنية نفسية واجتماعية وسياسية وثقافية، تستنبت بموجبها القدرة والقابلية على الحوار، وبناء علاقات التواصل مع المجموعات البشرية، القريب منها كما البعيد على حد سواء، دونما استمرار وجود الصور «النمطية» لحضارة عند أخرى، من شأنه تغذية ضروب الكراهية الجماعية، خاصة في المجتمعات التي تنتشر فيها الجهالة والتعصب والخرافات.

ويتطلبان معاً منسوباً كبيراً من الجهد والفهم، والمتابعة الدقيقة والناقدة لعالم يتسارع فيه التغيير، وتتداخل فيه الظواهر الثقافية بالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتتشابك فيه العلاقات الدولية، وتصبح الحاجة ماسة لخلق تفاهم وفهم مشترك، واحترام متبادل بين ثقافات هذا العالم.

إن العالم يعاني من أزمات كبرى، ذات طبيعة سياسية واقتصادية، ويعرف انفجارات اجتماعية، وهجرات بشرية، وفجوات عميقة بين السكان، وتناقصاً في الموارد الطبيعية، ودماراً متواصلاً للبيئة، وارتفاعاً كبيراً في وتيرة العنف والغلو. كما يشهد تحولات كيفية غير مسبوقة، خاصة في مجالات الثورة التكنولوجية الثالثة، والتي يصعب فهم تأثيرها على القيم والعلاقات والأفكار والثقافات، دون إعمال العقل والحوار.

الحوار، في هذا العالم، لا بد أن ينطلق من «استعداد كل حضارة لفهم الأخرى، وتجنب إصدار أحكام مسبقة عليها، والاتفاق على إعادة صياغة صورة الآخر في إطار من التسامح، والرغبة المشتركة في بلورة قيم إنسانية، لإحداث التفاعل الحضاري، وقد تساعد في ذلك معطيات المجتمع العالمي الجديد، القائم على إنتاج المعلومات وتداولها بشكل سريع وميسور وواسع، يتجاوز الحدود الجغرافية للحضارات وللثقافات»[17].

التعارف المفضي للحوار هنا، إنما يسهم في «عقلنة» النزاعات التي قد تنشأ أثناء تثبيت الهويات الثقافية لهذه الحضارات، أو التي تتوالد في ظروف الأزمات الاقتصادية، نتيجة حدوث احتكاكات بين أبناء الحضارات المختلفة، ولربما داخل الحضارة الواحدة، كما كان الحال في الحضارة الغربية ولقرون عديدة مضت.

التعارف يجب أن يبدأ بالاعتراف بالاختلاف في الرأي وبتقاطع وتنافر وجهات وزوايا النظر، وأن يستبعد الرأي الأحادي الواحد، على اعتبار أن ثمة حدًّا أدنى من القيم المشتركة.

وهذا يشترط أن نعرف ما هي الأسباب التي تهدد التواصل بين الحضارات بالانقطاع، وما هي مشاكل الهوية الحقيقية أو الوهمية المرتبطة بها، وما هي الظروف التاريخية والدينية والاجتماعية الموضوعية المرتبطة بها، وكيف تحل النزاعات المزمنة؟

إن حل مشاكل التواصل بين الحضارات لا يمكن أن يتحقق إلا بتكامل الوسائل والأدوات. والحلول التي لا تعالج إلا على جانب واحد مثل الجانب الديني أو الإثني أو الاقتصادي، هي في آخر المطاف حلول جزئية وغالباً ما تبوء بالفشل[18].

إن أحد الأسباب الكبرى التي تتراءى لنا قائمة في وجه التعارف بين الحضارات (لاسيما بين الغرب والحضارة الإسلامية) إنما يكمن في عدم توافر القابلية للتعارف لأسباب تاريخية ونفسية وسياسية وما سواها:

1- فالإسلام والمسلمون لا يزالون يخضعون لصور نمطية هم إلى حد بعيد براء منها. إلا أن ماكينة الإعلام الجماهيري الغربي الواسع، غالباً ما تمرر الصور النمطية ذاتها لهذا السبب أو ذاك. ولعل ما تقوم به كبريات الجرائد الغربية، ومؤسسات الإنتاج التلفزيوني والسينمائي كافٍ للتدليل على عدم توافر الحد الأدنى للقابلية في الاطِّلاع على قيم الإسلام وتصور المسلمين.

2- والإسلام كما المسلمين، لا يزالون داخل بلدان الغرب، كما بعقر دارهم، مادة للاستعلاء الغربي، إما على اعتبار احتكامه على مقومات العصر، أو بحكم توافره على ناصية المعرفة والتكنولوجيا، وتوافر مقومات الديموقراطية بين ظهرانيه.

3- والإسلام كما المسلمين، لا يزالون يؤخذون مجتمعين بجريرة بعضٍ من أبنائهم أو من وُلاتهم، فتلصق بهم تهم الإرهاب والتطرف والغلو ورفض الآخر، في حين أن المفترض أن يكون المحك هنا، السلوك العام لا سلوك بعض الشاذين ضمن هؤلاء.

4- والإسلام كما المسلمين، لم يستطيعوا بدورهم فك طوق الإبهام حول قيم لهم قائمة، لكنها غير «سوية» بمنظور الغرب، لاسيما في زاوية الجهاد والحقوق الأساسية والديموقراطية وما سواها.

صحيح أن ثمة تقصيراً بجانب المسلمين في تبيان قيم ومضامين الإسلام، لكن تزامن ذلك والتضليل الإعلامي الغربي (أقصد بعضاً من اللوبيات الكبرى) لا يسهم في تغيير الصورة ذاتها، أو تليينها بعيون الجماهير.

قد يسلم المرء بأن التقصير هنا هو تقصيرنا، لكن ما القول في الدراسات التي تؤكد أن ما يدرسه التلاميذ عن الإسلام والعالم الإسلامي بالغرب لا يزيد عن 3% من المقرر الدراسي، و 97% من المقرر مخصصة لتاريخ أوروبا وأمريكا، وفي الغالب يكون الجزء المخصص للعالم الإسلامي في إطار بلاد العالم الثالث، سواء من الناحية الجغرافية أو التاريخية، أو في إطار توزيع الثروات الطبيعية في العالم، في حين تجعل المناهج من أوروبا وأمريكا المحور الذي تدور حوله الأحداث التاريخية المهمة؟

إننا نحتاج إلى حلول تعتمد على تضافر مختلف فروع العلوم الإنسانية والاجتماعية والتعاون بينها، والمعنيون في هذا الأمر هم «الفلاسفة واللغويون وأصحاب الدراسات الثقافية والسياسية والتاريخية والدينية والقانونية والاقتصادية (قبل خبراء السوق المصرفية والشبكات المعلوماتية)، والذين يجب أن يعملوا بصدق على تحليل كل ما يحيط بالتواصل بين الحضارات ومشاكله، والحواجز التي تعيق تقدمه نحو تعاون حضاري طويل الأجل بعيداً عن الحسابات الاقتصادية قصيرة الأجل، التي تواجه مخاطر جمة نتيجة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي على أي حال، ما استمرت الأوضاع الداخلية والتوازنات الإقليمية والدولية على ما هي عليه»[19].

*  خاتمة مؤقتة

إن التباين في تحديد طبيعة العلاقة مع الآخر (وفي اختيار المصطلح المناسب لتوصيفها)، هل هو صراع أم تدافع أم تنافس أم حوار، قد لا يبدو ذا أهمية كبرى في واقع الحال، بقدر أهمية جوهر العلاقة مع الآخرين، هل هي علاقات تفاهم وتواصل وتبادل حضاري، أي تبادل المنافع والخيرات والخبرات.

صحيح أن زكي الميلاد حلل الإشكال المطروح من الأصل، أصل التعارف القبلي قبل إعمال أي جهد في التواصل والتحاور، لكن المجالات المثارة هنا متداخلة بأكثر من زاوية:

فالتعارف هو مدخل من مداخل التحاور، تماماً كما أن التحاور هو وسيلة من وسائل التعارف. كما أن التدافع محيل على التفاعل الإيجابي، وهذا الأخير يفي بالغرض عند كل إعمالٍ لمبادئ التنافس والتصارع الإيجابي لإدراك الخيرات، وتبادل المنافع والرموز وما سواها.

ليس في هذا القول دعوة من طبيعة ما، إلى عدم التوقف كثيراً عند التسميات المثيرة حتماً للخلافات النظرية، بل هو دعوة للاحتكام للمضامين الثاوية خلف التسميات ذاتها والنظر في مدى القدرة على أجرأتها بأرض الواقع في الوقت الحاضر كما بالمدى القريب والبعيد.

ولعل المهمة هنا قائمة على عاتق زكي الميلاد، وعلى غيره من مفكري الإسلام المتنورين.

 

 

 



[1] جامعة محمد الخامس، الرباط.

[2] هذه الثنائيات غالباً ما تختزل في تقسيم العالم إلى محورين متعارضين: محور الخير ومحور الشر.

[3] على الرغم من أن هنتنغتون أستاذ جامعة مبرز، إلا أن أطروحته صيغت وهو في فلك السلطة، وهو ما يجعل منه، كما من فوكوياما، موظفاً إداريًّا أكثر منه مفكراً أو صاحب نظرية.

[4] في ظل الثورة التكنولوجية بميدان الإعلام والاتصال، وتيسر سبل النقل والتنقل، وتراجع الحواجز الملازمة لظاهرة العولمة، فإن أدوات الحوار بنظر العديدين، أضحت أيسر مما كان عليه الشأن بغياب المعطيات ذاتها.

 

[5] صمويل هنتنغتون، صراع الحضارات وتشكيل النظام العالمي، سايمون شوستر، 1996.

 

[6] صمويل هنتنغتون، صراع الحضارات وتشكيل النظام العالمي، المصدر نفسه.

 

[7] بهذه النقطة، تبدو لنا أطروحة هنتنغتون غير مجردة، بل موجهة الطرح.

 

[8] من محاضرة للأمير تشارلز بمركز أكسفورد للدراسات الإسلامية بالعام 1993.

[9] توافر العلم والحياد، شرط ضروري في قضايا دقيقة وحاسمة في حوار المسلمين مع الغرب، وفي محاورة هذا الأخير للمسلمين.

 

[10] إن حروب الخليج، منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي، إنما لبست لبوس الصراع الحضاري للسيطرة على ثروات ومقدرات المسلمين. وتدمير العراق هو جزء من سلسلة لا تزال مستمرة.

 

[11] زكي الميلاد، تعارف الحضارات، مجلة الكلمة، العدد 16و 35، 36، العام 1997.

[12] لهذا السبب تبدو لنا فكرة هنتغنتون أقرب إلى الأطروحة منها إلى النظرية.

 

[13] زكي الميلاد، تعارف الحضارات، مرجع سابق.

[14] هنتنغتون ذاته انتبه لهذا الجانب حينما دعا إلى أخذ الصحوة الإسلامية بعين الاعتبار، والتعرف على مضامينها وفاعليها. لكن ذلك من زاوية وقائية خالصة.

 

[15] الصدام، بهذه الناحية، لا يتم اللجوء إليه إلا في حالة اشتداد الاستعداء.

[16] هو خلل بالمعنى المنظومي للكلمة، وليس اختلالاً ذا طبيعة عابرة.

 

[17] يبدو لنا أن الطفرة بميدان الإعلام والاتصال باتت أداة تواصل وتفاعل وحوار بين مختلف الثقافات.

 

[18] يقال في هذه النقطة: إنه حينما يكون الإشكال منظوميًّا، فإن حله لا يمكن إلا أن يكون من الخاصية ذاتها.

 

[19] القول بهذا لا يعني إطلاقاً أن المسألة المطروحة نخبوية الطابع. على العكس، فهي تهم كل شرائح المجتمع. ألم يتضرر جميع المسلمين من التوظيفات التي استتبعت أطروحة صراع الحضارات، وكيف أن الغرب ضيَّق عليهم، في أعقاب التفسير التآمري لأحداث الحادي عشر من سبتمبر.