مصر - القاهرة 5 - 6 مايو 2007
ذاكر آل حبيل
نظّم شركاء التنمية للبحوث والاستشارات، وهو بيت خبرة مصري متخصص في دراسات التنمية بمعناها الواسع؛ مؤتمراً حول «التربية الجامعية على حقوق الإنسان والحركة السياسية في الوطن العربي»، حضره لفيف من الأساتذة الجامعيين المتخصصين في تدريس ووضع مناهج الحريات العامة وحقوق الإنسان والديموقراطية، كما حضره مجموعة من المستشارين القانونيين وناشطي مؤسسات المجتمع المدني العربي السياسية والحقوقية ونخبة من مدربي حقوق الإنسان. وقد ناقش المؤتمر على مدى يومين إشكالية تدريس مادة الحريات العامة وحقوق الإنسان في الجامعات العربية، وقد طرح الخبراء والباحثون العديد من تجارب الجامعات العربية ومدى انعكاس هذا الجهد الجامعي على واقع الحركة السياسية في الوطن العربي.
وقد افتتح الجلسة أ. د. مصطفى كامل السيد - أستاذ العلوم السياسية والمدير التنفيذي لشركاء التنمية، الذي أكد أهمية دور الجامعات العربية في نشر ثقافة الحقوق ومد الحراك السياسي العربي بالمزيد من الثقافة والوعي الحقوقي، لكي يمارس الإنسان العربي بشكل أفضل دوره في تفعيل سيادة القانون في نطاقه الاجتماعي والوطني والقومي، ويسهم في مجريات الإصلاح المنشود في عالمنا العربي.
بعد ذلك تحدَّث الدكتور عبد الباسط بن حسن - مدير برنامج حقوق الإنسان - هيئة فورد، عن استحالة قيام خطاب سياسي يعود أساساً إلى العجز عن استلهام خطاب حقوق الإنسان وثقافته والعجز عن تحويله إلى تجارب تحرر. ولا يمكن أن نرد السبب إلى مجرد عدم اقتناع النخب السياسية بقضايا حقوق الإنسان، أو إلى الهوة الشاسعة التي تفصل بين الخطاب الحقوقي والممارسة فقط، بل يتعدى هذه الأسباب الظاهرية ليمس تمثلنا الخاص لحقوق الإنسان وخطابها، ومدى وجود رؤية حقيقية تحولها من مجرد أنشطة وبرامج إلى ممارسات للتأثير في الواقع وإعادة بنائه.
بعد ذلك افتتحت الجلسة الأولى في اليوم الأول والتي تحدث فيها أ. د. عصام سليمان من الجامعة اللبنانية، الذي تحدث فيها معالجاً تدريس حقوق الإنسان في لبنان وأثره في الحركة السياسية، وتناول العناوين الآتية:
1- تدريس حقوق الإنسان في الجامعات في لبنان.
2- تدريس حقوق الإنسان في مراحل التعليم ما قبل الجامعي.
3- دور هيئات المجتمع المدني والحركة السياسية في التوسع في تدريس حقوق الإنسان.
4- الأبحاث في حقوق الإنسان في لبنان.
5- مدى تأثّر الحركة السياسية بتدريس حقوق الإنسان.
ويخلص هذا البحث إلى مجموعة استنتاجات وتوصيات.
وقال في مقدمة بحثه: إن نشر ثقافة الديموقراطية وحقوق الإنسان يرتكز بشكل أساسي على تنشئة المواطنين وتقوية مداركهم ووعيهم بحقوقهم، وإرشادهم إلى الوسائل التي تؤدي إلى الاعتراف بهذه الحقوق، وتوفير الشروط التي تجعلهم قادرين على التمتع بها، إذ لا قيمة لأي حق معترف به ما لم يستطع الإنسان التمتع به. في هذا السياق يأتي تدريس حقوق الانسان وسيلةً أساسية من الوسائل التي يتطلبها نشر ثقافة الديموقراطية وحقوق الإنسان، فالمعرفة هي أساس الثقافة، ولا بد من معرفة مفهوم الحقوق والحريات العامة، والمسار التاريخي الذي أدى إلى الاعتراف بها، وما اعترض هذا المسار من صعوبات ومعوقات، والتعرف إلى الضمانات الدستورية والقانونية والدولية بشأن الحقوق والحريات، ومدى فاعليتها، وتحديد مواطن الخلل فيها والبحث عن أسبابه، من أجل العمل على جعل هذه الضمانات أكثر فاعلية.
وإذا كانت المعرفة أساس الثقافة فإن الممارسة تشكل عنصراً أساسيًّا في تعميق الثقافة ونشرها، خاصة في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان، فالانخراط في العمل الهادف إلى تعزيز المشاركة وبالتالي الديموقراطية، في إطار هيئات المجتمع المدني والأحزاب والقوى السياسية، يؤدي إلى اكتساب ثقافة الديموقراطية وحقوق الإنسان من خلال الممارسة، شرط أن تأتي هذه الممارسة على أساس مبادئ وقواعد الديموقراطية، وفي إطار الآليات المعمول بها في الأنظمة الديموقراطية. فالممارسة الصحيحة تؤدي إلى تطوير ثقافة الديموقراطية وحقوق الإنسان وتجذير قيمها في المجتمع، من طريق تحويل المعرفة إلى سلوك تحكمه قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، ما يقود إلى تطوير أنماط العلاقات المجتمعية، وتحديداً علاقات المواطنين بعضهم ببعض، بما يتلاءم وهذه القيم، كما يقود أيضاً إلى تطوير مؤسسات الحكم في الاتجاه نفسه، وذلك تحت تأثير الدور الذي يلعبه المواطن من خلال حسن الاختيار في الانتخابات، والمراقبة والمساءلة والمحاسبة، وما لهذا الدور من أثر في ترشيد آداء السلطة وتقويم النهج في ممارستها.
في هذا الإطار تندرج العلاقة بين تدريس حقوق الإنسان والحركة السياسية. فمن المفترض أن يسهم تدريس حقوق الإنسان في إشاعة ثقافة الديموقراطية وحقوق الإنسان، وفي انخراط المواطنين في نشاطات المجتمع المدني، والمشاركة في الحياة السياسية، والتأثير إيجاباً في الحركة السياسية لجهة تطوير أنماط العلاقات داخلها، إن على مستوى الهيئة الواحدة أي الحزب الواحد، أو على مستوى العلاقات بين الهيئات والأحزاب المختلفة، باتجاه المزيد من الديموقراطية، وبالتالي تطوير التجربة الديموقراطية على مستوى الحكم[1].
ومن أهم النقاط التي عالجها الدكتور سليمان ما يلي:
1- تدريس حقوق الإنسان في الجامعات في لبنان
في الأساس درست حقوق الإنسان في كليات الحقوق والعلوم السياسية في لبنان من خلال تدريس مادة الحريات العامة، التي أُدخلت في برامج هذه الكليات منذ أكثر من خمسين سنة، وبعد ذلك طُوِّرت هذه البرامج فشملت حقوق الإنسان ومن ضمنها الحريات العامة أو الحريات الأساسية، وأصبحت حقوق الإنسان تدرس في العديد من الجامعات. ولا يمكن معالجة موضوع تدريس حقوق الإنسان في لبنان إلاّ بالعودة إلى الجذور التاريخية لهذه الحقوق في لبنان.
1-1- الجذور التاريخية للحريات السياسية وحقوق الإنسان في لبنان
قضية الحرية في لبنان ترتبط بتكوينه المجتمعي، وبموقعه الجغرافي على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وبطبيعته الجبلية. فقد شكّل لبنان عبر التاريخ ممراً لشعوب عديدة، ومكاناً احتمى فيه الكثير من الجماعات هرباً من الاضطهاد الديني أو السياسي أو الاثنين معاً، وقد احتفظت كل جماعة من الجماعات التي استقرت فيه، بخصوصياتها، فتكوّن الشعب اللبناني من مواطنين ينتمون إلى طوائف دينية متعددة، قام فيما بينها، وفيما بينهم، نسيج من العلاقات المجتمعية، المبنية على الاعتراف بالآخر، واحترام خصوصيته وتطلعاته، في إطار الحفاظ على المصلحة العليا للمجتمع اللبناني، التي تكمن في الحفاظ على وحدته وكيانه، لكون مصالح الجماعات ومصالح الأفراد كمواطنين ترتبط بالحفاظ على وحدة المجتمع واستقراره، أي بهذه المصلحة العليا أو المشتركة. لذلك شكّلت الحرية جوهر وجود لبنان، وقد برز ذلك في الأسس التي قامت عليها صيغة الحكم فيه منذ القرن التاسع عشر. وقد حالت تركيبة المجتمع اللبناني التعددي دون تحوّل الحكم في لبنان إلى حكم ديكتاتوري، يستأثر بالسلطة فيه فرد أو جماعة معينة. كما أن موقع لبنان الجغرافي، ودوره كجسر بين الغرب والشرق، في حقبات تاريخية مختلفة، نتيجة انفتاحه على الثقافات الغربية، وتجذره في الحضارة العربية، عزَّز واقع الحريات في لبنان، وأسهم إلى حدٍّ كبير في اعتماد الليبرالية أساساً لنظامه الاقتصادي والسياسي، ما أدى إلى ترسيخ الحريات أكثر فأكثر.
1-2- نبذة تاريخية عن تدريس الحريات العامة في لبنان
لقد دخلت مادة الحريات العامة في برامج كليات الحقوق والعلوم السياسية في لبنان منذ نهاية الأربعينات من القرن العشرين. فجرى تدريسها أولاً في الإجازة في الحقوق والإجازة في العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف التابعة للآباء اليسوعيين، وكانت مرتبطة في ذلك الوقت بجامعة «ليون» Lyon في فرنسا. وعندما أُنشئت كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية في نهاية الخمسينات من القرن الماضي، اعتُمدت مادة الحريات العامة للتدريس في الإجازة في الحقوق وفي الإجازة في العلوم السياسية والإدارية. وقد اعتُمد المنهج نفسه المعتمد في تدريس هذه المادة في جامعة القديس يوسف، وهو المنهج المعتمد في الجامعات في فرنسا. أما كلية الحقوق في جامعة بيروت العربية فلم تدرس حتى الآن مادة الحريات العامة، إنما جرى تدريس بعض المواضيع المتعلقة بها في إطار القانون الدستوري والقانون الدولي العام، في حين تدرس الحريات العامة في كلية الحقوق في جامعة الحكمة وكلية الحقوق في جامعة الكسليك.
1-3- تطور مضمون برامج ومناهج حقوق الإنسان والحريات العامة في الجامعات في لبنان
لقد جرى تطوير برامج ومناهج حقوق الإنسان والحريات العامة، وجرى التوسع في تدريسها لجهة إضافة مواد جديدة بحيث شمل تدريسها مفهوم حقوق الإنسان والحريات العامة، ومختلف الحقوق المعترف بها، والضمانات الدستورية والقانونية والدولية لهذه الحقوق والحريات، وجرى التوسع في دراسة الاتفاقات الدولية التي نصت على هذه الحقوق، كما جرى تدريس القانون الدولي الإنساني. وقد اعتمدت مادة حقوق الإنسان مقرراً للتدريس في برامج الجامعة الأميركية في بيروت، وفي الجامعة اللبنانية الأميركية، وفي جامعة سيدة اللويزة، وفي كلية الحقوق في الجامعة الإسلامية في لبنان. ويقارب عدد الطلاب الذين يدرسون، في الجامعات اللبنانية، حقوق الإنسان والحريات العامة، سنويًّا، السبعة آلاف من أصل 140 ألف طالب جامعي، أي ما يعادل الخمسة بالمئة.
1-4- تدريس حقوق الإنسان والحريات العامة في الدراسات العليا
عندما جرى تعديل البرامج والمناهج في كلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية في الجامعة اللبنانية، في منتصف التسعينات من القرن العشرين، جرى إدخال مادة حقوق الإنسان والحريات العامة في دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، ودبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية، ودبلوم الدراسات العليا في العلاقات الدولية، وأخذ تدريسها منحى بحثيًّا معمّقاً في قضايا وإشكاليات تطرحها حقوق الإنسان والحريات العامة، وبخاصة في إطار المستجدات على الصعيد الدولي ومن بينها العولمة، وعلى الأخص موضوع الإرهاب ومكافحة الإرهاب، والمقاومة، وخطف الرهائن، والقانون الدولي الإنساني، والقضاء الجنائي الدولي، وما تطرحه هذه القضايا من إشكاليات، وما تتركه من آثر في حقوق الإنسان. إضافة إلى دراسة النظام الأوروبي والنظام الدولي لحقوق الإنسان، وتسليط الضوء على الإيجابيات والثغرات في كل منهما.
إدخال حقوق الإنسان والحريات العامة في الدراسات العليا فتح الباب واسعاً أمام تحضير رسائل دبلوم وأطروحات دكتوراه في مواضيع تدخل في صلب حقوق الإنسان والحريات العامة، ما أدى إلى زيادة رسوخها في برامج ومناهج كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية. وقد حذت الجامعة الإسلامية في لبنان حذو الجامعة اللبنانية في هذا المجال لجهة تدريس حقوق الإنسان والحريات العامة في دبلوم الدراسات العليا.
2- تدريس حقوق الإنسان في مراحل التعليم ما قبل الجامعي
2-1- حقوق الإنسان في مناهج التربية الوطنية والتنشئة المدنية
تدرس حقوق الإنسان في مراحل التعليم ما قبل الجامعي (المرحلة الابتدائية والمرحلة المتوسطة، والتعليم الثانوي) في إطار منهج مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنية، الصادر بالمرسوم رقم 10227/97 تاريخ 8 أيار 1997. وقد اعتمد هذا المنهج تنفيذاً لبند ورد في وثيقة الوفاق الوطني (اتِّفاق الطائف)، ونص على «إعادة النظر في المناهج وتطويرها بما يعزز الانتماء والانصهار الوطنيين، والانفتاح الروحي والثقافي وتوحيد الكتاب في مادتي التاريخ والتربية الوطنية».
وقد رأت اللجنة التي كُلِّفت بوضع المنهج ضرورة أن تقترن التربية الوطنية بالتنشئة المدنية، نظراً للعلاقة التكاملية بينهما، وأن يشمل منهج المادة تدريس حقوق الإنسان، نظراً لما لها من دور في تحقيق الأهداف التي نصت عليها وثيقة الوفاق الوطني. فالانتماء والانصهار الوطنيان لا يتحققان إلاّ من طريق إزالة العصبيات الطائفية والمذهبية والعشائرية ومختلف العصبيات الأخرى، وهذا لن يتم إلاّ من خلال نشر ثقافة الديموقراطية وحقوق الإنسان، والالتزام بالقيم الاجتماعية والمدنية، وتحديداً قيم الحرية والمساواة والعدالة والتسامح والاعتراف بالآخر واحترام خصوصيته.
وقد ورد في مقدمة المنهج أن غايات التربية الوطنية والتنشئة المدنية تتركز على عدة نقاط من بينها:
- إعداد المتعلم إعداداً خلقيًّا منسجماً مع القيم الإنسانية في مجتمعه ووطنه.
- تربيته على النقد والنقاش وتقبل الآخر، وحل المشكلات مع نظرائه بروح المسالمة والعدالة والمساواة.
- رفع مستوى مساهمته الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتعزيز مشاركته الحرة في الحياة الوطنية العامة.
- تمتين تعلقه بهويته اللبنانية وبأرضه ووطنه في إطار سياسي ديموقراطي جامع وموحّد.
- تعزيز وعيه لهويته العربية وتعلقه بها وبانتمائه العربي المنفتح على الإنسانية.
- تعزيز وعيه لإنسانيته وقرابته مع أخيه الإنسان، بمعزل عن فوارق الجنس واللون والدين واللغة والثقافة وغيرها.
تحقيق هذه الأهداف يقتضي غرس قيم حقوق الإنسان في التلامذة وتعريفهم على حقوقهم وواجباتهم وحقوق الآخرين وواجباتهم أيضاً. وتحويل هذه القيم والمعرفة إلى سلوك يحكم تصرفاتهم في المجتمع. وهذا ما توخَّاه المنهج في مختلف مراحل التعليم ما قبل الجامعي، آخذاً بالاعتبار إمكانات التلامذة على استيعاب المعرفة تبعاً لأعمارهم. ففي المرحلة الابتدائية، على سبيل المثال، انطلق المنهج من مضامين الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، استناداً إلى الأبحاث التربوية والدراسات النفسية المتعلقة بخصائص ذهنية الولد واستعداداته الفطرية. وقد هدف المنهج إلى عدة أمور من بينها:
- تنمية شعور الطفل بشخصيته وهويته واحترام ذاته وجعله يتعود على تحمل مسؤولية أعماله.
- ترسيخ القيم الإنسانية والأخلاقية، والتمسك بها لترشيد السلوك اليومي وتمتين الروابط الإنسانية بين أفراد المجتمع.
- تنمية مفهوم الاعتراف بوجود الآخرين في المجتمع، ووعي المتعلم لحقوقهم، مقابل وعيه لحدود حقوقه، واحترام حريات الآخرين وملكياتهم كشرط ضروري لتمتعه بحريته، والحفاظ على ملكيته، وذلك في إطار الصف والمدرسة والحي.
- تزويد المتعلم بمفهوم الدولة ومؤسساتها ووظائفها وتنمية وعيه لمفهوم الديموقراطية ولحق الشعب في ممارسة السلطة من خلال الانتخابات، وتعريفه بالمؤسسات والإدارات التي تؤمِّن الخدمات للمواطنين، وتحافظ على أمنهم: السلطات العامة، رئاسة الجمهورية، مجلس النواب، الحكومة والوزراء، القضاء، إلخ...
- تنمية مفهوم المواطنية، والالتزام بالقوانين والأنظمة وتطويرها، وتأدية الضرائب، وخدمة العلم والدفاع عن الوطن...
لقد تضمن منهج التربية الوطنية والتنشئة المدنية العديد من مواضيع حقوق الإنسان والحريات العامة، كما تضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأبرز الاتفاقات الدولية الراعية لحقوق الإنسان، فجرى إبراز نصوص من الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، أُبرزت نصوص من هذه الاتفاقيات في سلسلة كتب التربية الوطنية والتنشئة المدنية.
أبرز المواضيع التي تضمنها المنهج في حقوق الإنسان والحريات العامة هي الآتية:
حرية الرأي والتعبير، حرية المعتقد، حق الترشح والانتخاب، حق تأسيس الجمعيات والأحزاب، حق مقاومة الظلم والاستبداد، حق مقاومة الاحتلال والعدوان، الحق بالتعلم والحق بالعدالة، حق الملكية، حماية حقوق الإنسان على الصعيد الوطني والصعيدين الدولي والإقليمي، المنظمات الدولية الراعية لحقوق الإنسان، الإجراءات التطبيقية لحماية حقوق الإنسان، دور القضاء في حماية حقوق الإنسان واستقلالية السلطة القضائية.
أما المفاهيم التي جرى التركيز عليها والمتعلقة بحقوق الإنسان فهي الديموقراطية، وقيم الديموقراطية ودورها في تنظيم حياة الفرد والمجتمع، ودور الانتخابات في تحقيق الديموقراطية (الانتخابات النيابية والانتخابات البلدية والاختيارية وانتخابات الجمعيات والنقابات والأحزاب)، والأنظمة الانتخابية.
إضافة إلى ذلك جرى التركيز على مفهوم دولة القانون وواجبات المواطن في الدولة، ومفهوم المجتمع المدني ودوره في تنظيم المجتمع.
من ناحية أخرى، ومن أجل جعل تدريس حقوق الإنسان يؤثر إيجاباً في تطوير سلوك التلامذة وتصرفاتهم، جرى إضافة تمارين إلى كتب التربية الوطنية والتنشئة المدنية، ترسخ مفهوم ما جرى تدريسه في ذهنية المتعلم.
2-2- نظرة تقييمية لمردود تدريس حقوق الإنسان في مراحل التعليم ما قبل الجامعي
هناك جدال واختلاف في وجهات النظر حول تقييم تدريس حقوق الإنسان في إطار منهج التربية الوطنية والتنشئة المدنية. فالبعض يقيّمها إيجاباً ويعتبر أنه إضافة إلى المعارف بشأن حقوق الإنسان والحريات العامة والديموقراطية ودولة القانون، التي اكتسبها المتعلمون، جرى العمل على اكتسابهم عادة النظر إلى الأمور نظرة نقدية، والنقاش، والتربية على تقبل الآخر. فأبرز «المستجدات في المناهج الجديدة أنها لم تكتفِ بذكر عناوين فصول وتأمين تدرجها وتناسقها بين مختلف المراحل. يقوم المنهاج على تحديد المحاور، والأهداف التعليمية العامة والخاصة لكل مرحلة، وتحديد القدرات والكفاءات لدى المتعلم، وذكر أنشطة وتمارين وسبل تقييم لمواكبة الأهداف، وذلك لتأمين الترابط بين المعرفة والسلوك»[2]. فالهدف هو تحويل المعرفة إلى سلوك. فقد ورد في تعميم يتعلق بتدريس منهج التربية الوطنية والتنشئة المدنية ما يلي: «يقوم المعلم في هذه النشاطات بدور المنظّم والمحرك لعمل التلاميذ ويتولى تصحيح النتائج وتقويمها. النشاطات المقترحة هنا هي نماذج يستطيع المعلم إغناءها بتفاصيل جديدة، أو استبدالها بنماذج في إبداعه، تتعلق بتحقيق الأهداف المحددة لكل درس»[3]. ما يفترض تمتع المعلم بقدرة على الإبداع والابتكار، لكي يقوم بدور أساسي في تحويل المعرفة إلى سلوك لدى المتعلم.
ويرى البعض أن المنهج يحيط بالقضايا المعاصرة، ويشدد على الهوية الوطنية وعلى حقوق الإنسان والديموقراطية، ويطرح الأمور بعقلانية، ولكن تنقصه الأمور المتعلقة بأساليب التفكير والأنشطة، ولا يزود التلاميذ بأدوات التفكير والمواقف اللازمة لمواجهة الوقائع غير السليمة في المجتمع (الفساد، التلاعب بالانتخابات، مخالفة القانون... إلخ)، وهو قاصر عن تزويد المتعلمين بالثقافة والكفايات اللازمة لممارسة المواطنة بأبعادها المختلفة[4].
ورأي آخر يقول: إن «أهداف البرامج الجديدة تنص على الرغبة في تعزيز الحرية الشخصية والتعاون عن طريق جعل المتعلم محور العملية التعليمية والمبادر إليها، في إطار التمرس على العمل الجماعي. وما لا شك فيه أن هذه الأهداف، إن تحققت، من شأنها أن تساهم في وضع أسس المواطنية في نفوس النشء وإبعادهم من الاكتفاء بمواطنة جامدة تقبل وتعلّق عمل العقل والإدارة المستقلي النظر والقرار والعمل. إن أهداف هذه المناهج الجديدة تنجح في موضوعات لا حساسية سياسية لها، مثل البيئة والعمل التنموي والجمعيات والنقابات، لأنها تتعاطى معها بموضوعية وشفافية»[5].
مهما قيل في منهج التربية الوطنية والتنشئة المدنية، فإن له إيجابية كبيرة هي إدخال حقوق الإنسان في نطاق التعليم في مرحلة التعليم الأساسي والتعليم الثانوي، إضافة إلى تدريس أمور أخرى مرتبطة بهذه الحقوق كالديموقراطية والانتخابات ودولة القانون. هذه الخطوة الهامة جاءت بداية مسار لا بد من إكماله بسلسلة من الخطوات، ونجاح هذه التجربة يتطلب إعادة النظر في المنهج، وبالتالي في كتب التربية الوطنية والتنشئة المدنية، بحيث يصار إلى تطويرها في ضوء التجربة، وإعداد المعلمين إعداداً جيداً بهدف بناء قدراتهم لتمكينهم من الإسهام في تحويل ما اكتسبه التلامذة من معرفة إلى سلوك يحكم تصرفاتهم في المجتمع.
3- دور هيئات المجتمع المدني والحركة السياسية في التوسع في تدريس حقوق الإنسان
إن الحجم الذي شغلته حقوق الإنسان على الصعيد الدولي، الذي برز من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإعلانات والاتفاقات الدولية الراعية لهذه الحقوق، ونشاط المؤسسات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية غير الحكومية، أسهم إلى حدٍّ كبير في إشاعة مناخ ملائم لحقوق الإنسان، وإن استمرت الانتهاكات لهذه الحقوق في العديد من البلدان، وهذه الانتهاكات بدورها حفزت النضال من أجل حقوق الإنسان على الصعد الدولية والإقليمية والوطنية. وتأكد للحركات المناضلة في سبيل حقوق الإنسان أهمية نشر ثقافة الديموقراطية وحقوق الإنسان على أوسع نطاق، كأحد أهم الوسائل للتشبث بهذه الحقوق والدفاع عنها، والسعي لاكتساب غير المتوافر منها.
وإذا كانت التطورات على الصعيد الدولي دفعت باتجاه نشر ثقافة الديموقراطية وحقوق الإنسان، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو الآتي: هل التطورات على الصعيد الوطني، وتحديداً على صعيد لبنان أسهمت في هذا المجال، وذلك من خلال دور هيئات المجتمع المدني والحركة السياسية فيه، ومدى تأثير كل منهما في التوسع في تدريس حقوق الإنسان، وبالتالي نشر ثقافة الديموقراطية وحقوق الإنسان.
3-1- دور هيئات المجتمع المدني في إيجاد المناخ المساعد على التوسع في تدريس حقوق الإنسان
أكدت هيئات المجتمع المدني في لبنان مناعتها أثناء الحرب التي عصفت فيه ما بين العامين 1975 و1990. فعلى الرغم من الانقسامات الطائفية والسياسية الحادة، حافظت هذه الهيئات على وحدتها وتضامنها، وفاعليتها، لا بل ازدادت هذه الفاعلية من خلال تقديم المساعدات للمواطنين، وبخاصة بعد أن تفككت أوصال الدولة اللبنانية وأصيبت مؤسساتها بالانهيار. فقامت هيئات المجتمع المدني بما كان يجب أن تقوم به المؤسسات الحكومية. وحافظ المجتمع المدني على تماسكه، وأكد تشبثه بوحدة لبنان شعباً ودولة ومؤسسات، وقاوم قوى الحرب، وكان له وقفات مشرفة في وجه الميليشيات المسلحة، تجلت برفض الحرب والاقتتال، وذلك من خلال التظاهرات، وبخاصة على خطوط التماس التي كانت تفصل العاصمة بيروت إلى قسمين، وقد اخترقت هذه التظاهرات في بعض الأحيان خطوط التماس، متحدية المتقاتلين، ومطالبة بإحلال السلم، وعودة اللحمة بين اللبنانيين إلى سابق عهدها، وإنهاء نظام الحرب، وإعادة الديموقراطية إلى لبنان.
ومن مظاهر تضامن المجتمع المدني اللبناني أثناء الحرب، إقامة شبكة من العلاقات الوطيدة بين مختلف هيئات المجتمع المدني في مختلف الطوائف والمناطق، ما زاد في قوتها وفاعليتها، والحفاظ على وحدة العمل النقابي والاستمرار في إجراء الانتخابات النقابية، واستمرار العلاقات الاجتماعية بين المواطنين من مختلف الطوائف، وبروز ثقافة لبنانية جامعة رافضة الاقتتال والحرب.
لقد أشاعت هيئات المجتمع المدني، من خلال آدائها، مناخاً ملائماً لثقافة الديموقراطية وحقوق الإنسان. فالشعارات التي أطلقتها أكدت على رفض التعصب، وبناء الوحدة الوطنية على أساس المواطنية دون تمييز بين اللبنانيين، وعلى المساواة في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الانتماءات على اختلاف أنواعها. وتولد اقتناع بأنه لا يمكن تجاوز العصبيات والانقسامات الموروثة إلا من خلال تنشئة وطنية صحيحة عمادها قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان. وهذا ما تبناه اتفاق الطائف حيث نص في أحد بنوده على إعادة النظر في مناهج التعليم بما يعزز الانتماء والانصهار الوطنيين، والانفتاح الروحي والثقافي وتوحيد الكتاب في مادتي التاريخ والتربية الوطنية.
وفي فترة ما بعد الحرب، أصبح الوضع أكثر ملاءمة لنشاط هيئات المجتمع المدني، وأصبح بمقدورها التحرك بسهولة أكثر من السابق، فصعّدت مطالبتها بالإصلاح وتعزيز المشاركة في السلطة، والتوسع في منح الحقوق وصونها. وقد لعبت بخاصة الجمعيات التي تعنى بحقوق الإنسان، ومن ضمنها حقوق المرأة وحقوق الطفل، دوراً بارزاً في هذا المجال، فجرى إنشاء اللجنة البرلمانية لحقوق الإنسان، ومن ثم اللجنة البرلمانية لحقوق المرأة والطفل في مجلس النواب اللبناني. وجرى الاستعانة بخبراء من هيئات المجتمع المدني لوضع كتاب التربية الوطنية والتنشئة المدنية. كما كان لهذه الحركة التي قام بها المجتمع المدني والمناخ الناتج عنها أثر بارز في التوسع في تدريس حقوق الإنسان على المستوى الجامعي.
وفي دراسة ميدانية، عن واقع المجتمع المدني في مواقف الناس وسلوكهم، ظهر أن مناعة المجتمع المدني ترتبط بالإفادة من تجربة الحرب (57%) يليها التربية المدنية (47%)[6]، ما يعني أن المواطنين يعيرون أهمية كبرى للتربية المدنية في تجاوز العصبيات، وبالتالي في تحقيق مناعة المجتمع المدني.
ومن مظاهر حيوية المجتمع المدني، إنشاء «الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات»، في العام 1996، على الرغم من رفض وزارة الداخلية ومحاولة منعها من ممارسة نشاطها، وقد تمكنت من فرض نفسها، وقامت بمراقبة الانتخابات منذ ذلك الوقت، وقد استند المجلس الدستوري على تقاريرها في النظر في بعض الطعون في الانتخابات النيابية.
هذا وقد ارتفع عدد منظمات المجتمع المدني في لبنان من 1300 في العام 1992 إلى 3600 في العام 2002.
3-2- مدى مساهمة الحركة السياسية في إيجاد المناخ المساعد على تدريس حقوق الإنسان
ساهم مناخ الحرية في لبنان والاعتراف بالحريات الأساسية، وبنوع خاص حرية إبداء الرأي والحق بالتجمع وإنشاء الجمعيات، في تنشيط الحركة السياسية منذ الاستقلال في العام 1943. وقد برز ذلك من خلال التعددية الحزبية، التي بلغت حد التشرذم، والصراع السياسي بين قوى تنتمي إلى أيديولوجيات مختلفة، صُنّفت في الستينات في خانة اليمين وخانة اليسار. وقد نشأت بعض هذه القوى في إطار الطوائف، ومنها أحزاب الطوائف، في حين أن قوى أخرى انتمت إلى أيديولوجيات ذات طابع علماني، كالحزب الشيوعي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي، وشكلت أحزاباً عابرة للطوائف.
وبغض النظر عن أيديولوجيات القوى والأحزاب السياسية، وطبيعة تكوينها البشري، وأهدافها، فقد تبنّت جميعها شعارات ترتبط مباشرة بالحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان، وإن جاء تفسير كل من هذه الشعارات بما يتفق مع أيديولوجية الحزب ويتعارض مع الأيديولوجيات الأخرى. فأحزاب اليمين ركّزت على المفهوم الليبرالي للحرية والمساواة، وبالتالي على الحقوق السياسية، في حين ركزت أحزاب اليسار على المفهوم الاشتراكي للحرية والمساواة فأكدت على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وقد أخذ الصراع بين مختلف القوى والأحزاب السياسية طابع الصراع الديموقراطي، غير أن الحرب الأهلية التي اندلعت في العام 1975 وضعت حداً للديموقراطية، وأدت إلى تحكم الميليشيات المسلحة في مصير الشعب والوطن والدولة، ففرضت إرادتها في مناطق نفوذها، ومارست القهر بأبشع مظاهره، فسلبت الناس حقوقهم وحرياتهم، وقد تصاعد ذلك تبعاً لارتفاع وتيرة الحرب التي طال أمدها. وولّد ذلك نقمة مكبوة في أوساط مختلف الفئات في جميع المناطق، وبات اللبنانيون يتطلعون إلى يوم يستعيدون فيه حريتهم وحقوقهم، وتعود الديموقراطية فيه إلى لبنان، وتستعيد الدولة عافيتها.
لقد انتهت الحرب باتفاق الطائف، وحُلت الميليشيات وسلمت سلاحها إلى السلطة اللبنانية، وأراد قادتها أن يرتدوا ثوباً ديموقراطياً يُنسي الناس أفعالهم السيئة والمشينة، ويساعدهم على الدخول في مرحلة السلم والإمساك بزمام الأمور كما في الحرب، وتفاءل الناس خيراً، وأمَّلوا استعادة حرياتهم وحقوقهم، وخاصة أن اتفاق الطائف ومن ثم الدستور، الذي عُدِّل وفقاً له، نصَّا على الالتزام بحريات وحقوق جميع المواطنين على شتى انتماءاتهم، وأكدا على الأساس الديموقراطي للنظام السياسي، والتزم الدستور في مقدمته بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبالإنماء المتوازن لجميع المناطق اللبنانية.
آمال الناس ذهبت هباءً، فالمسار الذي سلكته السلطة، في ظل هيمنة الأجهزة السورية الموكلة بحفظ الأمن في لبنان على مقدرات الحكم، تعارض جذريًّا مع القواعد والأصول الديموقراطية، ونهج التسلّط أدى إلى كبت الحريات وانتهاك حقوق المواطنين، كما أن تمادي إسرائيل، التي كانت تحتل مناطق من جنوب لبنان والبقاع الغربي، في أعمالها العدوانية، وعدم احترام المواثيق الدولية الراعية لحقوق الإنسان تحت الاحتلال وأثناء النزاعات المسلحة، أدى إلى انتهاكات جسيمة لهذه الحقوق. وقد ولّدت هذه الأمور جميعها نقمة في أوساط الرأي العام، تمثلت في تحركات شعبية، وفي المطالبة بالحريات السياسية، وبانتخابات ديموقراطية، وبإزالة الاحتلال وتحرير الأرض والإرادة اللبنانية، وبرفض القمع والاستبداد، وتحرير الأسرى والإفراج عن المعتقلين لأسباب سياسية، ووضع حد للتوقيف الاحتياطي، وغير ذلك من أمور متصلة بحقوق الإنسان.
الجو الذي نتج عن هذه الحركة السياسية كان له دور في التوسع في تدريس حقوق الإنسان في الجامعات في لبنان، وفي مراحل التعليم ما قبل الجامعي.
5- أثر تدريس حقوق الإنسان على الحركة السياسية في لبنان
تدريس حقوق الإنسان لا يقتصر على اكتساب المعرفة فقط، إنما يشمل التأثير في السلوك والتصرفات، وبالتالي تطوير أنماط العلاقات المجتمعية بما يتفق وقيم الديموقراطية. ما يعني نشر ثقافة الديموقراطية، بما تحتويه من مبادئ وقواعد تحكم علاقة المواطنين بعضهم ببعض، وعلاقتهم بالسلطة، ونهج ممارسة السلطة وطروحاتها.
الأسئلة التي تطرح نفسها في هذا السياق هي الآتية:
- هل تدريس حقوق الإنسان ساهم في إنتشار ثقافة حقوق الإنسان والديموقراطية؟
- هل تدريس حقوق الإنسان أثر في السلوك والتصرفات وطور أنماط العلاقات المجتمعية، وبنوع خاص السياسية منها؟
- هل تدريس حقوق الإنسان أثر في مؤسسات الحكم؟
هذه الأسئلة سنحاول الإجابة عنها فيما يلي:
5-1- مدى مشاركة خريجي مقررات حقوق الإنسان في أنشطة المجتمع المدني والحركة السياسية
يميل معظم الطلاب، الذين درسوا حقوق الإنسان في المرحلة الجامعية، إلى المشاركة في أنشطة المجتمع المدني أكثر مما يميلون إلى الانخراط في الحركة السياسية، وبخاصة في الأحزاب. ولعل ذلك ناتج عن أنماط العلاقات التقليدية التي تتحكم بالحركة السياسية، فهذه الأنماط لا تستهوي المثقفين بثقافة حقوق الإنسان والطامحين إلى الديموقراطية، واقتناعهم بصعوبة التغيير من خلال الأحزاب السياسية، يحملهم عامة على العمل في إطار هيئات المجتمع المدني، ومحاولة التغيير من خلالها. هذا مع العلم أن هناك تواصلاً بين المجتمع المدني والحركة السياسية. وهناك بعض هيئات المجتمع المدني التي لها تأثير مباشر في الحركة السياسية وإن بشكل محدود. ويمكن الكلام في هذا المجال عن «الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات».
لقد تأسست «الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات» في العام 1996، بمبادرة من مجموعة من المثقفين العاملين في مجال حقوق الإنسان، ومعظمهم من الأساتذة الجامعيين، والناشطين في المجتمع المدني، وقد انضم إليها فيما بعد العديد من خرّيجي الجامعات، ومن بينهم من تثقفوا بثقافة حقوق الإنسان في إطار اختصاصاتهم الجامعية. وقد قامت هذه الجمعية، وعلى الرغم من ممانعة وزارة الداخلية، بمراقبة الانتخابات النيابية في العام 1996، وجرى الاستماع إلى بعض أعضائها من قبل المجلس الدستوري كشهود في الطعون النيابية. ولعبت دوراً بارزاً في لفت النظر إلى الثغرات في قانون الانتخاب، وإلى التجاوزات في إجراء العمليات الانتخابية. وكان لذلك أثر في الضغط على الحكومة لتحسين آدائها في الانتخابات وفي العمل على وضع قانون انتخابات نيابية حديث. هذا وقد قامت «الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات» في العام 1997، بحملة «بلدي بلدتي بلديتي»، بهدف حمل الحكومة على إجراء انتخاب المجالس البلدية بعد أن مدد لها مراراً، وقد لاقت هذه الحملة دعماً من المجتمع المدني ومن القوى السياسية، وأدت إلى إجراء الانتخابات البلدية في العام 1998 على الرغم من أنه كان قد جرى التمديد لها حتى 30/4/1999. وهذا نموذج من إمكانية أن يؤثر نشاط هيئة من المجتمع المدني في الحركة السياسية.
5-2- مدى انتشار ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع وفي الحركة السياسية
ساهم تدريس حقوق الإنسان في المرحلة الجامعية، وتدريس مواضيع من حقوق الإنسان في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي، بنشر ثقافة الديموقراطية في بعض الأوساط الاجتماعية والسياسية، وقد ترافق ذلك مع الأنشطة التي قامت بها هيئات المجتمع المدني ووسائل الإعلام على هذا الصعيد. ولكن انتشار ثقافة حقوق الإنسان بقي محدوداً، ولم تتحول هذه الثقافة إلى حالة يعيشها المجتمع. فالتعريف بحقوق الإنسان، وبمضامينها، وبما تطلبه من ضمانات، لا يكفي لوحده لتكوين ثقافة حقوق الإنسان، وإن كان ذلك شرطاً ضروريًّا لهذه الثقافة. فالمعرفة لا تتحول إلى ثقافة إلا بقدر ما تؤدي إلى تحوّلات في أنماط التفكير، وهذا دونه صعوبات كثيرة في مجتمعات يسيطر فيها نمط العلاقات التقليدية الموروثة. فنشر ثقافة حقوق الإنسان رهن بتحديث المجتمع، وهذه الثقافة تساهم بدورها في التحديث، ولكن التحديث ليس رهناً بها دون غيرها، فهناك عوامل عديدة يتطلبها التحديث ومن بينها ثقافة حقوق الإنسان، ولا يتسع المجال هنا للغوص في هذه العوامل.
لذلك يمكننا القول: إن تدريس حقوق الإنسان، وبخاصة أنه محصور في الجامعات في نطاق ضيق، ولا يشمل كما سبق ورأينا سوى 5% من مجموع الطلاب الجامعيين في لبنان، لم يؤد الغاية المرجوة في نشر ثقافة حقوق الإنسان، وإن كان له دور في نشر معرفة حقوق الإنسان، في بعض الأوساط الطلابية بنوع خاص. فالحركة السياسية لا تزال تتحكم بها الذهنية السياسية التقليدية بشكل عام، وتستبد بها المصالح الضيقة، الفئوية والشخصية، التي غالباً ما تتحقق على حساب الصالح العام وحقوق المواطنين، وهؤلاء يسيرون بمعظمهم وراء زعمائهم، دون أن يعوا حقوقهم، ودون أن يقوموا بدورهم في مراقبتهم ومساءلتهم ومحاسبتهم، على الرغم من الآليات الديموقراطية المعتمدة في النظام السياسي اللبناني.
5-3- أثر تدريس حقوق الإنسان في الطروحات المتعلقة بالشأن العام
لا يمكن معرفة مدى تأثير تدريس حقوق الإنسان في الطروحات المتعلقة بالشأن العام، لأن هذه الطروحات تأثّرت بشكل عام بالمناخ الذي أوجدته الأنشطة المتعلقة بحقوق الإنسان، ومن بينها تدريس هذه الحقوق. ولكن مما لا شك فيه أن تدريس حقوق الإنسان أسهم في بلورة الطروحات المتعلقة بالشأن العام، من خلال تواجد بعض خرّيجي الاختصاصات الجامعية التي تشمل حقوق الإنسان، في منظمات المجتمع المدني والأحزاب والتيارات السياسية.
5-3-1- على مستوى طروحات هيئات المجتمع المدني
أبرز التطورات على صعيد طروحات هيئات المجتمع المدني، هي المطالبة بالمشاركة في اتخاذ القرارات على مستوى السلطات العامة، بما يختص بالقضايا التي تدخل ضمن دائرة اهتمام كل من هذه الهيئات. فالمطالبة بالحقوق المعترف بها اقترن بالحق بالمشاركة في اتخاذ القرار، ولو على مستوى المشاورات التي تسبق اتخاذ القرار من قبل الجهات الرسمية. وقد تم ذلك فعلاً من خلال عقد اجتماعات بين مسؤولين في هيئات المجتمع المدني وأعضاء من اللجان البرلمانية، للبحث في الأمور المطروحة على هذه اللجان، والتي تدخل في إطار اهتمامات هذه الهيئات. كما عقدت اجتماعات في السياق نفسه مع مسؤولين حكوميين.
هذه اللقاءات، ذات الطابع الاستشاري، أعطت مردوداً إيجابيًّا لجهة تبني بعض طروحات هيئات المجتمع المدني، وإدخالها في القوانين والقرارات، ولكنها متقطعة.
ومن الملاحظ أن هيئات المجتمع المدني رافقت في طروحاتها المستجدات على مستوى كل ما يتعلق بحقوق الإنسان.
5-3-2- على مستوى طروحات التيارات والأحزاب السياسية
تركز التيارات والأحزاب السياسية في طروحاتها، بشكل عام، على الحريات السياسية، وتهمل في أحيان كثيرة أموراً متعلقة مباشرة بحقوق الإنسان، كما يركز بعضها على الحق بالمشاركة في السلطة وبصحة وعدالة التمثيل في الانتخابات النيابية، ومنع الهيمنة والتسلّط. وهذه الطروحات تتأثّر بموقع الحزب أو التيار في اللعبة السياسية.
وقد عمدت بعض الأحزاب والتيارات السياسية إلى إنشاء لجان، في إطار هيكلياتها التنظيمية، تُعنى بحقوق الإنسان والحريات العامة. ومن أسباب ذلك مناخ حقوق الإنسان الذي أوجدته أنشطة هيئات المجتمع المدني وبخاصة جمعيات حقوق الإنسان، وتواجد أعضاء داخل هذه التيارات والأحزاب ممن درسوا حقوق الإنسان في الجامعات.
5-4- أثر تدريس حقوق الإنسان على السلوك
قيمة المعرفة تكمن في مدى قدرتها على أن تتحول إلى ثقافة، وقيمة الثقافة تكمن في مدى تأثيرها في سلوك الفرد والجماعة. والسؤال الذي يطرح نفسه يتناول مدى تأثير تدريس حقوق الإنسان في سلوك هيئات المجتمع المدني، أفراداً ومنظمات، وعلى سلوك القوى والتيارات السياسية تنظيماتٍ وأعضاءً في الوقت نفسه، وعلى سلوك الموظفين عامة وبخاصة السلوك في الانتخابات.
5-4-1- الأثر في سلوك هيئات المجتمع المدني
هناك عدم دقة في التعريف بهيئات المجتمع المدني، ناتج عن الخلط بين المجتمع المدني والمجتمع الأهلي، والذي يميز بين المجتمعين هي أنماط العلاقات، وبالتالي أنماط السلوك. فالعلاقات المجتمعية في المجتمع الأهلي تتحكم بها الأنماط التقليدية الموروثة، القائمة على الروابط الدينية أو الطائفية أو المذهبية أو العشائرية، إلخ... في حين أن العلاقات المجتمعية في المجتمع المدني هي علاقات إرادية، قائمة على الخيار الحرّ والواعي.
إن أنماط العلاقات هذه تؤثر في السلوك مباشرة وتنعكس في التصرفات. وإحدى المشاكل البنيوية التي تعترض هيئات المجتمع المدني، هي التداخل بين أنماط العلاقات التقليدية وأنماط العلاقات الإرادية في تكوين هذه الهيئات، ففي بعضها لا تزال تطغي الأنماط التقليدية على الأنماط الإرادية الحديثة، في حين أنه في بعضها الآخر تطغى العلاقات الإرادية الحديثة على العلاقات التقليدية.
طغيان العلاقات التقليدية يؤدي إلى ممارسات ذات طابع فئوي لا يتفق وثقافة حقوق الإنسان، في حين يؤدي طغيان العلاقات الإرادية الحديثة إلى ممارسات نابعة من ثقافة حقوق الإنسان.
إن التحول من النمط التقليدي إلى النمط الحديث لا يمكن أن يتم إلا في إطار إشاعة ونشر ثقافة حقوق الإنسان على أوسع نطاق. ومن هنا يشكّل تدريس حقوق الإنسان عاملاً مساعداً على هذا التحول. وقد ظهرت بداية تحول في سلوك هيئات المجتمع الأهلي باتجاه التحرر من التعصب والفئوية، ولعل من أسباب ذلك النشاطات المشتركة التي قامت بها جمعيات المجتمع المدني والمجتمع الأهلي، في إطار شبكات عملت على تحقيق التفاعل فيما بينها، وابتكار نشاطات مشتركة تسهم في تطوير أنماط العلاقات وإخراجها من الإطار التقليدي الموروث. وكان لخرّيجي الفروع الجامعية التي تدرس حقوق الإنسان دور بارز في هذه الأنشطة.
5-4-2- الأثر في سلوك التيارات والأحزاب السياسية
يشمل أثر تدريس حقوق الإنسان سلوك المحازبين على مستوى العلاقات داخل الحزب، وعلى مستوى العلاقات بالآخر من خارج الحزب. فالأحزاب السياسية في لبنان ترفع بمعظمها شعار الديموقراطية وتعلن أنها تناضل من أجلها، ما يعني ضرورة أن تسود قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان العلاقات داخل الحزب، أي بين الأعضاء والقيادة، وبين الأعضاء أنفسهم، وبين الحزب والأحزاب الأخرى ومختلف فئات الشعب والمواطنين.
إن سلامة العلاقة بين الأعضاء والقيادة شرط أساسي لاستمرارية الحزب والحفاظ على وحدته وفاعليته. وهذه العلاقة لا يمكن أن تُبنى إلا على أساس الاعتراف بحقوق الأعضاء في الحزب السياسي، وإفساح المجال أمامهم لممارسة هذه الحقوق، وبخاصة الحق في اختيار المسؤولين الحزبيين والحق في التعبير عن الرأي والمشاركة في القرار. «فالتزام العضو إذا لم يقابله حق العضو في اختيار الهيئة الحزبية التي لها أن تصدر القرارات الملزمة، إهدار ليس لحق العضو كعضو بل لحقه كإنسان. ولا يمكن أن يسوغ أي هدف أو مبدأ مهما كان سموه، أن يحصر خيار العضو بين الانصياع المطلق وبين تهمة التخلي عن المبدأ، فهذا حرمان له كإنسان من حقه الطبيعي في حرية الرأي والاختيار»[7].
إنّ غياب الديموقراطية داخل الحزب يؤدي إلى تقوية الأجهزة الحزبية البيروقراطية، وتأبيد القيادة وشخصنتها، وإضعاف الروح النضالية لدى المحازبين، وإصابة الحزب بالترهل، وقد يؤدي إلى تشرذم الحزب وتفكّكه.
إنّ أنماط السلوك على مستوى الأحزاب والقوى السياسية لا يمكن أن تكون مغايرة لأنماط العلاقات السائدة في المجتمع. فالنظام العام السائد في المجتمع «يحيل الإنسان إلى كائن عاجز، مسحوق، منفعل، مغلوب على أمره، مدجَّن، اعتمادي، هامشي، ومسلوب من حقوقه»[8]. وهذه الوضعية تترسخ أكثر فأكثر بسبب البنية المجتمعية الطائفية والمذهبية التي تكبّل الأفراد في إطار انتماءاتهم الضيقة، وتحول دون إحساسهم وإدراكهم لوجودهم بمعزل عن الجماعة المنتمين إليها بحكم المولد، فتبقى شخصيتهم مبدّدة في شخصية الجماعة، لا يشعرون بوجودهم إلاّ من خلالها، ولا يدركون أن لهم حقوقاً يجب أن يتمتعوا بها. وهذه هو لب إشكالية الديموقراطية وحقوق الإنسان في علاقتها بأزمة المجتمع الداخلية.
إن «الإنسان في الحزب يبدو مهمشاً كما في المجتمع. والنمط الحزبي السائد في لبنان يسلب الأعضاء حقوقهم ولا يعمد إلى توضيحها بالأسلوب السليم. الأمر الذي يجعل حضور مادة حقوق الأعضاء في الأنظمة الداخلية للأحزاب السياسية صوريًّا وشكليًّا إلى حدٍّ كبير... إن مقارنة حقوق الأعضاء في الأحزاب اللبنانية مع واجباتهم تبين الفارق الجوهري بينهما، بحيث تبدو الحقوق شكلية أمام شدة حضور الواجبات واتساع حجمها... وفي إطلالة أولية على مجمل الواجبات في الأنظمة الداخلية للأحزاب اللبنانية يلاحظ التشابه الكبير بينها والتماثل الدقيق في بنودها. فحقوق الأعضاء تبدو محكومة بضوابط تنظيمية صارمة من جهة، وممسوكة بثقل الواجبات المفروضة على الأعضاء وشدتها من جهة أخرى. الأمر الذي جعل العضو الحزبي داخل المؤسسة الحزبية أداة طيعة إلى حد كبير، فاقدة الكثير من الفاعلية»[9].
إنّ العصبيات الطائفية والمذهبية والعلاقات الزبائنية تحوّل معظم الأحزاب والتيارات السياسية إلى تجمّعات سياسية منظّمة حول زعمائها، فيتحول الحزب إلى حزب الطائفة، وحزب القائد. فشخصية القائد تخطف الحزب بسبب ضعف إدراك المحازبين لحقوقهم، وعدم تمرسهم بالديموقراطية، واتِّكالهم على القيادة. أما الأحزاب الأخرى فتتحكم بها النزعة البيروقراطية، وتعيق نمو الديموقراطية في العلاقات داخل الحزب.
وإذا كانت الديموقراطية شبه غائبة داخل معظم الأحزاب، وإن على درجات متفاوتة، فكيف تكون حالها في العلاقات بين الأحزاب، وبين الحزب وسائر فئات الشعب والمواطنين؟
إنّ نزعة السيطرة والاستئثار غالباً ما تتحكم بهذه العلاقات، ونادراً ما نجد مكاناً للديموقراطية فيها، وهي تتأثر إلى حدٍّ كبير بمزاج القادة ومصالحهم وارتباطاتهم، إلى درجة يمكننا فيها القول: إن «الناس على دين ملوكهم».
هذا الواقع ينعكس سلباً على الحركة السياسية، ويجعلها تخرج عن القواعد المعمول بها في الأنظمة الديموقراطية، وعن الضوابط التي تحافظ على سلامة الوضع السياسي وسلامة أداء المؤسسات الدستورية، وتتطلب معالجته تحولات عميقة في الذهنية السياسية، على مستوى الشعب، وليس على مستوى القادة فقط، وذلك من خلال العمل على تحرير المواطن من العلاقات التقليدية التي تكبّله، وتجعله مسلوب الإرادة، والعمل على تثقيفه بثقافة حقوق الإنسان، وحمله على المشاركة في الحياة السياسية، والتمرّس بالديموقراطية من خلال ممارسة الأعمال المرتبطة بالشأن العام. كما يتطلب تغيير هذا الواقع إجراء تعديلات جذرية في بنية الأحزاب السياسية لجهة إعطاء المحازبين المزيد من الحقوق.
تدريس حقوق الإنسان، في الإطار المحدود التي تدرس به في لبنان، يبقى مفعوله محدوداً في تغيير أنماط العلاقات السياسية، نظراً لثقل الماضي، وواقع البنية المجتمعية، والظروف التي تمر بها المنطقة ولبنان، وتعاكس بدورها نمو الديموقراطية.
بعد ذلك جاء دور المعقب الباحث والخبير في ميدان حقوق الإنسان الدكتور عبد الحسين شعبان (من العراق) الذي أشاد ببحث الدكتور سليمان وقال: إن مقدمته الغنية استوقفته لربطه الوثيق بين التحول الديموقراطي ونشر الثقافة الديموقراطية، بحيث تحوّل الأخيرة إلى سلوك يحكم علاقات المواطنين بعضهم ببعض من جهة، وعلاقتهم بالسلطة الحاكمة من جهة أخرى. ولعلي أتفق مع الاستنتاج المهم الذي وصل إليه الدكتور سليمان والقاضي بأن «الديموقراطية ليست فقط نظام حكم، وإنما هي أيضاً نمط في العلاقات الإنسانية، ونهج في ممارسة السلطة..، وأنه لا قيمة للديموقراطية كنظام حكم إلا بقدر تجذرها كنظام قيم يحكم تصرفات المواطنين، وعلى الأخص خياراتهم السياسية ومواقفهم ممن يمارس السلطة.
الجلسة الثانية جاءت للدكتور عبد الفتاح ماضي (مدرس العلوم السياسية - جامعة الأسكندرية)، وأدار الندوة الدكتور صادق الجبران (مستشار قانوني من السعودية)، وعقبت عليه أ. د. صفاء صادق (من كلية التربية عين شمس).
وجاء بحث الدكتور عبد الفتاح ماضي بعنوان «تدريس حقوق الإنسان على المستوى الجامعي والحركة السياسية المطالبة بالديموقراطية في مصر» والذي جاء بحسب رأيه تقويماً للتجربة المصرية لتدريس حقوق الإنسان على المستوى الجامعي وآثار تلك التجربة على الجهود المطالبة بالديموقراطية في مصر، وذلك من حيث الوضع الحالي لتدريس مقررات حقوق الإنسان في بعض الجامعات المصرية الكبرى، وما حققته تلك التجربة من نتائج فعلية على العملية التعليمية وعلى الحركة السياسية المطالبة بالديموقراطية في مصر. وقد انتهى البحث إلى أن هناك اهتماماً متصاعداً بتعليم حقوق الإنسان والبحث في القضايا المتصلة بحقوق الإنسان في مصر. إلا أن التجربة المصرية في تعليم حقوق الإنسان على المستوى الجامعي لا تزال في مراحلها الأولى وتحتاج إلى مزيد من الجهد من جانب كافة الأطراف ذات الصلة، وذلك لمواجهة جملة من الإشكاليات والتحديات التي تواجهها التجربة الوليدة.
وعقبت عليه إ. د. صفاء صادق بتعقيب تدريس مقرر «حقوق الإنسان» ولأول مرة بكلية البنات بجامعة عين شمس في الفصل الدراسي الأول من العام الحالي، وهي الكلية الوحيدة التي بدأ تدريس المقرر فيها بجامعة عين شمس. وقد كان من المقرر أن يقوم زملاء من أساتذة كلية الحقوق بإعداد كتاب جامعي في هذا الشأن، وهو ما لم يتم، وقام مجموعة من الزملاء (سبعة من كلية البنات وواحد من كل من كليات الزراعة والعلوم والطب والتربية والهندسة والتمريض) بإعداد الكتاب الذي يتم التدريس وفقاً لمحتواه، وشملت تخصصات الزملاء اللغة العربية وعلم الاجتماع والإعلام ودراسات الطفولة والطب وكل من العلوم الأساسية والتربوية والزراعية.
الجلسة الثالثة كانت حول التجربة الفلسطينية، وجاءت بعنوان «تدريس حقوق الإنسان في ظل الاحتلال»، وجاءت الورقة البحثية فيه للأستاذ الدكتور مضر قسيس (من جامعة بيرزيت - فلسطين) فصَّل فيها القول حول برنامج الديموقراطية وحقوق الإنسان الذي تبنته الجامعة وطبقته على طلبتها والذي رسم أمكانية التركيز على قضايا الحقوق المدنية والسياسية دون الالتفات إلى قضايا الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وذلك ما لتعليم حقوق الإنسان والديموقراطية من أهمية مضاعفة في ظل الاحتلال؛ وذلك لأن التجربة الفلسطينية في تعليم حقوق الإنسان تميزت بتحدٍّ كبير، إذ يخضع المجتمع الفلسطيني كشعب وسلطة إلى سياسة احتلال تقوم على انتهاك متواصل لحقوق الإنسان، ويخضع المجتمع من جهة أخرى لثقافة سياسية عشائرية وأضيف هنا إلى سياسة فصائلية فئوية تقوم على المحاصصة.
وفي اليوم الثاني جاء بحث الأستاذ الدكتور أحمد نوفل من جامعة اليرموك - الأردن في الجلسة الأولى عن «تدريس حقوق الإنسان في الجامعات والمجتمع الأردني». ومما جاء في ورقته: زاد الاهتمام الدولي بقضايا حقوق الإنسان في العقدين الماضيين، وأصبحت تمارس دوراً مهمًّا في العلاقات الدولية وتطورها، ومؤشراً على طبيعة تلك العلاقات. ووظفت حقوق الإنسان واستُخدمت عامل ضغطٍ على الدول التي تُنتهك فيها تلك الحقوق، من أجل تغيير سياساتها، لكيلا تقع في دائرة الدول التي قد تتعرض لمقاطعة دولية في حال عدم تراجعها عن انتهاكاتها. وقفز الاهتمام بحقوق الإنسان إلى سلم أولويات الدول على الصعيد الداخلي، وبات لزاماً عليها أن توقع على المواثيق الدولية المتضمنة حقوق الإنسان، وأن تخلق بيئة ملائمة محليًّا تظهر فيها رغبتها احترام حقوق الإنسان واستعدادها تطبيق ما جاء في تلك المواثيق. وتبين أن التزام الدول رسميًّا بحقوق الإنسان ليس بالأمر الصعب -ولو ظاهريًّا- ولكن الصعوبة تأتي من خلال افتقار تلك الدول إلى ثقافة حقوق الإنسان لدى مواطنيها. مما جعل تعليم حقوق الإنسان أمراً ضروريًّا لخلق ثقافة تجسد مبادئ حقوق الإنسان في تلك المجتمعات، وتحقيق التغيير الاجتماعي وخلق وتعزيز القيادات البشرية المهتمة بقضايا حقوق الإنسان، وإعداد الأفراد والناشطين في هذا المجال، وحل مشاكل المجتمع المتعلقة بحقوق الإنسان.
وبات من الطبيعي أن ينظر إلى سجل النظام السياسي في مجال حقوق الإنسان، لكي تحصل الدولة على بعض الامتيازات، التي قد لا تستطيع الحصول عليها من دون إجراء مكاشفة حقيقية في هذا المجال، آخذة بعين الاعتبار قبولها للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. ولكن الفجوة بقيت واسعة بين قبول الدولة لتلك المواثيق وبين تطبيقها على أرض الواقع داخل مجتمعاتها.
ولهذا فقد اهتمت المواثيق الدولية لحقوق الإنسان بقضية تعليم الأفراد لحقوقهم، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة السادسة والعشرين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، على أنه «يجب أن يستهدف التعليم التنمية الكاملة لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. كما يجب أن يعزز التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم وجميع الفئات الإثنية أو الدينية». إذ نصت الفقرة الأولى من المادة الثالثة عشرة من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عام 1976 على أنه «تقرّ الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم، وهي متفقة على وجوب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والحس بكرامتها وإلى توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية».
حقوق الإنسان في الأردن وفلسفة تدريسها
بات من الضروري بعد انتشار ظاهرة الاهتمام العالمي بحقوق الإنسان، العمل على تدريسها لخلق بيئة ملائمة وقيم حضارية داخل المجتمع الواحد من أجل احترامها وسلوك الأفراد لها، وذلك من أجل تحقيق الأهداف التالية:
1- اكتساب وممارسة القيم من أجل خلق مجتمع عادل وديموقراطي، يحترم وينشر حقوق الإنسان، كاحترام الذات والآخرين وتحمل المسؤولية الاجتماعية والانتماء.
2- تنمية وممارسة الأفكار والمفاهيم التي تساعد على تفسير العلاقات الطبيعية داخل المجتمع كالديموقراطية والحكم والمواطنة، والاعتراف بالحق في الاختلاف ومحاربة التمييز بمختلف أشكاله.
3- تنمية وممارسة المهارات والقدرات التي تساعد في فهم المجتمع ومناقشة القضايا الرئيسية التي تواجه الفرد، من أجل إيجاد آليات للتواصل الاجتماعي والسياسي والثقافي.
4- الحصول على الخبرات الضرورية التي تساعد في بناء مجتمع ديموقراطي، ومشاركة الآخرين بالمسؤولية.
وكانت اليونسكو قد أصدرت في العام 1998 كتاباً بعنوان: >العمل لحقوق الإنسان في القرن الواحد والعشرين». وتحت عنوان «تعليم حقوق الإنسان: الحق والمسؤولية» اقترحت نانسي فلورز من منظمة العفو الدولية مجموعة من الأفكار لتكون قاعدة لنشر ثقافة حقوق الإنسان وتعليمها بين الناس، لأن قطاعات واسعة من الأفراد، يجهلون معناها. إلى جانب أن تعليم حقوق الإنسان هو حق إنساني غايته الأساسية «خلق مواطن مسؤول وملتزم وقادر على دمج القيم التي يتعلمها في حياته اليومية» إلى جانب أن تعليم حقوق الإنسان لا يقل أهمية عن تعليم بقية المواد التي يدرسها الفرد في المدرسة والجامعة. ومن تلك الأفكار:
أولاً: أهمية دور الأسرة في نشر وتعميق مبادئ حقوق الإنسان وجعلها سلوكاً يوميًّا بين الأفراد. وتستشهد فلورز بعبارة لإليانور روزفلت، إحدى مهندسي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. تقول فيها: >إذا لم يكن لحقوق الإنسان أي معنى في الأماكن الصغيرة القريبة من المنزل فهي لن تعني شيئاً في أي مكان آخر». من هنا تأتي ضرورة إدخال تعليم حقوق الطفل ضمن برامج توعية الوالدين بأساليب العناية بالطفل.
ثانياً: ضرورة إدخال مادة حقوق الإنسان ضمن المتطلبات الأساسية لنيل شهادة البكالوريوس أو الدبلوم في التربية. وجعل المعرفة بحقوق الإنسان وبالأخص بحقوق الطفل ضمن الشروط الرئيسة لترقيات المدرسين والعاملين في سلك التربية والتعليم. فالمدرس المتمكن من حقوق الطفل قادر على إحداث نقلة نوعية في حياة الأطفال وذلك عن طريق إتاحته الفرصة لهم للتعبير عن أفكارهم والحصول على المعلومات الأساسية المتعلقة بكرامتهم الإنسانية.
ثالثاً: أهمية نشر ثقافة حقوق الإنسان في المناطق الريفية وبين الفئات الخاصة كالمعوقين والمهاجرين والعمال الأجانب والطبقات الفقيرة. إن تلك الفئات تعتبر أكثر الفئات تعرضاً لانتهاك حقوقها الإنسانية. ولهذا فهي بحاجة لمعرفة تلك الحقوق عن طريق البرامج التعليمية.
رابعاً: تتعلق بأصحاب المهن التخصصية كالمحامين والأطباء والممرضين والقضاة والأخصائيين الاجتماعيين والصحافيين ورجال الشرطة والجيش. وتلك الفئات تحتاج إلى أن تتعلم حقوق الإنسان سواء أثناء الدراسة الأكاديمية أو بعد التخرج. وإدخال مناهج حقوق الإنسان في كافة التخصصات في الجامعات والمعاهد العليا والكليات العسكرية.
خامساً: لا يمكن نشر ثقافة حقوق الإنسان إلا بتوافر الإرادة السياسية وتعاون المؤسسات الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية. وهذا يتطلب إبداء حسن النية من الجميع. إلا أن ذلك لا يعني الصمت عن انتهاكات حقوق الإنسان أو تبعية منظمات حقوق الإنسان وخصوصاً الوطنية منها للحكومة. والعمل الذي تقوم به منظمات حقوق الإنسان كالدعوة للتغيير الاجتماعي وانتقاد السياسات الحكومية المتعارضة مع حقوق الإنسان يعتبر من ضرورات نشر ثقافة حقوق الإنسان.
سادساً: التنسيق المستمر بين المنظمات غير الحكومية العاملة في قضايا حقوق الإنسان بعضها مع بعض، ومع منظمات المجتمع المدني الأخرى. وعلى نشطاء حقوق الإنسان أن يساهموا في تدريب أعضاء تلك الجمعيات ومساعدتهم على فهم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وآليات عملها، ومدهم بالوثائق الضرورية التي يحتاجونها في عملهم.
سابعاً: لا شك أن من لا يعرف حقوق الإنسان لا يمكنه العمل على خدمة الناس والدفاع عن حقوقهم. ولهذا على كل مرشح للانتخابات النيابية إدراج تعليم حقوق الإنسان في برنامجه الانتخابي، ولكل من يعمل في وظائف حكومية.
تدريس حقوق الإنسان في الأردن
بدأت حملة واسعة في الأردن من أجل تعليم حقوق الإنسان في المدارس والجامعات، واتخذت وزارة التربية والتعليم خطوات مهمة لإدخال مفاهيم حقوق الإنسان في المجتمع الأردني، بعد صدور قرار حكومي بتشكيل اللجنة الوطنية الأردنية لتعليم حقوق الإنسان في أواخر شهر نيسان / إبريل 1999، ضمت ممثلي المنظمات الأهلية العاملة في مجال حقوق الإنسان. وقامت اللجنة بوضع دراسة حول وضعية تعليم حقوق الإنسان في الأردن، ووضع خطة من أجل تطوير تعليمها. ووضعت وزارة التربية والتعليم وثيقة في العام نفسه، حول تعليم حقوق الإنسان على مستوى المدارس والجامعات والإعلام التربوي. وحددت الوثيقة ثلاثين مفهوماً رئيسيًّا في خمس مجالات بحقوق الإنسان، وهي الحرية والعدالة والكرامة والتعاون والتضامن والتسامح الإنساني، لإدخالها في الأنشطة التربوية في المدارس والجامعات، من خلال برامج ومصفوفات ومشاريع تطوير تربوي نحو الاقتصاد المعرفي في عام 2003. تنفيذاً لما جاء في المؤتمرات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، كمؤتمر اليونسكو عام 1978 في العاصمة النمساوية فيينا، ومؤتمر مالطة عام 1988 الخاص بتعليم حقوق الإنسان، والمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان عام 1993، والمؤتمر الإقليمي حول تعليم حقوق الإنسان في العالم العربي في الرباط عام 1999. وكان عقد الأمم المتحدة للتربية على حقوق الإنسان 1995 - 2004 هو ذروة الاهتمام العالمي بحقوق الإنسان والذي جرت خلاله نشاطات على مختلف المستويات الدولية والإقليمية والمحلية لنشر ثقافة حقوق الإنسان. وكانت تلك المؤتمرات تهدف إلى نشر برامج وبث الوعي لدي المجتمعات حول حقوق الإنسان وحرياتها ونشر مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في كل مراحل التعليم، وبصفة خاصة مرحلة التعليم الجامعي. وبما أن المرحلة الأولى في التعليم الجامعي تبدأ من المدرسة، فقد وجدنا أنه لا بد من استعراض مراحل تطور تعليم حقوق الإنسان في الأردن من المدرسة وصولا إلى الجامعة.
أولاً: في المدارس
أولى الأردن قضية التعليم اهتماماً خاصًّا، ونصت المادة السادسة من الدستور الأردني الصادر عام 1952، على أن «تكفل الدولة العمل والتعليم» للمواطنين. ونصت المادة التاسعة عشرة والمادة العشرون، على حق المواطنين في التعليم «التعليم الابتدائي إلزامي للأردنيين، ومجاني في المدارس الحكومية». كما نص الدستور الأردني على الكثير من المواد المتعلقة بحقوق الإنسان، كحق المواطن في المساواة أمام القانون، والحريات الشخصية وحرية التعبير والرأي والاجتماع والانتخاب، وتشكيل الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات.
وأكد الميثاق الوطني الأردني على قضية التربية والتعليم، ونص على أنه لابد من «تنشئة الفرد المتكامل روحيًّا وجسميًّا ونفسيًّا وعقليًّا واجتماعيًّا، الواعي لحقوقه الملتزم بواجباته، المتمتع بالروح العلمية والديموقراطية، المؤمن بحقوق الإنسان ومبادئ العدل والخير والمساواة، وتربية النشء على الإيمان بالله وأصالة الأمة العربية وبقدراتها على التجديد والإبداع». وعلى أن «نظام التعليم معني بتنمية التفكير المستقل المبدع، وذلك بتحريك دوافع العمل والجدية والإتقان والتميز وتوجيه التعليم نحو إعداد الإنسان الأردني للمستقبل». ودعا الميثاق الوطني إلى تعزيز العلاقة بين المؤسسة التعليمية ومجتمعها المحلي، وذلك من خلال إنشاء مجالس محلية للمدارس ومجالس الطلبة والمعلمين، وتفعيل الأنشطة الخاصة بخدمة المجتمع والعمل التطوعي.
وفي هذا السياق، تم وضع استراتيجية متكاملة لتطور التعليم في المدارس الأردنية، وعقد المؤتمر الوطني الأول للتطوير التربوي في عام 1987، الذي أسس مفهوم إدخال مبادئ حقوق الإنسان في المناهج التعليمية، كالمساواة في الحقوق والمشاركة السياسية والاجتماعية وحقوق وواجبات الفرد. وانعكست تلك المفاهيم على قانون التربية والتعليم الأردني الصادر عام 1994، فقد جاء في المادة الخامسة من القانون على ضرورة توجيه النظام التربوي لكي يصبح أكثر ملائمة لحاجات الفرد والمجتمع وإقامة التوازن بينهما. والتأكيد على «أهمية التربية السياسية في النظام التربوي، وترسيخ مبادئ المشاركة والعدالة والديموقراطية وممارساتها. وتوجيه «العملية التربوية لتطوير قدرة المواطن على التحليل والنقد والمبادرة والإبداع والحوار الإيجابي<.
وتشكلت في شهر أيار / مايو 1999 «اللجنة الوطنية الأردنية لتعليم حقوق الإنسان» من أجل وضع دراسة شاملة عن أوضاع تعليم حقوق الإنسان في المدارس والجامعات الأردنية. وتبين لتلك اللجنة غياب الوعي لدى واضعي مناهج التعليم في الكتب المدرسية لمبادئ حقوق الإنسان، مع أن الدستور والميثاق الوطني تناولا حقوق الأردنيين وواجباتهم . وعقدت وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع منظمة اليونسكو واليونيسيف ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) ومشاركة منظمات المجتمع المدني الأردنية المهتمة بحقوق الإنسان، ندوة حول «واقع التعليم والتربية على حقوق الإنسان في المدارس الأردنية» في شهر كانون الثاني / يناير 2004. ووضعت الندوة توصيات قدمتها لوزارة التربية والتعليم، من أجل إدخال مبادئ حقوق الإنسان في الكتب المدرسية، وتدريب المعلمين على كيفية تدريس حقوق الإنسان للطلبة.
ونظم المركز الوطني لحقوق الإنسان، دورات تدريبية حول التعليم والتربية على حقوق الإنسان في المدارس. ودعا المركز د. جيل كرسب، خبيرة حقوق الإنسان النيوزيلندية، لكي تنظم دورات التدريب. كما قام المركز بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، بتنظيم محاضرات لتوعية تلاميذ الصفوف الابتدائية بحقوق الطفل لمدة شهرين بواقع ساعتين إلى ثلاث ساعات يوميًّا. وأصدر المركز في عام 2005، «دليل التدريب على الحقوق المدنية والسياسية لطلبة الجامعات»، لتوزيعه على الطلبة في المدارس والجامعات. وأدخلت مفاهيم عديدة لحقوق الإنسان في مناهج الدراسة في المراحل المختلفة للطلبة في المدارس.
ثانياً: الجامعات الأردنية
يوجد في الأردن 25 جامعة، منها 10 جامعات حكومية و15 جامعة خاصة، يدرس فيها حوالي 200 ألف طالباً وطالبة تشكل الإناث منهم ما نسبته 50.6%. تشرف على الجامعات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، التي أصدرت استراتيجية خاصة للتعليم بعنوان: «نحو تطوير استراتيجية وطنية للتعليم العالي والبحث العلمي للأعوام 2005 حتى 2010». تتضمن من ضمن ما تضمنته الاهتمام بتدريس حقوق الإنسان، وإدخال مساقات في الجامعات الأردنية عن حقوق الإنسان. والطلب من المركز الأردني الوطني لحقوق الإنسان، وهو الجهة الرسمية المسؤولة عن حقوق الإنسان، بالعمل على عقد دورات تدريبية في هذا المجال. ومع أن معظم الجامعات الأردنية تدرس مواد لها علاقة بحقوق الإنسان، إلا أن معظم تلك المواد تدرس على أساس أنها مواد اختيارية وليست إجبارية للطلبة. مما أعطى الطالب حرية الاختيار في دراسة مواد حقوق الإنسان، وأبقى على عدم انتشار المعرفة القانونية بتلك الحقوق.
ومن هذا المنطلق يمكن القول: إن واقع تعليم حقوق الإنسان في الجامعات، ما زال بحاجة إلى المزيد من الجهد والوقت لكي يكتمل، على الرغم من وجود الرغبة الفعَّالة في تحقيق ذلك. للكشف عن واقع التربية على حقوق الإنسان في الجامعات الأردنية والعمل على تأكيد أهمية هذه التربية وإغناء المضامين الجامعية بالقيم والممارسات الحقوقية الضرورية لنجاح مسيرة التعليم الجامعي على حقوق الإنسان. إلا أن بعض الجامعات قد لا يدرس حقوق الإنسان فيها بوصفها مقررات مستقلة إلزامية أو اختيارية ولكن المضامين الحقوقية للمنهاج الجامعي قد تكون غنية ومشبعة بالمضامين الحقوقية وعلى خلاف ذلك هناك جامعات ومؤسسات تربوية تفرد مقررات جامعية لحقوق الإنسان ولكنها تفتقر إلى المضامين الحقيقية لحقوق الإنسان، ولاسيما فيما يتعلق بالجانب القيمي فيه. كما يمكننا في هذا السياق الإشارة إلى الرمزيات الصامتة التي تتصل بالممارسة الحقوقية القائمة في الوسط الجامعي بين الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة. وهذا ما أكدته دراسة مهمة أشرف عليها المركز الوطني لحقوق الإنسان في عام 2004، عن مدى وعي طلاب الجامعة الأردنية بحقوق الإنسان، لكي تكون عينة يستند إليها المركز في عمله لتدريس حقوق الإنسان في الجامعات الأردنية. وهدفت الدراسة تحديد مستوى وعي الطلاب في الجامعة بمفاهيم حقوق الإنسان، من أجل التوصل إلى توصيات لتعزيز ثقافة حقوق الإنسان بين الطلاب وتفعيل دورهم في المشاركة السياسية والوصول إلى مجتمع أردني يحترم حقوق الإنسان.
وعن سؤال حول وعي الطلبة بمواضيع ومفاهيم حقوق الإنسان، أجاب 56% عن معرفتهم بوجود منظمات لحقوق الإنسان في الأردن، في حين أجاب 44% عن جهلهم بوجودها. كما أظهرت العينة عدم معرفة 64% باتفاقيات أو معاهدات حقوق الإنسان، و36% معرفتهم بأسماء بعضها. وبين 23,3% فقط من مجموع الإجابات معرفتهم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومن الملاحظ وجود حالة من عدم الوعي لطلبة الجامعة الأردنية بحقوق الإنسان، وإلى ضرورة ملء «الفجوة المعرفية» لدى الطلبة عن طريق تدريس حقوق الإنسان في الجامعات الأردنية. ودلت نتائج الدراسة على قلة معرفة الطلبة ببعض المنظمات المحلية التي تعمل في مجال حقوق الإنسان الأردنية، مما يؤكد أهمية إلقاء الضوء على نشاطات المنظمات المحلية والتعريف بأهدافها من جهة، وضرورة قيام تلك المنظمات بجهود مضاعفة من النشاطات للتعريف بوجودها وطرق الاتصال معها. ووافق 79% من مجتمع العينة على ضرورة مساواة حقوق المرأة مع حقوق الرجل، مما يدل على وجود كم معلوماتي لدى الطلبة في موضوع حقوق المرأة.
وفي دراسة أخرى للمركز الوطني لحقوق الإنسان عن أسباب عزوف الطلبة عن المشاركة في نشاطات لها علاقة بحقوق الإنسان، تبين أن من أسباب ذلك، سياسة تحميل الطلبة كلفة التعليم وشروط قبول الطلبة في الجامعات، لأنها غير عادلة بين الطلبة وتتناقض مع المساواة كحق أساسي من حقوق الإنسان. على أساس أن بعض الطلبة يدفعون مبالغ عالية من أجل القبول في الجامعات، قد تصل إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف الرسوم التي يدفعها الطالب الآخر على أساس التنافس الحر مقابل الحصول على مقعد جامعي وبمعدل أقل، وذلك تحت مسميات البرنامج الموازي والمسائي وغيره. في حين ما زالت سياسة الاستثناء في القبول تمارس بشكل واسع قد تصل نسبتها إلى الثلثين. «إن المركز الوطني لحقوق الإنسان لا يسعه إلا التأكيد على ضرورة إزالة جميع هذه الإجراءات التمييزية في مجالي أسس القبول والرسوم الجامعية».
ونفَّذ المركز عدة برامج تدريبية في الجامعات الأردنية تتناول التعريف بحقوق الإنسان، منها دورة عن المعايير الدولية لحقوق المرأة ومجابهة العنف ضدها، والتشريعات الوطنية المتعلقة بالعنف ضد المرأة. وجاءت تلك الدورات بعد دراسة أجراها المركز لقياس مستوى وعي وإدراك الشباب في الجامعات الأردنية (الجامعة الأردنية وجامعة اليرموك وجامعة مؤتة) بحقوق المرأة وأشكال العنف التي تتعرض له، والتعرف على اتجاهات الطلبة في الجامعات الأردنية من تلك القضايا. وذلك بعد انتشار ظاهرة استعمال العنف ضد المرأة في المجتمع الأردني، والتي تعتبر بطبيعة الحال انتهاكات ضد حقوق الإنسان. وجاءت النتائج مهمة، فقد تبين أن 56% ممن شملهم الاستطلاع من الطلبة، أنهم لا يعرفون بوجود منظمات أردنية تعمل من أجل حقوق المرأة في الأردن. وأن 87,3% من العينة لم يتلقوا أي تدريب في مجال حقوق الإنسان، و66,2% لم يعرفوا بأي اتفاقيات أو معاهدات ذات علاقة بحقوق المرأة. والأخطر من ذلك، فقد أظهرت الدراسة أن 71% من العينة لم يطلعوا من قبلُ على الدستور الأردني، وعرف 6,4% ممن اطلعوا على الدستور أن نظام الحكم في الأردن هو نظام نيابي ملكي وراثي، في حين لم يذكر 56,7% من الذين اطلعوا على الدستور، أي مادة من مواد الدستور. وفي المقابل أظهرت الدراسة التي شملت عينة من الذكور والإناث، أن 91,9% لا يؤيدون ضرب الرجال لزوجاتهم، على الرغم من أن 61,1 % أيدوا وجود ظاهرة العنف ضد المرأة في المجتمع الأردني.
أما على صعيد مشاركة الطلبة في الانتخابات الجامعية، فما زالت بعض الجامعات تقوم بتعيين نصف أعضاء المجالس الطلابية بالإضافة إلى رئيسها، مما يشكل خرقاً لحق الطلبة في المشاركة في تدبير شؤونهم وتدخلاً من قبل إدارة الجامعة لا مسوغ له مما يعتبر مخالفاً لمعايير الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان. ويؤكد ضرورة تعديل هذه التعليمات بحيث تصبح العملية التمثيلية من خلال عملية الانتخاب الديموقراطي فقط. ويؤثر ذلك، على مفهوم الطلبة لحقوق الإنسان والذي تعتبر المساواة والمفاضلة على أساس الكفاءة من الأمور الأساسية فيه. ولا بد من حل تلك القضية قبل تخصيص مادة تعليم حقوق الإنسان، كمتطلب جامعي لجميع الطلبة من أجل نشر ثقافة حقوق الإنسان.
ومن جهة ثانية، فقد أكدت الدراسات، أن تعليم حقوق الإنسان بما يحتويه مضمونه ومفاهيمه المتعددة المتمثلة في احترام الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، يؤدي إلى وجود مجتمع مدني حر ومتنوّع، يقوم على التوافق بين حرية الفرد وحرية المجموع، ويساعد على اتساق أكبر بين مسؤولية الحاكم ومسؤولية المحكوم. ولهذا فقد تعاونت وزارة التنمية السياسية الأردنية مع الجامعات الرسمية وغير الرسمية، ومركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان، في تنفيذ مشروع إقامة منتديات للديموقراطية وحقوق الإنسان في الجامعات الأردنية، من أجل تعزيز مشاركة الشباب في الحياة الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية والسياسية في المجتمع الأردني. وأن الهدف الرئيسي من تلك المبادرة التي ستعمم على مختلف المناطق والجامعات الأردنية ، تأسيس منتديات لحقوق الإنسان والديموقراطية في الجامعات الأردنية لزيادة مشاركة الشباب الأردني في العملية السياسية والدفاع عن حقوق الإنسان. وتثقيف الطلبة، في مجال حقوق الإنسان والديموقراطية وتعزيز مشاركتهم في الحياة الاجتماعية، والاقتصادية والثقافية والسياسية في المجتمع الأردني. وتدريب الشباب على التفاعل البناء داخل المجتمع، «وتعليم الطلاب كيفية القيام بتغيير إيجابي في المجتمع الأردني وتعزيز حرية التعبير لدى الشباب في الجامعات فضلاً عن مساعدة الشباب على اكتساب مهارات اتخاذ القرار، والاتصال، وبناء الفريق الواحد والتفكير الإبداعي، وتعلم كيفية النقاش والاستماع والمشاركة والعرض والتقديم، بالإضافة إلى تعزيز قيم التضامن والمسؤولية واحترام التنوع في المجتمع. وتعزيز قيم المواطنة والتضامن والمسؤولية واحترام التنوع في المجتمع».
التوصيات
لا بد أن يشعر القائمون على تدريس حقوق الإنسان أن هذا العمل هو واجب وطني، على الجميع القيام به خدمة للوطن والمواطنين. لأن وجود مجتمع يعرف الفرد فيه حقوقه وواجباته يعني أن هذا المجتمع قابل للتطور والنمو، بعيداً عن السلبيات التي قد تعيقه في حال عدم احترام حقوق الإنسان فيه. وأن التنمية الشاملة بما فيها التنمية السياسية لن تتحقق في غياب ثقافة حقوق الإنسان، لأنها لن تشجع الفرد على المشاركة السياسية إذا لم يطمئن المواطن بجدوى تلك المشاركة، وهذا لن يأتي إلا من خلال التزام الجميع مسؤولين وإعلام ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان والمواطنين الذين يهمهم التعرف على حقوقهم وواجباتهم. وأن يعملوا على تنمية القيم والسلوكات التي تعزز حقوق الإنسان في المجتمع الأردني. وإلى كشف الأطراف التي قد تقوم خلال عملها على انتهاكات لحقوق الإنسان.
ومع أن تعليم حقوق الإنسان في الأردن لم يصل إلى المستوى المطلوب في الجامعات ومنظمات المجتمع المدني، على الرغم من البرامج التعليمية التي بُدئ بتنفيذها في السنوات العشر الأخيرة. إلا أن التوجه العام في الدولة مهتم اهتماماً كبيراً بنشر ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع الأردني، ولكن هذا الأمر بحاجة إلى بعض الوقت لكي يصل إلى مستوى تصبح فيه معرفة تلك الحقوق سلوكاً يوميًّا لدى الجميع مسؤولين وأفراد.
ومن المعروف أن أقطاب المعادلة في تعليم حقوق الإنسان ثلاثة:
الأول: الدولة التي -حسب ما هو موجود من تشريعات دستورية وارتباطات دولية- تؤيد تدريس حقوق الإنسان.
الثاني: الفرد في المجتمع الذي من مصلحته الفعلية أن تعم ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع الذي يعيش فيه.
الثالث: الوسيط الذي يقوم بتدريس حقوق الإنسان، وغالباً ما تكون منظمات المجتمع المدني التي يقع على عاتقها نشر ثقافة حقوق الإنسان.
ويلاحظ أن أحد الأسباب في ضعف ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع الأردني، يعود إلى كون تلك الثقافة تعتبر وافداً جديداً على المجتمع الأردني. وإلى كون بعض القائمين على تنفيذ تدريس حقوق الإنسان تنقصهم ثقافة حقوق الإنسان، لأنهم دخلوا في هذا المجال لاعتبارات شخصية بعيدة عن الإيمان الحقيقي بقدسية حقوق الإنسان، أو لأنهم اعتبروا عملهم بمثابة وظيفة أكثر من قناعات خاصة بحقوق الإنسان. ولهذا على الدولة أن تتأكد من أن العاملين في منظمات حقوق الإنسان، لديهم القدرات والكفاءة اللازمة في إيصال المعلومات المتعلقة بحقوق الإنسان للمواطنين بشكل طبيعي، حتى لا تسيء تلك المنظمات لحقوق الإنسان في حال ارتباطها بمنظمات أو جهات أجنبية.
وهناك أسباب مادية وتقنية تجعل من الصعب على الدولة ومنظمات المجتمع المدني، القيام بعملها في نشر ثقافة حقوق الإنسان، وذلك لافتقارهم إلى الإمكانات المادية والتقنية التي يحتاجونها في عملهم. مما يتطلب تدخل جهات دولية داعمة لمشاريع تدريس حقوق الإنسان، وهذا قد يؤدي إلى فقدان مصداقية منظمات المجتمع المدني، العاملة في مجال حقوق الإنسان أمام الرأي العام الأردني التي تريد تلك المنظمات أن تنشر ثقافة القانون والحريات لديه.
ولا بد أن يكون تدريس حقوق الإنسان في الأردن والدول العربية الأخرى، من ضمن مشروع عربي نهضوي شامل، لنشر ثقافة حقوق الإنسان في المجتمعات العربية قاطبة، مع مراعاة خصوصية بعض المجتمعات العربية فيما يتعلق بالقيم والعادات قدر الإمكان. وأن يعتمد في تدريس حقوق الإنسان على المواثيق والمعايير الدولية الرئيسية بهذا الخصوص، وليس لفهم الدولة لها، حتى لا تفقد قيمتها وتأثيرها في المجتمعات العربية. وكذلك تعزيز المواءمة بين القوانين الدولية، والقوانين المحلية والممارسات التي تقوم بها مؤسسات الدولة الأخرى.
وفي الجلسة الثانية جاءت ورقة الدكتور عبد الكريم العلاقي من كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية - تونس حول قراءة في تدريس حقوق الإنسان في الجامعة التونسية، والذي رسم فيها خارطة مفصلة حول تدريس حقوق الإنسان الذي أصبح جزءاً لا يتجزّأ من الحق في التربية والتعليم وليس من باب الترف الفكري والاستعمال السياسي والأيديولوجي، فهو يندمج ضمن الأهداف التربوية التي نصّت عليها المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 13 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمادة 29 لحقوق الطفل والمادة 7 للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
وكلّ هذه النصوص وغيرها تهدف إلى تنمية الذات البشرية وتدعيم حقوق الإنسان والحريات، وأصبحت مادة حقوق الإنسان تدرس في كليات الحقوق ثمّ تعممت لتصبح مادة إجبارية في المرحلة الأولى من التعليم العالي في كلّ الاختصاصات في الجامعة التونسية، وهي مادة تسعى إلى تمكين الطلبة من ثقافة جديدة وتكوين هام يتجاوز نقل المعارف ليشمل أبعاد قيمية ونفسية ووجدانية.
لكنّ تدريس حقوق الإنسان يطرح عدّة قضايا معقّدة وإشكاليات حول طبيعة المادة علمية أم أيديولوجية؟ حول الحق؟ حول الإنسان؟ حول المرجعية الفلسفية النسبية المتغيرة بتغيير الزمان والمكان أم مرجعية ثانية أفرزتها السيرورة التاريخية وكرستها القوانين الوضعية - وكيف تفاعل الطلبة مع هذه القيم التسامحية والحقوقية والإنسانية؟
وفي الجلسة الثالثة جاء بحث الدكتور صلاح الدين محمد محمد حداش من جامعة الملكة أروى - اليمن لتوثيق التجربة اليمنية في تعليم حقوق الإنسان في الجامعات اليمنية الحكومية والأهلية، واستعرض في ورقته مجموعة من المقررات الجامعية في تعليم حقوق الإنسان وبدأها بمقرر جامعة الملكة أروى (أهلية) التي عُني بتعريف حقوق الإنسان وتقسيماتها، وفي أهمية دراسة حقوق الإنسان، استعراض تاريخي لحقوق الإنسان في الحضارات القديمة والديانات السماوية، النظريات الفلسفية والتيارات الفكرية لحقوق الإنسان، ومصادر حقوق الإنسان في العصر الحديث، المصادر القانونية الدولية لحقوق الإنسان (الشرعة الدولية)، رصد لعدد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تعنى بحقوق فئة أو شريحة من الناس، آليات وأجهزة المراقبة ومعايير التطبيق لحقوق الإنسان الخاصة بالأمم المتحدة، المنظمات الدولية غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، حقوق الإنسان في الجمهورية اليمنية، وتشمل جانبين: الأول جانب نظري: موقف اليمن من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وحقوق الإنسان في الدستور اليمني والإطار المؤسسي الرسمي والتعليمي لحقوق الإنسان؛ أما الجانب العملي فهو: تقارير دولية (حكومية وغير حكومية) وتقارير داخلية أهلية حول حقوق الإنسان في اليمن.
أما مفردات مقرر حقوق الإنسان في جامعة صنعاء وإب والحديدة (حكومية) فركز على نظام الحكم في اليمن: الحقوق والحريات (مفهومها وأنواعها): حقوق الإنسان وحرياته في الفكر الغربي والشريعة الإسلامية والحقوق والحريات التي ضمنها دستور الجمهورية اليمنية، عرض للمؤسسات الحكومية الرسمية الخاصة بحقوق الإنسان، رصد لبعض المؤتمرات الإقليمية الخاصة بالديموقراطية وحقوق الإنسان التي عقدت في اليمن.
وفي جامعة تعز (الحكومية) فكانت العناية بالقانون الدولي الإنساني في مقارنته بالشريعة، وتطوره التاريخي، والأسس التي يقوم عليها، والاتفاقيات الدولية المندرجة تحته والخاصة بقوانين الحرب، وحماية ضحايا النزاعات المسلحة، ومسؤولية الدولة والأفراد عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني.
[1] لمزيد من المعلومات تراجع الدراسة التي وضعها عمارة بن رمضان وموضوعها التربية على حقوق الإنسان والديموقراطية في الوطن العربي: الواقع والآفاق على مستوى التعليم الأساسي والتعليم الثانوي، محاولة تقييمية، في التربية على حقوق الإنسان والديموقراطية في الوطن العربي، منشورات المعهد العربي لحقوق الإنسان، تونس، 1994، ص 62-82.
[2] أنطوان مسره، مناهج التربية الوطنية والتنشئة المدنية، فلسفة تجدد وبداية مسار، نشر في بناء المواطنية في لبنان، منشورات الجامعة اللبنانية الأمريكية، بيروت، 1999، ص 240.
[3] تعميم رقم 33/م/97 تاريخ 1/8/1997.
[4] عدنان الأمين، التربية المواطنية في لبنان، نشر في قضايا المواطنة في لبنان، المركز اللبناني للدراسات، بيروت، 2004، ص 82.
[5] نجلاء حماده، مناهج التعليم والمواطنة، قضايا المواطنة في لبنان، المرجع السابق، ص 116.
[6] عبدو قاعي وسوزان عازار، مؤسسة ريتش-ماس، منشور في تنمية المجتمع المدني في لبنان، المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، بيروت، 2000، ص 225.
[7] إسماعيل صبري عبدالله، الديموقراطية داخل الأحزاب الوطنية وفيما بينها، نشر في أزمة الديموقراطية في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1984، ص 475.
[8] حليم بركات، «مستقبل الاندماج الاجتماعي والسياسي»، المستقبل العربي، العدد 16، حزيران 1980، بيروت.
[9] شوكت اشتتي، حقوق الإنسان في البنيات الحزبية اللبنانية، نشر في الأحزاب والقوى السياسية في لبنان تجدد والتزام، المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، بيروت، 1998، ص 93 و95.