شعار الموقع

المسألة التربوية في الوطن العربي وتحديات عصر العولمة

مصطفى محسن 2008-09-16
عدد القراءات « 1016 »

مصاعب الحاضر ومطالب المستقبل

د. مصطفى محسن*

* أستاذ باحث في سوسيولوجيا التربية والشغل والتنمية البشرية/ مركز التوجيه والتخطيط التربوي.

تمهيد: التربية ومتغيرات مناخ العصر:
في الحاجة إلى التشخيص والفهم والاستشراف

لم يسبق للنظام التربوي أن واجه، على المستوى الكوني، مصاعب وتحديات أعمق وأخطر مما أصبح يواجهه حاليًّا في زمن العولمة الموسوم بالكثير من التحولات والمستجدات المعرفية والتقنية والقيمية والسوسيوحضارية المختلفة الأبعاد والدلالات والمستتبعات.

في ظل هذا النظام العالمي الجديد المعولَم، غدا لِزاماً، وأكثر من أي وقت مضى، البحث عن وسائل منهجية لمقاربات تشخيصية لمشهدية الوضع التربوي الراهن، محليًّا وكونيًّا، خطوةً أُولى ضرورية للتوصيف والتعرية والفهم. ثم البحث، ثانياً، عن تحديد واضح الرؤى للأُطر المرجعية والنماذج الإرشادية: Paradigmes الموجهة لمنطلقات الإصلاح والتجاوز. وثالثاً، وضع الخطط والاستراتيجيات والبرامج والسيناريوهات المتعلقة بما ينبغي أن يكون عليه «تعليم المستقبل» أو «مدرسة المستقبل»، مما هو قابل للتنفيذ والتطبيق و«الإخراج» في إطار نموذج تربوي جديد. ثم رابعاً، تعيين الأدوات ووسائل العمل والأجهزة والفاعلين والعمليات... أي كل ما هو كفيل بمسائل التدبير العملي لمسلسلات التجديد والإصلاح، ووضع مشاريعها وبرامجها موضع الإنجاز المتعين على أرضية الواقع الفعلي[1].

وإذا كانت هذه العلميات الآنفة، من تشخيص وتصور وتخطيط وتدبير، قضايا يختلف الاهتمام بها والتعامل معها من سياق مجتمعي إلى آخر، وإذا كانت قد عقدت من أجل تدارسها لقاءات وندوات ومؤتمرات... ووضعت، من أجل التحكم فيها، محاولات هامة من البرامج والمشاريع ومواثيق الإصلاح، عالميًّا وقوميًّا ووطنيًّا، فإننا نريد أن نؤكد أننا لا نستهدف هنا -نظراً لمحدودية المقام- إنجاز مقاربة تحليلية ونقدية مفصلة لكل أبعاد ومكونات العمليات الآنفة، وإنما نريد، فقط، تسجيل بعض الملاحظات النقدية التي يمكن أن تُشكِّل مقدمات منهجية لبعض جوانب هذه المقاربة، والتي قد تتعدد إشكالاتها وأطرها التخصصية ومداخلها النظرية والتطبيقية[2].

إن أهم ما نراهن عليه هنا بالذات هو أن نستحضر في هذه الملاحظات «مناخ العصر» وآثار عولمته الزاحفة على تبدلاته وأحواله. وخاصة ما يرتبط منها بمجالات التربية والتعليم والتكوين وإعداد البشر: مشكلات وتحديات وأساليب مواجهة وإصلاح وتجديد...[3] وما لهذا الزخم الكوني كله من ارتباط وثيق أيضاً بتطور أنساق القيم والمعرفة والاقتصاد والاجتماع والثقافة في سياق عولمة سريعة الوتائر والذيوع والتغلغل في مفاصل الحياة الفردية والجماعية محليًّا وكونيًّا[4].

أولاً: راهن المشهد التربوي في الوطن العربي:
نحو مقاربة سوسيو تاريخية بنائية لمفهوم الأزمة القائمة

تجمع نتائج وخلاصات العديد من البحوث والدراسات والمؤتمرات على أن الوضع البشري يجتاز في زمن العولمة، وعلى المستوى الكوني العام، منعطفاً تحوُّليًّا حاسماً في جميع المجالات، ومن بين أهمها حقل التربية والتعليم، الذي تأزم على أكثر من صعيد. غير أنه إذا كان هناك إجماع شبه عام على كونية هذه الأزمة وشموليتها، فإن التشخيص العلمي الدقيق لعواملها وأبعادها ومكوناتها وامتداداتها وتمظهراتها... مسألة تتطلب، في إطار التحوط المنهجي، أن تؤخذ في الاعتبار مجموعة من الحيثيات، أهمها:

1- إن تشخيص أزمة نظام التربية والتعليم والتكوين في كل مكوناتها السالفة الذكر، يجب أن يقوم، ضرورة، على ربطها بالسياقات والشروط الاجتماعية المتمايزة التي كان لها دور ما في إفرازها، إنتاجها وإعادة إنتاج شروط إنتاجها في أوضاع محددة في الزمان والمكان. وذلك هو واقع النظم التربوية في الوطن العربي، رغم ما بينها من قواسم مشتركة.

2- تحديد الأهمية النسبية لدور ومكانة كل من هذه الشروط والعوامل: سياسية، اقتصادية، ثقافية، اجتماعية... إلخ، والتمييز فيها بين الأسباب والنتائج، والسوابق واللواحق.

3- يجب ألَّا يمنع هذا التحديد بلورة منظور شمولي للأزمة التربوية يتجاوز المقاربة الاختزالية التبسيطية لها، التي تفسرها بأحد جوانبها أو أبعادها، والنظر إليه كما لو كان محدداً ومفسراً لكل مكوناتها المتشابكة التعقيد والتركيب...

4- تقتضي هذه الحيثيات كلها اعتبار هذه الأزمة ظاهرة بنيوية مركبة، وأنها، على مستوى خلفيتها السوسيولوجية، جزء من أوضاع اجتماعية شمولية، أي من كلٍّ مجتمعي هيكلي مأزوم، سواء على المستوى القطري أو على المستوى القومي العربي العام.

5- وبناء على ذلك فإن الأزمات التربوية تختلف، من حيث عوامل إنتاجها ومن حيث حدتها وعمقها ومظاهرها وامتداداتها...، من وضع مجتمعي إلى آخر. وذلك بما يتسم به كل وضع من خصوصيات، ومن شروط ترتبط بمستوى تقدمه الاقتصادي والاجتماعي الخاص، وبطبيعة اشتغال بنياته ومؤسساته وأجهزته السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية والاجتماعية المتعددة. ولنستحضر هنا راهن «المسألة التربوية» في مجتمعاتنا العربية بما لها من دلالات وجوانب وأبعاد...

6- إن أزمة النظم التربوية، سواء في المجتمعات المتقدمة أو في مجتمعات العالم الثالث، كما هو وضع الوطن العربي، ليست ناجمة فقط عن عوامل أو مفعولات محض عولمية رغم خطورة وثقل التحديات والإكراهات التي أصبحت تطرحها التحولات الراهنة للعولمة على نظم وسياسات التربية والتعليم والتكوين في كافة المجتمعات، وإنما هي منتوج لتفاعل العديد من الشروط والعوامل البالغة التشابك والتعقيد[5].

وباعتماد تحليل سوسيو بنائي وتاريخي، لهذه الأزمة المعنية هنا، يمكن القول: إنها منتوج مجموعتين متناظمتين ومتداخلتين من العوامل والأسباب: عوامل ذاتية خاصة ترتبط بخصوصية الفضاء المجتمعي المحدد في الزمان والمكان، وبالكيفية المحددة لآليات اشتغال بنياته وهياكله الذاتية: الدولة، نسق الاقتصاد، المنظومات القيمية، ونماذج السلوك... وما يرتبط بكل ذلك من تراتبات فئوية أو طبقية، ونخب سائدة، ومصالح ورهانات، وسلط متنفذة... إلخ. وهي خصوصيات تشرط تفاعل كل مجتمع مع مشكلاته وأزماته، بل ومع مختلف أساليب فهمها والتعامل معها والعمل على تخطيها وتجاوزها... مما يختلف من مجتمع إلى آخر. ثم هناك عوامل سوسيوتاريخية موضوعية تعود، بالأساس، إلى طبيعة علاقات مجتمع ما بأوضاع وشروط تاريخية معينة تحددها ارتباطاتها مع معطيات الظرفية، وكذا علاقات المجتمع ذاته مع غيره من المجتمعا ت في سياق حضاري محلي، أو إقليمي، أو كوني عام. إنها، إذن، عوامل موضوعية لا ترجع إلى الشروط الذاتية الخاصة بالمجتمع المعني، بل إلى حيثيات «خارجية» تحيـل إلى «المجال الحيوي» التاريخي الذي ارتبط به تفاعل وتطور المجتمع ذاك[6].

وفي هذا الإطار، بالذات، يمكن أن نذكر بما كان للاستعمار بوصفه ظاهرة كونية متميزة، وبأشكاله القديمة والجديدة، والكلاسيكية والمتطورة، من آثار -سلبية في مجملها- على نظمنا التربوية والاجتماعية بشكل عام. وفي الإطار ذاته أيضاً يمكن استحضار ظاهرة العولمة بوصفها واقعة كونية جديدة معممة وشاملة، بما أصبح لها من آثار على المنتظم الكوني بكل سياقاته الاجتماعية المختلفة، وبما غدت تثيره من ردات فعل ومن تصورات ومواقف ومخاوف... ومن أنماط متباينة في فهمها واستيعاب متغيراتها ومحمولاتها ومضامينها الفكرية والقيمية والاجتماعية والحضارية... وأيضاً في أشكال التعامل معها رفضاً أو قبولاً أو لا مبالاة أو دعوة إلى الانخراط في كوكبة الأنصار المبشرين بخيراتها وفوائدها ووعودها الوردية الجميلة. وذلك استناداً إلى بعض المبررات أحياناً، ودون أي مبررات في كثير من حالات المناصرة والتبشير، أو حالات النقد أو النقض والتفنيد...

وإذا كنا قد عالجنا، في غير هذا المقام، أهم عوامل وأبعاد وتمظهرات هذه الأزمة التربوية في مجتمعاتنا الثالثية والعربية، وببعض التوسع المقبول، فإن ما يهمنا هنا هو رصد بعض آثار العولمة على نظم التربية والتعليم والتكوين في مجتمعاتنا، والتي، دون الإلمام بأهمها، لن يكتمل تشخيص واقعنا التربوي المأزوم، ولو ضمن مستوى الحدود الأولية لهذا التشخيص[7]. فما هي، إذاً، تأثيرات العولمة هذه على أنساق التربية خاصة، وعلى الثقافة والمجتمع بشكل عام؟ وما هي الأدوار والمهام الممكنة أو المفترضة، التي يجب أن تناط بالتربية ضمن متغيرات هذا الزمن العولمي الجديد؟

ثانياً: المسألة التربوية في الوطن العربي وتحديات عصرالعولمة:
التعليم في مواجهة آثار ومخاطر «ثقافة السوق» في النظام العالمي الجديد

ليس يسيراً، ولا من بين أهدافنا الآن، أن نلمَّ بكل مستتبعات وآثار العولمة ولو على الحقل التربوي فقط، فضلاً عن امتدادها إلى الحقل الاجتماعي برمته. وإنما نستهدف، بالأساس، ما هو أهم وأكثر حضوراً وفاعليةً منها. ولا سيما في علاقتها بتفاعلات النظم التربوية مع متغيرات النظام الكوني الجديد. هكذا يمكن القول، إذن، إن من بين أبرز آثار العولمة على هذه النظم ما يلي:

1- إذا كانت ليبرالية النصف الأول من القرن العشرين الفائت ذات بعد فكري ثقافي وفلسفي، أولاً، ثم سوسيواقتصادي، ثانياً، فإن الليبرالية الجديدة Néoliberalisme التي تعد الإطار المرجعي لظاهرة العولمة، والتي أفرزتها معطيات أواخر القرن المذكور، قد كانت ذات مضمون اقتصادي، بالأساس، ثم طورت وتائرها وامتداداتها منظومة فكرية وقيمية وسياسية... وسمت بكونها قد أصبحت تشكل ما يعرف بـ«ثقافة النظام الكوني الجديد».

لقد كان الانقلاب الكبير، الذي أحدثته العولمة في مجال الاقتصاد بالذات، متمثلاً في كونها قد عملت -تحت إكراهات مجموعة من إملاءات وشروط بعض المنظمات الدولية والمؤسسات المالية والشركات المتعددة الجنسية...- على نقل الاقتصادات الوطنية من مجال تبادلاتها المحلية أو الدولية، ولو كان ذلك في إطار علاقات تبعية غير متكافئة أحياناً، إلى نطاق عالمي أوسع، مفككة بذلك بُنى هذه الاقتصادات وآليات اشتغالها وتمحورها على نفسها أو تحركها في إطار محيط وطني أو إقليمي أو جهوي... وهكذا غدت العولمة، بذلك، موجة سوسيواقتصادية قائمة على تسريع حركية التبادلات الاقتصادية التجارية والمالية والخدماتية، وكذلك على التحرير المتزايد للأسواق والفضاءات... وعلى تكسير الحواجز والحدود والمساطر الجمركية والقانونية والبيروقراطية تسهيلاً لتناقل وتبادل وترويج حُرٍّ للأموال والبضائع والرساميل ومختلف المنتوجات المادية منها والخدماتية والثقافية والفنية وغيرها...[8]

2- عززت العولمة توجهها هذا بمنظومة مفاهيمية وُصفت بأنها جديدة، وأنها تشكل «نسق القيمة المحوري» في «الثقافة السياسية الجديدة» للنظام العالمي القائم، الذي ما يفتأ يواصل تبلوره وتطوره وتكوّن معالمه باستمرار. ومن أبرز هذه المفاهيم العولمية «المستحدثة» يمكن أن نذكر، على سبيل التمثيل لا الحصر، مفاهيم التنافسية، والشراكة، والخوصصة (أو الخصخصة أو التخصيص)، والتبادل الحر، والاندماج، والسوق الكونية... إلخ، وما يرتبط بذلك أيضاً من مفاهيم مثل: الحوار، والتواصل، والتعاون، واحترام الديموقراطية والاستحقاقية وحقوق الإنسان: (الأفراد والجماعات والأقليات والشعوب والأمم والمجتمعات...)... إلخ. وهي قيم ومفاهيم قد أمست، رغم مضمونها الظاهري الإيجابي، مثار جدل فكري وسياسي وحضاري عميق المدلولات والأبعاد، مما ليس هذا مقاماً مناسباً للتوسع في إعمال النظر فيه.

3- لعل مما هو مفيد أن نشير إليه في هذا السياق هو أن العدة أو الجهاز المفاهيمي السالف الذكر لا يؤشر دوماً على مضامين وقيم سلبية هي من أخطر شرور العولمة وموبقاتها ومآزقها الاقتصادية والخلقية والإنسانية... وإنما لهذه العدة أيضاً محمولات إيجابية. غير أن قدرة المجتمعات على الإفادة منها والاتكاء عليها في محاولات التموقع والتبادل وتحقيق مكتسبات أفضل ضمن صراعات وتفاعلات وأحلاف وقيم واشتراطات... هذه الكونية العولمية الجديدة مسألة تختلف من مجتمع إلى آخر، كما أسلفنا، وحسب امتلاكه لمقومات ومؤهلات «الاندماج» في نسق هذا المشهد الكوني الحديث التشكُّل، مما لا يزال غير متوافر في مجتمعاتنا العربية وفي الكثير من مجتمعات العالم الثالث على العموم[9].

وهكذا، فلو أردنا أن نركز على ما له ارتباط وثيق بموضوع هذه الورقة: «علاقة التربية بالعولمة» فإننا يجدر بنا أن نؤكد على مقومين أساسيين من مقومات هذه الكونية الجديدة لهما صلة وثيقة بتطور ومآل مستقبل التعليم والتربية والتكوين في هذا العالم المتغير، ولا سيما بالنسبة لمجتمعاتنا «النامية». أما المقوم أو العامل الأول فهو ما أصبح يصطلح عليه بـ«ثقافة السوق» في أبعادها الكونية الشمولية، وأما الثاني فهو «الثورة المعرفية والتقانية الجديدة»، التي أصبحت السمة المميزة للعصر، وغدت فيه أساس السلطة والقوة والثروة والمكانة الدولية في آن. وسنبرز، فيما يلي، بعض أهم آثار ومفاعيل هذين المعطيين على الأنساق التربوية والثقافية بشكل خاص[10]:

4- ففيما يتعلق بـ«ثقافة السوق»، التي يتصاعد طابعها الكوني باستمرار، فإن من بين أهم تأثيراتها في أنساق التربية والتعليم والتكوين في المجتمع المعاصر: مضامين وتبادلات وممارسات وتوجهات وآليات اشتغال... تجدر الإشارة إلى ما يلي:

أ- إذا كان من بين المهام والوظائف الأساسية للتربية والتكوين الاستثمار الرشيد للموارد البشرية وتنميتها، فإن الخلفية الاقتصادية لثقافة العولمة في بعدها السوقي لم تعد تنظر إلى الرأسمال البشري، موضوع العملية الاستثمارية للتربية، سوى في مضمونه الاقتصادي البحت وقيمته البضاعية والتبادلية. وذلك على حساب أبعاده ومقوماته الثقافية والروحية والحضارية... مما ساهم، في إطار هذا المناخ الفكري والاقتصادي، في تبلور منظور قائم على «تسليع المعرفة وتبضيع البشر»، واعتبار مدخلات ومخرجات عملية التعليم والتكوين مجرد «قوى بشرية» مؤهلة، في أحسن الظروف، تنحصر قيمتها في تلبيتها لقوانين العرض والطلب في أسواق الشغل والاستخدام والاندماج الاجتماعي العام.

ب- ضمن هذه الشروط يصبح المنظور المقاولاتي أكثر بروزاً وتصدُّراً وملحاحية وهيمنة، وتتحول المؤسسة التربوية، بكافة أشكالها ومستوياتها، إلى مجرد «مقاولة أو مصنع» لإنتاج وتوفير شروط إعادة إنتاج البضائع «البشرية» الصالحة للتسويق والاتجار وتلبية مطالب السوق، التي هي، بالأساس، مطالب الباطرونا ورجال المال والأعمال والشركات المساهمة وغيرها من قوى الاقتصاد والتجارة... مما قد لا يستجيب، بل قد يتناقض في أحيان كثيرة مع التوجهات الفكرية والسياسية للمجتمع/ الدولة ولأولوياتهما في تكوين «مواطنين» حاملين لقيم واتجاهات ومواقف معينة، متوفرين على أهم مقومات ومواصفات الاندماج الإيجابي في محيطهم السوسيواقتصادي والثقافي الخاص، فضلاً عن محيطهم الكوني العام[11].

ج- يتعزز هذا المنظور باستمرار بما أصبحت تدعو إليه «ثقافة السوق» هذه من ضرورة استيعاب حقل التعليم والتكوين لمفاهيم وآليات الخوصصة والتمهين وتنويع مسارات وتخصصات كل منهما (التعليم والتكوين). وذلك تلبية لما يعرفه المجتمع المعاصر من «طلب اجتماعي» متنامٍ ومتجدد لأنماط حديثة أو مستحدثة من التربية والتعليم والتكوين وإعداد الكفاءات البشرية اللازمة لمواكبة التغير الاجتماعي والاقتصادي والتقاني والثقافي العام. غير أنه إذا كان لهذا التوجه إيجابيات لا تنكر، وخاصة إذا تم اعتماده ضمن سياسة تربوية وتكوينية موجهة وهادفة ومتماسكة المشروع والأركان، فإنه قد ساهم، في العديد من مجتمعات العالم الثالث، في إفراز منظور اقتصادوي اختزالي لوظائف ومهام التربية والتكوين، وفي خلق فوضى تنظيمية أدت إلى تشتيت النظام التربوي وخلخلة وحدته وتماسكه. وربما كان هذا المآل الذي انتهت إليه التربية في عهد ثقافة العولمة من بين مبررات الخطابات المبشرة/ أو المنذرة بـ«نهاية التربية» أو «موت المدرسة الوطنية» أو «خاتمة المدرسة» بشكل عام، سيراً على ما دأب عليه «خطاب النهايات» الذي أمسى، بدءًا من فوكو ياما ومن معه أو بعده، موضة ثقافية ذائعة الانتشار والاستهلاك، فقيرة المضامين، ضعيفة المرجعية والسند النظري والمنهجي في الكثير من نماذج الأقوال والخطابات[12].

وفق هذا التصور التبسيطي، ستكف المؤسسة التربوية عن أن تظل مرتبطة بوظائفها وأدوارها التقليدية، بل و «رسالتها» التربوية والسوسيوثقافية والأخلاقية المتعلقة مثلاً بنشر المعرفة، وبث قيم «المواطنة» وتنشئة المواطن... إلخ. وستتحول، استجابة لإكراهات الظرفية وانسجاماً مع منطق وثقافة العصر، إلى ما يشبه المصنع/ المقاولة، تعلّم وتكوّن وتنظّم برامجها «الاستثمارية» وتعدّ «منتوجات» تحت الطلب، تماماً كما تنتج المؤسسة الصناعية أو الخدماتية منتوجات وخدمات قابلة للترويج والتسويق، وفق الدورة الاقتصادية المتنفذة في المجتمع المعني.

د- ومع تنامي مدّ هذه «الليبرالية الجديدة المتوحشة»، «أصبح شعار الكونية السوقية (هو) التأكيد على قيم السلع والربح، وفتح الشهية لاستهلاك السلع الأجنبية، «وتسليع» كثير من قيم الحياة، متجاوزاً بذلك قيم المعاني الدينية والخلقية والإنسانية. والمهم في جميع الأحوال هو السعي إلى تشكيل نمـط «الشخصية الكونية» منفصلة عن جذورها وهمومها ومصالحها الوطنية التي قد تتعارض مع خصائص ذلك النمط»[13].

وفي إطار تصدّر ثقافة السوق هذه، وتعاظم الرغبة في الاستهلاك والمتعة وتملك العديد من رموز نمط الحياة العصرية... تتحول قيم التنافسية الشريفة والعمل الجاد المنتج والنجاح المستحق إلى أنانية مغالية تتوخى المصلحة المباشرة والربح السريع وجني الفوائد والمتع بلا صبر ولا جهد ولا تدافع معقول ومقبول... وهكذا أصبح يطغى على العلاقات والتبادلات الاجتماعية ما يقترب من شرعة الغاب، وقانون «الحيتان الكبيرة» ومسلكيات «القطط السمان»...، وما يشبه ذلك من الكائنات والرموز والممارسات الغريبة والمنحرفة التي أنتجتها ثقافة السوق والانفتاح الاقتصادي والثقافي... وفي هذا السياق أمست ثقافة المؤسسة التربوية، بقيمها ونماذجها السلوكية والإنسانية والاجتماعية وأطرها المرجعية المختلفة، متراجعة، بل «متخلفة» أمام هذه القيم العولمية الجديدة، التي لا تكرّس في العمق سوى «ثقافة الرداءة» بما هي ترويج لمعايير وتصرفات ورموز وأنماط في العيش والتفكير والفعل...مظهرها حداثي تقدمي، وباطنها منحل المعنى، متهافت الأسس القيمية والثقافية والحضارية. مما تسقط معه، جملةً، مجموعة من قيم الخير والمحبة والتسامح والتعاون والنضال والتحمل واحترام الغير ونبذ الفردانية وتقديس الإيثار والمصلحة العامة، وطنية كانت أو قومية أو إنسانية... وعديد من القيم الأصيلة التي تدعو إليها ثقافة العولمة خطاباً، وتكرّس ما يناقضها على مستوى الممارسة والواقع العيني الناجز[14].

هـ- من المخاطر والمخاوف التي تثيرها ثقافة العولمة هذه كونها حاملة بالذات للقيم الغربية، والأمريكية تحديداً. مما يصعب معه امتلاكها -على مستوى الاقتناع المبدئي بها لا على مستوى التقليد والاستهلاك الموضوي والشعاري لها- لأية شرعية أو مصداقية كونية شاملة، وذلك حتى بالنسبة لبعض المجتمعات الغربية ذاتها، التي أصبحت احتجاجاتها على سياسات الأمركة والاستحواذ والالتفاف الأيديولوجي والتنميط الاجتماعي والتغريب الثقافي احتجاجات تتعاظم باستمرار، رافضة بذلك أية «قطبية كونية أُحادية» تسعى بكل الآليات والأساليب الماكرة إلى فرض نسقها القيمي ونماذجها الاستهلاكية وموضاتها السلوكية على كافة المجتمعات، محولة العالم بذلك التي ما يشبه «ضيعتها» الخاصة، ومتخذة من وكلائها ودهاقنتها ومبشريها من الدول والهيئات والأشخاص والمؤسسات دعائم وإمدادات ومرتكزات لتأبيد وعولمة مشروعها الكوني الهيمني الجديد[15].

والمؤسسة التربوية، بحكم طابعها الاجتماعي وتفاعلها العلائقي الدائم مع شروط ومقومات ومجالات المجتمع، لم تنجُ، بدورها، من هجمة هذه الأمركة على فضائها وممارساتها. وذلك إلى الحد الذي أمست فيه قيم «الكوكاكولا، والهمبورغر وأفلام الكوبوي... إلخ» مسيطرة على عقول وقلوب فاعليها، ولاسيما الأجيال الشابة منهم، أكثر من سيطرة ما كان يفترض أن تعمل المدرسة على نشره من معرفة ومن قيم دينية وأخلاقية ووطنية وقومية وإنسانية...، مدعمة بذلك بناء «مواطنة» متسمة بالمواصفات التي يحددها لها النظام السياسي والسوسيوثقافي القائم[16].

و- وبفعل توفر المجتمعات الغربية المتقدمة، وخاصة أمريكا، على الكثير من إمكانات ومقومات النفوذ التقني والاقتصادي والغلبة السياسية والثقافية وعلى آليات التمكن والسيطرة... فقد استطاعت، عبر وسائل الاتصال والمواصلات والتواصل والإعلام، أن تجعل ثقافتها السوقية المعولمة قادرة على اختراق الفضاءات والحدود والحواجز الجغرافية والكيانات السوسيوثقافية الحضارية مهددة بذلك هوياتها وخصوصياتها المتميزة. وهو واقع أصبح يتعرض للكثير من الانتقاد، بل النقض والتفنيد. وذلك على اعتبار أنه غزو فكري وأيديولوجي وقيمي مغرض وممنهج، يراد منه مسخ الشعوب والثقافات وتغريبها والزجّ بها في شرنقة تبعية معقدة، متعددة الأنواع والأنحاء، للقوى الغربية المتنفذة والمهيمنة على المستوى العالي، والتي تتولى أمريكا قيادة جوقتها المتغنية بالفتوحات الرائدة والكشوفات الواعدة لقيم العولمة وللثقافة السياسية الكونية للنظام العالمي الجديد. مما لم يجنِ منه ضعاف المجتمعات حتى الآن، وعلى مستوى الواقع لا خطاب التمنيات والآمال، سوى المزيد من التخلف، والذيلية، والهامشية الفكرية والحضارية، وتضارب وتناقض وغموض الأطر المرجعية والنماذج الإرشادية الموجهة. ويرتبط بهذا الواقع الكوني الراهن ما سبق أن أشرنا إليه من بروز خطابات، منذرة أو مبشرة، بـ«نهاية التربية» أو «نهاية المدرسة الوطنية»، وبداية تشكل «مدرسة جديدة للمستقبل» مندرجة في إطار «نظام تربوي جديد» منسجم مع متطلبات ومتغيرات واشتراطات العصر، مما لا يزال موضوع جدل وخلاف، كل يتصوره وفق فهمه الخاص للماضي والحاضر والمستقبل، ووفق إطاره المرجعي الفكري والقيمي، ومصالحه ورهاناته وتموضعه في نسق علاقات وتبادلات النظام الدولي القائم...[17].

ز- وقد أدت هذه الهيمنة القطبية الأُحادية، التي استفردت بها الولايات المتحدة الأمريكية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار معسكره الشرقي (الاشتراكي/ الشيوعي)، إلى المزيد من تأجج النزعات القومية مثيرة معها كثيراً مما كان مسكوتاً عنه في إطار الدول الوطنية، ولا سيما منها ذات الطابع الشمولي في الحكم وإدارة المجتمع. وذلك مثل مشكلات الأقليات والإثنيات ذات البعد اللغوي أو العقدي أو الثقافي أو العرقي... إلخ. وإذا كان الانتعاش الجديد لهذه النزعات القومية قد أثار، بالفعل، ما كانت تعيشه بعض القوميات والشعوب والأقليات والإثنيات... من أوضاع لا ديموقراطية تفتقد، في بعض نماذجها، إلى احترام أبسط حقوق الإنسان وإلى قيم العدالة والمساواة في المشاركة الاجتماعية والسياسية، والاستفادة من توزيع عادل للثروات والخيرات المادية والرمزية، وللمواقع والسلط والمهام والأدوار... إلخ، فإن هذا الانتعاش قد عبر، في بعض جوانبه أيضاً، عن استثمار سياسي وأيديولوجي لهذه النزعات في مجمل الصراعات المحلية والدولية باسم الدفاع عن الهوية العرقية أو الثقافية أو الدينية. مما كرّس قيم وممارسات «ثقافة الحرب» والتمترس الموقفي المتطرف، وطنيًّا وكونيًّا. الأمر الذي جعل بعض المفكرين المهتمين بهذه القضية يؤكدون مشروعية طرح ومعالجة السؤال المحوري الهام: هل «القومية مرض العصر أم خلاصه؟». والواقع أن هذه المسألة تحتاج بمفردها إلى دراسات معمقة. وهي تُشكِّل، بالنسبة لنا بالفعل، أحد المحاور التي نشتغل عليها حاليًّا، والمرتبطة، أساساً، بقضايا الديموقراطية، والمجتمع المدني، والتنمية، والحداثة، والعولمة[18].

5- أما فيما يتعلق بآثار «الثورة التكنولوجية والمعرفية والمعلوماتية» الجديدة المعولمة على التربية خاصة، والمجتمع بشكل عام، فإننا يمكن أن نجمل هذه الآثار فيما يلي:

أ- إن هذه الثورة قد عملت على تحويل السلطة من الاعتماد على القوة الاقتصادية والمالية والعسكرية... إلى مجال المعرفة ومنتجاتها التقانية، ولاسيما المبتكرات المرتبطة بميدان الإعلام والاتصال والتواصل كالمعلوماتية من إنترنت وأنظمة رقمية... إلخ. فأصبح من يمتلك هذه المعرفة قادراً على التحكم، بالنتيجة، في امتلاك الثروة الاقتصادية، بل ومختلف القيم والخيرات المادية والرمزية. ويتجلى أثر هذا التحول الكبير على التربية في كونه قد طرح على المؤسسة التربوية، في مختلف مستوياتها، تحديات كبيرة تتعلق بضرورة تطوير وتجديد ذاتها، مضامين وعلاقات وممارسات وتبادلات مع المحيط المحلي والعالمي. وذلك حتى تتمكن من أن تكون، بالفعل، «مدرسة للمستقبل» منسجمة مع تطوره المعرفي والتكنولوجي، مستجيبة لمطالبه وحاجاته ورهاناته المتجددة باستمرار.

ب- خلقت هذه الثورة أيضاً «فجوة معرفية وتقانية» بين من يملك هذه المعرفة ومؤهلات إنمائها وتطويرها واستثمارها والإفادة منها وبين من لا يملك ذلك، وخاصة بين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات «النامية أو المتخلفة»، كما هي حال مجتمعاتنا العربية. وحتى نبرز بعض جوانب هذه الفجوة، نقدم لاحقاً بعض المعطيات الرقمية المستخرجة من «تقرير التنمية البشرية» الذي أعده «برنامج الأمم المتحدة للتنمية PNUD» برسم سنة 1999، وذلك بهدف الاستئناس بها ليس إلا:

- تنفق عشر دول غنية على البحث العلمي حوالي 84% من الإنفاق العالمي في هذا المجال، وتستحوذ أمريكا بمفردها على حوالي 92% من الاختراعات العلمية.

- 20% من الدول الغنية توفر لسكانها حوالي 3.93% من خدمات الإنترنت، في حين لا تستطيع أن توفر الدول الفقيرة لسكانها سوى حوالي 6.7% من الخدمات نفسها.

بما أن حوالي 80% من مواقع الإنترنب باللغة الإنجليزية، فلا يستفيد منها إلا حوالي 10% من سكان العالم ممن يتقنون هذه اللغة، علماً بأن حوالي 30% من مستخدمي الإنترنت هم ذوو مستوى جامعي[19].

وبما أن مستوى التعليم والتكوين لدى ساكنة كل مجتمع هو الذي يشرط، أساساً، مستوى استفادتها من هذه الثروة المعرفية ومن لواحقها وعوائدها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن الفوارق تبدو، في هذا المضمار، صارخة ومعبرة، وخاصة بالنسبة لمجتمعات الوطن العربي. والمؤشرات الكمية المقارنة التي سنعرضها لاحقاً تقدم بعض جوانب «مشهد التدهور» التربوي في مجتمعاتنا تحديداً:

* فبالنسبة لمعدل الأمية، في المجموعات الإقليمية الدولية الأساسية، نلاحظ أنه:

- في الدول العربية: 6.53% للإناث، و4.41 % لمجموع السكان.

- في كل الدول النامية: 1.39% للإناث، 3.38% لمجموع السكان.

- في أمريكا اللاتينية: 8.13% للإناث، و8.12% لمجموع السكان.

- في الدول الصناعية 4.1 % للإناث 3.1% لمجموع السكان.

- في العالم أجمع: 9.28 % للإناث، و22% لمجموع السكان.

* وأما بالنسبة لمعدل القيد (التسجيل) في مراحل التعليم الثلاث، فهو:

- في الدول العربية: 54% للإناث، و 59% لمجموع السكان.

- في كل الدول النامية: 55% للإناث، و59% لمجموع السكان.

- في أمريكا اللاتينية: 77% للإناث، و72% لمجموع السكان.

- في الدول الصناعية: 93% للإناث، و92% لمجموع السكان.

- في العالم أجمع: 60% للإناث، و63% لمجموع السكان.

* وأما بالنسبة للإنفاق على التعليم، فيحتل، ضمن الناتج القومي الإجمالي، النسب التالية:

- في الدول العربية: 9.5 % (1985).

- في كل الدول النامية: 6.3%

- في أمريكا اللاتينية: 5.4%

- في الدول الصناعية: 1.5%

- في العالم أجمع: 8.4% (1985)[20].

وإذا كانت لغة الأرقام -كما يقال- نسبية في صدقها وتعبيرها عن الواقع الفعلي دائماً، فإنها، في بعض الحالات، تكون، رغم نسبيتها هذه، مفيدة ودالة، كما هي حال المعطيات الرقمية الآنفة. ولعل من أهم ما يمكن استخلاصه مما سبق هو أن مجتمعاتنا ما تزال بعيدة كل البعد -بحكم أوضاعها التربوية المتدهورة- عن امتلاك الاقتدار الذي يمكنها من المشاركة الإيجابية الفاعلة في مواكبة تطورات ومتغيرات «الثورة المعرفية» التي يشهدها العالم الآن في عصر العولمة، التي تتصاعد إيقاعات ووتائر تناميها وتجددها باستمرار.

ج- ساهمت هذه الثورة كذلك في تعميق «فجوة اقتصادية واجتماعية»، أفقيًّا، بين الدول والمجتمعات عالميًّا، وعموديًّا، أي بين الأفراد والجماعات والفئات... داخل المجتمع الواحد. وليس أكثر تعبيراً عن هذا الوضع اللامتكافئ، على المستوى العالمي، من كون 358 ملياديراً في العالم يستفردون بما يضاهي حوالي ثروة مليارين ونصف (2,5%) من ساكنة العالم، وتستحوذ 20% من دول العالم على حوالي 85% من الناتج الإجمالي العالمي، وعلى حوالي 84% من التجارة العالمية، وعلى حوالي 85% من الادخار العالمي[21]. ولا يقتصر دور هذه الثروة على توفير شروط الغلبة والسيادة الكونية للدول الغنية، بل تمكنها أيضاً من التطوير المتواصل لرصيدها العلمي والمعرفي والتكنولوجي... عبر دعمها المادي واللوجستيكي والمعنوي لبرامج النشر والبحث العلمي والعمل الثقافي. وهكذا تشير بعض الإحصائات المتعلقة بالنشر في المجتمع الأمريكي إلى أن أمريكا وحدها ينشر فيها حوالي 45.000 كتاب سنويًّا، و1500 جريدة يومية، و3700 مجلة متخصصة في حقول معرفية وفنية مختلفة، و250 مجلة خاصة بالمهندسين[22]. وعبر تكامل وترافد كل من الثروة المعرفية والثروة المادية يتوافر للدول الغنية كثير من شروط وإمكانات السلطة والتمكن والتحكم والهيمنة على مستوى المنتظم الكوني، فارضة بذلك قيمها وثقافتها، بل ومواقفها ومصالحها على الدول الضعيفة، ولا سيما بعد أن تعاظم انحسار دور ومكانة «الدولة الوطنية» في هذا الوضع الكوني المعولم. وذلك نظراً لما قامت به «ثقافة السوق» من اختراقات متنوعة الأشكال للعديد من الحدود والحواجز والفضاءات الجغرافية والسياسية والثقافية، مقلصة بذلك من سيادة هذه الدولة، ومن مستوى سيطرتها على شؤونها الداخلية، وتحكمها أيضاً في ضبط وتوجيه علاقتها وتبادلاتها المتعددة مع محيطها الإقليمي والجهوي والعالمي. وتلك مسألة أخرى ليست موضوع اهتمامنا في هذا العرض بالذات[23].

د- ونظراً لكل المعطيات الآنفة، فقد كان للثورة المعرفية أعظم الآثار في التربية بشكل خاص. ففي الوقت الذي أصبح مطلوباً فيه من نظم ومؤسسات وسياسات التربية والتعليم والتكوين أن تعمل على مراجعة شاملة لشروط اشتغالها، وعلى تجديد وتطوير ذاتها، كما أسلفنا، نجد أنها قد أمست -تحت وطأة هذه الثورة المعرفية، وما نجم عنها من حوسبة وعولمة لثقافة الصورة وللقيم والموضات الفكرية والاجتماعية الجديدة...- متخلفة على أكثر من صعيد، وذلك قياساً إلى ما كان لها من قيمة ومكانة ونفوذ فيما سبق، وخاصة بالنسبة لمجتمعاتنا الثالثية.

ولذا فقد أصبح العديد من المجتمعات، حتى المتقدمة منها، يدعو إلى إصلاح شامل لنظم التربية والتكوين، ونهج سياسات جديدة ومتجددة لتأسيس «مدرسة المستقبل» وإقامة «نظام تربوي جديد»: بنيات ومضامين وقيماً وآليات اشتغال وتدبير... نظام لا يلغي المدرسة (بمفهومها العام)، كلية، وإنما يعمل على إصلاحها وتحديث شروط الممارسة التربوية وتدبير عمليات التعليم والتكوين بها... وذلك وفق ما ينسجم مع متغيرات ومستجدات ورهانات العصر، من معايير وآليات وتوجهات فكرية وسياسية... مما ينتظر منه أن يساهم في جعل «مدرسة المستقبل» ممتلكة لمؤهلات الاقتدار على المواكبة التربوية والحضارية. ولعل من أهم مستلزمات إصلاح وتحديث نظمنا التربوية العربية، في هذا الشرط الكوني الراهن الموسوم بإكراهات العولمة وتحدياتها الآنفة الذكر، هو ما سنعمل على إبراز بعض معالمه الأساسية في المحور اللاحق من هذه المداخلة[24].

ثالثاً: تعقيب عام: التربية والعولمة في الوطن العربي
ورهانات الإصلاح والتحديث: نحو منظور قومي تكاملي

إذا كنا قد حاولنا أن نقدم، فيما سبق، رؤية تحليلية ونقدية مركزة لآثار العولمة على حقل التربية والتكوين والثقافة بالأساس، فإننا لا نرمي هنا، بالمقابل، إلى تقديم وصفة جاهزة لإصلاح وتحديث نظمنا التربوية في الوطن العربي. وإنما أقصى ما نطمح إليه لا يتعدى مجرد التذكير ببعض الأسس والمقومات التي من الممكن أن نتخذ منها منطلقات للتفكير في بناء مشروع إصلاح تربوي متكامل في أبعاده الوطنية والقومية، منفتح على المستقبل، قادر على تخطي وتجاوز «مشهد التدهور التربوي» القائم في مجتمعنا إلى واقع تربوي جديد متجدد متفاعل مع متغيرات ومستجدات ومطالب العصر. ونجمل ذلك فيما يلي:

1- لعل من أوكد مستلزمات الإصلاح التربوي المنشود ضرورة توفر مجتمعاتنا العربية، قطريًّا وقوميًّا، على رؤية أو فلسفة تربوية واجتماعية وحضارية متضمنة لما يجب أن يقوم عليه المشروع المجتمعي والتربوي من أسس وغايات ومكونات... ولما ينبغي أن يتسم به «نمط الإنسان/ المواطن» الذي نريد بناءه عبر أنظمة التربية والتعليم والتكوين. ولا ريب في أن غياب أو، في أحسن الأحوال، غموض هذه الرؤية المفترض فيها وضوح المعالم والمقاصد والتصورات... يُعد من بين أخطر الأعطاب التي تعاني منها معالجتنا لـ«المسألة التربوية» في مجتمعاتنا، وبكل أبعادها وجوانبها الاقتصادية والفكرية والسياسية والاجتماعية المتعددة...[25]

2- الانطلاق من الرؤية الفلسفية الآنفة نحو بلورة «سياسة تربوية» مُتَّسمة بالعقلانية والواقعية والقابلية للإنجاز، بحيث تكون مستنداً نظريًّا وعمليًّا لتخطيط تربوي متكامل، تشاركي، ديموقراطي، هادف إلى بناء استراتيجية فعّالة للتجديد والإصلاح... وفي قلب هذه الاستراتيجية تقع المؤسسة التربوية بالذات: (المدرسة والجامعة... إلخ). وذلك لما أصبحت تتطلبه أوضاعها المأزومة الراهنة في مجتمعاتنا من إصلاح وتحديث لمناهجها الدراسية، وممارساتها البيداغوجية والتربوية، وعلاقاتها وتبادلاتها المادية والرمزية مع مكوناتها الخاصة ومع محيطها السوسيوثقافي والحضاري بشكل عام... وكذلك ترشيد وتجديد أساليب تخطيطها وتدبيرها لمواردها البشرية والمالية ولمجمل آليات وشروط اشتغالها... مما ينتظر منه إقدارها على امتلاك مؤهلات التجدد المستمر، والمواكبة الحضارية، والتفاعل الإيجابي مع معطيات وتحولات ومستجدات اللحظة الحضارية الراهنة... ويأخذ هذا المعطى قيمته ودلالته المعبرة من كون المؤسسة التربوية، في المجتمعات المتقدمة تحديداً، لم تعد فقط علامة على تقدم أو تخلف نظام تربوي عام، وإنما غدت أكثر من ذلك حاملة لمشروع تربوي واجتماعي أعم وأشمل، مشكلة «نواته الصلبة وبوصلته» الفكرية والمعرفية والقيمية والسوسيوحضارية الموجهة، ودعامة لبناء مؤصل لـ«مجتمع المعرفة» وطنيًّا وقوميًّا، وجسر عبور إلى الانخراط المستحق في هذا المجتمع المعرفي، في أبعاده الكونية الشمولية. الأمر الذي أصبحت تؤكده مجمل تقارير وتوجهات «التنمية البشرية» في الوطن العربي، بل إن تدهور مستوى هذه التنمية في بلداننا قد اتخذت منه بعض الجهات النافذة على المستوى الدولي، أمريكا وحلفائها، مسوغات لمطالبتنا بإصلاح نظمنا التربوية والاجتماعية، استهدافاً لتحقيق رسالة إنسانية وحضارية نبيلة بالأساس، ولكن خدمة لمصالحها ومشاريعها وتوجهاتها وغاياتها الاستراتيجية الخاصة بالذات، ما ظهر منها وما خفي[26].

3- غير أن إصلاح النظام التربوي، ولا سيما في مجتمعاتنا المتوعكة تنمويًّا وحضاريًّا، لا يمكنه أن يكون فعّالاً ومنتجاً ومحقِّقاً لما ينتظر منه من مرامٍ وأهداف إلا إذا تواشج وتكامل مع مشروع مخطط إصلاح اجتماعي أعم وأشمل، ناظم لكل مجالات وقطاعات المجتمع بكامله. ذلك أنه يستحيل، نظريًّا وواقعيًّا وتجريبيًّا، إقامة نظام تربوي جديد أو «مدرسة وطنية/ قومية جديدة» في ظل نظام مجتمعي متهالك مختل. إن الوعي العميق بما يجب أن تقوم عليه علاقات إصلاح التربية بإصلاح المجتمع من تواصل جدلي وديناميكي وتكامل واعتماد متبادل... يعتبر، في تقديرنا، ضرورة منهجية في التفكير والتخطيط والإنجاز...

4-  تُحيلنا الملاحظات السابقة إلى اعتبار أن أي إصلاح، تربويًّا كان أو سياسيًّا أو اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا شاملاً، لا يمكنه أن يكون ناجحاً وناجعاً وذا مصداقية عملية وتاريخية إلا إذا انطلق من حاجات وخصوصيات وأهداف المجتمع المعني بالدرجة الأولى. وهكذا فإن القطع المنهجي الواعي في هذا المجال مع مختلف سياسات ومشاريع وبرامج وعلاقات التبعية والتخارج والارتهان -رؤيةً وحاضراً ومصيراً- لقوى ومراكز ومؤسسات ومصادر القرار المتنفذة والمهيمنة على المستوى الدولي يعدُ مطلباً حاسماً لتحقيق إصلاح سوسيوتربوي متناغم في أهدافه الوطنية والقومية، مستجيب لرؤانا ومصالحنا وتوجهاتنا الفكرية والحضارية. ولكن دون شوفينية أو انغلاق أو تطرُّف، أو نبذ للآخر، أو رفض لكل قيم وعناصر الاختلاف والتنوع والتعدد... داخليًّا كان ذلك، أو على المستوى الكوني الإنساني العام.

إن ما يسمى حاليًّا بـ>مشروع الشرق الأوسط الكبير» سوف لن يكون، ضمن نسق علاقات موازين القوى الناجز الآن، سوى «وصفة إصلاحية فوقية وسطحية» خادمة لمصالح واضعيها لا لمجتمعاتنا المستهدفة منها. لا لأنها فقط آتية من مصادر أجنبية مختلفة عنا في القيم والمكونات والمقومات السوسيوسياسية والحضارية المتباينة... وإنما لأن ذلك المشروع الآنف لم يتأسس على مقاربة علمية موضوعية عميقة للمعطيات والخصوصيات الثقافية والبشرية والاقتصادية والاجتماعية للواقع المعني... بقدر ما يقوم على استثمار مغرض لبعض هذه المعطيات تحقيقاً لأغراض ونوايا القوى العالمية التي تعمل على ترويجه وتسويقه، ولمطامعها في التصدر والهيمنة والنفوذ ومصادرة مشاريع المنطقة وإمكاناتها ومقدراتها ومطامحها الخاصة في الديموقراطية والتنمية والتحديث والإصلاح...[27]

5- لذا فقد أمسى شرطنا الذاتي والموضوعي الراهن يتطلب، وأكثر من أي وقت مضى، تحديد منظور قومي متكامل لإصلاح وتحديث نظم التربية والتكوين في مجتمعاتنا العربية. والعمل على إخراج هذا المنظور من حيِّز الخطاب إلى مجال الفعل. على أن يتم الاستثمار العقلاني لما بين بلداننا من قواسم مشتركة وإمكانات وثروات مادية وبشرية، ومن إرادات سياسية وشعبية للعمل والإنتاج والبناء... وعلى أن يوضع لتفعيل ذلك كل ما هو ممكن ومتاح من آليات وإمكانات وشروط ووسائل تطبيق وتعاون وطني وقومي ودولي متناسق واضح الأهداف والرهانات، منفتح على كل منتجات الفكر والحضارة الإنسانيين.

إن عصرالعولمة الجديد، عصر الأحلاف والكتل والتجمعات الكبيرة العملاقة...، قد أصبح مناخه مُلزِماً ومحفزاً للعديد من الكيانات والبلدان لكي تتكتل وتتجمع في أحلاف أو محاور قادرة على أن تشكِّل مراكز قوى إقليمية أو جهوية فاعلة في مجالات التحاور، والتبادل الاقتصادي والتقاني والثقافي، والشراكة والتعاون، واتخاذ القرار على كافة الصُّعد والمستويات... ولا شك في أن مجتمعات الوطن العربي تمتلك من الممكنات والمؤهلات -عدا الإرادة السياسية الناضجة والواعية بمسؤولياتها ومهامها التاريخية الوطنية والقومية- ما يجعلها قادرة على تحقيق تكامل تربوي وثقافي واقتصادي... متناغم وشامل. وذلك في إطار احترام الخصوصيات والتوجهات القطرية، التي يمكن أن يتم التعامل معها على اعتبار أنها مصادر غنى وقوة ومناعة لهذا المشروع التكاملي، بدل أن تكون عناصر إضعاف وتشرذم وهذر للطاقات البشرية والمادية، كما هو الواقع العربي اليوم.

6- لذا، فإنه يبدو لنا أننا لن نجانب الصواب إذا اقترحنا تأسيس «مركز أو معهد قومي للبحوث والدراسات التربوية» توكل إليه، على هذا المستوى، مهام القيام بما يتطلبه إصلاح وتحديث نظمنا التربوية من معرفة علمية دقيقة بأوضاعنا ومشكلاتنا ومشاريعنا ونظمنا التربوية والاجتماعية، من دونها لا يمكن لأي إصلاح أن يتسم بالفاعلية والمصداقية والنجاعة... على أن تقوم هذه المؤسسة -خلافاً لما هو قائم الآن في بلداننا من مراكز بحث معطلة- على تصور استراتيجي جديد لتطوير وتنسيق وتنفيذ البحث العلمي التربوي، وأن تكون هذه المؤسسة أيضاً محوراً للتعاون والتبادل مع مختلف المراكز والمؤسسات البحثية والجامعية العربية والدولية، وعلى أن توفر لها الشروط والمناخات والإمكانات المادية والبشرية واللوجستيكية اللازمة للعمل والإنتاج... وذلك حتى يكون ما توفره هذه المؤسسة من معرفة ومن توصيات ومقترحات للتجديد والإصلاح دعامة محورية لبناء ذلك المنظور التربوي القومي المتكامل، الذي نوَّهنا به فيما سلف، وبقيمته الفكرية والحضارية الوازنة.

7- ولكل هذه الاعتبارات الآنفة، فإننا نعمل على تأسيس مشروعنا الفكري السوسيولوجي التربوي على ما ندعوه بـ«النقد المتعدد الأبعاد»: «Critique Multidimensionnelle». وهو، في مضمونه العام، نقد حِواري إبستمولوجي معرفي، واجتماعي، وحضاري عام. أما مجالات اشتغاله وتركيزه فتتمثل، أساساً، فيما يلي:

- نقد متعدِّد للذات/ النَّحن في كافة أبعادها ومقوماتها المعرفية وهويتها الحضارية، ماضياً وحاضراً وتوجهات مستقبلية...

- نقد مماثل للغير/ الآخر بغرض فهمه وإدراك إواليات وشروط اشتغال مكوناته المادية والرمزية بكل أبعادها وعناصرها ودلالاتها المعرفية والثقافية والاجتماعية المتعددة، وفي عناصر ائتلافها واختلافها مع الذات...

- نقد اللحظة الحضارية لتفاعل الذات والآخر. وذلك على اعتبار أنها شرط كوني محتضن لعلاقاتهما وتبادلاتهما ضمن شروط تاريخية محددة في الزمان والمكان، ديناميكية، جدلية، متحولة حسب خصوصية اللحظة الزمنية ومعطيات سياقها[28].

إن هذا المنظور -الذي لم نعمل هنا، لاعتبارات محض منهجية، سوى على التذكير بأهم أسسه ومنطلقاته- هو الكفيل، في تصورنا، بإكسابنا القدرة على بلورة وإنضاج وتملُّك تلك الفلسفة أو ذلك المنظور التربوي والاجتماعي والحضاري القومي الذي نطمح إليه، والذي نسعى إلى أن نبني انطلاقاً منه كل مشاريع الدمقرطة والإصلاح والتجديد... وخاصة بالنسبة للحقل التربوي، الذي يُشكِّل إصلاحه في مجتمعاتنا، وفي هذه الظرفية الراهنة من زمن العولمة الكاسحة، مدخلاً ضروريًّا لتكوين «الإنسان/ المواطن» واستدماجه، بوصفه رأس مال بشري مؤهَّل، في إعادة بناء الذات الوطنية والقومية، وفي مختلف مسارات التنمية والإصلاح والديموقراطية والحداثة... وتعلمنا دروس التاريخ المعاصر بالذات أن المجتمعات التي امتلكت المنظور الآنف، وجعلت من إصلاح نظامها التربوي المدخل الرئيس لمشروعها الإصلاحي الشامل هي المجتمعات التي استطاعت رفع التحديات وكسب رهان العصر، فتجاوزت، بفضل ذلك، ما لا تزال تعيشه بلداننا العربية من عوائق وعواقب التقليد والنقل واستيراد المفاهيم والنظريات والمناهج والنماذج التربوية والتقانية والاقتصادية الغربية بلا نقد مُعمَّق ولا تأصيل لها في الفكر والممارسة. فظلت، بحكم هذه الأوضاع المستلبة تراوح مكانها في متاهات التبعية والتخلف والتجريبية السياسية والاجتماعية الهجينة، والدوران التائه في الحلقات المفرغة.

 

 



[1] انظر، بشأن هذه المقاربات:

- المجلة العربية للتربية: نحو رؤية مستقبلية للتربية العربية في القرن الحادي والعشرين (دراسات مرجعية)،عدد خاص، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، المجلد السابع عشر، العدد الأول، يونيو 1997، ص ص: (5 - 248).

 

[2] وحول أعمال ومضامين ووثائق بعض هذه اللقاءات والمؤتمرات، عد إلى:

ـ المجلة العربية للتربية: المؤتمر الأول لوزراء التربية والتعليم والمعارف العرب حول موضوع: «مستقبل التربية في الوطن العربي»، المنعقد بتاريخ 5/ 12/ 1998 في طرابلس بالجماهيرية الليبية، (ملف خاص من إعداد جبرائيل بشارة)، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، المجلد الثامن عشر، العدد الثاني، ديسمبر 1998، ص ص: (8 - 40).

ـ المجلة العربية للتربية: مدرسة المستقبل: ملف خاص عن المؤتمر الثاني لوزراء التربية والتعليم والمعارف العرب، المنعقد بتاريخ: 29 - 30/ يوليو 2000، دمشق)، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، المجلد العشرون، العدد الثاني، ديسمبر2000، ص ص: (8 - 74).

[3] سمير أمين: مناخ العصر: رؤية نقدية، سينا للنشر، القاهرة/ الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1999.

 

[4] رونالد روبرتسون: العولمة: النظرية الاجتماعية والثقافة الكونية، ترجمة أحمد محمود ونورا أمين، المجلس الأعلى للثقافة،

المشروع القومي للترجمة، القاهرة، 1998.

cf.F.Sachwad: Les défis de la Mondialisation, Ed (IFRI - Masson), Paris , 1994.

 

[5] حول رؤيتنا النقدية لتشخيص أزمة النظام التربوي قطريا وقوميا وثالثيا، انظر:

- مصطفى محسن: الخطاب الإصلاحي التربوي بين أسئلة الأزمة وتحديات التحول الحضاري: رؤية سوسيولوجية نقدية، المركز الثقافي العربي، بيروت - الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1999، ص ص: (55 - 27).

 

[6] نفس المرجع السابق، ص ص: (62 - 63).

 

[7] نفس المرجع السابق، ص ص: ( 19 - 55). وانظر أيضاً:

- مصطفى محسن: أسئلة التحديث في الخطاب التربوي بالمغرب: الأصول والامتدادات، المركز الثقافي العربي، بيروت - الدار البيضاء، الطبعة الأولى، ص ص: (65 - 106).

 

[8] عُدْ، فيما يتعلق بالأبعاد والآثار الاقتصادية للعولمة، إلى:

- بول هيرست وجراهام طومبسون: مـا العولمة؟ الاقتصاد العالمي وإمكانات التحكم، ترجمة د. فالح عبد الجبار، سلسلة «عالم المعرفة»، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد 273، سبتمبر 2001.

- Hans Peter Martin et Harold Shumann: Le piège de la Mondialisation, Ed. Solin, Actes Sud, Paris, 1997.

 

[9] د. نبيل علي: الثقافة العربية وعصر المعلوماتية: رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي، سلسلة «عالم المعرفة»، المجلس

الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد 276، ديسبمر 2001، ص ص: (11 - 66).

- cf. Olivier Dolfus: La mondialisation, Ed. Presse des sciences Politique, Paris, 1997.

 

[10] مصطفى محسن: الخطاب الإصلاحي التربوي...، مرجع سابق الذكر، ص ص: (62 - 70).

 

[11] ارجع، بشأن تأثيرات ثقافة السوق، إلى:

ـ جون جراي: الفجر الكاذب: أوهام الرأسمالية العالمية، ترجمة أحمد فؤاد بلبع، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، مكتبة الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى، 2000، ص ص: (7 - 34).

ـ تركي الحمد: الثقافة العربية في عصر العولمة، دار الساقي، بيروت/ لندن، الطبعة الأولى، 1999، ص ص: (15 - 23).

ـ د. عبد العظيم أنيس: التعليم في زمن الانفتاح، دار المستقبل العربي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1998.

- cf. S. La touche: Les dangers du marché planétaire, Ed, Presses des Sciences Politiques, Paris, 1998.

 

[12] cf.F.Fukuyama: La fin de l'histoire et le dernier homme, Ed. Flammarion, Paris, 1992.

 

[13] د. عامد عمار: نحو تعليم المستقبل، مجلة «العربي»، الكويت، العدد 494، رمضان 1420هـ، يناير 2000م، ص 51.

 

[14] حول نقد ثقافة المجتمع الاستهلاكي الحديث، انظر:

- د. حازم الببلاوي: على أبواب عصر جديد، دار الشروق، بيروت - القاهرة، الطبعة الثانية، 1983.

- د. حامد عمار: المرجع السابق نفسه، ص ص: (50 - 55).

[15] cf. S.Latouche, op: cit

.

- cf. Alain Minc: La Mondialisation heureuse, Ed. Plon, Paris, 1997.

 

[16] انظر، فيما يتعلق بهذه التحولات القيمية والحضارية:

- د. أحمد أبو زيد: تحديات القرن الواحد والعشرين: البحث عن نسق جديد من القيم، مجلة «العربي»، العدد السابق الذكر نفسه، ص ص: (62 - 66).

- أسعد السحمراني: تسويق الاستهلاك وترويج الكاوبوي والهامبرجر، مجلة «المعرفة»، الرياض، العدد 46، محرم 1420هـ، أبريل/ مـايو 1999م، ص ص: (42 - 45).

- د. سالم يفوت: هويتنا الثقافية والعولمة: مجلة فكر ونقد (مغربية)، السنة الأولى، العدد 11، سبتمبر 1998، ص ص: (35 - 43).

[17] عُدْ، إِضافة إلى المراجع المذكورة في الهامش السابق، إلى:

- بدري يونس: مزالق العولمة، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الأولى، 1999.

- د. مصطفى النشار: ضد العولمة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 1999.

- محمد مقدادي: العولمة: رؤوس كثيرة وسيف واحد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2000.

- علي حرب: حديث النهايات: فتوحات العولمة ومزالق الهوية، المركز الثقافي العربي، بيروت - الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2000.

[18] مجموعة مؤلفين (إعداد: فالح عبد الجبار): القومية مرض العصر أم خلاصه؟ دار الساقي، بيروت - لندن، الطبعة الأولى، 1995.

 

[19] اقتباساً عن:

- د. حامد عمار: المرجع السابق الذكر نفسه، ص. 50.

وعن الفجوة المعرفية وآثارها، ارجع إلى:

- أفانيش بييرسود: الفجوة المعرفية، ترجمة صفاء روماني، مجلة «الثقافة العالمية»، الكويت، العدد 107، يوليو - أغسطس 2001، ص ص: (175 - 186).

[20] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: تقرير التنمية البشرية لعام 1999، (نيويورك، البرنامج، 1999). اقتباساً عن:

- د. حامد عمار: المرجع السابق الذكر نفسه، ص53.

 

[21] هانس - بيتر مارتين وهارالد شومان: فخ العولمة: الاعتداء على الديموقراطية والرفاهية، ترجمة د. عدنان عباس علي،

سلسلة «عالم المعرفة»، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد 238، أكتوبر 1998، ص11.

 

[22] د. نبيل علي: العقل العربي وسط إعصار المعلومات، مجلة «العربي»، العدد السابق الذكر نفسه، ص29.

 

[23] د. تركي الحمد: الدولة والسيادة في عصر العولمة، مجلة «العربي»، العدد السابق الذكر نفسه، ص ص: (56 - 61).

 

[24] د. حامد عمار: نحو تجديد تربوي ثقافي: مكتبة الدار العربية للكتاب، القاهرة، الطبعة الأولى، 1998.

- د. أحمد المهدي عبد الحليم: إعادة بناء التعليم: لماذا، وكيف؟ دار الشروق، القاهرة - بيروت، الطبعة الأولى، 1999، ص ص: (41 - 79).

 

[25] مصطفى محسن: الخطاب التربوي الإصلاحي... مرجع سابق الذكر.

 

[26] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الصندوق العري للإنماء الاقتصادي والاجتماعي: تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام

2003، نيويورك: البرنامج، 2003.

 

[27] لقد شكلت الغايات والنوايا العلنية والضمنية والأهداف الاستراتيجية لهذا «المشروع» في الوطن العربي خاصة محط

تساؤلات عميقة، وموضوع جدل فكري وسياسي، سواء في أوساط الجهات الرسمية أو المثقفين وفعاليات المجتمع المدني... وذلك لما يمكن أن يكون لهذا المشروع من مخاطر على أمن واستقرار ومستقبل المنطقة.

 

[28] مصطفى محسن: في المسألة التربوية: نحو منظور سوسيولوجي منفتح، المركز الثقافي العربي، بيروت - الدار البيضاء،

الطبعة الثانية، 2002.