شعار الموقع

العلوم الإنسانية في الثقافة العربية

حافيظ إسماعيلي علوي 2008-09-16
عدد القراءات « 2010 »

 

بحث في بعض الشروط السوسيومعرفية والتربوية لتجليات التلقي

د. حافيظ إسماعيلي علوي*

ما زالت العلوم الإنسانية في الثقافة العربية، رغم أهمية بعض تراكماتها الكمية وجدية بعض محاولاتها الفردية النوعية، سجينة عدد من المعوقات التي تزجّ بها في متاهات تتراوح بين مشاكل التأريخ وعوائق التأسيس، وصعوبات التطبيق. إنها ما تزال تشكو من فجوات متعددة الصور والتمظهرات بين الموضوع والمنهج، وبين النظرية والتطبيق، وبين الإنتاج والاستهلاك[1].

إن الكشف عن المعوقات التي تعترض سبيل هذه العلوم في الثقافة العربية، وتحول دون أخذها لموقعها الصحيح، لا يستقيم إلا بربط بنية هذه العلوم بالخصائص والمميزات التي طبعت مسارها، كما يقتضي الأمر ضرورة تأطير الظروف العامة التي حكمت تلقي هذه العلوم بالبنية العامة للفكر العربي، وبما يؤطر هذه البنية من شروط سوسيوثقافية وتربوية متعددة...

ملاحظات تمهيدية حول العلوم الإنسانية

قبل الحديث عن واقع العلوم الإنسانية في الثقافة العربية، يجدر بنا أولاً، الإشارة إلى بعض الملاحظات التي يقتضيها الموضوع، ومن ذلك ما يتعلق بالتداخل والخلط بين مصطلحي العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية؛ ذلك أن «العلوم الاجتماعية ظهرت بخصوصياتها المتميزة قبل ظهور مصطلح العلوم الإنسانية الذي جاء متأخراً. فقد كانت العلوم الإنسانية تشمل كلًّا من علم النفس وعلم الاجتماع، وكانت العلوم الاجتماعية تتميز عنها وتشمل علوم القانون والسياسة والاقتصاد، وهي من اختصاصات كليات الحقوق. ثم تعددت فروع العلوم الاجتماعية والإنسانية بنمو البحث فيها ونزوع الباحثين إلى التخصص في الموضوعات أو الظواهر الجزئية، فوقع ما كان لابد أن يقع، وهو الخلط بين العلوم الاجتماعية، وبين العلوم الإنسانية نظراً لما كان بين موضوعاتها من التداخل والاشتراك»[2].

ويرجع مصطلح العلوم الإنسانية إلى اللغة الفرنسية، التي ترجم إليها أحد كتب الفيلسوف الألماني ديلتي (W. Diltey) (1911) بعنوان: «المدخل إلى العلوم الإنسانية»، غير أن تأصيل هذا المصطلح لم يتم إلا في منتصف القرن العشرين، عندما صدر مرسوم جمهوري بفرنسا يسمي كليات الآداب بـ«كليات الآداب والعلوم الإنسانية»، وكان ذلك سنة 1958 [3].

وعلى الرغم من هذا التحديد المصطلحي، فإن العلوم المتصلة بالظواهر الإنسانية ظلت موسومة بالخلط والتداخل، مما صعّب تحديدها وتصنيفها إلى حد التعذر، وهذا ما قاد المفكر الفرنسي كلود ليفي ستراوس إلى اقتراح معايير للتمييز بين العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية، صاغها على النحو الآتي:

إذا كانت العلوم تُعنى بالظواهر التي تنشأ من الحياة الجماعية للإنسان كالاقتصاد، والقانون، والسياسة فهي علوم اجتماعية، لكن هذه العلوم لا تتناول إلا ما هو مشترك بين جميع أفراد المجتمع وفئاته. أما إذا كانت العلوم تتناول ما يعتبر ظواهر فردية تنبثق من سلوك الأشخاص كأشخاص، فهي علوم إنسانية مثل الظواهر التي يبحثها علم النفس، في الغالب، والفلسفة[4].

ويتابع ليفي ستراوس اقتراحه لتجاوز هذا الارتباك والخلط حين يصنف كل فعاليات الإنسان، التي هي موضوع البحث العلمي في العلوم الإنسانية إلى ثلاثة أصناف:

1- صنف الآداب الفنون.

2- صنف العلوم الاجتماعية، التي هي القانون والاقتصاد والسياسة وبعض فروع علم الاجتماع.

3- وصنف العلوم الإنسانية، التي هي علوم التاريخ، والآثار والأنثروبولوجيا واللسانيات، والفلسفة، والمنطق، وعلم المناهج، وعلم الاجتماع...

ويوضح اقتراحه أكثر، فيرى أن العلوم الاجتماعية تُعنى بالدراسات التي تهتم بالمؤسسات والنظم الاجتماعية القائمة في الوسط الاجتماعي بالذات مع ما يترتب على هذا الاهتمام من عناية بتكوين الأطر والفعاليات البشرية للقيام بنشاط مهني معين كالقضاء، والمحاماة، والإدارة. مع الأخذ بعين الاعتبار الجانب العلمي التطبيقي الممكن للنظريات في حياة المجتمع، كما في الاقتصاد السياسي. أما العلوم الإنسانية فتضع نشاطها في إطار عام وواسع؛ أي خارج أي مجتمع مخصوص، لأنها تسعى لتحصيل معرفة عامة وشاملة، لا تخصّ فرداً بالذات ولا مجتمعاً بالذات مثلما هو الشأن في علوم اللغة، أو الفلسفة، أو علم المناهج والمنطق[5].

إن وقوفنا عند تاريخ العلوم الإنسانية، لا يهدف التأريخ[6] لهذه العلوم، بقدر ما يهدف إلى الكشف عن الممارسة الإدراكية للأشياء ومنطلقاتها، خصوصاً وأن الممارسة في مجال الفكر تتم بصور مختلفة ومتباينة.

إن العلوم الإنسانية تمثل ما يضاف حقًّا إلى الرصيد العلمي للقرن العشرين، «فعلى مدار عقوده قطعت شوطاً طويلاً، وبذلت جهوداً مضنية، وناجحة إلى حد كبير في تحديد موضوعاتها، وتعريف ظواهرها، وصياغة مفاهيمها ومصطلحاتها. وقد أرست مناهجها وأساليبها الإجرائية، كالتحليلات الرياضية -مثلاً الاقتصادية- والمناهج الإحصائية والقياسات العددية، والوسائل الإمبريقية (أي التجريبية الخالصة) كالاختبارات والمقاييس السيكومترية والسوسيومترية، والتجربة المعملية، والتجربة الميدانية، والعينة الضابطة، والاستبار، وقوائم الاستبيان، وكشف الأسئلة، واستمارة المقابلة، والمشاهدة بالمشاركة، فضلاً عن الأساليب الدقيقة لتحليل وتنظيم واستخلاص ما تفيد به المعطيات... إلى آخر ما يدرب عليه الباحثون -تبعاً لتخصصاتهم المختلفة- من منهجيات إجرائية دقيقة، أفضت بالعلوم الإنسانية إلى محصلات جليلة الشأن»[7]، ورغم ذلك، فإن هذا التقدم المطَّرد لم يحل دون بعض الصعوبات التي واكبت مسيرة هذه العلوم (ومازالت تحد من تطورها إلى اليوم) ووسمتها بطابع الاختلاف والتعدد. وقد ساعد على ذلك تخلّفها النسبي عن مسيرة العلوم الطبيعية؛ إذ لم يتم، إلى حد الآن، التوصل إلى نسق متكامل من القوانين التفسيرية في أي مجال من مجالات العلوم الإنسانية، يماثل -من حيث القوة المنطقية-أنساق القوانين التفسيرية في أقل فروع العلوم الطبيعية حظوة من التقدم[8].

إن الكشف عن المحددات المعرفية التربوية والاجتماعية العامة التي حكمت تلقي هذه العلوم في الثقافة العربية يفرض تتبع مراحل نشأتها وتطورها، والظروف العامة التي واكبت ذلك؛ لأن «مسار أي علم، في نشأته وتطوره، يتحدد بمجموعة من العوامل، بعضها يشكل بنية العلم ذاته، أي مبادئه وقواعده الملازمة له والمساهمة في تطور مفاهيمه ومناهجه ونظرياته، والبعض الآخر يشكل شروطاً وأبعاداً اجتماعية وسياسية وثقافية... تساهم بشكل ما في تحريك والدفع بذلك النسق، وهذا يعني، على مستوى التفسير، وجود مبدأين تفسيريين: مبدأ ينظر إلى العلم من الخارج (Externaliste) ويعتمد على إطار ما يسمى بـ«سوسيولوجيا العلم»، ومبدأ آخر ينظر إلى العلم من الداخل (Internaliste) ويعتمد على إطار ما يسمى بـ«إبستيمولوجيا العلم»»[9].

ومع أن هذا التمييز بين المبدأين التصوريين تمييز وجيه، فإننا لن نهتم في عملنا إلا بالمبدأ التفسيري الأول؛ لعلاقته المباشرة بالموضوع.

1- العلوم الإنسانية في الثقافة العربية وعوائق[10] التأسيس

نحو سوسيولوجيا البحث العلمي في الوطن العربي

إذا كان ظهور البحث العلمي في الظواهر الإنسانية في الغرب قد واكب «مجمل التغيرات التي عرفها الغرب الأوروبي في سياق تطور المجتمع، وتطور علاقات الإنسان بالطبيعة والتاريخ، وسعيه لمعرفة مظاهر السلوك الإنساني في مختلف أبعادها، فإن محصلة كل الإشارات التي ذكرناها آنفاً، وباختزال شديد، أسهمت في تحقيق ثورة فعلية في مجال الإحاطة بالظواهر الإنسانية في مستوياتها المتعددة (الاقتصادي، المجتمعي، النفسي، التربوي، الظواهر الرمزية... إلخ)، ثم في مستوى الفروع التخصصية التي اتجهت نحو المزيد من الإحاطة بالأبعاد الفرعية لهذه الظواهر، من أجل تحقيق معرفة أفضل بالإنسان ومحيطه، وبصورة تمكنه من تهييء ما يسمح له بتحسين أحواله، والتحكم في مستقبله ومصيره»[11].

غير أن نشأة هذه العلوم في الغرب لا يعني أنها لم تواجه ببعض الصعوبات التي استمرت لزمن طويل والتي تحد من فاعليتها. وفي هذا الإطار تندرج العوائق الموضوعية، تلك العوائق التي يمكن أن نميز فيها بين ما يرتبط بالموضوع وما يتصل بالمنهج، وهي عوائق تطرح عند مقارنة العلوم الإنسانية بالعلوم الطبيعية. ومن أبرز العوائق المطروحة على مستوى الموضوع نذكر:

أ- إطلاقية الظواهر

توصف أحوال الإنسان والظواهر التي تصدر عنه بالإطلاق، وهذا يتعارض مع المعرفة العلمية التي لا تقر إلا بما هو نسبي. ويفهم جوهر هذا الاعتراض في النقد اللاذع الذي وجهه برغسون إلى علم النفس، يقول: «إن علم النفس يعمد إلى التحليل كسائر العلوم. فهو يحلل الذات التي أدركت في أول الأمر بحدس بسيط، يحللها إلى إحساسات وإدراكات عقلية وغير ذلك، ويدرس كل شيء من هذه الأشياء على انفراد. فهو، إذن، يحل محلَّ الذات سلسلة من العناصر هي الحوادث السيكولوجية. ولكن هل هذه العناصر أجزاء؟ تلكم هي المسألة كلها. ولئن رأينا الباحثين كثيراً ما يطرحون مشكلة الشخصية الإنسانية طرحاً يستحيل معه حلها، فما ذلك إلا لأنهم أغفلوا هذا السؤال»[12].

إن الحقيقة المطلقة للموضوع المدروس، تجعل أي نظرة تجزيئية له غير ممكنة، وهذا يجعل إطلاقية الموضوع سبباً في عدم القدرة على إدراكه وبالتالي التوصل إلى حقيقة علمية بشأنه.

ب- التعميم[13]

من خصائص العلوم الطبيعية خاصية التعميم، وإليه يرجع نجاحها بوجه عام. بمعنى آخر أنه في الظروف المتماثلة تحدث أمور متماثلة. وهذا مبدأ قابل للتطبيق في كل زمان ومكان ولذلك يعد أساس المنهج الفيزيقي[14].

وبالنظر إلى العلوم الإنسانية فإن أمراً كهذا يبدو صعب التحقق «لأن الظروف المتماثلة لا تنشأ إلا في الفترة التاريخية الواحدة، وهي لا تظل على حالها فترة بعد أخرى، ومن ثم لا يوجد في المجتمع اطِّراد طويل الأمد يصلح أن يكون أساساً للتعميمات البعيدة المدى. هذا إذا صرفنا النظر عن التوافه من الأمور المنتظمة، كالقول البَدَهِي بأن الكائنات الإنسانية تعيش دائماً في جماعات، أو القول بأن بعض الأشياء محدودة الكمية وأن بعضها الآخر كالهواء لا حد لوفرته، وأن النوع الأول هو الذي يكون له وحده قيمة شرائية أو تبادلية»[15]. إن أي رأي يقول بضرورة الاطرادات الاجتماعية يجب أن يفترض في نظر بوبر[16] دوام هذه الاطرادات، وهكذا نشأ -عن الرأي المنهجي الساذج، القائل بأن في مستطاع العلوم الاجتماعية أن تتبع طريقة التعميم المستخدمة في العلوم الطبيعية- نظرية كاذبة ومضللة إلى حد خطير، وذلك لأنها نظرية تنكر على المجتمع أن يتطور أو يطرأ عليه تغيير ذو شأن، أو هي تنكر أن يكون للتطورات الاجتماعية، إن وجدت، أي أثر في الأمور المنتظمة الأساسية في الحياة الاجتماعية، وحتى في حالة حدوث اطرادات اجتماعية، فإنها لا تماثل نظيراتها في العلوم الطبيعية لأنها محكومة بالتغييرات التي تحكم الفترة التي ظهرت فيها، إنها من صنع الإنسان.

ج- الجــــــدة

إن التجارب الإنسانية يصعب أن تتكرر في ظروف متماثلة تماماً؛ صحيح أن بعضها يمكن أن يظهر، ولكنه ظهور بمعطيات جديدة وهذا يعني أنه «لا يمكن لمجموع الظروف الداخلية والخارجية التي تكررت فيها تجربة تجريها على كائن عضوي معين، لا يمكن لهذه الظروف أن تكون من التشابه بحيث يجوز أن نتكلم عن تكرار بالمعنى الصحيح. وذلك لأنه حتى لو تكررت ظروف البيئة بحذافيرها فإن هذا التكرار سيقترن بظروف جديدة في داخل الكائن العضوي: إن الكائن العضوي يتعلم من التجربة»[17]. وهذا ما ينطبق على المجتمع، لأنه «هو أيضاً كائن مجرب، وهو أيضاً له تاريخ، وقد يكون المجتمع بطيئاً في تعلمه من التكرارات (الجزئية) التي تحدث في تاريخه، ولكن لاشك في أنه يتعلم فعلاً بمقدار تأثره جزئيًّا بماضيه وتكيفه به. ولو لم يكن الأمر كذلك لما كان للتقاليد والمواقف التقليدية المختلفة شأنها الهام في الحياة الاجتماعية»[18].

إن التكرار الحقيقي في التاريخ الإنساني، إذن، أمر ممتنع، وحتى وإن حصل، على مستوى ما، فإنه لن يكون مطابقاً لما قبله، وهذا عكس ما نجده في العلوم الطبيعية.

د- التعقيد

من مميزات الظواهر الإنسانية أيضاً، تعقيدها الكبير، وهو «تعقيد ناشئ عن استحالة العزل الصناعي، وتعقيد راجع إلى أن الحياة الاجتماعية ظاهرة طبيعية تفترض الحياة النفسية للأفراد، أي علم النفس، وهذا بدوره يفترض علم الحياة الذي يفترض هو الآخر علمي الكيمياء والفيزياء»[19]، وهذا يتعارض مع خصوصيات العلوم الطبيعية التي تعد أقل تعقيداً ويتوسل إلى تبسيطها بطريقة العزل التجريبي الذي يبقى أمراً غير ممكن بالنسبة إلى العلوم الإنسانية التي تعرف «تشابك عوامل كثيرة في تكوين الظاهرة الإنسانية، الأمر الذي يجعل ملاحظة الظاهرة بكل العوامل الداخلة في تكوينها أمراً عسيراً، إن لم نقل إنه غير ممكن»[20].

ويزيد من تعقيد الظاهرة الإنسانية تأثير بعض الظواهر الكونية في الأخرى، (ظواهر بيولوجية، فلكية، كيميائية...)، إضافة إلى التأثير الذي يمكن أن ينجم عن الوسائل والمناهج التي نتوسل من خلالها فهم ظاهرة من الظواهر، وهذا يجعل الظواهر الإنسانية تعرف تعقيداً مزدوجاً يصعب معه اكتشافها. وذلك بخلاف الظاهرة الطبيعية الفيزيائية التي تُعتبر إحدى الظواهر البسيطة السهلة التركيب لأنها تتكون من بعد واحد ووحيد يتمثل أساساً في البعد الفيزيائي.

هـ- عدم الدقة في التنبؤ

إن التوصل إلى دقة متناهية في التنبؤ يبقى أمراً عسيراً جدًّا في العلوم الإنسانية، «لا بسبب تعقد الأبنية الاجتماعية فحسب، بل أيضاً بسبب ذلك التعقد الخاص الناشئ عن تبادل التأثير بين التنبؤات والحوادث المتنبأ بها»[21]. وهذا ما يحد من فعالية العلوم الإنسانية ومن علميتها، لأن التنبؤ من المهام الأساسية للعلم[22]، ففي حين يبقى التنبؤ ممكناً بالنسبة إلى العلوم الطبيعية لوجود حالات متشابهة في الطبيعة، وبأن ما يحدث مرة سوف يحدث ثانية بل ويتكرر باستمرار إذا توافرت درجة كافية من التشابه في الظروف المحيطة[23]. يبقى ذلك أمراً صعباً في العلوم الإنسانية، لأن «التنبؤ حادث اجتماعي قد يتأثر بغيره من الحوادث الاجتماعية ويؤثر فيها ومن بين هذه الحوادث الحادث المتنبأ به وقد يساعد التنبؤ (...) على الإسراع بوقوع هذا الحادث، ولكن من السهل أن نرى أنه قد يؤثر فيه على أنحاء أخرى فقد يتطرف التنبؤ في الجهة المضادة ويتسبب في وقوع الحادث الذي يقول بأنه آتٍ لا محالة بحيث يمكن القول إن العالم الاجتماعي في استطاعته أن يسبب وقوع الحادث بالامتناع عن التنبؤ إما عامداً أو غافلاً»[24].

إن التنبؤات يمكن أن تحدث في العلوم الإنسانية، ولكن ذلك بشكل غير دقيق «فالعالم الاجتماعي قد يتنبأ مثلاً بأمر ما، وهو مدرك في الوقت نفسه أن تنبؤه هذا سوف يكون سبباً في وقوعه أو هو قد ينفي وقوع حادث ما في المستقبل، فيمنع بذلك حدوثه. وقد لا يخرج العالم في كلتا الحالتين عن مراعاة المبدأ الذي يبدو أنه يضمن موضوعية العلم: أعني المبدأ الذي يطلب من العالم أن يقول الحق ولا شيء غير الحق. ولكن بالرغم من أنه قد قال الحق، فلسنا نستطيع أن نزعم بأنه لم ينحرف عن الموضوعية العلمية، وذلك لأنه حين تنبأ بما تنبأ به (وجاء المستقبل مؤيداً له) قد يكون عمل على الاتجاه بالحوادث في الوجهة التي يفضلها شخصياً»[25].

و- المناهج الكمية

إذا كانت الظواهر في العلوم الطبيعية تعتمد تفسيراً كميًّا محكماً ومضبوطاً يرتكز بشكل أساس على الصيغ الرياضية، فإن ما يميز العلوم الإنسانية هو الطابع الكيفي. وهذا المعطى من الحجج القوية التي يفسر بها اللاطبيعيون معارضتهم لعلمية العلوم الإنسانية، فهذه العلوم تستثمر المناهج الكمية والرياضية في بعض مناحيها، ومع ذلك فإن تلك المحاولات تبقى خجولة، فيترتب على هذا الوضع «فرق هائل بين الطرق الإحصائية المتبعة في العلوم الاجتماعية، والمناهج الكمية والرياضية في علم الطبيعة، وليس يوجد في العلوم الاجتماعية شيء يمكن مقارنته بالقوانين العلمية ذات الصبغة الرياضية في علم الطبيعة»[26]. ويزيد من صعوبة تحقيق هذا المسعى صعوبة الحصول على تفسير علِّيٍّ للتغيرات التي تعانيها، على مر التاريخ، كائنات اجتماعية كالدول والنظم الاقتصادية وأنواع الحكومات. ولما كنا لا نعلم طريقة واحدة للتعبير عن كيفيات هذه الكائنات تعبيراً كميًّا، فليس من المستطاع لنا صياغة القوانين الكمية. وإذن فالقوانين العلية في العلوم الإنسانية، إن فرضنا وجودها، لا بد وأن تخالف القوانين الفيزيقية خلافاً بيِّناً؛ لأن الطابع الكيفي غالب فيها على الطابع الكمي والرياضي. وإذا كانت القوانين الاجتماعية تعيِّن درجة أي شيء كان فهي لا تفعل ذلك إلا في ألفاظ بعيدة جدًّا عن التحديد، وهي على أحسن حال لن تعطينا إلا تقديراً تدريجيًّا بينه وبين الدقة بون شاسع[27].

أما على مستوى المنهج فتطرح عوائق من قبيل: تداخل الذات والموضوع، والإيديولوجيا، والتجريب، واكتشاف القوانين...

إضافة إلى هذه العوائق، تطرح إشكالات أخرى على مستوى التصنيف، ويمكن أن نشير هنا إلى تصنيفي كل من بياجي وفوكو[28].

بيد أن مجمل الاعتراضات السابقة على علمية العلوم الإنسانية لم تحل دون تقدم هذه العلوم، وأخذها لموقعها المناسب داخل المجتمعات الغربية، والدليل على ذلك ما حققته بعض فروعها، وعلى رأسها اللسانيات.

إن التقدم الذي أحرزته العلوم الإنسانية في الغرب جعلها تعرف طريقها عبر الترجمة ومؤسسات التربية والتكوين والبحث... إلى ثقافات أخرى، ومنها الثقافة العربية. فهل استثمرت هذه العلوم في ثقافاتها بالشكل المطلوب؟ وما هي العوائق التي حدت من فاعليتها؟

لم يكن انخراط الواقع العربي، في مجال العلوم الإنسانية، انخراطاً واعياً أفضت إليه مراحل التغيير والنمو والتطور الذاتي والتلقائي التي قطعها المجتمع العربي، ولكنه «نشأ في إطار عمليات التغريب التي فرضتها رياح التأورب القوية التي اكتسحت العالم في نهاية القرن الماضي، وتمكنت من فرض سيطرتها بمختلف الوسائل. ففي إطار هذا المناخ التاريخي، اللامتكافئ واقعيًّا وموضوعيًّا، تعرَّف العرب على العلوم ومناهجها ونتائجها، كما تعرَّفوا على مختلف مظاهر الحياة وأنماط السلوكات، التي انتقلت إليهم بفعل الاستعمار المباشر، ثم بفعل التأثيرات التي ترتبت عنها في تلافيف المجتمع وبنيات الواقع، وفي مختلف جوانب الفكر والثقافة والمعرفة»[29].

لقد كانت نشأة هذه العلوم في تربة غير تربتها، وفي واقع بخصوصيات سوسيوتربوية وثقافية ومعرفية وتاريخية مختلفة -تماماً- عن واقعها الأصلي، فكان من الطبيعي أن تنطبع «منذ البداية بطابع الأزمة، إذ اختلط فيها، منذ البدء، همَّان متداخلان: همّ متابعة واستيعاب مظاهر التطور الفكري في العلوم الإنسانية والاجتماعية في الغرب، وهمّ رصد واقع وتحولات الواقع الاجتماعي نفسه»[30]. فكانت مسألة الخصوصية والكونية من الإشكالات العويصة التي أثقلت كاهل هذه العلوم في ثقافتنا. فإذا كانت العلاقة جدلية بين طرفي هذه المعادلة و «لا تطرح أي مشكل في مجال العلوم الطبيعية، نظراً لمنطقها الموحد بالنسبة إلى جميع البلدان، فإنها تبقى في ميدان العلوم الإنسانية مفعمة باللبس والغموض، نظراً إلى ما يعتريها من صعوبات، وما يكتنفها من مواقف فلسفية وأيديولوجية، يصعب معها الحديث عن علوم إنسانية موحدة المنطق وقابلة للارتقاء بالخصوصية إلى مصاف الكونية. فبفعل افتقار هذه الأخيرة إلى الشرط العلائقي المتين بين الخصوصية والكونية، أصبحت تتوزع على الخريطة المعرفية بشكل لا يشذ عن توزع مختلف الأجناس البشرية على الخريطة الجغرافية للعالم، حيث نجد منطقها يتلون بتلون الحضارات والقوميات، وذوقها يختلف باختلاف الثقافات والعقليات، نظراً لأن الطابع القومي فيها أظهر وأوضح منه في العلوم الطبيعية. ومن هنا تصبح الخصوصية القومية، بكل ما تنطوي عليه من مقومات اقتصادية واجتماعية وثقافية، بمثابة الإطار الصحيح الذي توظفه بعض المجموعات الحضارية والقومية لبناء علوم إنسانية»[31].

لقد تضافرت هذه العوامل كلها لتحول في عصرنا دون بلوغ هذه العلوم منزلتها الصحيحة، والظهور بما يليق للإسهام، بشكل فعّال، في تطور المجتمع. وليقيننا بوجود ارتباط مكين بين واقع هذه العلوم وواقع المجتمع العربي فإننا سنخصص هذا المبحث لتتبع خريطة العلوم الإنسانية في الثقافة العربية لاستعراض مختلف العوائق التي تحجب عنها الرؤية وتعرقل مسيرتها.

2. 1. العائق الثقافي

يرتبط تقدم المعرفة عادة بتوافر شروط تربوية واجتماعية واقتصادية... حتمية لازدهارها وإنتاجها، ومن أبرز تلك الشروط المعطى الثقافي، بكل أبعاده الموضوعية والمنهجية. فهل أفلح المشروع الثقافي العربي في توفير هذا الشرط الأساس؟ وهل هو قادر، حقًّا، على احتواء العلوم الإنسانية بكل مستلزماتها النظرية والمنهجية؟ بل هل يملك هذا المشروع الأدوات المعرفية الكفيلة بتأسيس علوم إنسانية تراعي خصوصيات الواقع الثقافي العربي؟

إن الواقع العربي لم يحقق ذاته ثقافيًّا، نتيجة للعراقيل الكثيرة التي تعوق مسيرة الثقافة العربية، وتحجب الرؤية الواضحة عن أهم قضاياها. فهذا الواقع يطبعه التعدد والاختلاف بفعل تعدد شبكة من النزاعات والاتجاهات والرؤى التي يعوزها الوضوح. فالصراع لا يزال قائماً بين أنصار القديم وأنصار التحديث، حتى غدا هذا الصراع وكأنه من الأمور التي لا يمكن للأمة أن تحيا وتستمر إلا بها «فهناك الثقافة العربية الكلاسيكية التي لا نعرف عنها سوى الشيء القليل بسبب محدودية الأبحاث الجيدة حول تاريخها، وهناك الثقافة العربية المعاصرة التي، وبفعل ازدواجيتها، نجدها تعيش في ضياع شبه كامل؛ لأن زمنها الثقافي لا علاقة له بذاتية الفكر العربي وبخصوصية واقعه الاجتماعي. وعلى أساس هذه التلونات أصبح هذا المشروع يشكل موطناً لخليط من التوجهات المتباينة، يسعى إلى تحقيق كل شيء دون أن يحقق في الواقع أي شيء. فباسم الأصالة والمعاصرة نجده يخلط بين أزمنة ثقافية وممارسات فكرية لا تزيده إلا غموضاً وضياعاً، حيث ينكص تارة إلى الماضي وينشد إلى إنتاج السلف لإحياء التراث، ويتطلع تارة أخرى إلى المستقبل فينصاع مع نتاج الغرب ليحقق التقدم، ولو عن طريق التقليد والتبعية»[32]، بدل البحث المستمر عن النموذج الأصلح للمحاكاة والاستهلاك، فتسبب هذا الوضع في انفصام الذات العربية وانفصالها عن مشاكلها الحقيقية، لتغرق في متاهات بعيدة كل البعد عن مشاكلنا وانشغالاتنا وقضايانا وأزماتنا.

إن تناوب آليتي التقليد والتحديث على ساحة الوعي العربي يعدّ دليلاً على تأخّر الزمن الثقافي العربي وعدم تثبيته لدعائمه، فيبقى بذلك التاريخ الثقافي العربي مجرد اجترار وتكرار وإعادة إنتاج، بشكل رديء، للتاريخ الثقافي نفسه، الذي كتبه أجدادنا تحت ضغط صراعات العصور التي عاشوا فيها؛ وفي حدود الإمكانات العلمية والمذهبية التي كانت متوافرة في تلك العصور. فنحن ما نزال سجناء الرؤى والمفاهيم، والمناهج القديمة التي وجّهتهم وتحكّمت في إنتاجهم، مما يجرنا، دون أن نشعر، إلى الانخراط في صراعات الماضي ومشاكله، وإلى جعل حاضرنا مشغولاً بماضينا، وبالتالي النظر إلى المستقبل بتوجيه من مشاكل الماضي وصراعاته. وهذا يجعل الثقافة السائدة في المجتمع العربي ثقافة غير عضوية لأن بنيتها غير مطابقة لبنية المجتمع[33].

إن عدم وضوح الرؤية المنهجية، التي يمكن الوصول -على أساسها- إلى معرفة صحيحة، يرجع بالأساس إلى غياب النقد الإبستيمولوجي على الساحة الثقافية العربية التي ما تزال تفتقر إلى مقومات العلمية. حيث لم تطرح بعد، في ساحتنا الثقافية، تلك الإشكالية الضخمة الخاصة بالعلاقة بين العلوم الإنسانية من جهة، وبين العلوم الدقيقة من جهة أخرى، كما لم تطرح بعد مسألة الحدود المميزة بين العلوم الإنسانية والأيديولوجيا، فما نزال نخلط بين هذه وتلك[34].

ويزيد من تعقيد الوضع وتفاقمه بنية التفكير السائدة في المجتمعات العربية، هذه البنية التي يطبعها التخلف. فالإنسان العربي ما يزال «خاضعاً في تفسيره للظواهر النفسية والاجتماعية، وحتى الاقتصادية، لطرق غيبية أسطورية تشكل استمراراً للموروث البدائي الغيبي الذي اختزنته القاعدة الثقافية المؤسسة لذهنيته وسلوكه. فما زال الذهن الاجتماعي العربي قادراً ومستعداً لتوليد الخرافات وترويجها، هروباً من التفسير العلمي للواقع، وجرياً وراء المعجزة التي ينتظر حدوثها بين الحين والآخر»[35]. إن العقلية العربية ما تزال بعيدة كل البعد، عن التطور العلمي وشروطه ومستلزماته؛ لأنها لم تصل بعد إلى وضعه في إطاره الصحيح؛ إذ على الرغم من مرور زمن غير قصير من تعرفنا على العلوم الإنسانية، فإننا لم نستوعب، إلى حدود اليوم، المقصود بهذه العلوم، ويظهر ذلك جليًّا في تعدد المصطلحات والمفاهيم واختلافها وتضاربها؛ «فإذا سألنا ما الذي نعنيه عندما نقول: «العلوم الاجتماعية»، وما الذي نعنيه عندما نقول: «العلوم الإنسانية»، وهل هما فئة أم فئتان مختلفتان من المعارف الإنسانية، وما هي أوجه الاختلاف إن وجدت، بل ما الذي نعنيه بكلمة «علم»، وهل تنطبق هذه الكلمة على كل من هاتين الفئتين المعنى نفسه، وما الذي نقصده بالمنهج العلمي عندما نتحدث عن هذه «العلوم»؟ نجد أننا لا نحصل على إجابة واحدة لأي سؤال من هذه الأسئلة، حتى من المتخصصين في المجال نفسه»[36].

وهذا ما يعبر عن أزمة حقيقية في مفاهيم الباحث أو المثقف العربي وأدواته الإجرائية. ويزيد الأمر استشكالاً عندما نعرف أن هذه المفاهيم هي الأساس الذي به يتشكل ويصاغ موضوع الرؤية أو مادة البحث العلمي، مما يعصم الباحث من كل زلل معرفي، ويجعل موضوع بحثه يتقنن وينضبط للقنوات المفهومية التي حصرها. والنتيجة هي وجود علوم إنسانية في ثقافتنا العربية لا تمت بصلة إلى واقعنا وقضاياه، ولا تنخرط انخراطاً واعياً فيه، فيبقى الواقع العربي مغيَّباً بكل همومه ومشاكله، بطموحاته وآماله، وتبقى الهوة كبيرة بين نتاجنا الثقافي ومحيطنا الاجتماعي، لأن ما هو متداول في ثقافتنا لا يعدو أن يكون إلا اجتراراً لثقافة الآخر، لذلك يظل واقعنا بعيداً بكل خلفياته الثقافية والتربوية والاقتصادية والأيديولوجية إلى مستوى التأصيل. وبذلك لا يمكننا إبداع ما يُمكِّننا من فهم ذواتنا ومجتمعنا وتاريخنا ومختلف ظواهر الحياة في مجتمعنا، دون استيعاب مكاسب العلوم كما تبلورت في عصرنا.

2. 2. العائق الأيديولوجي

يمكننا أن نميّز في المجتمعات الإنسانية بين مجتمعات لم يعرف تاريخها الفكري لحظة نقد واحدة، ومجتمعات أتيح لها أن تتمتع من حين لآخر ببعض اليقظة النقدية، ومجتمعات صار النقد أساس وعيها وتطورها، وهي التي تقود ذاتها وغيرها في عصر المعرفة والتكنولوجيا[37]. فالمجتمع العربي يدخل في خانة المجتمعات الأولى، فهو إلى حد اليوم، لم يستطع مساءلة ذاته ونقدها، وهي مساءلة تعد ضرورية لمواجهة كل التحديات. إن المجتمع العربي لم يفقه ذاته بعد، ولم يتمكن من بلوغ الشروط الضرورية التي تجعله في مصاف المجتمعات القادرة على الخلق والإبداع. وهذا ما جعل منه قبلة و «مجالاً خصباً للتلقي والترحيب بكل أيديولوجية، يعتقد فيها باسم الصلاحية والمشروعية، أنها هي القادرة على إخراجه من ورطة الاختناق برقابة السلطة وقهرها، وبأنظمة القمع والردع المتجذرة في أعماق بنياته الحضارية والتاريخية. وبفعل البحث المستمر عن أسواق جديدة لاقتناء مستجدات المنظومات الأيديولوجية الجاهزة، المستقاة من تجارب التاريخ الغربي عوض البحث والتنقيب عن أساليب وطرق ذاتية لتثبيت دعائم أيديولوجية محلية تربطها علاقة عضوية بالخصوصيات الحضارية والثقافية للواقع العربي، بفعل كل هذا أصبحت الساحة الثقافية العربية المعاصرة تعيش على فراغ أيديولوجي واضح رغم أنها تشكل مستودعاً لكل الأيديولوجيات»[38].

لقد تسبب هذا الوضع في خلق نوع من الانفصام في الذات العربية، وجعل مشاريعنا العلمية وإنتاجاتنا الإبداعية تعيش ظاهرة «التجوال» بتعبير التحليل النفسي. وهذا ما زاد من تفاقم الوضع. وهكذا بدل أن تدفعنا العلوم الإنسانية بمنهجيتها ونتاجها وكشوفها إلى «معاناة الإحساس الحضاري بضرورة أن نكتب ما لم يكتب بعد، وإعادة الاتصال البريء بين وعينا ومؤسسات العالم المداهمة لنا من كل حدب وصوب»[39]، نجدها تقود إلى التنقل العابث بين الأيديولوجيات.

على أساس هذا الانفصام التام بين ما يوجِّه تفكيرنا من ضوابط أيديولوجية غريبة المنشأ، وما نسعى إلى فهمه من ظواهر اقتصادية واجتماعية ونفسية ولغوية، نجد أن نتاجنا في نطاق العلوم الإنسانية يغلب عليه طابع المحاكاة والاجترار لما يصدِّره إلينا الغرب، من نماذج نظرية، وصيغ معرفية محملة بقوالب أيديولوجية غريبة عن حضارتنا وتاريخنا. ويشكل هذا الأمر (...) أحد الأسباب المهمة في إخفاق تجربتنا في مجال هذه العلوم، فهو الذي يكمن وراء عجزنا عن وضع تصور شمولي لعلوم إنسانية قومية قادرة على تحليل بنياتنا النفسية وعلاقاتنا الاجتماعية وخصوصياتنا الاقتصادية وظواهرنا اللغوية[40].

إنه لا سبيل إلى تجاوز الوضعية الراهنة بكل سلبياتها، إلا بالتسلح بوعي نقدي يهدف إلى مساءلة الذات والوقوف عند مكامن الخطأ فيها، لأخذ نقطة انطلاق جديدة مبنية على إعادة الإنتاج بما هي «دليل حيوية المجتمع، التي تدفعه من منعطف إلى آخر، نحو وضع إنتاجه السابق موضع التساؤل والتقييم، وتحرير الوعي من وثوقية العادة والاعتياد على الإيمان بمعايير وقيم لم تعد قادرة على تبرير أسسها، فكيف يمكن لها أن تبرر ما يقام عليها وما يقاس بها ويقيم»[41].

2. 3. العائق المؤسسي

إن تجاوز الأزمة التي تعانيها العلوم الإنسانية في ثقافتنا، سياقاً تربويًّا واجتماعيًّا عامًّا، لا يمكن أن يكون إلا بمعرفة أسبابها ومصادرها لاستئصال كل التأثيرات السلبية، والعمل على صياغة الحلول الممكنة لتجاوزها. وأولى الخطوات يجب أن تكون بالمساءلة النقدية الهادفة لهياكلنا المؤسسية ومرتكزاتها النظرية والمنهجية. فعلى الرغم من انخراط المجتمع العربي بكل مؤسساته في مسارات التنمية والحداثة والتحديث، فإنه يظل بعيداً عن مستلزمات ذلك الانخراط، فالمجتمع لا يزال «بدون علم للاجتماع، بدون علم للنفس العربية، بدون تاريخ مكشوف وكاشف لنا ولحاضرنا، ولمن يعايشنا في هذا العالم، بدون علم للإحصاء حول مختلف أرقامنا السرية، المرفوض إعلانها والممنوع الإقرار بها، وبدون علم اقتصادي لثرواتنا وخساراتنا، وبدون طب مجهري ومخبري لأمراضنا العربية، وبدون علم سياسي لثورياتنا و إحباطاتنا، وبدون فعل نهضوي شامل جذري لإنسانيتنا، وبدون التنمية المبرمجة لإمكانياتنا الفعلية وإنتاج عربي لتكنولوجيا غير مستوردة»[42]، فيبقى بذلك متخلفاً عاجزاً عن كل التطلعات.

إن هذه المهمة موكولة إلى المثقف العربي وإلى المربي والباحث الأكاديمي الذي ينبغي له «أن يقوم بعملية توضيح وإضاءة شاملة لتاريخ طويل ومعقد لا يزال غير معروف، أو غير محلل بالشكل الكافي، وينبغي على المثقف العربي المعاصر أن ينخرط في استراتيجية شاملة للتدخل العلمي، من أجل فتح العقليات المغلقة وتحريرها (...) فالباحث المعاصر يعزل نفسه غالباً ضمن اختصاصه الضيق ويصبح «خبيراً»، مثله في ذلك مثل طبيب الأرياف الذي يكتفي باستقبال المرضى في عيادته، دون أن يتدخل أبداً في حياة القرية التي يمارس فيها مهنته!»[43].

غير أن القيام بمثل هذه المهمة يبقى أمراً صعباً بالنظر إلى بنية المجتمع، وطبيعة التفكير السائد، وضعف الوسائل. والأخطر من هذا وذاك غياب الإرادة عند الفئة المستهدفة. مما يجعل كل استراتيجية تنموية تواجه بعملية يصعب اختراقها. وكل ذلك يجعل مهمة المثقف شبه مستحيلة لأنه يظل بعيداً عن المسؤولية الملقاة على عاتقه، التي تتطلب منه «ليس فقط الثقافة التاريخية الواسعة، بل أيضاً قوة التخيل والإدراك لتوضيح الرؤية في المسائل النظرية والمنهجية بعيداً عن التمذهب بالمعنى الضيق، أي الاعتقاد الغيبي بأوليات تكرارية، وآلية في مسار تطور المجتمعات، وبعيداً كذلك عن حلقة الاغتراب السائدة في المناهج الفكرية العربية والخاصة بالجدل حول الأصالة والحداثة أو الخصوصية والتفرنج. إن تحدي الهيمنة الأجنبية واقع لا يمكن التهرب منه. أما المجابهة الفعّالة من زاوية المعرفة والعلم، فإنها لا تأخذ مجراها إلا بتطور علوم إنسانية أكثر شموليةً وإدراكاً لواقع التخلف والتبعية، مما يأتي من العلوم الإنسانية في الدول الصناعية، وهذا بدوره لا يتم إلا عن طريق ممارسة المنهج النقدي والالتصاق بالواقع المحلي من خلال منهج ثاقب يسمح بإدراك الواقع إدراكاً شاملاً وصحيحاً»[44].

إن أسباب الوضعية الراهنة ترجع بالأساس إلى عقم برامجنا التعليمية، سواء على مستوى المدرسة أو الجامعة، وهشاشة خططنا ومشاريعنا التربوية والتنموية والاجتماعية، وضعف «البنيات التحتية والمؤهلات الضرورية لذلك، فمخططاتنا التعليمية أغلبها يشكل تركة لعهود الاستعمار، ومعاهدنا العلمية، معظمها يعاني من قصور واضح في التخطيط والتجهيز ونقص كبير في الإنتاج والمردودية. وبالتالي فإن إخفاق علومنا الإنسانية يشكل نتيجة طبيعية لما تتخبط فيه معاهدنا وجامعاتنا ومراكز بحوثنا من مشاكل عدم الاستقلال الذاتي، ونقص في التشجيع المادي، وضعف في التجهيزات الضرورية لممارسة البحث العلمي، وغياب الاعتراف بالدور الذي يمكن لهذه العلوم أن تلعبه في شتى القطاعات التنموية العربية»[45]. إن هذا التردي وهذا الوضع المأزوم لابد أن ينعكس سلباً على الباحث العربي وعلى مؤهلاته، وهذا ما يحد من النتائج المتوصل إليها ومن فعاليتها، وهذا يجعل أبحاثنا العلمية تنطبع «بطابع هش وانتشار سطحي، ومن النادر أن تتغلغل لتصل إلى لب العقلية الفردية أو الجماعية، ولأن مناهج التعليم العالي، في أغلبها، منقولة عن جامعات العالم المتقدم، أو لأنها مصممة لكي تضاهي تلك الجامعات...، ترتبط بها كمًّا ونوعاً، وهي بالتالي غريبة عن المجتمع العربي، لذا فإن دور التعليم، من هذه الوجهة، ضئيل من حيث خدمته لعملية التطور الحضاري...، إذ يجد المتعلم نفسه عاجزاً عن تطبيق علومه بشكل مبدع وخلَّاق، وعاجزاً، في أحيان كثيرة، عن الجهر بآرائه العلمية وتعليلاته العقلانية، خوف الاصطدام بالأفكار والتقاليد الاجتماعية. وبالتالي غالباً ما نجده يتذبذب بين علومه التي اكتسبها كتعبير عن مستوى حضاري لمجتمعات متقدمة، والتي لا تدعمها علاقات إنتاجية محلية بنفس درجة الرقي، وبين الخرافة التي هي التعبير الذهني عن العلاقات الاقتصادية والاجتماعية السائدة في مجتمع متخلف»[46].

هكذا إذن، ففي الوقت الذي نجد فيه المجتمع الغربي قد هيَّأ كل الشروط المادية والمعنوية الضرورية التي تحفز الباحث في العلوم الإنسانية وتشجعه على البذل والعطاء، نجد المشتغل بهذه العلوم في ثقافتنا يعيش أوضاعاً مؤسسية واجتماعية جدُّ متردية لا على صعيد أدوات البحث الأكاديمي فحسب، بل على مستوى الظروف العامة. إن وضعاً كهذا لا يمكن أن يخدم الثقافة العربية والمجتمع العربي في شيء، هذا المجتمع الذي أصبح يفرض، أكثر من أي وقت مضى، ضرورة تكاثف الجهود وتضافرها بغية تحقيق النتائج المرجوة.

إن أمراً كهذا يبقى صعب التحقيق دون «نهج أقطارنا العربية لسياسة ثقافية مضبوطة تضع في مقدمة أهدافها تشجيع البحث العلمي وخدمته لبلوغ التصور القومي المرتقب، وبدون خلقها لمحيط اجتماعي مدني يشجع على انتشار النشاط العلمي الجماعي، عوض النشاط العلمي الفردي، وبدون إقامتها لمؤسسات تربوية وتعليمية يسودها التخطيط المنهجي والتأطير العقلاني، وبدون توفيرها لسوق علمية ومهنية لحاملي شهادات جامعاتها ومعاهدها، وبدون ترسيخها لتقاليد الممارسات الديموقراطية، والحرية في التعبير وإبداء الرأي، وبدون توسيعها لمخططاتها التنموية من الميادين الفلاحية والصناعية إلى الميادين الاجتماعية والثقافية، وبدون تخصيصها لجزء من ميزانياتها المالية لتمويل البحوث العلمية الجماعية، والرفع من مداخيل المشتغلين بها، فبدون كل هذا، ما أظن أن العلوم الإنسانية العربية سيستقر لها حال، أو يستقيم لها جواب على أي سؤال حول خصائص ومكونات الواقع العربي»[47]، وهذه هي المهمة الموكولة إليها.

2. 4. العائق الديموقراطي

إن ربط التقدم العلمي والتربوي والثقافي بحرية الفكر، وبصورة أدق بالديموقراطية، من الأفكار الرائجة في الأوساط الثقافية، ويُعدّ بوبر واحداً من الذين ألحوا على هذه الفكرة. إن الديموقراطية في نظر بوبر هي الشرط الأولي والضروري الذي لا يمكن للبحث العلمي أن يبلغ درجات التقدم إلا بها. وإذا سايرنا هذا الطرح فمن واجبنا أن نتساءل: هل تحقق هذا الاختيار الضروري فعلاً داخل الثقافة العربية؟[48].

تعني الديموقراطية، في أبسط تعريفاتها، الحد الأدنى من الحرية في اختيار أنماط التغيير المطلوب للمجتمع -في إطار أيديولوجياه السائدة- على أن تكون تلك الحرية مدعومة بوعي الأفراد بالمشاكل التي يفرزها الواقع الاجتماعي، وحلولها التي تحقق التقدم والإنماء التربوي والعلمي والاجتماعي والحضاري الشامل... ويتحقق ذلك في المجتمع الذي تعبر السلطة فيه عن غالبية الأفراد، وتعمل على حل مشاكلهم في ضوء آرائهم ورؤيتهم النقدية...». بمعنى آخر يمكن القول بأن للديموقراطية مضموناً مجتمعيًّا، وأن لها محدداتها الأساسية، وهي السياق والحدث الاجتماعي والأيديولوجي.. فالديموقراطية ليست حقًّا قانونيًّا ولكنها قدرة مجتمعية أساسها النضج والوعي والممارسة، وهدفها في المجتمعات العربية هو مواجهة التغيير الذي يحتاج إلى جهد خلاق واع...»[49].

2. 5. العائق المعرفي

إذا أمعنا النظر في قضايانا المعاصرة نصل إلى حقيقة مفادها غياب ظاهرة التأمل الإبستيمولوجي في سائر المناحي العلمية، وبصفة خاصة في مجال العلوم الإنسانية. ونقصد بغياب التأمل الإبستيمولوجي غياب وعي نقدي يسائل واقعنا وإنتاجاتنا العلمية بشكل مستمر بغية تقويمها والوقوف على مكامن الخلل فيها، لأن ذلك هو الوسيلة الناجعة لإعادة هيكلة مسارها وتوجيهها الوجهة الصحيحة اللائقة.

إن توجيه نشاطنا العلمي وجهة صحيحة يفرض علينا، وبالضرورة ربط نشاطنا العلمي بالخصوصيات الحضارية والتاريخية لمحيطنا، وهذا ما ينقص، إلى حد الآن، معظم البحوث العلمية المتداولة في ثقافتنا، مما يجعل المثقف العربي يعيش تداعيات أزمة حقيقية تطارده باستمرار، نتيجة جهله بمحيطه الطبيعي والتاريخي «ويتغذى هذا الجهل بعدم ازدهار العلوم الإنسانية عندنا، كاللسانيات والتاريخ الموضوعي والاجتماعيات والنفسانيات. إن أولويات هذه العلوم تلقن، لكن بكيفية مجردة. فينتج عن ذلك ذهنية غير مرتبطة بالواقع. لنلق نظرة على الإنتاج العربي المعاصر... رغم التحسن الذي طرأ (...) مازالت جل المؤلفات، غير التقليدية، تلخيصاً لمبادئ العلوم. أما البحوث التطبيقية الميدانية فمازالت قليلة، وذلك العدد القليل ينشر، غالباً، خارج الوطن العربي وبلغات أوروبية»[50].

إذا قمنا بقراءة أولية في محاولة للكشف عن بعض الشروط والسياقات المعرفية والسوسيوتربوية... لتجليات تلقي هذه العلوم، ورصدنا منحى توجهاتها مستلهمين المعطيات السابقة، نخلص إلى توجهات ثلاثة تلخص أشكال التلقي، وتكشف بعمق عن تجلياته التي لم تخرج في فحواها العام عن الإشكال الذي طرح في بدايات مراحل عصر النهضة[51]، وهذا السؤال الذي يطرح هنا بصيغة أخرى إنما يدل على أن التاريخ العربي يعيد إنتاج نفسه بطرق مختلفة، وهذا مظهر من مظاهر الأزمة.

إن العلوم الإنسانية في الغرب واجهت صعوبات كثيرة، ومع ذلك فالظروف المجتمعية ساعدت على تلمس حلول ناجعة مكنت من تجاوز ما هو هامشي، فاستطاعت بذلك أن تصل إلى حلول ممكنة للكثير من قضايا وإشكالات المجتمع الغربي. أما في ثقافتنا فإنها ما زالت عاجزة عن حل أبسط المشكلات، فكان هذا باعثاً على تلمس الحلول الكفيلة لإيجاد صيغة ملائمة. ومن هنا كان منطلق الاختلافات المتباينة التي خضعت في مجملها للمقتضيات الاعتقادية لأصحابها. ففي الوقت الذي دعا فيه البعض إلى التخلي عن هذه العلوم بالكل والمطلق؛ لأنها علوم غربية لا تصلح لخدمة المجتمع العربي وقضاياه، وضرورة العودة إلى التراث لتلمس الحلول المناسبة (موقف تراثي)، نجد من يتشبث بهذه العلوم لصلاحياتها الواسعة وإمكانية استفادة الثقافة العربية منها، فالخلل لا يرجع إلى طبيعة هذه العلوم، وإنما إلى إمكاناتنا الثقافية والتربوية والمجتمعية. والدليل على ذلك ما حققته في الغرب من إنجازات باهرة (موقف طفري). وبين هذين الموقفين المتعارضين نجد من يتبنى حلًّا وسطاً ويحاول التوفيق بينهما (موقف توفيقي).

إن كل توجه من هذه التوجهات يرى في الاتجاه الذي سَنَّه الحل الملائم للخروج من مأزق التبعية الفكرية والركود الذي تعرفه ثقافتنا، وهذا ما سنعرض له من خلال كشفنا عن تجليات التلقي هذه وخصوصيات كل موقف على حدة.

3. أشكال تلقي العلوم الإنسانية

نقصد بأشكال التلقي، ردود الأفعال التربوية والفكرية والاجتماعية...، التي ووجهت بها هذه العلوم في الثقافة العربية، وهي أشكال يمكن أن نهتدي بواسطتها إلى الأسباب الكامنة وراء المواقف المتباينة التي قوبلت بها العلوم الإنسانية في ثقافتنا، والعوامل المتحكمة فيها.

3. 1. الموقـف التراثي

ينطلق أنصار هذا التوجه من نقطة أساس تتعلق بارتباط نشأة هذه العلوم بالغرب، ومن ثم فهي تعبير عن أيديولوجية المجتمع الغربي الذي أنتجها، ولذلك تظل هذه العلوم مرتبطة بالغرب ومصالحه وخدمة أيديولوجيته الاستعمارية، وعليه فـ«العلاقة بينها وبين الاستعمار علاقة تبادلية وطيدة. فالاستعمار احتاج إليها لترسيخ سيطرته على الشعوب المقهورة بأن يزداد علماً بأوضاعها وأحوالها ومعارفها، ففتح المجال للأنثروبولوجيين، وأتاح لهم منحاً وتسهيلات لم تُتَحْ سابقاً للباحثين، فكان لابد أن ترد الأنثروبولوجيا الدين للاستعمار»[52].

إن هذه العلوم ضرب من ضروب السيطرة الوحشية للغرب، لأن ما فعلته هو «خدمة التعبئة الأوروبية للسيطرة على العالم واقتسامه، وأسهمت في تدمير عقائد الشعوب وحضارتها وقيمها وتراثها»[53]، وهذا ما يكشفه تاريخها الذي ارتبط ونشط مع «تزايد الوعي بالارتباط «المحتمل» بين مخططات الغرب للهيمنة السياسية والاقتصادية وبين مخططاته للسيطرة الفكرية، وهذا ما يعني زيادة الحذر من استخدام النظريات الجاهزة المصنوعة في الغرب»[54].

لقد وصلتنا هذه العلوم مغلفة بأناقة بيداغوجية ومعرفية نظرية ومنهجية ظاهرها فيه الرحمة، وباطنها من قبله العذاب. وهذا ما غيَّب التفطن لخطورتها. وقد يرجع ذلك إلى قبول «مسلمة» تفوّق الغرب، ومشروعية سيطرته، وبالتالي إمكانية رؤية أنفسنا بعيونه، وبهذه الرؤية يكون بعض مثقفينا «قد ساهموا، دون أن يشعروا، في تخريب النسيج الثقافي لبلادنا، نظراً لعدم توخيهم الحرص فيما ينقلون بحيث يتساءل المرء عما إذا كانوا ينقلون إلينا علماً أم أيديولوجية؟ وأخصّ بالذكر في هذا الأمر الكتابات الاجتماعية في بلادنا في نقل النسبية الأخلاقية، أي اعتبار الأحكام الأخلاقية نسبية وليست مطلقة، وهو موقف غريب عن تراثنا»[55].

إن الأيديولوجيا الغربية، في نظر أصحاب هذا الموقف، ليست استعمارية فحسب، بل هي أكثر من ذلك أيديولوجيا دنيوية[56]. تتعارض كليًّا مع شريعتنا، وخصوصياتنا التربوية والقيمية والاجتماعية... وهذا هو الخطر المبطن الذي يجب أن نفطن إليه؛ لأنه الهدف الأسمى لهذه العلوم، وإلى هذا يومئ أحد الباحثين بقوله: «والخطأ هنا نشأ عن تصور أن المستوى الأيديولوجي الأعلى، الذي يحكم وحدة الغرب وصراعاته، هو هذا المستوى الذي تمثله هذه النظريات أو المدارس، مع أن الصفة الأيديولوجية التي اكتسبتها هذه المدارس كانت بمثابة أيديولوجيا فرعية مستمدة من الأيديولوجية العامة السائدة، وهي الدنيوية»[57]. وهذا ينم عن خطورة وعداوة واضحة، لأن هذه العلوم «ليست محايدة قِبلنا، إنها معادية لنا، وهذا العداء قد يصدر عن الارتباط المؤسسي المباشر بين هذه العلوم وبين الدولة ومخططاتها، وقد يصدر عن مجرد التأثر بالمنهاج الأيديولوجي السائد والضابط»[58]. فيكون المجتمع العربي أكثر استهدافاً، لأننا نكون بتأثير هذه العلوم «بصدد عقلانية دنيوية غربية مقابل عقلانية إسلامية عربية. لقد وجهت الدنيوية العقلانية الغربية الحديثة فوصلت إلى نتائج معينة، والإسلام وجه العقلانية عندنا فوصلت إلى نتائج مغايرة، وبوسع العقلانية الإسلامية أن تجتهد وتطور هذه النتائج»[59].

ما هو السبيل -إذن- لمواجهة هذه الأيديولوجيا الدنيوية؟

لا يتردد أنصار الموقف الأيديولوجي في نفي عالمية العلوم الإنسانية رفضاً قاطعاً، لأنه لا يستند في نظرهم إلى مشروعية علمية، وعلى هذا الأساس يطرحون البديل الممكن، ويستمد هذا البديل مشروعيته من عمق الحضارة والتراث العربيين، ويمتح منهما مستلزماته النظرية والمنهجية.

إن التمسك بالتراث مسألة مشروعة بل وضرورية؛ لأنه يقدم لنا إمكانات وآفاقاً رحبةً للتفكير في بلورة حلول ناجعة للكثير من قضايانا وأزماتنا. وإذا كان هناك من تقصير، فإنما هو «تقصير أو قصور من الباحثين في العلوم الاجتماعية نحو التراث، من حيث إنهم لم يقتربوا من هذا الميدان -وبخاصة عندما يكون التراث تراثاً دينيًّا-... والتراث ذاته ليس إلا ذلك الكائن القابل لأن يوضع موضع البحث والدراسة، شأنه في ذلك شأن جميع المسلمات التي يعتبر إعادة النظر فيها منهجاً علميًّا سديداً»[60].

إن التراث العربي الإسلامي يزخر بالكثير من الأفكار والمواقف والقيم والمقومات التربوية والثقافية وبالقضايا الإنسانية والاجتماعية. فالقرآن الكريم يقدم حلولاً للعديد من القضايا الفردية والمجتمعية، فقد «وقف علماء التفسير عند أسباب النزول، وبيَّنوا لنا كيف أن الآيات القرآنية كانت تنزل من السماء لتعالج مشكلة من مشكلات الحياة قامت في المجتمع العربي الذي كان ينزل فيه القرآن. وكانت هذه الآيات تنزل -لا من أجل المشكلات الجماعية فحسب- وإنما كانت تنزل أيضاً عندما تكون المشكلة مشكلة فردية، وفي مثل هذه الحالة يكون الحل قاعدة شرعية يمكن تطبيقها في كل الحالات المماثلة (...) والذين يقرؤون القرآن الكريم على أنه كتاب دعوة جديدة تستهدف إحداث تغييرات جذرية في المجتمع البشري: تتناول الآراء والمعتقدات، والتقاليد والعادات، والقيم الأخلاقية والمعايير السلوكية، يجدون فيه من الظاهرات الاجتماعية الشيء الكثير (...) وكذا نجد من الآيات القرآنية ما يفيد الباحثين في العلوم الاجتماعية حين يعملون على سبيل الكشف عن مدى العلاقة بين الفكر والواقع»[61].

إن العلوم الإنسانية من هذا المنظور يجب أن تستمد وجودها من الحقيقة القرآنية، هذه الحقيقة التي كانت نبعاً لعلماء مسلمين ألهمتهم الخروج بنظريات يمكن أن نعوّل عليها، ونعتمدها بديلاً عن تلك النظريات التي نشأت في «بيئة مشعة بالروح الوضعية نتيجة آراء ترفض البعد الميتافيزقي للإنسان، ولا تريد أن تنظر إلى الكائن الإنساني إلا من منظور حياته الدنيوية فقط»[62]. فالبديل عندنا في حضارتنا وتراثنا كما يؤكد أحد الباحثين بقوله: «هل نحن في حاجة إلى التذكير بأن العلوم الاجتماعية انطلقت أيضاً[63] من المجتمعات العربية، وأنها راسخة القدم عندنا منذ عهد بعيد، إذ كان للبيروني مثلاً ولابن خلدون[64] -وغيرهم- فضل لا ينكره أحد؟ فدراسة منهجية ابن خلدون لا تزال لافتة للانتباه، لما سنته من قواعد ما تزال حداثتها محلاًّ للبحث والتعليق. لقد سن اتجاهات للوصف والتحليل وللتكميم ولربط العناصر بعضها ببعض، فهو أول من أشار إلى ضرورة التحليل النوعي والكمي، الذي لا بد أن ينتهي إلى التركيب الهيكلي، وإلى التنظير حتى توضع الظواهر الاجتماعية في محيطها العام وفي سياق الدفع التاريخي الجاري لها»[65].

هكذا هو التراث الحضاري والثقافي العربي يبقى باباً مشرعاً للنهل منه، وأخذ كل ما من شأنه أن يساعدنا على بناء مجتمعنا ويطور حياتنا ونظمنا التربوية والاجتماعية نحو الأحسن. لذلك تبقى المسؤولية ملقاة على عاتق «العلماء العرب المؤمنين، الذين يهمهم الاحتفاظ بهويتهم الروحية، أن يضطلعوا بأعباء مسؤوليتهم الكبرى في إيجاد علوم اجتماعية تأخذ بعين الاعتبار القيم الروحية، وتنظر إلى الإنسان لا كوحدة اقتصادية فحسب يمكن التضحية بحقوقه المقدسة في سبيل الكسب المادي، كذرة مصيرها الفناء في هيكل الدولة الشمولية من أجل سراب تحقيق الجنة على الأرض، بل تنظر إلى الإنسان ككائن مخلوق على صورة الله، أو كخليفة له -عز وجل- في الدنيا»[66]. لهذا كله يبقى التراث أمراً ضروريًّا بل حتميًّا لأن علاقتنا به تمثل قضية انتماء وهوية وماهية، وبالتالي تنتفي عنه مشروعية الاختيار...! لأن الاختيار يعني إرادة تنتفي في حرية مما هو خارج عنها[67].

باختصار شديد إن كل أشكال التثاقف تعبير عن استلاب وامتساخ لا يجب أن يقبل بهما.

3. 2. الموقـف الطفري

يتبنى هذا الموقف مجموعة من المشتغلين بالعلوم الإنسانية، سواء كان ذلك على المستوى الأكاديمي أو مختلف مجالات البحث العلمي، الذين انخرطوا دفعة واحدة في إطار ما تقترحه هذه النظريات في هذه العلوم بكل حيثياتها المنهجية والتقنية، وبكل أبعادها العلمية وحدودها التطبيقية.

إن أنصار هذا الاتجاه لا ينكرون انطواء هذه العلوم على أيديولوجيا واضحة، ولكنهم يعتبرون ذلك أمراً طبيعيًّا. فهناك «مسلمتان مطروحتان للحوار:

الأولى: أن علاقة العلوم الاجتماعية بالأيديولوجيا علاقة جدلية، مستمرة من نشأة العلوم الاجتماعية وحتى الآن.

الثانية: أن المطالبة بتحرير العلوم الاجتماعية من الانحياز الأيديولوجي، مهما كانت غاياته، وأسانيده يعني، في التحليل الأخير، مطالبة هذه العلوم بالتخلي عن فاعليتها الإنسانية»[68].

إن الانحياز الأيديولوجي هو من صميم الانشغال بالبحث في هذه العلوم، وبالتالي لا يجب مواجهة هذه الأيديولوجيا بأيديولوجيا أخرى معارضة. إن أمراً كهذا لا يمكن تفاديه إلا بتجنب «المواقف الحدية ذات الطابع الأيديولوجي الخالص، حيث يقف أصحاب هذه المواقف على هوامش حقول البحث، وبجانب معطياته المستخلصة من بناء الظواهر وصياغة القواعد والقوانين ليمارسوا الرفض أو القبول»[69].

إن شروط الحداثة والتحديث والتنمية والتطوير... تفرض، وبالضرورة، الانفتاح على هذه العلوم والإسهام في بنائها، كما يقول كمال عبد اللطيف مؤيداً هذه الفكرة: «إننا ندافع عن عالمية وكونية مناهج العلوم الإنسانية بناء على مواقف تتجه لاستيعاب أدوات ومعطيات ونتائج هذه العلوم، لنعمل على توظيفها في سياق تاريخي جديد، فنزيد من رجحانها النظري وكفاءتها الإجرائية في التفسير والتعليل والفهم، أي لنساهم بإعادة تأسيسها في كونيتها وعالميتها»[70]، حتى وإن كان مصدرها هو الغرب، فلا ضير في ذلك لأن «الحضارة الغربية اليوم تعتبر الحضارة المتفوقة في باب الكشوف العلمية، سواء في مجال العلوم الطبيعية والرياضية، أو في مجالات العلوم الإنسانية بمختلف اتجاهاتها ومدارسها، فنحن مطالبون بإنجاز عمليات حوار فعَّالة وخلَّاقة مع الآثار التي راكمتها هذه الحضارة في العقود الأخيرة وشكَّلت ثورة في مجال النظر إلى الظواهر والمعطيات الإنسانية»[71].

لهذا كله فإنه لا مبرر، في نظر العروي[72]، لما نلاحظه من اشمئزاز إزاء علوم المجتمع، و من محاصرتها أكاديميًّا واجتماعيًّا خشية خطرها الموهوم على تماسك الأمة. فهو يرى، على العكس من ذلك، أن عدم ازدهارها في أقطارنا العربية كان على رأس المعوقات لمسيرتنا الإصلاحية على كافة الصعد والمستويات والمجالات التربوية والسياسية والاجتماعية...

أما النكوص نحو التراث، وتلمُّس الحلول، من خلاله، لكل قضايانا المعاصرة فذلك شكل من أشكال الهزيمة والانطواء على الذات.

وترتبط هذه النظرة بحكم مسبق يهيمن على التراثيين، وهو أن ما أنتجه الغرب لا يمكن أن يفيدنا في شيء وبالتالي يجب رفضه بشكل مطلق. إن هذا الشكل من أشكال الرفض لا يقبل به الطفريون لأن «الرفض المطلق أو الرفض المتوحش، فإنه غالباً ما يشكل آلية قبلية سائدة في أذهان من يعتقدون أن الغرب المادي الاستعماري العدواني لا يمكنه أن ينتج معرفيًّا ما يساعد البشرية على تشخيص عللها أو معالجة ظواهرها وإشكالاتها، وغالباً ما تنطوي نظرة الرفض المطلق على تمجيد عاطفي للذات، وهو تمجيد لا يتجاوز عتبة التبشير بالاكتفاء الذاتي في مجال العلم والتبشير والابتكار، رغم أن مجال العلوم الإنسانية يندرج ضمن كشوف الغرب الماضي، التي تبلورت في سياق الفكر الأوروبي»[73].

إن تبني هذا الموقف يعبر عن أيديولوجيا مقنعة، لأن من يدافع عن التراث، في نظر العروي[74]، هو بالضبط من لا يعرف سوى التراث، وعلاوة على ذلك بكيفية تقليدية. فـ«الأيديولوجيات التقليدية (التراث العربي الإسلامي) التي تكون نظاماً عقائديًّا كافياً وشافياً قادراً على تزويدنا بكل ما نحتاج إليه من حلول لكل مشكلات العصر، مدنية، عائلية، سياسية، اقتصادية، ثقافية، فنية، فلسفية... إلخ. يمكننا أن نسائلها: أين الاقتصاد الإحصائي؟ اجتماعيات الثقافة؟ تنظيم المعامل؟ السياسة النقدية؟ العلوم اللسانية؟ قواعد التغذية؟ تربية النسل؟ علم النفس التجريبي؟ قواعد البيبلوغرافيا؟ قواعد ترميم التحف الفنية؟... و... و.... في التراث التقليدي، هل يجب تعلمها من الغير للمحافظة على التراث ذاته، وقبل التراث على المادة الأولى للإسلام والعروبة، أي الفرد العربي الإسلامي في قوته الجسمانية والنفسية والعقلية أم لا؟ إذا نقلنا بعض المواد لفوائدها البديهية، ورفضنا البعض الآخر لأنها تمس بالشخصية الأصلية، مع أن الكل ينبني على منطق أساسي واحد، من يتكلف بالفرز، وبأي مقياس بين النافع وبين الهدام؟ هل يقوم بالاختيار «عابد» التراث، الذي يجهل مطلق العلوم الحديثة أم من له إلمام بها وهو نفسه متهم بإدخال تلك الأفكار المستوردة؟»[75].

إن موقفاً كهذا يرفضه الطفريون، لأن العلوم، في نظرهم، هي ملك للإنسانية بكاملها، فظهورها في منطقة معينة لا يعني أنها ملك لها لأن العلم تراكمات لتراث فكري إنساني مشترك تضافرت جهود أمم مختلفة لبلورتها. وعلى هذا الأساس يكون العلم ملكاً مشاعاً لكل الأقوام والشعوب لأن العلوم لا أوطان لها، ولا حدود لانتقالها؛ فكونية النماذج المعرفية أمر لا جدال فيه[76]، كما أن المعرفة لا تكون عامة إلا إذا كانت خاصة.

3. 3. الموقـف التوفيقي

يسعى أنصار هذا التوجه إلى تحقيق نوع من المصالحة بين الموقفين السابقين، برفض الانغلاق والانطواء على الذات، ورفض الانفتاح الكلي على الغرب والتماهي به. فلا مانع من «استخدام بعض المكونات النظرية المكتشفة في الغرب، ولكن يتطلب ذلك فرز محتويات الترسانة الغربية، وعزل ما هو خاص (غربي)، عما يصلح لأن يكون (عالميًّا). كذلك يتطلب الأمر فحصاً للمفاهيم، وكشف علاقاتها الصريحة والضمنية مع أيديولوجياتهم السائدة، وبالتالي مدى اتساق ذلك مع مفاهيم أيديولوجيتنا السائدة»[77].

إن الاستيعاب الحقيقي لهذه العلوم، معرفيًّا وتربويًّا وثقافيًّا...، يبدأ أولاً باستيعابنا لمنتوجنا الفكري وتمثلنا لخصوصياته الاجتماعية والحضارية، فإذا تمكنا من تحقيق هذا المسعى فإنه بإمكاننا الانفتاح على المدارس الغربية بكل فروعها وتوجهاتها، لأننا مسلحون بمناعة قوية تجعل «خلاف الاتجاهات والمدارس لا يفزع ولا يثير الإحباط، بل إن الخلاف والنقد المتبادل سمتان مصاحبتان بالضرورة لعلمية الإبداع. المهم هو ألَّا نتخلى عن حسنا النقدي تجاه الفكر الغربي، وأن تكون الخلافات بين مدارسنا أصيلة وليست صدى لخلافات غيرنا. لنبدأ باستيعاب تاريخ أمتنا (بالمعنى الواسع للتاريخ)، وظروفها الموضوعية الحالية، ولنبحث في مناهج التجدد الذاتي وفق منطق هذا التاريخ وهذه الظروف»[78].

إن الحوار شرط ضروري لتحقيق المصالحة و«الحوار لا يعني التبعية، قدر ما يعني عملية في المثاقفة تمكِّن الأطراف المتحاورة من إنجاز ما يطور علاقتهما ببعضهما، وعلاقتهما كذلك بموضوع الحوار، وفي هذا الأمر مكاسب مساعدة على تطور المعرفة العلمية. يقتضي الحوار الاستيعاب، والفهم والتعقل، وفي باب المعارف الإنسانية بالذات يتطلب الحوار الوعي العام بالخلفيات والمرجعيات وشروط الإنتاج، وذلك من أجل أن يكون فعلاً حواراً منتجاً»[79].

إن الحضور هنا يحترم تراتبية الحضور، ولكنه لا ينفي، في الوقت نفسه، هرمية المعرفة، دون أن يعني ذلك إحساساً بالنقص أو التبعية.

يذهب أصحاب هذا التوجه إلى أن تجارب بعض الأمم والحضارات تعطينا مثالاً حيًّا على نجاعة الحل التوفيقي وأهميته، كما هو الحال في تجربة ماوتسي تونغ[80] الذي يمكن اعتبار تجربته أساساً قد يساعد الثقافة العربية على وعي ذاتها وإعادة تشكيل العلوم الإنسانية من منظور تربوي وتنموي عربي صرف، وهذا من شأنه أن يجعلها تسهم في مسيرة الحضارة وتقدمها، وفي مختلف مشاريع التنمية والتحديث والديموقراطية في مجتمعاتنا، إذ ليس المطلوب «عزل العلوم الإنسانية عن واقعها الحضاري ومتطلباته وأهدافه، ولا خضوع أو تكريس له بزعم الحياد العلمي، أو ثورة عليه لمجرد الشغب والفوضى والرفض تحت اسم العلم المجيد. على هذا يمكن التأكيد أنه ليس منشوداً البتة -ولا حتى متصوَّراً- اجتثاث الأصول والجذور الحضارية للمشروع العلمي في المباحث الإنسانية. إن السياق الحضاري والثقافي والقيمي رافد لها إن لم يكن منبعاً، وهو ذاته صلب موضوعها ومسرح ظواهرها، لكن إغناء السياق الحضاري، وإغناء العلوم الإنسانية، وحل مشكلتها ومشاكل عدة له، يتطلب التفاعل المثمر السليم بينهما، ويشترط هذا أن يكون كل في موقعه لأداء دوره، ولا يقتحم حدوداً مميزة للآخر وخاصة به»[81]. فعلى أساس هذه النظرة يجب أن يكون التفاعل والأخذ والعطاء إسهاماً في بناء الحضارة الإنسانية.

 

 



[1]* أستاذ باحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية/ أكادير ـ المغرب.

 مثل هذا الكلام نجده عند الغالي أحرشاو، من خلال حديثه عن واقع التجربة السيكولوجية في الوطن العربي، ووجدنا أن كلامه يمكن تعديته إلى اللسانيات، ينظر كتابه: واقع التجربة السيكولوجية في الوطن العربي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء - بيروت، ط1، 1994، ص5.

[2] محمد الكتاني، العلوم الإنسانية بين واقعها الإشكالي وآفاقها المرجوة، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير،

1999، سلسلة الدروس الافتتاحية، الدرس 15، ص5.

(يبدو أن هذا الخلط ما زال قائماً في البحوث والدراسات العربية، وهذا ما يبدو من النصوص المستشهد بها في هذه الدراسة).

 

[3] Encyclopaedia Universalis, V XIV p,767.

 

[4] كلود ليفي ستراوس، الأنثروبولوجيا البنيوية، تعريب حسن قبيسي، الجزء الثاني، مقالات في الإناسة، بيروت، 1982، ص123.

 

[5] نفسه، 209. وينظر أيضاً: محمد الكتاني، العلوم الإنسانية بين واقعها الإشكالي وآفاقها المرجوة، ص10.

 

[6] يعرف ميشيل فوكو تاريخ الأفكار بأنه «فرع معرفي يتناول البدايات والنهايات، ويهتم بوصف ألوان الاتصال المبهمة، وألوان

العودة، وبإعادة إنشاء التطورات الخطية المتعاقبة للتاريخ. ويتتبع، انطلاقاً من ذلك، المبادلات التي تتم بين الميادين المعرفية، وتكون مناسبة لولادة مفاهيم فلسفية» ينظر: حفريات المعرفة، ترجمة سالم يافوت، المركز الثقافي العربي، 1986.

 

[7] يمنى طريف الخولي، فلسفة العلم في القرن العشرين، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد 264. ديسمبر2000، ص381.

 

[8] يمنى طريف الخولي، فلسفة العلم في القرن العشرين، ص381.

 

[9] Cangilhem.G, Etudes dhistoire de philosophie des sciences, Vrin, Paris, 1975.p12.

 

[10] نستعمل هنا مفهوم العائق بالمعنى الذي يعطيه باشلار للعائق الإبستيمولوجي الذي يعبر به عن «كل مظاهر التعطل أو

التوقف أو النكوص التي قد تحدث في سير تاريخ العلوم»، ويرى أيضاً أن هذا العائق يوجد في صميم عملية المعرفة ذاتها، إنه ليس نتيجة لا للشروط الخارجية لعملية المعرفة، ولا للحواس والفكر بوصفهما وسيلتين ذاتيتين للمعرفة عند الإنسان. إن العوائق الإبستيمولوجية تبرز في الشروط النفسية للمعرفة تبعاً لضرورة وظيفية، بمجرد ما تقوم العلاقة بين الذات والموضوع. المعرفة العلمية، إذن، هي التي تنتج بذاتها عوائقها الإبستيمولوجية. ويحدد العوائق في أربع صور:

* الصورة الأولى هي ما يدعوه التجربة الأولى؛ فالمعرفة العلمية تأتي دائماً ضداً من التجربة الأولى.

* الصورة الثانية هي التعميم، ويتحول إلى عائق عندما يكون متسرعاً وسهلاً.

* الصورة الثالثة هي العائق الجوهري.

* أما الرابعة فهي العائق الإحيائي.

وللمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع انظر: محمد وقيدي، فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار، دار الطليعة، بيروت، ط1، 1980، ص30. وانظر أيضاً: غاستون باشلار La formation de l'esprit scientifique... ويمكن الاستئناس بترجمة خليل أحمد خليل للكتاب وهي بعنوان: تكوين العقل العلمي، مساهمة في التحليل النفساني للمعرفة الموضوعة، ط2، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، 1982.

 

[11] كمال عبد اللطيف، تأصيل العلوم الإنسانية في الفكر العربي المعاصر، الشروط المعرفية والتاريخية، مجلة فكر ونقد

(الرباط) السنة 2، العدد 18، أبريل 1999، ص15.

 

[12] هنري برغسون، الفكر والواقع المتحرك، ترجمة سامي الدروبي، مطبعة الإنشاء بدمشق (د. ت) ص188.

 

[13] إذا كان للتعميم دور دينامي في تقدم التفكير العلمي وفي فهم الظواهر، فإنه يمكن أن يتحول إلى عائق من العوائق

الإبستيمولوجية في نظر باشلار، وذلك عندما يكون متسرعاً وسهلاً فيؤدي دوراً معاكساً لدوره الدينامي المألوف، يقول باشلار: >هناك في الواقع متعة عقلية خطيرة في تعميم متسرع وسهل، وعلى التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية أن يمتحن كل إغراءات السهولة. فبهذا الشرط ستصل إلى نظرية التجريد العلمي السليم حقًّا والدينامي حقًّا» ينظر كتابه السابق الذكر، ص55. ويلاحظ أن القول بضرورة تطبيق مناهج العلوم الطبيعية على العلوم الإنسانية هو في نظرنا صورة لهذا العائق الإبستيمولوجي.

 

[14] كارل بوبر، عقم المذهب التاريخي، دراسة في مناهج العلوم الاجتماعية، ترجمة عبد الحميد صبره، دار المعارف، 1959، ص16.

 

[15] نفسه، ص16.

 

[16] نفسه، ص16.

 

[17] نفسه، ص20.

 

[18] نفسه، ص20.

 

[19] نفسه، ص22.

 

[20] محمد وقيدي، فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار، ص82.

 

[21] كارل بوبر، عقم المذهب التاريخي، مرجع سابق، ص23.

 

[22] يذهب بوبر إلى أن الفكرة القائلة بأن التنبؤ قد يكون له أثر في الحادث المتنبأ به فكرة قديمة ترجع إلى الأقاصيص القديمة

التي تحكي أن أوديب قتل أباه ولم يكن قد رآه من قبل، وكان ذلك نتيجة مباشرة للنبوءة التي دفعت أباه إلى نبذه. ولهذا السبب يطلق بوبر اسم «الأثر الأوديبي» على تأثير النبوءة في الحديث المتنبأ به (أو على تأثير المعرفة عامة في الموقف المتصل بها سواء كان من شأن هذا التأثير أن يساعد على وقوع الحادث أو على منعه). للمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع إلى كتاب بوبر الذي نحيل عليه، ص23 وما بعدها.

 

[23] كارل بوبر، عقم المذهب التاريخي، مرجع سابق، ص22.

 

[24] محمد وقيدي، فلسفة المعرفة...، مرجع سابق، ص82.

 

[25] هذا ما يحدث مثلاً عند الاستعانة بالاستمارة لتفسير ظاهرة ما، فالأسئلة التي تتضمنها قد تشمل تصوراً معيناً وفقه يصوغ

الباحث أسئلته، وهذا ما يمكن أن ينعكس سلباً على إجابات المستجوبين وبالتالي التدخل في الظاهرة.

 

[26] كارل بوبر، عقم المذهب التاريخي، مرجع سابق، ص35.

 

[27] توفيق الطويل، «إشكالية العلوم الاجتماعية أنها ليست علوماً»، ضمن كتاب إشكالية العلوم الاجتماعية في الوطن العربي،

دار التنوير للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1994، ص20.

 

[28] للاطلاع على العوائق المطروحة على مستوى المنهج، ينظر -على سبيل المثال-، كارل بوبر، عقم المذهب التاريخي،

دراسة في مناهج العلوم الاجتماعية. ترجمة عبد الحميد صبره، دار المعارف، 1959. وينظر أيضاً: عاقل فاخر، أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية، ط1، 1979.

أما بالنسبة للعوائق على مستوى التصنيف، فتنظر كتابات بياجي:

- Logique et connaissance scientifique, Gallimard, Paris.

- Epistémologie des sciences de l'homme , Gallimard, Paris , 1981,

أما فيما يخص تصنيف فوكو، فينظر: بشكل خاص كتابه:

- Gallimard، Paris 1966. Les mots et les choses

وتحديداً الفصل العاشر.

 

[29] كمال عبد اللطيف، تأصيل العلوم الإنسانية في الفكر العربي المعاصر، مرجع سابق، ص17.

 

[30] (كلمة الوحدة) تقديم العدد، مجلة الوحدة (المغرب)، العدد 50، تشرين الثاني (نوفمبر) 1988/ ربيع الثاني 1409.

 

[31] الغالي أحرشاو، معوقات التأسيس العلمي للعلوم الإنسانية في الوطن العربي، مجلة الوحدة، الرباط، العدد 50، ص19.

 

[32] نفسه، ص20.

 

[33] نتحدث عن ثقافة عضوية عندما تكون بنية هذه الثقافة مطابقة لبنية المجتمع. ينظر: عبد الله العروي، ثقافتنا في ضوء التاريخ،

المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء - بيروت، ط 4، 1997، 172.

 

[34] هاشم صالح، الفكر المستحيل (المقدمة الإبستيمولوجية)، مجلة الوحدة، العدد 26/ 27، نوفمبر/ ديسمبر 1986، 47.

 

[35] إبراهيم بدران وسلوى الخماش، دراسات في العقلية العربية، الخرافة، دار الحقيقة، بيروت، 1979، ص307.

 

[36] محمد عابد الدين إسماعيل، الوضع المنهجي للعلوم الاجتماعية، ضمن كتاب مناهج البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية،

بحوث ألقيت في الحلقة الدراسية الأولى لكلية الآداب بجامعة الكويت (1986 - 1987)، مكتبة دار العروبة الكويت، ط1، 1988، ص11.

 

[37] مطاع صفدي، المشروع الثقافي العربي بين المشاكلة والمثاقفة، مجلة الفكر العربي المعاصر، بيروت، العددان 8/ 9،

كانون الأول 1980/ كانون الثاني 1981، ص4.

 

[38] الغالي أحرشاو، معوقات التأسيس العلمي للعلوم الإنسانية في الوطن العربي، ص22 - 23.

 

[39] مطاع صفدي، أزمة الفكر العربي مع منهجياته، مجلة الفكر العربي، العدد 1، يونيو 1978، ص31.

 

[40] الغالي أحرشاو، معوقات التأسيس العلمي للعلوم الإنسانية في الوطن العربي، مرجع سابق، ص31.

 

[41] مطاع صفدي، المشروع الثقافي العربي، مرجع سابق، ص4.

 

[42] مطاع صفدي، أزمة الفكر العربي مع «منهجياته»، مرجع سابق، ص31.

 

[43] محمد أركون، بعض مهام المثقف العربي اليوم، ترجمة هاشم صالح، مجلة الوحدة، العدد 66، آذار (مارس) 1990/ شعبان 1410، ص20.

 

[44] جورج قرم، معضلات البحث العلمي في العلوم الاجتماعية والاقتصادية في العالم العربي، مجلة الفكر العربي المعاصر،

العدد 1، 1980، ص32.

 

[45] الغالي أحرشاو، معوقات التأسيس العلمي للعلوم الإنسانية، مرجع سابق، ص24.

 

[46] إبراهيم بدران وسلوى الخماش، دراسات في العقلية العربية: الخرافة، ص308.

 

[47] الغالي أحرشاو، معوقات التأسيس العلمي للعلوم الإنسانية، ص25.

 

[48] إن تقدم البحث العلمي في الوطن العربي ليس رهيناً بهذا الشرط (الديموقراطي)، هذا هو الرأي الذي يذهب إليه عبد الله

العروي، الذي ينتقد الطرح البوبري (نسبة إلى بوبر) لأن مستقبل العلم في المجتمع العربي غير مرتبط ارتباطاً حتميًّا لا بإنجازات الماضي، ولا بالديموقراطية السياسية، ولا بمستوى الرخاء والغنى، (للوقوف على تصور العروي يمكن الرجوع إلى كتابه، مفهوم العقل، المركز الثقافي العربي، ط1، 1996، ص130 وما بعدها).

 

[49] سهير لطفي، غياب الديموقراطية وإشكالية العلوم الاجتماعية في الوطن العربي، ضمن كتاب، إشكالية العلوم الاجتماعية

في الوطن العربي، دار التنوير، بيروت، ط1، 1984، ص318.

 

[50] عبد الله العروي، ثقافتنا في ضوء التاريخ، المركز الثقافي العربي، بيروت - البيضاء، الطبعة الرابعة 1997، ص176.

 

[51] السؤال الذي طرح هو: لماذا تقدم الغرب، وتأخرنا نحن؟ وما هو السبيل للحاق به؟ لقد قاد هذا التساؤل إلى ثلاثة مواقف

متباينة ظلَّت تحكم المنتوج الثقافي العربي وطريقة تعامله مع الآخر، الملاحظ أن هذه الإشكالية عادت لتظهر في شكل جديد بألوان العصر إلذى نعيش فيه، وما نعالجه هنا يعدّ شكلاً من أشكال هذا الظهور.

 

[52] حسين فهيم، قصة الأنثروبولوجيا، سلسلة عالم المعرفة، إصدار المجلس الأعلى للثقافة والعلوم والآداب، الكويت، فبراير

1986 العدد، 98، 201 - 202. وللتوسع أكثر ينظر كتاب جيرار الكرك، الأنثروبولوجيا والاستعمار، ترجمة جورج كتورة، معهد الإنماء العربي، بيروت، 1982.

 

[53] يحيى الرخاوي، التكامل المعرفي ومفهوم الإنسان «حول إشكالية العلوم الاجتماعية والإنسانية» ضمن كتاب إشكالية العلوم

الاجتماعية في الوطن العربي، مرجع سابق، 260.

 

[54] نفسه، ص243.

 

[55] جلال أمين، بعض مظاهر التبعية الفكرية في الدراسات الاجتماعية في العالم الثالث، 237-238.

 

[56] نستخدم «دنيوية» بدلاً عن مصطلح «العلمانية» Secularism. لأننا نتفق مع جلال أمين على أن هذا المصطلح أكثر

تعبيراً ودلالة على هذا المفهوم (انظر: جلال أمين، بعض مظاهر التبعية الفكرية...).

 

[57] عادل حسين، النظريات الاجتماعية قاصرة ومعادية، ضمن كتاب إشكالية العلوم الاجتماعية...، مرجع سابق، ص250.

 

[58] نفسه، ص258.

 

[59] نفسه، ص270.

 

[60] محمد أحمد خلف الله، إشكالية التراث والعلوم الاجتماعية، ضمن كتاب إشكالية العلوم الاجتماعية في الوطن العربي، مرجع سابق، ص347.

 

[61] نفسه، ص348 - 352.

 

[62] جورج قنواني، التراث الإسلامي وإشكالية العلوم الاجتماعية في الوطن العربي، ضمن كتاب إشكالية العلوم الاجتماعية...،

مرجع سابق، ص381.

 

[63] كلمة «أيضاً» هنا تفيد إقرار الكاتب بتفوق العرب في مجالات أخرى.

 

[64] اعتبر مجموعة من الباحثين ابن خلدون رائد علم الاجتماع بدون منازع. لكن من الباحثين العرب من تعامل مع هذه المسألة

بتحفظ كبير وصل إلى حد النيل منه مشككاً في صحة المعلومات التي نقل إلينا، وهذا ما ذهب محمود إسماعيل في كتابه: نهاية أسطورة ابن خلدون، ونجد من تبنى رأياً معتدلاً لا يرى في كل ما قدمه ابن خلدون ما يمكن أن يضاف حقًّا إلى مسيرة علم الاجتماع؛ فرغم أهميته لم يصل درجة الترصيص والتأسيس، وهذا ما ذهب إليه عبد الله العروي، الذي يرى أن استثمار الاجتهادات الخلدونية لبناء علم الاجتماع العربي لم يكن ممكناً بسبب محدودية المسند الخلدوني، وكانت نظرته ستفيد «حقًّا وتتحول إلى سوسيولوجية علمية، لو تجاوزت محدوديتها الأصلية، لو خرجت من مجال ضيق إلى آخر يتطلب الاطلاع على شؤون غير العرب وغير المسلمين وغير الساميين وغير الشرقيين. وهذا الأمر كان يستلزم بدوره ثورة في النظام التعليمي لا تعرف مسبقاً نتائجها، ثورة مثيلة بما حصل في أوروبا الغربية في عهد النهضة أو اليابان في القرن الماضي». ينظر هذا الموقف في الدرس الافتتاحي الأول الذي ألقاه عبد الله العروي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة القاضي عياض بمراكش، «تأصيل علوم المجتمع، المقارنة والتأويل»، وكذلك كتابه: ثقافتنا في ضوء التاريخ.

 

[65] علي الوردي، منطق ابن خلدون، تونس، 1976. ينظر أيضاً: عبد الوهاب بوحدبة، تطور مناهج البحث في العلوم

الاجتماعية، مجلة عالم الفكر، الكويت، المجلد 20، العدد 1، أبريل - يونيو 1989، ص20.

 

[66] جورج قنواني، التراث الإسلامي وإشكالية العلوم الاجتماعية...، مرجع سابق، ص382.

 

[67] عبد الله محمد هاشم، ورد ضمن مناقشة محاور كتاب إشكالية العلوم الاجتماعية...، مرجع سابق، ص457 - 458.

 

[68] عبد الباسط عبد المعطي، الصراع الأيديولوجي وإشكالية العلوم الاجتماعية في المجتمع ضمن كتاب، إشكالية العلوم

الاجتماعية في الوطن العربي، مرجع سابق، ص177.

 

[69] كمال عبد اللطيف، تأصيل العلوم الإنسانية، مرجع سابق، ص20.

 

[70] نفسه، ص23.

 

[71] نفسه، ص21.

 

[72] ينظر كتابه: ثقافتنا في ضوء التاريخ، مرجع سابق.

 

[73] كمال عبد اللطيف، تأصيل العلوم الإنسانية، مرجع سابق، ص20.

 

[74] ينظر كتابه: العرب والفكر التاريخي، مرجع سابق، حيث يميز بين معرفتين بالتراث، إحداهما تقليدية والأخرى حداثية.

 

[75] عبد الله العروي، العرب والفكر التاريخي، مرجع سابق، ص59.

 

[76] للاطلاع على موقف مخالفي ينظر: رشدي راشد، العلم ظاهرة غربية، مجلة المستقبل العربي. بيروت، يناير 1983.

 

[77] عادل حسين، النظريات الاجتماعية قاصرة ومعادية، مرجع سابق، ص271.

 

[78] نفسه، ص275.

 

[79] كمال عبد اللطيف، تأصيل العلوم الإنسانية في الفكر العربي المعاصر، مرجع سابق، ص21.

 

[80] استخدم ماوتسي تونغ بعض المكونات الغربية بالمضمون الذي شرحناه وحاول تطويعها، وتطويع شروط عملها وفقاً

لظروف الصين حيث أضاف إليها، ثم أنشأ بناء نظريًّا محكماً، فكتاباته رغم بساطتها تعبر عن عمق في الرؤية، كما تعتبر دراسات اجتماعية على الرغم من ابتعادها عن المنظور الغربي؛ وهذا يعطينا درساً ينبغي أن نتعلم منه (انظر مقال عادل حسين المذكور أعلاه).

 

[81] يمنى طريف الخولي، فلسفة العلم في القرن العشرين، مرجع سابق، ص389.