طهران بين: 4 - 6 مايو 2008م
زكريا العبّاد*
* كاتب من السعودية.
حين تُلقي بنظرك إلى رقعة العالم الإسلامي الواسعة وما عليها من أطراف متباعدة حيناً ومتنافرة أحياناً، وترى في زاوية من زوايا هذا العالم الإسلامي مجموعة من علمائه القادمين من بقاع عديدة منه يتجاذبون أطراف النقاش حول «وحدة الأمة» وسبل رفع العوائق المانعة لها، ربما ابتسمت للوهلة الأولى وظننت أنهم أناس «حالمون»، لكنك ما إن تُصغي لما يقولونه حتى تكتشف أنهم يُشعلون قناديل الأمل «بواقعيّةٍ» ترشد السائرين في متاهة الأزمات الإسلامية الراهنة.
في المؤتمر الحادي والعشرين للوحدة الإسلامية الذي انعقد في طهران بدعوة من المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب، وخلال ما يزيد على عشر جلسات تقدّم فيها جمع من العلماء والباحثين والمفكرين بما يربو على أربعين ورقة تناولت «ميثاق الوحدة الإسلامية» بالملاحظة والتقويم والنقد، كما تعرّض الكثير من المؤتمرين لقضايا الوحدة وأسسها وعوائقها وأسباب الخلاف وكيفية معالجتها.
وكان من أبرز الذين أبدوا ملاحظاتهم حول الوثيقة الدكتور صباح زنكنه (مستشار رئيس السلطة القضائية في إيران) إذ أشار إلى الأثر السيئ للدول الغربية التي تحاول بث الفرقة عبر تقسيم شعوب ودول المنطقة إلى «دول اعتدال» وأخرى «مارقة»، وعن الخلل الداخلي تعرّض زنكنه إلى خطر الأطراف «غير المؤهلة» التي تستغل انشغال العلماء عن أولويات الحاضر ومجرياته لتذكي المشاعر وتهيج العواطف، دافعةً باتجاه الفرقة والاختلاف دون الرجوع إلى الراسخين في العلم، ودون إدراكٍ للقواعد الفقهية والأصولية. وأبدى زنكنه ملاحظاته على بعض فقرات ميثاق الوحدة، حيث ذكر أن البند الثامن الذي يشرح مجالات التقارب بين أتباع المذاهب الإسلامية كالفقه والعقيدة والأخلاق لم يشر إلى «وحدة المواقف» أو تقاربها كنتيجة عملية تظهر الدول والمجتمعات الإسلامية كتلةً واحدةً وتبرز حيويتها ووعيها للمتغيرات، ولفت إلى ضرورة وحدة الموقف حيال القضية الفلسطينية. وحول البند التاسع من الوثيقة قال: إنه بحاجة إلى استكمال وتصحيح، «فأما التصحيح (في الخطوط العامة) فلا بد من التركيز على مواضيع «التنمية المستدامة» التي تشكل هدفاً رئيسيًّا يُخرج الشعوب من التخلف والفقر والتبعية. كما أن استهداف الحصول على موقع مؤثر في اتخاذ القرار محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا يمكن أن يشحذ الهمم ويُصفِّي العقول للاهتمام «بعزائم الأمور» و«ترك سفاسفها» تنفيذاً للمأثور.
الدكتور عبد العزيز التويجري مدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) قدّم ورقة بعنوان «قراءة في ميثاق الوحدة الإسلامية»، قال في مقدمتها: «لما كانت الوحدة الإسلامية هدفاً استراتيجيًّا دون تحقيقه مراحل وصعوبات وتحديات، فقد كان من الطبيعي أن تتعدد وجهات النظر المطروحة حول هذه القضية، وأن تتنوع التصورات والمقترحات، وأن تنشأ مدارس فقهية واتجاهات فكرية وسياسية، لكل منها تصور تطرحه للوحدة الإسلامية، لكنه أضاف: إنها تعبّر عن تنوّع في الرؤى يُغني الفكر الوحدوي».
وأضاف: إن مشروع (ميثاق الوحدة الإسلامية) ينطلق من رصد موانع التقريب والوحدة، وهي التعصب والغلو والتكفير، وتصعيد النزاع إلى مرحلة الكفر والإيمان، ومؤاخذة الآخر بلوازم كلامه وهو ينكر الملازمة، والحوار اللامنطقي، والإساءة للمقدسات، وفرض المذاهب على الآخرين، والقيام بالأعمال الاستفزازية المثيرة للفتنة وغير ذلك. وقال: إنه بالإمكان الإضافة إلى الموانع التي ذكرها الميثاق عجز مناهج التربية والتعليم عن نشر ثقافة الاحترام والتعايش والتواد بين المسلمين، وتشويه حقائق التاريخ وتفسير أحداثه وفق الطريقة المذهبية والطائفية، والسكوت عن مظاهر الغلو والتطرف مراعاة لمشاعر العوام وحرصاً على استقطابهم واستغلالهم لأغراض غير بريئة، وضعف اللغة العربية لدرجة يتعذر معها الرجوع إلى أمهات كتب التاريخ ومصادر الثقافة الإسلامية للاطلاع على أصول العقائد وحقائق التاريخ، وتغليب المصالح الطائفية والعرقية والسياسية، والتأثر بسياسات القوى الأجنبية الساعية لتمزيق الأمة، وتقاعس طائفة من علماء الأمة عن القيام بالواجب المناط بهم».
الدكتور جعفر عبد السلام (أمين عام رابطة الجامعات الإسلامية) قدّم ورقة بعنوان «التنظيم الإقليمي الإسلامي كطريق للوحدة»، أكّد فيها أن الزمن هو زمن التكتلات والتنظيمات الدولية والإقليمية، ولا مكان فيه للدولة القديمة المنفردة. وأضاف: «الدول العربية والإسلامية لا يتوافر لديها حتى الآن الحد الأدنى لقيام التنظيم الإقليمي الفعَّال؛ بسبب غياب الإرادة والعزيمة، فهي تفضل أن تحل منازعاتها عن طريق المنظمة الدولية وأجهزتها، كمحكمة العدل الدولية ومجلس الأمن كما حدث في النزاع بين قطر والبحرين على الرصيف القاري، وبين تونس وليبيا، وبين إيران والعراق حول شط العرب، التجارة البينية لا تتعدى 10% من إجمالي تجارتها مع العالم الخارجي، وأغلب الاستثمارات العربية والإسلامية وأغلب الفوائض المالية موجودة في الدول الأجنبية، والنزاعات بما فيها المسلحة، كما بين العراق والكويت، لم يتم حسمها داخل دول المنطقة وتم التدخل الأجنبي لحسمها، مما قوّض أسس الأمن الجماعي العربي، والكثير من اتفاقيات التعاون الاقتصادي قد أبرمت ولم يتم تنفيذها بين هذه الدول».
وحول سؤال: هل من الضروري وجود تنظيم عربي وتنظيم إسلامي في الوقت نفسه؟ أجاب أمين: «لا يوجد ما يجعل استمرار الجامعة العربية إلى جانب منظمة المؤتمر الإسلامي ضرورة للأسباب التالية: وجود المنظمتين معاً يمثل ازدواجاً في العمل وزيادة في النفقات بلا داع، أن الأهداف والمبادئ واحدة في المنظمتين تقريباً، أن توجيه الجهد إلى منظمة إقليمية واحدة وتقويتها مسألة ضرورية الآن، أن الثقافة العربية هي بلا جدال ثقافة إسلامية ولا توجد ثقافة عربية منفصلة في الإسلام. ومن هنا أرى أن يتم دمج الجامعة العربية في منظمة المؤتمر الإسلامي». كما دعا إلى إدخال بعض الأمور التنظيمية على نصوص منظمة المؤتمر الإسلامي منها إقامة جيش للدفاع عن الدول الإسلامية في حالة العدوان عليها، وأضاف: إن ميثاق الأمم المتحدة سمح باستخدام القوة في حالة الدفاع الفردي أو الجماعي وفقاً للمادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة.
الباحث والمفكر العراقي محسن عبد الحميد قدّم دراسة لمجالات التقارب المختلفة (العقائد، الفقه، الأخلاق، الثقافة والتاريخ)، ذكر فيها أن أمجاد الأمة ما كانت لتبنى إلا بوحدة المنهج واستقامة فهم العقيدة والوقوف عند الوحي الإلهي الذي نزل على النبي K؛ فلقد كان الجيل الأول يعلمون أن مهمتهم تنحصر في تنمية عالم الشهادة، فلم يكونوا يسألون عن عالم الغيب الذي لا يُبنى عليه عمل، بل في الكثير من الأحيان يحرّف الوجهة ويدخل الشكوك في النفس الصافية البريئة....
وحول سؤال: كيف نجدد الدين ومنه ننطلق إلى إحداث التقارب بين المذاهب الإسلامية التي فرّقها التخلف المشين في العقل الإسلامي؟ أجاب عبدالحميد: «هذا التجديد ليس صعباً على الرغم من تراكمات الماضي؛ لأن الأصول واضحة والفروع مشخّصة، أما الأصول فمبيّنة في كتاب الله وسنة رسوله المتواترة أوضح بيان...». ثم تحدّث عن إجماع المسلمين على أصول العقائد كالوحدانية، والأسماء الحسنى، ووصف الله بالكمال، وتنزيهه عن النقص، والإيمان بالأنبياء وخاتمهم محمد K، وبالقدر، دون الدخول في التفاصيل، وبالجنة والنار، وكل ما ثبت بالضرورة في الدين. وقال: إن الاختلاف في الفقه أقل خطراً من الاختلاف في تأويلات العقيدة؛ لأنها تدور في عالم الغيب وتدفع الإنسان إلى بؤرة الصراع باعتبارها المنطلق عند كثير من الناس لفهم الدين وإصدار أحكام الولاء والبراء، أما الاختلافات الفقهية فتجري في عالم الشهادة، وتشكل خصوبة كبيرة تقدّم حلولاً واقعية لمشكلات الحياة الإنسانية.
أما الباحث والمفكر الإيراني علي أكبر رشاد فقد تحدّث في ورقته عن (أهداف وأسس الحوار الديني)، وقال في المقدمة: إن بحث العلاقات والحوار بين الأديان والحضارات لا يزال غير ممأسس ولا يقوم على قواعد واضحة؛ نظراً لأنه مشروع نشأ حديثاً، ولعدم وجود تعريف منقح يجمع عليه الجميع، ولتسييس المعرفة والمباحث الفكرية والنظرية التي يتناولها، أو الخلط بين المباحث العلمية والمجاملات والكراهية الشخصية، ما يُعرّض البحث العلمي إلى الكثير من الآفات والمخاطر.
وعدَّد رشاد جملة من «الأهداف والتبعات» للحوار منها: إخراج الحضارات الإنسانية العريقة والأديان الإلهية الكبرى من حالة الانفعال إزاء الحضارة الجدية إلى حالة الفعل، ردم الهوة بين التقليد والحداثة والتقليل من نواقص فترة ما بعد الحداثة، استعارات العلاجات المجربة من التراث الحضاري والديني العريق لحلّ أزمات الإنسان المعاصر، التعارف وزيادة مستوى المعرفة بين أصحاب الحضارات وأتباع الأديان فيما يتعلق بأسس التراث الحضاري والاستفادة والانتقاء من المنجزات الإنسانية الدينية والحضارية لدى الآخرين، تحطيم الاستبداد الثقافي الذي تمارسه أقطاب السلطة في العالم والآثار السيئة للعولمة الغربية أحادية الجانب، تعزيز الوحدة بين أتباع الأديان من جهة والمجتمع الدولي من جهة أخرى، تنمية مسيرة الأمن وتشييد مباني السلام العالمي، عودة الثقة بالنفس بين المؤمنين، استعادة المتدينين لهويتهم الدينية، صقل الفكر الديني وإحياء مكانة الدين.
عضو المجلس الأعلى في المجمع العالمي للتقريب محمود محمدي عراقي قدّم ورقة موجزة بعنوان «الانسجام الإسلامي والشعائر الإسلامية». وورد في ورقته «الارتباط بين الشعائر والشعور والمشاعر في الجذر اللغوي واضح، ويوحي -والله أعلم- بأن شعائر الله مما يعمّق شعور الإنسان بالارتباط بالله. ولا شكّ أن هذا الشعور هو الأساس الذي تنبني علاقات الإنسان بالله وبأخيه الإنسان، وهو القاعدة التي تخلق الانسجام بين أبناء الأمة المسلمة في عقيدتها وأهدافها وعلاقاتها الداخلية والخارجية. وأضاف: إن الواقع يشير إلى أن الشعائر الإسلامية تُشكِّل آصرة فكرية وعاطفية وشعورية بين المسلمين، تخلق فيهم روح الإحساس بالوحدة والعزّة والكرامة، وإلى ذلك يشير الدعاء المأثور في العيدين: «اللهم بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً، ولمحمد صلى الله عليه وآله ذخراً وشرفاً وكرامة ومزيداً». فالعيدان ذخر للرسالة المحمدية وكرامة ومزيد من العطاء المتواصل على مرّ الدّهور. ويشكّل العيدان (الفطر والأضحى) معلماً هاماً من معالم الوحدة الشعوريّة بين المسلمين. وأمتنا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تعظيم شعائر الله {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}، ويتمثل تعظيمها في الاهتمام بكل ما يزيدها عطاءً ويخلق الوحدة الشعورية. إن تفرُّق المسلمين في عيد الأضحى يُعطي صورة مؤلمة ومخجلة عن تفرق المسلمين، ويخلق أثراً سلبيًّا على عواطف المسلمين، فقد ساد إحساس بعدم قدرة المسلمين على توحيد عيدهم فكيف يستطيعون توحيد صفوفهم؟ وقد وردت الأخبار من المسلمين في أوروبا بما يحزّ في النفس من شعورهم بالخجل أمام أتباع الأديان الأخرى، خاصة وأن الإعلام الغربي قد ضخّم هذا التفرّق وعزاه إلى أسباب سياسية مع الأسف. وجاء في ختام ورقة عراقي دعوته العلماء إلى إضافة عبارة «اتخاذ الآليات اللازمة لتوحيد أعياد المسلمين ومناسباتهم الإسلامية الهامة، والاهتمام بتعظيم هذه الأعياد والمناسبات لتعمّق الوحدة الشعورية بين المسلمين» إلى البند التاسع من الوثيقة.
أما الباحث والمفكر الإيراني سعيد كاظم العذاري فقد كانت ورقته تحت عنوان «الوجه المشرق للعلاقة بين أئمة وفقهاء المذاهب الإسلامية ودوره في التقريب والوحدة». ركّزت هذه الورقة على الدور الإيجابي للاطلاع على العلاقات الودية التي نشأت بين أئمة المذاهب المختلفة. وقد اشتملت الورقة على عدّة عناوين فرعية مثل «إشاعة ثقافة الاستيعاب ومراعاة التعددية»، واندرج تحت هذا العنوان التأكيد على طبيعية ظاهرة التعددية القائمة على أسس عشائرية أو قومية أو وطنية، إذ لم يعطلها الإسلام أو يلغها، لكنه أكد على التقائها جميعاً في الآفاق الأرحب. وكان أئمة المذاهب في مقدمة دعاة الوحدة المؤكدين على استيعاب الآخرين ومراعاة التعددية والتعامل معها كأمر لا يمكن تجاوزه. وختم هذا العنوان بإيراد عدد من الفتاوى من علماء السنة والشيعة تؤكد انضواء جميع المذاهب تحت مظلة الإسلام وتمتعهم جميعاً بامتيازاته. وتحت عنوان «نشر أحاديث ووقائع التعاون والتآزر» دعا العذاري إلى الالتزام بنشر أحاديث التعاون والتآزر والتقليل قدر الإمكان من الأحاديث التي يشم منها رائحة الفرقة وإن كانت صحيحة السند؛ لمخالفتها للمصلحة الإسلامية العليا، فينبغي أن تعرض في دوائر خاصة مغلقة، أو الاعتراف بها كأخطاء تاريخية واقعية لا ينبغي تحميل الجيل الراهن أو المرحلة المعاصرة مسؤوليتها، وروى في هذا الصدد جملة من الأحاديث التي تعزز الأجواء الودية بين الطوائف كرواية عن أم المؤمنين عائشة فيها: «النظر إلى وجه علي عبادة»، وروايات أخرى عن العلاقات الإيجابية بين الإمام علي والخلفاء الراشدين، وبين الإمام الصادق وأئمة المذاهب الإسلامية. كما خصص تحت عنوان «علاقات الاحترام والمودّة والإقرار بالفضائل» فقرةً أورد فيها عدداً من النصوص لجملة من أئمة المسلمين يتبين منها عمق المشاعر العاطفية التي تربطهم بآل بيت الرسول K، إضافة إلى تتلمذ عدد منهم على يد الإمام الصادق كسفيان الثوري وأبي حنيفة. واستشهد العذاري في هذا الصدد بسيرة الحسن البصري والقاضي ابن أبي ليلى والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل. ودعا في نهاية بحثه المسلمين إلى إعادة كتابة تاريخهم بما ينسجم مع المصالح الإسلامية العليا لغلق الطريق أمام المتربصين، ما يتطلب وقفة شجاعة من المصلحين لكشف الروايات المدسوسة ونشر الروايات التي تشير لعلاقات المودة.
الدكتور محمد علي آذرشب قدّم ورقة بعنوان «ميثاق الوحدة الإسلامية.. نقد ومراجعة، مشاريع الإحيائيين والتقريب، مشروع الشهيد مطهري نموذجاً»، ذكر في بدايتها أن المجتمع الحي يتحرك نحو مُثُل عُليا كبيرة وأهداف كبيرة وتصغر في عينيه المسائل الفرعية الصغيرة، والمجتمع الحي كالجسد الحي ترتبط أجزاؤه ارتباطاً عضويًّا وتعمل بانسجام، بخلاف الجسد الذي دَبَّ فيه الموت الحضاري. وأكّد أن كلّ الإحيائيين في التاريخ القديم والمعاصر كانوا دعاة وحدة، ما يدلل على ارتباط الإحياء بالتقريب؛ فالخطاب الإحيائي يتجاوز المذهبي ويتخاطب مع المسلمين على اختلاف مذاهبهم. ثم دعا «إلى دراسة مشاريع الإحيائيين الإسلاميين القدامى والمعاصرين، والوقوف عند اتجاهاتهم التقريبية، وتحويلها إلى ثقافة عامة». ثم انتقل آذرشب إلى إلقاء الضوء على سمات التوجه التقريبي للشهيد مطهري، والتي تضمّنت ثلاثة محاور: الأول: تقديم الإسلام بلغة العصر التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وثاني السمات هي وحدة الأمة في خطابه حيث اهتمّ بخطاب الوحدة في القرآن الكريم مستشهداً بالآيات الدالة على ذلك، وكذلك استشهاده بسيرة الإمام علي C في المحافظة على وحدة الأمة، وعرض الكثير من الروايات التي نقلها الشهيد، ونقل تعليقاته عليها. والمحور الثالث بيان الطبيعة العالمية للدعوة الإسلامية، ويعرض فيه مطهري موقف القرآن والسيرة من الأطر القومية والعشائرية وأي إطار آخر يفصل بين المسلمين. وفي المحور الرابع تحدّث عن الحج ووحدة المسلمين حيث ألّف الشهيد كتاباً عن الحج ودوره في ترسيخ وحدة المسلمين.
أما الدكتور المغربي عبد الحق عزوزي فقد تقدّم للمؤتمر بورقة عنونها بـ«الاجتهاد والتحديث والوحدة الإسلامية»، قال فيها: «أظن أن الكلمتين لهما علاقة وثيقة ومتشابكة، إذ أريد بكلمة التحديث التجديد والإبداع والسهر على بلوغ درجات عالية من التقدم في مجالات الحياة ومختلف فروعها، والاجتهاد هو البوابة إلى الانتقال المحمود من مرحلة إلى أخرى، يحقق فيها الإنسان أمانيه وأشواقه». و«الاجتهاد الذي نصبو إليه هو الذي يبحث في مصالح العباد الآنية والمستقبلية، وهو الذي يخلق حصناً منيعاً لكل المصالح؛ فالمصلحة كما اتفق عليه جمهور الفقهاء معتبرة في الفقه الإسلامي، وكل مصلحة يجب الأخذ بها ما دامت ليست شهوة ولا هوى ولا معارضة فيها للنصوص ولمقاصد الشريعة». كما أشار عزوزي إلى ما أسماه بـ«الفقر الشديد» في فقه المعاملات والفكر السياسي يقابله ثراء وغنى في فقه العبادات. ودعا في ختام كلمته إلى الاجتهاد في كافة المجالات كالاجتهاد الفقهي، والاجتهاد السياسي، والاجتهاد الثقافي، والاجتهاد الحضاري والعلمي؛ فإن استثمار كل هذه التخصصات يحقق مقاصد الشريعة بأكملها.
الباحث والمفكر السوري الدكتور الشيخ إحسان بعدراني قدّم ورقة بعنوان «حاجتنا لفقه جديد»، عرّف في مقدمتها معنى الفقه قائلاً: إنه الشق للكشف عن حقيقة الشيء، ومعنى التجديد الذي عدّه مناقضاً للتقليد. وقال: إن الفقه الجديد يريد أن يعي تعاليم الإسلام ومقاصد الشرع ويتجاوز فكر المحن ويتجاوز فقه الظاهر والتقليد ورفض الآخر. وتحدّث عن ظاهرة التكفير عادًّا إياها من أخطر صور الجهر بالسوء التي ذكرتها الآية الكريمة {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ...}. واستشهد بوقائع حصلت في التاريخ الإسلامي استُغل فيها الخلاف في الرأي للتنكيل بالمخالفين في مواضيع سياسية وإعدامهم بحجة مخالفة الكتاب والكفر. ثم أفرد الجزء الأخير من ورقته للحديث عن غيلان الدمشقي المتوفى سنة 105 للهجرة صاحب فرقة تسمى الغيلانية نادت بأن الإنسان حر مختار لأفعاله في زمن أشاعت فيه السلطة الأموية عقيدة المرجئة والجبرية لتبرير أفعالها، وقد أخذ غيلان أفكاره عن الحسن بن محمد بن الحنفية، وكان لا يرى لقريش ميزة عرقية تميزها عن باقي القبائل، استعان به عمر بن عبد العزيز في تصفية الأموال التي صادرها من أسرته وردها لبيت المال، ودارت بينهما مناقشات في الجبر والاختيار، وحين تولى هشام بن عبد الملك طلب اعتقال غيلان فلما اعتقل دعا له الفقيه الأوزاعي ليناظره فأفتى بقتله فصلبه هشام على باب (كيسان)، وسأله الجبرية وهو مصلوب: كيف صنع بك ربّك؟ فأجاب منزّهاً الله سبحانه: (لعن الله من فعل بي هذا؟)، ثم أخذ يخاطبهم حتى أبكاهم، فأشار بعض أنصار هشام عليه فقطع لسانه ففاضت روحه. وهكذا يتحوّل الخلاف الفكري إلى صلب وتقطيع أيد وأرجل ولسان وكأن الدنيا لا تسع مختلفين في العقل والفكر.
الشيخ حسن بغدادي رئيس جمعية الإمام الصادق C دعا في ورقته المعنونة بـ«نشر ثقافة المقاومة تعميق لأواصر الوحدة» إلى تفعيل الشق الثاني من خطاب الوحدة والمتمثل في معالجة المشاعر التي تجتمع عليها مشاعر الأمة عن طريق الإحاطة بمدى التحديات المنافقة التي تعمل ليل نهار على تقويض الإسلام من خلال تضخيم الأوهام، والالتفاف حول مشروع المقاومة الموحد لمشاعر الأمة ضد أعدائها، إضافة إلى الشق الأول المتمثل في التعريف بمشتركات الأمة. وأضاف: «الدماء الزكية عندما تسقط تكون أسرع تأثيراً في الأمة من أقلام جهابذتها، وهذا لا يعني أن نتخلى عن بقية الوسائل الأخرى». وتحدّث في ختام كلمته عن المقاومة في لبنان قائلاً: «إن أهم نتائج حرب تموز وانتصار المقاومة هو إبعاد خطر التقاتل الداخلي والانشقاق المرير بين أبناء الأمة الواحدة». ودعا إلى إدراك أن الجهاد ركن أساسي من الإسلام وتركه يؤدي إلى التفكك، وأن المقاومة تؤشر إلى العدو الحقيقي وتدفع الأمة إلى الاهتمام بأكبر وأهم القضايا، وتسهم في ترتيب أولويات الأمة عبر تقديم المخاطر الكبرى على المخاطر الوهمية، والمقاومة هي معيار للصحيح والسقيم في هذه الأمة، وهي تكشف بسرعة كل المشاريع والأضاليل المدّعاة التي لا علاقة لها بمشروعنا الصحيح، وخيار المقاومة أثبت نجاحه في مقابل مسارات التفاوض.
الباحث والمفكر الإسلامي البحريني الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني قدّم ورقة بعنوان «الانطلاقة في القضاء على موانع التقريب والوحدة»، عرّف فيها جملة من موانع التقريب، كان منها: عدم المعرفة، إذ الناس أعداء ما جهلوا كما جاء في الأثر، وغياب التزكية إذ لا يكفي العلم وحده لإزالة موانع التقريب ما لم تعضده التزكية والخشية من الله، وسيطرة الحكام المنحرفين الذين يعملون لتثبيت عروشهم على قاعدة (فرّق تسد)، وعلماء السوء الذين يقومون بفتاواهم وأفكارهم المصلحية بتفريق الجهود وبعثرة الطاقات ومنع قيام مشاريع الوحدة، والعصبية والنزعة الأحادية التي تُشكِّل غريزة يمتلكها كل فرد بحاجة إلى الكبح بكوابح الورع ونبل القيم، وحب الدنيا والمصالح المالية التي يفعل من أجلها البعض كل شيء حتى التحالف مع الدول الكبرى لتأمين المصالح المالية والتنمية التجارية، وتمنعهم هذه المصالح من قبول أي مشروع تقريبي يرونه هادماً لهذه المصالح، والأطماع الخارجية المتمثلة في الاستعمار الأجنبي الناهب لخيرات البلدان المسلمة والمستثمر لكل العوامل السابقة في سبيل التمزيق والاستضعاف لفرض سياسة الاحتياج إليه والارتباط به، وشلل الإرادات إذ تتوالى الضربات على إرادات المصلحين بهدف إحداث شرخ في عزائمهم فتتلاشى الإرادات والهمم والجهود نتيجة للجهل والأنانية والعصبية والمؤامرات الخفية إلا القلة التي انتزعت العظمة من تاريخ البشرية بصمودها في وجه الرياح المعاكسة. وتقدم الشيخ البحراني في محوره الثاني بأهم سبل القضاء على موانع التقريب عبر: نشر المعرفة وتعميم العلم مستشهداً بالآيات الكريمة الحاثة على العلم، وبالتربية الصالحة التي لا تقتصر على المعلومات والنظريات وحسب، بل هي فن تفعيل العلم وتطبيق المعلومات؛ فالإنسان ينمو نحو العظمة بنموّه النفسي والروحي والمعنوي، ويعد الحكام الصالحون من أهم السبل المؤثرة في التقريب ورفع الموانع. وطرح الشيخ في هذا الصدد مجموعة من الأسئلة التي ينبغي الإجابة عنها لتحديد مسارات التقريب والوحدة، منها: ما نوع الحكم، حكم الله أم حكم الجاهلية؟ من يكون الحاكم.. بصفات خليفة الله أم بصفات الجاهليين؟ وكيف يجب أن تكون الحكومة.. بسياسات مستقلة أم بتبعية وذيلية؟ وقال: إن العلماء الربانيين هم الذين يقومون بدور رئيسي في توحيد الكلمة بناءً على كلمة التوحيد، والربانية صفة للعالم الذي يربي الناس بأخلاق الرب الغفور الرزاق لكل العباد. والروح الجماعية هي الروح البديلة للنزعة الأحادية التي نبذها الإسلام لينمي روح العمل الجماعي؛ لأنه دين أمة وليس دين فرد أو جماعة وأسرة. والإنفاق هو سبيل البر والأخوة إذ لا تنال أمة برّ حياتها ما لم ينفق أغنياؤها وأثرياؤها في سبيل وحدتها وقوتها؛ فالمال يُشكِّل قوة أساسية في تشييد المشاريع الكبرى كالتقريب والوحدة. ومن سبل العلاج مقاومة الأطماع الأجنبية، وهي تتطلب البناء الفكري والتنوير الثقافي ونشر مراكز الأبحاث وتأسيس المكتبات العامة. وختم الشيخ البحراني بجملة من التوصيات منها: صناعة إعلام مكثف للدفع باتجاه التقريب، وتثقيف الأمة بكتاب الله وأخلاق رسول الله، وإبرام وثيقة تحريم دم السلم على المسلم.
أما الدكتور محمد بلبشير الأستاذ في جامعة تلمسان الجزائرية فقد قدم أطروحة بعنوان «الاجتهاد الجماعي ودوره في التقريب بين المذاهب»، حيث عرّف الاجتهاد الجماعي بأنه «بذل أغلب الفقهاء الجهد في نيلهم حكماً شرعيًّا عمليًّا بطريق الاستنباط واتفاقهم جميعاً على الحكم بعد التشاور». وحول أهميته قال: «فاجتماع أهل العلم والصلاح من علماء الأمة في مختلف التخصصات لبحث القضايا المستجدة هو الصورة الممكنة لممارسة الاجتهاد في هذا العصر الحديث». وحول التقريب يقول: «مما سبق يمكننا القول: إن فكرة التقريب تساهم مساهمة فعَّالة في العمل بالاجتهاد الجماعي». ونقل عن الشيخ القرضاوي عدداً من المبادئ الواجب مراعاتها لنجاح عملية التقريب منها: حسن الفهم، والتعرُّف على حقيقة موقف الطرف الآخر بألَّا يكون بالأخذ من أفواه العوام بل من المصادر الموثوقة. وحسن الظن، والتركيز على نقاط الاتفاق، التحاور في المتفق فيه كالأمور الفقهية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتجنب الاستفزاز، اجتناب تكفير من قال: لا إله إلا الله. كما نقل عن الشيخ التسخيري مبادئ أخرى كالتعاون في المتفق عليه والتعذير في المختلف عليه، وتجنب الإساءة لمقدسات الآخرين.
وبالعودة إلى موضوع الاجتهاد الجماعي قال: إن الاجتهاد كان إثر وفاة الرسول يتسم بطابع الشورى؛ فالخلفاء كانوا يجمعون الصحابة في الأمور الطارئة ويستشيرونهم في الحلول الشرعية لها، واستشهد بحديث رواه سعيد بن المسيب عن علي C قال: «قلت يا رسول الله! الأمر ينزل بنا ولم ينزل به القرآن ولم نسمع منك فيه شيئاً، قال: اجمعوا له العابدين من المؤمنين واجعلوه شورى بينكم ولا تقضوا فيه برأي واحد».
المفكر الأستاذ زكي الميلاد (رئيس تحرير مجلة الكلمة) تقدّم بورقة عنوانها «الوسطية والطريق لوحدة الأمة»، جاء فيها: «يلاحظ أن الفكر الإسلامي اليوم بدأ يستعيد الحديث من جديد عن مفهوم الوسطية، وبطريقة تلفت الانتباه بشدة وكأننا لأول مرة نكتشفه ونتعرّف عليه...»، وقال: «هذا المستوى من الاهتمام يصلح لأن يؤرخ لتطور جديد في علاقة الفكر الإسلامي المعاصر بمفهوم الوسطية، الأمر الذي يستدعي التأمل والنظر لتفسير وتحليل طبيعة هذا التطور...»، ويخلص للقول: «مجال النظر لهذا المفهوم سابقاً، ولعقود طويلة كان يتحدد في إطار المقارنات والمقاربات الكلية والعامة بين الإسلام عقائده وتشريعاته والعقائد والفلسفات الأخرى على طريقة ما قام به سيد قطب في كتابه (خصائص التصور الإسلامي ومقوماته)، وما قام به الشيخ القرضاوي في كتابه (الخصائص العامة للإسلام)، وما قام به الدكتور محمد عمارة في كتاب (معالم المنهج الإسلامي)؛ حيث فرّق بين الوسطية الإسلامية والوسطية الأرسطية التي رأى فيها أرسطو أن الفضيلة هي وسط بين رذيلتين، وهي في عرفه أشبه ما تكون بالنقطة الرياضية التي تفصلها عن القطبين -الرذيلتين- مسافة متساوية، وليست الوسطية هكذا في القرآن». ويضيف الميلاد: «أما اليوم فيلاحظ أن مجال النظر في مفهوم الوسطية بدأ يتحوّل من نطاق الآخر إلى نطاق الذات، ما كشف عن قيمة وأهمية وفاعلية مفهوم الوسطية، وأعطى حافزاً على تجديد النظر إليه والتمسك به، وقد جاء هذا التحول نتيجة انبعاث نزعات التعصب والتكفير». وعند الحديث عن تعريف الوسطية وبعد أن عدد مجموعة أقوالٍ تناولت التعريف قال: «ما أخشى منه بسبب هذه التعريفات المتعددة هو ألَّا يكون لمفهوم الوسطية ضابط محكم يميزه عن باقي المفاهيم الأخرى القريبة منه والمتداخلة معه». ثم تحدث عن علاقة الوسطية والوحدة قائلاً: «هناك ترابط وثيق بين مفهوم الوسطية ومسلك الوحدة، فكلما تعزز مفهوم الوسطية تقدمت الأمة في مسلكيات الوحدة...». وختم بالحديث عن (ميثاق الوحدة الإسلامية) قائلاً: «وهذا ما أشار إليه الميثاق الذي أكد ضرورة نشر منهج الوسطية والاعتدال والتوازن بشتى الوسائل العلمية لتصحيح النظرة إلى المذاهب العقدية والفقهية والتربوية باعتبارها مناهج مختلفة لتطبيق الإسلام».
الباحث والمفكر الإسلامي اللبناني حيدر حبّ الله تقدّم للمؤتمر ببحث عنوانه «المبادئ القرآنية للعلاقات الإسلامية - الإسلامية»، تناول فيه التأسيس القرآني لعلاقة المسلمين بعضهم ببعض، وكيف تقوم هذه العلاقة، وما هي أبرز المعايير التي تحكمها، وقد تناول ذلك ضمن عدة عناوين ومبادئ رئيسية هي:
1- مبدأ عدم التنازع المستفاد من الآية {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} فهي تدل على حرمة التنازل، وبالتالي تدفع باتجاه الاتفاق والوحدة.
2- مبدأ الاعتصام الديني وعدم التفرُّق، ويشير إليه عدد من الآيات الكريمة منها: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا...}. وتحت هذا العنوان اندرجت عدة عناوين فرعية منها: التفرق عن الدين، والتفرق داخل الدين.
2- بين الفرقة الدينية والفرقة غير الدينية، وتحدث فيها الباحث عن الآيات التي تناولت الفرقة لأسباب دينية داخل الدين الواحد كآية {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ}.
3- علاقة الدين بإنتاج الانسجام داخل الجماعة الدينية، والمستفاد من الآية {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} أن الدين يدعو للوحدة ويعزو أسباب الفرقة للخطأ الإنساني والسوء البشري، ولذلك يُبرّأ الرسول منه {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}.
4- ألوان تأثير البغي في سلامة الوحدة الدينية، وذيل الآية {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} يوحي بتأثير الأجيال في بعضها، فالأجيال الأولى اختلفت -بعد العلم- عن بغي وهوى، أما الذين أورثوا الكتاب بعد تلك الأجيال فقد عصف بهم الشك والريب وتركت نزاعات السابقين أثرها السلبي في الأجيال اللاحقة فبعثت فيها الشك حتى لم تعد تؤمن بكتابها حق الإيمان.
5- إضفاء مفهوم العذاب على الفرقة والتناحر، {هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} تشير الآية إلى أن أنواع العذاب الإلهي متعدد، وأن واحداً منها جعل الأمة على شيع وأحزاب يقاتل بعضها بعضاً ويبطش بعضها ببعض.
6- حالة التشظي ووهم المكاسب الجزئية، {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} الآية تشير إلى واقع يعيشه المجتمع في ظل حالة الانقسام عادة، وهي أن كل فريق يعيش في حالة غفلة ونشوة بما يراه من انتصارات له ومكاسب يحققها على الفريق الآخر أو لنفسه هنا أو هناك، وهو غافل عن القضايا الكبرى، وغافل عن أن بعض مكاسبه الجزئية ليست سوى تكريس لانقسام الأمة وتمزقها وتشرذمها، وبالتأمل في استخدام كلمة (فرحون) في اللغة نجد أن القرآن الكريم لم يطلقها على السرور الإيجابي، بل أطلقها في موقع الذم {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} فالفرح هنا لا يقصد منه السرور ولهذا فسر بالبطر، وأنه قد يكون بأمر لا نفع فيه ولا لذة على الحقيقة، بخلاف السرور.
3- مبدأ وحدة الأمة، والمستفادة من الآية {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ}.
4- مبدأ الولاية المتبادلة، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
5- مبدأ الألفة الإسلامية والرحمة الإيمانية، {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}.
6- مبدأ الأخوة الإسلامية، يستفاد من جملة من الآيات منها: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. والدلالة الأهم لمثل هذه الآيات أنها تفيد الحصر، وكأنه لا معنى لهم سوى أن يكونوا إخوة.
7- مبدأ دفع البغي، وجوب الإصلاح ومجاهدة الفرقة الباغية، {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.