شعار الموقع

ضمان جودة واستمرارية العمل الخيري العربي

د. مصطفى محمود محمد عبدالعال عبدالسلام 2009-09-04
عدد القراءات « 949 »

 

[1]

مقدمـــة

ازداد الحديث في السنوات الأخيرة عن الدور الذي يمكن أن تقوم به المنظمات غير الحكومية NGO’S لسد الفجوة بين القطاع الخاص والحكومة لمقابلة متطلبات التنمية، وبصفة خاصة على ضوء التغيرات العالمية، ومنها: التحرير الاقتصادي وتقليص دور الدولة، تحرير التجارة والتكتلات والتجمعات، والمشاكل التي تنشأ في كثير من الدول نتيجة هذه التحولات تحتاج إلى جهات فعالة، يعتمد عليها في مواجهة مثل هذه المشاكل، وقد بدأت تتغير نظرة العالم للمنظمات غير الحكومية واعتبارها مصدر فعّال يعتمد عليه في تطبيق مختلف السياسات ومواجهة الكثير من المشاكل، حيث إن هذه المنظمات تعتبر أكثر ديناميكية ومرونة من الجهات الحكومية في الوصول لكثير من الفئات الفقيرة التي لا تستطيع أن تصل إليها الحكومة.

أيضاً فهناك تأكيد واضح على الدور المرتقب للقطاع الأهلي على المستوى العالمي فقد أعلنت هيئة الأمم المتحدة أن أول عام في القرن الواحد والعشرين هو العام العالمي للتطوع والمنظمات غير الحكومية التي تعمل على حفز التعاون الدولي، كما أن ميثاق الأمم المتحدة يسمح بوجود المنظمات غير الحكومية كمؤسسات استشارية في الهيئة على أن يقوم المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهو أحد الأعضاء الست الأساسية في الهيئة، بعقد الاتفاقات اللازمة معها، وبالتالي أصبحت المنظمات غير الحكومية عنصراً أساسيًّا في المحافل الدولية في العالم، وأقر المسؤولون بالأمم المتحدة الدور الذي لا يمكن الاستغناء عنه للمنظمات غير الحكومية في شؤون التنمية العالمية ومساهمتها الجوهرية للأمم المتحدة.

وبقدر التزايد العددي للمنظمات غير الحكومية في العقدين الأخيرين من القرن العشرين كان هناك أيضاً التنوع الوظائفي والتعدد في الأدوار التي باتت تلك المنظمات تضطلع بها على المستويين القومي والدولي فهذه المنظمات لا تقتصر أدوارها على الداخل فقط وإنما تتفاعل عبر الحدود القومية، وهو ما دعت إليه وتناولته هيئة الأمم المتحدة، ومن ثم أصبحت تشكل بعداً حيويًّا لظاهرة العولمة.

ولقد لعبت المنظمات غير الحكومية -من خلال تجارب دولية عديدة- دوراً هامًّا في التوعية والتبشير بالاقتصاد الإسلامي من خلال تطبيقاته الواقعية، وكان من أهم أساليبها لذلك هو خلق فرص عمل، وبالتبعية زيادة مستوى الدخل، ومن خلال تشجيع الأعمال أو المشروعات الصغيرة، وذلك بمنح الطبقات الفقيرة ائتمان ومنح للقيام بالمشروعات الصغيرة، وتمثلت هذه الطبقات في أفقر الفقراء من صغار المزارعين ومنظمي المشاريع في القطاع غير الرسمي بصفة عامة والنساء بصفة خاصة، وهم أكثر الفئات التي يمكن الوصول إليها من قبل المنظمات غير الحكومية، بالقروض الحسنة بعيداً عن الفوائد الربوية، وجعل الفقراء مشاركين في دعم الجمعيات من خلال ما يسددونه من عوائد أرباحهم، ومن ثم تقوم الجمعية بتدوير المال إلى فئة أخرى فقيرة وهكذا، بعيداً عن شبهات الربا.

أيضاً هناك أسلوب آخر لهذه المنظمات لدعم الطبقات الفقيرة وهو التدريب لخلق مهارات فنية مختلفة، فهو أحد ركائز التنمية البشرية أيضاً، ويمثل ذلك دعاية وتبشيراً لمفهوم الاقتصاد الإسلامي. أيضاً هناك وسيلة أخرى هي التوعية من خلال إقامة الندوات والمؤتمرات التي تدعو إلى الأخذ بمبادئ الاقتصاد الإسلامي، خاصة في ظل الصحوة الإسلامية الحالية في الدول الإسلامية، ووجود المزيد من الشعوب التي تريد أن تنأى بمالها عن شبهات الربا، ومعرفة منظومة الاقتصاد الإسلامي التي تشمل ضمن ما تشمل الحقوق التكافلية للمسلم من زكاة ووقف وإنفاق العفو وغيرها على ضوء حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم): «ليس منا من بات شبعان وجاره جائع».

-1-
تطور العمل الخيري والتطوعي في الوطن العربي

بدأ النشاط الخيري والتطوعي في البلاد العربية مع بداية العشرينات من القرن الماضي يتخذ شكل تنظيمات وجمعيات خيرية بدافع الخير والإحسان واستجابة لظروف محلية وإقليمية حيث ساهمت هذه المنظمات في تقديم مساعدات اجتماعية وصحية وإنسانية.

وفي الستينات من القرن الماضي بدأت المنظمات غير الحكومية تؤدي دوراً بارزاً في الحياة الاجتماعية والثقافية والإنسانية، وتطورت من حيث الخدمات والاختصاص، غير أن ظهور الدولة الوطنية في هذه الفترة ونزعتها نحو السيطرة على الفعاليات الاجتماعية، أدى إلى سيطرة الحكومة المركزية على فعاليات النشاط الخيري في المجتمع، من خلال دمجه في الجهاز الحكومي.

غير أنه في نهاية القرن الماضي ونتيجة للتغيرات السياسية والاقتصادية التي مسَّت المنطقة العربية والإسلامية، عرف العمل الأهلي في البلدان العربية توسعاً كبيراً وازدهاراً، وساهم بتحمل جزء من أعباء الدولة ومسؤولياتها الاجتماعية في مجالات عديدة كالتأهيل والتدريب ومكافحة الفقر ورعاية الأسرة والطفولة ورعاية المسنين والمشردين، إضافة إلى تنمية المجتمعات المحلية وتحسين البنية التحتية والإغاثة، وقد شكلت المؤسسة الوقفية نواة العمل الخيري العربي والإسلامي[2].

على الرغم من التطور الذي عرفه العمل التطوعي العربي والمنظمات غير الحكومية والأهلية في الوطن العربي خلال العقدين الماضيين من القرن الماضي، إلا أن هذا القطاع ما زال يواجه معوقات تحول دون قيامه بدوره كأحد الفاعلين في عملية التنمية.

-2-
المنظمات الأهلية في الوطن العربي في ظل العولمة

إن التغيرات السياسية والاقتصادية النوعية التي طرأت على المنطقة العربية والتي رافقت عملية التأسيس لنظام عالمي جديد، والتي نتجت عنها آثار مختلفة الأبعاد باتت تهدد السيادة الوطنية والاقتصادية والخصوصيات الاجتماعية والثقافية والحضارية في بلدان العالم الثالث، وذلك من خلال تطبيق إجراءات وبرامج عولمية تقوم عليها مؤسسات دولية ومنظمات غير حكومية نشطة، تملك من الإمكانات ما يجعلها ذات تأثير بالغ في توجيه النشاط الخيري العربي والإسلامي وفق تصوراتها وأهدافها. لهذا فإنه أصبح من الضروري العمل على بناء قطاع خيري مستقل يشجع المنظمات غير الحكومية والأهلية على القيام بدورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى هذا يجب العمل على إعادة بعث مؤسستي الزكاة والأوقاف، ذلك أنهما تمثلان أحد ركائز العمل الخيري التنموي فالزكاة سوف تعمل على قيام نظام تكافلي اجتماعي أثبت كفاءة عالية في مكافحة الفقر وتخفيف نسب البطالة والأوقاف التي بإمكانها أن تقيم وتسيّر شبكة واسعة من المؤسسات الخدمية  والمنافع العامة في مجالات وأغراض متنوعة، وهذا ما سوف يؤدي إلى استغناء مجتمعاتنا عن مساعدة المنظمات غير الحكومية الدولية التي سوف لن تكون خدماتها مجانية.

-3-
علاقة المنظمات غير الحكومية العربية بالمنظمات غير الحكومية الدولية

إن أساس العلاقة بين المؤسسات غير الحكومية في الغرب ومؤسسات القطاع الخيري والتطوعي في الوطن العربي يرتبط بثروة المنظمات الدولية وموقفها كمانحة، والعجز المالي للمنظمات غير الحكومية العربية وموقفها كمتلقية، وحيث تعتبر المساعدة المالية والتقنية هي العامل المسيطر الذي يحدد العلاقة بينهما، فإن ذلك يساهم في خلق علاقة تبعية واعتماد، فيترتب على هذه العلاقة غير المتكافئة سلوكيات معينة في التعامل بين المنظمات غير الحكومية المانحة والمنظمات غير الحكومية المتلقية فيما يتعلق بمن يحق له تحديد الأولويات، وفي حق المنظمات المانحة في الرقابة والمتابعة، رغم ثبوت فشل بعض المشروعات الممولة أجنبيًّا بسبب اختيار المنظمات الدولية المانحة لمشروعات ليس لها علاقة بالواقع والاحتياجات الاجتماعية المحلية[3].

-4-
الحملة على العمل الخيري العربي،
محاربة الإرهاب أم وقف تدفق نهر الخير

إنها المفارقة والتناقض الصارخ، الذي يكشف سوء النوايا المبيتة، ففي الوقت الذي يؤكد فيه خطاب العولمة، وتصريحات دوائر القرار في الغرب، على ضرورة دعم ما يسمى بالمجتمع المدني -غير الحكومي- باعتباره إحدى ركائز الديمقراطية وأحد أهم بنود الأجندة العالمية حاليًّا، في الوقت نفسه يجري العمل على منع المجتمع المدني، ومحاصرة الجمعيات الخيرية الإسلامية العاملة ومصادرتها والتضييق عليها. فالمطلوب إذن دعم الجمعيات والمؤسسات غير الحكومية التي تعمل وفق المخطط الغربي، والتي تتلقى تمويلاً من جهات ومؤسسات غربية، فليس مطلوباً إذن جمعيات تساعد الفقراء، أو تعين المحتاجين، أو توفر ماء الشرب في إفريقيا وآسيا، أو تساعد ضحايا الحروب والكوارث، أو تبني المدارس والمساجد، أو تكفل اليتامى وتداوي المرضى، بل المطلوب جمعيات ومنظمات تحرض على هدم القيم والقبول بالتطبيع، والترويج لقيم العولمة الأمريكية.

والمتتبع للإجراءات الأمريكية، ومن ثم الغربية، وما يفرض منها على بعض الحكومات العربية والإسلامية أن تتخذه حيال الجمعيات الخيرية والإسلامية، يكتشف عملاً إستراتيجيًّا هدفه الحرب على العمل الخيري الإسلامي وتقويضه، بعدما ثبت بما لا يدعو للشك، النجاحات الباهرة والإنجازات الكبيرة التي بات يحققها العمل الخيري الإسلامي، رغم إمكاناته وموارده المتواضعة مقارنة بما هو عليه حال القطاع الخيري في الغرب[4].

لقد تحول العمل الخيري الإسلامي من نشاطات فردية غير ممنهجة إلى عمل مؤسسي، وفق خطط ورؤى، حظيت باحترام وتقدير المسلمين من مانحين ومتلقين في كافة أنحاء العالم، كما تمكن العمل الخيري في تحريك كوكبة من المسلمين المتطوعين الذين أدووا دورهم وفق ضوابط شرعية وسلوكيات منضبطة، ودون شروط سياسية، حتى وصل النشاط الخيري إلى مناطق في إفريقيا وآسيا حيث قوة النشاط الخيري التنصيري وسيطرته، فقد برز العمل الخيري الإسلامي على المستوى الدولي ليسد الفراغ الحادث في التلاحم والتكافل بين المجتمعات الإسلامية، وتشديد العلاقة بين الأقليات الإسلامية في الغرب وحضارتهم الإسلامية[5].

إن النجاح الذي حققه العمل الخيري الإسلامي، الأمر الذي جلب استعداء الغرب، وإعلان الحرب عليه، كان يجري وفق قواعد مالية ومحاسبية معروفة للجميع من خلال المؤسسات المالية البنكية الإسلامية.

إن مجموع المساجد التي أنشأتها بعض المؤسسات الخيرية الإسلامية في دول الخليج، وخارج الحدود في إفريقيا وآسيا وأوروبا بلغ ما يزيد على 127423 مسجداً بتكلفة 126 مليون دولار، وأقامت هذه المؤسسات 3366 مشروعاً تعليميًّا بتكلفة 133 مليون دولار، وأعطت 122489 منحة تعليمية، وأقامت 7869 بئراً ومشروعاً لمياه الشرب، وكفلت 102686 يتيماً. وإذا أضفنا لكل هذا، ما تقوم به المؤسسات الخيرية الإسلامية من بناء لمدارس تحفيظ القرآن الكريم، وأعمال الإغاثة والمخيمات الطبية وتوزيع لحوم الأضاحي ومراكز النشاط الخدمي الاجتماعي، يمكننا فهم الأسباب الحقيقية وراء الحرب المستعرة على العمل الخيري الإسلامي[6].

ثانياً: استراتيجية لتحقيق ضمان جودة واستمرارية العمل الخيري العربي

تسعى إدارة الجمعيات الخيرية العربية والإسلامية من خلال اعتمادها على المشاركة الشعبية والمتطوعين من كافة طبقات المجتمع إلى المشاركة في مجالات العطاء والمحبة ونيل الأجر والثواب عبر البرامج والمشاريع الخيرية، ويشمل ذلك مشاريع تنموية تتضمن بناء المساجد وإقامة حلقات تحفيظ القرآن الكريم والمشاريع الصحية والزراعية والتعليمية وحفر الآبار والتدريب والتأهيل وبرامج إغاثة عاجلة في مجال الكوارث الناشئة عن الزلازل والفيضانات، كما تسعى إلى تخفيف المعاناة عن المعاقين، وضحايا الحروب، وتخفيف معاناة الفقراء والجياع، وتسعى إلى تنمية المرأة ورعاية الأطفال والأيتام وتأمين الملجأ والكساء للمحرومين، وهكذا تسعى الجمعيات الخيرية والإغاثية إلى توفير الغذاء والكساء والمأوى والأمن، وتمنح الفرص لتحقيق النمو الاجتماعي والتربوي.

وبالتالي فإن العمل الخيري يهدف إلى الارتقاء بمستوى العيش للمحتاجين وتخفيف مواجهتهم للمعاناة والمخاطر وتشمل المشاريع التنفيذية للجمعيات الخيرية في طياتها التعامل مع الإنسان والحيوان والتربة والماء والنبات. إن العمل الخيري العربي وفي خضم تنفيذ مهامه التنموية يواجه مسؤولية التعامل مع البيئة ومقوماتها الأمنية من خلال الخطط والجهود المبذولة في المسار الإغاثي.

وعليه فإن معظم برامج ومشاريع العمل الخيري وفقاً للأهداف الموضوعة والمتصلة بالفقر واللاجئين والمرأة وضحايا الحروب والتصحر والجفاف والصحة والتعليم والكوارث والأطفال والمياه؛ هي مشاريع وبرامج بيئية وتنموية تشمل في قوامها الحقيقي تنمية الموارد البشرية، الأمر الذي يستوجب التعمق في مفهوم العلاقة في إطار شمولي، وفي الأهداف والاستراتيجيات المتصلة بالعمل الخيري ومدى جودته وقدرته على الاستمرارية لتنفيذ خططه المستقبلية.

ومن ثم فإن هناك استراتيجية تعكس الروح الخيرية التي ترمي إلى تنقية العمل العربي وإبراز روحه الوثابة، ومن ثم ضمان جودة واستمرارية العمل الخيري العربي.

إن الجمعيات والهيئات الأهلية مدعوة وبقوة للعمل وباستمرار، فهي ركيزة أساسية في منظمات المجتمع المدني، حيث تشكل قطاعاً من قطاعات المجتمع مطلوب تكامل أدواره مع أدوار القطاع الخاص والقطاع الحكومي. وكي يظل العمل الأهلي الخيري هو نبض المجتمع وضميره والمعبر عن آلامه وآماله والساعي مع الشركاء لتلبية احتياجاته، يجب أن يصان العمل وأن يظل بمنأى عن أية تنظيمات أو صراعات. ومن ثم نوصي القائمين بالعمل الخيري بالسعي من خلال الأخذ بالأمور التالية:

1- الشرعية

تنظم الدول العمل الأهلي من خلال عدد من التشريعات، أو بإقرار قوانين خاصة، يعمل في إطارها وعلى هدى أحكامها. وبقدر ما يعتقد البعض أن القوانين قد تكون معوقة لحرية الجمعيات والهيئات أو داعية للتدخل في شؤونها، بقدر ما تكون في غالب الأمر حامية لها، العاملين عليها أو المتبرعين الذين يضعون أموالهم بين أيدي أمينة تحسن التصرف.

إن حصول الجمعيات والهيئات على الشرعية والتسجيل سواء في وزارة الشؤون الاجتماعية أو الداخلية، أو وفق ما تحدده القوانين المعمول بها بالبلاد، أمر ضروري لاكتساب الشرعية والعمل في النور.

حب الخير وحده لا يكفي والنوايا الطيبة ليست سياجاً للحماية، ولكن الشرعية والعمل في النور هما الضمان، وبالتالي فأولويات الأمور هي الحصول على الشرعية والتسجيل ووجود مقر لمباشرة العمل، فالعمل علني وليس سريًّا، وتنظيمات المجتمع هي من أجل المجتمع والعمل لصالحه.

2- تنظيم العضوية

بعد الحصول على الشرعية فهناك أمور التنظيم الأساسي واللائحة الداخلية التي تنظم عمل الجمعية ومن أبرزها شروط العضوية، وتخصيص سجلات لها، والحصول على البيانات الكاملة للأعضاء. والالتزام بشروط العضوية في تسجيل الأعضاء أمر هام. والجمعيات غالباً لا تقبل في عضويتها من عليهم أية شبهات أو صدرت ضدهم أحكام أو سبق أن صدرت ضدهم أحكام مخلة بالشرف. ولا بد أن تطبق الشروط لإسقاط العضوية حسب الأنظمة.

إن تنظيم العضوية عملية حيوية ويجب أن تظل مستمرة حتى تنقي العضوية باستمرار من الأعضاء الذين تركوا لأي سبب من الأسباب، كما أن البيانات الخاصة بهم يجب تحديثها. ناهيك عن عملية التواصل مع الأعضاء لإطلاعهم على الأعمال وإشراكهم في النشاطات والمؤتمرات العامة إن عقدت.

إن الأعضاء هم جمهور المتطوعين والمطلوب الحفاظ عليهم وتدريبهم وتحفيزهم، فهم الزاد لمسيرة العمل الأهلي وتطويره. وبالتالي فالتخلص من بعض العناصر أمر مطلوب طالما حادوا عن الطريق والأهداف، وذلك وفق الاشتراطات واللوائح المنظمة للعمل. والعناصر النشطة التي تبني وتؤازر العمل مطلوب تشجيعها وتحفيزها بل وتكريمها.

إن العضوية وتنظيمها تظل مشكلة في معظم الجمعيات والمنظمات والأهلية وبالتالي يجب أن تولى الاهتمام، فيمكن من خلالها البقاء والتقدم البنّاء، وفي انسيابها وعدم ضبطها يكون الخلل ووضع علامات استفهام على الأعمال.

3- التنظيم الإداري الجيد

إن العمل الأهلي الخيري لم يعد عملاً تلقائيًّا ولكنه دخل مرحلة الاحتراف، وبالتالي فالأخذ بالأسلوب العلمي في الإدارة والاستعانة بالكفاءات الإدارية أضحى أمراً أساسيًّا. إن التنظيم الإداري يعني تنظيم إداري للأعمال التطوعية والهيئات الإدارية وكيفية اتخاذ القرار وانتظام الجلسات واللجان ورسم السياسات ووضع الخطط والبرامج. وعلى صعيد العاملين يعني عناصر قادرة لها رؤية وتقوم بالعملية التنفيذية باتِّباع الأساليب الإدارية الحديثة في التخطيط والتنظيم والإدارة وأداء الأعمال من ناحية إعداد المشاريع وتنفيذها وما يتعلق بالمتابعة والتقييم وإعداد التقارير.

القيام بأعمال الدعوة والإعلام وربط الصلات مع المنظمات الأهلية والأطر الرسمية في داخل المجتمع ودعوتها للمشاركة في الأعمال. بجانب المحافظة على الجودة الشاملة في تنفيذ البرامج والمشروعات. كل ذلك يحسب للعمل الأهلي ويرفع من شأنه ويضعه في مصاف الأعمال الجديرة بالتقدير.

4- الاستقلالية

الاستقلالية لا تعني التقوقع أو الانغلاق على النفس ولكنها تعني الانفتاح ولكن باستقلالية في رسم السياسات وفي أخد القرار. وهذه الاستقلالية تنبع من الشعور بالمسؤولية تجاه احتياجات المجتمع والجماهير المستفيدة.

بل وفي غالب الأمر يكون التعاون مع مثيلاتها من الجمعيات لصالح الجميع، وإن كانت خدماتها ذات طابع جماهيري كالصحة والتعليم فليكن بلا تعصب وللجميع وذلك بالنسبة للعمل العام. وبذا تكون سبباً للتآلف وليس التناحر.

الاستقلالية تعني التحرر من فرض توجهات معينة تتعارض مع أهداف الجمعية أو الهيئة فتكون أعمالها خالصة لخدمة المجتمع والمواطنين ومحققة للرسالة التي تنشدها.

5- وضوح الأهداف

العمل الأهلي أو القطاع الخيري لم يعد عملاً تلقائيًّا تحدوه النوايا الحسنة فحسب، بل هو عمل علمي لا بد أن تكون له مجموعة من الأهداف العليا أو قل الاستراتيجيات التي يسعى إلى تحقيقها والسير في فلكها. وهذه الأهداف العامة لا بد أن تكون محددة وواضحة السمات، ليس هناك أهداف خفية أو غير مرئية أو مستترة.

وفي العمل لا بد من ترجمة الأهداف العليا أو الاستراتيجيات إلى أهداف عملية وللتعامل مع هذه العملية تكون البرامج والمشاريع. وفي الأخيرة يكون تحديد للجمهور المستهدف وغايات هذه البرامج والمشاريع، الأهداف العملية أو الأهداف الخاصة بالبرامج والمشاريع لا بد أن تكون واضحة ومحددة وسهلة القياس.

إن عملية وضوح الأهداف سمة علمية ولا تكون مجرد أهداف مكتوبة ولكن تكون معلنة يتشربها جمهور المتطوعين والعاملين كي يسعى الجميع لتحقيقها، ولكي يتسنى للشركاء أو منظمات المجتمع الأخرى التعاون والتنسيق معها.

6- المشروعات المجتمعية

الأصل في العمل الخيري وأعمال الجمعيات أن تكون موجهة لخدمة المجتمع وتلبية الاحتياجات، فالجمعيات الخيرية وإن كان البعض منها موجه لفئات خاصة بالمجتمع إلاّ أنها في النهاية موجهة للمجتمع وشرائحه.

ومن ثم فإن ترجمة الأهداف إلى برامج ومشروعات يجب أن توجه إلى المجتمع وتستهدف في الأساس نهضة المجتمع وتقدمه. وكلما كانت المشروعات مخططة ومصممة بشكل يتناغم مع الاحتياجات كلما كانت أكثر قبولاً دينيًّا بل وتعاطفاً بين فئات المجتمع، وهناك شريحة من الجمعيات قد تكون موجهة لمجتمعات أخرى أكثر حاجة، فهي تخاطب بالأساس الآخر وتنبع من شعور بالتعاطف بين الدول والمجتمعات والإنسان أيًّا كان موطنه، وهنا تنبع الحساسية والتخوف.

وهذا الصنف أولى بالوضوح والتناغم مع سياسات الدولة التي تكتسب مثل هذه الجمعيات شرعيتها منها وتراعي كل الظروف والملابسات.

فمثل هذه الجمعيات قد تتوجه بالفعل لمجتمعات بعنيها أو فئات خاصة، وعليها مراعاة ظروف تلك الفئات والمناخ السياسي والمجتمعي الذي تعيش ومدى تقبل ذلك. ونحاول التوصل إلى الصيغ الملائمة للعمل دونما مخاطر أو تخوفات أو شبهات.

إن العمل الخيري سيظل مطلوباً ما وجدت الحياة، وحري بنا أن ننأى به عن أية مؤثرات أو تلوينات.

7- الشفافية

وهي محصلة لما سبق ذكره من أمور وضوابط. فالشفافية مطلوبة في كل شيء بداية من تبيان الأهداف ونيل المقصد وصولاً إلى تنفيذ المشروعات على الأرض. إن الأمر الهام الذي قد يثير قلق المتبرعين أو المانحين هو إلى أين نوجه الأموال أو كيف توظّف؟ وهل تحقق الغرض منها أم لم تتحقق؟.

وهنا يأتي دور التقارير الخاصة بالإنجازات سواء كانت تقارير عن مشروعات بعنيها أو تقارير عامة فئوية كانت أم سنوية التي يجب أن تعكس النشاطات والأعمال. إن عملية التواصل مع الجهات المانحة وجمهور المتبرعين عملية هامة لكسب المصداقية.

وقد يفسر البعض الشفافية بمفهوم سطحي بمعنى تدخل الآخر في الأعمال أو تدخل كل من له مصلحة أو غيره في تفاصيل الأشياء، إن ذلك الأمر مربك للعمل وللعاملين وكأنهم موضع اتهام مستمر. ولكن المقصود بالشفافية هو إطلاع من يهمهم الأمر على طبيعة الأعمال بجانب نشر التقارير المعبرة.

8- البعد عن الصراعات

إن القائمين على العمل الخيري أو الجمعيات هم في الأساس متطوعون أو أناس آلوا على أنفسهم العمل الخيري من أجل خدمة مجتمعاتهم أو الفئات المستهدفة بالخدمة. كما أن العاملين هم عنصر فاعل في أداء الأعمال.

ومن ثم فإن جمهور المتطوعين الذين رسموا السياسات والأهداف حري بهم الاتفاق والبعد عن الصراعات. وقد تكون الصراعات على بعض المناصب من هياكل الإدارة أو من موقع اتخاذ القرار. هذه الصراعات قاتلة ومدمرة للعمل وتبعد عن نبل المقصد. وحل ذلك يكمن في إعمال أسلوب الحوار للاتفاق ودحض كل ما من شأنه بعث الفرقة والاختلاف. النقاش الحر واتِّباع الأسلوب الأمثل في الإدارة ينأى بالعمل ومؤسساته عن مغبة الصراع. قد يكون بين العناصر في الإدارة ما قد يشوه الصورة أو من يبتعد عن قصد عن الهدف المرجو، فالحوار هنا والمصداقية تلفظ تلك العناصر وتنقي العمل من الشوائب. إن العناصر العاملة تعتبر في الأساس عناصر متطوعة. فالمتطوع العامل أصبح سمة لجمهور العاملين في الجمعيات والمؤسسات الخيرية. فبالرغم من حصول العامل على أجر واعتباره متفرغاً لأداء الأعمال، إلاّ أن سمة التطوع هي عنصر النجاح في أداء الأعمال حيث يتحلى العامل بروح التطوع ويتفاعل مع الأعمال ليس بمنظور الموظف ولكن بمنظور القانع بأداء الخدمات والعامل على تحقيق الأهداف.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنه بين جمهور العاملين قد تكون أو توجد بعض الصراعات الوظيفية أو اختلاف في الرؤية، وتأتي هنا مهمة الإدارة، فبجانب إعمال الديمقراطية والاستماع للرأي الآخر تكون مسألة العمل في فريق وجماعية العمل مع وضع الأهداف نصب الأعين، وليست المسائل الشخصية والصراع هو أسوأ الأشكال المدمرة، ومطلوب أن يكون هنا تنافس شريف من أجل إعمال المصلحة العامة وليس التنافس المدمر الذي يؤدي إلى صراع يدمر ولا يبني.

9- التكامل مع القطاعات الأخرى

إن العمل الخيري التطوعي أضحى عملاً مخططاً حتى يؤتي الثمار المرجوة، وبالتالي فإن قوته في تلبيته للحاجات الفعلية للجماهير والمجتمع، وأيضاً في تكامله مع القطاعات الأخرى في المجتمع، بمعنى الجمعيات الشبيهة. فلا توجد مؤسسة أو جمعية تلبي كافة الحاجيات التي يحتاجها الإنسان، فهناك مؤسسات متخصصة في أنواع متنوعة في الرعاية والعمل التنموي. ناهيك عن الإطارات والإدارات الرسمية التي تقدم الخدمات الاجتماعية المناسبة. فالعمل الأهلي والجمعيات هو عمل مكمل لها أو مبادر لتقديم نوعية الخدمات التي يحتاجها المواطنون.

المهم الذي نريد إبرازه هو فكرة التكامل بين المؤسسات وفكرة الاستفادة بمصادر الخدمات المتوفرة بالمجتمع حكومية كانت أم أهلية. وعملية التكامل تدفع بنا إلى أهمية الشفافية التي أشرنا إليها والمصداقية وكسب ثقة المجتمع، فالعمل الخيري ليس عملاً سريًّا ولكنه عمل علني شفاف لخدمة المجتمع، وبتكامله مع الخدمات الأخرى تتجسد صور الرعاية والتنمية.

10- التقارير

إصدار التقارير دائماً هو نوع من المتابعة، والتقييم له أبعاد مختلفة فهو تسجيل حي لما ينجز وفرصة للدعوة والإعلام عما يتم، بجانب كون ذلك فرصة لمحاسبة النفس ماذا تم وماذا تحقق من نجاحات. أيضاً ما حدث من عقبات أو إخفاقات واستخلاص الدروس المستفادة في محاولة لتجاوز العقبات والمشكلات.

والتقارير أنواع، هناك تقارير خاصة عن المناسبات المختلفة أو المشروعات المنفذة، وهنالك تقارير عامة سواء كانت شهرية أو دورية أو سنوية، وبالتالي فالتقارير وسيلة لتحقيق الشفافية والمصداقية والتعبير عما يتم من أعمال ونشرها بالمجتمع.

11- ميثاق الشرف

أشار مؤتمر الخير العربي إلى ميثاق الشرف الخيري، والمقصود بميثاق الشرف أيًّا كان هو نوع من القواعد أو المبادئ أو الأسس التي يرتضيها العاملون بالمجال ويلتزمون بها، وتحدد فيما بينهم أخلاقيات العمل ومجموعة القيم التي تربط فيما بينهم. وهذا الميثاق هو معاني ليست بالضرورة أن يكون منصوصاً عليها في النظم الأساسية واللوائح، ولكنها التزام مشترك للعاملين والمتعاملين في المجال.

وبصدور مثل هذا الميثاق يعزز القيم السابقة ويبرز المعاني السامية وراء العمل الخيري وينقيه دائماً من الشوائب والشبهات، ويدفع به قدماً لمزيد من الخير والعمل الإنساني.

12- الاعتماد على الذات

رغم أن العمل الخيري يعتمد في الأساس على عطاء المتبرعين وأهل الخير لدعم هذا العمل سواء كان هذا الدعم مؤقت أم دائم في شكل وقف أو زكاة متواصلة.

فإن التوجه المرئي يشير إلى انحسار التبرعات وتعرضها لتقلبات سواء مؤقتة أو نتيجة أزمات اقتصادية معينة. ولما كان وجود مصادر للتمويل يعتبر عاملاً أساسيًّا في تحقيق الاستقرار ورسم الخطط والأعمال المتواصلة. من هنا وجب وجود مصادر ثابتة أو شبه ثابتة للتمويل وضمانة الاستمرارية.

ومن هنا وُضع شعار الاعتماد على الذات هدفاً أسمى للمؤسسات الخيرية، وابتُكر من الوسائل ما يساعد في هذا الاتجاه. والحديث يطول عن أساليب تنمية الموارد وترشيد الإنفاق والجدوى الاقتصادية وتبني المشروعات التنموية المدرة للدخل والانتقال من مفهوم الرعاية الخالصة إلى المفاهيم التنموية ومساعدة الناس كي يساعدوا أنفسهم كما يقول المبدأ الأساسي في الخدمة الاجتماعية.

13- عدم قبول تبرعات مجهولة المصدر

والحديث عن تنمية الموارد تجعلنا نذكر تحفظاً على قبول تبرعات مجهولة المصدر أو تبرعات مشروطة تجعل الجمعية أو المؤسسة تحيد عن أهدافها ومبادئها. وهذا موضوع حيوي يجب التنبه له. فليس الفرض قبول أية أموال، بل يجب التأكد من هوية المتبرع والمقصد، بجانب النظر في الشروط التي قد يفرضها المتبرع أو صاحب المال. فالأضرار التي تحيق بالعمل الخيري في حالة عدم نبل المقصد ضارة بالعمل ككل، وبالتالي وجب التنبيه والتنويه إلى ذلك، والنص في لوائح الجمعيات الخيرية على الموارد المالية وقبولها وتنظيم ذلك.

بعض المقترحات لتطوير جودة العمل التطوعي

1- أهمية تنشئة الأبناء تنشئة اجتماعية سليمة، وذلك من خلال قيام وسائط التنشئة المختلفة كالأسرة والمدرسة والإعلام بدور منسق ومتكامل الجوانب في غرس قيم التضحية والإيثار وروح العمل الجماعي في نفوس الناشئة منذ مراحل الطفولة المبكرة.

2- أن تضم البرامج الدراسية للمؤسسات التعليمية المختلفة بعض المقررات الدراسية التي تركز على مفاهيم العمل الاجتماعي التطوعي وأهميته ودوره التنموي، ويقترن ذلك ببعض البرامج التطبيقية؛ مما يثبت هذه القيمة في نفوس الشباب مثل حملات تنظيف محيط المدرسة أو العناية بأشجار المدرسة أو خدمة البيئة.

3- دعم المؤسسات والهيئات التي تعمل في مجال العمل التطوعي ماديًّا ومعنويًّا بما يمكنها من تأدية رسالتها وزيادة خدماتها.

4- إقامة دورات تدريبية للعاملين في هذه الهيئات والمؤسسات التطوعية مما يؤدي إلى إكسابهم الخبرات والمهارات المناسبة، ويساعد على زيادة كفاءتهم في هذا النوع من العمل، وكذلك الاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال.

5- التركيز في الأنشطة التطوعية على البرامج والمشروعات التي ترتبط بإشباع الاحتياجات الأساسية للمواطنين؛ الأمر الذي يساهم في زيادة الإقبال على المشاركة في هذه البرامج.

6- مطالبة وسائل الإعلام المختلفة بدور أكثر تأثيراً في تعريف أفراد المجتمع بماهية العمل التطوعي ومدى حاجة المجتمع إليه وتبصيرهم بأهميته ودوره في عملية التنمية، وكذلك إبراز دور العاملين في هذا المجال بطريقة تكسبهم الاحترام الذاتي واحترام الآخرين.

7- تدعيم جهود الباحثين لإجراء المزيد من الدراسات والبحوث العلمية حول العمل الاجتماعي التطوعي؛ مما يسهم في تحسين واقع العمل الاجتماعي بشكل عام، والعمل التطوعي بشكل خاص.

8- استخدام العمل التطوعي في المعالجة النفسية والصحية والسلوكية لبعض المتعاطين للمخدرات والمدمنين أو العاطلين أو المنحرفين اجتماعيًّا.

9- استخدام التكنولوجيا الحديثة لتنسيق العمل التطوعي بين الجهات الحكومية والأهلية لتقديم الخدمات الاجتماعية وإعطاء بيانات دقيقة عن حجم واتجاهات وحاجات العمل التطوعي الأهم للمجتمع.

 



[1] باحث فى شؤون الاقتصاد الدولي - بنك التمويل المصري السعودي.

 

[2] سري ناصر، تأثير العولمة على الخير العربي. موقع مركز التميز للمنظمات غير الحكومية،2002.

 

[3] سري ناصر، تأثير العولمة على الخير العربي، المرجع السابق، موقع مركز التميز للمنظمات غير الحكومية،2002.

 

[4] محمد مورو،حرب على الجمعيات الخيرية... أم حرب على الإسلام؟ انظر موقع:

www.islamtoday.net

 

[5] طلعت الرميح، الحملة على العمل الخيري،لماذا؟، انظر موقع إسلاميات:

www. islameiat.com

 

[6] طلعت الرميح، الحملة على العمل الخيري، لماذا؟ المرجع السابق، انظر موقع إسلاميات:

www. islameiat.com