شعار الموقع

علم الكلام عند الإمامية الاثني عشرية ودور هشام بن الحكم فيه

مصطفى حيدر السادة 2009-09-04
عدد القراءات « 2285 »

 

[1]

- الرسـالة (عـلم الكـلام عند الإمــامية
الاثني عشرية ودور هشام بن الحكم فيه)

- اعــــداد: مصطفى حـــيدر السادة

- إشراف الدكتور: نزيه عبد الله الحسن

- جـــامـــعـة آزاد الإســــلامـــيـة

- كلية الإلهيات والفلسفة - فرع بيروت

- العام الدراسي: 1428هـ/ 2007م

 

المقدمــة

الحمد لله الذي، لا يبلغ حمده الحامدون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يُدركهُ بُعد الهمم، ولا ينالهُ غوص الفِطَن، الذي ليس لصفته حدُّ محدودٌ، ولا نعتٌ موجودٌ، ولا وقتٌ معدودٌ، ولا أجلٌ ممدودٌ، لم تَرَه العيونُ فتُخبر عنه، بل كان قبل الواصفين من خلقه، لم يخلق الخلق لوحشةٍٍ، ولم يستعملهم لمنفعةٍ، فهو غني عنهم حين خلقهم، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}[2]. أحمده استتماماً لنعمته، واستسلاماً لعزته، واستعصاماً من معصيته، وأستعينه فاقة إلى كفايته، من تكلّم سَمِعَ نطقه، ومن سكت عَلِمَ سِرَّه، ومن عاش فعليه رزقُهُ، فكل شيءٍ خاضعٌ له، وقائمٌ به.

ثم الصلاة والسلام على محمدٍ النبي العربي، الذي اختاره الله تعالى من شجرة الأنبياء، ومشكاة الضياء، وذؤابة العلياء، وسُرَّة البطحاء، ومصباح الضياء، وينبوع الحكمة، ثمَّ بعثه سبحانه إنجازاً لِعِدَتِه، وإتماماً لِنبوّته، وأهل الأرض يومئذ في مللٍ مُتفرِّقة، وأهواء منتشرة، وطرائق متشتتة، بين مشبِّهٍ لله بخلقه، أو ملحدٍ في اسمه، أو مشيرٍ إلى غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة.

وعلى آله الطاهرين الذين غرسهم الله تعالى في هذا البطن من هاشم، ورفعهم وأذهب عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً، وجعلهم الدعاة الذين يُستجلى بهم العمى، والأدلاء الذين يُستعطى بهم الهُدى، الراسخين في العلم، والمخلصين في إظهار التوحيد، الباب المبتلى به الناس، من أتاه فقد نجا، ومن لم يأته هلك وهوى.

وبعـد:

فإنّ الله تعالى قد بعث محمداً برسالته على فترة من الرسل، وهفوة عن العمل، وغباوة من الأمم، وخصه بوحيه ليكون حجة له على خلقه، ولئلا تجب الحجة لهم بترك الإعِذارِ إليهم، وكان من أهداف رسالته هداية الناس، وإنقاذهم من الهلكة، فدعاهم بلسان الصدق إلى سبيل الحق، بعد أن كانوا على شفا حفرة من النار، وأنقذهم به (صلى الله عليه وآله سلم) ووضعهم على المحجّة البيضاء، وشرع لهم شريعة سمحاء، ووضع لهم أصولاً، وفروعاً هي مفتاح سعادتهم وفلاحهم في الدنيا، وخلّف فيهم الثقلين ما إن تمسكوا بهما فلن يضلوا بعده أبداً، كتاب الله تعالى حبلاً ممدوداً من السماء إلى الأرض، من تمسك به وجعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن تركه وراءه ساقه إلى النار، وعترته أهل بيته، الذين هم عِدلُ القرآن، وشرّاحه، والعارفون بمحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وعامه وخاصه، ومطلقه ومقيّده، فكانوا هم المدافع عن حريم هذا الدين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم)، فبيّنوا للمسلمين عقائدهم الصحيحة، ووقفوا في وجه أهل البدع، من المارقين والمنحرفين من أهل الزندقة، والعقائد الباطلة، ودفعوا الشبهات عن هذا الدين وأهله، حتى برز أهل الأهواء والمصالح، من الحكام وغيرهم ففرقوا الأمة، وجعلوها شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون، فتاه الناس في بحر الظلمات، وزيغ الأهواء، واعتقدوا ما ليس بدين ديناً، وما ليس بعقيدة عقيدة، فخرجوا عن المحجة البيضاء، وتركوا ما أوصى به رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم)، فانتشرت البدع، وكثرت الفرق، واختلط العَقََدي بغيره، وصار أمر العقيدة مرهوناً بالرجال، فكتب كل على طريقته، فكفّر هذا غيره في العقيدة، وأخرجه من الدين، وكان هذا سبباً في نشأة الفرق الكلامية، ونشأة علم الكلام، ولا تزال الأمة تواجه الانحراف الفكري، والعقدي إلى اليوم، حيث الشبهات، والتشكيكات، والحرب الفكرية والعقدية، التي يشنّها أعداء الأمة والدين. وكانت وظيفة هذا العلم الأولى هي الدفاع عن الدين، وبيان زيف الأباطيل، وصحة المفاهيم، وإرجاع الناس إلى عقيدتهم الصحيحة. وهذا لا يعني أنّ علم الكلام نشأ من اجتهادات الرجال، ولا حظ له من القرآن الكريم، فقد أشارت الآيات إلى كثير من مسائل هذا العلم، وقضاياه، كإثبات الصانع تعالى، وصفاته الجماليّة والجلاليّة، التي عبّر عنها القرآن الكريم في قوله تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ}[3]. ومسائل النبوّة، والإمامة، وأمر المعاد والآخرة، وما يرتبط بها من الثواب والعقاب، والجنّة والنار.

موضوع البحث وأهميته

ولأنّ موضوع علم الكلام هو معرفة الخالق تعالى، التي هي أشرف معرفة يصل إليها الإنسان، لأنّها أساس الدين والتوحيد، كما ثبت في كثير من النقولات الشرعيّة عن أئمة أهل البيت A فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه..»[4]. وورد في الدعاء: «اللهم عرّفني نفسك فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرفك، اللهم عرّفني نبيّك فإنّك إن لم تعرّفني نبيّك لم أعرفه قط، اللهم عرّفني حجتك فإنّك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني»[5]. لهذا كان علم الكلام، وما يحويه من مقولات عقدية، كالتوحيد، والصفات، والنبوّة، والإمامة، وأصل المعاد، وقضايا الآخرة، ولما له من ارتباط بحاضر الإنسان ومستقّبله، وسلوكه وعمله، ودنياه وآخرته، هو أس الدين، وأساس العقيدة.

وقد اختلفت الآراء حول علم الكلام الإسلامي، ونشأته من حيث القبول والرفض، وأدى هذا الاختلاف إلى حصول الاختلافات في مسيرة الأمة، وفي وجود علم كلام شيعي؟ وأنّه مأخوذ وملفّق من كلام غيرهم من الفرق الكلامية الأخرى، وأنّه هل يوجد منهج كلامي خاص بالشيعة الإمامية؟ فبين من أنكر وجود علم كلام شيعي، وبين من اتهمهم بتلقف كلام المعتزّلة ومنهجهم.

دراســات ســابقـة

وقد شغل هذا الموضوع بال الكثير من الباحثين، وأخذ مساحة واسعة في ساحة السجال الفكري، والعقدي بين أتباع المدارس الإسلامية، لما له من دور في تحديد ملامح المذهب العقدي الذي تنهجه مدرسة الإماميّة، فكتبت حوله الكثير من الدراسات، والبحوث العلميّة التي عُنيت بمناقشة المنهج الكلامي الإمامي، ورجالات هذا المنهج الذين برزوا بما هم مفكرون، ومنظّرون في مجال وضع ملامح هذا المنهج، وتحديده، ومن أهم تلك الكتب، والدراسات حسب ما وجدناه يمكن قسمتها إلى:

آ-كتب كلامية

1- الشيعة بين والأشاعرة والمعتزلة هاشم معروف الحسني 1978م.

2- في علم الكلام د. أحمد محمود صبحي 1985م.

3- الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة د. أحمد محمود صبحي 1985م.

4- المدخل إلى دراسة علم الكلام حسن محمود الشافعي 1905م.

5- المسار الفكري بين المعتزلة والشيعة من البداية حتى عصر المفيد رسول جعفريان 1994م.

6- علم الكلام بين الأصالة والمعاصرة د. أحمد عبد الرحمن السايح 1990م.

7- أصول العقيدة بين المعتزلة والشيعة الإمامية د. عائشة المنّاعي 1992م.

8- ما هو علم الكلام علي الرباني الكلبايكاني 1418هـ.

9- الكلام المقارن.. بحوث مقارنة في العقائد الإسلاميّة لعلي الرباني الكلبايكاني 1421هـ.

10- مدخل إلى علم الكلام د. محمد صالح السيّد 2001م.

11- تاريخ المعتزلة.. فكرهم وعقائدهم د. فالح الربيعي 2001م.

12- الاجتهاد الكلامي، مناهج ورؤى متنوعة في الكلام الجديد لعبد الجبار الرفاعي 2002م.

13- هشام بن الحكم للشيخ عبد الله نعمة من دون طبعة.

14- التشكيلات المبكّرة للفكر الإسلامي، دراسة في الأسس الأنطولوجيّة لعلم الكلام الإسلامي عبد الحكيم أجهر 2005م، بيروت.

ب- دراسات جامعية

1- مدخل إلى الفكر الكلامي عند الشهيد الصدر رسالة ماجستير لعبد المحسن آل نجف 2003م.

2- تحديث الدرس الكلامي والفلسفي في الحوزة العلميّة أطروحة دكتوراه لعبد الجبار الرفاعي 2005م، مقدمة للجامعة العالمية للعلوم الإسلامية.

* * *

إلا أنّ هذه الكتب والدراسات على أهميتها يمكن أن يلاحظ عليها:

أولاً: بعض هذه الدراسات يبحث في نشأة علم الكلام الإسلامي بصورة عامة، دون التعرض للبحث عن نشأة الفرق الكلامية ومدارسها، أو المناهج المتّبعة في البحث الكلامي، وأصول الدين.

ثانياً: وبعضها أنكر وجود علم كلام عند الإماميّة، ولذا اكتفى بالكلام عن المدارس الأخرى، ومناهجها وأهمل الكلام عن المدرسة الإماميّة ومنهجها في إثبات أصول الدين، ومسائل العقيدة.

ثالثاً: وبعض تلك الدراسات تعرض للمنهج العقدي للإماميّة بصورة استطراديّة، أو في مطاوي البحث، دون أن يفرغ لذلك بحثاً مستقلاً يستعرض فيه منهجهم، وآراءهم.

رابعاً: وبعضها وإن ذكر الإماميّة، ومنهجهم، إلا أنّه كان يفتقد التحليل الموضوعي في الكلام عنهم، وعن منهجهم، لأنّها اعتمدت في ذلك على ما كتبه الخصوم من الفرق الأخرى، أو دراسات المستشرقين.

خامساً: وبعضها تعرضت لمنهج الإماميّة، لكنّها اتهمت الإماميّة بالتلفيق، والأخذ من مناهج غيرهم، وجعلتهم عيالاً، وأتباعاً للمعتزلة.

سادساً: وبعضها أهملت الحديث عن آثار هذا المنهج، وما يمتاز به من ميزات أصبحت فارقاً بينه وبين المناهج الكلاميّة الأخرى.

سابعاً: وبالنسبة لهشام بن الحكم وإن تصدّى بعض الباحثين للكتابة عن حياته، إلا أنّهم لم يتعرّضوا لدوره في بيان معالم المنهج في إثبات أصول الدين، ومسائل العقيدة، وهذا ما أكدّت عليه هذه الرسالة.

ولا يقلل ذلك من أهمية هذه الدراسات فيما قدمته للمكتبة الإسلامية في هذا الفن، فهي دراسات معمّقة، وسهلة التركيب، غير معقّدة، وفيها الكثير من الفوائد التي يحتاجها الباحث أثناء دراسته للمناهج الكلاميّة، وقد تحصّلت منها على الكثير من الفوائد خلال دراستي هذه.

الغاية من البحث

يهتم الباحثون في المجال العلمي كثيراً بكتابة بحوثٍ جديدةٍ تكون موضوعاتها لم يُنظر فيها سابقاً، أو لم تُشبع بحثاً على أقل تقدير، وهذا الموضوع وإن ذكره بعض الباحثين في دراساتهم العلميّة، وبحوثهم الأكاديميّة، إلا أنه لم يُتناول بوصفه بحثاً مستقلاً، أو أنّه لم يُعط أهميّة كغيره من البحوث العقديّة للمدارس الأخرى، وإن تعرض له بعض في مطاوي أبحاثه العلميّة، أو عَرَضاً في دراساته العقدية لمناهج المدارس الأخرى.

ونحن عندما اخترنا هذا الموضوع للبحث والدراسة، لم يكن هدفنا إبراز المنهج الإمامي، أو توضيحه فقط، وإنما أردنا دراسته بصورة مستقلة، للوقوف على منهج مدرسة أهل البيت A التي هي من المدارس الإسلاميّة الكبرى، والمهمة في هذا الباب، وموضوعه -بل أهم مدرسة عقديّة في الإسلام- ولما له من أثر في حياة الإنسان وسلوكه، حاضره ومستقبله، دنياه وآخرته، وفوق كل ذلك الوقوف على منهج مدرسة أهل البيت A في إثبات أصول الدين، ومقولاته ما يعني دفع الكثير من الإشكالات والاتهامات التي يطرحها خصوم هذه المدرسة.

أضف إلى ذلك أنّ ما دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع، ودور هشام بن الحكم دون غيره من أعلام مدرسة الإماميّة، هو أنّه ساهم مساهمة كبيرة في بيان معالم المنهج العقدي لمدرسة أتباع أهل البيت A. وترك بصمة واضحة فيمن جاء بعده في هذا الفن، وأصبح دوره محطَّ كثيرٍ من التساؤلات، والتشكيكات من قبل بعض الباحثين، الذين تعرضوا لحياة هشام بن الحكم، ودوره في بيان عقائد هذه المدرسة، وتثبيتها.

وأزعم أن كل ذلك أكسب البحث أهميّة من الناحيّة العلميّة، ودفعني إلى عقد العزم على كتابة هذه الدراسة، وكانت الغاية من كل ذلك:

أولاً: التركيز على بيان المنهج الإمامي في مجال العقيدة، وإبراز معالمه لما في ذلك من أثر سلوكي، واجتماعي، على حياة الفرد والمجتمع.

ثانياً: جمع شتات هذا الموضوع بعد أن كان متناثراً في بعض الدراسات والبحوث الكلاميّة التي تعرضت للإشارة إليه.

ثالثاً: ومما دفعني لدراسة هذا الموضوع أنّه يكتسب أهميّة عقديّة، وشرعيّة لأنّه يناقش مجموعة من الآراء العقديّة لأبرز المدارس الإسلاميّة في علم الكلام بطريقة مقارنة.

رابعاً: خلو الكثير من الدراسات الكلاميّة من التعرض له بصورة مباشرة، ومستقلّة، فإنّ الكثير من البحوث خلت من ذكره، أو أشارت إليه بصورة عابرة في مطاوي البحوث.

خامساً: كونه بحثاً استدلاليًّا يقوم على الاستدلال، والمناقشة.

سادساً: إبراز دور هشام بن الحكم، ومكانته من أئمة أهل البيت A، وأثره في بيان معالم المنهج الإمامي في علم الكلام.

منهجي في البحث

ولأنّ هذه الدراسة وظيفتها بيان المنهج الإمامي في إثبات أصول الدين، ومسائل العقيدة، وهذا يلزم منه استعراض طريقة علماء الإمامية في إثبات الأصول العقديّة، ستعتمد هذه الدراسة على المنهج التحليلي المقارن لآراء المدارس الكلاميّة الأخرى من جهة، ومقارنتها مع آراء وطريقة مدرسة أتباع أهل البيت A من جهة أخرى، لأجل الوقوف على طريقة علماء الإماميّة في بيان المسائل العقديّة، وبالتالي الوقوف على المنهج المتّبع عندهم.

صعوبات أثناء البحث

وأثناء إعداد هذا البحث واجهت بعض الصعوبات، والعقبات، مما أعاقني في بعض فترات كتابة الرسالة عن التقدم، وأهم تلك الصعوبات:

1- قلّة الدراسات في خصوص موضوع هذا البحث، فالكثير من الدراسات الكلاميّة، والعقديّة كانت تشير إلى موضوع المنهج الإمامي بطريقة ثانويّة، فرعيّة، ولم تكن تولي هذا الموضوع الأهمية التي تناسبه.

2- تركيز البحث واختصار بعض موضوعاته مما تطلّب مني التركيز، والجهد المضاعف، والوقت الطويل.

3- تكرر الأفكار، والمنهجيات المتّبعة في كتب علم الكلام، وكأنّ غالبيتها تشكل مصدراً واحداً، مما قلل من فرصة الاعتماد على الكثير منها، أو كان الرجوع إليها قليل الفائدة.

4- ندرة الدراسات العقديّة المتكاملة من حيث الاستدلال، فلعل الكثير من الدراسات الجامعيّة المتخصصة، والبحوث العلميّة، قد كُتبت في مجال علم الكلام، والعقيدة، بيد أنّ القليل منها كان مختصاً ببحث المنهج، لا سيّما المنهج الإمامي (الاثني عشري).

5- قلة الكتب والمصادر التي تتحدث عن المنهج التكاملي، بل تكاد تكون معدومة إذا ما قيست إلى غيرها من كتب المناهج.

أقسام البحث

ينقسم البحث إلى: (مقدمة، وفصول أربعة، ونتيجة وخاتمة).

المقدمة وهي مقدمة عامة لبيان:

1- أهمية مثل هذا النوع من الدراسات، وتنبع أهميته من أن موضوع علم الكلام هو معرفة الخالق تعالى وهي أشرف معرفة يصل إليها الإنسان لأنها أساس الدين والتوحيد، كما ثبت في النقولات الشرعية، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «أول الدين معرفته....» وقال أيضاً: «اللهم عرّفني نفسك فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرفك، اللهم عرّفني نبيك فإنك إن لم تعرفّني نبيّك لم أعرفه قط، اللهم عرّفني حجتك فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني»، فعلم الكلام بما يحويه من مقولات، وقضايا عقدية، كالتوحيد، والصفات، والنبوّة، والإمامة، وأصل المعاد، وقضايا الآخرة، هو أس الدين، وأساس العقيدة.

وقد اختلفت الآراء حول علم الكلام الإسلامي من حيث القبول والرفض، وأدى هذا الاختلاف إلى حصول الاختلاف في مسيرة الأمة، وحول علم الكلام الشيعي؟ وأنه مأخوذ، وملفق من كلام غيرهم من الفرق الكلامية الأخرى؟ وأنه هل يوجد منهج كلامي خاص بهم؟ فبين من أنكر وجوده وبين من اتهمهم بالتلفيق، وتلقف كلام المعتزلة، ومنهجهم.

2- والحديث عن موضوع الدراسة، وأهميّته، وموضوع هذه الدراسة هو: منهج الإمامية (الاثني عشرية) في علم الكلام ودور هشام بن الحكم فيه.

3- والغايّة منه.

4- ثمَّ منهجيّة البحث.

5- والصعوبات التي عايشتها أثناء البحث.

وأخيراً: خطة البحث، واحتوت على فصول أربعة، ونتيجة، وخاتمة للبحث.

الفصل الأول:

وقد جعلته على مباحث ثلاثة:

المبحث الأول: وخصصته للكلام في تعاريف علم الكلام، وذكرت مجموعة من التعاريف التي ذكرها المتكلمون من الشيعة، والمعتزلة، والأشاعرة، وقسّمتها إلى اتجاهين:

الأول: الاتجاه الذي يميل إلى تعريف علم الكلام بوصفه من العلوم ذات الطابع الدفاعي، ورائد هذا الاتجاه هو أبو نصر الفارابي، الذي عرّف علم الكلام الإسلامي بأنه: ملكة يقتدر بها الإنسان على نصرة الآراء الدينية والأفعال المحدودة التي صرح بها واضع الملة وتزييف كل ما خالفها من الأقاويل. ولعل أغلب من عرّف الكلام من المتكلمين قد سلك هذا المسلك في تعريفه.

الثاني: الاتجاه الذي يميل إلى تعريفه تعريفاً ماهويًّا، مجرداً عن كونه من العلوم ذات الطابع الدفاعي، ورائد هذا الاتجاه هو الإمام الغزالي، الذي عرّف الكلام بأنّه: العلم بالوجود بما هو موجود على قانون الإسلام. وتبعه جماعة من المتكلمين.

وأشرت إلى وجود عدة مناقشات أوردها بعض الباحثين على هذه التعاريف وقد قسمت هذه المناقشات إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية وهي:

الأول: من الناحية العلمية (المنطقية)

وأهم إشكال على هذه التعاريف أنها ليست تعريفاً حديًّا (أي ليست حدًّا تامًّا يتكون من الجنس والفصل، ولا ناقصاً) لأن التعريف العلمي لأي شيء يفترض أن يكون بالحد التام وإلا خرج من العلمي إلى التعريف بشرح الاسم، ولعلها أقرب إلى التعريف بالرسم منها إلى التعريف بالحد. ثم أشكلت على هذا التعريف بإشكالين:

أولاً: هذه مجرد دعوى لأن العلماء الذين ذكروا هذه التعاريف مشتغلون بالعلوم العقلية.

ثانياً: ثم إن التعريفات ذكرت أن الكلام علم أو ملكة وهذه بمنزلة الجنس.

ثم رجعت وأشكلت على هذا الجواب وقويّت الأشكال المذكور، ثم رجعت ودفعت الإشكال بجواب آخر، وهذه طريقة علمية للوقوف على الجواب الصحيح.

الثاني: من ناحية السعة والضيق

ويمكن ملاحظة ذلك من جهتين:

الأولى: من جهة تبعية العلم فبعضهم ضيّق دائرة العلم فنسبه إلى طائفة أو جهة مما يعني تحيّز هذا القائل:

- فقد ذهب الإمام أبو حامد الغزالي إلى أنّ غرض علم الكلام: حماية المعتقدات التي نقلها أهل السنّة من السلف الصالح لا غير.

- وهكذا سار على هذا المنوال ابن خلدون الذي حدد غرض الكلام في حماية معتقدات أهل السنة (الأشاعرة) وردّ شبه المبتدعة من المعتزلة، والشيعة، وأهل التجسيم، في حين أن علم الكلام أوسع دائرة من أهل السنّة، وهذا ما ثبت من خلال البحث.

الثانية: من حيث سعة أو ضيق مسائل هذا العلم:

- فبعض جعل مسائل هذا العلم العقائد الدينية، وكيفية إثباتها.

- وبعض وسّع من مسائله بحيث شمل وجود الصانع، وما يمكن أن يوصف به، وما لا يجوز حمله عليه، وما يكون للرسل، وما ينفى عنهم.

- وبعضهم وسّع مسائله لتشمل البحث عن الموجود بما هو موجود.

الثالث: في طبيعة دليل الإثبات

فمن خلال التعريفات التي ذكرناها نجد أن المتكلمين لم يتفقوا على الطبيعة الدليل المثبت لمسائل العلم.

وإخيراً اخترت تعريفاً لعلم الكلام.

والمبحث الثاني: خصصته للبحث في تسمية علم الكلام، وأشرت فيه إلى وجود عدة تسميات، وبالرغم من تعدد التسميَات لهذا العلم، إلا أنّ تسميَتة بعلم الكلام هي المشهورة بين العلماء، والسبب كما ثبت أنّ مسألة الكلام هي أظهر مسائل هذا العلم، وأشهرها، وأشرفها، وتسميته هذه تسمية للشيء باسم أشرف أجزائه.

والمبحث الثالث: تحدثت فيه عن موضوع هذا العلم، وأوضحت اختلاف العلماء في تحديد موضوع خاص له، وذكرت الآراء في ذلك.

الفصل الثاني:

وجعلته على مباحث ثلاثة:

المبحث الأول: وخصصته للكلام في علاقة علم الكلام بغيره من العلوم، كعلم الفلسفة، والمنطق، وأصول الفقه، وعلم الفقه.

والمبحث الثاني: وخصّصته للكلام حول الآراء والمواقف من علم الكلام، واستعرضت الأسباب التي تمسك بها أصحاب تلك الأقوال، وتعرضت لذكر آراء ثلاثة.

والمبحث الثالث: وخصّصته للكلام عن نشوء الكلام الإسلامي، وتطوره، واستعرضت الآراء التي ذكرها العلماء في أسباب نشوئه. وفي سياق تطور الكلام وجدت أنّه قد مرّ بمرحلتين: مرحلة النشوء، وفيها كان الكلام شفويًّا بسيطاً، ولعل السبب في ذلك قلة الشُّبه الواردة على الرسالة الإسلامية وبساطتها. ومرحلة التدوين، وأرى أنّه بدأ مبكراً في العهد الإسلامي الأول، لكنّه كان تدويناً بدائيًّا، في محاولاته الأولى، ثمَّ تطور فيما بعد بحسب الحاجة إليه. ويمكن عدّ ما يعرف اليوم بعلم الكلام الجديد، مرحلة من مراحل تطور هذا العلم، مع التأكيد على اختلاف المقولات، والشبهات المطروحة، والتحديات الكلامية.

الفصل الثالث:

يحتوي على مباحث ثلاثة:

المبحث الأول: كان حول نشوء الكلام عند الشيعة، وجدت أنّ علم الكلام عند الشيعة الإماميّة، سبق ظهور واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، وغيرهما من متكلّمي المعتزلة، وبقية الفرق الكلاميّة، وأنّ هناك مجموعة من المسائل الكلامية كانت مطروحة في العهد الإسلامي الأول، في زمان أمير المؤمنين (عليه السلام).

والمبحث الثاني: كان حول تطور الكلام الشيعي، حيث توصلت إلى وجود مراحل ثلاث مرّ بها الكلام عند الشيعة وهي: مرحلة البذرة الأولى، وتمتد من بزوغ فجر الدعوة، ونزول الوحي على قلب الرسول (صلى الله عليه وآله سلم) إلى زمان الإمام الباقر (عليه السلام) حيث أسهم الأئمة A وتلاميذهم في بيان أصول العقائد الإسلامية، ومواجهة الانحراف الفكري، ومرحلة النشوء، وتمتد من عصر الإمام الباقر (عليه السلام) حتى زمان الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، ومرحلة التبلوّر والتأسيس، وهي مرحلة تتمثل في استقلال الكلام عن الفلسفة، وصيرورته علماً مستقلاً عن الفلسفة، حيث بدأ علماء الإمامية بالتصنيف السهل المبسط في أمر العقائد، ثمّ ما لبث أن توسع، وتعمق في مراحل لاحقة على يد علماء الشيعة الذين أسهموا في استمرار المسيرة الكلامية، وأشرت إلى بعض المتكلمين.

والمبحث الثالث: وكان للكلام حول العلاقة بين المدارس الكلامية الكبرى، وأشرت -بعد المقارنة- إلى وجود فرق بين المعتزلة والإمامية من جهة والأشاعرة. وكذا وجود فرق بين المعتزلة والشيعة الإمامية.

الفصل الرابع:

وجعلتّه على مباحث ثلاثة:

المبحث الأول: وكان في بحث منهج الإمامية في علم الكلام، وأشرت إلى وجود مجموعة من المناهج يتّبعُها المتكلمون لإثبات أصول الدين، ومسائل العقيدة، وتعرضت لبيان أهمها وهي: المنهج النقلي وهو منهج الأشاعرة، والمنهج العقلي وهو منهج المعتزلة، ثمَّ المنهج التكاملي وقد ثبت خلال البحث أنّه منهج الإمامية في إثبات أصول العقيدة الإسلامية.

ولإثبات أنّ الإمامية يستعملون المنهج التكاملي في إثبات أصول الدين، كان من الضروري بسط الكلام في كيفية استدلالهم على العقائد، وقد تعرّضت لبيان طريقة الإماميّة في إثبات أصول الدين، فتحدثت:

أولاً: في إثبات الصانع تعالى، وبيّنت مسلكهم العقلي في ذلك، واستحالة الاعتماد على الدليل النقلي، إلا من باب التأكيد لحكم العقل، والإرشاد إليه، أو لأنّ النقل قد ذكر الأدلة العقلية الدالة على وجود الصانع تعالى كما هو حال آيات القرآن الكريم.

وثانياً: بحث الصفات وقسّمت الصفات من حيث الدليل عليها إلى قسمين: قسم منها يمكن الاستدلال عليه بالدليل العقلي والنقلي معاً. وقسم منها لا طريق إلى العلم به إلا بالدليل النقلي، ولا يمكن استعمال العقل لإثباتها إلا من باب الإمكان الذاتي.

وثالثاً: بحث العدل، وتحدثت فيه عن مفهوم العدل، والدليل على ثبوت العدل للحق تعالى، وأوضحت بعض المسائل المتفرعة على بحث العدل الإلهي، وبيّنت المراد منها، وأنّه لا يمكن حمل اللفظ على ظاهره بالنسبة للحق تعالى.

ورابعاً: مسألة النبوّة، وتحدثت فيها عن عصمة الأنبياء A.

وخامساً: بحث المعاد، وتناولت فيه مسألة إثبات أصل المعاد، الذي تقرّه جميع الشرائع السماوية، ومن ثَمّ تعرضت لإثبات المعاد الجسماني.

وهذا العرض المسهب لطريقة الإمامية في إثبات الأصول، ومسائل العقيدة ساعد في التوصل إلى المنهج المتّبع لدى الإمامية.

والمبحث الثاني: وتناولت فيه ميزَات المنهج الإمامي، وما اختص به بفضل ارتباطه بمنهج أهل البيت A الذين هم باب التوحيد، فقد برزت عدّة ميزات في هذا المنهج.

والثالث: بحثت فيه دور هشام بن الحكم في بيان معالم المنهج، وتوصلت إلى وجود دور بارز، وملحوظ لهشام، وذلك بسبب علاقته بأئمة أهل البيت A وما تمتع به هشام من قدرات ساعدته على استيعاب المنهج، حتى جعلته المدافع الأول عنه، وجعلَتْهُ يتعرض لمجموعة من التهم التي حاول البعض من خلالها النيل من شخصيته، ومكانته بين المسلمين، لاسيّما أتباع أهل البيت A.

وأخيراً النتيجة والخاتمة: وقد لخصت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها، وذكرتها بحسب التسلسل المذكور في الرسالة.

وبالختام أتمنى أن يكون هذا البحث جديداً في معلوماته، كما أعتذر عن التقصير بعد سعي شاق لتقديمه بأحلى صوره العلمية.

والله الموفـق

 



[1] عالم دين - السعودية.

 

[2] سورة فاطر: الآية 15.

 

[3] سورة الرحمن: الآية 87.

 

[4] ابن أبي طالب، الإمام علي (عليه السلام): نهج البلاغة، (د.ط)، قم، انتشارات الهجرة، 1395هـ، ص39.

 

[5] المصدر السابق نفسه، ص84.