من وهم صناعة الوقائع الساذجة إلى مهنة عالم الاجتماع
أنور مقراني[1]
* ملخص
نجتهد من خلال هذا المقال في تقديم تفكّر عن استعمالية التأويل في العلوم الاجتماعية (نموذج علم الاجتماع)، وذلك من خلال عرض قراءة عن التصور/ البناء، التفسير/ التأويل، الذات/ الموضوع الذي يفيد في التدليل على الغايات المحتملة لنتائج التأويل (استنطاق الوقائع الاجتماعية وعدم الوقوف عند عتبة التحليل الكمي لها). لقد تولّدت الرؤية النقدية لمساهمتنا البحثية هذه، من رصدنا لعديد الدراسات في حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية؛ حيث ننبهر بذلك العرض النظري الذي يضفي جمالية على تحليل وقائع اجتماعية ساذجة أو مزيفة أو مصطنعة، تُفتَقد فيها الممارسة السوسيولوجية الموضوعية التي هي من صميم مهنة عالم الاجتماع.
إننا نسعى من خلال هذه الورقة البحثية إلى تأكيد أن أصالة البحث الاجتماعي ليست متعلقة باتساق بنائه المنهجي الداخلي فحسب، وإنما باتساق نتائجه مع منطق الواقع محل الدراسة. لهذا سنركز تحليلنا للإجابة عن الأسئلة الآتية:
- ما مضمون مفهوم التأويل؟
- ما طبيعة مشاكله؟
- ما الذي يُفترض في المؤوِّل؟
- ما هي وسائل التأويل؟
ومنه سيكون عرضنا التحليلي كما يأتي:
أولاً: الوقائع الساذجة والوقائع السوسيولوجية.
ثانياً: أزمة التأويل في البحث السوسيولوجي.
ثالثاً: مفهوم التأويل في العلوم الاجتماعية.
رابعاً: ضوابط التأويل في البحث السوسيولوجي.
* مقدمــة
لا يختلف اثنان مشتغلان في حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية في أن الهدف الرئيس لكل نشاط بحثي إنما هو في حقيقة الأمر محاولة لإعطاء أجوبة لكل الاستفهامات والأسئلة الواقعة فيه. من هنا يتوقف رأي الجمهور العلمي على انتظار ما ستقدمه هذه العلوم من معرفة جديدة حول سياق سوسيواقتصادي، تاريخي أو إنساني معين.
إن هذه الإجابة التي أصبحت تكتسي أهمية كبرى في عصرنا الحالي الذي تتعدد وتتعقد فيه الحياة الاجتماعية والوقائع المنبثقة عنها، تفرض عدم الوقوف عند الحدود الخادعة والواهية التي يُقيمها انطباعنا ومخيالنا عنها، لأن معتقداتنا وآراءنا التي نكوّنها باستمرار حولها تقف حائلاً أمام رؤية أكثر شمولية وصدقية لها، لهذا لا يجب الإفراط في التفاؤل والتحمس إلى أن تقنيات البحث الميداني باستطاعتها أن تقرر اليقين لما يمكن أن نعطيه من تفسير، حيث إن تحصين الباحث بالتراث المعرفي اللازم في مقابل عقل يجيد التفكير -الخيال السوسيولوجي- وفي إطار معرفة حقيقية بالنسق الاجتماعي الكلي تشكّل جميعاً ضماناً تتقرر فيه القوالب المناسبة لكل مجهود تفسيري.
إن هذا الطموح الذي نجهد لتوضيحه في مقالنا، لا نجد إسقاطاته في الأعمال البحثية والأكاديمية للباحثين المنضوين تحت مسمى دول العالم الثالث، حيث تغوص تحليلاتهم ومحاججاتهم في محاولات لإعادة إنتاج الرؤى الغربية نفسها، وهو ما يعبر عن حالة الانشقاق الحقيقي الذي أصابهم وجعلهم منقادين تحت وطأة وعي أو انبهار إلى أن يعيدوا القوالب الغربية نفسها في تأويل التغيرات الاجتماعية التي تعرفها مجتمعاتهم المحلية، وهو ما انعكس لاحقاً في تشكيل صورة منمطة لواقع مشوَّه تفعل المفاهيم والقوالب والاقترابات لعلم الاجتماع الغربي فعلها في تمييع الحقائق. وعليه وبناءً على ما تقدم فإن اهتمامنا سينصب على إعطاء محاولة تفكيرية نعدُّها متواضعة لماهية تأويل سوسيولوجي مرتكز على بصيرة من نوع جديد يتلاقى فيها الإنتاج المعرفي الغربي بالتراث الثقافي المحلي -احترام الخصوصية- ولكن وفق وعي تام بضرورة إبداع أنساق تفكير جديدة.
وانطلاقاً مما سبق نحاول أن نثير الأسئلة الموالية: ما محتوى القوالب التأويلية التي تقدمها العلوم الاجتماعية الغربية؟ وما هي العوائق التي تقف في وجه تقديم تأويل سوسيولوجي للواقع المحلي؟ ما هي البدائل التي يمكن تقديمها في سبيل تنوير وتفعيل البحث السوسيولوجي ومن ثم التدليل بغاياته كمهنة وممارسة تستجيب لحاجات المجتمع؟.
* أولاً: الوقائع الساذجة والوقائع السوسيولوجية
لنبدأ مناقشتنا لهذا العنصر من مفهومنا للبحث الاجتماعي، الذي يعرف بأنه عمليات بناء وتصنيف يستجيب لإثارة حافز من نوع خاص ويشعرنا بذلك «الفاصل أو نقص نملؤه في حقل معارفنا بين ما نعرفه وما يجب أو نرغب معرفته عن الواقع»[2]. ويترجم ذلك في مسار يجب أن يؤدي إلى اتصال مع الواقع الذي نريد معرفته. ولأن كلًّا منا يعتقد أن جمع بيانات عن الظاهرة أو الاتصال المباشر بها سيؤدي في النهاية إلى إنجاز بحث، فإن هذا المسار برمته سيتبخر كلية عندما يتم قياس نتائج البحوث بنتائج الظاهرة في الميدان حيث تولد معرفة لا تقدم سوى إعادة للتفسيرات المجتمعية ولا يخدم تقدم المعرفة السوسيولوجية عن المجتمع وبالنتيجة تصبح مهنة عالم اجتماع كمنتج لمعرفة أكثر علمية وذات وظيفة في المجتمع محل تساؤل. ولكن ما العمل كي نخرج من هذا السياق الفهمي الساذج؟
لكي نبدأ في توصيف إمكانات التدخل، لا بد من الإشارة بشكل موجز إلى المضمون الذي يختفي ضمن الأعمال السوسيولوجية الغربية التي تعتبر مرجعية أساسية للباحثين العرب. بل إن كل الأعمال التي أنتجت خلال العقود الثلاثة الأخيرة في عالمنا العربي من بين ما كانت تدّعيه أن السوسيولوجيا المعاصرة (الغربية) هي ما يقيس جدية الأعمال المنجزة حول المجتمعات العربية المحلية، وأن ذلك لا يعتبر نقيصة في الحقل المعرفي، بل لأن هذا العلم هو عالمي ولأن الظواهر الاجتماعية التي تحصل في واقع حال المجتمعات العربية تحصل في مجتمعات أخرى، انطلاقاً من أن مخرجات الحضارة العالمية (التي هي غربية) تنسحب على كامل مجتمعات المعمورة، ومنه فإنه يجوز البحث في كل الواقعات التي تحصل هنا وهناك وذلك باستعارة منجزات النظرية السوسيولوجية الغربية.
التراث السوسيولوجي الغربي ملهمُ كثيرٍ من الباحثين، لا يمكن أن ننفي مساهمته الكبيرة في تطور علم الاجتماع الغربي في القرن العشرين، علينا أن ننظر إليه ليس باعتباره تصوراً يختزل الواقع الاجتماعي الغربي في شكل عالمي إستاتيكي يجوز البناء عليه، وإنما تفعيله بشكل يراعي الخصوصيات المحلية ويقدم تأويلات مناسبة بدل أن يأسر الواقعات الاجتماعية في القوالب النظرية السوسيولوجية، ليكون البحث هو حول التطابق بين النماذج والظاهرة الاجتماعية، بدل التفكير فس وجه المساعدة والفهم الذي يمكن أن تمده النظرية الغربية لمساءلة الواقع الحالي الذي لا بد أن يكون في صلب مهنة عالم الاجتماع، وهذا الوقت بالذات هو من يقدر مستوى تكوين عالم الاجتماع من ذكاء ومناقب متناقضة كـ«...الحدس، الصرامة، المعرفة والخيال، إدراك الواقع والتجريد»[3] كي يستجيب ليس فقط لما ينتظره المجتمع من معرفة قد يطلبها تحت عناوين مختلفة، وإنما عليه أن يدرك أن إنتاج المعرفة السوسيولوجية هو مهمة تاريخية وتفكيرية موكلة له، وأنه مطالب في هذه اللحظة بأن يقدم الدليل بأنه بحق يُسائل زمانه. هذا المعنى الذي نقدمه نستطيع أن نرصد مؤشراته عندما نموقع الإنتاج السوسيولوجي الغربي في سياقه المعرفي، الذي هو نتاج تاريخي وتفكيري لمجتمع أوروبي في فترة تاريخية معينة، فبإمكاننا ملاحظة الاتساق النظري بين إنتاج ثلاثة من أهم رواد علم الاجتماع تبدو لأوّل وهلة متناقضة. فكل من كونت وماركس وتوكفيل انطلقت حركتهم الفكرية في النصف الأول من القرن التاسع عشر وموضوعهم الأساسي «وضعية المجتمع الأوروبي بعد الثورة»، لهذا انصب اهتمامهم على تحليل معاني المجتمع الجديد الذي ولد بعد انقضاء الأزمة ومعالم هذا المجتمع الجديد هي مختلفة ما بين الثلاثة، فبالنسبة لـ: كونت سمة المجتمع هي صناعية، وماركس رأسمالية، وتوكفيل هي ديمقراطية.
واختيار مؤشر الصفة (صفة المجتمع)، يعكس الزاوية التي نظر إليها كل منهم لواقع زمنه. بالنسبة لـ: كونت المجتمع الصناعي يتميز باضمحلال البناءات الاقتصادية واللاهوتية والمشكل الأساسي مرتبط بمفهوم «الإجماع»، أما ماركس فيحلل مجتمعه انطلاقاً من مشكلة التناقض الداخلي للمجتمع الرأسمالي وللنظام الاجتماعي المرتبط بالرأسمالية، في حين يعرف توكفيل المجتمع المعاصر من خلال خاصيته الديمقراطية، ففي الفصل الثاني عشر من كتابه «الديمقرطية في أمريكا» يوضيح مثلاً المعنى الذي يعطيه الأمريكيون لمفهوم المساواة بين الرجل والمرأة، فالاثنان يعيان جيداً أن الطبيعة قد خصّت أحدهما باختلاف كبير في البنية الجسدية والعقلية عن الآخر، والهدف هو تحمل أشكال مختلفة من الأعمال. والتقدم يقيّمه الاثنان على أنه ليس القيام بالأعمال نفسها لأفراد متماثلين ولكن هو في النهاية أن يحصل كل واحد على إرضاء لضميره قدر الإمكان من مهمته. ولقد أجاد الأمريكيون في تطبيق مبدأ الاقتصاد السياسي القائل بتقسيم العمل بين الجنسين بما يسمح من إنجاح العمل الاجتماعي من جهة، ومن جهة أخرى لم يؤمن الأمريكيون يوماً أن نتائج المبادئ الديمقراطية هي قلب السّلطة الزوجية وإشاعة الغموض في القيادة داخل الأسرة. لقد أدركوا أن كل جمعية لكي تكون ذات فعالية لا بد أن يكون لها قائد، والقائد الطبيعي لهذه الجمعية هو الرجل، وعليه فهما (المرأة والرجل) لا يرفضان مطلقاً حق الأخير في تسيير شركته، ويعتقدان أنه داخل المجتمع الصغير للزوج والزوجة، كما في المجتمع السياسي الكبير هدف الديمقراطية هو «تقنين وشرعنة السلطات الضرورية، وليس تحطيم كل سلطة»[4]. وعليه فالأمريكيون الذين لا يعتقدون بالتطابق بين حقوق وواجبات الرجل والمرأة يقدمون التقدير والاحترام نفسيهما لدور كل منهما، ومنه رفعوا من شأنها بمستوى الرجل في العالمين العقلي كما الأخلاقي، وهو ما يبين أن هذا المجتمع فهم «بشكل جيد مفهوم التقدم الديمقراطي»[5].
أما إذا ما استعرضنا أعمال كلٍّ من دوركهايم وبارتو وفيبر فنجد فيها خاصية مشتركة وهي أن دورهم العلمي ظهر في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، والجزء الأكبر من إنتاجهم الفعلي المنشور انطلق مع بداية القرن العشرين، وأوجه الاتفاق بينهم أنهم ملاحظون ومستغرقون في معرفة المجتمع الأوروبي، في حين أن اختلاف السياق الثقافي والوطني وحتى الديني لكل منهم كان له الأثر في اختيار النمط المفهومي الذي عبروا به عن مساءلاتهم السوسيولوجية، والتي جعلت الأول متفائلاً، والثاني متشائماً، فيما نزع الثالث إلى أن يقف موقف الملاحظ. أخيراً من خلال جمعنا بين كل علماء الاجتماع الغربيين الأوائل يمكن لنا أن نخرج باستنتاج أن جميعهم ليسوا مفكرين فحسب وإنما هم رجال زمانهم يبحثون عن مفاتيح المجتمع الذي يعيشون فيه، ويصرون على الدخول في قلب المشاكل والمناقشات التي شهدها عصرهم، ومنه كان «إبداعهم يندرج في دياليكتيك الاستمرارية والقطيعة، فتحكُّمهم الجيد في فضاء المسائل العلمية جعلهم قادرين على إعداد مسألتهم الخاصة القادرة على تحريك هذا الفضاء»[6]. تلكم هي الخصوصيات التي يجب أن تؤخذ في الحسبان عندما نقرأ أو نعيد قراءة التراث السوسيولوجي سواء القديم منه أو الحديث، فالمذاهب السوسيولوجية ليست «... مجهوداً لأجل الفهم العلمي فحسب، وإنما هي منطوقات هؤلاء... أو حتى حوار بين هؤلاء في وضعية تاريخية»[7].
فيما سبق حاولنا أن نُبيِّن أن وهم بناء الوقائع الساذجة قد لا يكون من فعل الباحث السوسيولوجي بسبب جهله في تطبيق أساسيات هذا العلم، سواء على مستوى ترشيد العقل والأفكار أو على مستوى معرفة حال الواقع الاجتماعي، وإنما قد تكون قراءاته للتراث السوسيولوجي الذي تعتبر فيه النظرية الاجتماعية ركناً أساسيًّا لا يستطيع أي منا الاستغناء عنه، هو ما قد يجر محاولات التفكير في الظاهرة نحو البحث عن إعادة نمذجة للواقع وفق القالب النظري الذي تم تبنّيه في البحث، وهذا الفعل سيتجاهل بوعي أو دونه حقيقة الفهم الذي نتطلع إليه في دراساتنا، وهو ضرورة اتساق نتائج البحث السوسيولوجي مع الواقع ومنطقه، والقدرة على نقل وإبداع الوسائل الممكنة لمواجهة تقلبات وزيف الواقعات التي أصبحت تكتسب فعلاً قدرة على التخفي في صور ظواهر نحسبها سليمة، وتوجّه في المقابل الباحث نحو وقائع ساذجة أو على مستوى بسيط من الأهمية يحسبه إنجازاً كشفيًّا لا سابق له، هذا من جهة، ومن جهة أخرى الحديث عن المشتغلين في الحقل السوسيولوجي يقودنا إلى طرح مساءلة حقيقية على الباحثين العرب هل هم فعلاً يبحثون في قضايا اجتماعية تحمل نفس الاهتمام والمعنى لدى مجتمعاتهم العربية؟ لأن «التقليد الشائع هو القنوع بوصف الظواهر التي تطرح للدراسة أو البحث، وعدم الاهتمام بالتفسير والتنظير، سواء بالإبداع أو بالإفادة من التراث القومي والعالمي»[8]. وهذا الأمر هو من يؤكد جودة البحث السوسيولوجي على أنه مطلب اجتماعي.
* ثانياً: أزمة التأويل في البحوث السوسيولوجية
إن العلوم الاجتماعية هي ثمرة جهود مضنية من التفكير والبحث في شروط تاريخية واجتماعية غربية، ومنه فإن تمكن هذه العلوم من الإيفاء بحق المجتمع من المعرفة المضمونة، وتفسير الوقائع الاجتماعية بصدق مع مقتضيات الحال الاجتماعي المحلي الذي أنتجها يتطلب عمليات مراجعة لتلك الأسس والمبادئ التي تأسست ضمن البيئة الغربية، بما تدعيه من صدق وتكيف وموضوعية، وفي هذا الصدد يدعو السوسيولوجي الجزائري العياشي عنصر جميع الباحثين في حقل العلوم الاجتماعية «للمساهمة في بعث نقاش فكري حول مكانة ودور هذه العلوم في ضوء الخصوصية التي تطبع مجتمعاتنا باعتبارها نتاجاً لسيرورة تاريخية وثقافية متميزة»[9].
إذا أمعنا النظر في الإنتاج السوسيولوجي العربي والجزائري، فإننا نصادف كتابات منمقة عن الظواهر الاجتماعية الراهنة لمجتمعاتها حسب كل فترة تاريخية، متناغمة مع الزخم الذي تثيره الكتابات الغربية والمفهومات التي تبعث جدلاً واسعاً حولها، في حين يكون صداها عندنا هو تزيين الكلام عن الظواهر الساذجة بمرادفات تبدو علمية أو أكاديمية تبحث عن المحاججة لخطابها بهذه اللغة، وليس بناء الظواهر الاجتماعية باعتبارها معطى سوسيولوجي واقعي. وهذا الأمر تسبب في رواج فكر عربي هزيل النتائج وبعيد عن تناول القضايا الحقيقية للمجتمع، بل إن شروط تكوين العقل العربي المنتج والنقدي يبقى في هذه الظروف بعيد المنال، لأن البحث سيكون هو حالة تخبط وتيهان وحتى تنازع بين الأنا التراثي الذي يشد نحو الانكفاء على البنى المعرفية المنغلقة، والتي تتداعى على البحث إما لقراءتها على المنطوق المنبهر للماضي واجتراره كما هو، أو التمسك به للدفاع عن الخطر الزائف الذي صنعته البنية العقلية العربية في تعريفها لتحدي المجتمع العربي، أما الطرف الثاني في ثنائية الممارسة الفكرية فهو متعلق بـ(الأنا الوافد) الذي يحظى بتتبع حثيث لخطوات تقدمه، بفعل حركات الترجمة التي جعل منها كثير من الباحثين السوسيولوجيين العرب مهنة بديلة يستعيضون بها عن البحث الاجتماعي المنتج، والذي لا يرصد المشكلات الاجتماعية وينظّر لها فقط، وإنما يعيد في حالة انبهار منجزات النظرية السوسيولوجية الغربية، ويقودهم هذا إلى خبوت الأنا التاريخي الخصوصي الذي يصبح فيه الواقع الاجتماعي معطى مجرد معمول فيه، ومستسلم لأدوات النظرية الاجتماعية الغربية كي تقدمه وفق ديكور نمطي، يكون الإخراج الحقيقي فيه ليس للسوسيولوجي العربي بل لصاحب النظرية الفعلي، وقياساً على ما ذكر آنفاً تصبح السوسيولوجيا الغربية هي من يتحكم في رُؤَوِيَّة العقل العربي للواقع الاجتماعي، وتمنعه من أن يبدع أدواته وطرائقه التفكيرية، بل إنها تجعله يعيش الواقع المجتمعي لا على المستوى الفعلي وإنما على مستوى أفكار صيغت سلفاً، ومن شأن هذه الحال أن تصبح الحقيقة السوسيولوجية في اغتراب عن الحقيقة الاجتماعية ومنه تصبح عملية افتكاك وغزو الموضوع -كما يقول غاستون باشلار- محل شك.
الوضعية التي شرحناها آنفاً تقرّ استنتاجاتنا، وتظهر واقعاً «يعكس حالة «انشطار» الفكر العربي، وإشكالية الهوية، وغياب التنظير الذاتي المستقل. ونظراً إلى أن الأطر المعرفية، التي يتعامل بها السوسيولوجي العربي، مستوردة من ثقافة «الآخر»، وبناء على أنها تأتي دائماً محمّلة بمضامين أيديولوجية موجهة، فمن الطبيعي أن يقع السوسيولوجي العربي في شباك الوعي الزائف»[10]. كل ذلك تسبب في غياب عقل سوسيولوجي ناقد ومستقل يستشعر المشكلات الاجتماعية ويتدخل عليها، يحتكم إليه في اتخاذ القرار السياسي/ الاقتصادي والثقافي، واختزل دوره في محاكاة النقاشات الغربية النظرية، والسقوط في خطر التنابز الأيديولوجي الذي يتخلى فيه العقل العربي عن مسؤوليته في بناء منظومة معرفية تشكل التراث الفعلي الذي ينهل منه كل الباحثين العرب، ويبلورون فيه إطارهم النظري والمنهجي لتحليل المشكلات الاجتماعية، ولقد لخّص أحمد حجازي مكمن أزمة السوسيولوجيا العربية بين ثنائية الثقافي/ التنظيري الذي تشكلت ضمنه رؤية للواقع الاجتماعي العربي ضبابية ومتخبطة «تفتقد الأصالة لكنها سلفية، تفتقد المعاصرة لكنها استهلاكية، تطرح قضايا الواقع بمنحى راديكالي وتنتهي بتفسيرات لاهوتية أو قدرية، تطلق شعارات التغيير لتدعيم النظام القائم، تبحث في الهوية والتراث وتتغافل عن الحاضر، تنقل عن الغرب وتتحدث عن الموروث»[11].
النقطة الثانية التي تستحق الوقوف عندها وهي مضمونية الخطاب السوسيولوجي الغربي الذي يشكّل مرجعاً أساسيًّا لكل الكتّاب العرب. فالاعتماد عليه في الاستدلال على ما يعتبر تحليلاً لأجل بناء الظواهر الاجتماعية، ومن ثم تفسيراتها بحجة غياب كل معرفة عنها بسبب الأوضاع السوسيوتارخية والاقتصادية، إنْ في الحقبة الاستعمارية أو خلال فترة الدول الوطنية الحديثة لما بعد الاستقلال، إنما يؤدي إلى الوقوع في خطأ التماثل اللاواعي مع الرؤى الغربية الانطباعية المضللة والاحتكام في النهاية إلى مقولات تبرر الوجود الواقعي المزيف للوقائع الاجتماعية، بل ويؤدي إلى عمى معرفي يلقي بجزء غير يسير من مداركنا في عالم ظلال يحجب النظر عمَّا ينبغي أن ننتجه من معرفة. وهذا ما جعل إنتاجنا السوسيولوجي في المائة عام الأخيرة «مجرد خطاب خارجي ومغترب مما يوقعنا في عدد من العوائق المعرفية حيث إننا بدل أن ننتج معرفتنا من بلداننا فإننا نترجم إلى العربية رؤى خارجية متحيزة وجزئية»[12].
نقطة ثالثة أخرى تبدو لنا غاية في الأهمية، وهي مرتبطة بالأساس بتكوين الباحث السوسيولوجي، الذي يقع في خلط منهجي بين مسائل فكرية وفلسفية وتاريخية وثقافية واجتماعية ودينية، ومطابقتها الواحدة على الأخرى دون احتراز ولا حذر من أن لكل منها موضوعه الخاص وأدواته المنهجية في التعليل والتصديق، ومفهوماته الأصيلة التي لا يمكن الممازجة بينها في وضع معرفي معين مع مفهومات من جنس معرفي مخلتف، وتوهم استبدالها بأخرى دون أي مانع يذكر، وفكرة القولبة هذه التي تقدم نفسها على أنها شمولية معرفية يجيزها العلم بناء على مبدأي التداخل والاعتماد المتبادل، إنما تسقط في فخ الابتذال الذي لا يفيد إلا في تعميم التصور عن الظاهرة وليس فهمها، بما يلبسها من ضبابية أكثر من توضيح، حيث يغيب النشاط الفكري السوسيولوجي في خضم مستويات معرفية متنوعة يضيع فيها مبدأ الاستقلال الذاتي للعلم الاجتماعي «وهذا الخلط يجعل أساس فكرنا هو التداعي العفوي الذي يقود من ميدان إلى آخر، ومن موضوع إلى موضوع ومن فكرة إلى أخرى لمجرد وجود ارتباط شكلي أو جزئي بينها، فيخلق من مجموع المسائل النظرية والعملية مسألة واحدة... تسير كلّها في اتجاهات متضاربة ومتنافية»[13]. المستوى الثاني من الخلط معزو إلى عدم التّفطّن إلى أن العمليات التي تجري بمسمى البحث الإبستمولوجي ومن ثم النتائج المترتبة عنها، لا يمكن البناء عليها كي تنسحب على العمليات التي تجري في البحث الاجتماعي، ذلك لأن مقومات الظاهرة الاجتماعية ومنطوقها وعناصرها ليست من نفس جنس البحث الفكري في الظاهرة التي تخضع بدورها لعوامل خاصة بها، وهذا الاختلاف بين التركيبين هو ما يمنع أن يكون الفكري والاجتماعي ميداناً لامتحان أحدهم في الآخر، ينجح فيه أو يرسب.
عموماً مجمل القضايا التي عرضناها في هذه العنصر، حملت كثيراً من العتب على التوجه الذي سار عليه علم الاجتماع الذي كانت ولادته في العالم العربي متزامنة والمد العلمي الاجتماعي الماركسي، الذي انطبعت فيه أعمال السوسيولوجيا بالاستعارات اللامتناهية، وانصرفت فيه النقاشات نحو الخوض في أولويات ووجاهة المذاهب والنظريات الغربية مع ما رافقها من خطابات أيديولوجية ووعظية تبحث في الينبغيات بدل الانصراف إلى استشعار المشكلات الحقيقية للمجتمع العربي، أما النزر القليل من البحوث التي كانت جلها مكتسية حلّة البحوث الإمبيريقية مستلهمة الكثير من التقنيات والمناهج الكمية خصوصاً الأمريكية منها، فرغم ما احتوته من كم معرفي يستحق الإشادة به، إلا أنها اندرجت ولا تزال في خانة البحوث الجزئية ولم يتأسس إلى اليوم عمل تنظيري عربي يجمع هذه الدراسات التجزيئية في نسق معرفي تراكمي ديناميكي (قابلية التطوير والتعديل). إضافة لذلك يحاجج المشتغلون بعلم الاجتماع على أهمية علمهم في رصد التغيرات الاجتماعية، وعلى دور النشاط البحثي في تقديم وعود بحل المشكلات الاجتماعية، إلا أن ذلك يتبخر في خضم اختزال السوسيولوجيا في النشاط التدريسي، والانكفاء بتقديم صورة قاتمة ومتشائمة عن واقع المجتمع العربي ومستقبله هي في الأصل بعيدة كل البعد عن واقع الحال، لأن البحث هو نشاط يبتغي الموضوعية ومن غير الممكن أن نتحدث عنها في ظل مسافة يصطنعها المشتغل السوسيولوجي بين موضوعه المؤسس وموضوعه المعطى، بين الموضوع المؤسس والواقع الاجتماعي والحضاري العربي، وبين الموضوع المؤسس والتراث السوسيولوجي العالمي. تلكم هي الفرصة المناسبة التي ينبغي اغتنامها، لأن العلم الاجتماعي أصبح واقعاً مؤسساتيًّا يحتاج اليوم إلى أن يثبت جدارته في تناول المواضيع السوسيولوجية، مثلما يشير إلى ذلك سعد الدين إبراهيم أنه على علماء الاجتماع الولوج إلى ساحة مجتمعاتهم المهيأة والمتلهّفة لمن يقدم لها فهماً معمقاً ومتأصلاً، «... تلكم هي فرصتهم للانتقال من معركة إثبات الوجود إلى معركة تحقيق الوعود»[14]. وأكثر من ذلك فطالما نمتلك القدرة على استيعاب المنتج المعرفي للنظريات السوسيولوجية الغربية حتى وإن كان على مستوى الترجمة أو التبنّي لهذه الأفكار تحت مسمّى الانخراط في المدارس السوسيولوجية، فإن هناك تفاؤلاً حذراً نبديه لما سيكون عليه حال السوسيولوجيا العربية لأن الازدهار المؤسسي والبشري للمشتغلين في الوقت الحالي في مقابل واقع مجتمعي بحاجة إلى إعادة اكتشاف يبشّر بطلائعية هذا العلم على باقي العلوم الأخرى وهذا ما نوافق عليه بيير بورديو عندما رأى أنه «... كلّما تقدم العلم الاجتماعي وذاع وانتشر فإن مهمّة علماء الاجتماع -على نحو خاص- ستكون بالغة الأهمية والصعوبة في آن واحد»[15].
* ثالثاً: مصطلح التأويل في العلوم الاجتماعية
لا نبتغي في هذا العنصر الدخول في السجالات التي يشهدها علم الهيرمينوطيقا حول مصطلح التأويل، لكننا نشير بشكل مقتضب إلى أن نشأته الأولى كانت دينية وتحفز بالقراءة الخلافية التي حاول عدد من الآباء الأوائل تقديمها عن الكتاب المقدس على عكس ما كان متداولاً في ذلك العصر، وقد سمحت دعوة مارتن لوثر إلى حرية غير منقوصة في قراءة الإنجيل إلى أن يفتح الباب أمام الهيرمينوطيقا، ويتسع مفهومها «وانتقل من مجال علم اللاهوت إلى دوائر أكثر اتساعاً تشمل كافة العلوم الانسانية»[16].
أما في مجال السوسيولوجيا فقد عرف هذا المفهوم استعماله الشائع مع السوسيولوجي فيبر الذي كان يقول بأن مهمة عالم الاجتماع هي «... الفهم من خلال التأويل لتلك الأفعال الموجهة بصورة لها معنى»[17]، ويبرز في الحقل السوسيولوجي اليوم رجل مثل غيدنز مدافعاً بشدة عن ضرورات إحياء التراث التأويلي ومنتقداً ما أسماه الإجماع المتزمت، الذي يعتمد على وحدة المنهج العلمي وعلى إمكانية تطبيق قوانين عامة على الظواهر الاجتماعية كما في المجال الطبيعي، لأن البقاء عند مستوى مادية الوقائع الاجتماعية باعتبارها أشياء، إنما تنتقص من الواقع الحقيقي للعالم الاجتماعي الذي يمتلئ بالرموز، ومنه فلا يجب المغالاة في البحث عن العلاقات السببية ولكن علينا أن نعترف في البداية أن العلوم الاجتماعية هي علوم تأويلية، لأنها تسعى إلى الفهم المتعمق للفعل الإنساني، الذي يعد بطبيعته فعلاً قابلاً للفهم، ويتحقق ذلك فقط باكتشاف المعاني الخفية وراء الأفعال عن طريق دراسة القواعد التي يتبعها الفاعلون في سلوكهم «فالسلوك ذو المعنى هو نشاط موجه بالقواعد التي تمنح الفاعل تبريرات لسلوكه»[18]. وعملية فهم المعنى والتبريرات تلزم الباحث ربط السلوك الملاحظ بالقواعد المحددة له، وهذه الأخيرة لا تأخذ مطلقاً شكل قانون مثلما هو عليه الحال في العلوم الطبيعية، لأنها عبارة عن واجهات خارجية للمعاني الداخلية المرتبطة بأفعال الأفراد.
لقد كان غيدنز يقول: إن النظرية الاجتماعية هي نظرية مشبعة بالتأويل بامتياز، ويجب أن تساير الاهتمامات المعاصرة بالتأويل، كما في نظرية النص، وفلسفة العلم. فالتأويل يحيط بالنظرية الاجتماعية من كل جانب، لذا تصبح مهمة عالم الاجتماع مهمة تأويلية، كما يصبح الموضوع الخاضع للتفسير مؤسساً على تأويل الأفعال في الحياة اليومية في الحياة الاجتماعية، وهذا ما يطلق عليه غيدنز التأويل المزدوج. حيث تفترض نظرية البنينة عنده علاقة معقدة بين لغة الحديث اليومية ولغة العلم. فالحياة الاجتماعية المليئة بصور التفاعلات الإنسانية تتشكل في ضوء تأويلات متبادلة للسلوك ذي المعاني الثرية والمتباينة التي تتجلى في صيغ رمزية لغوية، وعندما ينخرط عالم الاجتماع في عالم المجتمع بنيّة البحث فيه لا بد له أن يتمثل نسق المعاني الخاصة بالمجتمع بل وينخرط أيضاً في صور الحياة التي تشكله، وتلك مهمة تأويلية أولى. ففهم المجتمعات البشرية لا يتطلب تأويلات للأفعال الاجتماعية فحسب، بل يتطلب فهماً للكيفية التي يتم بها تشكيل تأويلات الناس وبناؤهم لمعاني أفعالهم، وهذا ما كان يريد غيدنز إيصال معناه، من أن التأويل المزدوج يقوم على توليف علاقة بين عناصر ثلاثة هي: فهم عالم الاجتماع، وفهم التأويلات الخفية في اللغة اليومية، وبناء لغة علم الاجتماع، لترتسم الصورة في النهاية «رابطة منطقية تمكّن الباحث من أن يفهم لغة الحديث العادية، وأن يؤسس عليها مفهوماته العلمية»[19]. ويصبح علم الاجتماع ذاته بما فيه من مفهومات صورة لحياة حقيقية تعكس بصدق الظاهرة الاجتماعية. بكلام آخر: إن دراسة عالم الاجتماع للظواهر الاجتماعية يجب أن تضع في الحسبان أن هذه الأخيرة محمّلة بالأساس بمعنى خاص، على عالم الاجتماع النفاذ إلى مجاله كي يتمكن من معرفة ما يعرفه الفاعلون في الماضي، وما ينبغي أن يعرفوه حتى يواصلوا أنشطتهم اليومية، فالمفاهيم التي يستنبطها علماء الاجتماع عن خطاب الحياة اليومية هي من صنف ثانٍ، يجب أن تنقل أطر المعنى التي يستعملها الفاعلون لأجل توجيه تصرفاتهم، كما أنها عبارة عن فئات تأويلية تفترض بدورها جهد ترجمة وإعادة ترجمة.
لكي نجمل القول، إن التأويل عبارة عن استدلال منطقي، يبرهن الباحث من خلاله على قدراته الاستدلالية وتفتُّح ذهنه ومعرفته للواقع (وجهة نظره الشخصية النقدية)، «إن التعبير عن وجهة نظر شخصية... يعني فقط الإتيان باعتبارات جديدة انطلاقاٍ ممّا توحي به النتائج»[20]. ولا يكون ذلك إلا بإثبات المقدرة على تحويل النشاط السوسيولوجي من مجرد البحث عن ارتباطات بسيطة كما تبديها المعطيات التي بنتها القواعد المنهجية، إلى نشاط تأويلي متفتح تأتي به قراءة نقدية وتقييمية للمعرفة السوسيولوجية المنتجة، حيث يمكن توجيه الذهن نحو نقاط مختلفة عمَّا هو ظاهر وتفريع المعنى نحو اتجاهات متعددة، ويرتهن نجاح عذا العمل «حسب كفاءة المؤول الثقافية، ومعرفته النوعية والعامة من جهة، وحسب ميوله ومقاصده من جهة أخرى»[21].
* رابعاً: ضوابط التأويل في البحث السوسيولوجي
إن محاولة التأويل التي نقدمها لكل مشتغل في حقل العلوم الاجتماعية والتي نناضل لأجل إرساء قواعدها في مجالنا العلمي، ونسعى لأن نُبيِّن منهجية الوصول إليها في ضوء البحوث الإمبيريقية. فإذا كان الباحث رهيناً وموضوعاً تحت محكَّين اثنين يخص الأول محك الميدان والثاني محك التأويل يصبح بالنتيجة العمل البحثي إنما هو التأويل في الميدان تأويل الفاعلين، فعلم الاجتماع يقدم لمشتغليه أدوات بناء الواقع، الإشكاليات، مفاهيم، تقنيات، مناهج، تدابير نقدية وغير ذلك، والهدف الرئيس هو ما يؤكد عليه «بورديو. (ب).» بالقول: إن الأمر يتعلق بإنتاج «... نظرة جديدة، عين سوسيولوجية»[22].
1- لا بد أن نعي في البدء أن كل وضعية، حدث، تفاعل معاش وملاحظ يخضع لتأويلات بطرق مختلفة لدى كل فاعل من الفاعلين أو لدى جماعات يوجدون وراء بيانات إحصائية انتخابية مثلاً، وراء رقم لأشخاص ينتخبون بصورة متماثلة، لكل واحد منهم عوالمه السياسية المختلفة، لهذا من الضروري تأويل هذه الأرقام من جهة، وعلينا أن نحذّر التغافل عن اللحظة التي نبني فيها تصنيفاتنا وأن نقف مطولاً عندها، فهي أدوات ضرورية ولكن نسبية، مثلما أن وجهة نظرنا نحو الفاعلين والتأويلات السوسيولوجية نسبية أيضاً. فما يمنحنا إيّاه الميدان في واقع الأمر هو مبني اجتماعيًّا ومحمل بخطاب وتصورات وأحكام على السوسيولوجي أن يجد لها حدًّا أدنى من التماسك لأجل إعداد تأويلنا الخاص. لأن فردانية كل فاعل من الفاعلين، خصوصية كل تفاعل، أصالة التعليقات حول حدث ما لا يمكن أن تظهر سوى وراء البنى غير المرئية.
2- لا بد من الاعتراف أن الفاعلين الذين يلتقون بشكل عارض أو متعاقب لديهم توافقات مشتركة عديدة تضمهم، فالواقع الاجتماعي ذو أبعاد متعددة وأيضاً سلوكات الأفراد هي مختلفة ومتمايزة، لهذا من الصعب علينا أن نعقلن كليًّا الواقع لأن هذا الأخير دائماً أثرى من الخطاب العقلاني الذي يمكننا استنطاقه منه.
3- إن كل موضوع دراسة لا يمكن تناوله بعيداً عن تجربتنا ذلك لأن الميدان ليس شيئاً جامداً، فبالإمكان أن نعدّ ثم ندرس سؤالنا، فلا يمكن لنا أن نبني سؤالنا والمعرفة حوله خارجاً عن التجربة. لهذا السبب يجب الانطلاق من الحس المشترك لأجل نقده والوصول إلى معرفة أقل جهوزية. فنحن نبدأ دائماً من سؤال شخصي لأجل إعداد سؤال سوسيولوجي. ولأن التجربة الشخصية هي جزئية وقاصرة عن إدراك المعاني التي يعطيها الفاعلون لأفعالهم في حياتهم، فإنه على عالم الاجتماع الخروج من قوقعة سؤاله الخاص الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هو نفسه سؤال الفاعلين، لهذا فهو مطالب بالخروج من هذا الإطار لكي يلاحظ أبعد ما يحصل أمامه.
إن ما يحبذ عند بداية أي بحث هو الشك فيما يجري اكتشافه في الميدان محل الدراسة، وخلق مسافة مكانية بين الباحث والظاهرة تظل بعيدة على المستوى الخارجي، لذا لابد من الاحتفاظ بكل مجريات البحث في كشكول (journal de terrain) لكي يمكن الرجوع إليه، وإن كان هذا البعد محبذاً في بواكير العمل البحثي إلا أنه لا بد ألَّا يستمر طويلاَ، فنحن بحاجة إلى موضوعية تشاركية لأجل الذهاب أبعد من الوصف الذكي، بتناول الواقع الخفي لفضاء العلاقات الموضوعية تكون هذه الأخيرة على مسافة بينها وبين الباحث وتخلق خلالها معه رابطة «... حميمية نحو فائدتنا من الواقع والمساءلة التي نخضعه إليه، والمشاركة تكمن فيما سوف تقود إليه هذه الفائدة»[23].
4- إذا كانت الأشياء تبدو لنا بسيطة، فإنه يتعين علينا البحث عن التناقضات والتعقيدات وهكذا، وسعياً وراء رمز، حادث، علاقة نمطية، كلمة، عبارة ذات دلالة، فإننا نريد بمجرد أن نجدها أن نختبرها، ونلحظ حدودها وإيجاد أخرى. إن هذا الإجراء يقودنا إلى رفض نمط التفكير الواقعي مثلما يقول «بورديو» لصالح تفكير علائقي، فالمعرفة التي تنطلق من الواقع الشمولي قد تحجب عنا جل مما هو كامن في الظاهرة أو بعضه، ومنه فمعرفة العلاقات التي تتم في العالم الاجتماعي سواء بين الأفراد أو الجماعات والمؤسسات، أو بين هؤلاء وجماعات أو مؤسسات أخرى التي يتواجد فيها أفراد متماثلون أو متمايزون؛ تفرض في الحقيقة التنبه إلى هذه القاعدة.
5- الخيال السوسيولوجي: البحث الاجتماعي عمل معقد قد يفهم منه أنه تقيُّد بالمنهج وتكديس للمعارف النظرية التي تعني الإنجاز، ولكنه وفق رؤيتنا أن المناهج ليست إجابات ووصفات جاهزة لأي تحدي تعرضه علينا الظاهرة الاجتماعية محل الدراسة، وإنما هناك تحدٍّ من نوع خاص ذلك الذي يربط الباحث بالمنهج الذي هو دون شك ليس رابط الاستعمال، ولكن تحدي أن نبقى أوفياء للحقيقة التي نسعى الوصول إليها، والحقيقة التي تستند إلى عمليات تجزئة واستخلاص، تفترض حدساً وتفكيراً يحتويهما مجهود الخيال في الواقع، ولكي يتحقق هذا المسعى علينا «...الكشف في داخل الظاهرة عن مكمن الضروري ومحتواه رغم الأشكال المتنوعة التي يتخذها»[24]. ويكتمل نشاط الخيال بتوفر عناصر شرطية لا غنى عنها، وكما يوضح ذلك رايت ميلز من أن كل إنسان «يجب أن يتفهم واقعه على ضوء خبراته الشخصية المباشرة وعلى أساس السياق الاجتماعي الكلي الذي يعيش فيه، والسياق التاريخي الذي حدد كلاًّ من أوضاعه الشخصية وأوضاع مجتمعه في فترة تاريخية محددة»[25]، ويتيح هذا الوعي بفهم الصلات بين أوضاعنا الاجتماعية الشخصية القريبة منا من جهة، والعالم اللاشخصي البعيد عنّا والذي يحيط بنا ويساعد في تشكيلنا من جهة ثانية. ويستنتج ميلز أن التفاعل بين الذات العارفة والموضوع المدرك في لحظة زمنية من البحث تفترض تدخل نوع مبتكر من التفكير، يطلق عليه الخيال السوسيولوجي الذي يستطيع اكتشاف الروابط المتشابكة للعلاقات الاجتماعية، ويتم فيه المرور من الحقيقة الاجتماعية إلى الحقيقة السوسيولوجية، ومن قطع بين وعي زائف جرى اختباره في عمليات بناء وتصنيف، إلى وعي تأسس على معرفة بما هو ضروري في الظاهرة. إن هذا الخيال السوسيولوجي وفق هذا التوصيف هو أكثر إفادة وإثراء للوعي الذاتي، لأنه يقفز بنا من دوائر الإجابات التي سجن فيها تفكيرنا وظنَنَّا معرفتنا بها، نحو محصلة معرفية وتخمينات متماسكة وتوجهات مبتكرة. ورغم ما يُحسب لـ(ميلز) من إسهام معرفي في هذا المجال، إلا أن تعريفه لمقاصد الخيال كانت إلى حد ما مبهمة، وهذا اللّبس هو ما حاول غدنز توضيحه بالقول: إن ما يقصده من الخيال هو «... بعض أشكال الحساسية المرتبطة ببعضها البعض، والتي لا غنى عنها للتحليل السوسيولوجي... فلا يمكن التوصل إلى فهم للعالم الاجتماعي الذي أشعلت شرارته المجتمعات الصناعية المعاصرة... إلا من خلال ممارسة الخيال على ثلاثة أصعدة في نفس الوقت وتتضمن أشكال الخيال السوسيولوجي الحساسية التاريخية والأنثروبولوجية والنقدية»[26].
البعد الأول للخيال السوسيولوجي يقوم على تطوير الحساسية التاريخية (أي إحساس المشتغل السوسيولوجي بالبعد التاريخي للظاهرة الاجتماعية)، دون أن يعني ذلك الوقوف عند حدود التواريخ والأمكنة والأرقام والشخصيات، ولكن عند محاولة جادة من الباحث تهدف «الاستعادة التصورية (الخيالية) لنسيج الحياة الاجتماعية التي اندثرت اليوم إلى حد بعيد»[27]. أما البعد الثاني فيزوّد وعي الباحث بنظرة أنثروبولوجية تمكنه من استقراء أنماط الوجود الإنساني بشكل مناسب. ويفيد المعنيَيْن الأوّل والثاني للخيال السوسيولوجي من التحرر من القيود الصارمة التي تحصرنا في حدود التفكير، في ضوء نوع المجتمع الذي نعرفه في الزمان والمكان الحالي (المجتمع المعاصر).
أما البعد النقدي للخيال السوسيولوجي فإنه ينصب كلية في مهمة عالم الاجتماع الذي لا تتوقف مهمته عند حد التوصيف والفهم، بل تتعداه إلى نقد الأشكال الاجتماعية القائمة. ومن الأمثلة الهامة التي نوردها في هذا المجال، ما قام به السوسيولوجيان ديفيد ميللر وريتشارد شيفر عام 1992 في دراستهما لبنوك الإطعام في الولايات المتحدة التي تتولى مهمة توزيع الطعام على الجياع من الأفراد والأسر، حيث لوحظ تقصير في الأداء غير مرتبط بهذه المؤسسات ما جعل الأمر يبدو وأنها فوق كل لوم أو نقد قد يتوجه إليها، وتوضح البيانات التي تحصّل عليها الباحثان أنّ أكثر من 25% من الأطفال الأمريكيين يصنفون في خانة الجياع، وأن ثلث المشردين يحصلون على وجبة واحدة أو أقل في اليوم، وهذا ما عزز شكوكهما في أن هناك خللاً ما يحصل ومتعلق بالمؤسسات الخيرية التي تتولى هذه المهمة. ووفقاً لإحصائية ثانية تبين أن منظمة second Harvest -وهي منظمة متخصصة في توزيع الطعام- وزّعت بليون رطل من الأطعمة (تقدم بها أفراد وشركات) على أكثر من خمسين ألف جهة تتولى مسؤولية توزيعها على المحتاجين، وإذا نظرنا فقط إلى الرقم المقدم عن الأطعمة المقدمة، وعدد المستفيدين من المحتاجين، فإنّنا من دون شك سنستحسن هذا الأمر، إلا أن السوسيولوجيان لم يركنا عند هذا المعطى ولكنهما من خلال الخيال السوسيولوجي الناقد قدما وجهة نظر مختلفة، فالتنظيم الخيري للأطعمة تشرف عليه جهات متعددة من الحكومة الفيدرالية إلى تجار التجزئة إلى المؤسسات الكبرى، ومنه فإن برامج الإعانة اقتصرت على توزيع الأطعمة دون اللجوء إلى تنويع للأشكال الأخرى التي تهدف إلى تزويد الأمريكيين بالوسائل الضرورية التي تحول دون تحوّلهم إلى منتظري إعانة إطعام، فبدلاً من إطعام المتشردين كان الأولى هو توفير مسكن يلجؤون إليه، وعوض تقديم وجبات أكل للعاطلين كان من المناسب توفير فرص عمل لهم. ويلحظ الباحثان أن جهود الإعانة تلعب في الحقيقة دورين متباينين فمن جهة تسد رمق الجياع من الأفراد والأسر، ومن جهة أخرى لا تستثير النظام الاجتماعي الأمريكي لأنها تجعله في منأى عن مطالبة الجياع له بالتوزيع العادل للثروة. وإن أبدى المثال السابق تصوراً لمعالم تقصير للمؤسسات المشرفة على العمل الخيري، فإن إعادة توجيه النظر نحو زوايا أخرى توضح أن عدم ارتقاء برامج الإعانات إلى مستوى حل المشكلات الرئيسة (دون التركيز على الإطعام)، والنجاحات المحدودة والإخفاقات الكثيرة للمؤسسات المشرفة على برامج الإطعام، انعكس بشكل عجيب في عدم حدوث رد فعل عنيف من طرف أولئك الجياع. «ومن مثل هذا التفكير النقدي هو التفكير النموذجي لعلماء الاجتماع ما دام أنهم يعتمدون على الخيال السوسيولوجي في دراسة القضايا الاجتماعية مثل قضية الجوع في الولايات المتحدة»[28]. لأنه يخرج عالم الاجتماع من السجن الأكاديمي الذي عزل فيه نفسه بين قاعات التدريس الجامعي، وجعل من الموضوعات الاجتماعية صنماً أكاديميًّا خالصاً ينأى بنفسه عن اهتمامات المجتمع، وتحول من مفكر لعصره ومجتمعه إلى ملقي خطاب هزيل قد لا يسمعه طالب يجلس في آخر الصف.
بناء على ما سبق نقول: إن الواقع مجموعة مشاهد متباينة يلعب الفاعلون فيها أدواراً وأنشطة مختلفة ومنفصلة، ومهمة عالم الاجتماع هي أن يكون مركب صور جيد، يبحث عن نظام يبنيه وفقاً لمفهوماته يرتب فيه ما يحصل في المجتمع.
6- على الباحث أن يبني في الميدان إشكالية وفروضاً انطلاقاً من حقل أسئلة معدة سلفاً، أي أنه ينبغي بناء حقل معرفة خاص به يستقي منه تصوره ومفهومه لما يمكن أن تحتويه أو يحتويها العالم الاجتماعي، لأن تناول الظاهرة الاجتماعية باعتبارها مبنية سلفاً ومحملة بخطاب يحتاج فقط فك رموزه، يؤدي بالباحث إلى الوقوع في مغالطة ينبغي الحذر منها، والتيقظ إلى أن أبعاد الظاهرة يمكن أن تكون في الأصل عبارة عن بناءات اجتماعية أخذت جنسها من اللغة الاجتماعية المشتركة. وتأسيساً على ما سبق التأكيد عليه نقول: إنه لا يجب المغالاة في تقديس المنهج والتقنية، وإنما علينا الاشتغال بإعادة الاعتبار للمحترف المثقف الذي هو من يبني نظرياته ومناهجه الخاصة.
7- يجب أن نتذكر أن علاقة البحث هي في البداية علاقة اجتماعية حتى وإن كانت ذات شكل خاص، ففي كل تفاعلات الاتصال مع المبحوثين فنحن نستمع بإمعان ولكن لا ننتظر من الأفراد أن يقولوا كل ما يفكرون فيه، في الحقيقة هم يعبرون لنا عمَّا يحبونه، يعتقدونه ويشعرون به، لأنهم ببساطة يستجيبون لما طلبناه نحن منهم. وهذا لا يشكل بأي حال من الأحوال الوجه المثالي والعقلاني لما يفترض أن يكون مخرجات العلاقة التفاعلية بين الباحث والمبحوثين، لأنه قد تكون هناك أسباب وأشكال تعبيرية أخرى كامنة كالصمت، النسيان، الصور المشوهة، المقاربات. إننا إذ نلح على هذه الضرورة المنهجية إنما نُبيِّن أن اختيار المستجوب الجيد محل البحث لكي يقول ما يشاء عن الأسئلة التي نضعها أمامه ليس هو معيار وجاهة المعلومات المستقاة، وإنما الوجاهة مصدرها كيفيات اختيار أفراد يستطيعون الإجابة، والسؤال عمَّا هي عليه الظاهرة الاجتماعية. إن المستجوب والمستجوب يركبان المغامرة نفسها، لكن علينا ألَّا ننسى أننا نحن من وضع القارب في البحر ونحن من يقوده.
لأجل ذلك كان تعاون المستجوب مع السوسيولوجي ضروريًّا لأجل بناء تأويل من الدرجة الثانية انطلاقاً من تأويل الفاعلين محل الدراسة، والأمر لا يتعلق أبداً بفرض خطاب علمي على واقعة ممشكلة من الحس المشترك، وإنما يتعلق بوصل تأويل بآخر لأجل الانتقال لدرجة أخرى، وما هو أمثل أن يجيب المبحوثين عن الأسئلة دون أن نطلب منهم ذلك، من دون أن نطرح عليهم الأسئلة التي نتوجه بها إليهم والتي صيغت انطلاقاً من نفس جنس ما نطرحه نحن على ذواتنا. ويؤكد «بورديو» هذه الفكرة التي هي من صميم مهنة عالم الاجتماع بالقول: إن عمل هذا الأخير ينصبّ في إظهار الأشياء المخفية للذين يعيشونها، والذين هم في آن واحد لا يعلمون بها، بمعنى آخر يعرفونها أفضل من أي شخص، وإذا أراد عالم الاجتماع بحرفته أن يلعب دور مولّد لما هو مختفٍ فيشترط أن «يمتلك معرفة معمقة بأشراط الوجود حيث يكون الأفراد نتاجاً وتأثيرات اجتماعية لعلاقة البحث»[29].
8- نحن مطالبون في مستوى معين من البحث أن تقود علاقة البحث نحو زمن مثالي نعرفه جميعنا، وهو ذلك الذي نرى فيه الأفراد يفسرون بقدر كبير كيف ينظرون للأشياء التي نأمل معرفتها. ولكي نزيد من حظوظ الوقوف عند هذا الزمن فإننا مطالبون دون هوادة بتنمية صفاتنا كعلماء اجتماع من فضول، صرامة وذاكرة. ذلك أن استعمال وسائل مبتكرة في تسجيل المعلومة كالمسجل الصوتي في حال المقابلة، ليس حلًّا عامًّا ووسيلة مرور ناجعة، لذا لابد من أن نكون مستنفرين باستمرار كي نستوعب الأحداث أو الكلام غير المنتظر أثناء البحث، وهذا السياق أشار إليه «بورديو» بدعوته إلى أن يكون البحث مشابهاً لممارسة روحية، إذ نضع أنفسنا نحن الباحثين في مكان المبحوث المُفكَّر فيه دونما أن يعني ذلك إسقاطاً لذاتنا في البحث، لأن الهدف في الأخير سيكون أن وضعية المحادثة لها معنى لدى المبحوث.
9- المراكز الموضوعية، الممارسات والآراء الفردية: علينا أن ندرك جيداً أنّ إجابات المبحوثين لا يمكن التعامل معها بشكل منفصل عن السياق الاجتماعي الذي أنتجها وطبعها بصفات متميزة، فهؤلاء متصلون في تاريخ جمعي (عائلي، مهني، محلى أو جهوي، وطني،...)، وغير مجردين من وجودهم الاجتماعي لأنهم يشكلون بحق عشًّا لعلاقات متنوعة وثرية، فمن خلال التعاطي الخارجي مع خواصهم الفيزيولوجية تواصلنا معهم في سكنهم وأمكنة عملهم، وسجّلنا آراءهم العدائية أو الانتقامية، مبتسمين أو حزينين، أصغينا إليهم وكشفوا لنا عن جوانب من حياتهم ولتصوراتهم الذاتية وللواقع الخارجي، وهنا تأتي مهمّتنا كمشتغلين في علم الاجتماع وهي تمييز مَنْ مِنْ هذه الخصائص تناسب موضوع الدراسة. والتعامل مع هذه المعطيات المصرح أو المعلن منها كلمة أو حركة أو تعبيراً يكون بتبني موقف نقدي على قاعدة الشك المنهجي.
في مرحلة ثانية يُناط بنا البحث عن روابط تجمع بين المراكز الموضوعية للمبحوثين وممارساتهم التي جرت ملاحظتها من خلال آرائهم الذاتية المعبّر عنها. وفي هذا الصدد ينوه برتراند زركا[30] بضرورة التمييز ما بين ما يقال خلال مقابلة والوقائع الموضوعية، ففي بحثه حول المسارات المهنية للحرفيين يشير إلى أن الواقعة الموضوعية تمثلت في أن يكون على سبيل المثال متدرب صنعة في مهنة ما وفي فترة معينة، والأحكام الصادرة عن هذه الوقائع في تعبير هذا المتدرب: إنه صعب، رب العمل كان ذا جلد بقرة. والتي تشكل معطيات تأخذ طابع الفردانية وتخبرنا عن الذاتية الحالية لمنتج الخطاب وليس عن ماضيه الضروري المراد بناءه، من هنا ينبغي تحليل هذه البيانات الذاتية من خلال إرجاعها إلى مجموع المسار السوسيومهني للفرد، فتحبيذ الحديث عن قساوة ظروف التمهين يمكن أن يكون مختلفاً لو تعلق الأمر بفرد كهل له مساره المهني القديم.
مثال آخر يمكنه أن يقرب أكثر الفهم عن العلاقة بين المراكز الموضوعية، الممارسات والآراء الذاتية، فعندما نعقد مقارنة ما بين مبحوثين قريبين من بعضهما اجتماعيًّا كمثل عاملين يشتغلان في المؤسسة نفسها، بالأجر نفسه، يمتلكان بيتا في الحي نفسه من المدينة الصغيرة نفسها من الإقليم نفسه، متماثلين في تحصيل الكفاءة المهنية نفسها، إلا أن زوجة كل منهما لها خصوصية اجتماعية متمايزة، فإحداهما عاملة حائزة على شهادة الكفاءة المهنية، في حين أن الأخرى موظفة في القطاع الإداري وحاصلة على شهادة البكالوريا، ومنه المطابقة بين وضعية المبحوثين تجعل من المرجعية المهنية للزوجة تترجم إلى ديكور البيت والأسرة، اللغة، نموذج تربية الأطفال، العلاقة مع المدرسة، العلاقة مع السياسي والمستقبل.
10- الحذر من الكلمات الأصيلة: لكي يكون العمل البحثي ذا مصداقية ومعنى، لا أن يرتكز على الكلمات التي يطلق عليها الممارساتية لكل فئة اجتماعية ينتمي إليها المبحوث، فمن خلال سردها والمعاني التي تتضمنها (عادية، يومية، مصطنعة، عنيفة،...) إنما هي مقدمة من طرف المبحوث بشكل ترتيبي وفقاً لمدلولاتها، والأحكام الخاصة التي يتبناها، وعلى الباحث أن يجابهها مع التراتيب السوسيولوجية العامة والمجردة. نورد في هذا السياق مثالاً لكلمات تستخدم في الخطاب المصنعي: الشيّات، مزبلة، ديشي، ديقوتاج، مونيفريا. كلمات خاصة بالإطارات: التفرغ للعمل، روح الجماعة. كلمات خاصة بالشباب: التشيبّا، الحقرة، كواسر، شبرق. علينا أن نفكر في معاني هذه الكلمات التي أنتجت في سياق زمني محدد، وتملأ فضاء الحقيقة الاجتماعية بالدلالات الخاصة بها. ولتوضيح الفكرة أكثر نقدم نموذجاً لهذه الأفكار الأصيلة من دراسة قام بها ميشيل بيرلو[31] في عمل بحثي موسوم بـ: العاملة ورئيس الفرقة. فلأجل تشكيل صورة عامة عن جو العمل في الورشة، وجّه الباحث دليل مقابلة لرئيس فرقة وعاملة هي زوجته يشتغلان في الورشة نفسها، حيث توصّل إلى صورتين يشكلها كل منهما بناء على مرجعية معينة، يعود إليها الاثنين كي يوصّفا الجو السائد في الورشة، فجو العمل الجيد في عقل رئيس الفرقة متصل بالخصائص الموضوعية لمنصب العمل من إضاءة، أعباء المنصب، المسؤولية،... إلخ. في حين أن مرجعية جو العمل السيئ بالنسبة للعاملة مرتبطة بالعلاقات الاجتماعية ما بين العمال، التعاضد الداخلي، التضامن، توليفة كل الممارسات ذات المنحى التضامني العمالي والتي هي في طريق الزوال. تلكم إذن هي الدلالات التي يجب العمل على بلوغ مقاصدها، والتي تظهر بمناسبة الكلمات التي يقدم بل ويحمل عليها كل مبحوث مضامينه الخاصة، التي تتشكل بمناسبة مرجعيات ثقافية، نفسية واجتماعية يُكسِبُها له محيطه المحلي أو يتأثر بها خلال تبادلاته المتفرعة مع المحيط الخارجي.
11- الحذر من طرق التعبير، الصمت واللامنطوق: والمقصود أن الباحث لا يهتم بمحتوى الكلام المصرح به فحسب، وإنما عليه أن يعير اهتمامه أيضاً إلى الأسلوب الذي يتم فيه إنتاج الخطاب ويتحسس النبرة التي يحمل عليها. كذلك علينا التنبه إلى أن أهم تلك التعبيرات بل وأعقدها تلك التي تأخذ شكل التواصل غير الشفهي، الذي تختفي فيه كثير من المواضيع التي يرغب أو يمتنع المبحوث عن سردها، ومن بينها تعابير ملامح الوجه، حركات الجسد والإيماءات، والتي يطلق عليها تسمية لغة الجسد، والتي تحظى بصيت واسع في الغرب تحت مسمّى علم اجتماع الجسد، وينبغي الإشارة إلى أن التعبير عن إحساس أو فكرة من خلال حركة الجسد يكون في الغالب محدداً من خلال الثقافات والجماعات على اختلافها «فالطريقة التي تتحرك فيها عضلات الوجه عند الابتسام، وطول فترة الابتسامة واتساعها تتنوع تنوعاً واسعاً بين مختلف الثقافات»[32]. مما سبق يمكن لنا القول: إن التفاعل الذي يتم في فضاء المجتمع المحلي الضيق أو الواسع يعج بمعانٍ وكلمات تحملها إلينا قنوات متعددة وبوسائط مختلفة، غير أنها مفهومة ومتبادلة فقط عند أولئك الذين يشتركون في جماعة أو ثقافة محددة، ولأننا اليوم نعيش في عالم مصغر تقارب بفعل تطور التواصل البيني الذي جاء مع الإنترنت، فالأكيد أن التفاعل الاجتماعي الذي يجمع بين الأفراد بشكل غير مباشر من خلال الوسائط الاتصالية التكنولوجية كرسالة من هاتف نقال، المعايدة عن بعد في الأعياد والمناسبات، دور وسائل الإعلام في إضعاف الروابط الأسرية من خلال إحلال التباعد والصمت بين الأفراد، عدم القدرة عن التعبير عن الذات والآخر في التفاعل واستبدالها بحضور الشخصية السينمائية أو المسلسلية أو الغنانية، أو الرياضية، كشخصية نموذجية تتماثل مع الأنا المكبوت وتعبر بدلاً عنه للآخر. انسحاب التفاعل الوجاهي لصالح التفاعل المباعد من خلال الرسالة الإلكترونية، قد زاد من حدة لا يقين العلاقة مع الآخر وقيمتها الإنسانية السامية، وهز بشكل كبير الثقة التي تتأسس بفعل المعرفة ومن الاشتراك في الثقافة والمصير، ناهيك أن التفاعل الوجاهي الذي يتم فيه إنتاج اللغة الخفية التي يعبر عنها الجسد تنمحي أمام نص رسالة يكون صاحبه ككيان ثقافي غائباً، فيما تحضر بدلاً عنه بضع كلمات يغيب عنها حتى التناسق الجملي. لهذا يصبح العمل هو البحث من خلال التحليل استخلاص فائدة من تنوع طرق السرد للخطاب، والإقبال على توضيح ما لم يقله المبحوث أو أعرض عن الإسهاب في الكلام عنه.
12- القراءة السوسيولوجية من الرقم إلى الخطاب السوسيولوجي: تبقى المعطيات الخام التي بين يدي الباحث (التي يكون مصدرها، الملاحظة، المقابلة، الاستمارة، وثيقة،... إلخ)، بعيدة عن الاستغلال طالما لم يتم معالجتها وترتيبها وتهيئتها بشكل مناسب، ذلك أن عمليات التحليل اللاحقة ستتوقف الدلالات المستخرجة منها على مدى مصداقية المعطيات المحللة. فقد تبدو عمليات العرض المرتبة والمقننة للمعطيات سهلة وبسيطة في بعض مواضعها، إلا أنها هي من يسم البحث ككل إما بموضوعية الطرح أو بانحراف النتائج نحو موضوعات بعيدة عن المسألية التي طرحت في السابق. ولأن الإحصاء أداة فعالة في التدليل على مدى ونوعية النتائج أمكن لمن اشتغل على هذا الجانب الوقوف على السند والدعم الذي يقدمه، فبالنسبة لـ«مارسيل موس» أن البحث والتحقق من الواقعة الاجتماعية بفرض استعمال الإحصاء الذي يقدم الموضوعية، فهو وسيلة مميزة تسمح بمعالجة الوقائع الاجتماعية باعتبارها أشياء وبتحليلها مستقلة عن تأثيرات الأفراد، ويصل «موس» إلى القول «.... في الحقيقة كل مشكلة اجتماعية هي مشكلة إحصائية فاعتياد الظاهرة، عدد الأفراد المشاركين، تكررها طول الوقت، الأهمية المطلقة أو النسبية للأفعال، وتأثيرها بالنسبة لما تبقى من الحياة، كل شيء مكمّم ويجب أن يكون محسوباً»[33].
إذن الوسيلة الإحصائية أداة فعالة في تحضير المعطيات للقراءة التفسيرية ولإنتاج الخطاب السوسيولوجي أو التأويلي منها، ومثلما يشير فيبر فإنه لا يجب التوقف عند حد الإجراءات الإحصائية والادعاء بأن ما تحقق من برهنة رياضية هو التفسير بعينه، لأن التحليل الإحصائي ضروري ومفيد لإدراك الخواص الفردية ولا يمثل سوى «... مجموع أفعال ينبغي على عالم الاجتماع إدراك معناها»[34]. وتبدو هذه المغالطة التي يقيس عليها كثير من الباحثين حكمهم على النتائج اعتماداً على المحك الرقمي، هي في الأساس لم تستوعب جيداً ما قصد إليه موس من أن الظاهرة الاجتماعية هي ظاهرة إحصائية، لأن فكرة العدد في ترتيب موس جاءت في الصف الأخير من توصيفه لما يستحق الدراسة في مجموعة اجتماعية وذلك بالقول «توجد أشياء وأشخاص، إذن فيزيائية ومادية في البدء، ومن ثمّ العدد»[35]، ويَرِدُ اسمي الشيء والشخص في بداية الترتيب كي يبين موس أن افتكاك موضوع البحث يستند إلى عمل تفكيري هدفه وضع اليد على المشكلة السوسيولوجية الحقيقية، التي تكتنز بداخلها معرفة بحاجة إلى تفسير على أساس بناء توصيفات مفهومية، يكون أحد أدوارها محاكات الرموز والمعاني التي يضفيها الفاعلون على أنشطتهم وتحويلها إلى إحصائيات. بتعبير آخر إن خصوصية العلوم الاجتماعية هي البحث فيما وراء المعطيات الإحصائية التي ليست إلا نقطة انطلاق للبحث في معنى الارتباطات التي تشهد عليها لغة الأرقام. ولعل استشهادنا بدراسة موس لظاهرة الهبة يبين أن الذي أسس عليه استنتاجاته إنما هو عمليات التفسير لما يمكن أن تستتر فيه العلاقة بين الواهب والموهوب، فالرمزي الذي يتجسد في شيء يتبادل به بين طرفين «... يحقق العلاقة بين الأشخاص والأشياء، ويربط التجارب المتتابعة في وحدة معنى»[36]. هذا الاستنتاج الذي تستفيض في الاستعارة من تجربة علم الأنثربولوجيا، معجب بالوسائل التي أمدته في تحليل موضوعه عنه. ومنه فإنه على مستوى هذه المرحلة فقط يتم اتخاذ القرار فيما أمكن الحديث عن سيرورة الموضوعية دون أن تتعرض في أي جزء بحثي من مرحلة البحث إلى تشويه أو تحريف. فالوصول إلى خطاب دقيق خال من الغموض متأتٍ من معرفة وإتقان لوسائل إنتاج المعطيات الإمبيريقية، وتحليلها هو سعي حثيث تنيره بصيرة عقل يجيد التفكير والاستدلال يحقق ماهية علم الاجتماع باعتباره معالجة للعالم الاجتماعي يتم فيها التخلص من امتدادات المفاهيم الدارجة أو الساذجة وبناء موضوع هذا العلم اعتماداً على القطيعة مع هذه المفاهيم»... وبوسعنا تلخيص هذا الإجراء في مجموعة تسمى الموضوعية أي إضفاء الطابع الموضوعي، فهو مسمّى يفصح في آن واحد عن التخلّي عن النظرة الذاتية للحقائق الاجتماعية، وعن القدرة على التعبير عن البنية الكامنة وراء الظواهر وعلى صياغة المعطيات»[37].
* خاتمة
إنّ مجمل ما عرضناه سابقاً من قضايا، ابتغينا فيها التأكيد على أهمية ودور النشاط التأويلي، إن على المستوى المنهجي المتزمت أو على مستوى الإرشاد التفكيري عند دراسة الظاهرة الاجتماعية. هذه الأخيرة التي لطالما بدت للسوسيولوجي في صورة متكاملة على اعتبار أن من صاغها هو المجتمع الذي يخضعها لقوانينه. غير رؤيتنا تدعي أن هذا العالم الاجتماعي الذي يعج بالظواهر الاجتماعي لا يجب أن يُنسينا أننا أيضاً جزءاً من هذه الظواهر، فإن كنا ملاحظين عند مستوى معين، فإننا فاعلون وواقعون تحت الملاحظة في أحايين أخرى، إن على مستوى الوقائع الاجتماعية الجزئية أو العالمية. ولأن العمل السوسيولوجي هدفه ليس توصيف الواقع وإنما بناؤه، والوقوف منه موفقاً نقديًّا لأجل إعادة تشكيل الصورة الحقيقية التي تختفي وراء كل فعل أو وضعية أو واقعة، فدورنا ليس مقترناً بالقدرة على التحكم في المناهج والتقنيات التي تمدنا بها العلوم الاجتماعية، وإنما أيضاً على القدرات الشخصية التي لا غنى عنها في استقراء الظواهر وإعادة صياغة الحياة الاجتماعية. أخيراً إننا لا نطلب من عالم الاجتماع أن يقتني قبعات الآخرين ولكن أن يعرف كيف تمت صناعة هذه القبعة، وكيف يمد يده جيداً عند وضعها في رأسه، وهذه هي الفكرة التي نريد الدفاع عنها: لا تأويل من دون خصوصية فردية وثقافية، ولا سوسيولوجيا من دون أن نكون نحن أبناء عصرنا نفكر فيما هو قضية حقيقية للمجتمع.
[1] أستاذ مساعد بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية - قسم علم الاجتماع بجامعة فرحات عباس - سطيف.
بريد إلكتروني: anouar01dz@yahoo.fr
[2] Gauthier (B). Recherche sociale. De la problématique à la collecte des données. Presse de l’université du Québec. Canada.1984.p53.
[3] Grawitz (M). Méthodes des sciences sociales. Dalloz. Paris.10émeédition.1996.p340.
[4] Alexis de Tocqueville.de la démocratie en Amérique. Tome2 (collection Histoire et Civilisation).ENAG/Edition. Alger.1988.p279.
[5] Tocqueville. Ibid. p281.
[6] Compenhoudt (L-V). Introduction à l’analyse des phénomènes sociaux. Dunod. Paris.2001.p240.
[7] Aron (R ). Les étapes de la pensée sociologique. Cérès Editions. Tunis.2002.Tome2.p391.
[8] حجازي، عزت. الأزمةالراهنة لعلم الاجتماع بالوطن العربي: مع تركيز على الوضع في مصر. ندوة نحو علم اجتماع عربي. المعهد العالي للمنشطين الثقافيين. تونس. 1985. ص3.
[9] عنصر العياشي. نحو علم اجتماع نقدي. دراسات نظرية وتطبيقية. ديوان المطبوعات الجامعية. الجزائر. الطبعة الثانية. 2003. ص7.
[10] حجازي، أحمد مجدي. الفكر السوسيولوجي وأزمة التنظير. رؤية نقدية لمنهجية الفكر الغربي.مجلة المستقبل العربي. السنة الثامنة عشرة. العدد 195.مركز دراسات الوحدة العربية. أيار (مايو) 1995. ص71.
[11] حجازي، أحمد مجدي. المرجع السابق. ص81.
[12] بريان تيريز. ماركس ونهاية الاستشراق. ترجمة: يزيد صايغ. مؤسسة الأبحاث العربية. 1981. ص54. نقلاً عن: نور الدين زمام. معضلات التفسير السوسيولوجي.واقع سوسيولوجيا العالم الثالث. تقديم: لقجع عبد القادر. علم الاجتماع والمجتمع في الجزائر. أعمال الملتقى الوطني حول علم الاجتماع «علم الاجتماع والمجتمع في الجزائر: أية علاقة؟».وهران أيام 4 و5 و6 ماي 2002. دار القصبة للنشر. الجزائر.2004.
[13] غليون، برهان. اغتيال العقل. محنة الثقافة العربية بين السلفية والتبعية. موفم للنشر.الجزائر. 1990. ص55.
[14] سعد الدين، إبراهيم. تأمل الآفاق المستقبلية لعلم الاجتماع في الوطن العربي: من إثبات الوجود إلى تحقيق الوعود. ندوة نحو علم اجتماع عربي. المعهد العالي للمنشطين الثقافيين. تونس. 1985. ص8.
[15] بورديو، بيير. الرمز والسلطة: ترجمة عبد السلام بن عبد العالي. دار توبقال للنشر. الدار البضاء. 1990. الطبعة الثانية. ص13. نقلاً عن: الكردي، محمود. دور العلم الاجتماعي في تشكيل بنية العقل العربي. المجلة الاجتماعية القومية. المجلد 35. العدد 2. المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. القاهرة. ماي 1998. ص128.
[16] أبوزيد، نصر حامد. الهيرمينوطيقا ومعضلة تفسير النص. 1981. ص141. نقلاً عن: المتقن، محمد. في مفهومي القراءة والتأويل. مجلة «عالم الفكر». المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.الكويت. أكتوبر/ ديسمبر 2004. المجلد 33. العدد 2. ص25.
[17] Weber (M). Economie et société. T1.trad. Plon.1971.p07.In Gosselin(G).Sociologie Interprétative et autres essais. Harmattan. Paris. (Logiques sociales).2002.p62.
[18] زايد، أحمد وآخرون. آفاق جديدة في نظرية علم الاجتماع. نظرية تشكيل البنية (نظرية البنينة). «المجلة الاجتماعية القومية». المجلد33. العدد الأول والثاني. المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. يناير/ مايو. 1996. القاهرة. ص65.
[19] Giddens (A).Profiles and critiques in social theory, London: Mac Millan.1982.p04. نقلاً عن زايد، أحمد وآخرون. نفس المرجع السابق. ص66.
[20] أنجرس، موريس. منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانية. تدريبات منهجية. ترجمة: صحراوي، بوزيد وآخرون. دار القصبة. الجزائر. 2004 ص427.
[21] الرباعي، عبد القادر. التأويل: دراسة في آفاق المصطلح. مجلة عالم الفكر. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. الكويت. أكتوبر/ ديسمبر. المجلد 31. العدد 2. 2002. ص152.
[22] Bourdieu(P), Wacquant (L).Repenses. Paris. Le seuil.1992.pp218-221.In Gosselin (G).ibid. p87.
[23] Bourdieu(P), p224.Ibid.p92.
[24] Gauthier (B). op.cit.p41.
[25] ميلز، رايت، الخيال العلمي الاجتماعي. ترجمة: عبد الباسط عبد المعطي وعادل مختار الهواري. دار المعرفة الجامعية. الإسكندرية. 1987. ص4.
[26] غيدنز، أنتوني، مقدمة نقدية في علم الاجتماع. ترجمة: أحمد زايد وآخرون. مركز البحوث والدراسات الاجتماعية. كلية الآداب. القاهرة. الطبعة الثانية. 2006. ص33.
[27] غيدنز، أنتوني، المرجع السابق ص 43.
[28] مصطفى، خلف عبد الجواد، قراءة معاصرة في نظرية علم الاجتماع. مطبوعات مركز البحوث والدراسات الاجتماعية. كلية الآداب. جامعة القاهرة. 2002. ص219.
[29] Bourdieu(P),La misère du monde. Paris.le seuil.1993.p918-919.In Gosselin(G). Ibid.p100.
[30] Zarka (B).Les artisons. Gens de métier, gens de parole, l’Harmattan. Paris.1987.p09.In Beaud(S),Weber(F).Guide de l’enquête du terrain. Produire et analyser des données ethnographiques.la découverte. Paris XIII.2003.p266.
[31] Pirloux (M), Cokouge(Ch), L’ouvrière et le chef d’équipe. Travail et emploi, Janvier 1995, p62. In Beaud(S), Weber(F), Ibid. p268.
[32] غدنز، أنتوني. علم الاجتماع. ترجمة: فايز الصياغ. مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت. 2005. ص162.
[33] Mausse (M). Essai de sociologie. Paris, Minuit, 1968.p62. In Ferréol (G) et Autres, Dictionnaire de Sociologie, Armand colin. Paris.3éme édition.2002.p106.
[34] weber (M), L’objet de la sociologie. Pour la sociologie compréhensive. In weber (M).Economie et société.1922.trad. Parie. Plon.1969.In Berthelot (J-M). Sociologie. Épistémologie d’une discipline. Texte fondamentaux. Éditions de Boeck université. Bruxelles.2000.p23.
[35] Mauss (M).Essai sur le don. ENAG/Éditions. Alger.1989.p200.
[36] Compenhoudt (L-V). op.cit.p112.
[37] هيران فرانسوا. «الركائز الإحصائية للسوسيولوجيا» ترجمة: حليم طوسون. «متون عصرية في العلوم الاجتماعية. حديث الأرقام». مجلة نصف سنوية.عدد 1. مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماع. القاهرة. شتاء وربيع 2000. ص ص 11 - 12.