شعار الموقع

مؤتمر التكامل المعرفي الحلقة الدراسية الإقليمية

حسين زين الدين 2010-11-04
عدد القراءات « 2173 »

«نحو نسق فكري إسلامي»
السودان - الخرطوم: بين 7 - 9 أكتوبر 2009م
*
* كاتب من السعودية.
اختتم المعهد العلمي الذي ينظمه معهد إسلام المعرفة بجامعة الجزيرة بالتعاون مع المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم واتحاد جامعات العالم الإسلامي مؤتمره بعنوان «نحو نسق فكري إسلامي» الذي ناقش فيه برنامج التكامل المعرفي الحلقة الدراسية الإقليمية في الفترة من 7 إلى 9 أكتوبر 2009م بالخرطوم. وقد وُزِّعتْ الأوراق على أيام المؤتمر الثلاثة، جاء الافتتاح في صبيحة يوم الأربعاء 7/10/2009م.
الجلسة العلمية الأولى
الورقة الأولى في هذه الجلسة، ألقاها الدكتور عبد المجيد النجار، وجاءت بعنوان «نظرية التكامل المعرفي عند ابن خلدون»، قال في مستهلها: التكامل المعرفي يعني أن تكون المعارف يصل إليها الإنسان بالبحث متكاملة فيما بينها لا يتناقض بعضها بعضاً... كما تكون متكاملة في تأديتها فيما يريد الإنسان أن يحقق من هدف. والشأن في الوضع المعرفي الإسلامي ألَّا تكون المعارف فيه إلا متكاملة سواء ما حصل منها بالوحي أو بالعقل أو بالحس، وذلك اعتباراً لمعنى الوحدانية الذي تقوم عليه الحياة الإسلامية بأكملها.
وانطلق الباحث في قراءته لنظرية التكامل المعرفي عند ابن خلدون، من خلال أربعة مرتكزات رئيسة، قامت عليها تلك النظرية، وهي على النحو التالي:
أولاً: التكامل المعرفي من خلال نشأة العلوم. وفيه أشار النجار إلى أن ابن خلدون بين خاصية التكامل المعرفي في العلوم الإسلامية من خلال نشأتها. موضحاً أن المحور الذي تدور عليه العلوم الإسلامية في نشأتها وتطورها إنما هو الوحي متمثلاً في القرآن الكريم والسنة الشريفة. والغاية التي تنتهي إليها، إنما هي تجلية الحقيقة الدينية مناط التكليف معتقداتٍ وأحكاماٍ. وفي السياق التكاملي ذاته تندرج جملة من العلوم والمعارف الأخرى المساندة لهذه العلوم الشرعية والخادمة لها، وهذا ما لخَّصه ابن خلدون في قوله: «أصل هذه العلوم النقلية كلها هي الشرعيات من الكتاب والسنة التي هي مشروعة لنا من الله ورسوله».
ثانياً: التكامل المعرفي من خلال اقتباس العلوم. وفيه يبيّن النجار أن المسلمين اتجهوا في حركتهم العلمية إلى علوم الأمم والشعوب الأخرى ويبحثون فيها عن الحق ليستفيدوا منه، فنشأت من ذلك حركة اقتباس واسعة النطاق من تلك العلوم. وكان ابن خلدون يرصد تلك الحركة الاقتباسية بدقة، ويسجلها في سرده النقدي للعلوم تسجيلَ المستحسن لها، الداعي إليها المحذّر من المزالق التي يمكن أن تقع فيها، إذ يبين ابن خلدون أن الاقتباس من علوم الأوائل ينبغي أن يكون بتجريد تلك العلوم من التناقضات مع الدين، ثم إدخال الموافقات في دائرة المعرفة التكاملية الإسلامية، لتتخذ بها وضعاً مختلفاً عن وضعها الذي نشأت فيه، وقد ظل ابن خلدون يتتبع الحركة العلمية الاقتباسية ليبين من خلالها هذا المنهج التكاملي، وأورد الباحث مثالين في هذا الشأن:
1- اقتباس علم المنطق، وهو ما وصفه ابن خلدون في قوله: «ثم جاء المتأخرون فغيروا اصطلاح المنطق، وغيروا بالنظر في الكليات الخمس ثمرته وهي الكلام بالحدود والرسوم، نقلوها من كتاب البرهان، وحذفوا كتاب المقولات، لأن نظر المنطقي فيه بالعرض لا بالذات».
ويرى الباحث أن هذا التغير في بنية علم المنطق بالتقديم والتأخير والإثبات والحذف إما كان بسبب أن يوافق هذا العلم المقتضيات الدينية، فيكون متناسقاً مع المدونة المعرفية الإسلامية غير ناشز عنها
2- اقتباس علم الفلاحة، وهو ما شرحه ابن خلدون في قوله: «ترجم من كتب اليونانيين كتاب الفلاحة النبطية منسوبة لعلماء النبط مشتملة من ذلك على علم كبير. ولما نظر أهل الملّة فيما اشتمل عليه هذا الكتاب، وكان باب السحر مسدوداً والنظر فيه محظوراً فاقتصروا منه على الكلام في النبات من جهة غرسه وعلاجه وما يعرض له من ذلك».
ويلفت الباحث من خلال هذين المثالين، كيف أن ابن خلدون يؤرخ لحركة اقتباس علوم الأوائل ضمن الحركة العلمية الإسلامية العامة.
كما يكتشف الباحث أن ابن خلدون لم يكن موقفه في هذا المسلك المعرفي موقف المعارض المحايد، وإنما كان موقفه كما يبدو من خلال توجيهاته وتعليقاته، موقف المؤصِّل الداعم لهذه الوجهة.
ثالثاً: التكامل المعرفي من خلال تصنيف العلوم؛ حيث أوضح النجار أن التصنيف الذي قام به ابن خلدون للعلوم، يمكن أن يكون من المظان المهمة لاستكمال نظريته في التكامل المعرفي.
مشيراً إلى أن ابن خلدون أورد في مقدمته تصنيفاً للعلوم لدلالة مهمة، وهو وإن يكن تصنيفاً بسيطاً في بنائه إلا أنه يتميز بالواقعية في إحصاء العلوم كما هي على عهده، وببيان مناشئها وأطوارها، وبيان العلاقة الرابطة بينها، خلافاً للتصانيف الواردة عند الفلاسفة الإسلاميين المتأثرين بمنزع الفلسفة اليونانية التي كانت تنزع منزع الافتراض العقلي المجرد.
وقال الباحث: إن ابن خلدون قسّم العلوم إلى قسمين كبيرين: الأول العلوم الحكمية الفلسفية، والثاني هي العلوم النقلية. مضيفاً أن هذا التقسيم الخلدوني الثنائي للعلوم يشير ابتداءً إلى ازدواجية معرفية لما يقوم عليه من مفاصلة بين النوعين من العلوم. خاصة وأن تسمية الأول بالعلوم الفلسفية يحمل الذهن إلى تصور أنها تقتصر على العلوم التي أنتجها اليونان لما اشتهر من أمرهم فيها، ولكن الحقيقة ليست كذلك، فهذا التقسيم الثنائي لا يعدو أن يكون قائماً على اعتبار وسيلة التحصين بين عقل ونقل وهو أمر لا يؤذن بمفاصلة بين النوعين، بل يفتح المجال لعكس ذلك من التواصل والتداخل والحركية المتبادلة.
ويوضح الباحث أن ابن خلدون أخرج من دائرة العلوم التي صنفها جملة منها تناولها بالنقد والإبطال مثل صناعة النجوم والكيمياء، وأما سائر العلوم الأخرى، فبالرغم من تقسيمه الثنائي لها فإنه جعلها مفتوحة على بعضها متواصلة فيما بينها سواء ما كان منها علوماً عقلية أو علوماً نقلية.
وكما أشار الباحث إلى أن ابن خلدون كان يبرز ذلك التكامل والتداخل إبرازاً في مواطن كثيرة في تصنيفه؛ حيث نجد على -سبيل المثال- علم الفرائض ضمن العلوم النقلية، ثم يدرجه ضمن العلوم العقلية في تصنيفه.
ويلفت الباحث إلى أن ابن خلدون لم يكن مقصوده أن يورث تقسيم العلوم على سبيل الوصف التاريخي المجرد، وإنما كان يهدف إلى بيان التكامل المعرفي فيها بياناً يتجاوز الصف إلى التأصيل والتوجيه، وكأنه يريد أن يقول: إن العلوم في دائرة الثقافة الإسلامية ينبغي أن تكون دائماً خادمة لحقيقة الدين غير مناقضة لها، سواء كانت منشأة إنشاءً أو مقتبسة اقتباساً، فإذا لم تكن كذلك أُخرجت من هذه الدائرة ووقع تناولها بالنقد والإبطال
رابعاً: التكامل المعرفي من خلال نقد العلوم؛ حيث كان ابن خلدون في رصده للحركة العلمية الإسلامية يرصد بنباهة ودقة مسارها من حيث ما تجري عليه من تكامل معرفي موحد الهدف، وهو خدمة الحقيقة الدينية، وما يطرأ عليها أحياناً من ازدواجية تخلّ بذلك وتعرقل التقدم إليه، فكان يبرز التكامل ويؤصِّل له.
وقد عقد ابن خلدون فصلاً في إبطال الفلسفة، عرض فيها أهم مقولاتها وبراهينها، ثم كرَّ عليها بنقد عميق، كما عقد فصلاً في إبطال صناعة النجوم وآخر في إبطال الكيمياء واستحالة وجودهما.
ورأى النجار أن ابن خلدون كان على وعي كامل بحركة المعرفة الإسلامية بين التكامل والازدواجية، ويختم النجار ورقته بالإشارة إلى سبب عنونة بحثه بهذا العنوان «النظرية الخلدونية في التكامل المعرفي» بقوله: إننا لم نكن نقصد أن ابن خلدون كان يؤسس لنظرية متكاملة في بناء متكامل.
ويضيف إنما قصدنا بهذا العنوان ومحتواه هو أن ابن خلدون، كما كان يتمثل التكامل المعرفي في نفسه واقعاً ذاتيًّا على ما يشبه التلقائية، فإنه كان -أيضاً- يستشعر القضية نظريًّا، فيورد فيها تلك البيانات التي عرضناها من خلال تبيانها في الحركة العلمية الإسلامية.
الورقة الثانية في هذه الجلسة، ألقاها الدكتور زكي الميلاد، التي جاءت بعنوان «التكامل المعرفي في رؤية علماء طبيعيات المسلمين المعاصرين». أشار الميلاد إلى أن في ساحة الفكر الإسلامي المعاصر هناك اتجاه فكري عبّر عنه بعض العلماء المسلمين المنتمين إلى حقل العلوم الطبيعية، له سماته وملامحه ورواده، التي يتميز بها من غيره من الاتجاهات الفكرية الأخرى في ساحة الفكر الإسلامي، وأبرز هذه الملامح الجمع بين الثقافة والعلم، بحيث ظهر فيه أصحاب هذا المسلك بأنهم مثقفون من جهة وعلماء من جهة أخرى.
ويضيف بقوله: وغالباً ما كان لمثل هؤلاء، الذين يجمعون بتميز بين العلم والثقافة، لمسات مميزة وتأثيرات خاصة في مسلكيات الثقافات التي ينتمون إليها؛ لأن العلم تكون له تموُّجات مختلفة حين يتصل بالثقافة، وهكذا الثقافة تكون لها تموُّجات مختلفة حين تتصل بالعلم.
ويذكر الباحث أنه لو تتبعنا هذه الظاهرة لوجدنا أثرها يمتد في معظم إن لم يكن في جميع تاريخ الثقافات القديمة والحديثة، في الشرق والغرب، وذلك لفاعلية التقاء الثقافة والعلم.
ويوضح من خلال ورقة بحثه، ربما يكون الحدث الذي عرف بهذا المنحى الفكري لأول مرة في ساحة الفكر الإسلامي المعاصر هو المؤتمر العالمي الأول للتعليم الذي عقد في مكة المكرمة سنة 1977م ويكفي دلالة على أهمية حدث انعقاد هذا المؤتمر الإشارات المتكررة إليه في العديد من الكتابات الموافقة والمخالفة لهذا المنحى الفكري والتي اتخذت من هذا المؤتمر بداية للحديث عن قضية أسلمة المعرفة، مشيراً إلى أنه كان بإمكانه أن يُحدث دويًّا أو صحوةً معرفية في مجال العلاقة بين العلوم والثقافة الإسلامية، لكنها الصحوة المعرفية التي لم تحدث، وما كان من السهولة حدوث مثل هذه الصحوة وما زال الطريق إليها شاقاً وطويلاً.
وفي حديثه عن (علماء الطبيعيات والثقافة الإسلامية)، يشير الباحث إلى أن ارتباط رواد هذا المنحى بالدين والثقافة الإسلامية هو الذي دفع هؤلاء إلى تبني هذا المسلك، والالتزام به، والدفاع عنه، ولم يجدوا في ذلك حرجاً يؤثر في منزلتهم العلمية، أو خشية من تشكيل انطباعات غير موضوعية وغير محبذة عن الآخرين نحوهم، مضيفاً أن رواد هذا المنحى وجدوا في الثقافة الإسلامية ما يُعزِّز علاقتهم بالعلم، وما يضيف لبواعثهم في ترسيخ هذه العلاقة وتماسكها، وفي تخلُّقها بجمالية القيم، ونيل الغايات والمقاصد، منطلقين من ذاكرة تاريخية خلَّاقة ترجع إلى عصور ازدهار الحضارة الإسلامية، وكيف أن الثقافة أنجبت تلك العقول المتفوقة في جميع ميادين العلم؟.
ويوضح الباحث بقوله: وللتعرف على هذا المنحى: فلسفته وحكمته، سوف نرجع إلى كتابات اثنين من رواده البارزين، وهما: الدكتور مهدي كلشني من إيران، والذي ركَّزت كتاباته على شرح الأبعاد النظرية لهذه القضية، والدكتور سيد وقار أحمد حسيني من الهند، والذي ركَّزت كتاباته على السياسات العامة المتصلة بهذه القضية.
وعند حديثه عن (مفهوم العلم الإسلامي، وأسلمه العلم)، يبيّن الباحث أن الدكتور كلشني شرح رؤيته لمفهوم العلم الإسلامي). أسلمة العلم في ثلاثة مؤلفات أساسية، وهي: كتاب (القرآن ومعرفة الطبيعة)، وكتاب (من العلم العلماني إلى العلم الديني) وكتاب (النظريات الفلسفية للفيزيائيين المعاصرين).
مشيراً إلى أن الكتاب الذي سيعتمد عليه بشكل أساسي، في شرح هذه المحاولة، هو كتاب (من العلم العلماني إلى العلم الديني).
ويذكر الباحث أن الإشكالية التي ينطلق منها الدكتور كلشني في معالجة المفهوم العلم الإسلامي وأسلمة العلم، وكيف نشأت هذه الإشكالية عند المسلمين في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، يمكن تحديدها في أربعة أمور، هي:
1- تأثير التقدم العلمي الذي أحرزه الغرب في القرنين الماضيين، مما أدى إلى هيمنتها على المجتمعات الإسلامية.
2- ما حصل عند الطلبة والباحثين في العلم الإسلامي الذين توافدوا على دراساته وتحصيل العلوم في معاهد وجامعات الغرب، مع نقص اطِّلاعهم على المعارف الدينية، واعتقاد معظم هؤلاء الدارسين أن هذين النمطين من المعارف لا رابط ولا تأثير متبادل بينهما.
3- ما تعرَّض له مفهوم الدين من تقلّص وتحجيم في الحياة المعاصرة، إلى جانب إغفال واقع محدودية العلم، وإضفاء طابع قطعي على كل ما يُطرح باسم الدين.
4- نتيجة وجهة النظر السائدة التي تصور أن العلم ليس له هوية محددة شرقية أو غربية، إسلامية أو غير أسلامية، على أساس أن العلم له منهجه الخاص المرتكز على التجربة والمقارنة بين نتائج التجربة ومعطيات النظرية.
ثم يكشف الباحث أن الدكتور كلشني حاول التصدي لهذه الإشكالية وتفكيكها في اتجاهين مترابطين، الأول يتعلق نبضه بما يسمى الطابع التجريدي والحيادي للعلم، والثاني يتعلق بالكشف عن طبيعة رؤية الإسلام التكاملية إلى العلم.
الاتجاه الأول: حاول الدكتور كلشني التأكيد والإصرار على أن العلم الحديث ليست له هوية متجردة وحيادية بالمطلق وبشكل تام، وإنما يتأثر بالعصبيات والتحيزات الفلسفية والدينية، بالأنساق القيمية وفرضيات الميتافيزيقيا. ويعتبر أن الذين لا يُقرون بهذه الحقيقة فإنهم لا يمتلكون خبرة واطِّلاعاً كافيين على شؤون العلم. وقد فات هؤلاء -حسب قوله- ما تتركه الأيديولوجيا والاتجاهات الفلسفية من أثار في نظريات العلم ومعطيات التجربة.
الاتجاه الثاني: حاول الدكتور كلشني الكشف عن طبيعة رؤية الإسلام إلى العلم، وكيف أن هذه الرؤية لا تفصل بين الدين والعلم أو بين الأخلاق والعلم، وتربط بين مختلف العلوم بطريقة تكاملية تستند إلى رؤية كونية توحيدية إلى العالم.
ويلخص الميلاد رؤية الدكتور كلشني من هذا الموقف في العناصر التالية:
1- سعة العلم في الإسلام، وفيه يؤكد الدكتور كلشني على أن العلم الذي يعنيه الإسلام واسع لا حدَّ له، ولا يضع الإسلام حدوداً للعلم، لكنه يدعو المسلمين إلى البحث عن العلوم المفيدة والنافعة فقط.
2- تخطئة تقسيم العلوم إلى دينية وغير دينية، وفيه يرى الدكتور كلشني أن المنهج الإسلامي يمتاز برؤية شمولية، فهو لا يفصل بين المعرفتين العلمية والدينية، فسائر العلوم التي تنطوي على منافع وفوائد معتدٍّ بها، يمكن اعتبارها معارف دينية، وبالتالي فإن تقسيم العلوم والمعارف إلى دينية وغير دينية لا يستند إلى أساس سليم.
3- الربط بين مختلف العلوم، وفيه يعتقد الدكتور كلشني أن علماء المسلمين كان سعيهم دائماً إلى الربط بين مختلف العلوم، وذلك لتقديم مفهوم منسجم عن الطبيعة.
وعند تناوله (سياسات عامة في أسلمة العلوم)، يوضح الباحث أن الدكتور أحمد حسيني شرح رؤيته لمفهوم أسلمة العلوم في جميع مؤلفاته تقريباً: كتاب (هندسة الأنظمة البيئية الإسلامية)، وكتاب (السياسات الثقافية والعلوم الإسلامية)، وكتاب (القرآن والعلوم الفلكية)، وكتاب (الفكر الإسلامي ونهضة الثقافة التقنية الإسلامية).
ملفتاً إلى أن الكتاب الذي سيعتمد عليه كتاب السياسات الثقافية كونه الأكثر وضوحاً في التعبير عن رؤية الدكتور حسيني حول هذه القضية. ويذكر الباحث أن الدكتور حسيني حاول أن يبلور بعض السياسات العامة المتصلة بأسلمة العلم، وهذه السياسات العامة هي:
أولاً: إعادة صياغة وتشكيل المعرفة الإسلامية، والتخلص من النظامين التعليميين المنفصلين: النظام العلمي، والنظام الشرعي.
ثانياً: إن الشرعية الدستورية ونظام الحكم القانوني هي شرط حيوي لولادة وتقدم العلوم والتكنولوجيا الإسلامية الحديثة.
ثالثاً: التعاون المحلي والعالمي بين المسلمين، على كافة المستويات الحكومية وغير الحكومية، والتعاون مع حكومات الدول غير الإسلامية ومؤسساتها.
رابعاً: الاهتمام بمراكز إبداع متميزة في العالم الإسلامي تهدف إلى توظيف طاقات الأفراد الموهوبين.
خامساً: السعي لاستعادة العقول المهاجرة بكافة الطرق.
سادساً: الالتفات إلى مسؤولية النابغين المسلمين.
سابعاً: العناية باللغة العربية وتطويرها واعتمادها وسيلة تخاطب بين المسلمين من أجل استيعاب المبادئ الإسلامية.
وفي موضوع (أسلمة العلم.. وجهات نظر معارضة) قال الميلاد: في مقابل المنحى الذي يدافع عن فكرة أسلمة العلم، هناك منحى آخر يعلن رفضه لهذه الفكرة، كما أن الدفاع جاء من علماء ينتمون إلى حقل العلوم الطبيعية، فإن الرفض جاء من علماء ينتمون إلى حقل العلوم الطبيعية.
وقد دخلت هذه الفكرة دائرة الجدل في ساحة علماء الطبيعيات منذ الإعلان عنها، ومازال الجدال يحتدم حولها.
ويعتبر الدكتور الباكستاني برويز بيود، هو أحد أشد الناقدين لهذا المنحى، وكشف عن موقفه المعارض في كتاب نشره بعنوان «الإسلام والعلم.. الأصولية الدينية و معركة العقل»، وفي هذا الكتاب فتح بيود معركة عنيفة، ووجَّه نقداً لاذعاً لفكرة أسلمة العلم.
في عنوان الفصل السابع، تساءل الدكتور بيود: هل يمكن أن يوجد علم إسلامي؟
وأجاب قاطعاً جازماً وببساطة شديدة: لا يمكن أن يوجد علم إسلامي للعالم المادي الذي يعيش فيه، وأية محاولة في نظره لخلق مثل هذا العلم تمثل إهداراً للجهود، وذلك لأسباب يشرحها الدكتور بيود.
1- لا يوجد في نظره علم إسلامي الآن، وأن جميع المحاولات لصنع علم إسلامي مُنيت بالفشل الآن.
2- إن تحديد مجموعة من الأخلاقيات والقواعد الدينية مهما بلغت لا يتيح للفرد بناء علم جديد.
3- لم يوجد في الماضي ولا الحاضر تعريف للعلم الإسلامي تقبّله جميع المسلمين.
وفي ذلك ذكر الميلاد بعض الملاحظات على وجهة نظر الدكتور بيود:
1- ينطلق بيود بشكل أساسي في تكوين وجهات نظره حول هذه القضية، من واقع التجربة الباكستانية، وهذه التجربة ليست بالضرورة هي أهم أو أفضل التجارب في هذا المجال، وقد تكون أكثر ضعفاً وتعثراً.
2- هناك قدر من عدم وضوح الرؤية عند الدكتور بيود حول أساس العلاقة بين الإسلام والعلم.
3- منذ البداية ظهر الدكتور بيود في هذا الكتاب بذهنية ونفسية غير متقبلة سلفاً لفكرة أسلمة العلم.
وقال الميلاد عند حديثه عن (المجال الغربي والتكامل المعرفي): إن هناك اتجاهاً جديداً في المجال الغربي بدأ يتبنى فكرة التكامل المعرفي في ساحة العلم، وفي هذا النطاق يمكن الحديث عن محاولتين بارزتين، هما:
المحاولة الأولى: شرحها كتاب (العلم في منظور جديد) لمؤلفيه الدكتور روبرت أغروس، والدكتور جورج ستانسيو، وعند النظر في هذه الدراسة، يمكن الكشف عن ملامحها وأبعادها في العناصر التالية:
1- تتسم النظرة العلمية القديمة بضيق الأفق، ولا سبيل فيها إلى معرفة أي شيء ما خلا المادة وخواصها.
2- لا تفلح النظرة العلمية القديمة في التوحيد أبداً بين العلوم.
3- تضفي النظرة العلمية الجديدة وحدة مذهلة على العلوم.
4- تتأرجح الثقافة الغربية في الوقت الراهن بين النظرة القديمة والنظرة الجديدة.
5- ما يتعلق بالمستقبل ما تزال هناك أشياء كثيرة عن المادة ينبغي اكتشافها.
6- ما يتعلق بالدين، فالظاهر أن مستقبل النظرة الجديدة يوحي بالعودة بثقافتنا إلى الإيمان بالله الواحد.
المحاولة الثانية: شرحها العالم الأمريكي المعاصر إدوار ويلسون في دراسة بعنوان «وحدة وتناسق المعرفة». وعند النظر في هذه الدراسة، يمكن تحديد أبرز مكوناتها في العناصر التالية:
1- إن السعي الأعظم لعقل كان وسيظل دائماً يحاول ربط العلوم الطبيعية بالعلوم الإنسانية.
2- إن مفتاح توحيد المعرفة هو التناسق.
3- إن الاعتقاد في إمكانية التناسق وراء نطاق العلم وعبر الفروع الهائلة للمعرفة هو نظرة ميتافيزيقية للعالم.
4- إن الإيمان بالتناسق هو أساس العلوم الطبيعية.
5- إن حلم وحدة الفكر كان نتاج التنوير.
6- إن الإصلاح الحقيقي سيهدف إلى تناسق العلم مع العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية في التعليم والتدريس.
7- إن معظم القضايا التي تكدر البشرية بصورة يومية كالصدام العرقي، يمكن أن تحل فقط بدمج المعرفة المستمدة من العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية.
8- إن المنظور المتوازن لا يمكن اكتسابه بدراسة الفروع المعرفية مجزأة.
ويشير الميلاد بقوله: بهذه العناصر والمكونات تتكشف حاجة الكتابات العربية والإسلامية، في التواصل والانفتاح مع هاتين المحاولتين وغيرهما في المجال الغربي، لتعميق منحى التكامل المعرفي في المجال العربي والإسلامي.
وفي ختام ورقته، ذكر الميلاد بعض الملاحظات حول مسألة التكامل المعرفي بين العلوم، في النقاط التالية:
أولاً: لا شك في أن من الصعب معالجة قضية علمية بهذا المستوى من التكامل بين العلوم، أو الإقناع بهذه القضية في ظل تراجع وتدهور حركة العلم في جامعاتنا ومجتمعاتنا العربية والإسلامية.
ثانياً: في هذه القضية تحديداً نحن بحاجة إلى استحضار وجهات النظر المغايرة.
ثالثاً: لا يكفي في هذه القضية الاكتفاء بالأبعاد والتحليلات النظرية على أهميتها وقيمتها والعناية بشرح موقف الإسلام من العلم ورؤيته إلى العالم.
رابعاً: لم يتطرق أصحاب هذا المنحى الذي رجعت لأفكارهم وكتاباتهم إلى تحليل وتقويم التجارب والنماذج المتصلة بهذه القضية.
الورقة الثالثة في هذه الجلسة للدكتور أبو بكر محمد أحمد، ألقاها بالنيابة الدكتور محمد بن نصر حول «مفهوم التكامل المعرفي ومنهجيته: قراءة في أطروحة الإمام الغزالي ووصلها بمشروع الإصلاح الفكري المعاصر».
والتي استهلها بقوله: فما يهمنا في هذه الدراسة هو أن نبحث في الجوانب المنهجية المترتبة على تكامل منهجي العلم والإيمان عند الغزالي الشافعي في الفقهيات والأشعري في القضايا الاعتقادية. فمسألة التكامل المعرفي هي الأكثر حضوراً في أيامنا هذه والأكثر إلحاحاً.
وذكر الباحث أن اختياره لإسهامات الإمام أبو حامد الغزالي نقطةَ ارتكاز وانطلاق لبحث تلك المسألة المنهجية له أكثر من مبرر. أهم تلك المبررات هي:
أولاً: إن إسهاماته تمكننا من تغييب الجانب الكلامي والنظر الفلسفي المجرد، فقد عاب الغزالي منهج علم الكلام كما عاب منهج الفلاسفة في الوقت ذاته الذي تفرد فيه بإدخال جانب من منطق أرسطو -بعد تنقيحه- إلى الإسلام.
ثانياً: إن الإمام الغزالي متكلم وأصولي، ونفترض في هذه الدراسة أن المقابلة بين منهج علماء المسلمين في أصول الدين ومنهجهم في أصول الفقه له فائدته المنهجية والعلمية.
ثم يشير بقوله: إذا كان الأمر كذلك، فإننا سنحاول في هذه الدراسة أن نبرز:
أولاً: المفهوم الإسلامي (الحق) للعلم ومنهجه عند الإمام الغزالي.
ثانياً: نعمل على ربط إسهام الغزالي المنهجي بموقف للشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، عبّر من خلاله عن رأيه في مسألة المنهجية وإسلامية المعرفة، وبدراسة للأستاذ إبراهيم أحمد عمر ناقش من خلالها قضية وحدة مفاهيم العلم والإيمان والمعرفة في مجالات العلم الشرعي والكوني والاجتماعي والإنساني،كما نبّه في نهاية دراسته تلك للحاجة للبحث عن منهج تُستخرج به العلوم الإسلامية.
وأشار في بداية حديثه عن المفهوم الإسلامي للعلم ومنهجيته عند الإمام الغزالي، أن الإمام الغزالي نبّه في الإحياء إلى مسألة تحريف الأسامي المحمودة وتبديلها ونقلها بالأغراض الفاسدة إلى معاني غير ما أراده السلف الصالح والقرون الأولى، وحدد تلك الأسماء في خمسة ألفاظ (الفقه، العلم، التوحيد، التذكير، الحكمة)، ثم لفت إلى أن هذه الألفاظ تشكّل عند الغزالي منظومة متكاملة تربط العلم في الاصطلاح الإسلامي في قضايا الاعتقاد والتزكية والبصيرة بالأمور كلها.
ثم تساءل الباحث: ما المقدمات العقلية الضرورية التي يسلكها الغزالي للوصول للمعرفة اليقينية؟ وما قيمتها؟
ويذكر في هذا السياق إلى ما نبّه إليه الأستاذ تيسير شيخ الأرض إلى أن الإمام أبي حامد الغزالي يطلق على الأقيسة اسم «مناهج الأدلة» حيناً، واسم «موازين المعرفة» حيناً آخر.
ويستنتج الدكتور أن كل مقياس -أو ميزان معرفة- ينبغي عند الغزالي أن يُبنى على مقدمة تجريبية أو حسية أو عقلية، لكي يمكن الوثوق بنتيجته.
كما أننا نلاحظ هنا أن الغزالي يضيق مفهوم العلوم الأولية؛ فبعد أن كانت تشمل الحس والتجربة إلى جانب غريزة العقل، أصبحت لا تعني إلا مبدأ التناقض.
وقد أشار إلى ما أفضى إليه الأستاذ تيسير شيخ الأرض بأن «المقدمة الأولية تقوم بجانب العقل على الحس والتجربة بالغزالي إلى الكلام في الاستقراء. غير أن قيمة هذا النوع من الاستدلال محدودة عند الغزالي؛ لأن الاستقراء لا يمكن الاعتماد علية -في غير الفقهيات- إلا إذا كان تامًّا.
ولا يقف الغزالي حالة مناقشته للاستقراء عند الأمثلة المعهودة في المنطق اليوناني، بل يورد كذلك أمثلة فقهية، موافقاً في ذلك منهجه في اشتراط المنطق بين النظار أيًّا كان نوعهم.
ثم استعرض الدكتور المقدمات العقلية الأولية على أساس من التقسيم الذي اتَّبعه الإمام الغزالي على النحو التالي:
أولاً: المقدمات اليقينية وهي أربعة:
1- الأوليات العقلية المحضة.
2- المحسوسات.
3- المجربات.
4- القضايا التي عرفت لا بنفسها بل بوسط.
ثانياً: المقدمات التي ليست بيقينية ولا تصلح للبراهين: وهي نوعان:
النوع الأول: المقدمات التي تصلح للفقيهات دون اليقينيان، فهو ثلاثة أصناف: مشهورات، مقولات، ومظنونات.
النوع الثاني: المقدمات غير الصالحة للفقهيات والعقليات.
ويُلاحظ الباحث أن الغزالي لم يعول -كذلك- على علم الكلام في تبريره للنسق الديني، بل يصف علم الكلام بكونه «... علماً وافياً لمقصوده، غير واف لمقصوده». ملفتاً إلى أن الإمام الغزالي عرَّف العلم في الإحياء بأنه العلم بالله تعالى وبآياته وبأفعاله في عباده وخلقه، وهذا يعني أن العلم طريقه العقل ومكانه القلب. فيما أشار إلى أن الإمام الغزالي حكى عن شكِّه في المحسوسات وترجيحه لليقين في العقليات، ناقش مناهج الطالبين للحق، فوصفهم في أربع فئات (المتكلمين، الباطنية، الفلاسفة، الصوفية ).
وفي هذا السياق يذكر الدكتور إبراهيم كلاماً لـ(سامي النشار) عن عدول الإمام الغزالي عن منهج الفلاسفة: «ثم ينكر الغزالي طريق الفلسفة -أي منطق أرسطو-، فبعد أن أوصى باستخدامه تنبَّه إلى ما قد يُنتجه تطبيقه في علوم المسلمين من متناقضات، فهدم فكرته الأولى عنه».
ثم يوضح أن تعريف الغزالي للعلم فيما سبق، يرتبط عنده بالضرورة بإمكانية المعرفة والعلم وتحديد طريق الاستدلال عليه وإنتاجه بمقدمات عقلية ضرورية تقود إلى أمان قلبي فُطر الإنسان على طلبه والبحث عنه، وهذا المجال في كتابات الغزالي له دلالة مهمة على المشروع الفكري الإصلاحي المعاصر.
وقد تناول الدكتور إبراهيم الأزمة المعرفية الحديثة عند البوطي، والتي كانت تتمثل في الآتي:
أولاً: هيمنة الحضارة الغربية المادية على أوجه النشاط الإنساني المختلف.
ثانياً: فقدان الفكر الإسلامي حريته تحت ظل هذه الهيمنة المادية.
ثالثاً: انتعاش النزعة الإلحادية.
رابعاً: اقتضت تبعية الفكر لسلطان المادة أن تحولت الدراسات الاجتماعية والتاريخية بأسرها إلى تحليلات خاضعة للأمزجة النفسية، أو التيارات السياسية، بعد أن كانت معاناة فكرية خاضعة لمنهج موضوعي علمي مجرد.
خامساً: تقطعت صلة ما بين العلوم الطبيعية، بعضها عن بعض، وتحوَّلت إلى أوصال ممزقة.
ويؤكد البوطي أن «العلم هو الذي يتبع المعلوم، وليس المعلوم هو الذي العلم».
وأكد الدكتور إبراهيم أن البوطي لا يعترض على مشروع المعهد العلمي للفكر الإسلامي، بالوجه الذي أظهرته دراسة صافي، فاعتراضه يتلخص في رفضه لمحاولة فرض تحيز على النشاط المعرفي للفكر، ويقول بـ«أسلمه النفس» «لا أسلمه المعرفة» على النحو الذي أشرنا إليه، فالبوطي يرى أن الإسلام يمتلك في عقائده ونظمه حل الأزمة المعرفية المعاصرة، واعتبر أن ترويض الوجدان الإنساني ابتغاء تطويعه لمقتضيات القرار العقلي هي المرحلة التحضيرية التي لابد منها بين يدي أي عمل فكري.
الجلسة العلمية الثانية
الورقة الأولى في هذه الجلسة، ألقاها الدكتور محمد الطاهر الميساوي، جاءت بعنوان «ما بين مقصدية الشرع وسننية العمران البشري والاجتماع الإنساني: نظرات أولية في مسافات التنظير الاجتماعي»، اعتمد الميساوي في بحثه على أطروحة الشاطبي في المقاصد وأطروحة ابن خلدون في العمران البشري والاجتماعي الإنساني، في سياق تاريخي واحد، فضلاً على الأفق المعرفي الواحد الذي تشكل في المجال التداولي الإسلامي على قاعدة التوحيد والاعتبار.
فالشاطبي في «الموافقات» محض جهده للبحث عن الكليات الثابتة التي بها تنتظم نصوص الشريعة في أحكامها الجزئية ومقاصدها الكلية نسقاً شاملاً لما يقوم به الوجود التاريخي للإنسان من مصالح تتراتب في دوائر متكاملة. تعكس الرؤية الشرعية الكلية لسلم القيم الحاكمة لسلوك الإنسان وتصرفاته على مستوى الفرد والمجتمع.
أما ابن خلدون في «المقدمة» فقد سعى إلى سبر طبائع العمران البشري لتمييز ما يلحقه من الأحوال لذاته وبمقتضى طبعه، بحثاً عن السنن العامة والقوانين الكلية التي تحكم مساره وتحدد مصيره.
واستعرض الباحث في مقدمة بحثه الأسباب التي دعته إلى اختيار هذين الكتابين في أمرين رئيسين:
1- فرادة الإسهام الذي قدَّمه كل منهما في المجال الذي عالجه.
2- المكانة التي ما انفكا يحتلانها وتتأكد يوماً بعد يوم في الساحة الفكرية في العالم الإسلامي.
ولفت في حديثه إلى الإشكالية التي سيحاول هذا البحث مناقشتها وإجالة النظر فيها، وهي كيف يمكن صوغ هذين المسلكين في إطار نظري ومنهجي واحد تتكامل فيه مقصدية الشريعة في شمول هديها مع سننية الاجتماع الإنساني في تعدد أبعاده وأوليات حركته؟.
كما أوضح الباحث أن هذه المحاولة تطمح أن تبرز -ولو بصورة كلية- الإمكانات المنهجية والآفاق المعرفية التي يمكن لموضوعي مقاصد الشريعة والعمران البشري والاجتماعي الإنساني إتاحتها لنا في التبصر بمسالك التكامل المعرفي في مجالين أساسيين من مجالات علوم الشريعة والمجتمع.
الورقة الثانية في هذه الجلسة، ألقاها الأستاذ الدكتور محمد الحسن بريمة إبراهيم، جاءت بعنوان: «رؤية الإسلام للعالم ودورها في تحديد هوية علم الاقتصاد الإسلامي»، مما جاء في ورقته: يبين التاريخ الإنساني جهود المجتمعات والأمم والحضارات في تكييف علاقة الإنسان بالمال، حتى انتهى الأمر في زماننا هذا إلى تجربتين بارزتين هما التجربة الرأسمالية والتجربة الاشتراكية الماركسية، ولكل منهما علومها النظرية والتطبيقية التي يدَّعي أهلها أنها تعطي مشروعية أيديولوجية للنظام ومشروعية علمية للتطبيق.
الاقتصاد الإسلامي، علماً وعملاً، له أيضاً علومه النظرية والتطبيقية التي أعطت المشروعية الأيديولوجية العلمية لتجربته التطبيقية التاريخية، ويمكن أن تعطي اليوم المشروعية ذاتها لتجربة تطبيقية معاصرة. الاقتصاد الإسلامي، كغيره من أنواع الاقتصاد، يتأسس على مقاصد، ووسائل، ومحددات، وأحوال زمانية ومكانية، لكنه يتميز من غيره في أن مرجعيته المعرفية هي القرآن، فكل مكوناته النظرية والتطبيقية وتجربته التاريخية هي كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
الاقتصاد الإسلامي كعلم عليه أن يجيب عن الأسئلة الرئيسة الثلاثة التي على كل علم من هذا النوع الإجابة عنها، وهي: ماذا ننتج؟ كيف ننتج؟ لمن ننتج؟
ويرى حسب قوله: أن علم الاقتصاد الإسلامي لابد أن يتأسس على التوحيد، وكذلك لابد أن يربط علم الاقتصاد النظام الاقتصادي بالنظام التربوي، فيؤكد لدارسه معنى التوحيد عقيدةً وأخلاقاً وقيماً وتصرفات.
مشيراً إلى أن هذه الورقة الإطارية معنية بتحديد الملامح العامة للاقتصاد الإسلامي البديل لغيره من أنواع الاقتصاد، لذلك نكتفي بما يتعلق بالرؤية الكونية الإسلامية بتلك المتعلقة بالاجتماع الإنساني، أو الظاهرة الاجتماعية، ثم في إطارها بالاجتماع الإسلامي الذي يعتبر الاقتصاد الإسلامي أحد مكوناته، ننتقل بعد ذلك إلى استخلاص أصول المقاصد الشرعية من أصول الاجتماع الإسلامي، ثم نؤسس على الأصول المقاصدية أصول الاقتصاد الإسلامي لتشكل إجابة عن الأسئلة الاقتصادية الثلاثة.
ويوضح أن الاقتصاد الإسلامي، علماً وعملاً، يستمد مقاصده من مقاصد الشريعة الإسلامية، وأن تكون وسائله لتحقيق تلك المقاصد ما تبيح الشريعة الإسلامية وألَّا يتجاوز المحددات الشرعية (حدود الله)، كل ذلك في إطار الأحوال الزمانية والمكانية.
ويذكر الباحث في ورقته أن المقصد الكلي للاقتصاد الإسلامي في إطار المقصد الكلي للشريعة، هو تمكين المجتمع والفرد المسلم من تحقيق حياة طيبة آمنة مطمئنة، في العاجل والآجل وذلك من خلال تمكينه من المكون المالي لهذه الحياة الطيبة.
الورقة الثالثة في هذه الجلسة، قدَّمها الدكتور محمد مجذب محمد صالح، جاءت تحت عنوان: «المفهوم الإسلامي لرؤية العالم وأثره على مفاهيم العلاقات الدولية»، تناقش هذه الورقة إحدى إشكالات الفكر الإسلامي المعاصر في العلاقات الدولية الذي لم يزل مفتقراً إلى «الرؤية» إلى التفكير في الأصول التي تقربه من إدراك الحقائق السياسية وبالتالي الإسهام في تشييد الحضارة الإسلامية وإعادة تجديدها.
وتهدف هذه الورقة البحث عن جوانب الأصالة في تراثنا الإسلامي. وتفترض أن الجوهر الكامن وراء العلاقات السياسية الدولية والطابع المميز لها، هو عملها بموجب سُنَّة التدافع، التي هي القانون التاريخي الذي تُمليه وتُغذيه عوامل الاختلاف في المعتقدات والتصورات في المقام الأول والمصالح المادية والقومية للكيانات السياسية في السياسة العالمية في مقامٍ تالٍ.
وفي السياق ذاته يرصد الباحث بعض النماذج لمظاهر صور المدافعة، والتي من أهمها: المدافعة بين الحوار والنزاع الديني، ومظهر الأنظمة السياسية بين الصالحة والفاسدة، ومظهر النزاع على الموارد بين النهب والتسخير، ومظهر إعداد القوة بين الغاية والوسيلة.
ويبيّن أن ظاهرة المدافعة هي ظاهرة مركبة، ويرجع ذلك إلى تعدد أبعادها، وتداخل مسبباتها ومصادرها، وتشابك تفاعلاتها وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة، وتفاوت المستويات التي تحدث فيها من حيث الفترة والزمان ومن حيث السلم والشدة والمحاربة والاعتزال.
ويشير إلى أن المحتوى القيمي والثقافي للأفراد وما يترتب عليه من أفعال الأفراد والأمة والجماعات هو الذي يكون موضوع علم العلاقات العالمية، شأنه في ذلك شأن سائر العلوم الأخرى في التصور الإسلامي، فالعلاقات الدولية في التحليل النهائي ظاهرة حضارية تتأثر سلباً وإيجاباً بما يصيب الحضارة.
ويخلص الباحث إلى أن المنهج التاريخي الاستردادي المهتدي بدلالة الوحي يصبح هو المنهج الأكثر قدرة على التفسير والتنبؤ بالظواهر السياسية في بُعدها العالمي في ظروف تاريخية وقيمة معينة، يفسر الاختلاف في الحياة السياسية العالمية باعتبارها اختلافات تدافعية تخضع للسنن والقوانين الاجتماعية كفلسفة للتاريخ.
الجلسة العلمية الثالثة
الورقة الأولى في هذه الجلسة، قدّمها الدكتور إدريس مقبول، جاءت تحت عنوان: «دور القيم العلمية والأخلاقية في بناء المعرفة وتأسيس العقل عند الدكتور طه عبد الرحمن»، يسعى الباحث من خلال ورقته لكشف اللثام عن طريق الجمع الذي عمد إليه عبد الرحمن طه في بناء نسقه الفلسفي من خلال جمعه الدائم بين القيم العلمية والأخلاقية جمعاً تكامليًّا يفيد بإعطاء سمة الشمولية والتوازن للمنظومة المعرفية التي راكم فيها عدداً من الأعمال طوال مسيرته البحثية.
وأشار الباحث إلى أن الدكتور طه عبد الرحمن من أوائل من شدّد في مشروعه المعرفي على شديد الصلة بين القيم العقلية والأخلاقية في تشييد العلم النافع من خلال نظريته في العقل والعقلانية وموقعها من السؤال الأخلاقي.
وذكر الباحث أن الأستاذ طه مارس نقداً مستمراً لشبكة المفاهيم الفلسفية الغربية القديمة بقوة وثقة وكفاءة، وقد ساعده على ذلك اطِّلاعه على علوم اللغة وفلسفتها، وهو يعتقد أن أحد مداخل الإبداع في الفلسفة هو التعمق في اللسان؛ ولا يكون إبداع الأمة في الفكر والفلسفة إلا من داخل لسانها.
كما أوضح الباحث أن مشروع تفكيك المفاهيم الفلسفية يبدأ عند الأستاذ طه من قضية المصطلح، حيث يميز بين طورين في ممارسة الاصطلاح: طور استهلاك المصطلح الأجنبي، وطور إنتاج المصطلح الأصلي. وقد ظل الإنتاج العربي الحديث عند الدكتور طه مشدوداً إلى مرحلة استهلاك المصطلح الأجنبي.
وأضاف قائلاً: إنه من جملة ما جدّد فيه الأستاذ طه عبد الرحمن التعريف الحدي للكائن الإنساني، فالإنسان عند طه كائن ذو بعد أخلاقي، وليس حيواناً عاقلاً على ما ردده الناقلون من عهد أرسطو، فالأخلاقية هي الأصل الذي تتفرع عليه كل صفات الإنسان من حيث هو كذلك، والعقلانية التي تستحق أن تنسب إليه ينبغي أن تكون تابعة لهذا الأصل الأخلاقي، والعقلانية عند الدكتور طه عقلانيتان: عقلانية مجردة من الأخلاقية، وهذا يشترك فيها مع البهيمة، وعقلانية مسددة بالأخلاقية، وهي التي يختص بها دون سواه.
ويذكر الباحث أن المشروع الطاهائي يصر على أن أحد مداخل التصويت المنهجي لحركية العقل في إنتاج المعرفة الانتقال به من النظر الملكي إلى النظر الملكوتي، ولا يتم الانتقال من العقل الملكي إلى العقل الملكوتي ما لم يحصل الاعتقاد بأن المعرفة التي تورثها المعرفة المحصلة من طريق الملكوت أوسع وأشمل وأدق.
ولفت الباحث إلى أن طه عبد الرحمن في كتابه «اللسان والميزان» يولِّد مفهوماً جديداً ليعبر به عن هذا التعدد والاختلاف، إنه مفهوم «التكوثر العقلي»، ويعتبر الدكتور طه أن التكوثر خاصية عقلية يختلف عن التكاثر من جهة ما يحمله من دلالات تفصيلية وتخصيصية، وإلى جانب صفة العاقلية في «التكوثر» يذكر الدكتور طه صفتين أخريين تنضافان لتكميل مفهوم العقل عنده، إنهما «القصدية: و«النفعية».
ويرى الباحث أن تصور الدكتور طه للتكوثر في صلته بخصائصه الثلاث: العقلية والقصدية والنفعية، تصور أصولي ومقاصدي محض يستند الدكتور طه فيه إلى تقسيم الفعالية العقلية إلى ثلاثة مستويات أساسية هي التجريد، والعمل، واليقين الصوفي، ويقابلها ثلاثة مفاهيم للعقل «العقل المجرد»، و «العقل المسدد»، و«العقل المؤيد»، وبذلك يختص العقل المجرد بوصف الأشياء، والعقل المسدد بأفعال الأشياء، والعقل المؤيد بهويتها الباطنية.
في ختام ورقته يتوقف الباحث عند جملة من الخلاصات المركزة عن علاقة القيم العلمية والأخلاقية في بناء القيم عند الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن:
1- تحقق الوصل بين القيم العلمية والأخلاقية غير ممكن في المنظومات المعرفية العلمانية لفصلها بين الآيات والقيم.
2- فرق ما بين العقل الملكي والعقل الملكوتي هو فرق ما بين العقل المادي المعاشي والعقل المؤيد بالله.
3- العقل درجات ومراتب بعضها فوق بعض تبدأ بالعقل المجرد بعدها العقل المسدد وأعلاها العقل المؤيد.
4- التكوثر العقلي خاصية للعقل تنفي واحديته ونمطيته وجموده، وتؤكد تقلبه وجدليته واتصافه بالجانب العملي الأخلاقي الطالب للنافع.
5- الوظيفة الآلية للعلم لا تنفي وظيفته الأخلاقية ومقاصديته العلمية الخادمة للإنسان، تميزاً بين الخير والشر وتعلقاً بالعمل
الورقة الثانية في هذه الجلسة، ألقاها الأستاذ الدكتور إبراهيم محمد زين، جاءت تحت عنوان: «نظرية القيم عند الفاروقي وصلتها بالتكامل المعرفي»؛ حيث بيّن أنَّ مشروع التكامل المعرفي عند الفاروقي، هو مخاض رحلة فكرية طويلة، كانت بدايتها في أول كتاب علمي له (العروبة) في شأن القول في العروبة وتشكيلاتها في مجال الدين والإنسان والمجتمع، والتي توقفت عند حدّ التشكل الديني، وأنتجت نظرية عميقة في شأن القيم، أعاد الفاروقي استخدامها حال نظره في الأخلاق المسيحية، وفي فهم مشكلة إسرائيل، وأخيراً في شأن إسلامية المعرفة، وفي كتابه عن التوحيد، ثم في كتابه (الأطلس الثقافي للإسلام) الذي مثّل عصارة فكره في شأن التكامل المعرفي وتصوره المعرفي، وهو ثمرة عمل فكري مشترك بينه وبين زوجته لامعة الفاروقي.
ويشير الباحث إلى أنَّ الأطروحة الأساسية في هذه الورقة تحاول الربط بين نظرية الفاروقي في القيم ومقالته في شأن التكامل المعرفي عن طريق النظر في الأسس المعرفية التي انطلق منها الفاروقي، ومن ثم قام بتأسيس نظريته في القيم.
موضحاً أنه لابد من القول بأن التكوين العلمي للفاروقي كان في مجال علم الأخلاق وربط القيم بالدين، ثم أراد أن يكون مشروعه العلمي مرتبطاً بمجال القيم.
وأبان الباحث أن الفاروقي في محاولته لكتابة نظرية في القيم من وجهة نظر إسلامية، طوّف بصورة إبداعية بين التراث الإسلامي في شأن القيم مع إبداء مقارنات جدّ قيِّمة بين الإسلام والمسيحية واليهودية، من خلال إطار تركيبي شامل يجمع بين نظرية القيم في الفلسفة الغربية المعاصرة، وبين مواقفه النقدية الإسلامية. ولا يخفى على الناظر الحصيف أن محاولته هذه تعتبر من المبادرات الإبداعية الأولى في شأن القول في «إسلامية المعرفة».
ولا شك في أنه قد حاول إيجاد تلك التركيبة النقدية الإبداعية من خلال معالجته لموضوع القيم وبيان وجهة النظر الإسلامية في هذا الصدد، من خلال إيجاد تفسير شامل لتاريخ اليهودية والمسيحية في إطار تلك الرؤية الإسلامية، ثم استثمار التحليل والنقد المعاصر في مجال القيم لتركيب نظرية إسلامية في شأن القيم، تستطيع من خلالها التعرف على مبادئ «الإنسانية الإسلامية» في قبالة «الإنسانية العلمانية». واستطاع في نهاية المطاف أن يمحّص تنظيره القيمي من خلال حوار علمي خلّاق مع الاتجاهات الإنسانية العلمانية والدينية في الحضارة الغربية، وذلك الموقف المعرفي قد دلّه على أهمية إحداث توازن منهجي قائم على التكامل المعرفي الذي يقوم على أساس الرؤية الإسلامية الكلية.
ويشير الباحث أن الفاروقي الذي وجد نفسه راعياً لاتجاه علمي رائد في العالم الإسلامي، وقد تضافرت عوامل عدة لذلك الأمر، لعلّ من أهمها: صلته الحميمة بعبد الحميد أبي سليمان، لقد كان أبو سليمان بَرِماً بحالة الركود في العالم الإسلامي، فلذلك وجَّه نقده إلى العوامل المنتجة لأزمة العقل المسلم من خلال كتابه «أزمة العقل المسلم»، في حين كان الفاروقي كَلِفاً بكل ما هو إسلامي، يحاول إعادة صياغته لإحداث النهضة الإسلامية. ورغم الاختلاف في المنطق والتوجه إلا أن الصداقة الفكرية التي جمعت بينهما قد أسهمت في ميلاد تيار فكر جديد واضح المعالم، وقد وجدا في هذا التيار الفكري ضالتهما في إحداث الإصلاح المنهجي المنشود، فقاما بتأسيس المعهد العلمي للفكر الإسلامي، وتسجيله بالولايات المتحدة الأمريكية.
ويخلص الباحث في ختام ورقته بالقول: كان لرحيل الفاروقي في عام 1986م أثر واضح في تطور مشروع إسلامية المعرفة، فقد بقي رفيق دربه الفكري عبد الحميد أبو سليمان مشتت الخاطر، بسبب ذلك الغياب المفاجئ لكن (أبو سليمان) سرعان ما استعاد أنفاسه، ودفع بالمشروع لإعادة تأسيس الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا على أساس أفكار مشروع إسلامية المعرفة المتمثلة في دعوى التكامل المعرفي. لقد بقي الفاروقي بعد تأسيس المعهد العلمي للفكر الإسلامي قرابة السنوات الأربع، وكان برنامج النشر العلمي في هذه السنوات قد أخرج نص كتاب إسلامية المعرفة في طبعته الأولى، ثم كتاب التوحيد، وكان من المتأمل أن يقوم الفاروقي بتفصيل القول في شأن المنهجية الإسلامية، وإعطاء طريقته في شأن التكامل المعرفي بين القيم والوصف ونماذج علمية أكثر شمولاً وتعريفاً بهذا النهج العلمي الجديد ولكن رحيله المبكر لم يشأ أن تكتمل معالم ذلك المشروع الفكري.
في النهاية دعا الباحث إلى إعادة النظر في إنتاج الفاروقي العلمي بصورة كلية، وعدم تجزئة إسهامه العلمي إلى مراحل ليس الغرض منها تسهيل الفهم، ولكن إحداث قطيعة علمية بين ما أنجزه من كل مرحلة، ودراستها على أنها تمثل عصارة فكره في تلك المرحلة. فإن أردنا الاستفادة من ميراثه العلمي وتفعيله في شأن القول في التكامل المعرفي، فلا بد من النظر إلى مشروعه العلمي في كل مرحلة.
الجلسة العلمية الرابعة
الورقة الأولى في هذه الجلسة، قدمها الدكتور محمد بن نصر، جاءت تحت عنوان: «العلوم الإنسانية بين إكراهات النسق ومضايق الأيديولوجيا»، يوضح الباحث في ورقته أن في كل الحضارات كان هناك صراع بين قوى دافعة وقوى مثبطة، ولم تكن الطريق معبدة أمام مشروع الحداثة الغربي، وفي الوقت نفسه لم يكن طلسماً عصيًّا عن الفهم أو من طبيعة مفارقة الإدراك الإنساني، كل ما في الأمر هو توفر الحضارة الغربية على استراتيجية شاملة وإطار فلسفي جامع، ومشاريع كبرى شكَّلت تعيناتها الواقعية، فلما حصل التوافق بين هؤلاء الأمور الثلاثة تحقق الاستقرار ونمت العلوم في كل المجالات، ولما بلغت درجة الاكتمال إلى حالة الاسترخاء جاءت حركة النقد لتعطيها دافعية جديدة.
ويرى أن الإشكال بالنسبة لعلم الاجتماع في الوطن العربي أنه وجد نفسه مرفوضاً من السلطة التي تختزل التحكم والسيطرة في القوى المادية والأمنية تحديداً، ولا يعنيها أبداً أن تفهم التوازنات الداخلية في المجتمع، وكيف يمكن استثمارها لتحقيق حالة من الاستقرار المنتج، ولا تشعر بالحاجة إلى عالم الاجتماع لترشيد المشاريع التنموية لأنها أصلاً لا تملك استراتيجية تنموية شاملة، وكذلك المجتمع لا يشعر بالحاجة إلى عالم الاجتماع لأنه التجأ إلى علماء الدين فوجد عندهم مرويات في النفس والمجتمع تناسب المستوى الإدراكي العام.
وأشار في ورقته أن الإشكاليات الحقيقية لعلم الاجتماع وغيره من العلوم الإنسانية تكمن في تقديرنا، أولاً: في أن علم الاجتماع يتحرك نظريًّا في إطار نسق الفكري له منطلقاته الفلسفية الخاصة، ثانياً: في أنه لا يتحرك ضمن استراتيجية تنموية شاملة. ثالثاً: انحساره في أقسام دراسية داخل أسوار الجامعة ومراكز البحوث المختصة.
الورقة الثانية في هذه الجلسة، ألقاها الدكتور الناجي محمد حامد آدم والدكتورة وجدان التجاني، جاءت تحت عنوان: «مفهوم التغيّر الاجتماعي في الرؤية الاجتماعية ومقارنته بالتصور الاجتماعي للتغيّر في المنظور الغربي».
ويرى الباحثان أن مشكلة البحث تكمن في أهمية الأسس التي ينطلق منها كل الطرحين والتي تحدد المعنى الذي ينطلق منه التحليل. ففي الرؤية الغربية المهيمنة على العالم اليوم تسود النظرة المادية وفلسفتها الوضعية (التي تفصل بين الدين والحياة الاجتماعية المادية) التي تتباين وتختلف بحسب الأيديولوجيات الفكرية والأهواء البشرية؛ ومن أجل ذلك لا توجد قاعدة مفاهيمية موحدة متفق عليها ينطلق منها التناول النظري لموضوع التغيّر الاجتماعي؛ فهو حيناً يتضمن دراسة التغيّرات السلبية وحيناً آخر يدلل على التغيّرات الإيجابية وثالثة يشيران إلى مجرد التغيّرات دون إخضاعها لاتفاق مفاهيمي أو تحديد قيمي مسبق.
في حين أن مصطلح التغيّر الاجتماعي في المنهج الإسلامي يحمل معنى واضحاً ثابتاً هو الدلالة على فساد أحوال المجتمعات أي الكناية عن التغييرات السلبية فقط. عليه فإن التغيّر الاجتماعي ينطلق من الرؤية القرآنية التوحيدية، الداعية إلى علاقة روحية ومادية تكاملية بين الله والإنسان والكون من أجل تحقيق المهمة الاستخلافية لضمان السعادة في الدنيا والآخرة.
ويلحظان من خلال التعريفات التي أشارا إليها في ورقتهما أن الإشكال الأساسي في المنظور الغربي المعالج للتغيّر الاجتماعي ألا وهو عدم الإجماع على معنى محدد لمصطلح التغيّر الاجتماعي متفق عليه، تنطلق منه جهود الدراسات والتحليلات؛ الأمر الذي أنتج تنوعاً واختلافاً في النظر إلى التغير الاجتماعي سواء من حيث الأسباب أو وحدات التحليل أو الأشكال أو الاتجاهات نتيجة لاختلاف المنطلقات العلمية واختلاف المواقف الأيديولوجية، مما أوجد تبايناً بل وتعارضاً في الفكر في بعض النظريات، مبيناً أن مصطلح التغيّر الاجتماعي نفسه لم يُذكر إلا عام 1929م عندما استخدم المصطلح وليام أوجبرن.
ويلفتان إلى أن التغيّر الاجتماعي في التصور الإسلامي، يحدث من داخل الإنسان باختياره، ووفق إرادته وإعمال فكره وتحديد سلوكه وموقف الجماعة والمجتمع من هذا الفرد، وكأنَّ التغيّر الاجتماعي بذلك مسؤولية تكاملية بين الفرد والجماعة والمجتمع. وبذلك يهتم التحليل الإسلامي بكل العوامل المعنوية والمادية كمسببات للتغيّر الاجتماعي.
ويستعرضان أركان التغيّر الاجتماعي من خلل القرآن وأخبار الأمم والمجتمعات في ثلاث نقاط:
1- حال أولي ثابت مقيم بأنه خير وحسن ورخاء.
2- سلوك منحرف يصدر من أصحاب الحال الأولي وغيرهم سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو مجتمعات.
3- حال جديد فاسد ينتج عن سلوكهم يقيم بأنه أسوأ.
ويذكران أن المتدبر لآيات التغيّر في القرآن الكريم يلاحظ أن مستوى التغيّر مرتبط بالفئة المحدثة للفعل المنحرف:
1- تغيّر اجتماعي جماعي: إذا كان الفعل المنحرف في المنظومة جماعيًّا تمارسه وترتضيه الأغلبية، مثل قوم ثمود والحجر وسبأ وآل فرعون وغيرهم.
2- تغيّر فردي: إذا كان الفعل المنحرف بينهم صادراً من فرد أو قلة من الأفراد بعينهم، مثل قارون وصاحب الجنتين وأصحاب الجنة الثلاثة.
ويستنتجان من ذلك أن التغيّر بنوع الفئة المحدثة للفعل إن كان فرداً أم جماعة هو من يحدد مستوى ذلك التغيّر، مبينين أن مسببات التغيّر وموجباته في التاريخ هي مفاسد وانحرافات ارتكبها البشر، يعتمد نوع التغيّر على نوعها ومستواه على مستوى ممارسة هذه المفاسد؛ بل ودرجة قبولها وارتضائها من قبل الممارسين أو من قبل من حولهم من المجتمع.
وأكدا أن آلية التغيّر الاجتماعي في المنهج الإسلامي تعتمد تغيّراً في الفكر أولاً، ثم ينتقل إلى تغيّر في السلوك، سواء على مستوى الفرد أو الجماعة.
وخلصا من الأمثلة التي أشارا إليها في بحثهما، حرص المنهج الإسلامي على بيان الفساد بأنواعه فكريًّا كان أو سلوكيًّا مع الربط بينهما، وتوضيح أن الانحراف الفكري (وخاصة العقدي) يقود إلى فساد السلوك الذي يقود إلى التغيّر الاجتماعي. كما أن التغيّر الاجتماعي ليس قضية قدرية مفروضة على المجتمعات، بقدر ماهية مسألة اختياريه مشروطة بالتزام المجتمع المنهج القويم وعدم الحيدة عنها.
ويؤكدان أن المنهج الإسلامي حرص على معالجة التغيّرات المختلفة بالمجتمعات بصورة مفصلة وشاملة، فعالج هذه التغيّرات الاجتماعية بشقيها السلبي بما يعرف بالتغيّر الاجتماعي الإيجابي، والذي عولج تحت مسميات مثل الإصلاح أو الإحياء أو التبدل أو التحوّل الاجتماعي.
الجلسة العلمية الخامسة
الورقة الأولى في هذه الجلسة، قدَّمها الدكتور عصمت محمود أحمد سليمان، وجاءت تحت عنوان: «المفردة القرآنية في فلسفة الأخلاق في إطار الفكر الإسلامي»، ومما جاء في ورقته: يتأسس هذا المقال الفلسفي على رؤية كلية ترى القرآن الكريم رسالة أخلاقية تنشد رقي الإنسان وسموه أخلاقيًّا؛ ومن ثم توجب النظر إلى القرآن الكريم كمحفز ودافع لإثراء المنتوج المعرفي في مجال الأخلاق».
وتتجه هذه الورقة البحثية نحو تحقيق طرف من أهداف الحلقة الدراسية الماثلة وبناء وعي إسلامي بمكونات ومفاهيم الرؤية الإسلامية من خلال تقويم الجهود الفكرية، وكذلك تحرير المفاهيم القرآنية التي يتأسس عليها نسق التفكير الإسلامي. لتترسخ تلك الغاية من خلال سعي الباحث لتقديم أطروحة تحليلية نقدية حول إشكالية القدر الذي ساهم به مفكرو الإسلام في إثراء الفكر الأخلاقي وطبيعته من حيث أصالته وجدته.
وخلص الباحث لتبني أطروحة جوهرية ترى أن غياب المفردة القرآنية عن فلسفة الأخلاق في إطار الخطاب القرآني هو السبب الرئيس لضمور المنتوج الفكري الأخلاقي الأصيل للفلاسفة والمفكرين المسلمين.
ورأى الباحث أن في بنية كل دين ثمة اعتقاداً في عالم آخر يتصف بالسمو والتعالي، وهذا العالم الأسمى المتعالي هو عماد كل تفكير أخلاقي، وهذا ما يجعل تأسيس الأخلاق شديد الصلة بالدين، فكلاهما ينتهيان إلى عالم الآخر، كما أن الصلة وثيقة بين الدين والأخلاق لا يمكن عزلهما عن بعضهما، خاصة عندما نتناول الأخير كعلم معياري ومجال تقويمي موضوعه الرئيس المبادئ والأصول والنظريات، فتبحث في قيمة الخير والشر، ويتجه بصفة أساسية صوب محاولة البحث عن معايير السداد وغيرها.
وأبان الباحث في ورقته عن محورين أساسيين ينتهي غالب السياق إليهما، هما محوري المعرفة والقيم، فحول المعرفة والقيم تدور معظم الآيات القرآنية التي ما تفتأ تشير إلى تصحيح منهج النظر والفكر وفق مرجعية تجعل القرآن الكريم مصدراً للمعرفة والموجّه والمرشد والمعيار. وفي الشق الآخر تشدد على عملية تصحيح القيم والمعايير الأخلاقية والتربوية وفق معالم الاعتقاد القرآني.
وفق هذا السياق رأى الباحث أن القرآن الكريم قدَّم نفسه للناس بحسبانه الهدى الأوحد الذي يوفر للإنسانية -على كافة أصعدة الاجتماع الإنساني- أنساقاً قيمية قادرة على توفير معيارية مطلقة. وهكذا فلن يجيء زمان تغدو فيه الأنساق الأخلاقية ذات المرجعية القرآنية حجر عثرة في سبيل إرساء دعائم حضارة ومجتمع إنساني متوافق ومتزن أخلاقيًّا.
وانتهى الباحث إلى أن المعالجة الفلسفية لقضايا الأخلاق في إطار الفكر الإسلامي تظل معالجة جزئية وغير شاملة إذا ما حوَّم النظر فيها بعيداً عن المفردة القرآنية. وهذه الأطروحة تدعونا ابتداء في اتجاه محاولة السعي للإشارة إلى طائفة من المفردات القرآنية وردت في ثنايا النص القرآني دالة ومشبعة في آن واحد على تصورات ومفهومات أخلاقية أصيلة ومعمقة. مما جعل البون جدًّا شاسعاً بين دلالة المفردة القرآنية وما درج عليه الفلاسفة من اصطلاح.
ويرجع الباحث إلى أن سبب غياب المفردة القرآنية عند سائر الفلاسفة المسلمين في جوهر تصوراتهم الأخلاقية، انسياقهم خلف التصورات الأخلاقية لدى اليونان، وهذا التوجه الشائع بينهم هو ما حال بينهم وبين الخلوص لنسق أخلاقي متكامل ومتوافق مع المفهومات للإسلامية، وهو -أيضاً- العامل الرئيس في نشوء الأطروحة حول ضمور وجدب المنتوج الأخلاقي في إطار الفلسفة الإسلامية.
الورقة الثانية في هذه الجلسة، ألقاها الدكتور وائل أحمد الكردي، جاءت بعنوان: «فروض منطقية لتكوين الرؤية التوحيدية للعلم اعتماداً على مرجعية الوحي»، قال في بداية ورقته: إن المقصود بالرؤية التوحيدية للعلم هو التعامل مع المعرفة العلمية كوحدة واحدة تتعدد في أبعادها، أو بمعنى أدق أبعاد إدراكها لدينا. فالشاهد أن إطراء حركة الكشف العلمي في كل المجالات بنحو مجرد عن مرجعيات دلالية مسبقة أو بالإنطاق من مرجعيات مسبقة ولكنها محددة أو متحيزة عقليًّا أو تجريبيًّا أثبتت قصورها. وقد أدى إلى توزيع الحقيقة العلمية وتصنيفها على صورة جزر تحدها أطر فاصلة عن بعضها البعض.
ولفت الباحث في ورقته إلى أنه إذا كان ليس من الأولى في واقعنا من الذي يكتشف أكثر وإنما من الذي يدير ويوظف بصورة أفضل ما تم اكتشافه، فهنا لا يعود ثمة مبرر للحديث عن هوة حضارية مبنية على التقدم العلمي بين أوروبا وبلاد الإسلام، هذا من جهة، ومن جهة أخرى قد يترتب على هذه الأنساق لإدارة المعرفة العلمية إمكان الإيضاح التبريري الكافي للتشريعات الفقهية على كافة أوجه الحياة.
وعند حديثة عن مبادئ الرؤية التوحدية للعلم أشار إلى أنه يمكن القول: إن المذاهب والتصورات التي تم عرضها هي ذاتها صحيحة في تطور التفكير العلمي، ولكن هذه الصحة وتلك الفائدة إنما تكتسب لكل مذهب أو رؤية على حدة بمعزل عن الآخرين، هذه شاهد من واقع الحال وصفة لازمة للتفكير الإنساني غير المشروط بمرجعية كلية، أي أنها صفة للاجتهاد الإنساني المجرد في بحثه العلمي بمحض عقله وقدراته الذاتية.
ويضيف أنه يمكن القول: إن الإمكانية الوحيدة للتوحيد والجمع لكافة عناصر إدارة المعرفة العلمية على نحو شمولي ومنضبط ومحقق لغرضه في تعمير الأرض، هو جعل المرجعية في ذلك الحقل الدلالي للقرآن الكريم؛ لكونه كلام الله تعالى خالق الوجود.
وصوّر الباحث المبادئ المؤلفة لنسق الرؤية التوحيدية في العلم على هيئة دوال، باعتبار أن الدالة في المنطق هي شبه القضية، أي القضية غير مكتملة المعنى بذاتها إلا أنها ترد في سياق، فيكون دورها فيه هو جعل السياق في مجمله مفهوماً ومتسقاً، لذا كان التعبير عن هذه الأبعاد العلمية في الرؤية التوحيدية بالدوال كناية عن عدم استقلال هذه الأبعاد بذاتها بمعزل عن بعضها البعض، وأنها تؤدي وضيفتها أداء تكامليًّا جمعيًّا وليس فرديًّا.
وقد تناول الباحث هذه الدوال بشكل تفصيلي في ورقته، وهي على النحو التالي:
دالة السببية المحايثة ودالة الدفع الخارجي، ودالة الفعلية الوصفية، ودالة النتاج الاصطلاحي.
ويخلص الباحث في نهاية ورقته إلى نتيجة مفادها أن ما ذهبنا إليه من استبدال مفهوم العلوم المنفصلة (طبيعي، وإنسانية، والاجتماعية، ورياضية..) ذات مناهج منفصلة وخاصة بدوال واتجاهات رؤية وأبعاد متكاملة داخل رؤية توحيدية شاملة للعلم. كان ذلك بصدد الخروج من خلال مرجعية الوحي الكريم وإشاراته من أزمة العلوم المعاصرة وتجاوزاً للأيديولوجيا التفسيرية، للعمل على أسس مذهب تضعف من جودة التوظيف والاستخدام للعمل من جهة، وتكثر من الآثار الجانبية السالبة للكشوف العلمية. فكان بذلك افتراض رؤية توحيدية تقوم على إدارة المعرفة العلمية في تأسيسها واستخدامها ونقلها هو افتراض للتعامل مع الحقيقة العلمية لا بنحو أفقي منجزئ ومنفصل بل بنحو رأسي يضمن وحدة كلية العلم ووحدته وانضباط وظيفته. وهذه الوحدوية والكلية هي بالضرورة تابعة لوحدة الكتاب ووحدة الرسالة ووحدة الكون.
الورقة الثالثة في هذه الجلسة، ألقاها الدكتور جمال الدين عبد العزيز شريف، جاءت بعنوان: «علاقة القرآن بالعلوم»، ويخلص الباحث من خلال تناوله للموضوع إلى أن القرآن الكريم لم يغادر أمراً يتعلق بحياة الناس وعلومهم إلا ذكره؛ فهو قد يذكر أحياناً تفاصيل بعض العلوم ويذكر أحياناً كلياتها، ويذكر أحياناً مقاصد بعض قضاياها؛ ولكن مما ليس فيه من شك هو أن الرؤية القرآنية الكلية تحيط بكل العلوم وبكل المعارف وبكل أمور الحياة وترتبط بها أشد ما يكون الارتباط، وليس ذلك فحسب بل إن هذه الرؤية تتعدى كل ذلك إلى عالم الغيب أيضاً وتربطه به.
الورقة الرابعة في هذه الجلسة، ألقاها الدكتور محمد بابكر العوض، جاءت بعنوان: «الاتصال الدعوي في المجتمعات الإسلامية.. دراسة منهجية في إطار التكامل المعرفي»، قال في بداية ورقته: إن موضوع هذه الدراسة هو جدلية العلاقة بين الدعوة والإعلام في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، وهي علاقة تتجلى فيها الثنائية والازدواجية التي تسم واقع الحياة العامة في المجتمعات الإسلامية، وعلى الأخص الازدواجية في أنظمة ومناهج التعليم، وهنا الإشكال في التكون.
وأوضح الباحث أن الدراسة تأتي أهميتها من كونها تحاول معالجة قضية (الاتصال الدعوي) وما طرأ عليه من تحولات في إطار الثورة التواصلية القائمة، ومن خلال التجليات التطبيقية للمفهوم عبر الممارسة الاتصالية الإعلامية الجارية في المجتمعات الإسلامية؛ ولأنها تسهم في معالجة أشكال الازدواجية في مناهج النظر التي تشوّه وجه الممارسة العلمية في مجتمعنا. وتتخذ تجلياتها في مثل هذه المقابلات بين المفاهيم الإسلامية الراسخة اجتماعيًّا والمفاهيم الوضعية الوافدة لحركة التثاقف والتبادل الحضاري والتقني بين المجتمعات الإسلامية والغربية.
ويلمح الباحث إلى أن من أهم ما تسعى له الدراسة هو ألَّا يعمل هذا التبادل على إحلال القيم والمبادئ والمفاهيم الوافدة على حساب المفاهيم والممارسات الاجتماعية الإسلامية. كما تسعى من خلال دعوتها للحفاظ على المناهج والأنماط الاتصالية الراسخة بجذورها في الحضارة الإسلامية للدفاع عن خصوصيتها ومواجهة المساعي الدولية لهادفة لعولمة أنظمة الحياة الغربية.
ويؤكد الباحث في ختام ورقته على أهمية وجود برنامج بحث علمي في مجال علوم الاتصال يعمل على أن ينظم الجهود التأصيلية في سياق كلي تراكمي، ويكفل لها الاستدامة، وعلى أهمية استيعاب الاجتهادات التنظيرية في سياق المؤسسة الجامعية وكليات الإعلام في هيئة كتب منهجية.