ندوة دراسية : الإسلام السياسي: خيارات وسياسات
محمد دكير
2010-11-12
«ستظل الفجوة بين الغرب والإسلاميين قائمة، ما لم يطور الغرب من مناهجه في فهم الإسلاميين، والابتعاد عن الصور النمطية والقوالب الجاهزة، وأن يفكر في كيفية التعامل معهم كما هم، لا أن يجتهد في تغيير أفكارهم وسلوكياتهم وفق هواه».
نظم مركز الجزيرة في الدوحة (قطر) ندوة دراسية تحت عنوان: «الإسلام السياسي: خيارات وسياسات»، وذلك بين 23 - 24 شباط (فبراير) 2010م. وقد شارك فيها عدد من قادة الحركات الإسلامية والكُتَّاب والصحافيين المهتمين بالظاهرة الإسلامية، بالإضافة إلى عدد من الخبراء والسفراء الغربيين.
في الجلسة الافتتاحية تحدث مدير عام شبكة الجزيرة الأستاذ وضاح خنفر، فأشار إلى أن ما يميز الوضع العربي والإسلامي اليوم أن ما يقع فيه من أحداث واختلالات، يقع أمام أعين وسائل الإعلام المرئية، داعياً إلى قراءة هذه الأحداث قراءة موضوعية بعيدة عن كل خداعٍ أو تحريفٍ للحقائق.
أما الأستاذ صلاح الزين (مدير مركز الجزيرة للدراسات) فقد أشار بدوره إلى أهمية هذه الندوة، وأنها بداية لحوار أشمل وأوسع حول قضايا الإسلام السياسي، وكيفية التعامل مع الحركات الإسلامية.
انطلقت أعمال الندوة بعد ذلك بجلسة ناقشت محور: الإسلام السياسي بين الأبعاد الدينية والمطالب السياسية، وقد رئس الجلسة الأستاذ رفيق عبد السلام.
الورقة الأولى في هذا الجلسة قدمها الأستاذ بشير نافع (باحث في مركز الجزيرة للدراسات) عن: «الإسلام السياسي: ملاحظات حول الجذور وتعدد التعبيرات»، وقد تحدث الباحث فيها عن ظاهرة الإسلام السياسي في محاولة لتقديم تعريف لها، وكيف تطورت هذه الظاهرة في إطار سياق تاريخي معين، انطلق مع الهجمة الاستعمارية الغربية على العالم ثم ازداد بعد إلغاء الخلافة وصولاً إلى تأسيس حركة الإخوان المسلمين في مصر.
وقد أثارت هذه الورقة جدلاً بين المشاركين، فقد رفض الأستاذ راشد الغنوشي (رئيس حركة النهضة التونسية) مصطلح الإسلام السياسي، لأنه يوحي بتجزيء الإسلام، بينما السياسة هي مكون أساسي في بنية الدين الإسلامي، وهذا ما جسده الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة المنورة، فقد كان نبيًّا مبلغاً للوحي وقائداً ورئيساً للدولة المسلمة.
وقد قدم راشد الغنوشي ورقة في هذه الندوة تحدث فيها عن: (مطالب وأولويات حركات الإسلام السياسي).
أما الباحث أوليفر ماكترنان فقد تحدث عن (حدود القراءات الغربية لحركات الإسلام السياسي)، فيما تحدث الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية ومدير المعهد الفرنسي للشرق الأدنى فرنسوا بورغا عن: (الإسلام السياسي بين الهوية الدينية والهوية السياسية) أكد فيها أن الإسلاميين إنما يترجمون رغبات شعوبهم وتطلعاتها للتحرر والتقدم والخروج من التخلف والتبعية للغرب.
الجلسة الثانية ترأسها الأستاذ مصطفى المرابط، وقد ناقشت محور: الإسلام السياسي: تجارب وخيارات، وتحدث فيها كل من الباحث عبد الوهاب الأفندي عن: (الإسلاميون وتحديات السلطة والدولة) وأشار إلى إشكالية العلاقة بين الإسلاميين والسلطة في بلدانهم واتهامهم بأنهم قد يستفيدون من الديموقراطية للوصول إلى السلطة ثم الانقلاب على الممارسة الديموقراطية، بالإضافة إلى الخوف الغربي على مصالحه الاقتصادية والسياسية إذا ما وصل الإسلاميون إلى السلطة.
أما د. علي فياض (ممثل حزب الله) فقد تحدث عن: (الإسلام السياسي بين ثنائية المقاومة والمشاركة السياسية)، فتساءل في البداية عن أهمية تحديد العلاقة بين المقاومة والمشاركة السياسية، وهل هذه المشاركة أصبحت قدراً وخياراً لا مفر منه؟ ثم أكد أن الانخراط في العمل السياسي والمشاركة في السلطة هو بالنسبة للمقاومة مطلب شعبي وضرورة واقعية للدفاع عن مشروع المقاومة من الاستهداف الخارجي، بالإضافة إلى المشاركة في مواجهة الفساد والاستبداد السياسي، كما تحدثت الورقة عن تطور الموقف الإسلامي من الدولة القُطرية، من الإيمان بالتغيير الجذري إلى التغيير المرحلي والإصلاح، من الرفض إلى المشاركة، لأن المشكل ليس مع الدولة ككيان، وإنما مع أنظمة غير شرعية وغارقة في التبعية للغرب.
كما أشارت الورقة إلى صعوبة تحديد نوع المشاركة الإسلامية في السلطة، لوجود مقاربات متعددة، تدفع بالإسلاميين إلى الدخول في تحالفات وعلاقات، قد تجعل المكونات السياسية الأخرى تقتنع بالمشروع الإسلامي المقاوم.
الأمين العام السابق ورئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية في المغرب، سعد الدين العثماني، تحدث عن: (الإسلاميون وتجارب الانتقال الديموقراطي)، فأشار في البداية إلى تنوع التجارب الإسلامية في التعاطي مع الواقع السياسي حسب ظروف كل منطقة ومدى تمتعها بالحريات السياسية، أما بخصوص تجربة حزب العدالة والتنمية، فقد أشار العثماني إلى أن الحزب، وللتقليل من هواجس السلطة وباقي الأحزاب السياسية، قلَّص مستوى مشاركته في الانتخابات، كما عمل على التغيير الدائم لرئاسته، وهكذا أصبح التداول من أدبيات الحركة الإسلامية، وهذا يبدد بعض الهواجس والاتهامات التي كانت تلصق بالإسلاميين.
كما أشار العثماني إلى احترام الحزب للتوافق الوطني خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالإصلاحات الدستورية.
أما الأستاذ محمد أحمد الأفندي (وزير التجارة والتموين السابق ورئيس المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية) فقد تحدث عن: (الإسلاميون والتحالفات السياسية)، فعرف في البداية التحالفات السياسية بأنها: دخول الإسلاميين في نمط من أنماط التعاون أو التشارك مع السلطة الحاكمة لتحقيق أهداف أو مواجهة تحديات مشتركة آنية أو مستقبلية. وهذه العلاقة قائمة على نوع من التعايش والاعتراف بالآخر، لكنها تختلف عن النموذج الإسلامي الآخر الذي يضفي على السلطة الشرعية وإن لم يشارك فيها. كما استعرض الأفندي نماذج من التحالفات التي قام بها حزب التجمع اليمني في مسيرته السياسية مع الرئيس عبد الله صالح ضد الاشتراكيين الانفصاليين، وهذه من التحالفات الاستراتيجية.
الجلسة الثالثة عقدت لمناقشة محور: سياسات القوى الغربية تجاه تيار الإسلام السياسي، وقد رئست الجلسة الأستاذة سمية غنوشي. وتحدث فيها كل من: راشيل شنللر (الباحثة بمجلس العلاقات الخارجية في واشنطن) عن: (السياسات الأمريكية تجاه الإسلام السياسي) فأشارت في البداية إلى عدم وجود تعريف موحد لدى الأمريكيين للإسلام السياسي، وأن وزارة الخارجية الأمريكية تعرفه: بأنه «التشابك بين الدين والسياسة، بين المسجد والوزارة». كما أكدت عدم وجود سياسية رسمية للولايات المتحدة للتعاطي مثلاً مع الإخوان المسلمين، وأشارت إلى أن السلطات الأمريكية سمحت مؤخراً لأعضاء في الإخوان بالدخول إلى البلد وإلقاء محاضرات في الجامعات الأمريكية. وفي الأخير، اعترفت الباحثة قائلة: «إننا كنا جاهلين بالإسلام السياسي، لكننا الآن أقل جهلاً مما كنا عليه قبل عشرة أعوام»، وبحقيقة أن الحركات الإسلامية تتطور بتطور الزمان وتختلف باختلاف المكان، لذلك لا بد من توسيع النظر والفهم تجاه هذه الحركات من طرف صُنَّاع القرار السياسي في الغرب.
أسامة حمدان (القيادي في حركة حماس الفلسطينية) قدم ورقة بعنوان: (الإسلاميون والغرب: علاقة شائكة)، أشار فيها في البداية إلى الموقف الغربي المنحاز بالكامل إلى إسرائيل، وامتناعه عن فتح حوار مع الحركات الإسلامية للتعرف على مطالبها، كما تساءل عن مدى تأثر المصالح الغربية سلباً جراء هذا الدعم الأعمى لإسرائيل، مؤكدا أن تداعيات هذا الدعم توازي ما يخسره الغرب حاليًّا وما سيخسره مستقبلاً...
كما أشار حمدان إلى التأثيرات الإسرائيلية على العقلية الغربية وكيف استطاعت أن تشوّه النظرة إلى الإسلاميين، بل إن الغرب تبنى الدراسات الإسرائيلية المغلوطة عن الإسلاميين، والتي صورتهم باعتبارهم يمثلون الخطر الرئيس على السلام العالمي. وفي الأخير دعا أسامة حمدان الغرب إلى التعاطي مع الإسلاميين كما هم على أرض الواقع، وأن يتوقف عن جهوده لقولبتهم حسب أهوائه السياسية، لأنهم ماضون في طريقهم نحو تحقيق أهدافهم، تدعمهم الجماهير التي تقتنع يوماً بعد يوم بالمشروع الإسلامي النهضوي والتحرري.
أما ستيفن كليمنز (مدير ومؤسس مجموعة «التفكير المستقبلي») فقد تحدث بدوره عن: (مخاوف الغرب من حركات الإسلام السياسي)، حيث أكد أن الغرب يخاف من المنظومة القيمية التي يتبناها الإسلاميون ويعملون على نشرها، وهي تختلف وتتصادم في بعض جوانبها مع المنظومة الغربية.
وكذلك الأمر مع الباحث والمحاضر في شؤون الإرهاب بجامعة سانت أندوروز والمدير المشارك بمركز البحوث حول المسلمين الأوروبيين في جامعة أكستر بالمملكة المتحدة الذي تحدث عن: (الإسلاميون والحكومات الغربية)، فقد أكد بدوره هذه الهواجس الغربية تجاه الحركات الإسلامية.
أما الباحثة ألكس غلني (من معهد دراسات السياسات العامة في المملكة المتحدة) فقد تحدثت بدورها عن: (هل يشكل الإسلام السياسي تهديداً لنظام العلاقات الدولية)، أشارت فيها إلى عدم وجود استراتيجية واضحة لدى الاتحاد الأوروبي للتعامل مع الإسلاميين، وأن عليهم أي يتداركوا هذا القصور، كما أشارت إلى تطور النظرة الأوروبية تجاه الإسلاميين، تمثل في إعطاء تأشيرات الدخول لبعض القيادات الإسلامية، كما ردت على الدعوات للغرب من أجل الضغط على الحكومات العربية من أجل التغيير الديموقراطي، بأن ذلك قد يفسر بأن هذه الأنظمة غير وطنية. وقد دعت الباحثة في الأخير إلى ضرورة فتح قنوات الحوار والتواصل مع الحركات الإسلامية.
الجلسة الرابعة، ناقشت محور: الإسلاميون والتدافع مع الحكومات المحلية والقوى الغربية، وقد ترأسها الأستاذ نعيم جنة.
وتحدث فيها كل من: عبد المنعم أبو الفتوح، عن: (الإسلاميون والاشتباك مع أنظمة الحكم). والأستاذ شادي حميد عن: (هل يمثل الإسلاميون عائق أمام الإصلاح السياسي؟). والأستاذ ياسر الزعاترة عن: (وجوه اعتراض الإسلاميين على سياسات القوى الغربية). والباحث روبرت لامبرت عن: (الإسلاميون والحكومات الغربية: مقاربة في العمل المشترك).
وفي الجلسة الختامية، لمناقشة محور: مستقبل الإسلام السياسي وخيارات التعاطي معه، تحدث كل من الباحث روبرت مالي (مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع لمجموعة الأزمات الدولية) والأستاذ عزمي بشارة من فلسطين.. وقد لخص روبرت مالي أهم النقاط التي توصل إليها الباحثون في هذه الندوة بخصوص العلاقة بين الإسلاميين والغرب.
نذكر منها:
- تعتبر السياسة جزءاً أصيلاً من الدين الإسلامي.
- الهدف الأساسي لحركات الإسلام السياسي هو المشاركة في اتخاذ القرار الوطني والمشاركة في إدارة الشأن العام بوسائل ديموقراطية.
- ساعد هذا النقاش في هذه الندوة في التعرف على أسباب معارضة الإسلام السياسي للغرب وفهمها.
- تم فهم سبب اعتراض الإسلاميين على المعايير المزدوجة للغرب.
- الصراع بين الإسلاميين والغرب قد لا يكون بسبب سوء الفهم وإنما باختلاف أو (صراع المصالح).. وعلى الغرب أن يدرس جديًّا دعمه للأنظمة العربية المستبدة لأن ذلك قد يعود سلباً على مصالحه.