شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
المنهج الفلسفي..
منهج التّعقل عند الفارابي
الدكتور موسى عبداللَّـه
يعتقد مُعظم مؤرخي الفكر العربي أن فترة العصور الوسطى تحمل الكثير من الدلالات والمميزات.. على اعتبار أن فترة العصور الوسطى اتصلت فيها التقاليد الدينية الحية بالفلسفة اليونانية اتصالاً تامًّا، اشترك في هذه التجربة المسلمون واليهود والمسيحيون على السواء. وكان العامل الفلسفي الرئيس في كل حالة هو النّصوص الأرسطية يصحبها تيار غامض من الأفلاطونية الجديدة التي أثرت في تفسير أرسطو في المدونات العربية، التي استطاعت أحياناً أن تُعبِّر عن نفسها تعبيراً مستقلاً. إذ واجهت الأديان الثلاثة جميعاً الاختيار بين أولوية اللاهوت، وأولوية الفلسفة، وإمكان وضع مركب منسجم منهما، وتمثل الجهود التي بذلت لتكوين ذلك المركب أكثر ضروب التفكير في تلك الفترة، منها جهود الفلاسفة المسلمين.
تعد نصوص الفارابي بمثابة إعادة تأملية تحليلية لحالة الخروج بالعقل النظري (في تحديده الإغريقي) وربطه بالعقل العملي (التعاملي) على نحو تعقلي. التعقل الذي يعد عنده غاية داخلية تُضبط في المطابقة بين العقل والواقع، من خلال محاولته القضاء على انعزال الذات بإرساء علاقات بين الذّوات تقوم على «الخير» كما يقول الفارابي في رسالة «التنبيه على سبيل السعادة».
إذ وبعد محاولة علماء الكلام ومساهمتهم في بيان طبيعة العقل وقدرته وحدوده، فيما يخص إشكالية العقل والنقل؛ قد اتخذت هذه الإشكالية لدى الفلاسفة في الإسلام صورة أخرى، حيث لم يعد الاهتمام في هذه الإشكالية منصبًّا على توافق أو اختلاف النقل مع العقل، الذي هو قاسم مشترك بين الناس، والذي بفضله «تحصل المعارف» كلها كما قال المعتزلة والأشاعرة على السواء. وإنما أصبح اهتمام الفلاسفة في الإسلام منصبًّا على موضوع «التوفيق بين النقل (الدين) والفلسفة» كنتاج خاص من بين نتائج العقل المتعددة، أي إن الفلاسفة المسلمين لم يعملوا على التوفيق بين الدين والفلسفة أو الفكر الفلسفي بإطلاق، وإنما كانت غايتهم التوفيق بين الدين وفلسفة خاصة ومحددة، هي «الفلسفة اليونانية» بصورة مختلفة ومتناقضة أحياناً، تتأرجح ما بين فلسفة أفلاطون وأرسطو خاصة، وبين فلسفة أفلوطين «والأفلاطونين المحدثة» بعناصرها اليونانية والغنوصية أيضاً.
وبمعنى آخر، وجود التعارض بين الإيمان والنظر لم يمنع العقل العربي من البحث عن أمر جامع بينهما، إذ قلما نجد مفكراً إسلاميًّا لم يتناول هذه المسألة بشكل مباشر أو غير مباشر. فهل ثمة إمكان لنقل من دون نظر؟ وما المدى الذي يبلغه العقل في قراءة النقل؟ وما حدود النقل والعقل ووظيفة كل منهما ؟... مع الإشارة إلى أن الفلاسفة المسلمين لم يكونوا أول من حاول «التوفيق» بل سبقهم إلى هذه المسألة فلاسفة قبل الإسلام.
لقد نظر «الفارابي» (المولود نحو 259هـ/ 872م) و(المتوفى في 339هـ/ 950م) بعد الكندي فنظر في موضوع الشريعة والفلسفة وإشكالية التوفيق والجمع بينهما، إذ أقام موقفه على أساسين:
الأول: وحدة المصدر: باعتبار أن الشريعة وحي من الله، والفلسفة علم بأصول الطبيعة، وهي من صنع الله.
والثاني: وحده الواسطة أو (الثقة بالوسيط). النبي يتلقى الوحي من الله عن طريق «جبريل»، والفيلسوف يستمد المعرفة من الأول المطلق بواسطة العقل الفعَّال.. فلا بد إذن من «اتفاق الموضوعين جوهراً وإن تباينا أسلوباً وشكلاً». وأما الخلاف الظاهر بين الشريعة والفلسفة فيرجعه الفارابي إلى أمرين: الأول كيفية حصول العلم، والثاني كيفية أداء العلم، فالنبي يتلقى الحقائق متجلية بصورها وأشكالها وأشخاصها، فتبدو له كأنها ماثلة في عالم الحس، على حين يستخرجها الفيلسوف من قرائنها بالاستقراء والاستنتاج، فتجيئه مجردة خالصة من ملابسات المادة. ولقد كان ذلك كذلك لأن «رسالة النبي موجهة إلى جميع الناس، فينبغي أن تكون في متناول الخاصة منهم والعامة، لكن علم الفيلسوف مقصور على أعلامهم وأفذاذهم»؛ ولذا جاءت الشريعة على سبيل التشبيه والتمثيل، ووردت الفلسفة على سبيل التلميح والتجريد. وقد جزم «الفارابي» أنه بالتأويل الصحيح والإدراك البعيد، تنتظم الشريعة إلى جانب الفلسفة وتُصهران في وحدة تامة.
لكن ما الدواعي التي دفعت بالفارابي إلى تبني منهج التعقل (الفرونيزيسي) من مسألة التوفيق هذه؟.
يلاحظ عن الفترة التاريخية التي عاشها الفارابي أنها لم تكن بمعزل عن الصراع الجدلي بين علماء الدين الإسلامي وأعلام الفلسفة في الإسلام. والذي يمكن حله بتفهيمهم جميعاً حقيقة الأمر. وهي أن ما في الدين هو مجرد مثالات لما هو في الفلسفة؛ لأن الفلاسفة في الإسلام (الفارابي بالذات) قد أدركوا فعلاً أن ما في الدين هو مثالات لما في الفلسفة، «ولذلك كفّوا عن معاندة الدين كدين، ولكن أهل الدين لم يدركوا بعدُ هذا الأمر، ولذلك فهم يعاندون أهل الفلسفة ويحولون دونهم ودون الرئاسة، والتصدر في الأمور النظرية والعملية، أمور العقيدة والشريعة والسياسة المدنية». وبناء على ذلك فإن مهمة الفلاسفة (منهم الفارابي) هي إقناع أهل الدين بأن الإسلام لا يضاد الفلسفة، وذلك بتفهيمهم أن ما في الدين هو مجرد مثالات لما في الفلسفة، بأسلوب «البرهنة» التاريخية والمنطقية على أسبقية الفلسفة على الدين، مما سيضفي المشروعية والمعقولية على مشروعه الأساسي: المدينة الفاضلة التي يندمج فيها الدين والسياسة في الفلسفة.
ولتحقيق ذلك، يمكن تلخيص موقف الفارابي في ثلاث أمور:
أ- مذهبه في «الخلق»، أراد فيه: «التوفيق بأن الإله كما تصوره أرسطو والإله كما جاء به الإسلام».
ب- جعل لكل من الوحي والعقل مكاناً بجانب الآخر، وذلك بالتسليم بالنبوة والمعجزات والعقائد الإيمانية الكلامية السمعية، مع تفسير كل ذلك عقليًّا.
جـ- التفرقة بين الخاصة والعامة من الناس، وإقرار تعليم خاص لكل منهما، وبذلك يتوطد السلام بين التفكير الفلسفي والتفكير الديني. مبدأ التفرقة الذي رسخه ونظّر له ابن رشد.
وعليه، فالفارابي وإن لم يفرد بحثاً للتوفيق بين الشريعة والحكمة على غرار بحثه في الجمع بين رأيي الحكيمين، فإننا نكاد لا نرى غياب التوفيق في أي بحث من أبحاثه، فالمعرفة عقلنة وفيض لدني ورئيس المدينة الفاضلة نبي وفيلسوف، والنبي نفسه عقل متطور ومتخيلة خصبة فيستفيد، بكمال العقل، عقلاً من العقل الفعال ويستفيد «بكمال المتخيلة» نبوة من العقل الفعال نفسه الذي هو، في النهاية، عقل فائض عن واجب الوجود بالوسيط، ثم «إن مصدر العلم واحد عنده، وهو العلم الإلهي، وغاية العلم واحدة وهي الحق الموصل إلى الخير، وواسطة العلم واحدة وهي الملاك سواء أسميته جبريل أو العقل الفعال، فالعقول ملائكة عنده». أما اختلاف الأسلوب في نقل الوحي وفي اكتشاف الحقيقة الفلسفية فلا يمكن أن يؤدي إلى تلاغي الحقيقتين بل يؤدي إلى تكاملهما.
وللإشارة فإن مصدر العلم بالنسبة للفارابي حاصل عن تقسيمه للعلم بالأشياء إلى:
أ - علم يكون بالقوة الناطقة.
ب- وعلم يكون بالمتخيلة.
جـ- وعلم يكون بالإحساس.
هناك معرفة أعلى من المخيلة ومن المعرفة الحسية، وهي معرفة القوة الناطقة. (وهي معرفة الفيلسوف)، الفارابي يضع الفيلسوف فوق النبي مرتبة من حيث المعرفة، بل من حيث الكمال البشري؛ إذ يقول الفارابي: «إن القوة الفكرية هي التي تكون بها الفكرة والروية والتأمل والاستنباط». فالمعرفة الحاصلة عن طريق القوة الناطقة التي هي مصدر هذا النوع من المعرفة: «صورة متخيلة، وليست مادة لقوى أخرى، فهي صورة لكل صورة تقدمتها». وهذا يعني أن القوة الناطقة أعلى مرتبة من المتخيلة والمعرفة الحاصلة عن طريقها، هي إذن أعلى مرتبة من المعرفة الحاصلة عن طريق المتخيلة. مما ينتج عنه أن معرفة الفيلسوف أعلى مرتبة من معرفة النبي، لكن الفارابي يعود مرة أخرى في كتاب (آراء أهل المدينة الفاضلة) ليساوي بين النبي والفيلسوف فنجده يضع مراتب للعقل على نحو مستمد أساسها من أرسطو إذ يرى: «أن للإنسان عقلاً بالقوة، وهو القوة الناطقة، ويسميها الفارابي هنا بالهيئة الطبيعية القابلة المعدة لأن يصير (أي العقل بالقوة) «عقلاً بالفعل»، ويعني بها الاستعداد الفطري لتلقي المعرفة. إن هذه «الهيئة الطبيعية» مشتركة للجميع. فإذا أدرك الإنسان «المعقولات» كلها، فقد استكمل عقله المنفعل، فصار هذا عقلاً بالفعل، ومعقولاً بالفعل، بمعنى أنه يدرك ذاته، وهو ما يسميه الفارابي «بالعقل المستفاد»، الذي هو أكثر تجريداً ومفارقةً للمادة. وعليه تكون مراتب العقل على النحو التالي:
1- القوة الناطقة (العقل بالقوة).
2- العقل المنفعل (العقل بالفعل).
3- العقل المستفاد.
4- «الاتصال بالعقل الفعال».
فالإنسان يكون حكيماً فيلسوفاً عن طريق «العقل المستفاد»، أو يكون نبيًّا عن طريق «المتخيلة»، وهو في أكمل مراتب الإنسانية، وفي أعلى درجات السعادة، وتكون نفسه متحدة بالعقل الفعال على الوجه الذي ذكرنا، وهذا أول شرط لرئيس المدينة الفاضلة.
وهكذا لكي يُقرِّب الفارابي بين الفلسفة والشريعة فإنه يجعل الوحي ذا طبيعة عقلية لأن سببه عقل، ولأن الله هو العقل الأول ومادية المعقولات، إذ العقل لا يفيض إلا ما هو معقول، وأداته عقل، فالعقل الإنساني هو هيئة في المادة معدة لأن تقبل رسوم المعقولات، وهذه الهيئة إذا كانت فائقة في إنسان ما قوية الاستعداد فإنها تستكمل نفسها بالمعقولات كلها، فترتسم فيها صور جميع الموجودات وتتماهى مع تعقله، فيصير العقل هو المعقول بعينه.
أما الفلسفة فهي تضم «كليات» أي الآراء الموجودة في الشريعة وتعطي «براهين» ما يؤخذ في الملة بلا براهين. على اعتبار أن أكثر الناس في نظر الفارابي، ماعدا الحكماء، لا قدرة لهم على تصور الأشياء كما هي بنفسها أو معرفتها ببراهينها، وإنما يدركونها بمثالاتها ورموزها. وكل إنسان يدرك من الحقائق رسومها وخيالاتها وكل فئة أو مرتبة أو ملة أو أمة تحاكيها بالمثالات الأعرف والأشهر عندها؛ «لذا عبرت الشريعة عن الحقيقة متخلية لا متصورة أو معقولة».
غير أن الفارابي ذهب في تقريبه هذا إلى عقلنة الوحي، أي إلى إدراك ما لا يدرك. مما يفسر طغيان الجانب العقلاني على فلسفته إن لم نقل عنها أنها نسق عقلي خالص.. فالعقل عنده مبدأ ومنهج ومعيار، فهو سبب الوجود وطريق المعرفة الأيقن، وهو المحدد لكل رأي يُرى والموجه لكل فعل يُفعل. فلا وجود في فلسفته إلا للعقل، فالحق ذو طبيعة عقلية، والحق عقل وعاقل ومعقول، وما عداه «مثال للحق»؛ ولذلك فإن الفلسفة عند الفارابي: «تفضل النبوة، والعقل يتقدم على النقل» على حد تعبير علي حرب.
وبالتالي، الفارابي يقرر في الصدد نفسه، أن الحقيقة واحدة وإن اختلفت الطرق المؤدية إليها، وهذا الإيمان بوحدة الحقيقة هو الذي حمله على الجمع بين رأيي أفلاطون وأرسطو (الحكيمين)، وبين معطيات العقل ومعطيات الوحي، وإذا كان قد بذل مجهوداً عظيماً في إثبات النبوة إثباتاً عقليًّا وعلميًّا، فمرد ذلك إلى: «رغبته في الرد على الذين يحاربون جميع الأديان، وينكرون النبوة، فكثيراً ما كان يؤول النصوص الدينية تأويلاً مرافقاً لنظرياته الفلسفية».
فهل نجح الفارابي فيما أراده من التوفيق بين العقل والوحي؟ أو بين الفلسفة والدين؟
طبعاً لا، على الرغم من محاولة الفارابي إلى حل مسألة «الواحد» وصدور العالم عنه وكيفية هذا الصدور: «قد بقي إله «أرسطو» غير مقبول في الإسلام مع ما نال نظرية أرسطو من تعديل يرجع إلى أفلاطون ومدرسة الإسكندرية». فإله يصدر العالم عنه بلا إرادة وخلق منه ولا نشاط له، وبينه وبين العالم وسطاء عديدون، ولا يعلم إلا ذاته؛ إله كذلك لا يمكن أن يتفق والعقائد الصحيحة التي جاء بها الإسلام، حتى «وإن عُني الفارابي في نظرية الفيض التي أراد بها التوفيق بين أرسطو والإسلام».
إلا أنه يجب الإشارة إلى أن الفارابي وسائر الفلاسفة العرب الممثلين للتيار العقلاني، شأنهم شأن المتكلمين الإسلاميين والصوفية الإسلاميين؛ ينطلقون من مبدأ التوحيد بمفهومه التنزيهي الإطلاقي (أنه منطلق ثابت مشترك بينهم جميعاً) والاختلاف بينهم ينحصر في طريقة معالجة ما ينشأ لديهم من تناقض بين التنزيه المطلق والموقف الإيديولوجي. فالصوفية مثلاً يقيمون صلة العالم مع الله مباشرة بطرق الكشف والمشاهدة، في حين الفلاسفة العقلانيون يقيمون العلاقة على أساس الوسائط، كما لاحظنا عند الفارابي، إذ كانت نظرية الفيض هي التي يسَّرت لهم فكرة هذه الوسائط (العقول المفارقة).
بناء على ما قدم نخلص إلى أن فلسفة الفارابي فلسفة تعقلية، شعارها التدبير بمختلف أنواعه مثلما أشار إليه في أغلب النصوص المتأخرة.. ومن ثم كذلك التوحيد والتأليف والتنسيق، تجمع بين آراء أرسطو وآراء أفلاطون، وتسلك طريق الأفلاطونية الحديثة في توضيح صدور الموجودات عن السبب الأول على جهة الفيض: «فمذهبه إذن ليس مشَّائيًّا ولا رواقيًّا، ولا أفلاطونيًّا حديثاً فقط، وإنما كل هذا في وقت واحد» على حد تعبير ج. صليبا. وإذن فأهم ما يتميز به الفارابي هو إيمانه بوحدة الفلسفة، ووحدة الحقيقة والمعرفة.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.