تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

النحو العربي في ضوء المذهب الذاتي في نظرية المعرفة

علي جاسب عبدالله

النحو العربي

في ضوء المذهب الذاتي في نظرية المعرفة

علي جاسب عبداللَّـه*

* باحث - العراق.

 

 

- جامعة البصرة كلية التربية للعلوم الإنسانية.

- رسالة دكتوراه فلسفة في اللغة العربية وآدابها.

- إعداد الباحث: علي جاسب عبداللَّـه.

- إشراف: حامد ناصر الظالمي.

- نوقشت بتاريخ: 28 مارس 2013م.

 

ملخص الرسالة

دراسة تسعى إلى تحليل النحو العربي في ضوء المذهب الذاتي في نظرية المعرفة تحليلاً معرفيًّا. وتنطلق هذه الدراسة من مبدأ فلسفي يرى أن تحليل التفكير في كل علم يكشف حقيقة مسائل وموضوعاته، وتحليل التفكير من أهم وظائف نظرية المعرفة. إذ إنها تعمل على تحديد المصدر الذي يستنبط منه الفكر معارفه، ثم تعنى بتحليل طريقة توالد تلك المعارف، أو الأفكار، ونموها، ثم تشتغل على تحديد القيمة التصديقية لتلك المعارف، وهذه المراحل الثلاث تشكل أبرز مباحث نظرية المعرفة. وهذا ما مثل منطلق هذه الدراسة، فإن فهم أحكام النحو العربي وقواعده فهماً حقيقيًّا يعتمد على تحليل آلية التفكير التي ولدت لنا تلك الأحكام، إذ إن فهم الحكم النحوي بوصفه معرفة منتجة يعتمد على كشف الرؤية المعرفية التي ضبطت ولادته، وإنتاجه حتى استوى حكماً بشكله المعروف. أي أنها تعتمد على تحديد المصدر الذي استنبط منه، وطريقة توالدها ونموها، والقيمة التي حصلت عليها.

وقد بدت العناية بمفردة التفكير النحوي في العصر الحديث واضحة حتى أن بعض الدراسات اتخذت منها عنواناً لها كأصول التفكير النحوي، وتقويم الفكر النحوي للدكتور علي أبو المكارم، وكتاب الأصول دراسة إبستمولوجية للفكر اللغوي عند العرب للدكتور تمام حسان، والفكر النحوي عند العرب أصوله ومناهجه للدكتور علي مزهر الياسري، وأصول التفكير النحوي عند المبرد للدكتور علي فاضل سيد الشمري، وغيرها من الدارسات الأخرى.

ويمكن أن نسجل على تلك الدراسات ملاحظتين، الملاحظة الأولى: تأثرها برؤية أصول الفقه ، وعدم محاولتها الخروج من دائرة تأثير هذه الأطروحة، ومن مظاهر ذلك التأثر أنها قدمت التفكير النحوي بشكل تجزيئي لا يرتبط بعضه ببعض ومن ثم لا يشكل نسقاً للإنتاج المعرفي عملاً بالفكرة الأصولية التي ترى أن للنحو العربي أدلته التي لا يرتبط بعضها ببعض إلا لكونها أدلة يستعين بها النحوي في عمله على استنباط الحكم النحوي ومن ثم لا توجد علاقة معرفية بين ما يسمى بأصول النحو، في حين أن هذه الدراسة تبين أن التفكير النحوي لم يكن مجزأ إلى أدلة بل كان ذا نسق معرفي واحد.

الملاحظة الثانية: أن البحث في نمط التفكير من شان البحث الفلسفي، والمعرفي ومن ثم فإن أي دراسة لا تستعين برؤية معرفية محددة لن تصل إلى غايتها التي تسعى إلى تحقيقها، وقد حاولنا تجاوز هذه الملاحظة باختيار الرؤية المعرفية التي حدها المذهب الذاتي بوصفه مذهباً معرفيًّا جديداً في التكفير الفلسفي أسسه السيد محمد باقر الصدر.

وما دفعنا إلى اختيار هذا التفسير دون غيره من المذاهب المعرفية الأخرى مجموعة من النقاط، أهمها: وحدة الانتماء الفكري بين المذهب الذاتي، وبين النحو العربي. والنقطة الثانية: التقارب النظري بين بينهما، لا سيما في المفاهيم المؤسس التي أشرنا إلى بعضها في هذه الدراسة التي جاءت في مقدمة، وأربعة فصول، وخاتمة.

وقد خصصنا الفصل الأول منها لعرض المذهب الذاتي لأنه سيمثل الأساس النظري، وسبب تخصيص فصل مستقل عن المذهب الذاتي يتجسد في أمرين: الأول: عدم وجود دراسات أكاديمية اعتنت بدراسة المذهب الذاتي عناية يمكن أن تغني عن إعادة عرضه، الثاني: سعة التأسيس النظري لهذا المذهب عند السيد محمد باقر الصدر، جعلت من غير الممكن أن يعرض في أقل من فصل.

أمَّا الفصل الثاني، فقد خُصص لدراسة منهج الاستقراء عند النحويين؛ لأنَّ منهج الاستقراء يمثل المدخل الحقيقي لقراءة الفكر النحوي؛ لأن النحويين قد اتخذوه سبيلاً لوضع قواعد العربية. وحاولنا في هذا الفصل تحليل الاستدلال الاستقرائي تحليلاً معرفيًّا لبيان المبادئ المعرفية التي كونت هذا الاستدلال، وشكلت مفاهيمه المولدة، أو المؤسسة، ومن ثم تولدت على أساسها القواعد النحوية التي هي تعميمات استقرائية، كما يتضح من تعريف النحو عند النحويين بأنَّه علم استخرجه المتقدمون فيه من استقراء كلام العرب.

أمَّا الفصل الثالث فقد درسنا فيه موضوعة القياس النحوي لتحديد بنية هذا اللون من الاستدلال الذي غدا عنواناً للنحو كما يرى بعض النحويين. وحاولنا أن نكشف عن مبادئه الاستدلالية التي يعتمد عليها النحويون في توليد الأحكام القياسية، وتحديد علاقته بالاستدلال الاستقرائي؛ لكشف حقيقة القياس، وهل هو دليل مستقل عن الاستقراء النحوي أم هو جزء من البنية الاستقرائية نفسها.

أمَّا الفصل الرابع فدرسنا فيه العلة النحوية، ومفهومها الذي اعتمد عليه النحويون في بناء الأحكام الأصول، والفروع، وخصائص العلة الموجودة في الاستدلالين الاستقرائي، والقياسي، وأثر مفهومهما في تحديد الأسس المعرفية لذينك الاستدلاليين.

والسبب الذي دعا لجعل العلة المفردة الثالثة في الدراسة هو أن مفهوم العلة النحوي تتجسد فيه الحقيقة الفلسفية لكل منهج. وقد عملنا على مقارنتها بمفهومي العلة الفلسفية، المفهوم العقلي، والمفهوم التجريبي لتحديد انتماء مفهوم العلة النحوي لأحدهما أو استقلاله عنهما برؤية خاصة عن العلاقة العلية التي تربط بين العلة والمعلول.

ومن ثم جاءت الخاتمة التي لخصنا فيها أهم النتائج التي توصلنا إليها في هذه الدراسة. وقد تبين لنا أنَّ وسيلة استنباط المعرفة هي الطريقة نفسها التي أطلق عليها المذهب الذاتي الطريقة الذاتية في التوالد المعرفي. وأن مصدر تلك المعرفة يتمثل في تصديق الذات المستنبطة، ومسوّغه، وأنَّ قيمة المعرفة المستنبطة قيمة تصديقية محتملة تعتمد درجتها على قوة المسوّغ العلمي الذي اتخذته النفس سبباً للتصديق بشيء معين.

كما تبين لنا أنَّ إغفال دراسة الاستدلال الاستقرائي عند النحويين يمنع الباحث من الاقتراب إلى الأسس المعرفية لمنظومته الاستدلالية، ويحول دون الوصول إلى فلسفة المنهج النحوي؛ لأنَّ النحو العربي علم استقرائي، وقواعده إنّما هي تعميمات استقرائية استنبطها عليها النحويون من استقراء كلام العرب، ومن ثم فإنَّ تجاهل مفهوم الاستدلال الاستقرائي يعني تجاهل حقيقة القواعد النحوية؛ لأنَّ تلك القواعد إنَّما هي انعكاس حقيقي لذلك المفهوم.

كما أن العزوف عن دراسة مفهوم الاستدلال الاستقرائي يعني تجاهل البعد التجريبي في النحو العربي؛ إذ إنَّ منهج الاستقراء منهج العلوم التجريبية، وما دام النحو وليد استقرائي فيجب أن ينسب للعلوم التجريبية أكثر مما ينسب إلى العلوم العقلية، والفلسفية ، ويكون الاعتناء منحصراً في جانبه العقلي فقط وإغفال جانبه التجريبي الذي مثّل اللبنة الأساسية فيه. كما ظهر لنا انبناء هذا المنهج النحوي على أساس وحدة البنية المعرفية؛ إذ لا يوجد منهج قياسي مستقل بمفهومه، وأدواته، ووسائله، ويمثل مرحلة جديدة دخلتها النظرية العربية تأثراً بالعلوم الأخرى.

ومن ثم فإن القياس يمثل جزءاً من المنهج الاستقرائي؛ لأنَّ مفهوم القياس هو التعميم، أو المد، أو الإلحاق، وهي عملية يلجأ إليها المستقرئ بعد إتمام عملية الاستقراء.ومن ثم فإن دخول النحو العربي مرحل القياس ضرورة منهجية يفرضها المنهج الاستقرائي.

وأنَّ وحدة البنية المعرفية للمنهج النحوي لا تنحصر في اتفاق الاستقراء، والقياس في بنيتهما المعرفية، وإنَّما تجلت أيضاً في مبحث العلة النحوية؛ إذ إنَّ العلة بشكل عام تمثل مبدأ أساسيًّا من مبادئ المنهج الاستقرائي بل لا يتمكن أي مستقرٍ أن يقوم بعملية الاستقراء من دون تحديد مبدأ العلة، أو السببية؛ لأنَّه مبدأ يتجسد فيه مفهوم المنهج الاستقرائي، وفلسفته. فمنهج الاستقراء النحوي هو الذي فرض وجود هذا المبحث في الدرس النحوي القديم، ودفع النحويين إلى دراسة العلة النحوية دراسة مستفيضة بعد أن أكثروا من تطبيق الاستدلال القياسي الذي يأتي بعد إنهاء مرحلة الاستقراء الأولى التي تمثلها حالة فحص الظواهر المستقرأة، وملاحظة ما تشترك به من خصائص، وسمات.

والدليل على أن مبحث العلة النحوية جزء ضروري من منهج الاستقراء عند النحويين أننا وجدنا مفهوم العلة النحوية يستند إلى الأسس المعرفية نفسها التي استند إليها كل من الاستقراء والقياس.

 

 

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة