تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

الغزالي والمنطق .. هل نجح في أسلمة المنطق ؟

عبدالكريم عنيات

 

الغزالي والمنطق..

هل نجح في أسلمة المنطق؟

عبد الكريم عنيات*

* كاتب وباحث من الجزائر، جامعة سطيف 2. البريد الإلكتروني: anayatkarim@live.fr

 

 

* تقديم

قد يسهل علينا التنبؤ بموقف فيلسوف ما، من مسألة معينة من المسائل الفلسفية، بالنظر إلى مذهبه الفلسفي ومنطلقاته الأساسية. إذ يمكن أن نعرف أن ابن رشد مثلاً من المناصرين للمنطق والعلم الطبيعي القائم على فكرة السببية، نظراً لنزوعه العقلي ومشايعته للفكر الاعتزالي وتأثره بالتراث اليوناني. مثلما يمكن أن نعرف أن ابن تيمية من أكبر المسلمين رفضاً لكل ما هو وافد من الحضارات غير الإسلامية خاصة اليونانية، ووجه أدواته النقدية بحدة للمنطق والعلوم الوضعية التي لا تتخذ من النص الديني مرجعاً لها، نظراً لمسلماته الدينية المتشددة والمناجزة.

لكن إزاء مفكر مثل الغزالي قد تبدو المهمة غير بديهية، بل صعبة للغاية، نظراً لصعوبة تحديد ثوابته الفكرية وانتماءاته الفلسفية. ولعل أول من تفطن إلى هذه الصعوبة هو فيلسوف قرطبة، أبو الوليد بن رشد الذي عبر عن هذا اللا–انتماء البادي في فكر الغزالي، حيث قال واصفاً الصعوبة التي تنجر عن محاولة وضع الغزالي في نسق محدد ومغلق، أو في مذهب مألوف ومتميز ما يلي: «إنه –أي أبا حامد الغزالي– لم يلزم مذهباً من المذاهب في كتبه، بل هو مع الأشاعرة أشعري، ومع الصوفية متصوف، ومع الفلاسفة فيلسوف، وحتى أنه كما قيل:

يوماً يمان إذا لقيت ذا يمن

وإن لقيت معدياً فعدنان»[1]

ونحن نتفهم جيداً هذا القلق الظاهر على قول ابن رشد؛ لأن الجمع بين هذه التوجهات الثلاثة في شخص واحد هو موضع غموض وصعوبة، فالأشعري مفكر عقلاني لكنه أقل عقلانية مما يُعتقد، نظراً لأنه أسقط مكانة العقل إلى الدرجة الثانية بعد النقل، لذا يمكن اعتباره نصف عقلاني أو عقلاني جزئي. والمتصوف هو ذلك المفكر الذي ألغى الفكر ذاته، يسعى للقبض على الحقيقة دون برهان أو مقدمات أو حدود. إنه إلى الذوق والحدس أقرب منه إلى الحدود المربوطة برباط الضرورة المنطقية أو المتناسقة، ولعل نص ابن عربي المعنون بـ: (نعم ولا) أحسن مثال قدمه متصوف حول العلاقة بين الفيلسوف العقلاني والمتصوف العرفاني[2]. وأخيراً فالفيلسوف هو ذلك المفكر الذي لا يحتكم إلَّا لحاكم العقل ومبادئه، ناظراً إلى بقية المصادر المعرفية الأخرى بنظرة الريب والشك والمراجعة. فكيف أمكن للغزالي الجمع بين هذه المنطلقات الثلاثة المتناقضة وهي: الأشعرية والصوفية والفلسفية؟ هذه هي المشكلة التي أزعجت ابن رشد كثيراً عندما حاول البحث عن مدخل ملائم لدراسة ونقد فكر الغزالي الذي وفد إلى المغرب الإسلامي وأثر في المناخ الفكري العام.

وإن تَفطن ابن رشد لهذا التمرد المذهبي لدى حجة الإسلام أبو حامد الغزالي، فإن الذي يهم في هذا المقام هو أثر هذا الانفلات النسقي على تحديدنا لموقفه من المنطق الأرسطي. هذا الموقف المتولد من رأيه من التراث اليوناني بصورة عامة باعتباره العلم الوافد في مقابل العلم الموروث. هذا من جهة ومن جهة أخرى، فيجب علينا الانطلاق من منهج الغزالي الذي كان جذريًّا ومنفرداً في مبادئه كما كان فلسفيًّا ودينيًّا في غاياته.

كما لا يجب أن ننسى أن بين هذه المنطلقات والأهداف، كان الغزالي معلماً ومدرساً في المدرسة النظامية في بغداد التي أقل ما يقال عنها أنها حارسة وخادمة لمعتقدات معينة ومحددة من الناحية السياسية والمذهبية، مما يعني أنه دخل في منظومة أيديولوجية مغلقة وموجهة للإقصاء والاستبعاد.

وهذا ما يحدد موقفه من الكثير من المسائل كالعقل والنقل والعلم والتربية. إن المشكلة المخصوصة لهذا الموضوع هي كالتالي: هل الوظيفة التعليمية للغزالي هي التي ساهمت في تشكيل موقفه من المنطق الأرسطي؟ أم أنه موقف متولد من المقدمات المذهبية لنسقه الفكري العام؟ كيف يمكن أن نسمي ونصنف موقف الغزالي من المنطق الأرسطي؟

إن سلمنا أن علم المنطق من الإنجازات الأرسطية المحضة نظراً لانعدام أي محاولة لتنظير مبادئ المنطق النظرية قبله، فإن تسمية المعلم الأول مبررة تماماً من طرف الفلاسفة المسلمين. هذا ما جعلهم يتوجهون لدراسة هذا العلم الوافد من اليونان، بمجرد أن توسعت الحضارة الإسلامية من الناحية السياسية، وكانت دراستهم لهذا التراث الأجنبي من كل الأوجه، سواء اللغوية أو العقائدية دراسة فهم وتقييم والأكثر من ذلك دراسة محاكمة ومساءلة، وهذا شأن القوي حضاريًّا.

فقد اهتم الفارابي بالمنطق وقدّم كتابات تعتبر دقيقة وموضوعية من حيث الإحاطة بتفاصيل الأورغانون الأرسطي[3]. أما الشيخ الرئيس ابن سينا الذي يمكن اعتباره محصلة نبوغ الفارابي بشهادته هو ذاته، فلم يهمل العلوم المنطقية، بل ألّف فيها الشيء الكثير والمهم كذلك، إذ نجده قد خصص كتاب الشفاء للمنطق وعرض فيه الفنون المنطقية التسعة وحلل موضوع المنطق والفائدة منه، وإن كان قد استعان كثيراً بكتاب فورفوريوس كمرجع له. وخصص كذلك كتاب عيون الحكمة للمواضيع المنطقية (إلى جانب المواضيع الطبيعية والإلهية) مثل الألفاظ والقياس وأشكاله[4]، والاستقراء ومنطق الجهات المعروفة عند أرسطو، وهي الواجب والممتنع والممكن.

يظهر الغزالي منفرداً مقارنة بالفلاسفة السابقين عليه، في مناهجه ومراميه ومواقفه من الفلسفة بعامة والمنطق بصورة أكثر تحديداً.

ومشكلة هذه المقالة مرتبطة حصراً بموقف الغزالي من منطق أرسطو، ويمكن صياغتها كالتالي: كيف تعامل الفيلسوف الغزالي مع علم المنطق الوافد من عند اليونان؟ وهل موقفه من المنطق منسجم مع منطلقاته الفلسفية بعامة؟ هل كان موقف الغزالي من منطق أرسطو موقفاً إبستيمولوجيًّا صارماً في معرفيته أم أنه موقف عقائدي يفتقر للنظر الفاحص الناقد؟ هل كان موقفه من هذا المنطق موقفاً واحداً وثابتاً طوال حياته وعلى امتداد مؤلفاته أم أن هناك تغييراً وتعديلاً؟

وأخيراً ماذا نتج عن موقف الغزالي من المنطق الأرسطي في العالم الإسلامي من بعده؟ كيف لنا أن نتجاوز المفارقة الغزالية التي تجسدت في كتابه المستصفى من علم الأصول الذي يعلن أنه من لا يعرف المنطق لا يوثق في علمه، وبين كتابه الأخير المسمى المنقذ من الضلال حيث اعتبر طريق الفلسفة والمنطق لا يوصلان إلى العلم اليقين؟ كيف لنا تجاوز هذه المفارقة؟ ثم هل هي فعلاً مفارقة أم أنها تعبير عن قلق إبداعي؟

 أولاً: منهج الغزالي وحدود الشكوكية

يشكل الاعتراف بأثر الغزالي في مجمل تاريخ الفلسفة الإسلامية، سواء من الناحية الإيجابية أو السلبية، الأمر الثابت الذي اتفق عليه الفلاسفة ومؤرخو الفلسفة وكل المفكرين العرب المعاصرين وحتى الدراسات الاستشراقية. فنجد مثلاً (دي بور) ورغم أنه ينتقص من روح الابتكار والنقد والتمحيص عند الفلاسفة العرب المسلمين، ويجعلهم حبيسي أخطاء الترجمة والنقل، إلَّا أنه في حالة الغزالي نجده يقول: إنه من الأبطال الخالدين في الإسلام، وأن القيمة الفلسفية من المسائل المثبتة في كتابه (تهافت الفلاسفة) من خلال نظرته الريبية الهجومية على المذاهب الفلسفية المستمدة من اليونان بما هي تعبير عن العلم الدخيل. وكانت دراساته –يقول دي بور– تتسم في الكثير من الجوانب بالموضوعية والأمانة، كما أنه كان واعياً بالمسألة الدينية التي أرَّقته مطولاً بالنظر إلى المسألة الفلسفية[5].

كما نجد مستشرقاً آخر وهو (كوربان)، ومع إسقاطه كل الأحكام المبالغة والمفخمة لشخص الغزالي، فإنه يحتفظ بصفات مثل الألمعية والنبوغ مقارنة بباقي الفلاسفة المسلمين، ويعتبره المتعمق في دراسة الفلسفة ويظهر ذلك في (مقاصد الفلاسفة( و(تهافت الفلاسفة) أيضاً.

والأكيد أن هذا الانفراد العجيب في فكر الغزالي قد لاحظه كوربان في: «تلك الثقة التي يوليها للمنطق والجدل العقلي في سبيل الوصول إلى غاية محاجته، في حين أنه هو نفسه لا يؤمن بجدوى المنطق والعقل لبلوغ الحقيقة»[6].

وهذا القول في حقيقته يدعم ويقوي المشكلة المطروحة في بداية هذا الموضوع، المتعلقة بقلق موقف الغزالي من المنطق.

ويواصل (رينان) من بين المستشرقين المتعمقين في الفلسفة الرّشدية خاصة، إبداء إعجابه بالغزالي رجلاً ومفكراً، من حيث نزعته الإبداعية ومنهجه الشكي وفطنته الذهنية، وأصالة فكرته الهادمة للعلية مقارنة بلاحقيه من الفلاسفة في الغرب الحديث. ورغم انتقاله من التفلسف إلى معاداة الفلسفة، فإنه اشترط بلوغ الكمال في المعرفة والعمل ممارسة العلم العقلي دون انتقاص[7]. إن أصالة الغزالي كامنة بالضبط في هذا الموقف الذي لا ينتمي إلى طرف صريح كما حدث للفارابي وابن سينا أو حتى ابن رشد لاحقاً.

قوبلت هذه الأقوال المادحة لفكر وشخص الغزالي بطرح مغاير إلى حد التناقض، إذ تعرض موقف حجة الإسلام إلى نقد وتجريح وصل لحد إحراق كتبه. فالمدرسة التيمية السلفية عارضته بشدة، وتم الحكم بالموت على (الإحياء) من طرف تلميذه المغربي محمد  بن تومرت، وحملة ابن رشد من أشهر الحملات التي عملت على تقويض الفكر الغزالي في المغرب كذلك.

وفي الأزمنة المعاصرة يعتبر كتاب (الأخلاق عند الغزالي) نموذجاً للدراسة النقدية لفلسفته من طرف الدكتور زكي مبارك. وهناك من المستشرقين من جعل فكر الغزالي الصوفي امتداداً للتصوف النصراني لا أكثر[8]. كما يصنف صاحب الكتاب الموسوعي في الفلسفة الإسلامية الدكتور (حسين مروة) الغزالي ضمن الاتجاه المعادي للمنطق الأرسطي والفلسفة عموماً، واعتبره القائد الأكبر للحملة الإرهابية التي امتدت في كل الأمكنة وانتشرت لمدة زمنية طويلة جدًّا أكثر مما نعتقد. وأثّرت على مدى أجيال كثيرة، فإحراق كتب المناطقة والفلاسفة كان نتيجة عملية لأفكار هذا التيار المتعصب الذي شكلة الغزالي، ولم تنقص حدة هذه الموجة المعادية للعقل إلَّا مع النشاط الرّشدي الدفاعي عن العقل والمنطق والسببية الطبيعية. إلَّا أن فيلسوف قرطبة رغم عمله الشجاع كان ضحية من ضحايا (ذهنية التحريم) التي امتدت من المشرق الذي شكل مناخه الفكري الغزالي بالتحديد إلى المغرب الإسلامي، ولم يدم التنوير الرّشدي إلَّا برهة من الزمن، حيث عاودت موجة العناد على يد فقهاء أمثال (الشهرزوري) (ابن الصلاح) في القرن السابع للهجرة، وابن تيمية في القرن الثامن، حيث تم تحريم المنطق على يد الأول، وتكفير الفلاسفة على يد الثاني[9].

من أجل الخروج من جدل (الحب والحرب) على حد تعبير هيراقليطس، أو جدل التمجيد والجَلد، يجب علينا إدراك مسألة مهمة، وهي أن وقوع خلاف حول قيمة مفكر ما، إنما يشكل اعترافاً ولو غير مباشر بقيمة فكره. فبمجرد أنه جرّ البقية من المفكرين لمعارضته، فإنه قد مارس التأثير فيهم وهذا أكبر دليل على قوته الفكرية، وهذا ما يصدق على للغزالي أكثر من غيره من مفكري الإسلام.

إن تجربة الغزالي كما يرويها هو، من أشهر التجارب الفلسفية والاعترافات الفكرية المسجلة في تاريخ الفلسفة سواء عند الغرب أو العرب. وكل دارس للفلسفة الإسلامية يستوقفه هذا الاعتراف المميز، والذي يعبر حقًّا عن تطور روحي وفكري أصيل عند الغزالي، وأصبح ذكر هذه التجربة الروحية من أدبيات التأريخ لهذه الشخصية الفذة[10].

لقد رسم الغزالي منهجه الفكري وتطوره الروحي في الكتيب (الأوتوبيوغرافي) الصغير من حيث الحجم والكبير من حيث المضمون والمحتوى، لأنه يوضح النهايات التي توصل إليها فكره وليس البدايات فقط.

وهذا الكتاب هو المسمى (المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال) الذي يحوي ما يحوي من الفلسفة دون أي مبالغة أو تضخيم، هو الكتاب الذي يعلم درساً منهجيًّا لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال. لأن أول صعوبة تعترض أي مفكر هي الأفكار السائدة في عصره والمفسرة للكون والمعرفة والقيم، هذه الصعوبة في نظر الغزالي متأتية من العقائد الموروثة. فالفرق التي قدمت طرقاً ومسالكاً جاهزة ومتباينة في الوقت نفسه، فكل فرقة تدعي لنفسها امتلاك الحق واليقين والصواب علماً وعملاً. وإزاء «سوق الفرق» هذا، لا ينفع حسب الغزالي إلَّا: «الارتفاع عن حضيض المحاكاة (...) وانحلال رابطة التقليد، وانكسار العقائد الموروثة»[11].

وبعد تجاوز هذا الموروث عن طريق تعليق الأحكام تعليقاً هادفاً، تبدأ الخطوة الإيجابية من الشك وهي البحث عن: «انكشاف المعلوم انكشافاً لا يبقى معه ريب، ولا يقارنه إمكان الغلط والوهم (...) وكل ما لا يعلم بهذا الوجه اليقيني، فهو علم لا ثقة به». ويتساءل الغزالي بعد ذلك: هل هناك علم يتميز بهذه الصفة اليقينية المطلقة؟

إن متتبع مسيرة الغزالي الدحضية يكتشف أن معيار اليقين المشترط من طرفه بلغ من الصرامة بحيث تهاوت معه كل أصناف المعارف الموجودة في عصره، وفشلت كل المناهج عن تجاوز هذا الحاجز. إن أول ضحية على مذبح الغزالي هي المعرفة الناشئة من الحواس نظراً لأخطائها الظاهرة والتي لا يمكن الغض عنها. وإن كان للعقل فضل كبير في كشف خداع الحواس فهذا لا يعني أنه الأكمل والأتم، إذ ليست له السلطة النهائية في إصدار الأحكام.

وهنا نلمس حجم التجاوز الذي مارسه الغزالي على الفلسفات العقلية المثالية، فهو –وعلى غرار الما بعد حداثيين- قد قرر التالي: «قد بطلت الثقة بالمحسوسات أيضاً فلعله لا ثقة إلَّا بالعقليات التي من الأوليات، كقولنا: العشرة أكبر من الثلاثة (...) فقالت المحسوسات: بم تأمن أو تكون ثقتك بالعقليات كثقتك بالمحسوسات، وقد كنت واثقاً بي، فجاء حاكم العقل فكذبني، ولولا حاكم العقل لكنت تستمر في تصديقي، فلعل وراء إدراك العقل حاكماً آخر، إذا تجلى، كذّب العقل في حكمه، كما تجلى حاكم العقل فكذب الحس في حكمه...»[12].

هنا نلاحظ بسهولة النقلة التي مارسها الغزالي من خلال الانتقال من نقد الحواسي إلى التشكيك بالعقل ذاته، وهي نقلة تشبه كثيراً التوجه التشككي عند الإغريق القدامى بخاصة الأكاديمية الجديدة والشكاك البرونيون وكذلك الدلائل التي ذكرها (سيكستوس التجريبي).

ينتقل الغزالي بعد ذلك إلى علم الكلام، فلئن كان هذا العلم يقصد حفظ عقيدة أهل السنة، وحمايتها من تشويش المشوشين، وهم على الإجمال المبتدعة المنحرفين، باستعمال براهين مرتبة ترتيباً محكماً من أجل الإقناع والإفحام. فإن هذا ليس مقصد الغزالي، فهدفه مرسوم منذ البداية، إنه بلوغ العلم اليقين وليس الدفاع عن الدين ضد المنحرفين، وإن كان هذا العمل مأموراً به ومستحسناً من الناحية الشرعية.

ولهذا فإن مطلب الغزالي أوسع وأبعد بكثير من مطلب علماء الكلام. كما أنه لاحظ عيباً فادحاً في منهج المتكلمين في عمليتهم الدفاعية، وهذا ما يجعل مقصدهم يتعرض للانهيار وهو أنهم اعتمدوا في صياغة حججهم المدافعة عن الدين على مقدمات ومبادئ هي في الأصل من وضع خصومهم، وهذا ما يحكم على دفاعهم مسبقا بالفشل[13]. كمن يحارب جيشاً بسلاح هو سلاحه الأصلي، فهل يمكن غلبته؟ الأكيد أن هذا مطلب محال.

بعد الخطوة الرافضة للتقليد وأحكام العقل والحواس معاً وعلم الكلام، يلجأ الغزالي إلى الخطوة الثالثة في المنهج، هي التوجه صوب الفلسفة، فبعد أن طالع الغزالي كتبهم بصورة عصامية لمدة سنتين، توصل إلى نتيجة لا تراجع عنها، وهي أن الفلسفة مجرد خداع وتلبيس. فالفحص الحقيقي لهذا العلم قد كشف له أن الفلاسفة على ثلاثة أصناف هم: الدهريين والطبيعيين والإلهيين، الأوائل زنادقة، والطبيعيون جحدوا الآخرة، وبذلك فلم يخرجوا من حيز الزندقة أصلاً. والصنف الأخير وهم أقانيم الفلسفة اليونانية، أي سقراط وأفلاطون وأرسطو، ورغم ما لهم من فضل فإن أرسطو واضع المنطق قد حافظ على بدعهم وكفرهم. وهذا ألزم الغزالي على تكفيرهم هم والفلاسفة المسلمين الذين أخذوا هذه الفلسفة دون تمحيص ونقد؛ أي الفارابي وابن سينا[14].

ويواصل الغزالي مطاردة الفلاسفة من خلال وضع كتاب مستقل ومخصص لذلك، وملخصه أن الفلاسفة قد ارتكبوا أخطاء لا تغتفر في ثلاث مسائل هي: قدم العالم، ومعرفة الله بالجزئيات، ومشكلة حشر الأجسام. وهذه الفداحة في الخطأ تقتضي تكفيرهم قطعاً ودون تردد. أما المسائل المتبقية وهي سبع عشرة، والمسألة التي قد تهمنا هنا، ونحن نتحدث عن علم المنطق والقياس القائم على الاستنتاج وفق الضرورة العقلية، هذه الضرورة التي تقابلها السببية الفيزيقية التي تشكل العقل ذاته، فإن الغزالي عمل على إبطال قول الفلاسفة باستحالة خرق العادات أو السببية، وهذا الإقرار هو الذي جعل ابن رشد يندهش ويعلن صراحة في فصل المقال أنه: «من أنكر السببية فقد أنكر العقل ذاته»، كما أنه لام الغزالي الذي قطع بتكفير الفارابي وابن سينا في المسائل الثلاثة المشار إليها سابقاً.

بعد الفراغ من الفلسفة وإقراره فشلها في اجتياز امتحان العبور للعلم اليقين، تلفت الغزالي بوصفه معلماً في المدرسة النظامية، وممثلاً للمذهب الأشعري الذي في جوهره ليس إلَّا مذهباً لأهل السنة. قلنا: تلفت إلى خصومه في المذهب وهم الباطنية أو مذهب التعليم (وإخوان الصفا نموذج لهم)، وإن كانوا فرقة كلامية فلها جانب عقائدي وآخر سياسي، وقام بتقويض مبدئهم في ضرورة وجود الإمام المعصوم، والذي يتعلم عليه الأتباع، قائلاً: «إنهم ضيعوا عمرهم في طلب المعلم وفي التبجح في الظفر به، ولم يتعلموا منه شيئاً أصلاً، كالمتضمخ بالنجاسة، يتعب في طلب الماء حتى إذا وجده لم يستعمله، وبقي متضمخاً بالخبائث... لا حاصل عند هؤلاء ولا طائل لكلامهم، فعلمهم ركيك مستغث، لا يقبله إلَّا العوام من الناس، ضعفاء العقول»[15]. إن طلب العلم من المعلم يدل فيما يدل على إمكانية الاستغناء عن المنطق، وهنا يمكن أن نلمح مدخلاً مهمًّا في فهم موقف الغزالي من المنطق الأرسطي بعامة، خاصة في كتابه الجميل المسمى (القسطاس).

إلى غاية هذا المستوى من منهج الغزالي نلاحظ أنه انطلق من عقل نزيه أشبه بالعقل الفلسفي المحض. لأن الفلسفة وحسب التحديد الدقيق ما هي إلَّا: اتجاه العقل اتِّجاهاً نزيهاً إلى العالم الذي نحن فيه ونشاهده، لأجل معرفته والعلم به من غير أي غرض أو غاية مبطنة مسبقة، ولا لأي سعي مضمور.

هكذا يمكن لنا أن نعتبر الحكمة الخالصة، هي عمل دؤوب لإيجاد درب المعرفة الآمنة، والعقل النظري أو المحض هو الذي يمتلك الميزة الفريدة التي لا تمتلكها بقية العقول التابعة والمسترسلة في التبعية دون دراية أو مراجعة.

يمكن القول: إن عقل وفكر الغزالي كان محضاً لأنه استطاع أن يعود على نفسه ويقيس قدراته وإمكاناته. وهذا التحديد الكانطي للعقل ينطبق لا محالة على الغزالي، لأنه لم يكن دوغمائيًّا منغلقاً بأحكام متكلسة ومسبقة، بل قام بنقد مسبق لقدرات العقل الخاصة، ووضع حدوداً لها. ونحن نعرف جيداً أن البحث في حدود العقل وما ينتجه العقل هو الذي دفع كانط ذاته إلى الصدارة الفلسفية. لكن لا يجب أن نسترسل وننهي الحكم بخلوص فكر الغزالي من أي غرض لا فلسفي. أيمكن أن تكون محضية عقل الغزالي مطلقة ودائمة أم أنها مؤقتة فقط؟ هل تجرد الغزالي من كل شيء ما عدا سعيه للعلم اليقين أو الحقيقة المطلقة؟ ألم يكن متمسكاً بعقيدة مسبقة مضمورة ليظهرها في النهاية بعد الأعمال الدحضية بأنها العلم اليقين دون منازع؟

النتيجة التي انتهى إليها الغزالي من منهجه الشكي، تظهر في قوله بعد أن توجه إلى طريق الصوفية وطالع كتب المحاسبي والجنيد والبسطامي: «فعلمت يقيناً أنهم أرباب الأحوال (...) إني علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله خاصة، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق (...) هذا العلم لا يحصل بأنواع العلوم التي يشتغل بها أكثر الناس، فلذلك لا يزيدهم ذلك العلم إلَّا جرأة على معصية الله تعالى، أما العلم الحقيقي، فيزيد صاحبه خشية وخوفاً...»[16].

بهذا التحديد المختصر لمنهج الغزالي في بلوغ العلم اليقين، يمكن لنا أن نعرف جيداً التوجه العام لفلسفته، الذي هو التصوف السني. وبذلك يستقيم موقفه من العلوم العقلية سواء الفلسفة أو علم المنطق. لأن فصل مذهب الفيلسوف العام عن أجزاء نظرياته أمر غير ممكن. والملاحظ أن المنطق الأرسطي لم يكن منفصلاً تماماً عن نسقه الفلسفي العام لأنه أسس العلم على فلسفة التصورات، مثلما لاحظ ذلك كل من لوكاشيفيتش وروبير بلانشي[17].

وإن كان الأمر كذلك، أي تبعية علم المنطق الأرسطي لفلسفة محددة سلفاً، وعدم تميزه بالعلمية النزيهة من كل مذهبية، فإن موقف الغزالي سوف يتحدد انطلاقاً من هذا الاعتبار. بمعنى أن موقف الغزالي من علم المنطق، كان عنصراً من نسق فلسفته النهائية المرتبطة بالتصوف بما هو انقلاب العقل على ذاته وتجاوزه له.

* ثانياً: مؤلفات الغزالي في علم المنطق

الكتب المخصصة للمنطق عند أرسطو، قد جمعها أندرونيكوس من رودس الذي عاش في القرن الأول للميلاد، عندما اعتمد معيار الموضوع في عملية تصنيف كتب المعلم. ومحصلة ذلك كان مجموعة من الرسائل المشتركة في موضوع واحد وهو المنطق أو الأورغانون بمعنى الوسيلة وهي: المقولات (قاطيغورياس)، كتاب العبارة (باري أرميناس)، التحليلات الأولى والثانية (الأنالوطيقي الأوائل والأواخر)، الجدليات (الطوبيقا)، وأخيراً نجد رسالة دحض الأغاليط (السوفسطيقا). لكن هناك من يضيف كتباً أخرى هي فن الشعر (البويطيقا) والخطابة (الريطوريقا) على اعتبار أن هذه الكتب تتناول موضوعات ذات صلة متينة بالبرهان والاستدلال[18].

لكن إدخال كتابي الخطابة وفن الشعر في كتب أرسطو المنطقية أي الأورغانون، يسوقنا إلى إدخال كتب أخرى واعتبارها منطقية رغم أنها ليست كذلك من حيث الموضوع والهدف، ويظهر هذا جليًّا في الكتاب الأخير لأرسطو وهو (الميتافزيقا). إذ يذكر في كتابه الرابع (livre Γ) مبدأ عدم التناقض الذي هو أساس المنطق الذي أسسه أرسطو ردًّا على تراهات هيراقليطس المتناقضة على حد تعبيره. فالاستماع لهيراقليطس وهو يقول: «خالدون فانون، فانون خالدون، نحيا في الموت ونموت في الحياة...» إلخ يجعل فكرنا مشوشاً من الناحية المنطقية، ويجعلنا نعجز أيضاً عن إقرار الحقائق الثابتة، لذا يجب التقيد بالمبدأ التالي: «من المستحيل إثبات محمول واحد ونفيه عن نفس الموضوع في آن واحد، ومن نفس الجهة»[19].

كل هذا يجعلنا نحصر كتب أرسطو المنطقية في الكتب المتعارف عليها وهي على الترتيب السابق الذكر، أي المقولات les catégories المخصص للطرق التي بمقتضاها يمكن وضع محمولات على الجوهر، وهي الأشياء التي أسماؤها مشتركة، والتي تتمثل في الجوهر والكم والإضافة والكيفية... إلخ ومختلف اللواحق والأعراض.

وكتاب العبارة Hermeneia؛ فيه ذكر الاسم والكلمة والقول، ثم أنواع القضايا المركبة والبسيطة. والكم والكيف في هذه القضايا، إضافة للقضايا الموجهة ومختلف العلاقات الموجودة بينها من تقابل وتلازم وتضاد، والقضايا التي تكون محمولة على احتمالات مستقبلية. والرسالة الثالثة هي التحليلات les premières et les seconds analytiques مقسمة إلى جزأين؛ الأولى التي تسمى بالقياس، وفيها يعرض أرسطو مقالتين حول القياس ومبادئه المحددة في عبارة «المقول على الكل والمقول على لا واحد»، وعكس القضايا سواء المطلقة أو الموجهة وأشكال القياس الثلاثة وكيفية الرد إلى الشكل الأكمل وهو الشكل الأول. وبعد ذلك ينتقل للأقيسة الشرطية وغير المباشرة. وتحدث في الأخير عن البرهان الاستقرائي، وبصورة جامعة يمكن القول أن الأنالوطيقي الأولى مخصصة لدراسة القياس من الناحية الصورية، وهو جوهر المنطق الأرسطي بكافة. أما الجزء الثاني من التحليلات المسمى بالبرهان، فقد كان مخصصاً بقسميه للعلم والبرهان من خلال ضبط مبادئ وشروط البرهنة المختلفة، ومكانة الحد الأوسط في عملية البرهنة، من خلال تقديم أمثلة واقعية وجزئية. ويمكن اعتبار هذا الجزء أنه يمثل الجانب التطبيقي للمبادئ الصورية المعروضة في التحليلات الأولى، فهو تطبيق لأمثلة متعينة الحدود على القوانين المنطقية الشكلية، أي غير المرتبطة بحدود متعينة.

والكتاب الرابع من الأورغانون هو الجدليات topiques أو الطوبيقا، وهو كتاب يقع في ثمانية أجزاء. مخصص أساساً للقياس القائم على مقدمات احتمالية، والتي تسمى بالأقيسة الشبيهة بالحق ولكنها ليست حقًّا، بمعنى أنها تقبل الصواب مثلما تحتمل الخطأ. وهذا هو الفرق أصلاً بين الأقيسة البرهانية والأقيسة الجدلية، فلئن كانت الأولى مؤسسة على مقدمات يقينية لا شك فيها فإنها تنتج نتائج تتسم باليقين نفسه، فإن الثانية مؤلفة من مقدمات لا يمكن التحقق يقينياً منها، وهذا ما يجعل الاحتمال هي خاصية نتائجه.

وعلى أساس هذا قسم ابن رشد الدلائل إلى خطابية وجدلية وبرهانية، وهذه الأخيرة هي أعلى مراتب البرهان. والكتاب الأخير في الأورغانون هو تهافت السفسطائية أو نقض الأغاليط Réfutation des Sophismes. وإن كان هناك من يعتبره كتاباً منطقيًّا مستقلاً بذاته، فهناك آخرين يعتبرونه الجزء التاسع والأخير من كتاب الجدليات، ومن عنوانه يمكن فهم مضمونه المتمثل في كشف مختلف الأغاليط. فإن كانت نظرية القياس موجهة لمعرفة وضبط الشروط الصورية لحصول استدلال صحيح، فإن الخروج عن هذه الشروط وعدم التقيد بها لا ينتج سوى الأغاليط والأقيسة الفاسدة، ويمكن القول: إن الوقاية من الخطأ هي الوظيفة الأصلية للمنطق، فقد كان الانتصار على الخصم من خلال تضليله بالمقدمات الخاطئة والاستدلالات الفاسدة من الممارسات التي كانت موجودة ومعمول بها عند السفسطائيين، وأشهرها مفارقة المحامي المنسوبة لبروتاغوراس، والأقيسة الإحراجية التي ذكرها أرسطو في التحليلات الثانية.

والمغالطات تقسم عموماً إلى المادية وفيها يكون شكل القياس صحيحاً لكن مضمون المقدمات خاطئ، ومغالطات صورية وفيها يحدث العكس، أي تَرد المقدمات صحيحة من حيث المضمون والمعنى لكن هيأتها فاسدة. وقد ورد مضمون كتاب السوفسطيقا مرتبطاً بالقياس والمغالطة، وأنواع الحجج في المناقشة وأسباب الأغاليط التي تعود إما للمادة أو صورة القول، وقد حددها أرسطو في تجاهل المطلوب واستعمال الألفاظ المطلقة والنسبية، والمصادرة عن المطلوب الأول وفساد اللزوم، والعلة الفاسدة. ورغم أن أرسطو كان حريصاً على تحديد أسباب المغالطات، لكنه وقع في العديد منها، وقد تكفل غاليلي بكشف ذلك مثلما ذكر الأستاذ محمود يعقوبي في دروسه المنطقية.

بعد إتمام عرض أهم المسائل المرتبطة بالمنطق الأرسطي، ننتقل إلى الشطر المهم من الموضوع وهو كتب الغزالي المرتبطة بعلم المنطق. فالمعلوم أن مؤلفات الغزالي كثيرة العدد ومختلفة المواضيع، منها ما هو مرتبط بعلم الكلام، والفلسفة وعلم الفقه وأصوله، والتصوف... إلخ. هذا ما دفع الأستاذ عبد الرحمن بدوي إلى وضع مؤلف قيّم في هذا الموضوع، بحيث جمع كل مؤلفات الغزالي مرتبة ترتيباً زمنيًّا، ومصنفة حسب صحة نسبتها. فورد التقسيم وفق السلم التالي: أولاً كتب مقطوع بصحتها إلى الغزالي. وثانياً كتب يدور الشك حول صحة نسبتها له، وثالثاً كتب مرجحة النسبة له أو منحولة. كما أنه خصص فصلاً لأقسام منفردة مستقلة لكتبه وبعض الكتب التي وردت بعناوين مختلفة، وهذا أمر موجود فعلاً عند تصفح كتب الغزالي.

أما الكتب المنطقية المقطوع نسبتها إلى الغزالي فهي حسب الترتيب التاريخي لتأليفها: (مقاصد الفلاسفة)، و(معيار العلم في فن المنطق)، و(محك النظر في المنطق)، و(القسطاس المستقيم)، و(المستصفى من علم الأصول)[20]. كما يمكن إضافة كتاب (المنقذ من الضلال)، فرغم أنه ليس مخصصاً للمنطق بالذات، إلًّا أن الغزالي يعرض فيه الكثير من الأحكام الخاصة بهذا العلم سواء أحكام تقرير وشرح، أو أحكام تقديرية ومعيارية، وكتاب (المنقذ) من هذه الزاوية يشبه كتاب المستصفى، إذ كلاهما مخصص لمواضيع غير المنطق، رغم أن فيهما ذكر لعلم المنطق. وسنجمل باختصار أهم الكتب المنطقية للغزالي:

1- مقاصد الفلاسفة

في تمهيد هذا الكتاب التمهيدي، يقدم لنا الغزالي الأقسام الأربعة لعلوم الفلاسفة وهي: الرياضيات والمنطقيات والطبيعيات والإلهيات. وإن كنا في هذا المقام نهتم فقط بالمنطقيات، فالحقيقة تتمثل في أن نظرة الغزالي للمنطق لا تتحدد مستقلة عن بقية العلوم الأخرى، يقول في تحديده للمنطق: «أما المنطقيات فأكثرها على منهج الصواب والخطأ نادر فيها، وإنما يخالفون أهل الحق فيها بالاصطلاحات والإيرادات دون المعاني والمقاصد، إذ غرضها تهذيب طرق الاستدلالات، وذلك مما يشترك فيه النظار»[21].

في هذا القول يمكن أن نلاحظ عدة نقاط ترتبط بقيمة وموقع علم المنطق في مجمل العلوم التي كانت موجودة عند المسلمين من جهة، وهدفه وطبيعته من جهة ثانية. نلحظ أولاً أنه فيما يخص مكانة المنطق فإنها ليست مطلقة عند الغزالي، بمعنى أن قيمته وهي: «كثرة الصواب وندرة الخطأ فيه» مرتبطة عند الفلاسفة (اليونان) بعلم آخر وهو الإلهيات، حيث أن معظم أفكارهم في هذا المجال تمتاز بـ: «ندرة الصواب وكثرة الخطأ».

ومن هذا الترابط نفهم جيداً أن الغزالي لا يتناول المنطق مستقلاً ومنفصلاً عن بقية العلوم الأخرى، بل قيمته تتحدد بقيمة علم الفلاسفة في مجال آخر، وهذا المعيار الذي استخدمه الغزالي يمكن أن يساعدنا لاحقاً في عملية تحديد الاتجاه العام في نظرته للمنطق، بمعنى أنه لم يدرس علم المنطق كعلم محض وخالص، بل في علاقاته مع بقية أجزاء المعرفة خاصة الدينية. وقد اعتبر أن هدف المنطق هو كمال النفس والسلوك، مما يدل على أن هناك نظرة أخلاقية للمنطق بوصفه إبستمولوجيا.

ومن هذا الهدف النهائي للمنطق كما رسمه الغزالي، المرتبط بالعمل والأخلاق من خلال مقولتي التذكية والتحلية، يمكن أن نلاحظ فعل الأرضنة والتكييف اللذين قاما بهما. ونقصد بالكلمتين إخراج علم المنطق عن سياقه الأرسطي النظري، لتوظيفه في سياق جديد تابع لخصائص الحضارة الإسلامية، التي تربط كل علم بالمنفعة الأخلاقية، أو ما يسمى بأخلقة المعرفة والحكم عليها بمعايير الأول، أي الأخلاق. ومن المحتمل أن هذه الفكرة تسربت من خلال فكرة الفلسفة الرواقية التي تجعل المنطق علماً من العلوم، مخالفة في ذلك المعلم الأول الذي أخرج المنطق من تصنيفه المشهور للعلوم في كتاب (الميتافيزيك).

وهذه الفكرة مبررة جدًّا عند الرواقيين، لأنهم أدرجوا المنطق في الفلسفة والتي مثلوها بالإنسان أو الكائن الحي الذي يتكون من عدة أعضاء مترابطة ومتماسكة بحيث لا يمكن تصور عمل جزء في حالة غياب بقية الأجزاء الأخرى. فقد قال هؤلاء الفلاسفة بأن: «المنطق هو بمثابة العظام والعضلات، والفيزياء بمثابة اللحم، والأخلاق بمثابة الروح»[22].

نجد تعريفاً للمنطق ورد في هذا الكتاب، فيه يقول الغزالي: «علم المنطق هو القانون الذي به يميز صحيح الحد والقياس عن فاسدهما، فيتميز العلم اليقين عما ليس بيقين وكأنه الميزان والمعيار للعلوم كلها وكل ما لم يوزن بالميزان لم يتميز فيه الرجحان عن النقصان». وما يمكن أن نلاحظه في هذا التعريف، بخلاف الهدف منه أن الغزالي كان أرسطيًّا بصورة كاملة في تحديده لمفهوم المنطق والذي قال أنه: «آلة العلم وموضوعه الحقيقي هو العلم نفسه أو هو صورة العلم (...) إنه العلم التحليلي...». وقد لاحظ الدكتور علي سامي النشار أن كلمة الغزالي التي استعملها في تعريف المنطق وهي: (القانون) تعني في الحقيقة «الآلة الصناعية النظرية». وهذا ما يجعل التماهي بين تعريف الفارابي وابن سينا والغزالي من الأمور البينة والواضحة، وإن كان تعريف الغزالي أرسطيًّا فإن التعاريف السابقة له لا تخرج عن هذا الحيز كذلك.

انتقل الغزالي بعد ذلك إلى تقسيم علم المنطق إلى فنون خمسة، واعتبار هذه الأقسام الخمسة فنوناً يدل على جانبها التنفيذي والصناعي، بمعنى أنها مهمات جزئية مترابطة لتحقيق غاية كلية ونظرية وهي الحدود والاستدلالات الصحيحة. وهذه الفنون حسب الغزالي هي على الترتيب:

1- الفن الأول: في دلالة الألفاظ، وفيه يحدد الغزالي الدلالات الثلاثة المعروفة وهي دلالة المطابقة، دلالة التضمن، ودلالة الالتزام. وفي هذا الفن الأول يذكر كذلك التقسيمات المختلفة للألفاظ وهي: المفرد والمركب، الجزئي والكلي، والفعل والاسم والحرف.

2- الفن الثاني: في المعاني الكلية واختلاف نسبها وأقسامها، وفيه يحلل الغزالي بأمثلة لغوية متعينة مختلف المحمولات المعروفة بالكليات سواء الجوهرية المتمثلة في الجنس والنوع والفاصل، أو العرضية المتمثلة في الخاصة والعرض العام... إلخ.

3- الفن الثالث: في تركيب المفردات وأقسام القضية، وهنا يعرف الغزالي القضية المنطقية قائلاً: إنها ناتجة عن تركيب المعاني المفردة (وهي الحد الذي يعتبر نتيجة تحليل القضية)، وهي الذي يتطرق إليه التصديق أو التكذيب، لذا نعتبر القضية جملة خبرية. والقضية ليست على نوع واحد، بل تنقسم إلى قضية حملية وإلى شرطية، هذه الأخيرة تحتمل نوعين من الشرط، التلازم والعناد أو ما يسمى بالشرطية المتصلة والشرطية المنفصلة. هذا، وهناك تقسيم آخر للقضية من جهة موضوعها وتنقسم إلى شخصية وغير شخصية، وهذه الأخيرة تنقسم إلى مهملة ومحصورة، والمهمل هو ما لم يكن له ابتداء أو سور. والتقسيم الأخير للقضية من جهة نسبة المحول إلى الموضوع تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي: الممكنة والممتنعة والواجبة[23].

4- الفن الرابع: في تركيب القضايا، وفي هذا الفن السابق للأخير يقدم الغزالي تعريف القياس قائلاً: «القياس عبارة عن أقاويل ألفت تأليفاً يلزم من تسليمها بالذات قول آخر اضطراراً، ومثال ذلك: العالم مصور وكل مصور حادث، فإنهما قولان مؤلفان يلزم من تسليمهما بالضرورة قول ثالث وهو أن العالم حادث...»، وبعد ذلك يقوم الغزالي بتحويل هذا القياس الحملي إلى قياس شرطي بشكليه المتصل والمنفصل. والملاحظ أن مطابقة الغزالي لأرسطو ليست في تعريف المنطق فقط، بل حتى في تعريف القياس الذي هو جوهر النظرية المنطقية ككل. بعد ذلك يقدم لنا الغزالي القياسات الاستثنائية المتمثلة في القياس الشرطي المتصل والقياس الشرطي المنفصل. وقياساً الخلف والاستقراء والمثال والقياسات المركبة. ومثارات الغلط التي حددها في عشر حالات، ويواصل الغزالي في تقديم الأحوال الخمسة للمقدمات.

5- الفن الخامس: وهو لواحق القياس والبرهان، وفيه يعرض الغزالي المطالب العملية وأقسامها والقياس البرهاني والأمور التي عليها مدار العلوم البرهانية وبيان شروط مقدمات البرهان.

وما يمكن أن نلاحظه بصورة عامة عند الخروج من قراءة هذا الكتاب المهم المسمى (مقاصد الفلاسفة) هو أنه كتاب منطقي بأتم معنى الكلمة. ففيه عرض منهجي لمبادئ وعناصر المنطق الأرسطي، ويمكن أن نعتبره كتاباً تقريريًّا، أي أن الغزالي قام بعملية تلخيص أمينة للمنطق كما وصل من أرسطو، سواء من حيث الترتيب أو حتى من حيث التسمية. فبنية فنون هذا الكتاب يمكن مطابقتها مع بنية رسائل الأورغانون؛ فكتاب المقولات يتطابق مع الفن الأول والثاني وهما «دلالة الألفاظ والمعاني الكلية»، وكتاب العبارة يتطابق مع الفن الثالث وهو «تركيب المفردات وأقسام القضايا»، والتحليلات الأولى تعادل الفن الرابع الذي خصص لـ: «تركيب القضايا»، أما كتاب البرهان فيتقارب مع الفن الخامس المخصص للواحق القياس والبرهان.

ويمكن أن نلاحظ أن رسالة دحض السفسطائية تتقارب مع نهاية الفن الرابع حيث ذكر الغزالي المثارات العشر للغلط. ومعظم الألفاظ المنطقية وردت على تسميتها المتعارف عليها سواء عند أرسطو أو فلاسفة الإسلام مثل الفارابي أو ابن سينا. فنجده يستعمل اصطلاحات منطقية بحتة مثل: العلوم المنطقية، والمنطقيات، والتصور والتصديق، الحد والقياس، الاستقراء والتمثيل، الدلالة، الألفاظ والمقدمات، القضية الحملية والقضية الشرطية، أشكال القياس الحملي... إلى غير ذلك من التسميات المنطقية التي تناقلتها اللغة العربية للتعبير عن مكونات المنطق الأرسطي. وهذا التوظيف المباشر والكامل للألفاظ المنطقية يعكس توجهاً أو موقفاً ما عند الغزالي مقارنة بكتبه اللاحقة.

2- معيار العلم في فن المنطق

يعلن لنا الغزالي عن السبب الذي دفعه لكتابة هذا المؤلف، فغرضا تأليفه هما: أولاً شرح طرائق التفكير والتأمل وتوضيح مسالك البرهنة والاستدلال، لأن النظر في العلوم على اعتبار أنه ليس معطى فطريًّا جاهزاً قد يؤدي إلى الخطأ، وقد يتوه الطالب في مطلبه، لذا: (رتبنا –يقول الغزالي– هذا الكتاب معياراً للنظر والاعتبار. وميزاناً للبحث والافتكار (...) إذ كما لا يعرف منزحف الشعر عن موزونه إلَّا بميزان العروض، ولا يميز صواب الإعراب عن خطئه إلَّا بمحك النحو، لا يفرق بين فاسد الدليل وقويمه وصحيحه وسقيمه إلَّا بهذا الكتاب»[24]. أما السبب الثاني فهو مرتبط بكشف المعاني المرتبطة بالاصطلاحات المنطقية التي أودعها الغزالي في كتاب (تهافت الفلاسفة).

ومن النصوص التي نحن ملزمون بتحليلها في (التهافت) قبل التطرق لكتاب (معيار العلم)، نأخذ النص الذي ذكره الغزالي في المقدمة الرابعة: «نعم قولهم: إن المنطقيات لا بد من أحكامها هو صحيح، ولكن المنطق ليس مخصوصاً بهم، وإنما هو الأصل الذي نسميه في فن (الكلام) (كتاب النظر) فغيروا عبارته إلى المنطق تهويلاً، وقد نسميه (كتاب الجدل) وقد نسميه (مدارك العقول). فإذا سمع المتكايس المستضعف اسم المنطق ظن أنه فن غريب لا يعرفه المتكلمون، ولا يطلع عليه إلَّا الفلاسفة، ونحن لدفع هذا الخيال واستئصال هذه الحيلة في الإضلال، نرى أن نفرد القول في (مدارك العقول) في هذا الكتاب، ونصبها في قوالبهم، ونقتفي آثارهم لفظاً لفظاً، ونناظرهم في هذا الكتاب بلغتهم –أعني بعبارتهم في المنطق–، ونوضح أن ما شرطوه في صحة مادة القياس في قسم البرهان من المنطق، وما شرطوه في صورته في كتاب القياس وما وضعوه من الأوضاع في (إساغوجي) و(قاطيغورياس) التي هي من أجزاء المنطق ومقدماته، لم يتمكنوا من الوفاء بشيء منه في علومهم الإلهية (...) ومن لا يفهم ألفاظنا في آحاد المسائل في الرد عليهم، فينبغي أن يبتدئ أولاً بحفظ كتاب «معيار العلم» الذي هو الملقب بالمنطق عندهم»[25].

إن هذا النص يعلن خطوة جديدة في فكر الغزالي، مقارنة بكتاب (مقاصد الفلاسفة). فإن كان هذا الكتاب الأخير عرضاً تقريريًّا لفنون ومصطلحات المنطق كما هي متداولة، فإن هذا النص في (التهافت) يبين مدى استقلال الغزالي عن الأصول المنطقية الاغريقية، وأول مظهر من مظاهر هذا الاستقلال هو التسمية. وقد قسم الغزالي كتاب (معيار العلم) أو (مدارك العلوم) كتسمية جديدة لعلم المنطق إلى أربعة أقسام أو كتب هي:

الكتاب الأول: في مقدمات القياس، وفيه يحلل أقسام النظر في القياس العلم اليقين. والبرهان هو نوع من أنواع القياس الذي يتكون من مقدمتين، وكل مقدمة تنحل إلى حدين هما الموضوع والمحمول. وهنا يشير الغزالي إلى أن جوهر المنطق كونه علماً تحليليًّا، وبهذا فهو يسير على نهج أرسطو، لأن القياس مركب، والنظر في كل ما هو مركب يقتضي ممارسة التحليل، الذي يكشف أن القياس ينحل إلى المقدمات، والتي بدورها تنحل إلى حدود أي الموضوع والمحمول، ثم أن كل مقدمة مركبة من مادة وصورة.

ويقسم الغزالي هذا الكتاب الأول إلى مجموعة من الفنون –على نهج كتابه الأول أي مقاصد الفلاسفة–، فالفن الأول هو في دلالة الألفاظ (المطابقة والتضمن والالتزام)، بعد ذلك يلجأ الغزالي بمنهج تعليمي إلى ذكر أمثلة توضيحية، وتقسيمات للقضايا وأنواعها وذكر لبعض أنواع الاستدلال المباشر خاصة العكس مع ذكر لبعض الحالات.

الكتاب الثاني: كتاب القياس، وبما أنه ينظر في تركيب القضايا لتؤلف أقيسة، فقد اعتبره الغزالي التركيب الثاني بعد الأول الذي يبحث في تركيب المعاني لتصبح قضايا. وإن كان القياس هو أحد أنواع الحجج في العلوم التصديقية إلى جانب الاستقراء والتمثيل، فهو ينقسم إلى أربعة أقسام هي: القياس الحملي، القياس الشرطي المتصل، القياس الشرطي المنفصل، وأخيراً قياس الخلف.

الكتاب الثالث: كتاب الحد، وفي هذا الجزء الثالث يعود الغزالي لنقطة البداية في مباحث المنطق كما هي مرتبة في (الأورغانون)، فيتحدث عن معنى التصور ومادته المتكونة من أجناس و أنواع، وصورته المرتبطة بإيراد الجنس الأقرب. بعد ذلك يعيد ذكر معنى التصديق أو علم التصديق الذي يفهم منه نسبة أو ربط الحدود أو الذوات بعضها إلى بعض إيجابا أو سلبا.

الكتاب الرابع: أقسام الوجود وأحكامه، وهو في العموم جزء مخصص لبحث العوارض الذاتية وغير الذاتية للموجودات ومحمولاتها المتمثلة في الجوهر والأعراض التسعة المتبقية، وقام بشرح مفصل لكل واحدة منها. بعد ذلك تطرق إلى التقسيم الأرسطي للقوة والفعل، والممكن والواجب الذي يشكل ما يسمى بمنطق الجهات لدى المعلم الأول.

وما يمكن أن نخلص إليه من نتيجة بعد الاطلاع على هذا الكتاب أنه عرض موضوعي لمنطق أرسطو، هذه الموضوعية التي لا تعني أكثر من النقل والشرح دون إصدار أي حكم قيمي سواء بالإيجاب أو بالسلب. رغم ذلك فإننا نلاحظ أن ترتيب مباحث المنطق لم يكن دقيقاً مثلما نجده في الكتاب المنطقي الأول المسمى (مقاصد الفلاسفة). فنجد مثلاً أن القسم الأخير والقسم السابق عليه قد خصصه الغزالي للحدود والمقولات، وهذا ما يطابق كتاب قاطيغورياس في الأورغانون والذي يحتل الكتاب الأول فيه وليس الأجزاء الأخيرة مثلما نجده في (معيار العلم). إلى جانب هذه الملاحظة نجد بوادر الإبداع عند الغزالي في تسمية المنطق، إذ نجده استعمل عبارة (مدارك العلوم) بعدما استعمل عبارة (مدارك العقول) و(كتاب الجدل) و(كتاب النظر) في مؤلف (تهافت الفلاسفة).

3- محك النظر

ولئن كان الدكتور علي سامي النشار يلخص موضوع هذا الكتاب بأنه: «لا يغلب عليه الجانب الكلامي، بل تسوده أبحاث أصولية، فيشرح قياس الدلالة والعلة. ثم يتكلم بعد ذلك عن مدارك الأقيسة الفقهية»[26]. فإننا بعد دراسة ومطالعة هذا الكتاب المختصر الصغير الحجم كما أشار واضعه ذاته في الخاتمة، نخالفه الرأي والحكم، لأن الغزالي فعلاً قد تطرق في الفن الثالث من القياس الذي عنونه بـ(اللواحق) إلى انقسام القياس إلى قسمين، وهما قياس دلالة وقياس علة، وهذا في الفصل الرابع. كما تناول في السادس والأخير من القسم نفسه: (حصر مدارك الأقيسة الفقهية).

لكن هذه المواضيع لم تكن هي الغالبة والمسيطرة على مجمل الكتاب، بل يمكن أن نجزم بأنها تمثل إشارات بسيطة جدًّا مقارنة بالمواضيع المنطقية البحتة. لذا يمكن أن نقرر أنه لا يغلب على الكتاب الجانب الكلامي ولا الجانب الأصولي، بل تسوده الأبحاث المنطقية.

وبعد الإعلان التمهيدي الذي قرر فيه الغزالي أن رباط العلوم كلها تكمن في الحد والقياس الصحيحين، ينتقل للجزء الأول معنوناً إياه بالقول في شروط القياس، وفيه يعرفه تعريفاً لا يختلف عن الكتب السابقة مثل (مقاصد الفلاسفة) أو الكتب اللاحقة مثل (المستصفى من علم الأصول) فيقول: «القياس عبارة عن أقاويل مخصوصة ألفت تأليفاً ونظمت نظماً مخصوصاً بشرط مخصوص يلزم منه رأي هو مطلوب الناظر، والخلل يدخل عليه تارة من الأقاويل التي هي مقدمات القياس إذ تكون خالية عن شروطها وأخرى من كيفية الترتيب والنظم وإن كانت المقدمات صحيحة يقينية، ومرة منهما جميعاً (...) وأقل ما ينتظم منه قياس مقدمتين، أعني علمين يتطرق إليهما التصديق والتكذيب».

وهذا التعريف يعكس التوجه التعليمي أو البيداغوجي عند الغزالي، إذ يأخذ التعريف الأرسطي الذي أورده في التحليلات الأولى أو في الجدليات ويقوم بشرحه وتبيان الشروط الصورية والمادية لصحة الاستدلال، كما يحدد المكونات الضرورية لكل قياس وهي الجملة الخبرية أو القضية.

ويلجأ الغزالي لتقسيم القياس إلى ثلاثة فنون، الفن الأول في السوابق الذي يتخصص بدراسة دلالة الألفاظ على المعاني ومختلف أنواع المطابقة، وأقسام الألفاظ المتنوعة. والمعاني المفردة ومختلف علاقاتها مثل المعاني التي تدل عليها الألفاظ إذا نسب بعضها إلى بعض وجد إما مساوياً لها وإما أعم منها وإما أخص منها. والمعنى الذي إذا نسب إلى معنى آخر وجد ذاتيًّا له أو لازماً أو عارضاً. وأنواع المعاني التي تنقسم إلى المحسوسة والمتخيلة والمعقولة.

وبعد ذلك يتناول الغزالي مبحث القضية باعتبارها المعنى المؤلف والذي يتطرق إليه التصديق والتكذيب. وهنا نلاحظ أنه لم يكتف بالمصطلحات المنطقية أو التي تداولها المناطقة، بل بيّن أن موضوع القضية ليس حكراً على علم المنطق بل هو من المواضيع المعروفة لدى بقية المفكرين، والمستعملة في التخصصات الأخرى، فنجده يقول: «يسمي النحويون أحدهما مبتدأ والآخر خبراً، ويسمي المتكلمون أحدهما موصوفاً والآخر صفة، ويسمي الفقهاء أحدهما حكماً والآخر محكوماً عليه، ويسمي المنطقيون أحدهما موضوعاً والآخر محمولاً. ولنصطلح نحن على تسمية الفقهاء فنسميها حكماً ومحكوماً عليه، ومجموعهما قضية»[27].

ويواصل إظهار تسميات أخرى مغايرة لتسميات المناطقة، مثل الحد الأوسط الذي يسمى هكذا عند رجال المنطق والذي يسمى بـ: العلة عند الأصوليين. أما القياس الحملي فيمكن أن يسمى بميزان التعادل والقياس الشرطي المتصل باسم نمط التلازم أما القياس الشرطي المنفصل فيسمى بنمط التعاند. وستظهر هذه التسميات بوضوح وجلاء في كتاب (القسطاس).

وهذا يعكس الخلفية الفكرية التي درس منها الغزالي علم المنطق، وهي الخلفية الفقهية بما هي موقف ديني واضح. أما الفن الثاني من فنون القياس فهو المقاصد، فإن كان التعرف على الحدود والقضايا مجرد تمهيدات سابقة وضرورية، فإن المقصد من المنطق هو القياس. وهو على طرفين حسب الغزالي؛ نظم القياس الذي أعاد فيه ذكر معنى القياس وشروطه مشروحة بالتفصيل. ومحك النظم وشروطه المرتبطة بالمقدمات أو القضايا.

والفن الثالث والأخير فهو مخصص للواحق مرتبطة بالبرهنة والقياس مثل القياس الشرطي المتفرع للتلازم والتقسيم والتعاند والاستدلال الاستقرائي والتمثيلي. وأهم المغالطات التي خصص لها الغزالي الفصل الخامس تحت عنوان: في حصر مدارك الغلط في القياس، كأن يكون الخلل في صورته أو تركيب قياس من جزئيتين أو سالبتين... إلخ. والقسم الثاني من الكتاب أفرده صاحبه لـ: محك الحد. وفيه تناول بالدراسة والتحليل والتمثيل الأجناس والأنواع ومختلف المقولات الكلية، كما عرض بعض المسائل المنطقية الخلافية التي وقع فيها أرسطو وتلاميذه ومختلف المؤولين لمنطق المعلم الأول حيث تحدث عن: «اختلاف الناس في حد الحد، فمن قائل يقول: حد الشيء هو حقيقته ونفسه وذاته، ومن قائل يقول: حد الشيء هو اللفظ المفسر لمعناه على وجه يجمع ويمنع...»[28].

4- القسطاس المستقيم

مقصود هذا الكتاب حسب إشارة الدكتور عبد الرحمن بدوي هو بيان ميزان العلوم. وبالفعل فإن تصفحه يكشف عن نظرة الغزالي للمنطق أو الميزان الصحيح، إذ نجده يقول: «هيهات، لا أدعي أني أزن بها –يقصد قوانين المنطق– المعارف الدينية فحسب، بل أزن بها العلوم الحسابية والهندسية والطبيعية والفقهية والكلامية. وكل علم حقيقي غير وضعي، فإني أميز حقه عن باطله بهذه الموازين وكيف لا وهو القسطاس المستقيم والميزان الذي هو رفيق الكتاب والقرآن...»[29].

وهذه النظرة تعكس مدى استيعاب الغزالي لدرس المنطق الأرسطي رغم كونه درساً لعلم وافد يثير الكثير من الشك والاحتراز. وهذا التقرير يتطابق مع ما أورده في تهافت الفلاسفة حين اعتبر المنطق «معيار العلم وآلة الفكر في المعقولات (...) لأن الناس في المعقولات سواء، لذلك كان معياراً لجميع العلوم أيًّا كان موضوعها». كما يطابق هذا ما ورد في معيار العلم عندما قال: «أن المنطق يشمل جدواه جميع العلوم العقلية منها والفقهية، فكل من لا يتزن بهذا الميزان ولا يعاير بهذا المعيار فاعلم أنه فاسد العبارة».

إن الكتاب الذي نحن بصدد الحديث عنه وهو (القسطاس المستقيم)، يختلف عن الكتب المنطقية السابقة من عدة نواح. فمن ناحية الشكل نجد الغزالي خلافاً لما تعودنا عليه يستعمل طريقة المحاورة في عرض أفكاره (طريقة «قال وقلت» التي اعتمدها أفلاطون في العصر اليوناني). فهو يبدأ هذا الكتاب كما يلي: «أحمد الله تعالى أولاً، وأصلي على نبيه المصطفى ثانياً، وأقول: إخواني هل فيكم من يعيرني سمعه لأحدثه عن شيء من أسماري، فقد استقبلني في أسفاري رفيق...».

النقطة الثانية المميزة لهذا الكتاب دون غيره من كتب الغزالي المنطقية، هي استعمال أسماء جديدة كل الجدة للتعبير عن الموازين المنطقية، فهو إن كان يستعمل في الكتب السابقة المصطلحات الجارية والمألوفة مثل الحد والموضوع والمحمول والقياس بأنواعه، نجده هنا ينحت منظومة اصطلاحية منطقية جديدة من إبداعه الخاص دون سواه. ففي هذا الكتاب كان الغزالي في غاية الحذر من استعمال الاصطلاحات المنطقية المعهودة ما عدا في حالات نادرة جدًّا مثل استخدامه عبارة (قضية). فقد استبدل اسم المنطق والقياس كجوهر له باسم (الميزان). والقياس الحملي يستبدله بـ: (ميزان التعادل)، أما القياس الشرطي المتصل فيسميه (بميزان التلازم)، وأخيراً القياس الشرطي المنفصل يفرده بتسمية هي (ميزان التعاند).

وأول سؤال يمكن طرحه هنا: ما هو غرض الغزالي من هذا التغيير الاصطلاحي أو التبديل البنائي دون تغيير المضامين العلمية أو المنطقية؟

يجيب الغزالي وكأنه كان ينتظر سؤالنا قائلاً: «أما هذه الأسامي –أي التسميات الجديدة للقياس وأنواعه- فقد ابتدعتها لأن الناس يهتمون بالظاهر وملاحظة غلاف الأشياء دون اللباب (...) لأنك لو سقيت عسلاً في قارورة حجام لم تطق تناوله لنفور طبعك من المحجمة، وضعف عقلك –هنا نلاحظ أنه يخاطب محاوره من أصحاب مذهب التعليم لكن ربما يوجه كلامه لفرق وفئات أخرى كذلك- عن أن يعرفك أن العسل طاهر في أي زجاجة كان (...) ولما رأيتك ورأيت رفقاءك من أهل التعليم ضعفاء العقول، لا تخدعهم إلَّا الظواهر نزلت –هنا نلاحظ أيضاً مدى استعلاء الغزالي عليهم- إلى حدك، فسقيتك الدواء في كوز الماء وسقتك إلى الشفاء (...) فهذا غرض في إبدال تلك الأسامي وأبداع هذه»[30].

هنا نفهم أن غرض الغزالي من هذا التغير في التسميات المنطقية دون التغير في مضمون العلم ذاته هو غرض تكييفي أي فعل أرضنة وأقلمة، بمعنى تقديم المنطق للعالم الإسلامي في قالب معهود وأقل غرابه مما يتصوره جمهور المسلمين. كما أنه أكد على ضرورة إخراج المنطق من الفلسفة، لكن ما الفائدة من الإعلان بأن المنطق ليس علماً فلسفيًّا؟ حسب منهج الغزالي الحاذق فإن إثبات هكذا أطروحة يحقق أعظم الفوائد.

لقد ظهر موقف عدائي من طرف الفقهاء تجسد في إصدار فتاوى تقضي بتحريم دراسة الحكمة اليونانية والمنطق كذلك باعتباره مدخلاً للفلسفة. لكن من سيستفيد من إلغاء الصفة الفلسفية للمنطق وجعله علماً مستقلاً بل وأصيلاً عند المسلمين؟ إنه المنطق ذاته، ففصله عن الفلسفة المحرمة معناه إسقاط حكم التحريم عنه، وتحريره من «ذهنية التحريم والتبسيط».

الخطوة الأخرى التي قام بها الغزالي في (القسطاس المستقيم) وهي خطوة يمكن القول دون خوف من الخطأ بأنها عمل أصيل قام به في زمنه، والأكثر من ذلك نجد بعض فلاسفة المسيحية يقومون بعمل مشابه تمام المشابهة له في سياق ديانتهم الخاصة. ونقصد بذلك عملية أسلمة المنطق، وقد أنجز الغزالي هذه المهمة الشاقة والمحفوفة بالمخاطر بالنظر لنتائجها المنجرة. لكن سنرجئ تفصيل عملية رد المنطق اليوناني إلى أصول قرآنية إلى عنصر لاحق.

5- المستصفى من علم الأصول

من عنوان هذا المؤلف ندرك بوضوح أنه ليس كتاباً منطقيًّا، لكن المتصفح للفصول الأولى التمهيدية يكتشف أن الغزالي أورد مقدمة مختصرة للمنطق، إن كانت في جوهرها لا تقدم أي جديد بالنظر للكتب السابقة، التي أودع فيها التقسيمات التي قدمها للمنطق، والتي لا تختلف من حيث الطبيعة والحقيقة عن التقسيمات الأرسطية والمشائية عموماً، مع تدخل بعض الأفكار الرواقية في المنطق والغرض منه أي رد المنطق إلى الأخلاق والحياة السعيدة.

كما يواصل الغزالي استعمال الاصطلاحات المنطقية ذات الصبغة الإسلامية بدل تسمياتها الأصلية، فنجده يتحدث عن (مدارك العقول) وهي تسمية أصولية تطابق غرض الكتاب ككل وهو علم أصول الفقه. كما يقابل بين اصطلاحاته الخاصة واصطلاحات المناطقة عندما يقول: «سمى المنطقيون معرفة المفردات تصوراً ومعرفة النسبة الخبرية بينهما تصديقاً»، لذا فهذه المقدمة -يواصل الغزالي- مخصصة لدراسة الحد والبرهان أو التصور والتصديق من حيث الشروط والأقسام بصورة مختصرة بالنظر لما تم تفصيله في كتابي (معيار العلم) و(محك النظر). وإن كان هذا التقديم قد ورد في موضوع خاص بعلم أصول الفقه، فهذا لا يعني أن المنطق تابع له ومحصور فيه، بل: «هذه المقدمة ليست من جملة علم الأصول ولا من مقدماته الخاصة به، بل هي مقدمة العلوم كلها ومن لا يحيط بها فلا ثقة له بعلومه أصلا»[31].

أما ملخص هذه المقدمة المنطقية البرهانية في كتاب علم الأصول، فهي مقسمة لثلاثة فنون مطابقة لما ورد في كتاب (محك النظر) مطابقة كلية وهي: الفن الأول في السوابق الذي يشمل تعريف البرهان والدلالة والمعاني والقضية. والفن الثاني في المقاصد المخصص لصور البرهان ومادته. والفن الثالث وهو اللواحق الذي خصص لأنماط البرهنة غير القياسية مثل الاستقراء والتمثيل... إلخ، والبراهين الأصولية الفقهية مثل برهان العلة وبرهان الدلالة[32]. ونظراً لهذا التطابق فلن نكرر المحتوى المفصل لهذه الأقسام المنطقية تكراراً خالياً من أي فائدة علمية.

 ثالثاً: من التقرير إلى الأسلمة؛ المهمة المحفوفة

من هذا العرض المقتضب لكتب الغزالي المنطقية نلاحظ أن حجة الإسلام قد انتقل من الأحكام التقريرية إلى الأحكام التقديرية، وتفصيل ذلك:

1- الأحكام التقريرية: نقصد بها الأحكام التي قررت ما قرره المعلم الأول أرسطوطاليس الأسطاجيري. بحيث عمل فقط على شرح مبادئ المنطق الصوري باللسان العربي والأمثلة القريبة من الثقافة العربية الإسلامية، وهذه المهمة هي التي تكفل بها بالتفصيل ابن حزم الاندلسي في كتابه المخصوص لذلك وهو (التقريب لحد المنطق).

إن الغزالي وهو تلميذ ثم أستاذ في المدرسة السلجوقية، قد أظهر قدرة عالية ورفيعة في فهم المنطق الأرسطي وتفهيمه للغير. يمكن القول هنا: إن الغزالي كان أميناً في عملية تدرسيه أصول المنطق الأرسطي. وقد تجاوز كل المشكلات التي كانت مطروحة حول ماهية المنطق الصوري بين العلم والفن، وبين الشكل والمادة... إلخ على اعتبار أنه ميز بدقة بين هذه المسائل، تمييز العارف والمدقق.

2- الاحكام التقديرية: بما هي أحاكم قيمة ومحاكمة وتقييم، وهي المرحلة الثانية من أحكام الغزالي. فلم يكتفِ بالعرض الموضوعي لتفاصيل علم المنطق، بل عمد إلى إصدار أحكام قيمة. ويمكن أن نلاحظ ضربين من القيمة تدل على قلق موقف الغزالي:

القيمة الإيجابية: وهي التي نجدها في كل الكتب التعليمية، ومختصر هذا الحكم هو القول الوارد في مقدمة المستصفى القائلة: «ومن لا يحيط بها فلا ثقة له بعلومه أصلاً».

القيمة السلبية: وهو حكم التقليل من أهمية المنطق في مجمل المسعي الذي رسمه الغزالي، بحيث يبدو المنطق طريقاً مسدوداً لا يؤدي إلى العلم اليقين. وهذا الحكم نجده في العموم في كتاب (المنقذ من الظلال).

وفي تقديرنا، فإن الانتقال من التقرير إلى التقدير يفسر الموقف الحذر من كل العلوم الوافدة باعتبارها علوماً إغريقية وثنية. كما يفسر قلق الغزالي من موقف الفقهاء بما هو تعبير عن موقف الأغلبية من مثقفي وعلماء الإسلام في عصره. وعدم جزم الغزالي بموقف واضح يعود إلى مهنته كأستاذ في المدرسة النظامية التي تكفلت بمحاربة فرق عقائدية أخرى خاصة الباطنية. كما يدل على أن الغزالي بوصفه أشعريًّا في المذهب، كان ملزماً بتقليل جزعة المنطق والحتمية العقلية ومن ثمة الحتمية الطبيعية، ويظهر هذا في مؤلف (تهافت الفلاسفة) عندما أنكر السبيبة الفيزيائية من أجل تبرير المعجزات الإلهية والرسولية وحتى الأولياء من الصالحين... إلخ عندما أعلن مقولته الذائعة بأن المشاهدة لا تدل على الحدوث بها، بل تدل فقط على الحدوث عندها.

وخاتمة الأحكام التقييمية التي حكم بها الغزالي المنطق الأرسطي، توجت بالمهمة التي سميناها (أسلمة المنطق) بما هي عملية رد الإبداع الأرسطي المزعوم إلى إبداع إلهي أصيل. وعملية أسلمة المنطق عند الغزالي تبدو أكثر تفصيلاً وتدقيقاً، حيث عمل على استخراج منطق قرآني أو موازين قرآنية بها نزن الصحيح من الفاسد، فإن كنا نطلب معلماً للمنطق، فلن نعثر عليه عند اليونان، فالإمام الحق هو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي تقيد بما ورد في القرآن بصورة كلية.

وقد أجمل الغزالي ثلاثة موازين موجودة في القرآن تطابق ما تحدث عنه أرسطو في نظرية القياس المنطقي، وهذه الموازين الثلاثة تنحل في النهاية إلى خمسة باعتبار أن الميزان الأول يضم ثلاثة (أضرب) أو أقسام وهي:

1- ميزان التعادل: ويقصد به الغزالي القياس الحملي باعتباره استنتاجاً غير مباشر فيه يتم الانتقال من مقدمتين إلى نتيجة بصورة ضرورية برابط يسمى الحد الأوسط. وهذه التسمية تشير إلى وجود كفتين هما الحدين الأكبر والأصغر مرتبطتين بعمود واحد ومشترك هو الحد الأوسط ويضم هذا الميزان ثلاثة موازين جزئية هي الأكبر والأوسط والأصغر، والتي تقابل الأشكال الثلاثة للقياس الحملي: الأول حيث يكون الحد الأوسط موضوعاً في الكبرى ومحمولاً في الصغرى. الثاني يكون فيه الحد الأوسط محمولاً في المقدمتين، وأخيراً الثالث أين يكون الحد الأوسط موضوعاً في المقدمتين.

وقد قدَّم الغزالي أمثلة قرآنية توضح وجه التطابق بين الآيات القرآنية وهذه الأشكال القياسية. والآيات الثلاثة التالية: {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}البقرة 258. {لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ} وقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} الأنعام 91. تقابل الأشكال الثلاثة للقياس الحملي المعروفة بالشكل 1 و 2 و 3. والتي تبين وضعية الحد الأوسط في المقدمتين كونه موضوعاً أو محمولاً.

2- ميزان التلازم: الذي يتطابق مع القياس الشرطي المتصل باعتباره قياساً مركباً من قضية شرطية تفيد اللزوم والاتصال وقضية حملية تعمل على إثبات أو نفي إحدى طرفي المقدم ثم نتيجة حملية. وقول الغزالي معرفاً هذا الميزان: «كل ما هو لازم للشيء فهو تابع له في كل حال، فنفي اللازم يوجب بالضرورة نفي الملزوم، ووجود الملزوم يوجب بالضرورة وجود اللازم، أما نفي الملزوم ووجود اللازم فلا نتيجة لهما، بل هما من موازين الشيطان».

وهنا نفهم أن الغزالي يقوم بعملية استبدال كلمتي المقدم والتالي باللازم والملزوم، أما مضمون وشروط هذا القياس فهو واحد سواء في المثال القرآني أو في الأمثلة الأرسطية أو الصورية. والآية القرآنية التي تقابل هذه القياس هي الآية 22 من الأنبياء: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ الله رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}.

3- ميزان التعاند: وهو الذي يقابل القياس الشرطي المنفصل، يحدده الغزالي كما يلي: «أن كل ما انحصر في قسمين فيلزم عن ثبوت أحداهما نفي الآخر ومن نفي أحدهما ثبوت الآخر، ولكن بشرط أن تكون القسمة منحصرة لا منتشرة، فالوزن بالقسمة المنتشرة وزن الشيطان» طبعاً فاستعمال كلمة الشيطان هنا مرادفة للفساد في القياس والخطأ في الاستنتاج[33]. ونجد في سورة سبأ، الآية 24 ما يقابل هذا النمط من القياس حيث يقول الله عز وجل: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، وشكل هذا القياس واضح وتفصيله هو:

المقدمة الكبرى: إنا أو إياكم (نحن أو أنتم) لعلى ضلال مُبين.

المقدمة الصغرى: ومن المعلوم أننا لسنا في ضلال مُبين.

النتيجة: إذن فأنتم في ضلال ُمبين.

* نتيجة

من هذا العرض المختصر للكتب المنطقية عند الغزالي، وللمهمة التي تكفل بإنجازها، نلاحظ ملاحظة نقدية وتقييمية النقاط التالية:

1- لم يكتف الغزالي ويلتزم بالمنهج العرضي الموضوعي، بل انتقل لإصدار أحكام قيمية عليه، بمعنى أن الغزالي في كتبه المنطقية تراوحت أحكامه بين التقرير والتقييم، فمعظم كتاباته المنطقية جاءت تعليمية، حيث فصل بأقسام وقواعد وأمثلة المنطق الأرسطي. لكنه كان من كتاب إلى آخر يعلن قيمة المنطق وقد قرر قيمتين. فنجده في مقدمة المستصفى يجعل المنطق مصدر الثقة في العلوم، كما يظهر قيمه الإيجابية من خلال تعريفه للمنطق. لكن في كتب أخرى مثل المنقذ من الضلال يبين محدودية علم المنطق في تحصيل هدفه المتمثل في العلم اليقين.

2- كما أنه عمل على البحث على أصول قرآنية للمنطق بدل أصوله اليونانية، ومن خلال بحثه عن الأصول القرآنية للمنطق التي وضعها في الأقسام الخمسة التي كشفها أو أعاد كشفها من القرآن الكريم، فإنه قام بعملية أسلمة المنطق وإرجاع جذوره لأصل ليس بالغريب أو الدخيل، بل هو من الأصول الأكثر متانة من بين كل الأصول الأخرى عند المسلمين. فإن شك البعض بالعلوم الدخيلة من اليونان أو غير اليونان، فإن المصدر الذي لا يمكن أصلاً الشك فيه هو القرآن الكريم الذي هو الكتاب الأول، والله سبحانه وتعالى هو المعلم الأول. وهنا نلاحظ أن التحديد الذي قدمه الدكتور الزواوي بغورة غير دقيق، إذ جعل ابن تيمية هو أول من قام بعملية إسلامية المعرفة، رغم أن الغزالي قد سبقه بأسلمة المنطق كأساس للمعرفة.

3- كما مارس عملية الاستبدال، أي استبدال الأسماء المنطقية الأصلية كما تمت ترجمتها وكما استعملها كل من الفارابي وابن سينا. فبدل تسمية المنطق المعتادة استعمل عبارة مدارك العقول، وبدل الموضوع استعمل المحكوم عليه... إلخ بحيث فضل التسميات المعتادة عند المسلمين بدل التسميات التي كانت حكراً على الفلاسفة المشائيين. وهذا يدل علة وضعيته الفقهية الثابتة.

4- قام الغزالي بعمل ذكي جدًّا وهو إخراج المنطق من حيز الفلسفة وجعله مستقلاً. وبذلك فقد أنقذه من فعل التحريم الذي التصق بالفلسفة، إذ نعلم أن الكثير من العلماء قد حرموا المنطق بسبب كونه مدخلاً للفلسفة، وبالتالي فإن فصله عنها يعني إسقاط حكم التحريم عنه.

5- الغزالي كمتصوف تجاوز المنطق، مثله مثل أي متصوف لم يرض بنهج الحدود والقضايا والأقيسة، بل جعل العمل لا العلم فقط هو طريق بلوغ الحقيقة اليقينية المطلقة والمتمثلة في معرفة الله تعالى.

في نهاية هذه المقالة، سنحاول تقديم مقاربات للأسئلة التي تم طرحها في التمهيد ومختلف المشكلات التي ظهرت في متن التحليل، كما سنحاول تقييم عمل الغزالي المنطقي في ضوء معطيات معاصرة، وبذهنية محينة رغم أن الحكم على الغزالي يجب أن يتحدد بالنظر لخصائص عصره، لأنه مهما بلغت العبقرية فإنها محكومة بظروف زمنية ومكانية لا يمكن أن تخرج منها، وإن خرجت فإنها لا تبتعد كثيراً، فالعبقرية المطلقة والمثالية أمر غير موجود في تاريخ الأفكار. لذا نقول ما يلي:

إن موقف الغزالي من منطق أرسطو كان متذبذباً وغير متحدد ذلك التحدد الدقيق الذي يجعلنا نرسمه بوضوح. وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على تأثر موقفه بالتطورات المعرفية التي مر بها وبأزمات الشك التي عصفت بتفكيره مرات كثيرة. لكن إن كنا نأخذ مواقف الفلاسفة من كتبهم الأخيرة، فإننا نقول: إن الغزالي وإن ارتضى المنطق اليوناني – الإسلامي وسيلة مقبولة في البحث والبرهنة، وإن أنتج جيلاً من الفقهاء وعلماء أصول الدين عمد إلى إدخال المباحث المنطقية في مجال تخصصهم؛ فإنه في النهاية قرر أن المنطق لا يمكن أن يكون هو الطريق المؤدي إلى الهدف الذي يصبو إليه كل مفكر عاش في القرون الإسلامية الأولى، أين كان بلوغ الحق والحقيقة وهما المعرفة الدينية اليقينية التي لا يتطرق إليها أدنى شك. وعدم صلاحية المنطق مماثل لعدم صلاحية الفلسفة وعلم الكلام والمذاهب الأخرى خاصة مذهب التعلم أو الباطنية. فالتصوف هو النهج المستقيم و «الطريق الموصل إلى ذي العزة والجلال؛ الله سبحانه و تعالى».

ومنه فإننا يمكن أن نقرر أن موقفه من المنطق الأرسطي قد جاء منسجماً في النهاية مع الخيط الفكري العام لفلسفته. فالعناصر المتشعبة لفكره الكلامي والفقهي والأصولي والتربوي والنفسي والطبيعي والمنطقي والفلسفي، كلها تذوب في النهاية وتشكل إشعاعاً واحد منيراً لطريق بلوغ الإدراك اليقيني المتمثل في الذات الإلهية. فالتصوف هو (طريق الغاية). وكتابه (المنقذ من الضلال) يشكل (مقالاً في المنهج) سابق لديكارت، لأنه يحدد لنا كل الطرق التي استعملها الفلاسفة إلى زمانه، كما بين عيوب كل طريق ومجمل نقائصه إلى أن عثر على الطريق الذي لا يمكن أن يكون ناقصاً وهو طريق التصوف.

لكن هل هدفه هذا كان معلوماً عنده منذ البداية أم أنه اكتشاف حصل بعد المغامرة؟ هذا هو التحدي الذي يجعلنا نحكم على قيمة تجربة الغزالي، فإن كان «طريق العلم اليقين» موجوداً في ذهن الغزالي منذ البداية، فإنه لم يقم بمغامرة فلسفية حقيقية، بقدر ما كان يبحث عن شيء كان يمتلكه قبل البحث أصلاً.

إن الإجابة عن هذا السؤال كامنة في سيرة حياة الغزالي ذاته. فالكتب التي تؤرخ لسيرته الفكرية تتفق أنه بعد وفاة والده وهو لا يزال صبيًّا، عهد به للمتصوفة، كما أنه درس علم الكلام وتعمق فيه على يد أحد كبار المتصوفين وهو الجويني. وهذا يعني أن النزعة الشكية الغزالية لم تكن جذرية بالدرجة التي اعتقدها هو ذاته، أو كما اعتقد معظم من ترجم لهذه الأزمة الريبية. فإن استطاع التخلص من الكثير من الأفكار الموروثة، وأن يعصف بالتقليد الذي ينشأ عليه كل إنسان، فإن التصوف الذي تلقاه في صباه لم تمسه هذه الثورة بأي خطر. فعقل الغزالي لم يكن محضاً بدرجة كاملة. نعم لقد أسقط العديد من الاعتقادات، لكنه لم يصل إلى المرحلة الفلسفية الحقيقية والجذرية وهي: «العقل المحض المنطقي البديهي ما قبل الثقافي» على حد صياغة الدكتور السوري عبد الرزاق عيد. إن الغزالي الذي حاول جاهداً أن يلغي كل شيء براديكالية تامة من أجل البداية من «صفر المعرفة»، قد فشل في كنس كل شيء، وتبقت أثار لم يكن هو واضعها.

وكل هذا يجعلنا نعتقد بأن موقف الغزالي من منطق أرسطو لم يكن موقفاً موضوعيًّا متحيزاً، بل على العكس من ذلك كان تبريريًّا. في ذهن الغزالي فكرة ساكنة مغروسة ومغروزة –وسواء كان واعياً بذلك أو غير واع– وكرس كل قدراته ومواهبه الجدلية والبرهانية والفلسفية وحتى الفقهية من أجل إثباتها. وبالتالي فلا انتمائية الغزالي -مثل ما لاحظ ذلك ابن رشد- هي مسألة مؤقتة فقط.

وقد لاحظ الدكتور محمد مهران أن دفاع الغزالي عن المنطق كان بدافع إيديولوجي واضح جدًّا. فانخراطه بالتدريس في المدارس النظامية أثر في نزاهة أفكاره، لأنه وجد نفسه وسيلة في أيدي سياسية وعقائدية، لأن المنطق هو من العلوم التي تعتمد بصورة حادة على إعمال العقل والاحتكام إليه بصرامة وعدم قبول أي تصور وأي تعريف أو أي برهان. ونحن نعلم أن مذهب الباطنية الذي هاجمه الغزالي، كان في الأساس بدوافع سياسية، فقد شعر خلفاء المسلمين آنذاك في بغداد بالأخطار الجسيمة التي أدى إليها أصحاب (الحسين بن محمد بن الصباح) الذي رابط في قلعة الموت، ونشر الرعب والخوف في السكان والجنود والخلفاء كذلك، وسهل دون وعي منه بدخول الغزاة المسحيين. لذا كان الواجب محاربتهم عقائديًّا، فوجدوا في المديرية النظامية التي يمتلكونها والعلماء المشتغلين فيها وسيلة لدحض أفكارهم النظرية. وإن كان مبدأ هذه الفرقة الخطيرة سياسيًّا هو الاعتماد على الشخص المعصوم من الخطأ بصورة كاملة، فإن أحسن هدم لهذا المبدأ هو الاعتماد على المنطق بدل الاعتماد على الإمام المعصوم، ضرورة إذكاء العقل بالمنطق بدل الاستسلام والاستقالة في التفكير لصالح الإمام. وبهذا فإن دفاع الغزالي عن المنطق لم يكن للمنطق ذاته، بل كان وسيلة لهدم مذهب عقائدي أو فرقة كلامية سياسية كانت تشكل خطراً على خلفاء المسلمين السلاجقة آنذاك.

وهذا يعني أن الغزالي لم يكن حرًّا بالمعنى الحقيق لحرية المفكر، وقد تفطن المعاصرون إلى الأضرار البالغة للتفلسف في منظومة شمولية وأيديولوجية. إن الانتماء إلى مدرسة متحزبة، أو إلى جامعة متوجهة يجعل الفيلسوف حرًّا من الناحية الفكرية حرية وهمية، له إمكانية المناورة الفلسفية داخل سياج مهما اتسع فهو ضيق لأنه سياج، ومجرد كونه كذلك فهو يضع حدوداً للفكر الذي لن يكون فكراً إلَّا إذا تحرر من كل توجيهات عقائدية أو سياسية.

كما أن الغزالي وهو ابن القرون الوسطى وبالتحديد القرن الخامس للهجرة المعادل للقرن الحادي عشر للميلاد، كان وفيًّا لخصائص هذه القرون حيث الفلسفة والمنطق وكل نمط فكري كان مجرد وسيلة لخدمة الدين. فكل علم ما عدا الشرع منها، كان علماً تحضيريًّا وأداتيًّا فقط، ومثلما وجدت هذه الصفة عند المسحيين، فكذلك نجد مفكري الإسلام قد رسموا علوماً هي غايات وعلوماً أخرى هي وسائل كالفلسفة والمنطق.

 



[1] ابن رشد: فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، تحقيق محمد عمارة، القاهرة: دار المعارف، الطبعة الثانية 1984، ص 52. وابن رشد: تهافت التهافت، القسم الأول، تحقيق سليمان دنيا، القاهرة: دار المعارف، الطبعة الثالثة 1980، ص 200 وما يليها. وابن طفيل: حي بن يقضان، تقديم الزواوي بغورة، الجزائر: موفم للنشر، الطبعة الثانية 1994، ص 16.

[2] ابن عربي: الفتوحات المكية، تحقيق وتقديم عثمان يحيى، القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، 1975، ج 2، ص 371. والنص هو كما يلي: «لقد دخلت يوماً بقرطبة على قاضيها أبي الوليد بن رشد، وكان يرغب في لقائي لما سمع وبلغه ما فتح الله علي في خلوتي، فكان يظهر التعجب مما سمع، فبعثني والدي إليه في حاجة قصداً منه حتى يجتمع بي، فإنه كان من أصدقائه... فعندما دخلت عليه قام من مكانه إليَّ محبة وإعظاماً فعانقني وقال لي: نعم. فقلت: نعم. فزاد فرحه بي لفهمي عنه. ثم استشعرت بما أفرحه من ذلك فقلت له: لا. فانقبض وتغير لونه، وشك فيما عنده. وقال لي: كيف وجدتم الأمر في الكشف والفيض الإلهي: هل هو ما أعطاه لنا النظر؟ قلت له: نعم، لا... فاصفر لونه وأخذه الإفكل، وقعد يحوقل...»، وقد قدم الدكتور ساعد خميسي من جامعة قسنطينة دراسة تحليلية وتفصيلية لهذا النص يمكن الاستفادة منها.

[3] الفارابي: الألفاظ المستعملة في المنطق، تحقيق محسن مهدي، بيروت: دار المشرق، الطبعة الثانية 1986، ص 110-111.

[4] ابن سينا: عيون الحكمة، تحقيق موفق فوزي الجبر، دمشق: دار الينابيع، 1996، ص 50.

[5] دي بور: تاريخ الفلسفة في الإسلام، ترجمة عبدالهادي أبو ريدة، بيروت: دار النهضة العربية للطباعة والنشر، الطبعة الخامسة 1981، ص 419.

[6] هنري كوربان: تاريخ الفلسفة الإسلامية، ترجمة نصير مروة وحسن قبيس، بيروت: عويدات للنشر والطباعة، الطبعة الثانية، 1998، ص ص 275 – 278.

[7] إرنست رينان: ابن رشد والرشدية، ترجمة عادل زعيتر، القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، 1957،ص 113.

[8] زكريا بشير إمام: الفلسفة النورانية القرآنية عند الغزالي، الكويت: مكتبة الفلاح، الطبعة الأولى، 1989، ص 61.

[9] حسين مروة: النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، الجزء الثاني (المعتزلة – الأشعرية – المنطق)، دار الفارابي و anep الجزائر، الطبعة الثانية 2002، ص 460.

[10] من النماذج على ذلك نجد: عبد الحليم محمود: التفكير الفلسفي في الإسلام، دار الكتاب اللبناني، ص 466. ومحمد على أبو ريان: تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام، الإسكندرية: دار الجامعات المصرية، 1970، ص 153. وصالح أحمد الشامي: الإمام الغزالي، دمشق: دار القلم، الطبعة الأولى 1993، ص 35 وما تلاها.

[11] الغزالي: المنقذ من الضلال، تحقيق جميل صليبا وكامل عياد، بيروت: دار الأندلس، ص 81. كذلك نجد الغزالي يختتم أحد كتبه المنطقية وهو (معيار العلم) بعبارة دعاء تعكس انهمامه بمشكلة تجاوز التقليد والخطو نحو التجديد، إذ يقول: «الله يوفق متأمل الكتابين (يقصد كتاب معيار العلم وكتاب ميزان العمل) للنظر إليهما بعين العقل لا بعين التقليد...» ص 222.

[12] الغزالي: المنقذ من الضلال، مرجع سابق، ص 84 – 85.

[13] المرجع نفسه، ص 97 – 98.

[14] الغزالي: تهافت الفلاسفة، تحقيق علي بوملحم، بيروت: دار و مكتبة الهلال، 2002، ص 43.

[15] الغزالي: المنقذ من الضلال، مرجع سابق، ص 127 – 129.

[16] المرجع ذاته، ص 133 إلى نهاية الكتاب.

[17] روبير بلانشي: المنطق وتاريخه من أرسطو حتى راسل، ترجمة خليل أحمد خليل، الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية – لبنان: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ص 85. ويان لوكاشيفتش: نظرية القياس الأرسطية من وجهة نظر المنطق الصوري الحديث، ترجمة عبد الحميد صبرة، الإسكندرية: نصر المعارف، 1961، ص 19.

[18] عبد الرحمن بدوي: منطق أرسطو، ج1-2-3، الكويت: وكالة المطبوعات – بيروت: دار القلم، الطبعة الأولى، 1980.

[19] Aristote: la métaphysique, traduit jules Barthélemy saint-hilare, poket-brodard et taupin, Paris, 1991, livre 4, chapitre 3, 1004 b, p 132.

[20] عبد الرحمن بدوي: مؤلفات الغزالي، الكويت: وكالة المطبوعات، الطبعة الثانية، 1977، ص216. والملاحظ أن الأستاذ علي سامي النشار قد اعتمد الترتيب نفسه مع تسبيق المستصفى على القسطاس، وهذا في الفصل الثامن المعنون بـ: «مزج المنطق الأرسططاليسي بعلوم المسلمين بواسطة الغزالي وموقف الغزالي من المنطق الأرسططاليسي». للتوسع في طرح وتحليل الدكتور علي سامي النشار يمكن العودة لكتابه: مناهج البحث عند مفكري الإسلام، بيروت: دار النهضة العربية، 1984، ص 167.

[21] الغزالي: مقاصد الفلاسفة، مصر: مطبعة السعادة، الطبعة الأولى، ص 3.

[22] روبير بلانشي: المنطق وتاريخه، مرجع سابق، ص 143.

[23] الغزالي: مقاصد الفلاسفة، مرجع سابق، ص 7 - 24.

[24] الغزالي: معيار العلم، مرجع سابق، ص 36.

[25] الغزالي: تهافت الفلاسفة، مرجع سابق، ص 40.

[26] علي سامي النشار، مرجع سابق، ص 171.

[27] الغزالي: محك النظر، ص 13.

[28] المرجع ذاته، ص 62.

[29] الغزالي: القسطاس المستقيم، ضمن مجموعة رسائل الإمام الغزالي، تحقيق إبراهيم أمين محمد، القاهرة: المكتبة التوفيقية، دون طبعة و دون تاريخ، ص 217.

[30] المرجع نفسه، ص 42 – 43. نقلاً عن محمد مهران: المنطق والموازين القرآنية.

[31] الغزالي: القسطاس المستقيم، مرجع سابق، ص 72 – 74. نقلاً عن محمد مهران: المنطق والموازين القرآنية، مرجع سابق، ص 25.

[32] الغزالي: المستصفى في علم الأصول، تحقيق محمد عبد السلام عبد الشافي، بيروت: دار الكتب العلمية، 1413هـ، ص 10.

[33] المرجع نفسه، ص 42.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة