تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

مؤتمر : سماحة الإسلام وفتنة التفكير

محمد تهامي دكير

 

مؤتمر: سماحة الإسلام وفتنة التكفير

بيروت عقد في 2 - 3 تمّوز (يوليو) 2013م

محمد تهامي ذكير

«التكفير اليوم سياسي وليس تكفيراً مذهبيًّا أو دينيًّا..

أما الخاسر الأكبرمن إثارة الفتن المذهبية وهذه المعارك

المصطنعة مع أعداء وهميين.. فهما الإسلام وفلسطين»

الشيخ د. عبدالله كتمتو - فلسطين

 

بعد أن تحوَّل التكفير إلى جرائم قتل وإبادة جماعية منظمة لكل مخالف في الدين أو المذهب أو الانتماء السياسي، وبعد أن كشفت ظاهرة التكفير الأبعاد السياسية والاستعمارية التي تقف وراءها، وأن الهدف من كل هذا السُّعار التكفيري المنظم عبر وسائل الإعلام والفضائيات، إنما هو التمهيد لإعادة تقسيم الوطن العربي على أساس ديني ومذهبي، كما يبشرنا مشروع الشرق الأوسط الكبير وخطط المستشرق الصهيوني الأمريكي برنارد لويس.

بعد كل هذا، وبعد أن اقترن اسم الإسلام بالإرهاب والوحشية التي تمارسها الجماعات التكفيرية التي تذبح الأطفال والنساء والشيوخ وتقطع رؤوس المخالفين المذهبيين والدينيين والسياسيين، باسم الدعوة الى الإسلام والتوحيد ومحاربة البدع وإقامة دولة الخلافة!! بعد هذه الفتن المذهبية والطائفية المتنقلة من بلد الى بلد والتي تكاد تحرق وتأكل كل أخضر ويابس في هذه الأمة.

تداعت ثلة من علماء هذه الأمة، ثلة من اتِّحاد علماء بلاد الشام، يجمعها إيمانها العميق بوحدة هذه الأمة والمصير المشترك لمكوناتها المذهبية والدينية والسياسية، تداعت هذه الثلة لعقد مؤتمر دولي علمائي في بيروت في 23-24 شعبان 1434هـ الموافق الثاني من شهر تموز/ يوليو 2013م، تحت شعار: «سماحة الإسلام وفتنة التكفير»، لمناقشة محاور ثلاثة: الإسلام والتعددية المذهبية، التكفير عبر التاريخ، التكفير ومعاناة الأمة في الوقت الراهن.

شارك في فعاليات المؤتمر بالإضافة إلى عدد من السياسيين والكتَّاب والصحافيين رئيس اتِّحاد علماء بلاد الشام الشيخ الدكتور محمد توفيق البوطي ومفتي موسكو البير كارغانوف، ورئيس هيئة إفتاء أهل السنة في العراق الشيخ الدكتور مهدي الصميدعي وممثلون عن الفصائل الفلسطينية.

بالإضافة إلى وفود علمائية من: سوريا، مصر، الأردن، العراق، السعودية، سلطنة عمان، تونس، إندونيسيا، ماليزيا، أفغانستان، ساحل العاج، سيراليون، نيجيريا، لندن، أستراليا، تتارستان، سلطنة بروناي، البحرين، تركيا، إيران، ولفيف من علماء الدين في لبنان.

ﷺ الجلسة الافتتاحية

انطلقت أعمال المؤتمر بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم ألقى منسق أعمال المؤتمر الشيخ محمد عمرو (المسؤول الإعلامي في تجمع العلماء المسلمين في لبنان) كلمة أشار فيها في البداية الى الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا ظهرت البدع فعلى العَالِم أن يُظهر علمه،» ثم تساءل: وهل هناك أكبر من هذه البدع التي تحاول حرف الإسلام السمح الذي جاء به النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)  رحمة للعالمين، وتحويله إلى دين نقمة وسيف ودم وعداوة وبغضاء وأحقاد.. وهل هناك غير العلماء الربانيين للوقوف سدًّا في وجه هذه الفتنة العمياء الطخياء؟ وعلماء بلاد الشام، هم علماء الرباط إلى يوم القيامة وهم علماء أكناف بيت المقدس حيث الوعد الإلهي... من هنا كان هذا المؤتمر المبارك بعنوان: (سماحة الإسلام وفتنة التكفير).

تحدث بعده رئيس اتِّحاد علماء بلاد الشام الشيخ الدكتور محمد توفيق البوطي فأكد على أهمية نشر كلمة الحق، ومعرفة الحكم الشرعي لحمل الأمانة، لأن الجهل في الحكم الشرعي أمر خطير، لا سيما لمن يتصدى للعمل في هذا الشأن.

وأضاف: إن الدعوة الإسلامية أمانة في أعناقنا ويجب أن نُؤدِّيها كما يجب وهي تدعو إلى الرحمة، وعدم الجهل، ونشر الكلمة الطيبة بالحكمة والموعظة الحسنة.. والاختلاف بين الناس أمر طبيعي، وهو ما حصل عند الصحابة، وفي ذلك حكمة إلهية كي يشحذ أهل العقل والعلم عقولهم في الشرح والتفسير...

كما انتقد التجرؤ على تكفير المسلمين الذي يعمد إليه البعض، وهو أمر لم يكن ليحصل أيام الصحابة والتابعين والسلف الصالح..، وصدورالفتاوى التكفيرية مؤخراً التي تبيح دماء الأمة بسبب الخلاف والإختلاف في المذهب أو الرأي السياسي..، مؤكداً أن هذه الفتاوى لا تستند إلى أي سند شرعي، بل جاءت على خلفيات سياسية.

وفي الأخير حذَّر الشيخ البوطي من أن الدعوة إلى مقاتلة المسلم إنما هي دعوة خطيرة ولن ينجو منها مطلقها، وحسابه أخطر أمام الله.

تحدَّث بعده الشيخ حسان عبدالله (رئيس المكتب التنفيذي في اتِّحاد علماء بلاد الشام) فأشار الى أن المنظمين لهذا المؤتمر يدركون معنى أن تكون الفتنة حرباً على الإسلام وليس بين المسلمين، هناك ابتلاءات كثيرة تتعرَّض لها وحدتنا، ولكن كل هذا كي ندرك معنى الثبات. لكن هل يجب أن تترك الأمور على حالها ؟.

وفي الأخير خاطب الشيخ حسان عبدالله المشاركين قائلاً: لقد تداعيتم من كل أصقاع العالم لدرء الفتنة، كما انتقد بعض السنة والشيعة وانخراطهم خلف غرفة عمليات تدير هذه الفتنة، وفضائيات تعمل على نشرها، وفتاوى التكفير ضد الغير وليس ضد الصهاينة.

كما دعا الشيخ حسان المسلمين إلى العودة للإسلام واستعادة الكرامة وَلَمّ الشمل وتأليف الفرقة وصلاح ذات البين، محذراً العلماء الحاضرين من مخاطر ما يحاك لهذه الأمة من مؤامرات، داعياً إلى التنبُّه والعمل على التواصل والتحرك لوضع استراتيجية وإيجاد إعلام فاعل ووحدوي ينشر قيم التآخي ويشجع على التقارب بين المسلمين كي تتحقق وحدة الدين ووحدة المسلمين وهذا هو الإسلام المحمدي.

بعده تحدَّث الشيخ تاج الدين الهلالي (مفتي أستراليا سابقاً) باسم علماء مصر فانتقد بشدة الفتنة العمياء والتي يتولى أمرها بعض العلماء.. مؤكداً «أن الإسلام أسمى من إعلان الحرب على أهل القبور، في حين أنهم يتمولون من سكان القصور»، كما استنكر ما تروج له وسائل الإعلام من فتاوى تكفر المسلمين.

وفي الأخير دعا الشيخ تاج الدين الهلالي الشباب المبرمج والمفخخ بألَّا يكونوا في خدمة مشاريع الغير، وإلى إنشاء جيش فلسطين لتوجيه جميع الطاقات من أجل القدس، ومشدداً على توحيد الكلمة والصف.

ثم ألقى سماحة الشيخ محمد علي التسخيري (الأمين العام السابق للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية)، ومما قاله: باسم علماء الجمهورية الإسلامية الإيرانية شيعة وسنة أبارك لعلماء بلاد الشام هذا المؤتمر وهذه الفكرة في هذه الظروف، ونحن على أعتاب شهر رمضان الكريم، شهر التكافل والتواصل والوحدة والصفاء والدعاء والفناء في حب الله.

كما شدَّد على ضرورة تجنب مجتمع الطواغيت، والعمل على تربية الإنسان المسلم على وعي الوحدة والإيمان، والوحدة الإسلامية وتركيزها، مؤكداً أن الدعوة إلى الوحدة لا تنسجم مع التكفير، لأن التكفير ضد الوحدة والحرية في الاجتهاد والتسامح والمحبة، وإن الذين يؤمنون بفكرة التكفير يعرفون ذلك كما قال.

وفي الأخير وجَّه الشيخ التسخيري انتقاده لمن يحرض الشباب على الجهاد في سورية؛ لأن هذه الفكرة خطيئة كبرى، وسيتحمل هؤلاء المحرضون مسؤولية هذا القتل والتفجير والتدمير الشامل الذي تتعرَّض له سورية.

الشيخ مهدي بن أحمد الصميدعي (رئيس هيئة إفتاء أهل السنة في العراق) رأى في كلمته أن التكفير دمار في معناه وفي اسمه، معتبراً أن التكفير قد صار لغة يومية شاذة عن الدين. كما تحدث عن الاختلاف مع الجماعات التكفيرية وبُعدها عن سماحة الإسلام.

وتحدث الشيخ نعيم قاسم وممَّا قاله: من فوض المكفرين ليكونوا رعاة لهذه الأمة يعيثون فيها الفساد ويتدخلون بخلاف أمر الله تعالى، الفتنة المذهبية والتكفيرية وجهان لعملة واحدة.

وأضاف من نصب هؤلاء من أجل أن يحاسبوا الناس ويُميِّزوا بينهم بإدخال بعضهم إلى الجنة وإدخال الآخرين إلى النار،.. صورتهم لا تنسجم أبداً مع صورة الإسلام، صورة الإسلام هي التي تنعكس على كل مفردات السلوك، أما الصورة الوحشية، وفرض الفهم الإسلامي بالقوة، وقتل المخالفين فهو خارج عن صورة الإسلام والإسلام من هذه الصورة براء. حتى عندما دعا إسلامنا العظيم إلى الجهاد في سبيل الله تعالى، إنما دعانا للدفاع المشروع بالصورة الإنسانية التي تُعطي أرقى معاني المواجهة مع الأعداء، فلا يجهز على الجريح، ولا يلاحق الهارب من المعركة كتعبير عن شرف القتال وشرف المواجهة.

نعم -يقول الشيخ نعيم- هناك مجاهدون في سبيل الله قدَّموا في زماننا نموذجاً راقياً رائعاً أذهل البشرية جمعاء، لأنه أعاد إلى الذاكرة تلك التعاليم العظيمة لإسلامنا الحنيف، عنيت بهم أولئك الذين قاوموا عدو الله إسرائيل، وواجهوا بكل صلابة وصدق، قالوا، لا إله إلا الله، وقاتلوا، وآمنوا برسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)  وواجهوا، وإذ بهم يدحرون إسرائيل ويحققون شرف الأمة ونصرها وعزتها وتحرير أرضها.

نعم هذه المواجهة هي التي تُعطي العنوان لأولئك الصادقين الذين يعملون في درب الحق، علينا أن نواجه المشروع التفتيتي لبلاد المسلمين، الذي يحاول أن يبني شرق أوسط جديد ليهيمن من خلاله على مقدراتنا وعلى أجيالنا، ونحن مسؤولون أن نضع حدًّا لهذا العمل الإجرامي.

وأضاف: التكفير مشروع عبثي لا أفق له، هو يحقد على كل من حوله، وهو انحراف تربوي واضح، لا يمكن أن نقبل بأن يكون هذا المنهج هو السائد في بلادنا، وهو الذي خربها وعمل فيها الفتن والمشاكل والمصائب التي لا تُحصى ولا تُعدُّ...ماذا تقولون عن تفجيرات العراق في الأسواق والمساجد، أليست هذه الأعمال تذكرنا بأعمال إسرائيل في دير ياسين وباقي القرى الفلسطينية قبل أن تُحتل من قبلهم؟ هل تريدون تحقيق الأمن والحقوق والدولة بقتل الناس ونبش قبور الصالحين، وأكل القلوب والأكباد، إنكم تُخرِّبون على الناس وعلى مستقبلهم.

وعندنا في لبنان فتنة متنقلة يحاول البعض إثارتها بين حين وآخر، ويحرضون عليها ليل نهار، من أجل أن يحققوا الفوضى، ومن أجل أن يأخذوا بلدنا إلى المجهول. البعض يسلك المسار التكفيري تحت عنوان أداء الدور الذي ينقذ البلد، كيف تنقذون هذا البلد وأنتم تعيثون فيه فساداً وإرهاباً وتحريضاً.

بالله عليكم –يقول الشيخ نعيم قاسم- أية صورة قدمها المجاهدون وما هي الصورة التي قدمها التكفيريون؟ صورة المجاهدين: تحرير وعزة وكرامة ووحدة والتحام وتكبير موحد، وإيمان موحد، وقرآن واحد وموقف واحد في مواجهة التحديات وتربية لأجيال الأمة حتى تكون على طاعة الله وعلى خط الاستقامة..أما صورتكم أيها التكفيريون فصورة القتل والإجرام والبشاعة والتخريب ونشر الفساد، هل هذه الصورة هي صورة الإسلام؟! لا والله ليست هذه صورة للإسلام.

تحدث كذلك في هذه الجلسة الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية الدكتور جعفر عبد السلام من مصر، فحذر من مخاطر الفتن المذهبية على واقع الأمة ومستقبلها ودعا إلى نبذها والعمل على تحقيق الوحدة والتقارب بين المسلمين..

أما مفتي سوريا الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسون فقد خاطب الحضور من العلماء معرباً عن سعادته بهذا اللقاء في لبنان الذي أعادنا إلى الجذوركما قال، مؤكداً «أن خريطتنا الوطنية رسمتها آية قرآنية وليس سايكس بيكو».

وتساءل: لماذا لا نقرأ التاريخ كي نصوغ المستقبل؟ فقد توقفت الفتوحات عندما أطلت الفتن برأسها وعندما تم اغتيال الخلفاء الراشدين، وعندما تحوَّلت الخلافة إلى ملك في خدمة السياسة...

وفي الأخير دعا كل اتِّحادات علماء المسلمين في الدنيا والأزهر ورابطة العالم الإسلامي إلى عقد اجتماع في دمشق وليس في جنيف، «كي تكونوا أنتم من يصلح بين الناس».

ألقى بعده الشيخ عبد الله كتمتو كلمة علماء فلسطين، فأكد في البداية أن «التكفير اليوم سياسي وليس تكفيراً مذهبيًّا أو دينيًّا.. التكفير اليوم ليس قراراً فقهيًّا وإنما سياسي.. أما الخاسر الأكبر من إثارة الفتن المذهبية وهذه المعارك المصطنعة مع أعداء وهميين فهما الإسلام وفلسطين» كما قال.. وأضاف: «في الفتن سوف نخسر عمائمنا أكانت سوداء أم بيضاء إذا لم نواجهها..»، ثم طالب في الأخير بعدم الوقوف مع أنصاف الحلول لأنها بداية تقسيم المقسم لمنطقتنا المستهدفة من العدو الصهيوني وحلفائه.

ثم تحدث الشيخ ماهر حمود (إمام مسجد القدس في صيدا) فأشار الى مجموعة من النقاط يمكن أن تصبح جزءاً من خريطة عمل لمواجهة الواقع السيئ الذي تتخبَّط فيه الأمة اليوم، ففي نظره أولاً: التكفير ليس جديداً، ولكن الجديد اليوم أن التكفيريين يستعينون بأعداء الأمة. وثانياً: لا مجال لتوحيد الفقه إلَّا بإرادة الله، لذا علينا قبول بعضنا بعضاً.

أما الكلمة الأخيرة فقد أُعطيت لمفتي تتارستان الشيخ كامل سميع الله الذي لم يخرج عن سياق جميع الكلمات التي حذَّرت من الفتن المذهبية، ودعت إلى توحيد جهود الأمة لمواجهة والتحديات الكثيرة التي تواجهها.

ﷺ الجلسة الأولى

لمناقشة المحور الأول: الإسلام وتعددية المذاهب، انطلقت أعمال الجلسة الأولى التي ترأسها الشيخ أكرم بركات (من لبنان) وتحدث فيها في البداية الشيخ جواد الخالصي (العراق) عن: «تعدد المذاهب في ظل وحدة الأمة الإسلامية»، فاعتبر أن هذا اللقاء مهمًّا ومفصليًّا في ظروف الأمة الحالية، وتمنى أن يكون ردًّا حكيماً ودعوة صالحة على اللقاءات التي عقدت لإحداث الفتنة في الأمة، وأن تكون الرسالة من هنا رسالة حب وإخاء ووئام ووحدة صادقة فاعلة لكي نجمع الأمة على طريق الحق لمواجهة الأخطار المحدقة بها.

الشيخ الدكتور محمد شريف الصواف تحدَّث عن: «أسباب ظهور الهوية التكفيرية»، حيث أشار في البداية إلى أن وحدة الأمة من أهم مقاصد الرسالة الإسلامية، فقد أرسل الله النبي الأمي (صلى الله عليه وآله وسلم)  ليُوحِّد الأمة، وبناء الحضارة الإسلامية العالمية، وقد استطاع الإسلام أن يُحقِّق المعادلة الصعبة التي لا تصلح الحياة إلَّا بها... وأضاف نستغرب اليوم أشد الاستغراب عندما نرى هذه الظاهرة التكفيرية التي بدأت تفتك في جسد الأمة. الإسلام والقرآن والأحاديث تتحدَّث عن الوحدة مع بعض الاختلاف،..

ثم تساءل الباحث عن سبب ظهور ظاهرة التكفير وانتشارها بحيث أصبحت اليوم تُهدِّد وجود الأمة؟ وأجاب بأن سببها يكمن في ضحالة العلوم الشرعية عند دعاة التكفير.

الشيخ الدكتور حسام الدين فرفور(سوريا) تحدَّث عن: «الحكم بالإسلام والكفر في ضوء السيرة النبوية»، فأكد أن: «ما يسمى اليوم بالأصولية الدينية تجتاح العالم، والعالم يئن من التداعيات السلبية لانتشار هذه الأصوليات الدينية، وكما تعلمون هذه الأصولية الدينية تتميز باعتقاد الأصولي أنه وحده يملك الحقيقة دون سواه وأنه وحده المؤتمن عليها، وهنا تكمن المشكلة، ومن خالفه فهو كافر مبتدع مشرك إلى النار وبئس المصير...».

وفي الأخير رأى الباحث أننا بحاجة إلى وحدة تجتمع فيها القلوب والأرواح والأهداف والمنطلقات رغم التعدُّد والتنوُّع في الرؤى والاجتهادات، وهذه الوحدة هي التي تُحقِّق مصالح الأمة وشعوبها.

الدكتور الشيخ أحمد محمود كريمه (مصر) تحدث عن: «حقيقة التكفير وحكمه». فعرف في البداية ما هو التكفير؟ مؤكداً أن التكفير يُعتبر من الجرائم العظمى المحرَّمة المجرَّمة. وقد دعا الشيخ كريمة الأمة إلى التنبُّه لمخاطر ومضار التكفير، وحثَّ على تجريمه لما ينجم عنه من تداعيات سلبية على الوحدة الاجتماعية للأمة.

كما أشار إلى أيادي التكفير التي بدأت تمتد الآن إلى الأزهر الشريف وتتَّهمه بفساد العقيدة، وهي تحاول أن تجعل حائطاً بين الأزهر الشريف والناس. كما كشف عن وجود خمس عشرة قناة فضائية ممولة تحاول تشويه الأزهر وتشنّ أبشع الحملات عليه، داعياً إلى إنقاذه.

الورقة الأخيرة في هذه الجلسة وهذا المحور قدمها الشيخ بلال شعبان (لبنان) تحت عنوان: «الهوية الإسلامية في ضوء القرآن الكريم والسُّنَّة المطهرة»، ومما جاء فيها قوله: عندما تبحث عن الروابط التي تجمع الناس فيما بينهم يقول لك الإمام علي: الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.. إن مشروع الإسلام كما يرى الباحث، هو التركيز على جمع الناس والتأليف بينهم من خلال الالتقاء على المشتركات الإنسانية والدينية، وهذا الذي يميّز المشروع الإنساني الإسلامي العظيم...

من هنا -يقول الشيخ شعبان- فمشروعنا كمسلمين هو البحث عن نقاط الالتقاء للانطلاق منها... أما المشاريع الأخرى فهدفها هو التشجيع على الاختلاف والاقتتال بين المسلمين، تمهيداً لتقسيم وتجزيء دولهم ونهب ثرواتهم..، إن ديننا العظيم يحض على الالتقاء أما مشروعهم فهو مشروع تفتيت وتشرذم.. اليوم البقعة الوحيد الآمنة هو الكيان الصهيوني الغاصب لأننا بدلنا أولوياتنا فأصبحت هويتنا الإسلامية هوية مظهرية، من هو العدو حتى نعاديه ومن هو الولي حتى نواليه، يفترض أن يكون القرآن هو من يحدّده لنا، وليست السياسات المشبوهة.

ﷺ الجلسة الثانية

ولمناقشة المحور الثاني: التكفير عبر التاريخ، عقدت الجلسة الثانية التي ترأسها الشيخ حسان عبدالله (لبنان)، وتحدَّث فيها في البداية السيد عبد الله نظام (سوريا)عن: «الخوارج وبداية التكفير في التاريخ الإسلامي». في البداية أشار السيد نظام الى أن حركة الخوارج ظاهرة مقلقة خارجة عن النظام العام في للإسلام، ومثَّلت جرحاً نازفاً على مدى قرون من حياة الأمة الإسلامية ولا تزال جذورها الفكرية تعمل عملها حتى الساعة، وقد تفطَّن لذلك الإمام علي (عليه السلام) عندما قال له بعض أصحابه بعد معركة النهروان: «لقد أبدناهم يا أمير المؤمنين، قال: لا والله، إنهم في أصلاب الرجال»، أي إن الرجال يموتون لكن الأفكار لا تموت، فالفكر يخبو لكنه لا يموت، وكثيراً ما يعاود الفكر المكبوت إعادة إنتاج نفسه كلما سنحت له الفرصة وتوافرت له الظروف.. وفي الأخير دعا السيد نظام إلى العمل من أجل الوحدة الإسلامية ونشر القيم الوحدوية بين المسلمين.

ثم قدَّم الشيخ ماهر حمود (لبنان) ورقة بعنوان: «الحكم بالإسلام والكفر في ضوء السيرة النبوية»، فقال: علينا ألَّا نستغرب من وجود التكفيريين ولكن علينا أن نقوم بدور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  والأئمة والفقهاء لأن وجودهم مثل الميزان في الأرض، ونحن لنا تجارب مع بعض هؤلاء (التكفيريين) فمنهم من كان تكفيريًّا ويستعجل استعمال السلاح والقتل والاغتيال.. لكن بشيء من الحوار وبشيء من الشدة أحياناً أتينا ببعض هؤلاء إلى الطابق السلمي وبعضهم اليوم يؤدي دوراً هامًّا في حقن الدماء في المنطقة التي يتواجدون فيها...

ثم تناول الكلمة بعده الشيخ الدكتور سمير الشاوي (سوريا) عن: «أئمة المذاهب ومواقفهم من التكفير»، فتحدَّث عن أنواع الكفر، الذي ينقسم في نظره إلى نوعين:

الأول: كفر يُخرج عن الملة، ويُطلق عليه اسم الكفر الاعتقادي أو الحقيقي، وهذا النوع من الكفر يوجب للإنسان الخلود في النار بالنسبة لأحكام الآخرة.

الثاني: كفر لا يُخرج عن الملة ويسمى الكفر العملي أو المجازي، وهذا النوع من الكفر يوجب لصاحبه الوعيد دون الخلود في النار على أنه لا ينقل صاحبه عن ملة الإسلام.. ومن خلال هذا التقسيم انطلق الباحث لينتقد ظاهرة تكفير المسلمين بسبب الاختلافات الاجتهادية، والتداعيات السلبية لهذا التكفير على وحدة الأمة الدينية والاجتماعية التي هي من أهم مقاصد الشريعة.

تحدَّث بعده الشيخ محمود عبده (سلطنة عمان) عن: «أسباب وتواصل التكفير»، وممَّا جاء في ورقته: إذا كان الله تعالى فطرنا على الإسلام، فإن إطلاق كلمة الكفر على عواهنها شيء دخيل على كيان المؤمنين، غريب عن طبعهم، يرفضه القلب الطاهر والضمير الحي ولا تنسجم معه الفطرة السوية، فكلمة الكفر جرثومة دخيلة على قلب العبد يُهاجمها ضميره الذي هو جهازه المناعي، كما تدافع كرات الدم البيضاء عن الجسم. لهذا امتنَّ الله علينا بأن شرح صدورنا للإسلام لأن قلب المسلم يسع المخالف والموافق، أما مريض القلب فإنه ضيِّق الصدر لا يحتمل الآخر، لأن الشيطان أوهمه أن الآخر يزاحمه في إيمانه فأطلق عليه كلمة الكفر دون أن يتبيَّن..

كما تحدَّث الباحث بالتفصيل عن مخاطر ظاهرة التكفير ودعا العلماء للتصدي لها والكشف عن الشبهات التي يتشبَّث بها دعاة التكفير وأصحاب الفتاوى التكفيرية.

الشيخ محمد هلال (مصر) قدم ورقة تحت عنوان: «مواجهة التفكير بين مسؤولية الأمة ومسؤولية المذاهب». وممَّا جاء فيها: كل إنسان مسلم مطالب بالحفاظ على إيمانه من النواقض التي تنقضه وتهدمه ولكن معرفة ما يتربص بإسلام المؤمن وخروجه عن ملة الإسلام سلاح له حدان، حد نافع وحد جارح، أما الحد النافع فيكمن في التعرف إلى ما يقتضي كفر المسلم وردته، أما حدُّه الآخر وهو الحد الخطير فإنه يكمن بالتسرُّع في تكفير المسلمين. من هنا يجب أن نتثبَّت ونحتاط في هذا الأمر كثيراً، ولا نتسرَّع في تكفير المسلم؛ لأن تداعيات هذا التكفير خطيرة ومدمرة للمجتمع المسلم كما تلقي بضلالها السلبية على الإسلام والدعوة إليه في الوقت الحاضر.

الورقة الأخيرة في هذه الجلسة قدَّمها الشيخ علي خازم (لبنان) عن: «وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ودورها في فتنة التكفير»، وقد أكد الباحث أن ما ينبغي التركيز عليه هو أن العلاقة المبحوث عنها هنا هي علاقة بين واقعين: واقع وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي من جهة، وواقع حالة التكفير من جهة أخرى، فالتكفير حالة نعيشها اليوم وتتكاثر وتتسع وكذلك وسائل الإعلام إلى جانب وسائط التواصل الاجتماعي أدوات موجودة وهي في حالة تكاثر وانتشار. لذلك يجب أن يكون لعلماء الدين موقف يحدّد من خلاله بروتوكول خاص أو ميثاق خاص للتعاطي بين المؤسسات الإعلامية المرتبطة دينيًّا تجاه بعضها بعضاً وتجاه العمل الإعلامي...

وفي نظر الباحث هذا الميثاق إذا ما التزمت به وسائل الإعلام فإنه سيساهم في انحسار ظاهرة التكفير والحد من سلبياتها؛ لأن الإعلام هو من ينشر فتاوى التكفير وهو من يعمل على تأجيج الفتن المذهبية عندما يُروِّج لأخبار تساهم في هذا التأجيج. وهذا المطلب دعا اليه عدد من رجال التقريب بين المذاهب في أكثر من مؤتمر، وهذه مسؤولية رجال الإعلام والمشرفين عليه الذين يجب أن يعلموا أنهم مشاركون في كل قطرة دم تسقط جراء أي صراع مذهبي أو طائفي.

ﷺ الجلسة الثالثة

لمناقشة المحور الثالث: التكفير ومعاناة الأمة في الوقت الراهن، عقدت الجلسة الثالثة التي ترأسها الشيخ خضر شحرور (سوريا)، وقد تحدَّث فيها في البداية الشيخ نعيم قاسم (لبنان) عن: «مسؤولية السلطات السياسية والحركات الإسلامية في مواجهة الفكر الظلامي التكفيري»، ومما جاء في ورقته: أولاً من المهم أن ننطلق من تثبيت المسلمات التي تعتبر من القواعد والأولويات التي تصبح من الأمور الواضحة التي لا نقاش فيها، بحيث ينطلق الجميع منها في أي عملية نقاش أو في أية عملية مواجهة، وهذا الانطلاق من المسلمات يستلزم أمور خمسة:

1- أن نؤكد الانسجام مع الإسلام.

2- إيجاد مناخ عام يُبرز سماحة الإسلام.

3- تعزيز مرجعية المراكز الدينية الأساسية كمصدر للحكم الشرعي.

4- الترويج والاعتماد على النموذج الجهادي الإسلامي الإيجابي.

5- العمل الحثيث لإبراز الأولويات الأربعة عند المسلمين: (الوحدة، فلسطين، مواجهة مطامع الاستكبار، الاستقلال).

بعده تحدَّث الشيخ تاج الدين الهلالي عن: «معالم التفكير لمواجهة التكفير»، وقد أشار إلى تجربته في هذا المجال قائلاً: فمن واقع تجربتي الدعوية التي ناهزت الخمسين عاماً، ومعايشتي ومواكبتي لمسيرة العمل الوحدوي التقريبي لأكثر من ثلاثين عاماً.. وبعد دراسات مستفيضة لفكر آل البيت A ومطالعات فاحصة ثاقبة لفكر الحركات الإسلامية بسلفها وخلفها، وما أنتجته من فرق وجماعات على مختلف مشاربها ومذاهبها.. أقول: نعم، إن التقيُّد والالتزام في فهم القرآن الكريم بفهم سلفنا الصالح في الأحكام القطعية المتصفة بالدوام والثبوت أمر واجب التطبيق والالتزام، أما المسائل الشرعية الفرعية التي سُوِّغ فيها الاختلاف فإن مصالح العباد والمستحدثات في حركة حياتهم تستلزم التطور والتجديد.

أما قول البعض بوجوب بقاء الأمة (معتقلة جامدة محصورة) في دائرة فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم للكتاب والسُّنَّة. فهذا حَجْر على العقول وتجميد للمتغيرات.. ذلك أننا مطالبون بالاتفاق والاجتماع على الأهداف والغايات ولكننا قد نختلف كثيراً مع سلفنا الصالح في الوسائل التي تحقق هذه الأهداف، وهذا من المسلمات البَدَهِيَّة التي يُدركها جميع العقلاء، كما أن المولى تبارك وتعالى قد طالب الأمة وكلَّفها بالتآلف بين قلوب أبنائها، والتآخي والتعاون على البر والتقوى، وتبادل المنافع والمصالح بين أبنائها مهما تعدَّدت مذاهبهم وطوائفم وتياراتهم الفكرية والسياسية.

الشيخ حسن التريكي (من الكويت ) قدَّم ورقة بعنوان: «علماء الأمة في مواجهة فتنة التكفير: الدور والآليات»، وممَّا قاله فيها: قبل الحديث حول أسباب التطرُّف وعلاجه نود أن نؤكد أن الفتنة الطائفية هي أهم وأخطر سلاح بيد أعداء الإسلام، ويتميَّز هذا السلاح بأنه رخيص ولا يحتاج إلى تصنيع ولا تدريب ولا نقل، وهو سهل وسريع الاستعمال، فكل ما يحتاج إليه هو ساحة يسيطر عليها الجهل، وهذا العنصر متوفر في بلداننا بشكل كبير بجهود الحكام العملاء الذين عملوا على تجهيل الأمة حتى وصلت مستويات الجهل إلى أعلى المستويات في العالم.

كما يمتاز هذا السلاح بأنه سلاح قذر وخطر، وقذارته وخطورته تكمن في الفكر الجاهل والمتخلِّف والمتطرِّف الذي يستعمله. وتقع مسؤولية مواجهة هذا النوع من التطرُّف الفكري على العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، وتقصير العلماء في القيام بدورهم، أو حتى سكوتهم يحملهم المسؤولية الكاملة أمام الله وأمام المجتمع وأمام التاريخ.

تحدَّث بعده الشيخ محسن آراكي (الأمين العام لمجمع التقريب بين المذاهب في إيران) عن: «أثر الفكر التكفيري على وحدة الأمة»، وممَّا قاله: صحيح أننا نواجه فتنة التكفير وهي فتنة خطيرة جدًّا ولا بد من أن نتكاتف وأن نتضامن في مواجهاتها وعلاجها، ولكن لا بد أن نلتفت إلى نقطة أساسية وهي أن ما نشهده اليوم في أمتنا الإسلامية من الفتن والمؤامرات التي اشتدت على أمتنا هو مخاض لولادة جديدة لهذه الأمة، فلا بد من نهضة لهذه الأمة، لتعود إلى الحياة التي سُلبت منها.

وأضاف الشيخ الأراكي: الاختلاف صفة تناقض صفة الإسلام، فالأمة التي تُصاب بمرض النزاع الداخلي وتُصاب بمرض التكفير تكون قد أُصيبت بمرض أساسي في هويتها.، وهذا سيؤثر ليس فقط على مصلحة الأمة وإنما على وحدتها الدينية والاجتماعية.

الدكتور كمال الهلباوي (من مصر) تحدث عن: «المشروع الغربي وصناعة الفكر التكفيري»، وممَّا جاء في ورقته: المشروع الغربي وصناعة الفكر التكفيري الذي سأتحدث عنه ليس بعيداً عن مصر، سأذكر بعض الأشياء التي تُوضِّح ما أردت قوله، لقد تركت مصر مُجزَّأة ومُقسَّمة ليس تقسيماً جغرافياً إنما تقسيماً فكريًّا وعقديًّا.. فهناك غلاة ومتطرفون ولا يمكن أن يبشرنا ما يجري بالخير. وأضاف: لا أدري أين يذهب هؤلاء الغلاة بالشعب وبالأفكار وبالشباب، حتى أنه بعض العلماء في الأزهر الشريف ويسوؤني ذكر ذلك فبعضهم من الغلاة والمتشددين الذين كفَّروا الناس... ما أحوجنا إلى قناة إسلامية تدعو إلى وحدة الأمة وتجمع ولا تُفرِّق، كي يلتئم شمل هذه الأمة.

ﷺ التوصيات

ومع انتهاء أعمال المؤتمر أصدر المشاركون بياناً ختاميًّا سبقته كلمة للشيخ حسان عبدالله، ممَّا جاء فيها:

إن نهج التكفير هو نهج غريب عن أمتنا ونحن نعتبر أن الخلاف هو خلاف سياسي بين نهجين: نهج يدعو لإسلامٍ مقاوم يسعى لتحرير فلسطين وإزالة الغدة السرطانية، ونهج يريد أن يُضيِّع الإسلام والمسلمين باقتتال وتناحر فيما بينهم. إخوتي الكرام سأترك المجال للشيخ أحمد الجزائري لتلاوة البيان الختامي فليتفضل.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

يقول تبارك وتعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾ صدق الله العظيم.

برز الإسلام بأصالته وسماحته في أمتنا وخاصة في العقود الأخيرة، حيث التفَّ حوله الناس على الرغم من كل محاولات الاستكبار العالمي لإبعاده عن مسرح الحياة، ولكنَّ المؤامرات على الإسلام والمسلمين لم تتوقَّف، وإذا بالأمة تُبتلى في عالمنا العربي والإسلامي بجماعات تكفيرية، تتَّخذ من الإسلام شعاراً، ولكنها تُخالف أهدافه وسماحته في سلوكياتها، حيث تلجأ إلى تكفير كل من عداها من المسلمين، وتُحِلُّ دمه وماله وعرضه، مخالفة بذلك أوليات النطق بالشهادتين، وهي تبثُّ العقائد الزائفة، والإجرام المتنقل، والقتل المتعمد للأبرياء من المسلمين وغيرهم، في أسواقهم وبيوتهم ومساجدهم، وتُثير الفتن بين المسلمين خادمة بذلك أعداءهم، إن لم نقل: إنهم يتحرَّكون بتوجهاتهم.

إنَّ اتِّحاد علماء بلاد الشام، تأكيداً منه على سماحة الإسلام، ورفضاً لفتنة التكفير، وتحذيراً من هذا الانحراف الخطير عن منهج الإسلام، ومن شرور فتنة التكفير ومخاطرها على الأمة الإسلامية خاصة وعلى الإنسانية عامة، فقد عَقد هذا المؤتمر العالمي في بيروت وحضره كبار علماء الإسلام من مختلف المذاهب الإسلامية، تحت عنوان: «سماحة الإسلام وفتنة التكفير»، عالج السادة العلماء والمفكرون والمشاركون بأبحاثهم وكلماتهم ومداخلاتهم الموضوع المثار، وخلصوا إلى النتائج التالية:

أولاً: إنَّ الإسلام عقيدة وشريعة مصدرهما كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وصحبه)، قد اشتمل على كل ما يصلح شأن الإنسان في الدنيا والآخرة، وهو يُقيم بين أبناء المجتمع الإنساني أسلم العلاقات وأرحبها، لا سيما بين أبناء الدين الإسلامي على قاعدة الأخوَّة، والنُّصح والدعوة بالتي هي أحسن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البرّ والتقوى.

ثانياً: إنَّ منهج التكفير الذي تعتمده الجماعات التكفيرية هو منهج مخالف لهدي كتاب الله وسُنّة رسوله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي دعا إلى الإيمان بالخالق عزّ وجل وإفراده بالألوهية والعبودية من دون إكراه، ورضي من الناس إقرارهم بالشهادتين ليدخلوا في دين الله فيصبح لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.

ثالثاً: قال تعالى: ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، ما يرتب على المسلمين التكاتف والمناصرة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى»، بل يحرم مس المسلمين بسوء، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه».

رابعاً: أجمع المسلمون بأنَّ النصوص الشرعية من كتاب وسُنّة، ليست عندهم في مرتبة واحدة من حيث الدلالة والثبوت، وأنَّ المذاهب الفقهية قد نشأت جرّاء الاختلاف في فهم النص أو درجة ثبوت النص، ولا ينكر أهل العلم الاختلاف، بل صرَّح كبار علماء المذاهب قديماً وحديثاً بالاعتراف بالمذاهب الأخرى وصحة العمل وفقها، ولم يُكفِّر المسلمون بعضهم بعضاً رغم كل ما جرى بينهم من خلافات أو حتى نزاعات على السلطة والمواقف السياسية.

خامساً: إنَّ أصحاب المنهج التكفيري الذين يتخذون من التكفير سبباً للقضاء على خصومهم ومخالفيهم بإباحة دمائهم وقتلهم وطردهم من بلادهم، لا يفعلون ذلك من منطلق ديني أبداً وإنَّما من منطلقات أخرى، ولأهداف مشبوهة، سياسية أو طاغوتية أو إجرامية، وهم بإجرامهم يجرُّون على الأمة الويلات والكوارث التي لا يعلم مداها إلَّا الله عزَّ وجلّ، وعلى علماء الأمة في كل الظروف والأحوال مواجهتهم بمنطق العلم الشرعي الذي يُبطل افتراءاتهم ويفضح ضلالهم وجرائمهم أمام المسلمين.

سادساً: لقد نجح هؤلاء التكفيريون في صرف رؤية عامة الناس عن الأعداء الحقيقيين للأمة الإسلامية، من اليهود الصهاينة المغتصبين لأرض فلسطين والقاتلين لشعبها، وحوّلوا هذا العداء إلى عِدَاءٍ بين أبناء الأمة الواحدة مذهبيًّا وعرقيًّا وإقليميًّا.

سابعاً: إنَّ الفضائيات التكفيرية التي لا همَّ لها سوى بث روح العداء والفرقة، ونبش خلافات التاريخ والتحريض على الفتنة والتباغض بين المسلمين، تلعب دوراً خطيراً في تفتيت وحدة الأمة، وإنَّ المتحدثين عبر شاشاتها من محرضين للفتنة لا يقلُّون إجراماً عمَّن يباشرون القتل بأيديهم، بل هم أكثر إجراماً ومسؤولية عن الفتنة وآثارها.

ثامناً: إنَّ الجرائم التي ارتكبها التكفيريون في كل من مصر وسوريا والعراق وباكستان هي وصمة عار، عدا عن كونها جرائم ضد الإنسانية ارتكبت بحق مواطنين مسالمين، ويستحق مرتكبوها المحاكمة باعتبارها جرائم إبادة، لا سيَّما جريمة التفجير الانتحاري التي أدَّى إلى استشهاد العلامة الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي وحشد من المصلين في المسجد بدمشق، وارتكاب مجزرة قرية حطلة السورية بقتل العلامة السيد إبراهيم السيد وزوجته وابنتيه وعدد من أنصاره، والقتل العمد بالضرب والسحل للشيخ حسن شحاته وعدد من أنصاره في مصر، والتفجيرات المتنقلة في مساجد وأسواق وأزقة العراق.

تاسعاً: يتوجَّه المؤتمر بالدعوة إلى أبناء الأمة جمعاء ولاسيَّما المتقاتلين أن يعودوا إلى سماحة الإسلام، ويتَّقوا الله تعالى في البلاد والعباد ويبحثوا عن حلول لخلافاتهم عبر الحوار والتفاوض، لأنَّ التقاتل والصراع العسكري لا يستفيد منه إلَّا أعداء الأمة، لا سيّما إسرائيل وراعيتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الذين يناصبون الأمة العداء جهاراً نهاراً.

عاشراً: يُدين المؤتمر كل تدخل خارجي في شؤون الأمة الإسلامية وخصوصاً التدخل الأمريكي – الأوروبي، ويدعو الدول العربية التي تُمِدُّ التكفيريين بالمال والسلاح إلى الكف عن ذلك.

حادي عشر: يُذكرِّ المؤتمرون الأمة بواجبها الأساس تجاه فلسطين والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، وهو واجب تحريرها من دنس الاحتلال الصهيوني، مع التأكيد على أنَّه لا سبيل لتحرير فلسطين إلَّا بالاستمرار في اعتماد نهج المقاومة بكل أبعادها.

ثاني عشر: يتحمل علماء الأمة ومفكروها ومثقفوها وسياسيوها مسؤولية كبرى في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ أمتنا، بتبيان سماحة الإسلام وعظمته ودوره في إحياء الأمة وإنقاذها وإحياء دورها، وتوعية الأجيال الصاعدة على هذه المعاني، وتعريف الناس إلى مسؤوليتهم الشرعية التي يترتب عليها حساب عسير عند الله تعالى في حال التقصير، وأن التكفير منزلق شيطاني خطير ضد مصلحة الأمة، ولا يمت إلى الإسلام بِصلة.

ثالث عشر: يوصي المؤتمر بتجنُّب تجريح الهيئات والمؤسسات الدينية والأكاديمية وغيرها بوصفها هيئات اعتبارية، وإن يرد على الأخطاء والطروحات الفاسدة بالدليل الشرعي والحجة العلمية والقيم الأخلاقية.

رابع عشر: طُرح في المؤتمر تشكيل هيئة تضم الاتِّحادات العاملة للوحدة الاسلامية على أن تضم النواة الأولى: مجمع التقريب بين المذاهب وتجمُّع العلماء المسلمين واتِّحاد علماء بلاد الشام، وقد أُحيل هذا الاقتراح للمكتب التنفيذي للاتِّحاد ليُعمل على طرحه مع الهيئات الأخرى.

خامس عشر: تقدَّم المؤتمرون بأبحاثٍ ومقترحات ضُمت إلى أوراق عمل المؤتمر ليُصار إلى إصدارها لاحقاً ضمن كتاب يصدر عن المكتب الإعلامي لاتِّحاد علماء بلاد الشام.

والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

 

 

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة