شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
مسألة الثّقافة في الخطاب التّبشيري
من خلال مجلّة «في ديار الإسلام» 1926-1948م
إعداد: الدكتورة حميدة حمايدي
* البريد الإلكتروني: hmaidi_hamida@yahoo.fr
- رسالة دكتوراه، جامعة 9 أبريل، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس
- إشـراف: الدكتور كمال عمـــران والدكتـور مـحـمــد شـــقــرون
- تاريخ المناقشة: 10 ديسمبر 2012م
ختمت دراستي في مرحلة الأستاذية ببحث جامعي وُسم بـ(وضع الكنيسة والبابوية في القرن التّاسع عشر من خلال مؤلفي: صفوة الاعتبار لبيرم الخامس والرحلة الحجازية لمحمد السنوسي.. فرنسا وإيطاليا نموذجاً)، وكانت رغبتي أن أتعمق في المسائل الحضارية المتصلة بالحوار الديني المسيحي الإسلامي، فأعددت بحث ماجستير تحت عنوان (علاقة التعليم بالتبشير فرانسوا بورقاد نموذجاً)، وتمحور البحث حول شخصية كنسية كاثوليكية ظلت مغمورة في الدّراسات الحضارية باللغتين الفرنسية والعربية.
وأبرزت انطلاقاً من آثار بورقاد وهي على التوالي: «سهرات قرطاج» «مفتاح القرآن» و«المرور من القرآن إلى الأناجيل»، كيف توسل هذا المبشر بالتعليم آلية للتبشير، وكيف عمل هذا المبشّر على تنفير القارئ لكتبه من النّظم الاجتماعية الإسلامية السّقيمة التّي أنتجتها «ثقافة القرآن» ويرغبه في النّظم الاجتماعية المسيحية الّتي أنتجتها «الثقافة الكاثوليكية المقدّسة».
كما أبرزنا كيف طوّع بورقاد القيم المسيحية النّبيلة لتمهيد السّبل للحماية الفرنسية، وللمخططات التّبشيرية الّتي عرفت أوجها مع الكاردينال لافيجري.
حاولت أن أتوخى الحزم والصّرامة، والتزمت بما ظفرت به بالجامعة التّونسية من منارات منهجية ومعرفية، وبالملاحظات القيمة التّي توجني بها أساتذتي خلال مناقشة بحوثي المتواضعة.
وقد كانت رسالة الدّكتوراه ثمرة ما تعهدني به أساتذتي من التصويب والتّقويم، وإنّ استحسان أساتذتي موضوع الماجستير كان لي خير حافز شجعني على توسيع دائرة البحث.
ويتنزل البحث الموسوم بـ«مسألة الثّقافة في الخطاب التّبشيري من خلال مجلّة (في ديار الإسلام)»، في إطار حوار الدّيانات ورصد تاريخ الأفكار في الجدل الدّيني المسيحي العربي الإسلامي. وإنّ البحث في الرّؤى الثّقافية المتميّزة بشدّة التّباين، وكثرة الاختلاف، يتّسم بنصيب من العسر رغم أنّها صادرة من الإنسان وتوجّه إليه، كما أنّ مفهوم الثّقافة في العصر الحديث أضحى زئبقيًّا يصعب خصره، ويعسر تحديده.
وقد حاولت أن أستغلّ حذقي للّغة الفرنسية، وأراهن على مادة لا تزال بكراً، عانيت الأمرين لأظفر بها. وهي مادة صادرة عن ذائقة ثقافية وبيئة حضارية مخصوصتين، وتناولت بالدرس الذّائقة الثّقافية الأشدّ عداوة، والبيئة الحضارية الأعنف مراساً، الّلتين أرقتا الثّقافة الكنسية الكاثوليكية، وقد ظلّ الطّرفان على مرّ الزّمن محكومين بأواصر يغلب عليها المدّ والجزر.
إنّ المصدر مجلّة «في ديار الإسلام» كتبت بالفرنسية، من طرف صفوة المثقفين الكاثوليك الأوروبيين: مستشرقين وأطباء ومؤرخين ولغويين وعلماء اجتماع ونفس... ولذا فإنّني حرصت حرصاً بليغاً على ضرورة توخّي الحذر والدّقة، وعدم تزييف المعنى الأصلي، وتحريف الشّواهد المعربة، والإتيان بشواهد من نسجي الخاص، ممّا ينجرّ عنه الاعتداء، والتّجني السّافر على حرمة النّص الأصلي. ودفعاً للضرر اتّصلت بأهل الذّكر المسيحيين، وتجاذبت معهم حوارات جعلتني أتأكّد من أنني كنت وفيَّة لعملية التّعريب.
إنّ المجلّة مصدرنا في البحث، والّتي عنونها أصحابها بالفرنسية «En terre d’islam» وبالعربية «في ديار الإسلام»، والتي امتدت على امتداد عقدين ونصف (1926-1948م)، كانت مظروفة بأحداث عالمية هزت العالم بأسره هزًّا، وغيّرت في الخارطة الجغرافية، والسّلطات السّياسية والعسكرية والثّقافية تغييراً عميقاً.
ولم تكن المجلّة غافلة عنها إلّا أنّنا اقتصرنا في البحث على ما له صلة بالمسائل الثّقافية أساساً رغم إيماننا أنّ الثّقافة والاقتصاد والسّياسة... كلّ لا يمكن عزله بعضه عن بعض، يؤثّر بعضها في بعض، كما تطوّع لخدمة بعضها بعضاً، إلّا أنّه كلّ حقبة زمنية يهيمن معطى على الآخر.
والحقيقة أنّه زمن صدور المجلّة كانت المسائل الثّقافية على أشدّها، والمجلّة كانت بمثابة أعمال مخبرية أسّها التّفكيك والتّحليل وإعادة التّركيب، وفقاً لمصالح ثقافية كنسية كاثوليكية، تقهقرت منزلتها السياسية والاقتصادية والثّقافية بديارها الأمّ، إذ أضحت أوروبا علمانية لائكية، ورفعت شعار «اشنقوا رأس آخر إمبراطور بأمعاء آخر قديس». فسعت الكنيسة إلى الانتشار، واستعادة ما فقدته بالمستعمرات، رغم إيمانها أنّ ديار الإسلام غير قابلة للاهتداء.
يتضمّن البحث ثلاثة أبواب، وسم الباب الأوّل بـ«سياسة ثقافة التّبشير الكاثوليكي الاستعماري وآلياتها بديار الإسلام»، ويحتوي على فصلين: الفصل الأوّل: «سياسة ثقافة التّبشير مميزاتها ومراحلها»، والفصل الثّاني: «آليات ثقافة التّبشير الكاثوليكي الاستعماري».
ويتضمن الباب الثّاني المعنون بـ«التّبشير الكاثوليكي الاستعماري والثّقافة الإسلاميّة» بدوره فصلين، الفصل الأوّل: «أسباب التّبشير الاستعماري بديار الإسلام»، والفصل الثّاني: «الحضارة الإسلاميّة: الحضارة الممتدّة المعطاء».
أمّا الباب الثّالث الموسوم «بإخفاق ثقافة التّبشير بديار الإسلام من خلال (في ديار الإسلام)» فقد امتدّ أيضاً على امتداد فصلين، الفصل الأوّل: «انهيار الاستعمار والتّبشير الفرنسيين وعلاقته بانهيار الثّقافة الكاثوليكيّة»، والفصل الثّاني: «ثقافة الجهاد بديار الإسلام وعلاقتها بانهيار الاستعمار والتّبشير الفرنسيين».
ومن أبرز القضايا المطروحة في البحث:
* رصد كيف تبيّنت «في ديار الإسلام» لسان حال الثقافة الكنسية مفاهيم من قبيل: «ثقافة التبشير الكاثوليكي الاستعماري»، «مشروع التحويل الكاثوليكي الاستعماري»، «ثقافة الرّومنة»، «ثقافة الكتاب»، «ثقافة الجمعيات والمنظمات»، ثقافة الصّداقة الكاثوليكية الإسلامية»، «ديار الحرب/ ديار الإسلام»، «الثّقافة السّامية/ الثّقافة الآرية»، «ثقافة البربر/ ثقافة العرب»، ثقافة القرآن/ ثقافة الأناجيل»، «ثقافة الرّسول محمّد/ ثقافة يسوع»، «ثقافة الاستشراق»، «ثقافة الجهاد/ ثقافة الإرهاب».... وإن البحث في هذه القضايا وغيرها ينفلت من التّحديد الزّمني والمكاني، إذ تحتّم دقّة البحث كشف المخبأ، وتوضيح الغموض اللّذين توختهما المجلّة.
* لِمَ استحضرت «في ديار الإسلام» أعلاماً فرنسيين معاصرين لفترة صدورها، أو من الإرث الثّقافي الكنسي الفرنسي، وألبستهم حللاً أسطورية فاقت منزلة بابا الفاتكان ذاته، مثل لافيجري وفوكولد والجنرال وايقند والقدّيس لويس...؟ ولِمَ خصَّت أيضاً جملة من المثقّفين والسّاسة المسلمين بالدّرس، وتاقت إلى التّقرّب منهم أو الاحتياط منهم، أمثال الطّاهر الحدّاد وطه حسين وأحمد أمين وابن باديس والشّاذلي خير الله ونظيرة زين الدّين ومحمد علي باشا...؟
* إلى أيّ حدّ اضطلعت المجلّة بمسؤوليّة التّأسيس لثقافة كنسيّة كاثوليكيّة استعمارية، مستغلّة انتشار الاستعمار الفرنسي بديار الإسلام؟ وهل تسنّى لها الاستفادة في المشاريع الامبرياليّة الفرنسية، وتوظيفها لفائدة نشر الثّقافة الكاثوليكيّة؟
* ما طبيعة العلاقات القائمة بين الثّقافة الكنسية الكاثوليكية ونظيراتها الكنسية البروتستانتية والقبطية والأرثوذكسية، وبقية الثقافات الأوروبية اللائكية والعلمانية والماركسية والشّيوعية، مع التّركيز أساساً على علاقتها بالثّقافة العربية الإسلامية؟ وما نصيب «ثقافة التّبشير الاستعماري» من الإضافة للثّقافة الإنسانية وإثرائها؟
* كيف تمّ تحويل القضايا الفكرية وما يتعلّق بالحياة اليومية المعاشة (العادات، الفولكلور، آداب الطّعام، الحفلات، والمآتم..) إلى مقالات متماسكة ومتشابكة، دون أن ينسلخ ذلك عن القناعات الثّقافية الكنسية الكاثوليكية الثابتة، والإرث الثقافي المقدّس الّذي يشرّع ويبرّر لاستلاب الآخر وقتله. ويؤمن أن الحقيقة لا وجود لها خارج سننه الثّقافي، وما أبرز الآليات الكنسية الموظّفة لبلوغ مشاريع التّحويل الثّقافي؟
* كيف تعاملت الثّقافة الكنسية الكاثوليكية مع استقلال مصر والعراق عن بريطانيا، الخصم الاستعماري اللّدود للحماية الفرنسية، وما موقفها من استقلال سوريا ولبنان عن فرنسا؟ وإلى أيّ حد هيمن الانسجام والتّعاون بين الكنيسة الكاثوليكية والحماية الفرنسية بديار شمال إفريقيا؟ وما علاقة الحماية الفرنسية بالحروب الصّليبية من المنظور الثّقافي الكاثوليكي؟
* كيف حاولت الثّقافة الكاثوليكية تطويع إعلان الجمهورية التّركية، ونجاح الثّورة الكمالية لخدمة مشاريعها التبشيرية التّدميرية، ومدى ظفرها بمرادها؟
* لِمَ شجّعت الثّقافة الكنسية الكاثوليكية تدفّق الجاليات العمالية والطّلابية العربية الإسلامية (خاصّة الشّمال إفريقية) على فرنسا، وتشييد فرنسا رعاية لمصالحها لمؤسّسات دينية واجتماعية، وإلى أي حد كانت هذه المنشآت رجماً لاحتضان مشروع التّحويل؟
* هل حدّ تنظير الثّقافة الكنسية الكاثوليكية من انتشار الثّقافة النّقابية العمالية، والمنظّمات الاجتماعية والثّقافية الإسلامية، والأحزاب داخل المستعمرات وخارج تخومها، أم أنّ هذا التّنظير ذاته اضطلع بدور فعّال في انتشار الجدل الفكري من خلال ظهور مؤلّفات دينية واجتماعية وسياسية رجالية ونسائية، وانتشار مؤسسات الإعلام والصحافة بديار المشرق الإسلامي والمغرب الإسلامي، على حدّ السّواء تعهدها محرّرو المجلة بالبحث والنّقد؟
* كيف توسّلت ثقافة التّبشير الاستعماري بالمعطيات الاقتصادية (أزمة الثلاثينات الاقتصادية، انعقاد المؤتمر الأفخرستي، احتفال الحماية الفرنسية بخمسينيتها في الدّيار التونسية، ومئويتها في الدّيار الجزائرية)، واشتداد المنافسة العالمية على الآبار النّفطية بالعراق، وتشييد قرى فلاحية بتبار التّونسية لتعزيز أواصر ثقافتها ونشرها؟ وما علاقته بالرّموز الدّينية، والرّأس المال الرّمزي للثّقافة الإسلامية؟
* لِمَ اعترفت المجلة لسان حال الثّقافة الكاثوليكية، أنّ الثّقافة الإسلامية ثقافة معطاء أثرت الثّقافة الإنسانية، وتميّزت بالمرونة والانفتاح والتّسامح على مرّ العصور، ممّا جعلها تخطّط لكيفية الاستيلاء على الإرث الثّقافي بمصر وسوريا وتركيا وتونس، وأفاضت في الإشادة بحضارة الأندلس، وبفضل الحضارة الإسلامية في إخراج الأوروبيين، بما فيهم رجال الدّين من ظلمات الكهوف، إلَّا أنّها عملت على ترويج أطروحة دناءة الثّقافة السّامية ووضاعتها، في مقابل رفعة الثّقافة الآرية ونبوغها، وروجت المجلة أن يكون من بين محرّريها من هم امتداد لبرنارد دي كلارفو وجلبار دو نوقون وأرنست رينان؟
ولِمَ لهثت المجلة وراء مشاريع اللّغة العربية، وشجّعت على تفشّي اللّهجات المحلية ونشر اللّغة البربرية؟ وما علاقة ذلك بالهوية الثّقافية الإسلامية العربية؟
* كيف استفادت الثّقافة المسيحيّة من إشعاع الثّقافة الإسلاميّة أثناء الحروب الصّليبيّة؟ وإلى أي مدى أثّرت ثقافة الكتاب بالدّيار الإسلامية في الثّقافة المسيحية؟ وكيف كان الرّهان الثّقافي الإسلامي على التّرجمة آليّة الاستيعاب الثّقافي؟
* كيف تمثلت الرّؤية الثّقافية الكاثوليكيّة مقوّمات الثّقافة الإسلاميّة بين الطّوباويّة والواقع. وهل تجاوزت المجلّة الاستنساخ الثّقافي أم أنّها عدّت الإرث الثّقافي الكاثوليكي مقدّساً وحاربت ما عاداه من ثقافات مدنسة؟
* فيم تمثّلت الوشائج العميقة بين الاستعمار والتّبشير والاستشراق؟ وما علاقة «التّبشير الاستعماري الكاثوليكي» بالحروب الصّليبية؟ وإلى أيّ مدى عبّرت المجلّة عن الرّؤى الكاثوليكية المقدّسة والثابتة؟ وكيف أوجدت «ثقافة التّبشير الاستعماري» لنفسها صيغاً وآليات جديدة حقّقت لها الانسجام من حيث الشّكل والمضمون مع الظّروف الحافة بزمن صدورها؟ وما مدى رضوخ «في ديار الإسلام» للسلطات السّياسية والعسكرية والتّقيد بتعاليمها؟
* كيف كان المستشرقون والرّحالة والباحثون الأوروبيون الخلف مثل السّلف، يروّجون صورة مأساوية وواهنة للمرأة المسلمة رابطين ذلك ربطاً عميقاً بالقرآن؟ ولكن لم أسهبت المجلة في الحديث عن المرأة المسلمة المثقّفة أمثال هدى شعراوي ومي زيادة وعائشة التّيمورية وتوحيده بالشّيخ ونظيرة زين الدّين اللائي عملن على إثراء الثّقافة العربية، متجاوزات الفروق الوهمية التي سمّم بها الاستعمار الثّقافة العربية الإسلامية؟
* كيف تعلّم محررو المجلة دروساً مجانية في التّسامح والذّكاء والفطنة من الثّقافة الإسلامية، وما مدى إنصاف المجلّة لثقافة القرآن؟ وكيف آمنت المجلة بثقافة الأناجيل الّتي رأت النّور بالشرق، قبل أن تنتشر بأوروبا وصبت جمّ غضبها وعنفها على ثقافة القرآن، وثقافة الشّرق وخصتهما بثقافة دموية قاتلة: «ثقافة الجهاد» الّتي تطورت إلى «ثقافة الإرهاب»؟
* لقد اشتدت ذروة الاختلاف الثّقافي والتبس الاختلاف بالخلاف وحرب الإقصاء، ورفعت الثّقافات على اختلافها في الظّاهر شعار الحوار والتّفاهم والتّقارب، إلّا أنّ التّنافر والتّباغض والصدام ووأد خصوصيات الآخر، كان الرّهان الأشدّ طغياناً. وبينّا في البحث كيف تقلبت المجلة وفقاً للظروف السّائدة بين الحوار والصّراع الثّقافيين، إلّا أنّها كانت بذرة من بذور نظرة صدام الحضارات الّتي عرفت رواجاً ساحقاً بعد أحداث 11 سبتمبر مع هنتغنتون وفوكوياما؟
* ما أسباب قنوط رجال الدّين الكاثوليك الخلف مثل السلف وإيمانهم باستحالة الاهتداء إلى الكاثوليكيّة بديار الإسلام، وما تداعيات رفض المسلمين للأعمال الاجتماعيّة الكاثوليكيّة؟ وإلى أي حد وعى المسلمون المستهدفون بمشاريع التّحويل طبيعة هذه المشاريع التّدميرية؟ وكيف ساهمت الثّقافة الكاثوليكية ذاتها في نشر الثّقافة الإسلاميّة؟
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.