شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
عندما تكون الثقافة كلمة
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي*
* باحث من العراق.
لقد شهدت الساحة الفكرية العربية تحوُّلات وتغيُّرات عديدة في تاريخها الحديث، و شهدت تأثرات واضحة وجلية بنظريات مختلفة منها ما كان موجوداً لكنه يتبدَّل و يتلوَّن، ومنها ما هو طارئ وجديد.
حتى جاء عصر الحداثة، وما بعدها، وما بعد بعدها، وما رافقه من تحوُّلات، وتغيُّرات، وتبدلات في البنية الفكرية العربية والإسلامية، رافق ذلك نزاع فكري، وتنظيري، وكتابوي كبير بين ثلاثة اتِّجاهات فكرية طفت على سطح المشهد الثقافي، والفكري العربي، الذي كان وفي أكثره يمثل الصدى الارتدادي لما يجري في الغرب. وهذه الاتجاهات الفكرية هي:
الأول: ما يريد أن يفرض قطيعة على التراث بأجمعه، تصل إلى حد المقاطعة التامة في أغلب جوانبه.
الثاني: ما يُريد أن يُؤسلم المعرفة، و كأنه لا بد للعلوم أن تشهد الشهادتين، وإلَّا فهي كافرة.
الثالث: ما يريد أن ينظر للأمور بتعقُّل من جانب، و بتوفيقية، و باعتراف بالآخر من جانبٍ آخر.
فكان أن برز في وسط هذا (النزاع الفكري) كُتَّاب، وكتابات، وصحف، ومجلات، إذ لا يخفى على أحدٍ ما للمجلات من مكانة في الواقع الثقافي، وما لها من دور في تكوين النخب الثقافية، وتنشيط المناخ الثقافي، ورفده بشتى المعارف، والأفكار، والنظريات، وباقي الاتجاهات التي لا تتَّسع لها الكتب، فالكتاب وصناعة الكتاب بشكل عام أصبحت صعبة فكريًّا و ماديًّا، وليس بمقدور الأكثرية المثقفة أن تُترجم أعمالها إلى كتب بسبب العائق المادي، فكانت المجلات هي المُتنفَّس الوحيد لهم.
كما ولا يخفى ما لعبتة المجلات وبشكل عام من دور في النهضة العربية إبَّان مسيرتها، و خلال انطلاقتها الأولى.
وهنا لا بد أن نقف مع مجلة (الكلمة) بما احتوته صفحاتها من دراسات معاصرة فكرية، ودينية، وثقافية عامة، كُتبت، ونُشرت بكل حِرفية وإتقان.
فكان لمجلة (الكلمة) الدور البارز في مواكبة معطيات وإفرازات المشهد الثقافي العربي، وأطروحات (الحداثة) و (العولمة) و (ما بعد الحداثة) بكل ما رافق ذلك من مفاهيم ونظريات، وناذج فكرية، سواء كانت تنموية، أو تجديدية ممَّن تأثر بواقع النهضة العربية الذي انطلق في نهايات القرن السابع عشر الميلادي، ذلك العصر الذي كان له أبلغ الأثر في تفعيل عوامل النهوض في عالمنا العربي والإسلامي، لكن ومع بالغ الأسف أنه قد رافق ذلك بروز صراعات أيديولوجية، وعرقية، ومذهبية ما غيب سؤال النهضة في خضم أزمات تخلفية في أكثر من زمان و مكان، ممَّا ترك بصمته السوداء على الواقع العربي والإسلامي بشكلٍ عام.
لقد كان للمقالات التي تناولتها هذه المجلة في: (قضايا الثقافة، والحضارة، والقضايا النقدية، والوعي العربي، ومشروع المرأة في الواقع العربي والإسلامي، والدراسات التي تناولت أعلام الإصلاح ومفكري النهضة، وقضايا الإسلام والغرب، والمناهج، والنظريات، والمصطلحات، والمفاهيم ).
كان لها الأثر الكبير في تحسُّن الواقع الثقافي العربي ولو بنسبةٍ ما.
ولقد جذبني إلى هذه المجلة ما جذبني قبل ذلك من إعجاب بكتابات بعض كُتَّاب هذه المجلة كـ( العلامة الفضلي، وإدريس هاني، و زكي الميلاد).
فكان إعجابي بكتابات (الشيخ العلامة عبد الهادي الفضلي) بكل ما احتوته من نظرة تجديدية على مستوى المناهج، والأساليب، ونبذ التقوقع، والسير مع الواقع، والانطلاق نحو فضاء الثقافة الرحب.
وكذلك إعجابي بكتابات (الأستاذ و السيد المحترم إدريس هاني) بما احتوته كتاباته من نقد، وصراحة، وحزم، وواقعية، فقد تميَّزت بالعمق، والسعة، والنظرة الاستراتيجية ذات الخلفية التاريخية غير المنفكة عن التراث.
وكذلك كتابات (الأستاذ الفاضل زكي الميلاد) بما احتوته من نظرة توضيحية، وتصحيحية، وتوفيقية، بما لها من دفاع عن التراث الإسلامي.
لقد كان لكتابات من ذكرت، مضافاً إلى كتابات رواد التجديد، الأثر الكبير عليّ، وعلى إخوتي في مركز الفكر الإسلامي المعاصر، الذي تأسس في النجف الأشرف عام (2011 ميلادي) والذي أصدر الجزء الأول من (معجم مصطلحات الحداثة) و ذلك في صياغة، وبلورة، وشرح الكثير من المصطلحات التي عملنا عليها بدءاً بنظرية المعرفة، وانتهاءً بمفردة الإصلاح.
تُعدُّ المجلات هي المنابر الفعلية لاستجماع الرأي، وتحريك الاتجاهات، وتوليدها، ودفعها. كما وأن لكل مجلة حضورها، ولادتها، وجمهورها، وموضوعاتها.
إن الثقافة عبارة عن كلمات، وجمل، ومحاور، وكل محور له تجلياته الخاصة به. يترجم من الثقافة ما يكون كتاباً، وما يكون غير ذلك، فكيف يمكن أن يتجلى بالكتاب التنوُّع من جانب، و الاستقلالية، وعدم التعرُّض للنقد بسبب تعدُّد أذواق الكتابات بتعدُّد كاتبيها.
لا يمكن أن يتصوّر مثل هذا الكتاب إلَّا لو كان مجلة، و يمكن اختصار كل ذلك بكلمة، و باللزوم يمكن أن نختصر الثقافة في كلمة، حينها تصبح الكلمة (كلمة).
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.